شعار الموقع

سورة الشورى - 6

00:00
00:00
تحميل
58

بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: (وَقَوْلُهُ: {‌وَلَوْ ‌بَسَطَ ‌اللَّهُ ‌الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ} أَيْ: لَوْ أَعْطَاهُمْ فَوْقَ حَاجَتِهِمْ مِنَ الرِّزْقِ، لَحَمَلَهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْبَغْيِ وَالطُّغْيَانِ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، أَشَرًا وَبَطَرًا.

وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ يُقَالُ: خَيْرُ الْعَيْشِ مَا لَا يُلْهِيكَ وَلَا يُطْغِيكَ. وَذَكَرَ قَتَادَةُ حَدِيثَ: «إِنَّمَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» وَسُؤَالَ السَّائِلِ: أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ الْحَدِيثَ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَكِنْ يُنزلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} أَيْ: وَلَكِنْ يَرْزُقُهُمْ مِنَ الرِّزْقِ مَا يَخْتَارُهُ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ فَيُغْنِي مَنْ يَسْتَحِقُّ الْغِنَى، وَيُفْقِرُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْفَقْرَ. كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِي لَمَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْغِنَى، وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لَأَفْسَدْتُ عَلَيْهِ دِينَهُ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي لَمَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْفَقْرُ، وَلَوْ أَغْنَيْتُهُ لَأَفْسَدْتُ عَلَيْهِ دِينَهُ»).

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾[الشورى:27]، يبين الله سبحانه وتعالى أنه لو أعطى الخلق كلهم فوق حاجتهم لحملهم ذلك على الطغيان والبغي والأشر والبطر، ولكنه سبحانه وتعالى ينزل بقدر ما يشاء وفق حكمته، فيجعل هذا فقيرًا، وهذا غنيًا، وهذا متوسط الحال، وله الحكمة البالغة سبحانه وتعالى، الله سبحانه عليم بعباده، وفي الحديث القدسي: «إن من عبادي من لو أغنيته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي من لو أفقرته لأفسدت عليه دينه»، ينظر في الحديث القدسي في ثبوته وفي صحته، ولكن الآية كافية، ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾[الشورى:27]، خبير بأحوال عباده، وبصير بما يصلحهم، فيه إثبات اسم الخبير واسم البصير لله -عَزَّ وَجَلَّ-، من أسماء الله الخبير، ومن أسمائه البصير، خبير بأحوال عباده وما يصلحهم، بصير لا يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى، وهو ينزل بقدر ما يشاء؛ لأنه سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة، عليم بأحوال عباده وما يصلحهم، وله الحكمة البالغة.

ولهذا قدر على هذا أن يكون فقيرًا، وعلى هذا أن يكون غنيًا، وهذا أن يكون متوسط الحال وفق حكمته وعلمه سبحانه وتعالى وما يصلح عباده، ما يصلح أحوالهم، وله الحكمة التامة، وله الخبرة، وله البصر التام بشؤون عباده سبحانه وتعالى، ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾[الأنبياء:23]؛ لأنه حكيم وعليم وبصير، هذه الآية العظيمة لو تدبرها الناس لعلموا حكمة الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾[الشورى:27].

الطالب: أحسن الله إليك، الحديث الأخير قال: هو بعض حديث أخرجه البغوي في التفسير من حديث أنس، وإسناده واه.

الشيخ: أي حديث؟

الطالب: الحديث القدسي.

الشيخ: الحديث القدسي يقول ماذا؟

الطالب: هو بعض حديث أخرجه البغوي في التفسير من حديث أنس، وإسناده واه، وضعفه الحافظ ابن رجب في جامع العلوم فقال: فيه الحسن من يحيى الخشني عن صدقة بن عبد الله الدمشقي، وهما ضعيفان، وفيه هشام الكناني لا يعرف، انتهى، وورد من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني، وقال الهيثمي في المجمع: فيه جماعة لم أعرفه.

الشيخ: على كل حال الآية كافية، لو لم يصح الحديث فالآية واضحة، الله تعالى له الحكمة البالغة في جعل عباده متفاوتين في الفقر والغنى، وهم متفاوتون في الفقر وفي الغنى وفي العلم، وفي القدرة، وفي السمع، وفي الأسماع، وفي الأبصار، وفي العقول، وفي الطول، وفي القصر، وفي الأجسام، وفي الحياة، وفي الموت، وفي كل شيء، متفاوتون، ليسوا على حد سواء، لا في عقولهم، ولا في علومهم، ولا في أجسامهم، ولا في أعمارهم، ولا في أموالهم، له الحكمة البالغة سبحانه وتعالى، يفضل بعضًا على بعض، وفي الآخرة أعظم، قال تعالى: ﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾[الإسراء:21].

(وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} أَيْ: مِنْ بَعْدِ إِيَاسِ النَّاسِ مِنْ نُزُولِ الْمَطَرِ، يُنَزِّلُهُ عَلَيْهِمْ فِي وَقْتِ حَاجَتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ إِلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} [الرُّومِ:49].

وَقَوْلُهُ: {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} أَيْ: يَعُمُّ بِهَا الْوُجُودَ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ القُطْر وتلك الناحية.

قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قُحط الْمَطَرُ وَقَنَطَ النَّاسُ؟ فَقَالَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مُطِرْتُمْ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ}.

{وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} أَيْ: هُوَ الْمُتَصَرِّفُ لِخَلْقِهِ بِمَا يَنْفَعُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَهُوَ الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ فِي جَمِيعِ مَا يُقَدِّرُهُ وَيَفْعَلُهُ).

قال سبحانه وتعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا﴾[الشورى:28]، الغيث المطر، سمي غيثًا؛ لأن الله يغيث به العباد والبلاد، وفيه حياة الأبدان، وحياة الحيوانات، الغيث حياة لأبدان الناس والحيوانات، وإذا تأخر المطر حصل النقص والضعف، وغارت المياه، وإذا جاء المطر جاءت مياه الآبار، وأخذت الأرض نباتها، وسقى الناس وزرعوا، وأنبت الله النبات، ورعت الحيوانات فلا تحتاج إلى شيء آخر، وهو نعمة عظيمة، ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا﴾[الشورى:28]، من بعد أن يقنط الناس، وييئسوا، طبيعة الإنسان هكذا ضعيف، ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾[الشورى:28]، يعم بذلك الغيث تلك الناحية، وتلك البلدان، الغيث سماه رحمة، وينشر رحمته، المطر سماه رحمة، رحم الله به العباد، ﴿وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾[الشورى:28]، ولي عباده، يتولاهم بما يصلحهم، وهو الحميد أي: المحمود في أفعاله، وأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى، في الآية الأخرى: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾[الروم:49]، يعني يائسين من رحمة الله، إذا تأخر المطر أيس الناس، وقنطوا فيأتيهم المطر على حين فاقة.

﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾[الشورى:28]، في الآية الأخرى: ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾[فاطر:9]، الحياة، سماه حياة، حياة للأرض بعد موتها، حياة النبات، إذا تأخر المطر، وجدبت الأرض صار ذلك موتًا لها، ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾[الأعراف:57]، ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾[الروم:48]، يستبشرون بالمطر، ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾[الروم:49]، يعني آيسين، فإذا جاءهم المطر استبشروا وفرحوا، وكانوا قبل ذلك آيسين قانطين، ولهذا في رواية قتادة أنه قيل لعمر: قنط الناس، قال: مطرتم، ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾[الشورى:28]، والحميد من أسماء الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وهو الولي، وهو الولي سبحانه وتعالى، وهو الحميد.

({وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ‌‌(29) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (31)}.

يَقُولُ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ:} الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ وَسُلْطَانِهِ الْقَاهِرِ {خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا} أَيْ: ذَرَأَ فِيهِمَا، أَيْ: فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، {مِنْ دَابَّةٍ} وَهَذَا يَشْمَلُ الْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَسَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ، عَلَى اخْتِلَافِ أَشْكَالِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ، وَطِبَاعِهِمْ وَأَجْنَاسِهِمْ، وَأَنْوَاعِهِمْ، وَقَدْ فَرَّقَهُمْ فِي أَرْجَاءِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، {وَهُوَ} مَعَ هَذَا كُلِّهِ {عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجْمَعُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، فَيَحْكُمُ فِيهِمْ بِحُكْمِهِ الْعَدْلِ الْحَقِّ).

قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾[الشورى:29]، ومن آياته الدالة على قدرته وعظمته، وأنه سبحانه وتعالى العظيم القادر الواحد الأحد الصمد، خلق السماوات والأرض، هذه السماوات العظيمة، وهذه الأرض العظيمة من أكبر مخلوقات الله في السماوات والأرض، وليست الأرض الحقيرة، كما يذكر ذلك بعض أهل الهيئة الذين تكلموا في الآية، يقولون: يا أخي أرضك هذه الحقيرة لا تساوي ذرة من ذرات النجوم، ليس حقيرة، عظيمة، هي من آيات الله، من أكبر مخلوقات الله السماوات والأرض، كذلك أيضًا نحن على هذا الكوكب، ليست كوكب الأرض، الله تعالى سمى هذه الأرض كواكب، والكواكب في السماء، وليست كوكب، يقولون: كوكبنا الأرض كما يقول أهل الهيئة، ويحقرونها، يقولون: أرضك يا أخي هذه الحقيرة لا تساوي شيئًا، هي من آيات الله، من مخلوقات الله العظيمة، ومن آياته خلق السماوات والأرض، هذه الأرض التي لا نهاية لها، وكذلك السماوات، وفوق السماوات ست سماوات، الكل سبع سماوات، وتحت الأرض هذه سبع أراضين.

الله تعالى يقول: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾[الطلاق:12]، وفي الحديث يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث الصحيح: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه يوم القيامة بسبع أراضين»، الأراضين سبع، وليست قارات كما يزعمه بعضهم، قال البعض: السبع أراضين هن القارات السبع، لا، طوقه، يدل على أن الأرض تحت الأرض، الأراضين الأرض تحت الأرض، طوقه، «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه يوم القيامة بسبع أراضين»، وكذلك قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾[الطلاق:12]، خلق سبع سماوات، خلق سبع أراضين، مثلهن، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾[الشورى:29]، هذه من آيات الله العظيمة، دالة على قدرته، ووحدانيته، واستحقاقه للعبادة، ﴿وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ﴾[الشورى:29]، في هذه السماوات والأرض، دواب من الإنس والجن والملائكة والطيور والحيتان في البحار والوحوش، وغير ذلك من المخلوقات التي لا يعلمها إلا الله.

﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾[الشورى:29]، يجمعهم يوم القيامة في صعيد واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾[الشورى:29]، يعني إذا يشاء جمعهم، ولا يقال: إنه على ما يشاء قدير، بل يقال: إن الله على كل شيء قدير، ما يقال: إنه على ما يشاء قدير، يستدلون بهذه الآية، هذه الآية مقيدة بالجمع، ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾[الشورى:29]، ولكن تقول: إن الله على كل شيء قدير، والمعتزلة يقولون: إن الله على ما يشاء قدير، وقصدهم من هذا إخراج أفعال العباد، وأن الله لا يقدر عليها، يقولون: إن العباد يخلقون أفعالهم، وهذا باطل، أهل السنة يقولون: إن الله على كل شيء قدير، والمعتزلة يقولون: إن الله على ما يشاء قدير، يعني في أشياء يقدر عليها، وأشياء لا يقدر عليها، وهي أفعال العباد، وهذا باطل، كلام المعتزلة، ما يقال: إنه على ما يشاء قدير، إن الله على كل شيء قدير كما أخبر الله في القرآن، وأما هذه الآية ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾[الشورى:29]، فالمشيئة مقدرة، هذا في الجمع، ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾[الشورى:29]، يحاسبون، الإنس والجن يحاسبون، والمخلوقات الأخرى يبعثون تأخذ كل واحد حقها، كما جاء في الحديث أن الله ينصف الشاة الجلحاء من الشاة القرناء، إذا نطحتها فإنها تبعثها يوم القيامة وتنطحها وتأخذ حقها، ثم يقول الله لها: كوني ترابًا، الظاهر أن الوحوش تجمع.

الطالب: ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾[الشورى:29]، يجمع الحيتان مع الإنس يحاسبهم؟

الشيخ: نعم، معروف، يطوق في عنقه، وعيد شديد، طوق يكون في العنق.

الطالب: أحسن الله إليك، من دابة يشمل الملائكة، ولكن في الآية الأخرى غاير بينهم قال: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ﴾[النحل:49].

الشيخ: العطف يكون من عطف الخاص على العام، ومن عطف العام على الخاص.

الطالب: في الآية الأخرى قال: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾[النور:45].

الشيخ: الملائكة مخلوقون من نور، ما يمنع، تسمية كل دابة ما يدب ويمشي، عام.

(وَقَوْلُهُ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} أَيْ: مَهْمَا أَصَابَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الْمَصَائِبِ فَإِنَّمَا هُوَ عَنْ سَيِّئَاتٍ تَقَدَّمَتْ لَكُمْ {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} أَيْ: مِنَ السَّيِّئَاتِ، فَلَا يُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا بَلْ يَعْفُو عَنْهَا، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فَاطِرٍ: 45]، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَب وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزَن، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا».

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُليَّة، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي قِلابَةَ قَالَ: نَزَلَتْ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزَّلْزَلَةِ:7، 8] وَأَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ، فَأَمْسَكَ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَرَاءٍ مَا عَمِلْتُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ؟ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ مَا رَأَيْتَ مِمَّا تَكْرَهُ، فَهُوَ مِنْ مَثَاقِيلِ ذَرّ الشَّرِّ، وَتُدَّخَرُ مَثَاقِيلُ الْخَيْرِ حَتَّى تُعْطَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ: قَالَ أَبُو إِدْرِيسَ: فَإِنِّي أَرَى مِصْدَاقَهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}.

ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عن أنس، قال: والأول أصح).

ماذا قال عليه؟ تكلم عن هذا؟

الطالب: قال: ضعيف، أخرجه الطبري هكذا وهو مرسل، ويأتي في سورة الزلزلة.

(وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الفَزَاري، حَدَّثَنَا الْأَزْهَرُ بْنُ رَاشِدٍ الْكَاهِلِيُّ، عَنِ الخَضْر بْنِ القَوَّاس الْبَجْلِيِّ، عَنْ أَبِي سُخَيْلَةَ عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَدَّثَنَا بِها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}. وَسَأُفَسِّرُهَا لَكَ يَا عَلِيُّ: «مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عُقُوبَةٍ أَوْ بَلَاءٍ فِي الدُّنْيَا، فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يُثَنِّى عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ، وَمَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ تَعَالَى أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ بَعْدَ عَفْوِهِ».

وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وعَبْدة، عَنْ أَبِي سُخَيلة قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ ... فَذَكَرَ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا.

ثُمَّ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ [نَحْوَهُ] مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْقُوفًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي الْوَضَّاحِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي جُحَيفَة قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثٍ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَعيَه؟ قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} قَالَ: مَا عَاقَبَ اللَّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يُثَنِّي عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي عَفْوِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ -يَعْنِي ابْنَ يَحْيَى-عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ-هُوَ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ فِي جَسَدِهِ يُؤْذِيهِ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ»).

الشيخ: ماذا قال على الحديث الأخير؟

الطالب: الحديث الأخير قال: حسن، أخرجه أحمد، وإسناده غير قوي؛ لأجل طلحة بن يحيى ولكن للحديث شواهد.

الشيخ: والذي قبله؟ ماذا قال عن الذي قبله؟

الطالب: الذي قبله قال: ضعيف، أخرجه أحمد وأبو يعلى من حديث علي، وفيه أزهر بن راشد، ضعفه الهيثمي في المجمع، وورد مختصرًا، أخرجه أحمد والحاكم من طريق أبي جحيفة عن علي، وليس فيه ذكر الآية وتفسيرها، وهذا حسن، وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي، وله شواهد، ومنها الآتي.

(وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَثُرَتْ ذُنُوبُ الْعَبْدِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُكَفِّرُهَا، ابْتَلَاهُ اللَّهُ بالحَزَنِ لِيُكَفِّرَهَا»).

الشيخ: ماذا قال عليه؟

الطالب: قال: إسناده ضعيف، أخرجه أحمد والبزار من حديث عائشة، وقال الهيثمي في المجمع: فيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات.

الشيخ: لكن في الحديث السابق: «ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم إلا كفر الله من خطاياه، حتى الشوكة يشاكها»، وهذا حديث صحيح يدل على أن الهمَّ والغم يكفر الله به الخطايا، الحزن والهم والغم والحزن، الوصب المرض والهم والغم والحزن، حتى الشوكة يشاكها يكفر الله بها من خطاياه، في سورة النساء: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾[النساء:123]، قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! نجزى بكل ما نعمل؟ فقال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يا أبا بكر! ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ أليس يصيبك الهم والغم، فذلك ما تجزون به»، هذا المؤمن، الكافر، لا يغفر له الكفر، لكن إذا عمل حسنة في الدنيا وأعمالًا من بر أو صلة فإنه يجازى بها في الدنيا قبل موته، صحة في بدنه، ووفرة في ماله وولده، ثم يفضي إلى الآخرة ولا حسنة له، نسأل الله السلامة والعافية، في اللفظ الآخر: النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأبي بكر: «ألست تحزن؟ ألست يصيبك الهم؟ ألست يصيبك اللأواء، فلذلك مما تجزون به»، ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾[الشورى:30]، يعني بسبب ما كسبت أيديكم، ويعفوا عن كثير، لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا لأهلكهم، ولكنه سبحانه وتعالى يعفوا، ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾[فاطر:45]، ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم لأهلكهم، ولكنه سبحانه وتعالى يعفوا.

(وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ -هُوَ الْبَصْرِيُّ-قَالَ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا مِنْ خَدْش عُودٍ، وَلَا اخْتِلَاجِ عِرْقٍ، وَلَا عَثْرة قَدَمٍ، إِلَّا بِذَنْبٍ وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ»).

الشيخ: هذا منقطع عند الحسن، لكن معناه صحيح، الحديث ضعيف، ماذا قال عليه؟

الطالب: قال: ضعيف، وهو مرسل، ومراسيل الحسن واهية.

الشيخ: مراسيل الحسن ضعيفة، لكن المعنى صحيح، الآية كافية، الآية تدل على هذا، ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾[الشورى:30]، أي شيء يصيب الإنسان من مرض، الحسن يقول ماذا؟

الطالب: (قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا مِنْ خَدْش عُودٍ، وَلَا اخْتِلَاجِ عِرْقٍ، وَلَا عَثْرة قَدَمٍ، إِلَّا بِذَنْبٍ وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ»).

الشيخ: هذا ما يصح عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكن معناه صحيح، إذا كان جاء بسند آخر موصول فلا بأس، حديث ضعيف، إذا كان موصول نعم، ذكر كذا، نعم، اختلج عرق.

الطالب: أحسن الله إليك، عندي تخريج الألباني في السلسلة الصحيحة قال: «ما اختلج عرق ولا عين إلا بذنب، وما يدفع الله عنه أكثر»، رواه الطبراني في المعجم الصغير، وعنه أبو نعيم في أخبار أصبهان عن أحمد بن الفرات، قال: حدثنا محمد بن كثير، حدثنا محمد بن فضيل عن السلط بن بهرام عن أبي وائل عن البراء بن عازب مرفوعًا، وقال الطبراني: تفرد به أحمد، قلت: وهو ثقة حافظ، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين غير السلط بن بهرام وهو ثقة، ومحمد بن كثير هو العبدي فيما يترجح عندي والله أعلم، والحديث قال الهيثمي في مجمع الزوائد، رواه الطبراني في الصغير، وفيه السلط بن بهرام وهو ثقة إلا أنه كان مرجئًا، قلت: أخرجه الضياء المقدسي أيضًا في الأحاديث المختارة، كما في الجامعين الكبير والصغير، وحسن المناوي إسناده في التيسير.

الشيخ: يوافق الآية نعم، الآية فيها العموم، وهذا فيها التفصيل منها، العرق والعين، نعم.

(وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا هُشَيمْ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الحسن، عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَقَدْ كَانَ ابْتُلِيَ فِي جَسَدِهِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ إِنَّا لَنَبْتَئِسُ لَكَ لِمَا نَرَى فِيكَ. قَالَ: فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا تَرَى، فَإِنَّ مَا تَرَى بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}).

الشيخ: ماذا قال على حديث عمران؟

الطالب: ما تكلم عليه عندي.

(وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا هُشَيمْ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الحسن، عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَقَدْ كَانَ ابْتُلِيَ فِي جَسَدِهِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ إِنَّا لَنَبْتَئِسُ لَكَ لِمَا نَرَى فِيكَ. قَالَ: فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا تَرَى، فَإِنَّ مَا تَرَى بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}).

فيه جهالة الأصحاب الذين دخلوا على عمران، ممكن يكون فيه انقطاع عن بعضهم، دخل عليه بعض أصحابه، إن كانوا من الصحابة فلا بأس، لكن الحسن هل أدرك عمران؟

([قَالَ:] وَحَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الحمَّاني، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ أَبِي الْبِلَادِ قَالَ: قُلْتُ لِلْعَلَاءِ بْنِ بَدْرٍ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}، وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرِي وَأَنَا غُلَامٌ؟ قَالَ: فَبِذُنُوبِ وَالِدَيْكَ).

الشيخ: ماذا قال عليه؟

الطالب: ما تكلم عليه.

الشيخ: أبو البلاد، ضعفه من؟ هذا التخريج لمن هذا؟ تفسير الحافظ ابن كثير ظفر بطبعات وتخريجات متعددة.

(وَحَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافسي، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَبْدِ العزيز بن أبي راود، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا حَفِظَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ إِلَّا بِذَنْبٍ، ثُمَّ قَرَأَ الضَّحَّاكُ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}. ثُمَّ يَقُولُ الضَّحَّاكُ: وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن).

الشيخ: ماذا قال عليه؟

الطالب: ما تكلم عليه، الضحاك هذا فيه نظر، لو صح عن الضحاك، سنده ماذا؟

(وَحَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافسي، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَبْدِ العزيز بن أبي راود، عَنِ الضَّحَّاكِ).

الشيخ: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾[الشورى:31] قبل هذه.

الطالب: ما فسرها، ما ذكر تفسيرها.

الشيخ: ما تكلم عليه الحافظ؟ قفز الآية؟

الطالب: نعم.

الشيخ: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾[الشورى:31]، انظر في تفسيرها في تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي، معك أو البغوي؟ ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾[الشورى:31].

الطالب: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} بِفَائِتِينَ، {فِي الْأَرْضِ} هَرَبًا يَعْنِي لا تعجزونني ‌حيث ‌ما ‌كُنْتُمْ وَلَا تَسْبِقُونَنِي، {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}.

الشيخ: كلام جيد، {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} بِفَائِتِينَ على الله، الله تعالى قادر عليكم، يجمعكم ويحاسبكم، قال ماذا؟ وما أنتم بمعجزين أي...

الطالب: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} بِفَائِتِينَ، {فِي الْأَرْضِ} هَرَبًا يَعْنِي لا تعجزونني ‌حيث ‌ما ‌كُنْتُمْ وَلَا تَسْبِقُونَنِي، {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}.

الشيخ: ما لكم من دون الله من ولي ولا نصير يمنعكم مما يريد الله بكم من خير أو شر، وما أنتم بمعجزين في الأرض، ما أنتم أيها الناس بفائتين على الله هربًا في الأرض ولا في السماء، يعني أهل السماء والأرض كلهم لا يعجزون الله، وهو قادر عليهم، وإيقاع ما يريده بهم سبحانه وتعالى، وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير، ليس لأحد دونه ولي يتولاه، ولا ناصر يدفع عنه عذاب الله إذا نزل به، بل هو في قبضة الله وتحت تصرفه وقهره، وما أنتم بمعجزين في الأرض، أي: لا تفوتون على الله هربًا مهما كنتم في أي مكان، من أقطار السماء أو أقطار الأرض، الله تعالى قادر عليكم، متصرف فيكم، تنفذ قدرته فيكم من خير أو شر، فاحذروا عقوبة الله وبطشه، استقيموا على طاعة الله.

الله تعالى يقول: ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾[الأنعام:164]، كل إنسان يحاسب عن نفسه، ولكن الإنسان مأمور بالإحسان لوالديه والولد كذلك، والوالد مأمور بتربية أولاده والإحسان إليهم، أما الذنوب فلا يحمل أحد ذنب أحد.

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد