شعار الموقع

سورة الشورى - 2

00:00
00:00
تحميل
56

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

أعوذ بالله من الشيطان، ({وَكَذَلِكَ ‌أَوْحَيْنَا ‌إِلَيْكَ ‌قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ‌‌(7) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8)}.

يَقُولُ تَعَالَى: وَكَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ، {‌أَوْحَيْنَا ‌إِلَيْكَ ‌قُرْآنًا عَرَبِيًّا} أَيْ: وَاضِحًا جَلِيًّا بَيِّنًا، {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى} وَهِيَ مَكَّةُ، {وَمَنْ حَوْلَهَا} أَيْ: مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَسُمِّيَتْ مَكَّةُ "أُمَّ الْقُرَى"؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ، لِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي مَوَاضِعِهَا. وَمِنْ أَوْجَزِ ذَلِكَ وَأَدَلِّهِ مَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِي، أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِي بْنِ الْحَمْرَاءِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ -وَهُوَ وَاقِفٌ بالحَزْوَرَة فِي سُوقِ مَكَّةَ-: «وَاللَّهِ، إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ».

وَهَكَذَا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَقَوْلُهُ: {وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ}، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ.

وَقَوْلُهُ: {لَا رَيْبَ فِيهِ} أَيْ: لَا شَكَّ فِي وُقُوعِهِ، وَأَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ. وَقَوْلُهُ: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}، كَقَوْلِهِ: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التَّغَابُنِ:9] أَيْ: يَغْبَن أَهْلُ الْجَنَّةِ أَهْلَ النَّارِ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هُودٍ:103-105].

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا لَيْث، حَدَّثَنِي أَبُو قَبِيلٍ الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ شُفَيّ الْأَصْبَحِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ، فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ؟» قَالَ: قُلْنَا: لَا إِلَّا أَنْ تُخْبِرَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قال للذي في يده اليمينى: «هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، بِأَسْمَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ، ثُمَّ أَجْمَلَ عَلَى آخِرِهِمْ -لَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا» ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي يَسَارِهِ: «هَذَا كِتَابُ أَهْلِ النَّارِ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ، ثُمَّ أَجْمَلَ عَلَى آخِرِهِمْ -لَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا» فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِأَيِّ شَيْءٍ إذًا نعمل إن كان هذا أمر قَدْ فُرِغ مِنْهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمل، وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ النَّارِ، وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ" ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ فَقَبَضَهَا، ثُمَّ قَالَ: "فَرَغَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْعِبَادِ" ثُمَّ قَالَ بِالْيُمْنَى فَنَبَذَ بِهَا فَقَالَ: "فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ"، وَنَبَذَ بِالْيُسْرَى فَقَالَ: "فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ».

وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا، عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَبَكْرِ بْنِ مُضَرَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ شُفَيّ بْنِ مَاتِعٍ الْأَصْبَحِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، بِهِ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.

وَسَاقَهُ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ. وَعِنْدَهُ زِيَادَاتٌ مِنْهَا: ثُمَّ قَالَ: «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، عَدْلٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».

وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن أبيه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ -كَاتِبِ اللَّيْثِ-عَنِ اللَّيْثِ، بِهِ.

وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي قَبِيل، عَنْ شُفَيٍّ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَذَكَرَهُ.

ثُمَّ رَويَ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ وَهْب، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وحَيْوَة بْنِ شُرَيْح، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ؛ أَنَّ أَبَا فِرَاسٍ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ نَفَضَهُ نَفْضَ المزْوَد، وَأَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ ذُرِّيَّتِهِ، فَخَرَجَ أَمْثَالَ النَّغَف، فَقَبَضَهُمْ قَبْضَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، ثُمَّ أَلْقَاهُمَا، ثُمَّ قَبَضَهُمَا فَقَالَ: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.

وَهَذَا الْمَوْقُوفُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَاللَّهُ أعلم).

كأن الحافظ رجح أنه موقوف على عبد الله بن عمرو، ماذا قال على تخريجه؟

الطالب: قال: أخرجه الطبري بسنده ومتنه، في سنده يحيى بن أبي أسيد ذكره البخاري وسكت عنه، وكذا ابن أبي حاتم، بالنسبة للأثر الموقوف عن عبد الله بن عمرو.

الشيخ: والذي قبله؟

الطالب: الذي قبله في الترمذي، قال: أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وضعف سنده محققوه بسبب ما قيل في أبي قبيل.

