الاثنين 3-8-1440هـ
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: (ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ، حَدَّثَنِي يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتِ الْأَنْصَارُ: فَعَلْنَا وَفَعَلْنَا، وَكَأَنَّهُمْ فَخَرُوا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -أَوِ: الْعَبَّاسُ، شَكَّ عَبْدُ السَّلَامِ-: لَنَا الْفَضْلُ عَلَيْكُمْ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَمْ تَكُونُوا أَذِلَّةً فَأَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِي؟ " قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَلَمْ تَكُونُوا ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "أَفَلَا تُجِيبُونِي؟ " قَالُوا: مَا نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَلَا تَقُولُونَ: أَلَمْ يخرجك قومك فآويناك؟ أو لم يكذبوك فصدقناك؟ أو لم يَخْذُلُوكَ فَنَصَرْنَاكَ"؟ قَالَ: فَمَا زَالَ يَقُولُ حَتَّى جَثَوْا عَلَى الرُّكَبِ، وَقَالُوا: أَمْوَالُنَا وَمَا فِي أَيْدِينَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. "؟ قَالَ: فَمَا زَالَ يَقُولُ حَتَّى جَثَوْا عَلَى الرُّكَبِ، وَقَالُوا: أَمْوَالُنَا وَمَا فِي أَيْدِينَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ).
الشيخ: وفي اللفظ الأخر، في غزوة حنين لما جاءهم، قالوا: (والله ورسوله أموالنا)، حتى أخضبوا لحاهم بالبكاء رضي الله عنهم وأرضاهم.
الطالب: (قَالَ: فَنَزَلَتْ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ عَلِيٍّ، عن عبد السلام، عن يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ -وَهُوَ ضَعِيفٌ-بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ).
الشيخ: بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
والصواب إن هذا ضعيف، الصواب أنها نزلت في قبائل قريش، لا في الأنصار، {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم من قريش، وهذا ضعيف، كما ذكر.
الطالب: (وَفِي الصَّحِيحَيْنِ -فِي قَسْمِ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ-قَرِيبٌ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ).
الشيخ: نعم، أن النبي صلى الله عليه وسلم جمعهم في قبة، وقال لهم مثل الكلام هذا، ولكن ما فيه أن الآية نزلت فيهم، الآية ليست في الأنصار في قريش، الطالب:
الطالب: (وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ. وذكْرُ نُزُولِهَا فِي الْمَدِينَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَلَيْسَ يَظْهَرُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَبَيْنَ السِّيَاقِ مُنَاسَبَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشيخ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، ليس فيه مناسبة؛ لأنها نزلت في قريش.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا علي بن الحسين، حَدَّثَنَا رَجُلٌ سَمَّاهُ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْأَشْقَرُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِمَوَدَّتِهِمْ؟ قَالَ: "فَاطِمَةُ وَوَلَدُهَا، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ". وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ، فِيهِ مُبْهَمٌ لَا يُعْرَفُ).
الشيخ: فيه رجل مبهم.
الطالب: (فِيهِ مُبْهَمٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ شَيْخٍ شِيعِيٍّ مُتَخَرّق، وَهُوَ حُسَيْنٌ الْأَشْقَرُ، وَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ. وَذِكْرُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْمَدِينَةِ بَعِيدٌ؛ فَإِنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ لِفَاطِمَةَ أَوْلَادٌ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّهَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْلِيٍّ إِلَّا بَعْدَ بَدْرٍ مِنَ السَّنَةِ الثانية من الهجرة.
والحق تفسير الآية بِمَا فَسَّرَهَا بِهِ الْإِمَامُ حَبرُ الْأُمَّةِ، وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، كَمَا رَوَاهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ [رَحِمَهُ اللَّهُ] وَلَا تُنْكَرُ الْوَصَاةُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ، وَالْأَمْرُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَاحْتِرَامِهِمْ وَإِكْرَامِهِمْ، فَإِنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةٍ طَاهِرَةٍ، مِنْ أَشْرَفِ بَيْتٍ وُجِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَخْرًا وَحَسَبًا وَنَسَبًا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانُوا مُتَّبِعِينَ لِلسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الصَّحِيحَةِ الْوَاضِحَةِ الْجَلِيَّةِ، كَمَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُهُمْ، كَالْعَبَّاسِ وَبَنِيهِ، وَعَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، رَضِيَ الله عنهم أجمعين.
