الأحد 24- 7 – 1440هـ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: (تَفْسِيرُ سُورَةِ الشُّورَى
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)}.
قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا أَثَرًا غَرِيبًا عَجِيبًا مُنْكَرًا، فَقَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَير، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ الحَوْطي، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ -وَعِنْدَهُ حُذيفة بْنُ الْيَمَانِ: أَخْبِرْنِي عَنْ تَفْسِيرِ قَوْلِ اللَّهِ: {حم عسق} قَالَ: فَأَطْرَقَ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ كَرَّرَ مَقَالَتَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ وَكَرِهَ مَقَالَتَهُ، ثُمَّ كَرَّرَهَا الثَّالِثَةَ فَلَمْ يُحِرْ إِلَيْهِ شَيْئًا. فَقَالَ حُذَيْفَةُ : أَنَا أُنْبِئُكَ بِهَا، قَدْ عَرَفْتُ لِمَ كَرِهَهَا؟ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يُقَالُ لَهُ "عَبْدُ الْإِلَهِ" -أَوْ: عَبْدُ اللَّهِ-يَنْزِلُ عَلَى نَهْرٍ مِنْ أَنْهَارِ الْمَشْرِقِ تُبْنَى عَلَيْهِ مَدِينَتَانِ، يَشُقُّ النَّهْرُ بَيْنَهُمَا شَقًّا، فَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ فِي زَوَالِ مُلْكِهِمْ وَانْقِطَاعِ دَوْلَتِهِمْ وَمُدَّتِهِمْ، بَعَثَ اللَّهُ عَلَى إِحْدَاهُمَا نَارًا لَيْلًا فَتُصْبِحُ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةً وَقَدِ احْتَرَقَتْ، كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَكَانَهَا، وَتُصْبِحُ صَاحِبَتُهَا مُتَعَجِّبَةً: كَيْفَ أَفْلَتَتْ؟. فَمَا هُوَ إِلَّا بَيَاضُ يَوْمِهَا ذَلِكَ، حَتَّى يَجْتَمِعَ فِيهَا كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهَا وَبِهِمْ جَمِيعًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {حم عسق} يَعْنِي: عَزِيمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِتْنَةٌ وَقَضَاءٌ حُمّ: {حُمَّ} عَيْنٌ: يَعْنِي عَدْلًا مِنْهُ سِينٌ: يَعْنِي سَيَكُونُ، ق: يَعْنِي واقع بِهَاتَيْنِ الْمَدِينَتَيْنِ.
وَأَغْرَبَ مِنْهُ مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَمُنْقَطِعٌ، فَإِنَّهُ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الخُشَني الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَالَ: صَعِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ هَلْ سَمِعَ مِنْكُمْ أَحَدٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَسِّرُ {حم عسق} ؟ فَوَثَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنَا: قَالَ: " {حم} اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى" قَالَ: فَعَيْنٌ؟ قَالَ: "عَايَنَ الْمُوَلُّونَ عَذَابَ يَوْمِ بَدْرٍ". " قَالَ: فَسِينٌ؟ قال: "سيعلم الذين ظلموا أي منقلب يَنْقَلِبُونَ" قَالَ: فَقَافٌ؟ فَسَكَتَ فَقَامَ أَبُو ذَرٍّ، فَفَسَّرَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَالَ: قَافٌ: قَارِعَةٌ مِنَ السَّمَاءِ تَغْشَى النَّاسَ).
الشيخ: ماذا قال على الأثر الأول؟
الطالب: الأثر الأول، فقال: (أثرًا غريبًا عجيبًا منكرًا).
الشيخ: أقرأ السند.
الطالب: (وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا أَثَرًا غَرِيبًا عَجِيبًا مُنْكَرًا، فَقَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَير، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ الحَوْطي، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ..... إلى آخر الحديث)
الشيخ: رجلٌ مجهول، وأرطاة هذا، ماذا قال عليه، هل تكلم على تخريجه؟
الطالب: لا لم يتكلم.
الشيخ: في النسخة الثانية؟
طالب آخر: الأول قال: (لا يصح هذا الخبر عن ابن عباس ولا عن حذيفة، وهو منقطع، أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ لم يلق ابن عباس).
الشيخ: والرجل مجهول هذا، (قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ)، وأرطاة لم يلق ابن عباس، والحافظ قال: (أثر غريب منكر). والثاني؟
طالب آخر: والثاني، قال: (باطل، فيه الحسن بن يحيى الخشني، وهو ضعيف، وأبو معاوية لم يدرك عمر ولا ابن عباس، واكتفى السيوطي في الدر بقوله: ضعيف).