الشيخ: النسخة الثانية، في زيادة؟

الطالب: الأول: قال: رواه أحمد في المسند، وإسناده ضعيف، وانظر الكلام عليه في المسند، أما الثاني: قال الترمذي والنسائي في الكبرى، وحسنه الألباني، انظر السلسلة الصحيحة، ونفس الحديث أحسن الله عملك لكن برواية أخرى، أما الثالث: قال: رواه البغوي في تفسيره، والرابع: قال الطبري في تفسيره، والخامس: كذلك الطبري في تفسيره، لعلنا نبحث عنه الآن في المسند أحسن الله إليك.

الشيخ: كأن الحافظ رجح أنه موقوف على عبد الله بن عمرو، كما في الإسناد الأخير، أنه موقوف على عبد الله بن عمرو، ومثل هذا له حكم الرفع، يؤيده الآية، الآية واضحة، ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾[الشورى:7]، وكذلك الحديث الصحيح في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود، قال: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها»، كلها تؤيد حديث، يعني والموقوف لا ينافي المرفوع.

الطالب: كل ميسر لما خلق له.

الشيخ: نعم، ماذا قال؟ يأخذ في اليد اليمنى ماذا؟

الطالب: هل المقصود به النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟

الشيخ: النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

الطالب: الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ، فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ؟» قَالَ: قُلْنَا: لَا إِلَّا أَنْ تُخْبِرَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قال للذي في يده اليمينى: «هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، بِأَسْمَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ.

الشيخ: هذا من الرسول عليه الصلاة والسلام، أما إثبات الشمال، جاء في الحديث الآخر إثبات الشمال لله -عَزَّ وَجَلَّ-...

الطالب: شيخنا، ثم قال في آخره، ثم قال: فَرَغَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْعِبَادِ" ثُمَّ قَالَ بِالْيُمْنَى فَنَبَذَ بِهَا فَقَالَ: "فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ"، وَنَبَذَ بِالْيُسْرَى فَقَالَ: "فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ»، هذا في نفس الحديث.

الشيخ: الظاهر أنه بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام، ثم نبذ باليسرى.

الطالب: وقال شيخنا: وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ النَّارِ، وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ" ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ فَقَبَضَهَا، ثُمَّ قَالَ: "فَرَغَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْعِبَادِ" ثُمَّ قَالَ بِالْيُمْنَى فَنَبَذَ بِهَا فَقَالَ: "فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ"، وَنَبَذَ بِالْيُسْرَى فَقَالَ: "فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ».

الشيخ: الظاهر أن هذا بالنسبة للرسول، أما الشمال جاء في الحديث الآخر: بشماله، من العلماء من أثبت الشمال لله، ومنهم من لم يثبتها، أخذًا بالحديث الآخر: «وكلتا يدي ربي يمين مباركة»، الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد قال بإثبات الشمال لله، قال: «وكلاهما يمين» يعني في الشرف والفضل والبركة، وعدم النقص؛ كالمخلوق، فإن المخلوق عادة تكون يده اليسرى أنقص من اليمنى، أما الله سبحانه وتعالى فله الكمال.

الطالب: ذكر في التخريج أحسن الله عملك على الحديث هذا نفسه، قال: إسناده ضعيف، أبو قبيل وهو يحيى بن هاني، واختلفوا فيه، وثقه أحمد وابن معين في رواية، وأبو زرعة والفسوي والعجلي وأحمد بن صالح المصري، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان يخطئ، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وذكره الساجي في الضعفاء له، وحكى عن ابن معين أنه ضعفه، وقال الحافظ في تعجيل المنفعة في ترجمة عبيد بن أبي قرة: البغدادي ضعيف؛ لأنه كان يكثر النقل عن الكتب القديمة، قلنا: فهو لا يحتمل مثل هذا الحديث، وباقي رجال الإسناد ثقات، هشام بن القاسم وهو أبو النضر، وليث بن سعد وهو شفي الأصبحي، وهو ابن ماتع، وأخرجه الترمذي وابن أبي عاصم في السنة، والنسائي في الكبرى، وأبو نعيم في الحلية من طريق عن الليث بهذا الإسناد، وقال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح، وأخرجه أيضًا الترمذي والنسائي في الكبرى، والطبري في تفسيره الشورى، وأبو نعيم في الحلية من طريقين عن أبي قبيل المعافري به، وذكره السيوطي في الدر المنثور، وزاد نسبته إلى ابن منذر وابن مردويه، وله شاهد عن ابن عمر لا يُفرح به، أخرجه البزار واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة من طريق عبد الله بن ميمون القداح عن عبيد الله بن عمرو عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا، وعبد الله بن ميمون القداح في البخاري ذاهب الحديث، وقال الترمذي وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وضعفه النسائي، وقال ابن حبان: يروي عن الأثبات، هذا الحديث الأول أحسن الله عملك.

الشيخ: هذا كلام من؟

الطالب: هذا شعيب في المسند.

الشيخ: على كل حال الحديث له شواهد، الآيات واضحة في هذا.

الطالب: إثبات اليسرى لله سبحانه وتعالى.

الشيخ: الظاهر أن هذا للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أما الشمال في الحديث الآخر من العلماء من أثبتها، ومنهم من قال: إنها ليس له متابع الرواي، قال: كلتا يدي ربي يمين، قال الإمام محمد بن عبد الوهاب في إثبات الشمال لله -عَزَّ وَجَلَّ-، فيه فوائد في كتاب التوحيد، من العلماء من أثبت الشمال لله -عَزَّ وَجَلَّ-، ومنهم من قال: لا تثبت؛ لأنها ليس له متابع، الراوي، وإن كان الراوي في مسلم، الأمر في هذا سهل، المهم إثبات اليدين لله تعالى، وأن الله تعالى له الكمال، وكلتا يدي ربي يمين مباركة، وهو سبحانه وتعالى لا يلحقه نقص ولا عيب، له الكمال، أما التسمية بالشمال فهذا فيها الخلاف، هل تسمى شمال أو لا تسمى؟

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

هذه الآيات الكريمات فيها أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى نبيه القرآن والسنة كما أوحى إلى الأنبياء السابقين، وأنزل الله تعالى هذا الكتاب العظيم قرآنًا عربيًا، فيه شرف هذه اللغة، وهي اللغة العربية، وهي أشرف اللغات، أنزل الله بها القرآن، وجاء ما يدل على أنها لغة أهل الجنة، ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾[الشورى:7]، أوحى الله تعالى القرآن قال: ﴿لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ﴾[الشورى:7]، فهذا القرآن بشارة ونذارة، ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) ﴿وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾[الإسراء:9/10]، فالله تعالى أوحى القرآن وأنزله باللغة العربية بشارة ونذارة، لتنذر أم القرى ومن حولها، أم القرى يعني أهل أم القرى، وهم كفار قريش، ومن حولها من القرى، ﴿لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ﴾[الشورى:7]، وهو يوم القيامة؛ ليجمع الله فيه الأولين والآخرين، سمي يوم الجمع؛ لأن الله يجمع فيه الأولين والآخرين ويحاسبهم ويجازيهم، ﴿وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ﴾[الشورى:7]، لا شك ولا مرية فيه، فمن شك في البعث أو في يوم القيامة كفر وليس بمؤمن.

﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾[الشورى:7]، يعني الناس ينقسمون إلى قسمين: قسم في الجنة، وقسم في النار، وهذا دلت عليه النصوص الكثيرة، قد جاء في الحديث أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلق الجنة والنار، خلق الجنة وقال: لها ملؤها، وكذلك النار لها ملؤها، وهذا الحديث له شواهد، وإن كان فيها عن أبي قبيل، لكن له شواهد تشهد له، الآيات والأحاديث، وأن الله تعالى جعل الناس قسمين: قسم شقي، وقسم سعيد، فريق في الجنة، وفريق في السعير، نسأل الله السلامة والعافية، وأن يجعلنا وإياكم من أهل السعادة.

(وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ-أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ -دَخَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالُوا لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ أَلَمْ يَقُلْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذْ مِنْ شَارِبِكَ ثُمَّ أَقِرَّهُ حَتَّى تَلْقَانِي» قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «إن اللَّهَ قَبَضَ بِيَمِينِهِ قَبْضَةً، وَأُخْرَى بِالْيَدِ الْأُخْرَى، قَالَ: هَذِهِ لِهَذِهِ، وَهَذِهِ لِهَذِهِ وَلَا أُبَالِي» فَلَا أَدْرِي فِي أَيِّ الْقَبْضَتَيْنِ أَنَا).

يعني حمله على البكاء الخوف، رضي الله عنه، الصحابة وكذلك السلف والأئمة والعباد، كلهم يحصل لهم مثل هذا.

(وَأَحَادِيثُ الْقَدَرِ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ كَثِيرَةٌ جِدًّا).

كلها تؤيد صحة الحديث.

(مِنْهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ، وَجَمَاعَةٍ جَمَّةٍ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} أَيْ: إِمَّا عَلَى الْهِدَايَةِ أَوْ عَلَى الضَّلَالَةِ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى فَاوَتَ بَيْنَهُمْ، فَهَدَى مَنْ يَشَاءُ إِلَى الْحَقِّ، وَأَضَلَّ مَنْ يَشَاءُ عَنْهُ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ وَالْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}.

وَقَالَ: ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي سُوَيْدٍ، حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: يَا رَبِّ خَلقُك الَّذِينَ خَلَقْتَهُمْ، جَعَلْتَ مِنْهُمْ فَرِيقًا فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقًا فِي النَّارِ، لَوْ مَا أَدْخَلْتَهُمْ كُلَّهُمُ الْجَنَّةَ؟! فَقَالَ: يَا مُوسَى، ارْفَعْ ذَرْعك. فَرَفَعَ، قَالَ: قَدْ رَفَعْتُ. قَالَ: ارْفَعْ. فَرَفَعَ، فَلَمْ يُتْرَكْ شَيْئًا، قَالَ: يَا رَبِّ قَدْ رَفَعْتُ، قَالَ: ارْفَعْ. قَالَ: قَدْ رَفَعْتُ، إِلَّا مَا لَا خَيْرَ فِيهِ. قَالَ: كَذَلِكَ أُدْخِلُ خَلْقِي كُلَّهُمُ الْجَنَّةَ، إِلَّا مَا لَا خَيْرَ فِيهِ).

الشيخ: ماذا قال عليه؟

الطالب: قال: أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف؛ لأن أبا حجيرة رواه بلاغًا، والمتن فيه أمارات الإسرائيليات.

الشيخ: منقطع، بينه وبين ابن حجيرة وموسى دهور، والله تعالى له الحكمة البالغة، ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾[المائدة:48]، ﴿فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾[الأنعام:149]، ﴿لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا﴾[الرعد:31]، وجعلهم أمة واحدة، إما على الهدى، وإما على الضلال، لكن اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يوفق من يشاء للحق، ويوفقه للعمل بالحق، ويكون من أهل الجنة، ويخذل من يشاء بعدله وحكمته، وله الحكمة البالغة، يوفق من يشاء وهو عليم سبحانه وتعالى بمن يصلح لغرس الكرامة، فيوفقه، وعليم بالذوات التي لا تصلح فيخذله، وله الحكمة البالغة سبحانه وتعالى، يهدي من يشاء بفضله وإحسانه، ويضل من يشاء بعدله وحكمته، ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾[الأنبياء:23]، ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[النحل:93]، ﴿لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا﴾[الرعد:31]، ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[النحل:93].

({أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‌‌(9) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ‌‌(11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)}.

يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي اتِّخَاذِهِمْ آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَمُخْبِرًا أَنَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ الْحَقُّ الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

هذا إنكار من الله للذين اتخذوا من دونه أولياء، يعبدونهم من دون الله، ويصرفون لهم العبادة، والله هو الولي، هو المعبود بالحق، وغيره المعبود بالباطل، وهو القادر على إحياء الموتى، وهو على كل شيء قدير، ولا تنبغي العبادة إلا له، لا تنبغي العبادة إلا للولي الحميد، الذي يحيي ويميت، والقادر على كل شيء، أما ما سواه فهو مخلوق ضعيف، لا يملك لنفسه -فضلًا عن غيره- نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[الشورى:9]، إنكار لمن عبد مع الله غيره، وصرف العبادة لغيره، وهو سبحانه مستحق للعبادة دون من سواه.

(ثُمَّ قَالَ: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} أَيْ: مَهْمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، {فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} أَيْ: هُوَ الْحَاكِمُ فِيهِ بِكِتَابِهِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَقَوْلِهِ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النِّسَاءِ:59].

{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي} أَيِ: الْحَاكِمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أَيْ: أَرْجِعُ فِي جَمِيعِ الأمور).

﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾[الشورى:10]، هذه الآية فيها دليل على أنه يجب أن يكون الحكم لله، وأن يتحاكم الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، التحاكم إلى الله أي: إلى كتابه، وإلى الرسول إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته، ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾[الشورى:10]، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق العباد ووجدهم من العدم، خلقهم لعبادته وتوحيده وطاعته، فعليهم أن يعملوا بكتاب ربهم وسنة نبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأن يتحاكموا إلى الله وإلى رسوله، ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾[الشورى:10]، فوضت أمري إليه واعتمدت عليه، إليه أنيب وأرجع وأتوب، فله سبحانه وتعالى الإنابة والتوبة والخشية والخوف والرجاء، وله العبادة وحده دون ما سواه.

(وَقَوْلُهُ: {فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} أَيْ: خَالِقُهُمَا وَمَا بَيْنَهُمَا، {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أَيْ: مِنْ جِنْسِكُمْ وَشَكْلِكُمْ، مِنَّةً عَلَيْكُمْ وَتَفَضُّلًا جَعَلَ مِنْ جِنْسِكُمْ ذَكَرًا وَأُنْثَى، {وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا} أَيْ: وَخَلَقَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ.

وَقَوْلُهُ: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} أَيْ: يَخْلُقُكُمْ فِيهِ، أَيْ: فِي ذَلِكَ الْخَلْقِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَزَالُ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ، وَجِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَنَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ، مِنَ النَّاسِ وَالْأَنْعَامِ.

وَقَالَ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} أَيْ: فِي الرَّحِمِ. وَقِيلَ: فِي الْبَطْنِ. وَقِيلَ: فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنَ الْخِلْقَةِ.

قَالَ مُجَاهِدٌ: وَنَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ مِنَ النَّاسِ وَالْأَنْعَامِ.

وَقِيلَ: "فِي" بِمَعْنَى "الْبَاءِ"، أَيْ: يَذْرَؤُكُمْ بِهِ.

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أَيْ: لَيْسَ كَخَالِقِ الْأَزْوَاجِ كُلِّهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ الْفَرْدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.

وَقَوْلُهُ: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي "سُورَةِ الزُّمَرِ"، وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ الْحَاكِمُ فِيهِمَا، {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} أَيْ: يُوَسِّعُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَيُضَيِّقُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ وَالْعَدْلُ التَّامُّ، {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}).

سبحانه وتعالى فاطر السماوات والأرض أي: خلقهما، ومبدعهما على غير مثال سابق، موجدهما وخالقهما على غير مثال سابق، ومنه يقال: فطرت البئر أي: ابتدأ حفرها، ﴿فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا﴾[الشورى:11]، تقتضي حكمته سبحانه وتعالى أن يخلق الناس، أزواجًا، ذكورًا وإناثًا، وكذلك الأنعام والبهائم والحيوانات أزواجًا ذكورًا وإناثًا، ﴿فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ﴾[الشورى:11]، لا يزال سبحانه يخلقكم خلقًا بعد خلق، أزواج، ذكورًا وإناثًا، يتكاثر الناس، ويتكاثر الحيوانات والأنعام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ﴿فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى:11]، لا أحد يماثله سبحانه وتعالى، هو خالق الأزواج سبحانه وتعالى، هو الفرد الأحد الصمد الذي لا مثيل له في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.

﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11]، وهذه الآية فيها رد على طائفتين من أهل البدع: على النفاة المعطلة، وعلى المشبهة والممثلة، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى:11] فيها رد على الممثلة والمشبهة الذين يقولون: إن الله تعالى يشبه المخلوقات، يقول أحدهم: لله سمع كسمعي، وبصر كبصري، ويد كيدي، وهذا كفر وضلال، والطائفة الثانية: المعطلة، الذين عطلوا الله من أسمائه وصفاته، أثبت لنفسه السمع والبصر، وهو السميع البصير، اسم السميع واسم البصير، إثبات السمع، وإثبات البصر، للرد على المعطلة الذين نفوا الأسماء والصفات، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11]، ذكرها العلماء في كتب العقائد، وكتب التوحيد، وبينوا أن فيها الرد على نفاة المعطلة، وعلى الممثلة والمشبهة، للرد على الممثلة المشبهة قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى:11]، وللرد على المعطلة ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11].

المختلف ما دام ما فيه خلاف، والدليل واضح من الكتاب والسنة خلاص يعمل بالكتاب والسنة، الكلام في المختلف فيه، أما المتفق عليه فالحمد لله.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد