الأحد 9-8-1440هـ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: (تَفْسِيرُ سُورَةِ الشُّورَى
قال الله تعال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
{وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَار فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)}.
يَقُولُ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، تَسْخِيرُهُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ فِيهِ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ، وَهِيَ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ، أَيْ: كَالْجِبَالِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَالسُّدِّيُّ، وَالضَّحَّاكُ، أَيْ: هِيَ فِي الْبَحْرِ كَالْجِبَالِ فِي الْبَرِّ.
{إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ} أَيِ: الَّتِي تَسِيرُ بِالسُّفُنِ، لَوْ شَاءَ لَسَكَّنَهَا حَتَّى لَا تَتَحَرَّكَ السُّفُنُ، بَلْ تَظَلَّ رَاكِدَةً لَا تَجِيءُ وَلَا تَذْهَبُ، بَلْ وَاقِفَةً عَلَى ظَهْرِهِ، أَيْ: عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ} أَيْ: فِي الشَّدَائِدِ {شَكُورٍ} أَيْ: إِنَّ فِي تَسْخِيرِهِ الْبَحْرَ وَإِجْرَائِهِ الْهَوَى بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ لِسَيْرِهِمْ، لَدَلَالَاتٍ عَلَى نِعَمِهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ {لِكُلِّ صَبَّارٍ} أَيْ: فِي الشَّدَائِدِ، {شَكُورٍ} فِي الرَّخَاءِ.
وَقَوْلُهُ: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} أَيْ: وَلَوْ شَاءَ لَأَهْلَكَ السُّفُنَ وَغَرَّقَهَا بِذُنُوبِ أَهْلِهَا الَّذِينَ هُمْ رَاكِبُونَ عَلَيْهَا {وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ} أَيْ: مِنْ ذُنُوبِهِمْ. وَلَوْ أَخَذَهُمْ بِجَمِيعِ ذُنُوبِهِمْ لِأَهْلَكَ كُلَّ مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ.
وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} أَيْ: لَوْ شَاءَ لَأَرْسَلَ الرِّيحَ قَوِيَّةً عَاتِيَةً، فَأَخَذَتِ السُّفُنَ وَأَحَالَتْهَا عَنْ سَيْرِهَا الْمُسْتَقِيمِ، فَصَرَفَتْهَا ذَاتَ الْيَمِينِ أَوْ ذَاتَ الشِّمَالِ، آبِقَةً لَا تَسِيرُ عَلَى طَرِيقٍ، وَلَا إِلَى جِهَةِ مَقْصِدٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ يَتَضَمَّنُ هَلَاكَهَا، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلْأَوَّل وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ شَاءَ لَسَكَّنَ الرِّيحَ فَوَقَفَتْ، أَوْ لَقَوَّاهُ فَشَرَدَتْ وَأَبْقَتْ وَهَلَكَتْ. وَلَكِنْ مِنْ لُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ أَنَّهُ يُرْسِلُهُ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ، كَمَا يُرْسِلُ الْمَطَرَ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ، وَلَوْ أَنْزَلَهُ كَثِيرًا جِدًّا لَهَدَمَ الْبُنْيَانَ، أَوْ قَلِيلًا لَمَا أَنْبَتَ الزَّرْعَ وَالثِّمَارَ، حَتَّى إِنَّهُ يُرْسِلُ إِلَى مِثْلِ بِلَادِ مِصْرَ سَيْحًا مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى مَطَرٍ، وَلَوْ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ لَهَدَمَ بُنْيَانَهُمْ، وَأَسْقَطَ جُدْرَانَهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} أَيْ: لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْ بَأْسِنَا وَنِقْمَتِنَا، فَإِنَّهُمْ مَقْهُورُونَ بِقُدْرَتِنَا).
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد...
هذه الآيات الكريمات يبين الله تعالى فيها بيان قدرته العظيمة وسلطانه العظيم وأن من آياته هذه السفن العظيمة التي في البحار، تجري إلى حيث شاء أصحابها، سخرها الله وسخر البحر، فكانت تجري هذه السفن العظيمة ويحمل عليها الناس بضائعهم وأمتعتهم ويسيرون بأنفسهم من مكان إلى مكان ومن بلد إلى بلد ومن قطر إلى قطر ومن ناحية إلى ناحية، هذا من نعم الله العظيمة ومن دلائل قدرته ووحدانيته، وهي من السفن العظيمة كالجبال في البر، ولاسيما في هذا الزمن الذي وجدت فيه المخترعات الحديثة ومنها السفن العظيمة التي ليس لها نظير في الأزمنة السابقة في عظمها، واتساعها وحملها البضائع، فالله تعالى يمتن على عباده بذلك، ويجعلها آية من الآيات التي يستدلون بها على قدرته وسلطانه، وأنه وحده هو المدبر المصرف، وهو المستحق للعبادة دون من سواه، سخر الريح، سخر من الريح ما تحتاجه هذه السفن، ولو شاء لأوقف الريح، وسكنها فسكنت هذه السفن، وظلت راكدة على ظهر البحر، ولو شاء لقوى الرياح فصرفت هذه الجواري عن مقصدها إلى مكان تضل فيه الطريق، ولا تهتدي إلى سبيل، ولكنه سبحانه وتعالى لطيف بعباده، فهو سخر البحر، وعلم الإنسان صناعة هذه السفن، وأجرى من الرياح بقدر الحاجة، ولو شاء لسكن الريح، لظلت هذه ساكنة على ظهره، أو قواها فصرفها عن طريقها ومقصدها، فهلكت، فهذه قدرته وهذا سلطانه، وهو دليل على وحدانيته واستحقاقه للعبادة، هذا فيه عبر ودلالات للمعتبر والمتأمل، ولكن ليس لكل أحد؛ لن بعض الناس لا يستفيد من الآيات، ويرى الآيات كأنها شيءٌ عادي بسبب تكرارها ونظره إليها، والله تعالى يقول: ﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية:17 - 20]، هذه آيات دلائل، ولكن كثيرٌ من الناس يمروا عليها مرور التكرار، يراها ويشاهدها ليل نهار فلا يعتبر، فهذه الآيات دليل وعبر، ليس لكل أحد، بل للصبار الذي يصبر على المكاره والشدائد ورزقه الله البصيرة التي ينظر بها نظر الاعتبار والتفكر، وكذلك الشكور الذي يشكر الله على النعماء، والصبار الذي يشكر الله على الشدائد، والشكور الذي يشكر الله في الرخاء، هو الذي يستفيد من هذه الآيات، ويستدل بها على قدرة الله ووحدانيته.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)}، يعني لو شاء سبحانه وتعالى لأهلك هذه السفن بسبب ما كسب، كسب هؤلاء العباد من الذنوب، لكنه سبحانه يعفو ويتجاوز.
﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾[النحل:61]، ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾[فاطر:45]، لأهلكهم جميعًا، ولكنه سبحانه سبقت رحمته غضبه، فهو لطيف بعباده،
{وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)}، يعلم الذين يجادلون في آيات الله ولا يؤمنون بها، وحظهم منها الجدال والشقاق والنزاع لا الإيمان والاتعاظ، يعلم أنه لا محيص لهم ولا محيد لهم من العذاب الذي ينتظرهم، فليحذروا من الاستمرار على ما هم عليه، وليتبوا إلى ربهم قبل فوات الأوان.
الطالب: ثم قال تعالى: ({فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)}.
يَقُولُ تَعَالَى مُحَقِّرًا بِشَأْنِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، وَمَا فِيهَا مِنَ الزَّهْرَةِ وَالنَّعِيمِ الْفَانِي، بِقَوْلِهِ: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أَيْ: مَهْمَا حَصَلْتُمْ وَجَمَعْتُمْ فَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهِيَ دَارٌ دَنِيئَةٌ فَانِيَةٌ زَائِلَةٌ لَا مَحَالَةَ، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} أَيْ: وَثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا، وَهُوَ بَاقٍ سَرْمَدِيٌّ، فَلَا تُقَدِّمُوا الْفَانِيَ عَلَى الْبَاقِي؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لِلَّذِينَ آمَنُوا} أَيْ: لِلَّذِينَ صَبَرُوا عَلَى تَرْكِ الْمَلَاذِّ فِي الدُّنْيَا، {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} أَيْ: لِيُعِينَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ.
ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ} وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ فِي "سُورَةِ الْأَعْرَافِ" {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} أَيْ: سَجِيَّتُهُمْ [وَخَلْقُهُمْ وَطَبْعُهُمْ] تَقْتَضِي الصَّفْحَ وَالْعَفْوَ عَنِ النَّاسِ، لَيْسَ سَجِيَّتُهُمُ الِانْتِقَامَ مِنَ النَّاسِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ قَطُّ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: "كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ: مَا لَهُ؟ تَرِبَتْ جَبِينُهُ").
الشيخ: (عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ) يعني عند العتاب، لا يقول كلامًا سيئًا، (مَا لَهُ؟ تَرِبَتْ جَبِينُهُ؟)، يعني ما الذي حصل له.
الطالب: (وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَذِلُّوا، وكانوا إذا قدروا عفوا.
وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ} أَيِ: اتَّبَعُوا رُسُلَهُ وَأَطَاعُوا أَمْرَهُ، وَاجْتَنَبُوا زَجْرَهُ، {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} وَهِيَ أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} أَيْ: لَا يُبْرِمُونَ أَمْرًا حَتَّى يَتَشَاوَرُوا فِيهِ، لِيَتَسَاعَدُوا بِآرَائِهِمْ فِي مِثْلِ الْحُرُوبِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آلِ عمران: 159]، ولهذا كان عليه [الصلاة] السلام، يُشَاوِرُهُمْ فِي الْحُرُوبِ وَنَحْوِهَا، لِيُطَيِّبَ بِذَلِكَ قُلُوبَهُمْ. وَهَكَذَا لَمَّا حَضَرَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] الْوَفَاةُ حِينَ طُعِنَ، جَعَلَ الْأَمْرَ بَعْدَهُ شُورَى فِي سِتَّةِ نَفَرٍ، وَهُمْ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ عَلَيْهِمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} وَذَلِكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى خَلْقِ اللَّهِ، الْأَقْرَبِ إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبِ.
وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} أَيْ: فِيهِمْ قُوَّةُ الِانْتِصَارِ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ وَاعْتَدَى عَلَيْهِمْ، لَيْسُوا بِعَاجِزِينَ وَلَا أَذِلَّةٍ، بَلْ يَقْدِرُونَ عَلَى الِانْتِقَامِ مِمَّنْ بَغَى عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا مع هذا إذا قدروا وعفوا، كَمَا قَالَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِإِخْوَتِهِ: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ [وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ]} [يُوسُفَ:92] ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَاخَذَتِهِمْ وَمُقَابَلَتِهِمْ عَلَى صَنِيعِهِمْ إِلَيْهِ، وَكَمَا عَفَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أُولَئِكَ النَّفَرِ الثَّمَانِينَ الَّذِينَ قَصَدُوهُ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَنَزَلُوا مِنْ جَبَلِ التَّنْعِيمِ، فَلَمَّا قَدَرَ عَلَيْهِمْ مَنَّ عَلَيْهِمْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الِانْتِقَامِ، وَكَذَلِكَ عَفْوُهُ عَنْ غَوْرَث بْنِ الْحَارِثِ، الَّذِي أَرَادَ الْفَتْكَ بِهِ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] حِينَ اخْتَرَطَ سَيْفَهُ وَهُوَ نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتا، فَانْتَهَرَهُ فَوَضَعَهُ مِنْ يَدِهِ، وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ، وَدَعَا أَصْحَابَهُ، ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ، وَعَفَا عَنْهُ. وَكَذَلِكَ عَفَا عَنْ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ، الَّذِي سَحَرَهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُ، وَلَا عَاتَبَهُ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ عَفْوُهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَنِ الْمَرْأَةِ الْيَهُودِيَّةِ -وَهِيَ زَيْنَبُ أُخْتُ مَرْحَبٍ الْيَهُودِيِّ الْخَيْبَرِيِّ الَّذِي قَتَلَهُ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ-الَّتِي سَمَّتِ الذِّرَاعَ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَأَخْبَرَهُ الذِّرَاعُ بِذَلِكَ، فَدَعَاهَا فَاعْتَرَفَتْ فَقَالَ: "مَا حَمَلَكِ عَلَى ذَلِكَ" قَالَتْ: أَرَدْتُ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَبِيًّا اسْتَرَحْنَا مِنْكَ، فَأَطْلَقَهَا، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَكِنْ لَمَّا مَاتَ مِنْهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ قَتَلَهَا بِهِ، وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ).
الشيخ: هذه الآيات الكريمات فيها بيان حال الدنيا، وحال الآخرة، وأن ما في الدنيا غل زائل، مهما كان فيها من النعيم والقصور، والأموال والذهب، والفضة والمتعة والمراكب وغيرها، كلها فانية، مآلها إلى الزوال مهم عاش الإنسان، فالدنيا مرتحلة، والذي يبقى هو ما عند الله عز وجل، ثواب الله، ثواب الآخرة هو الباقي، السرمدي، فالعاقل هو ما يؤثر ما يبقى على ما يفنى، ولهذا قال بعض السلف: لو كان الدنيا ذهبًا يفنى، والآخرة خذف يبقى، لكان للعاقل أن يؤثر الخذف الذي يبقى على الذهب الذي يفنى، فكيف والدنيا خذف يفنى والأخرة ذهب يبقى؟!
قال سبحانه تعالى: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، مهما أوتيتم من شيء، {مِنْ شَيْءٍ}، شيء نكرة في سياق النفي، النفي بـ (من) يشمل جميع الأشياء التي في الدنيا، الأموال والنقود والعقارات والأمتعة والأراضي والأموال والجاه والسلطان، إلى غير ذلك، كل ما فيها يفنى، كله زائل، {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، كله زائل، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى}، ما عند الله من الثواب لمن أعده الله للمؤمنين المستقيمين على طاعة الله، المؤمنين بالله ورسوله الذين صدقوا إيمانهم بالعمل الصالح، والتوبة النصوح، والاستقامة على طاعة الله، والثبات على دين الله. ما عند الله خير وأبقى لهؤلاء المؤمنين، ولذا قال: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا}، وحدوا الله وأخلصوا له العبادة، {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)}، في إعانتهم على العمل الذي يصدقون به إيمانهم وامتثال الوامر واجتناب النواهي.
{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)}، {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ}، الكبائر التي تعذى له بالنار أو اللعنة أو الغضب أو نفي الإيمان [24:06]، {وَالْفَوَاحِش}، ما فحش من الكبائر كالزنا واللواط والقتل وغير ذلك مما فحُش وغلظ من الكبائر، يجتنبونها، يجتنبون الكبائر والفواحش، {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}، إذا غضبوا غلبوا جانب المغفرة والسماحة والعفو مع قدرتهم على أخذ الحق، {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)}،
{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ}، استجابوا لله ورسوله، وانقادوا لشرع الله ودينه، فهم مستجيبون منقادون ممتثلون، لا معاندون ولا تاركون لما أوجب الله عليهم عن عمد، أو مجترحون لما حرم الله عليهم، {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ}، استجابوا لله ولرسوله وأقاموا الصلاة، أقاموها بأركانها وشروطها وواجباتها، أقاموها ظاهرًا بالأركان والشروط والواجبات،ـ وباطنًا بالإخلاص.
{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، يعني يتشاورون فيما بينهم ويتبادلون الآراء، حتى يتبين لهم ما هو الأرجح والأنفع والأولى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسدد بالوحي يشاور أصحابه عليه الصلاة والسلام، شاورهم في بدر، في المكان، فأشاروا عليه، {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون}، ينفقون من أموالهم في المجالات الخيرية وفي الأعمال الخيرية، للفقراء والمساكين والمحاويج، وغير ذلك من المشاريع الخيرية.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)}، إذا أصابهم البغي واعتدى عليهم عندهم قوة في الانتصار، فهم ينتصرون وقد يعفون، قد يغلبون جانب العفو وقد ينتصرون، على حسب المصلحة الراجحة، فإن كان الذي بغى حصلت منه زلة قدم، وليس ذلك عادة له عفوا عنه، وإن كان هذا الذي حصل منه بغي مسرفًا في البغي متساهلًا في المعاصي غير مبالٍ، والعفو يجرئه على الاستمرار، لا ينتصرون ولا يأخذون حقهم ولا يعفون عنه، {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)}.
طالب آخر: هل [27:26] (صوت غير مسموع).
الشيخ: بعد مماته؟
طالب آخر: بعد مماته أو في حياته؟
الشيخ: النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لا يعفى عمن انتقص النبي صلى الله عليه وسلم، بل يقام عليه الحد، قال العلماء: بعد وفاته من سب النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعفى عنه، يقتل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعفو في حياته، لكن بعد مماته لا يعفى عنه، ولهذا قال العلماء إن الساب والشاتم هذه من الأعمال الكفرية الغليظة، لا يعفى عنه في الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله، فإن تاب حتى ولو ادعى التوبة، لكن إن تاب كان تائب عند الله فالله يقبل توبة عبده، وإن كان أظهر التوبة وهو كاذب، فالله تعالى يجازيه في الآخرة، والمؤمنون عليهم أن يقيموا عليه الحد، وبعض العلماء يقول أنه يعفى عنه إذا أظهر التوبة.
الطالب: ثم قال تعالى: ({وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ (43)}.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194]. وَكَقَوْلِهِ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النَّحْلِ:129] فَشَرَعَ الْعَدْلَ وَهُوَ الْقَصَاصُ، وَنَدَبَ إِلَى الْفَضْلِ وَهُوَ الْعَفْوُ، كَقَوْلِهِ [تَعَالَى] {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [الْمَائِدَةِ:45] ؛ وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} أَيْ: لَا يَضِيعُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ: "وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا" وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} أَيِ: الْمُعْتَدِينَ، وَهُوَ الْمُبْتَدِئُ بِالسَّيِّئَةِ).
الشيخ: قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}، يعني جزاء من عمل السيئة العقوبة، وتسمى العقوبة سيئة في مقابل عملها، وإلا فالجزاء ليس سيئًا، وقد يقال أنه سمي سيئًا؛ لأنه يسوء صاحبه، فمن عمل السيئة وابتدأها فإنه يعاقب ويجازى، وهذه العقوبة الثانية سيئة تسوءه، أو أنها سميت سيئة في مقابل السيئة التي عملها، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾[النحل:126]، سمى الجواء عقوبة، ﴿فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾[البقرة:191]، وهكذا، فمن عمل السيئة فإنه يجازى بمثل عمله، بما يسوءه، ولكن العفو والصفح مرغب فيه، وهو أولى، ولهذا قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، يعني أجره على الله، له ثواب غير محدد، فأيهما أولى: أن يكون أجرك على الله أو يكون أجرك على أخيك فتأخذ حقك منه؟ الأولى أن يكون أجرك على الله، هذا أعظم وأولى من أن تأخذ حقك من أخيك، إلا في حالات خاصة قد لا يكون العفو مرغب فيه، فمثلًا القاتل عمدًا عدوانًا مرغب في العفو، لكن إذا كان القاتل هذا مستهتر لا يبالي متهور معتدي ظالم، فليس محلًا للعفو، فالأولى أن لا يعفى عنه؛ لأن لا يكون العفو يجزئه على الاستمرار في القتل، إذا كان العفو يجزئه على الاستمرار فالأولى أن لا يعفى عنه، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، سبحانه وتعالى، لا يحب من ابتدأ الظلم، أما المجازاة على ظلمه هذا حق، حق للمعتدى عليه أن يأخذ بحقه.
الطالب: ثُمَّ قَالَ: ({وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} أَيْ: لَيْسَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ فِي الِانْتِصَارِ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزيع حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْن قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُ عَنِ الِانْتِصَارِ: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} فَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ -امْرَأَةِ أَبِيهِ-قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: زَعَمُوا أَنَّهَا كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ -قَالَتْ: قَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَنَا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَجَعَلَ يَصْنَعُ بِيَدِهِ شَيْئًا فَلَمْ يَفْطِن لَهَا، فَقُلْتُ بِيَدِهِ حَتَّى فَطَّنته لَهَا).
الشيخ: فقلت أو فقالت؟ فقالت بيدها
الطالب: (فقلت)، وفي نسخة: (أي أمسكت بيده، والعرب كما تقدم مرارًا تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال..
الشيخ: يعني زينب كأنها أشارت بيدها.
الطالب: (قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: زَعَمُوا أَنَّهَا كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَنَا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ رضي الله عنها، فَجَعَلَ يَصْنَعُ بِيَدِهِ شَيْئًا فَلَمْ يَفْطِن لَهَا).
الشيخ: هكذا عندكم؟
طالب آخر: [35:45]، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: في نسخة فجعلت، وفي نسخة جعل.
الطالب: (فَجَعَلَ يَصْنَعُ بِيَدِهِ شَيْئًا فَلَمْ يَفْطِن لَهَا فَقُلْتُ بِيَدِهِ حَتَّى فَطَّنته لَهَا، فَأَمْسَكَ. وَأَقْبَلَتْ زَيْنَبُ تُقْحِمُ لِعَائِشَةَ، فَنَهَاهَا، فَأَبَتْ أَنْ تَنْتَهِيَ. فَقَالَ لِعَائِشَةَ: "سُبّيها" فَسَبَّتْهَا فَغَلَبَتْهَا، وَانْطَلَقَتْ زَيْنَبُ فَأَتَتْ عَلِيًّا فَقَالَتْ: إِنَّ عَائِشَةَ تَقَعُ بِكُمْ، وَتَفْعَلُ بِكُمْ. فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَقَالَ لَهَا "إِنَّهَا حِبَّةُ أَبِيكِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ" فَانْصَرَفَتْ، وَقَالَتْ لِعَلِيٍّ: إِنِّي قُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ لِي كَذَا وَكَذَا. قَالَ: وَجَاءَ عَلِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ.
هَكَذَا وَرَدَ هَذَا السِّيَاقُ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ يَأْتِي فِي رِوَايَاتِهِ بِالْمُنْكَرَاتِ غَالِبًا).
الشيخ: ضعيف، لا يصح هذا.
الطالب: (وَهَذَا فِيهِ نَكَارَةٌ، وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ خِلَافُ هَذَا السِّيَاقِ، كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ الْفَأْفَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ البَهِيّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا علمتُ حَتَّى دَخَلَتْ عليَّ زَيْنَبُ بِغَيْرِ إِذَنٍ وَهِيَ غَضْبَى، ثُمَّ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُكَ إِذَا قَلَبَتْ لَكَ ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ ذُرَيّعَتَيهَا).
الشيخ: ذريعها؟
طالب آخر: ذريعيتها [38:45].
الطالب: (حَسْبُكَ إِذَا قَلَبَتْ لَكَ ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ ذُرَيّعَتَيهَا)، قال في الحاشية: (الذريعة تصغير الذراع، وأرادت بالذريعتين الساعدين، تقول زينب: يكفيك فعل عائشة حين تقلب لك ذراعيها، أن كأنك لشدة حبك لها لا تنظر إلى أمر آخر).
الطالب: (ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيَّ فَأَعْرَضْتُ عَنْهَا، حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دُونَكِ فَانْتَصِرِي" فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهَا حَتَّى رَأَيْتُهَا وَقَدْ يَبِسَ رِيقُهَا فِي فَمِهَا، مَا تَرُدُّ عَلَيَّ شَيْئًا. فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يتهلل وجهه. وهذا لفظ النَّسَائِيِّ).
الشيخ: هذا مما يحصل عند الكلام والأخذ والرد، هذا شيء عادي.
الطالب: (وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدِ انْتَصَرَ").
الشيخ: يعني انتصر أخذ لحقه، وقد يزيد، جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن السارق قد يدعو عليه – يعني من سرق منه- ويزيد حتى يأخذ حقه وزيادة).
الطالب: (ورواه الترمذي من حديث أبو الأحوص عن أبي حمزة واسمه ميون، ثم قال: لا نعرفه إلا من حديثه، وقد تكلم فيه من قبل حفظه.
الطالب: (وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا السَّبِيلُ} أَيْ: إِنَّمَا الْحَرَجُ وَالْعَنَتُ {عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أَيْ: يَبْدَؤُونَ النَّاسَ بِالظُّلْمِ. كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "الْمُسْتَبَّانُ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَد الْمَظْلُومُ".
{أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أَيْ: شَدِيدٌ مُوجِعٌ).
الشيخ: يعني من اعتدى عليه وانتصر وأخذ بحقه ليس عليه جناح، إنما الجناح على الذي يظلم الناس، الحرج والعنت والمشقة على الذي يظلم الناس، يبدأ الناس بالظلم، }إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، يظلموا الناس بغير حق، كما في الحديث: " الْمُسْتَبَّانُ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَد الْمَظْلُومُ"، المتسابان على ما قلا، يعني إنسان سبه، ثم يرد عليه الآخر مثل سبته، ما لم يعتدي المظلوم، إذا قال مثلًا: تسابا، قال الشخص: أخزاك الله، فقال له: أخزاك الله أنت، هذا قصاص، فإذا زاد وقال: أخزاك الله، أخزاك الله مرتين، أو قال: أخزاك الله ولعنك، هذا عدوان، [43:03] المظلوم، لكن مادام يأخذ بحقه ما عليه بأس، "الْمُسْتَبَّانُ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ" عليه الإثم، "مَا لَمْ يَعْتَد الْمَظْلُومُ" يزيد، أنت لا تزيد، لا تأخذ أكثر من حقك، ترد السبة بسبة واحدة، أما ترد السبة بسبتين هذا عدوان، }إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، هذا الحرج والعنت على هؤلاء، الذين يظلمون الناس في دمائهم أو أوالهم أو أجسادهم ويبغون في الأرض بغير الحق، هؤلاء توعدهم، }أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
طالب آخر: [43:40] العفو.
الشيخ: كما سبق، ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾[الشورى:40].
الطالب: (قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ -أَخُو حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ-حَدَّثَنَا عُثْمَانُ الشَّحَّامُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ فَإِذَا عَلَى الْخَنْدَقِ مَنْظَرَة، فَأُخِذْتُ فَانْطُلِقَ بِي إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْمُهَلَّبِ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ).
الشيخ: يعني الخندق؟
الطالب: قال: (المنظرة موضع الحرس، وتكون في رأس الجبل).
الطالب: (فَأُخِذْتُ فَانْطُلِقَ بِي إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْمُهَلَّبِ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ، فَقَالَ: حَاجَتَكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ. قُلْتُ حَاجَتِي إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَ أَخُو بَنِي عَدِيٍّ. قَالَ: وَمَنْ أَخُو بَنِي عَدِيٍّ؟ قَالَ: الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ، اسْتَعْمَلَ صَدِيقًا لَهُ مَرَّةً عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا تَبِيتَ إِلَّا وَظَهْرُكَ خَفِيفٌ، وَبَطْنُكَ خَمِيصٌ، وَكَفُّكَ نَقِيَّةٌ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ سَبِيلٌ، {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}).
الشيخ: (وَبَطْنُكَ خَمِيصٌ)، يعني لم تأكل الحرام، (وَظَهْرُكَ خَفِيفٌ)، يعني لم تحمل أوزار الناس وأثقالهم. (ويدك خفيفة)، لا تبطش بها بغير حق، أو تأخذ ما لا تستحقه.
الطالب: (فَقَالَ صَدَقَ وَاللَّهِ وَنَصَحَ ثُمَّ قَالَ: مَا حَاجَتُكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قُلْتُ: حَاجَتِي أَنْ تُلْحِقَنِي بِأَهْلِي. قَالَ: نَعَمْ)، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَمَّ الظُّلْمَ وَأَهْلَهُ وَشَرَّعَ الْقَصَاصَ، قَالَ نَادِبًا إِلَى الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} أَيْ: صَبَرَ عَلَى الْأَذَى وَسَتَرَ السَّيِّئَةَ، {إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ})
الشيخ: هذا الصبر، الأول الأخذ بالحق، ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾[الشورى:40]، ثم قال: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ}، هذا أفضل، {وَلَمَنْ صَبَرَ} على الأذى، {وَغَفَرَ} السيئة، ، {إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ}، لكن ليس كل أحد يقدر عليها، {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ}.
الطالب: (قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: [يَعْنِي] لَمِنْ حَقِّ الْأُمُورِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا، أَيْ: لَمِنَ الْأُمُورِ الْمَشْكُورَةِ وَالْأَفْعَالِ الْحَمِيدَةِ الَّتِي عَلَيْهَا ثَوَابٌ جَزِيلٌ وَثَنَاءٌ جَمِيلٌ).
الشيخ: لما صبر على الأذى وغفر السيئة، هذا من الأمور المحمودة، من الأمور التي ندب إليها الكتاب العزيز والسنة والمطهرة.
الطالب: (وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الطَّرْسُوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ -خَادِمُ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ-قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ يقول إذا أتاك رجل يَشْكُو إِلَيْكَ رَجُلًا فَقُلْ: "يَا أَخِي، اعْفُ عَنْهُ". فَإِنَّ الْعَفْوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، فَإِنْ قَالَ: لَا يَحْتَمِلُ قَلْبِي الْعَفْوَ، وَلَكِنْ أَنْتَصِرُ كَمَا أَمَرَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. فَقُلْ لَهُ إِنْ كُنْتُ تُحْسِنُ أَنْ تَنْتَصِرَ وَإِلَّا فَارْجِعْ إِلَى بَابِ الْعَفْوِ، فَإِنَّهُ بَابٌ وَاسِعٌ، فَإِنَّهُ مَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَصَاحِبُ الْعَفْوِ يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ بِاللَّيْلِ، وَصَاحِبُ الِانْتِصَارِ يُقَلِّبُ الْأُمُورَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى -يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ-عَنِ ابْنِ عَجْلان، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْجَبُ وَيَتَبَسَّمُ، فَلَمَّا أَكْثَرَ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ، فَلَحِقَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ يَشْتُمُنِي وَأَنْتَ جَالِسٌ، فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ غَضِبْتَ وَقُمْتَ! قَالَ: "إِنَّهُ كَانَ مَعَكَ مَلَكٌ يَرُدُّ عَنْكَ، فَلَمَّا رَدَدْتَ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ حَضَرَ الشَّيْطَانُ، فَلَمْ أَكُنْ لِأَقْعُدَ مَعَ الشَّيْطَانِ". ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ، مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلم بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا لِلَّهِ، إِلَّا أَعَزَّ اللَّهُ بِهَا نَصْرَه، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ يُرِيدُ بِهَا صِلَةً، إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا كَثْرَةً، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً، إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا قِلَّةً". وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ -قَالَ: وَرَوَاهُ صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلان وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِي، عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُحَرِّرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلًا. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ سببُ سَبِّهِ لِلصِّديق).
الشيخ: ماذا قال على الحديث؟
الطالب: قال الحديث الأول في مسند الإمام أحمد.
الشيخ: والحديث الأخير؟
الطالب: هذا الحديث الأخير، هل عندك شيء؟
طالب آخر: (حسن أخرجه أحمد وإسناده حسن لأجل محمد بت عجلان)، وفي تعليق على المسند، قالوا: (حسن لغيره، وقد خولف ابن عجلان في إسناد هذا الحديث، فقد رواه الليث بن سعد عن سعيد المقبوري، عن بشير بن المحرر، عن سعيد بن المسيب مرسلًا، ورجحها البخاري في التاريخ والدارقطني في العلل، فإن الليث أصح الناس رواية عن المقبوري، وأما ابن عجلان فيقع له في أحاديثه عن سعيد المقبوري بعض الأوهام، لكن للحديث متابعات وشواهد تنهض به إلى التحسين).
الشيخ: وقبله يقول في الحديث: وصاحب العفو ....
الطالب: قال: (وَصَاحِبُ الْعَفْوِ يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ بِاللَّيْلِ).
الشيخ: (وَصَاحِبُ الْعَفْوِ يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ بِاللَّيْلِ)؛ لأنه سليم الصدر.
الطالب: (وَصَاحِبُ الِانْتِصَارِ يُقَلِّبُ الْأُمُورَ).
الشيخ: لابد يفكر، ويكون عنده تفكيرات.
طالب آخر: كيف ينتصر عليه..
الشيخ: نعم، وأما صاحب العفو فانتهى