الشيخ: ما هو السند الثاني؟
الطالب: (حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الخُشَني الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَالَ: صَعِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه... إلى آخر الحديث).
الشيخ: كله هذه الآثار آثار باطلة لا يعول عليها، الحروف المقطعة حروف من الحروف الهجائية، الله أعلم بمراده بها، قال شيخ الإسلام وجماعة أن المقصود منها التحدي، تحدي العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وهذا القرآن من الحروف الهجائية المعروفة عندهم، ومع ذلك عجزوا أن يأتوا بمثله أو بسورة مثله، أو بعشر سور مثله، أما هذه الآثار، وأنها كذا وأنها في مدينتان، كل هذا لا يعول عليه، فهي حروف الله أعلم بمراده منها.
الطالب: (وَقَوْلُهُ: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أَيْ: كَمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ، كَذَلِكَ أَنْزَلَ الْكُتُبَ وَالصُّحُفَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ. وَقَوْلُهُ: {اللَّهُ الْعَزِيزُ} أَيْ: فِي انْتِقَامِهِ، {الْحَكِيمُ} فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ).
الشيخ: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ}، يعني كما أوحى إليك هذا القرآن يا محمد أوحى إلى الأنبياء السابقين، أوحى إلى موسى وعيسى، وأنزل على موسى التوراة وأنزل على عيسى الإنجيل، والصحف، صحف إبراهيم، وصحف موسى، فالذي أوحى إليك القرآن، أوحى إلى من قبلك من الأنبياء والرسل، وأنزل عليهم الكتب، واسمه {الْعَزِيزُ}، القوي الذي لا يغالب، العزيز المانع، له عزة القوة وعزة المنعة وعزة الامتناع، {الْحَكِيمُ} في أقواله وأفعاله الذي أتقن كل شيء وأحكم كل شيء، وفيه إثبات لاسم العزيز والحكيم، إسمان من أسماء الله عز وجل، وإثبات صفة العزة والحكمة كما يليق بجلاله وعظمته.
الطالب: (قَالَ: الْإِمَامُ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللَّهِ-عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَس، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيّ فَيَفْصِمُ عَنِّي قَدْ وَعَيت مَا قَالَ وَأَحْيَانًا يَأْتِينِي الْمَلَكُ رجُلا فَيُكَلِّمُنِي، فَأَعِي مَا يَقُولُ" قَالَتْ عَائِشَةُ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ، وَإِنَّ جَبِينَهُ لِيَتَفَصَّدُ عَرَقًا).
الشيخ: يعني [16:53] مع الوحي، وأحيانًا يأتيه مثل صلصلة الجرس، وهذا أشده عليه، وأحيانًا يتمثل له الملك رجلًا فيكلمه، وأحيانًا ينفث في روعه، في قلبة، كما في الحديث : "إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وأجلها".
أنواع الوحي، وحيًا أيضًا يكون في المنام، رؤي الأنبياء وحي أيضًا، وأول ما بدئ بالنبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة، كان لا يرى رؤيا إلا وقعت مثل فلق الصبح، ستة أشهر، من ربيع إلى رمضان، هذه سنة أشهر كان يأتيه الرؤيا، ثم فجأه الحق في رمضان، عليه الصلاة والسلام، ولهذا في الحديث: "الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة"؛ لأن ستة أشهر إذا نسبتها غلى ثلاثة وعشرين سنة، كم تكون؟ ستة وأربعين تقريبًا.
الطالب:( أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ)
الشيخ: يعني هذه أنواع الوحي، إما يأتي مثل صلصلة الجرس، أو يأتيه رجل يكلمه ويتمثل له، أو ينفث في روعه، أو يكلمه الله من وراء حجاب، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾[الشورى:51].
الطالب: (وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ).
الشيخ: والوحي ثقيل على النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل، كما قال: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾[المزمل:5]، قال زيد بن ثابت: "نزل عليه الوحي، وفخذه على فخذي، فثقلت، حتى كادت فخذي أو ترض"، من ثقل فخذه لما نزل عليه الوحي عليه الصلاة والسلام، من شدته أن يتفصد جبينه عرقًا في اليوم الشديد البرد، وكذلك لما نزل عليه وهو على راحلته، عجزت عن حمله عليه الصلاة والسلام.
الطالب: (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ؛ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ يَنْزِلُ عَلَيْكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ: "مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ فيفصمُ عَنِّي وَقَدْ وعَيتُ مَا قَالَهُ" قَالَ: "وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ" قَالَ: "وَأَحْيَانًا يَأْتِينِي الْمَلَكُ فَيَتَمَثَّلُ لِي فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ".
وَقَالَ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ تُحِسُّ بِالْوَحْيِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَسْمَعُ صَلَاصِلَ ثُمَّ أَسْكُتُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَمَا مِنْ مَرَّةٍ يُوحَى إليَّ إِلَّا ظَنَنْتُ أَنَّ نَفْسِي تُقبَض" تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ).
الشيخ: يعني هو ضعيف، هو شديد عليه لكن ليس إلى هذا الحد، أنه يظن نفسه أن تقبض
طالب آخر: المتن فيه نكارة.
الشيخ: المتن فيه نكارة والسند ضعيف، وأعله بماذا؟
طالب آخر: ويقول: (وأعله بابن لهيعة وسوء حفظه، ولكنه من رواية قتيبة عنه وهي صحيحة).
الشيخ: ابن لهيعة هذا ضعيف، و [22:43]، وضعيف في العلل، ومتنه فيه نكارة، لا يصح هذا الأثر.
الطالب: (وَقَدْ ذَكَرْنَا كَيْفِيَّةَ إِتْيَانِ الْوَحْيِ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أَوَّلِ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ).
الشيخ: الحافظ له شرح للبخاري رحمه الله، هل موجود شيء منه من الأجزاء؟
الطالب: لا، مفقودة.
(وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} أي: الْجَمِيعُ عَبِيدٌ لَهُ وَمِلْكٌ لَهُ، تَحْتَ قَهْرِهِ وَتَصْرِيفِهِ، {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرَّعْدِ: 9] {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سَبَأٍ: 23] وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ.
وَقَوْلُهُ: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ}..)
الشيخ: وفيه إثبات اسم الله العلي والعظيم، وإثبات صفة العلو وصفة العظمة، {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ}، يعني مالكهما، وخالقهم وموجدهم والمتصرف فيهما؛ لأنها كلها عبيده وملكه سبحانه وتعالى، يتصرف فيها كيف يشاء وفق حكمته وإرادته.
الطالب: (وَقَوْلُهُ: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ: أَيْ فَرَقًا، مِنَ الْعَظَمَةِ {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ} كَقَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غَافِرٍ:7] .
وَقَوْلُهُ: {أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} إِعْلَامٌ بِذَلِكَ وَتَنْوِيهٌ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}).
الشيخ: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ}، يتشققن خوفًا وفرقًا من عظمة الله عز وجل، {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}، لهم زجل في التسبيح، {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }، فيه إثبات اسم الغفور والرحيم، وإثبات صفة المغفرة والرحمة.
الطالب: (وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ، {اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} أَيْ: شَهِيدٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، يُحْصِيهَا وَيَعُدُّهَا عَدًّا، وَسَيَجْزِيهِمْ بِهَا أَوْفَرَ الْجَزَاءِ. {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} أَيْ: إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).
الشيخ: وهذا فيه تحذير المشركين من الاستمرار على شركهم، {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ}، يحفظ أعمالهم ويحصيها ويجزيهم عليها، للتحذير لهم من الاستمرار على شركهم، ودعوتهم إلى الإيمان بالله وبرسله، {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِم وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}، لست بحافظ عليهم، فالله هو الذي يتولى شأنهم.
وفي هذه الآيات إثبات عظمة القرآن، وأن القرآن نزل بلسان عربي، بالحروف الهجائية المعروفة، ومع ذلك عجز الفصحاء أن يأتوا بمثله أو بسورة مثله، وفيه إثبات الوحي، وأن القرآن وحيٌ من الله وكذلك السنة، وإثبات أسماء الله وصفاته، وإثبات ألوهية الله، ورحمته ومغفرته وعلوه وعظمته.
وفيه أن الله تعالى مالك السموات والأرض ومدبرهما وخالقهما وموجدهما من العدم، وإثبات العلو لله عز وجل والعظمة، وفيه من عظمة الله تعالى أن السموات تكاد تتشقق خوفًا منه سبحانه وتعالى وتعظيمًا له، والملائكة تسبح بقدسه وتنزهه سبحانه عما لا يليق به.
ومن تسخير الله تعالى للملائكة أنهم يستغفرون لمن في الأرض للمؤمنين، كما في آية غافر، يقول: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[غافر:7 - 9]، عليهم الصلاة والسلام، هكذا يدعون للمؤمنين، وهنا في الآية: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)}.
الطالب: ثم قال تعالى: ({وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8)}).