و[قد ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ بغَدِير خُمّ: "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي، وَإِنَّهُمَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبَدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ قُرَيْشًا إِذَا لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَقُوهُمْ بِبِشْرٍ حَسَنٍ، وَإِذَا لَقُونَا لَقُونَا بِوُجُوهٍ لَا نَعْرِفُهَا؟ قَالَ: فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَدْخُلُ قَلْبَ الرَّجُلِ الْإِيمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ".
ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: دَخَلَ الْعَبَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّا لَنَخْرُجُ فَنَرَى قُرَيْشًا تُحدث، فإذا رأونا سَكَتُوا. فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودَرّ عِرْقُ بَيْنَ عَيْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: "وَاللَّهِ لَا يَدْخُلُ قَلْبَ امْرِئٍ إِيمَانٌ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَلِقَرَابَتِي".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدٍ قَالَ: سمعتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ.
وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ الصِّدِّيقَ قَالَ لَعَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَاللَّهِ لِقَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلْعَبَّاسِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَاللَّهِ لَإِسْلَامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ كَانَ أَحَبَّ إليَّ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ؛ لَأَنَّ إِسْلَامَكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ.
فَحَالُ الشَّيْخَيْنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ).
الشيخ: الشيخين هما أبو بكر وعمر؛ لأن أبا بكر قدم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك عمر، كلاهما قدم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم على قرابتهما.
الطالب: (فَحَالُ الشَّيْخَيْنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ).
الشيخ: يعني يقدم قرابة الرسول على قرابته، يقدم محبة الله ومحبة رسوله على كل أحد، ويلزم من ذلك تقديم محبة قرابة الرسول على قرابته.
الطالب: (فَحَالُ الشَّيْخَيْنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ؛ وَلِهَذَا كَانَا أَفْضَلَ الْمُؤْمِنينَ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ.
الشيخ: أفضل الناس بعد الأنبياء أبو بكر ثم عمر، رضي الله عنهما.
الطالب: (وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي حَيّان التيمي، حدثني يزيد ابن حَيَّانَ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وحُسَيْن بْنُ سبرة).
طالب آخر: عنده سبرة، وعندنا ميسرة.
الشيخ: ماذا عندك؟
الطالب: عندي: (انْطَلَقْتُ أَنَا وحُسَيْن بْنُ سبرة).
الشيخ: هل عليه تعليق عندك؟
الطالب: ليس عليه تعليق، في طبعة: شعبة: (ابن ميسرة).
الشيخ: طيب إن شاء الله يراجع
الطالب: (انْطَلَقْتُ أَنَا وحُسَيْن بْنُ مَيْسَرة، وَعُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَلَمَّا جَلَسْنَا إِلَيْهِ قَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: لَقَدْ لقيتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ وَغَزَوْتَ مَعَهُ، وَصَلَّيْتَ مَعَهُ. لَقَدْ رَأَيْتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا. حَدِّثْنَا يَا زَيْدُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، وَاللَّهِ كَبُرت سِنِّي، وَقَدِمَ عَهْدِي، وَنَسِيتُ بَعْضَ الَّذِي كُنْتُ أَعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا حَدَّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوهُ، وَمَا لَا فَلَا تُكَلّفونيه. ثُمَّ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا خَطِيبًا فِينَا، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمّا -بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ-فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ وَوَعَظَ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَنِي رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أَوَّلُهُمَا: كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به" فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، وَقَالَ: "وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي" فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ؟ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: إِنَّ نِسَاءَهُ من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرم الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وَآلُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَكُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قال: نعم.
وهكذا رواه مسلم [في فضائل] وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيّان به).
الشيخ: قال: [10:38] والناس كلهم من بني هاشم، وكذلك بنو المطلب، وحث على كتاب الله، حثٌ على الأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الكتاب يأمر بالسنة، ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾[النساء:59]، ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾[آل عمران:31]، فيه وصية بكتاب الله، ووصية بالسنة، فالثقل الأول كتاب الله و"سنتي"، والثاني "وعترتي"، والوصية بأهل البيت.
الطالب: (وَقَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -وَالْأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الْآخَرِ: كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَالْآخَرُ عِتْرَتِي: أَهْلُ بَيْتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا". تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ التِّرْمِذِيُّ ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ).
الشيخ: فيه عطية العوفي، وهو ضعيف، فيه عنعنة حبيب بن أبي ثابت، ماذا قال عليه؟
الطالب: قال: (إسناده ضعيف، وتقدم عليه في سورة الأحزاب).
الشيخ: يكون شاهد الحديث السابق، حديث زيد أصح منه، وهذا شاهد، صح لشواهده، يرد علي يعني من عمل بكتاب الله يرد على النبي الحوض، وكذلك قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، لن يفترقا، يعني من عمل بالكتاب والسنة وقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، كلاهما لن يفترقا، يلتقيا.
الطالب: (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ يَخْطُبُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ، وَعِتْرَتِي: أَهْلَ بَيْتِي". تَفَرَّدَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ.
ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِين، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي بِحُبِّي").
الشيخ: محبته من محبة قرابته، ومحبة النبي من محبة الله عز وجل، فهي محبة في الله ولله.
الطالب: (ثُمَّ قَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ أَوْرَدْنَا أَحَادِيثَ أُخَر عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الْأَحْزَابِ: 33]، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهَا هَاهُنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ).
الشيخ: ماذا قال عليه الحديث الأخير؟
الطالب: قال: (أخرجه الترمذي وابن عدي، والذهبي في الميزان، كله من حديث ابن عباس، قال الترمذي: حسن غريب، وذكره ابن عدي في ترجمة هشام بن يوسف، ووثقه، لكن عده من غرائبه، وأما الذهبي فذكره في ترجمة عبد الله بن سليمان النوفلي، وقال: فيه جهالة، ما حدث عنه سوى هشام، وبهذا الحديث، وقال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، أي: حيث يتابع، وقد توبع على معناه، ففي الباب أحاديث كثيرة، وهو بهذا الإسناد ضعيف، وذكره الألباني في ضعيف الترمذي).
الشيخ: على كل حال الشواهد كثيرة.
الطالب: (وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا مُفَضَّلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَنَش قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ الْبَابِ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي، وَمَنْ أَنْكَرَنِي فَأَنَا أَبُو ذَرٍّ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّمَا مَثَلُ أهل بيتي فيكم مَثَل سفينة نوح، مَنْ دَخَلَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ". هَذَا بِهَذَا الْإِسْنَادِ ضَعِيفٌ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا} أَيْ: وَمَنْ يَعْمَلُ حَسَنَةً {نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا} أَيْ: أَجْرًا وَثَوَابًا، كَقَوْلِهِ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النِّسَاءِ:40] .
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: [إِنَّ] مِنْ ثَوَابِ الْحَسَنَةِ الْحَسَنَةَ بَعْدَهَا، وَمِنْ جَزَاءِ السَّيِّئَةِ (السَّيِّئَةَ) بَعْدَهَا.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} أَيْ: يَغْفِرُ الْكَثِيرَ مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَيُكَثِّرُ الْقَلِيلَ مِنَ الْحَسَنَاتِ، فَيَسْتُرُ وَيَغْفِرُ، وَيُضَاعِفُ فَيَشْكُرُ).
الشيخ: من فعل حسنةً فهو موعود بالثواب المضاعف، {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا}، من يفعل الحسنة فهو موعود بأن الله يضاعف له الثواب، إذا كان عن إخلاص ومتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم.
{إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}، فيه إثبات لاسمين من أسماء الله وهو الغفور والشكور، وإثبات صفة المغفرة وصفة الشكر لله عز وجل، على ما يليق بجلاله وعظمته، ويعبد، يقال: عبد الغفور وعبد الشكور، من أسماء الله التي سمى الله بها نفسه.
{ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}.
الطالب: (وَقَوْلُهُ: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} أَيْ: لَوِ افْتَرَيْتَ عَلَيْهِ كَذِبًا كَمَا يَزْعُمُ هَؤُلَاءِ الْجَاهِلُونَ {يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} أَيْ: لَطَبَعَ عَلَى قَلْبِكَ وَسَلَبَكَ مَا كَانَ آتَاكَ مِنَ الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الْحَاقَّةِ:44-47] أَيْ: لَانْتَقَمْنَا مِنْهُ أَشَدَّ الِانْتِقَامِ، وَمَا قَدَرَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَحْجِزَ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: {يَخْتِمْ} فَيَكُونَ مَجْزُومًا، بَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: وَحُذِفَتْ مِنْ كِتَابَتِهِ "الْوَاوُ" فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ، كَمَا حُذِفَتْ فِي قَوْلِهِ: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [الْعَلَقِ:18] وَقَوْلُهُ: {وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ} [الْإِسْرَاءِ:11] .
وَقَوْلُهُ: {وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} مَعْطُوفٌ عَلَى {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ} أَيْ: يُحَقِّقُهُ وَيُثْبِتُهُ وَيُبَيِّنُهُ وَيُوَضِّحُهُ بِكَلِمَاتِهِ، أَيْ: بِحُجَجِهِ وَبَرَاهِينِهِ، {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أَيْ: بِمَا تُكِنُّهُ الضَّمَائِرُ، وَتَنْطَوِي عَلَيْهِ السَّرَائِرُ).
ثم قال تعالى: ({وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ وَلَكِنْ يُنزلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)}.
يَقُولُ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عِبَادِهِ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِمْ إِلَيْهِ إِذَا تَابُوا وَرَجَعُوا إِلَيْهِ: أَنَّهُ مِنْ كَرَمِهِ وَحِلْمِهِ أَنَّهُ يَعْفُو وَيَصْفَحُ وَيَسْتُرُ وَيَغْفِرُ، كَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النِّسَاءِ:110] وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مسلم، رحمه الله، حيث قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَاحِ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -وَهُوَ عَمُّهُ -قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ رَاحِلَتُهُ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةٌ عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ -أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ".
الشيخ: لو كان عن قصد لكانت كلمة كفر، دليل على أن من تكلم بكلمة الكفر مخطئًا، لا يكون كافرًا، يعني ليس له قصد، من شدة الفرح دهش، يريد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، قال: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أخطأ من شدة الفرح، وفيه إثبات الفرح لله عز وجل، على ما يليق بجلاله وعظمته، ولا يماثل فرح المخلوق، المخلوق يفرح بشيءٍ قد يكون فاقدًا له، أما الله فلا يماثل المخلوق، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11]، يفرح بتوبة عبده وهو على كل شيء قدير، وهو الموفق لعبده، وهو الموفق له للتوبة، قال الله تعالى في الثلاثة الذين خلفوا، وهم كعب بن مالك، وصاحبيه: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾[التوبة:118]، يعني ثم وفقهم للتوبة ليتوبوا ويقبل توبتهم، فهو الموفق للتوبة سبحانه وتعالى، فرحه كما يليق بجلاله وعظمته، لا يماثل صفة المخلوق، أما المخلوق فرحه معروف، فرحه لشيء فقده
طالب آخر: لو قال شخص وقت الغضب، فهذا قالها وقت الفرح، وشخص آخر قالها مثلها وأشد وقت الغضب فقد شعوره [23:37].
الشيخ: إذا كان فقد شعوره، فهو معذور، ولهذا ذكر ابن القيم أنه استد غضبه، بل هذا من الإجماع من أهل العلم أن من اشتد غضبه وطلق، وهو لا يعرف الأرض من السماء، هذا قد لا يقع طلاقه؛ لأن هذا ليس معه شعور، لكن إذا اشتد غضبه وألجأه الغضب ويكون معه شعوره، هذا هو محل خلاف ونزاع، والغضب الخفيف هذا محل اتفاق أنه يقع، الغضب الخفيف، والغضب الشديد الذي فقد شعوره لا يقع، لكن الخلاف في الغضب الوسط، ألجأه الغضب لكن لم يفقد شعوره، هذا محل خلاف.
الطالب: (وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخَافُ أَنْ يَقْتُلَهُ الْعَطَشُ فِيهِ".
وَقَالَ هَمَّامُ بْنُ الْحَارِثِ: سُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ الرَّجُلِ يَفْجُرُ بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَرَأَ: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} الْآيَةَ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ الْقَاضِي، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ هَمَّامٍ فَذَكَرَهُ).
الشيخ: شريك القاضي ضعيف، وابن مهاجر ضعيف، ماذا قال عليه؟ هل تكلم عليه.
الطالب: ما تكلم عليه.
الشيخ: ضعيف، يراجع الأثر هذا، والصواب أنه لا يجوز إذا فجر بالمرأة أن يتزوجها، حتى يتوب إلى الله، ويتوبا، ثم بعد ذلك يتزوجها إذا صحت توبته بعد مدة، قال الله تعالى: ﴿الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾[النور:3]، فالرجل إذا فجر بالمرأة لا يجوز أن يتزوجها، هذا يوجد [26:05] عند بعض الناس الآن، إذا فعل شخص الفاحشة أسرعوا وقالوا نعقد له، حتى إذا حملت يكون الولد له، الولد ليس له، الولد سفاح هذا، من فجور، وليس من نكاح، ولا ينسب إليه الولد، ولا يجوز له أن يتزوج المرأة حتى يبرأ رحمها، هل فيه حمل أو ليس فيه حمل، لا يجوز هذا، الرجل يفجر بالمرأة، ثم يتزوجها، [36:40] إنما يصح توبته، هذا الأثر ليس بصحيح، ولا يصح هذا الأثر، ومنافي ومخالف الآية، ومخالف للأدلة التي ..... على أنه لا يجوز أن تتزوج المرأة حتى تعتد، [27:2] بالحيضة، لبراءة الرحم، تعتد، فإن حاضت وبرأ رحمها هذا يتزوج، قد تكون حامل، وقد تحمل، كيف يفجر بها ويتزوج بها وهي حامل؟
طالب آخر : بعد الولادة.
الشيخ: بعد الولادة، يتزوجها هو أو يتزوجها غيره، لكن إن فجر بها لا يتزوجها إلا بعد أن تصح توبته.
طالب آخر: [27:32] يقيم عليهم الحد؟
الشيخ: الحد لا يقام إلا إذا ثبت، لا يكفي إذا أقيم الحد، لابد أن يتبين أن تصح توبتهما، ثم بعد ذلك يتزوجها.
الطالب: كأنه أشار إلى توبة هنا، قال: (وَقَرَأَ: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}).
الشيخ: إذا تابوا وصحت التوبة، وهذا يحتاج إلى مدة، لكن الأثر الذي يقول: " سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَفْجُرُ بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا؟"، ما فيه أنه بعد التوبة، ما قال بعد أن يتبين توبتهما.
في سنده ابن مهاجر، وشريك ساء حفظه بعد أن تولى القضاء، يمكن أن يتبين غيره الآن بعد أن يراجع.
الطالب: في سنن سعيد بن منصور، فيه أثر عن ابن مسعود يخالفه، قال سعيد بن منصور حدثنا أبو عوانة عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، في الرَّجُلِ يَفْجُرُ بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا؟ قال: لا يزالان زانيين ما اجتمعا".
الشيخ: صحيح، صدق، هذا هو الأثر المعتمد، هذا هو الصواب الذي يوافق الأدلة، لا يزالان زانيين، يَفْجُرُ بها ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا، لا يزالان على حالهما السابقة ما صحت التوبة، [29:37].
العجب من الحافظ رحمه الله، ما تكلم عليه ولا بين، ما تكلم على [29:50] ولا بين بطلانه.
الطالب: (وَقَوْلُهُ: {وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} أَيْ: يَقْبَلُ التَّوْبَةَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ فِي الْمَاضِي، {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} أَيْ: هُوَ عَالِمٌ بِجَمِيعِ مَا فَعَلْتُمْ وَصَنَعْتُمْ وَقُلْتُمْ، وَمَعَ هَذَا يَتُوبُ عَلَى مَنْ تَابَ إِلَيْهِ).
الشيخ: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}، إذا صحت التوبة، هو الذي يقبل التوبة، من تاب بشروطها التي دلت عليها النصوص، قبلها الله، أما توبة الكذابين يكون لا يزال على عمله، السيئة تحت المشيئة، {وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}، فيما مضى، {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} ولا يخفى عليه خافية، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}، هذا الأثر الذي ذكره عن ابن مسعود يخالف الآية، هما ما تابا الآن، يَفْجُرُ بها ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا، من غير توبة، لابد يتبين التوبة، يحتاج إلى وقت حتى تتبين التوبة، فهو يَفْجُرُ بها ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا في الحال، حتى بعض الناس يسأل، قد يفعله بعض الناس، إذا وقعت المرأة في زلت بها القدم مع شخص، بادروا بتزويجها، قالوا: نريد نستر عليهم، بادروا بتزوجيهم، هذا لا يصلح هذا، لا يصلح الزواج، الزواج باطل، الرحم مشغول بنطفة حرام الآن، الطلاق الصريح الآن، إذا طلق زوجها لابد أن تعتد، والأمة لابد أن تستبرأ بحيضة، وكذلك الخلع، المختلعة لابد من حيضة، وهذا يفجر بها ويتزوجها في الحال من دون براءة الرحم؟!
طالب آخر: [32:20].
الشيخ: نعم، الحمل هذا ليس له أب.
طالب آخر: [32:30].
الشيخ: لا يجوز هذا، هذا هو الذي نتحدث عنه، هذا هو الذي فيه الكلام، هذا لا يجوز هذا، نسأل الله العافية.
الطالب: ذكر ابن القيم في [بدائع الفوائد]، قال: (قال إسحاق بن هانئ سألت أبا عبد الله عن رجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها، قال: لا يتزوجها حتى يعلم أنها قد تابت، لأنه لا يدري لعلها تعلق عليه ولدًا من غيره، قلت: وما علمه قد تابت؟ قال: يريدها على ما كان أرادها عليه فإن أمتنعت فهي تائبة).
الشيخ: يعلم توبتها، وأيضًا هو لابد أن تصح توبته.
المقصود أن هذا الأثر الذي ذكره الحافظ ابن كثير أثر باطل لا سندًا ولا معنى، " الرَّجُلِ يَفْجُرُ بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا".
الطالب: (وَقَوْلُهُ: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي يَسْتَجِيبُ لَهُمْ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَعْنَاهُ يَسْتَجِيبُ الدُّعَاءَ لَهُمْ [لِأَنْفُسِهِمْ] وَلِأَصْحَابِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ. وَحَكَاهُ عَنْ بَعْضِ النُّحَاةِ، وَأَنَّهُ جَعَلَهَا كَقَوْلِهِ: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 195].
ثُمَّ رَوَى هُوَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا مُعَاذٌ بِالشَّامِ فَقَالَ: أَنْتُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَأَنْتُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ. وَاللَّهِ إِنِّي أَرْجُو أَنْ يُدْخِلَ اللَّهُ مَنْ تَسْبُونَ مِنْ فَارِسَ وَالرُّومِ الْجَنَّةَ).
الشيخ: (تَسْبُونَ) من سبى، يسبوا، إذا أضيف الفعل إلى واو الجماعة يفتح ما قبله، رمى رموا، غزى غزوا، سبى سبوا، [35:50] مثل إذا كان ياء فيضم ما قبله، رضي رضوا، شقي شقوا، يضم ما قبله إذا كان ياء، وإذا كان معتل الآخر بالألف يفتح ما قبله، رمى رموا، غزى غزوا، سبى سبوا، تسبون.
الطالب: (وَاللَّهِ إِنِّي أَرْجُو أَنْ يُدْخِلَ اللَّهُ مَنْ تَسْبُونَ مِنْ فَارِسَ وَالرُّومِ الْجَنَّةَ، وَذَلِكَ بِأَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا عَمِلَ لَهُ -يَعْنِي أحدُهم عَمَلًا-قَالَ: أَحْسَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ، أَحْسَنْتَ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ"، ثم قال: { وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا}).
الشيخ: إذا عمل له عملًا، يعني من سبي من أهل فارس إذا عمل له عمل "قَالَ: أَحْسَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ، أَحْسَنْتَ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ"، يعني هؤلاء الذين تسبون يدعون لهم إذا عملوا عملًا.
هل تكلم على هذا الأثر؟
الطالب: لم يتكلم عليه.
طالب آخر: [37:52].
الشيخ: يعني ما تكلم عن تخريجه، تدعو له، والله يقبل دعائكم.
الطالب: لكن أحسن الله إليك، هل يجوز أن يدعى للكافر: رحمك الله؟!
الشيخ: من سبوا وأسلموا يعني، من سبوهم وأسلموا، فإنهم يخدمونهم ثم يدعون لهم، يعني بعد الإسلام، بعد السبي [38:20] أسلموا.
طالب آخر: هل قبل الإسلام هل يحق أن نقول: رحمك الله وهو كافر؟
الشيخ: لا، لا يحق
الطالب: ({وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي يَسْتَجِيبُ لَهُمْ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَعْنَاهُ يَسْتَجِيبُ الدُّعَاءَ لَهُمْ [لِأَنْفُسِهِمْ] وَلِأَصْحَابِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ).
الشيخ: يستجيب الله الدعاء لهم.
الطالب: (وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ جَعَلَ [مِثْلَ] قَوْلِهِ: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا} كَقَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ} [الزُّمَرِ:18] أَيْ: هُمُ الَّذِينَ يَسْتَجِيبُونَ لِلْحَقِّ وَيَتَّبِعُونَهُ، كَقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} [الْأَنْعَامِ:36] وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَظْهَرُ).
الشيخ: المعنى الأول {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا}، ويعود الضمير إلى الله، يعني يستجيب الله دعائهم، والمعنى الثاني أن الضمير يعود غلى التائب، إلى المؤمنين، أنهم يستجيبون لله، ينقادون للشرع ويستجيبون لله.
الطالب: ({وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي يَسْتَجِيبُ لَهُمْ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَعْنَاهُ يَسْتَجِيبُ الدُّعَاءَ لَهُمْ [لِأَنْفُسِهِمْ] وَلِأَصْحَابِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ).
الشيخ: يستجيبوا دعائهم، والمعنى الثاني أنهم يستجيبون لله ولرسوله، ينقادون لشرع الله ودينه.
الطالب: (وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ جَعَلَ [مِثْلَ] قَوْلِهِ: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا} كَقَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ} [الزُّمَرِ:18] أَيْ: هُمُ الَّذِينَ يَسْتَجِيبُونَ لِلْحَقِّ وَيَتَّبِعُونَهُ، كَقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} [الْأَنْعَامِ:36] وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} أَيْ: يَسْتَجِيبُ دُعَاءَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ).
الشيخ: المعنى الأول هو أن الضمير يعود إلى الله، أرجح لأن الجملة التي بعدها فعل له، هو الذي {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}، يستجيب الله دعائهم ويزيدهم من فضله.
الطالب: (قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} قَالَ: "الشَّفَاعَةُ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، مِمَّنْ صَنَعَ إِلَيْهِمْ مَعْرُوفًا فِي الدُّنْيَا").
الشيخ: من الموحدين، فيها السند فيها بقية، وبقية مدلس، ماذا قال عليه؟
الطالب: (ضعيف منكر، في إسناده إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ لا يعرف، ذكره الذهبي في الميزان، وقال عن الأعمش وعنه بقية بخبر عجيب منكر، وأورد ابن حجر في اللسان غير هذا الحديث في ترجمة الكندي على أنه منكر، ونقل عن النباتي قوله: أحاديث بقية ليست نقية).
الشيخ: لكن قبول الشفاعة ثابتة، أحاديث الشفاعة، يشفع شفاعة [42:57] يشفع فيهم، ولو لم يصح الحديث، شفاعة أهل التوحيد، إذا كانوا من أهل التوحيد لهم الشفاعة.
الطالب: (وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ اللَّخْمِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قَالَ: يُشَفَّعُونَ فِي إِخْوَانِهِمْ، {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} قَالَ: يُشَفَّعُونَ فِي إِخْوَانِ إِخْوَانِهِمْ).
الشيخ: الشاهد الشفاعة ثابتة لأهل التوحيد.
الطالب: (وَقَوْلُهُ عز وجل: {وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} لَمَّا ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ، ذَكَرَ الْكَافِرِينَ وَمَا لَهُمْ عِنْدَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ الْمُوجِعِ الْمُؤْلِمِ يَوْمَ مَعَادِهِمْ وَحِسَابِهِمْ).
الشيخ: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)}، هذا أول الآية في المؤمنين، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}، المؤمنين، {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، يستجيب للمؤمنين ويقبل دعائهم، ويزيدهم من فضله، {وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)}، لما ذكر المؤمنين ذكر الكافرين، فالمؤمنون يقبل الله توبتهم ويستجيب دعائهم ويزيدهم من فضله، {وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)}، مؤلم موجع، وهو عذاب النار، والخلود فيها نسأل الله السلامة والعافية.
الطالب: (وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ} أَيْ: لَوْ أَعْطَاهُمْ فَوْقَ حَاجَتِهِمْ مِنَ الرِّزْق).
الشيخ: نقف على قوله: : {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ}.