بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ({وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) })
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: (يَقُولُ تَعَالَى مُخْبَرًا عَنْ نَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ مَا شَاءَ (1) كَانَ وَلَا رَادَّ لَهُ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ فَلَا مُوجِدَ لَهُ (2) وَأَنَّهُ مَنْ هَدَاهُ فَلَا مُضِل لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ (3) فَلَا هَادِيَ لَهُ، كَمَا قَالَ: {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الْكَهْفِ: 17]
ثُمَّ قَالَ مُخْبِرًا عَنِ الظَّالِمِينَ، وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ {لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} أَيْ: يَوْمَ القيامة يتمنون اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48(
الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا، {يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}، كَمَا قَالَ [تَعَالَى] (1) {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الْأَنْعَامِ:27، 28]
وَقَوْلُهُ: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أَيْ: عَلَى النَّارِ {خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ} أَيِ: الَّذِي قَدِ اعْتَرَاهُمْ بِمَا أَسْلَفُوا مِنْ عِصْيَانِ اللَّهِ، {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} قَالَ مجاهد: يعني ذليل، أَيْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا مُسَارقَة خَوْفًا مِنْهَا، وَالَّذِي يَحْذَرُونَ مِنْهُ وَاقِعٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ، وَمَا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا فِي نُفُوسِهِمْ، أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ.
{وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا} أَيْ: يَقُولُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: {إِنَّ الْخَاسِرِينَ} أَيِ: الْخَسَارُ (2) الْأَكْبَرُ {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أَيْ: ذَهَبَ بِهِمْ إِلَى (3) النَّارِ فَعُدِمُوا لَذَّتَهُمْ فِي دَارِ الْأَبَدِ، وَخَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِمْ وَأَحْبَابِهِمْ وَأَهَالِيهِمْ وَقَرَابَاتِهِمْ، (4) فَخَسِرُوهُمْ، {أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ} أَيْ: دَائِمٍ سَرْمَدِيٍّ أَبَدِيٍّ، لَا خُرُوجَ لَهُمْ مِنْهَا وَلَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهَا.
وَقَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أَيْ: يُنْقِذُونَهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ} أَيْ: لَيْسَ لَهُ خَلَاصٌ.)
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
يقول الله تعالى: ({وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}) يبين الله سبحانه وتعالى أن الهداية والضلال بيده سبحانه وتعالى، وهو متصرفٌ بعباده على وفق حكمته سبحانه وتعالى، فهو يهدي من يشاء برحمته وفضله ويضل من يشاء بعدله وحكمته، ({وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ}) ليس هناك أحد يتولاه وينصره من بعد الله عَزَّ وَجَلَّ، حقت عليه كلمة العذاب ({وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}) الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي فأعظم الظلم هو الشرك بالله عَزَّ وَجَلَّ، لأن الظلم ثلاثة أنواع: ظلم النفس بالكفر وهذا أعظم الظلم، وظلم النفس بالمعاصي، وهو ثلاثة أنواع: ظلم الناس في أموالهم وظلم الناس في دمائهم وظلم الناس في أعراضهم، والثالث ظلم العبد فيما بينه وبين ربه فيما دون الشرك، ({وَتَرَى الظَّالِمِينَ}) المشركين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر ({يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}) هل إلى مردٍ إلى الدنيا، هل هناك طريق سبيل أن نرد إلى الدنيا فنتخلص من هذا العذاب، ليس هناك مرد، ({وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا}) يعرضون على النار ({خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ}) يعتريهم الذل بسبب أعمالهم السيئة يغشاهم الذل والهوان بسبب أعمالهم السيئة وكفرهم بآيات الله واجتراحهم المعاصي وإعراضهم عن دين الله عَزَّ وَجَلَّ، ({وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ}) ينظرون مسارقةٍ إلى النار، ينظرون إليها مسارقة خشية الوقوع فيها، وما خشوه واقعٌ بهم، ({وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ}) مسارقة يعني لا ينظرون إليها نظرةً تامة خشية الوقوع بها، خشية أن يزفون إليها أو تأتيهم، لكن ما خشوه واقعٌ بهم، ({وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}) قال المؤمنون إن الخاسرين الخسارة الكبرى الذين خسروا انفسهم وأهليهم بأن فرِّق بينهم وبين أهاليهم فدخل أهلهم الجنة وهم دخلوا النار، هذا هو الخسران العظيم، فرِّق بينهم وبين أهليهم المؤمنين وبين آبائهم وأجدادهم وأبنائهم الصالحين فدخل أهلهم الجنة ودخلوا هم النار، فهذه هي الخسارة العظيمة، ({وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ}) ألا إن الظالمين الذين ظلموا أنفسهم لفي عذابٍ مقيم مستمر لا نهاية له، كلما انتهى حقب يأتي بلها حقب، ﴿لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾[النبأ:23] والأحقاب هي المدد المدة الطويلة المتطاولة، كلما انتهى حقب يعقبه حقب إلى ما لا نهاية، ﴿لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾ ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾[النساء:56] نسأل الله السلامة والعافية.
({وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ}) ليس هناك أحد يدفع عنهم عذاب الله الذي نزل بهم، ليس هناك ولي أو صديق أو قريب، أو صديق يدفع عنهم عذاب الله أو يشفع لهم عند الله، والله تعالى لا يقبل الشفاعة في الشرك، فمن شروط الشفاعة أن يكون المشفوع له موحد ويرضى الله قوله وعمله، ({وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ}) من أضله الله ليس له سبيلٌ للخلاص بل هو مستمرٌ في العذاب، نسأل الله السلامة والعافية.
الطالب: [00:09:02]
الشيخ: بسبب ذنوبهم لما جاءهم الحق وردوه عوقبوا، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾[الأنعام:110] قال: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾[الصف:5] لما جاءهم الحق وعرفوه وتيقنوا ثم تركوه عوقبوا، عوقبوا بالزيغ وتقليب الأفئدة والأبصار.
الطالب: ({اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإنْسَانَ كَفُورٌ (48)}
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا يَكُونُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنَ الْأَهْوَالِ وَالْأُمُورِ الْعِظَامِ الْهَائِلَةِ حَذَّر مِنْهُ وَأَمَرَ بِالِاسْتِعْدَادِ لَهُ، فَقَالَ: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ} أَيْ: إِذَا أَمَرَ بِكَوْنِهِ فَإِنَّهُ كَلَمْحِ الْبَصَرِ يَكُونُ، وَلَيْسَ لَهُ دَافِعٌ وَلَا مَانِعٌ.
وَقَوْلُهُ: {مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} أَيْ: لَيْسَ لَكُمْ حِصْنٌ تَتَحَصَّنُونَ فِيهِ، وَلَا مَكَانٌ يَسْتُرُكُمْ وَتَتَنَكَّرُونَ فِيهِ، فَتَغِيبُونَ عَنْ بَصَرِهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، بَلْ هُوَ مُحِيطٌ بِكُمْ بِعِلْمِهِ وَبَصَرِهِ وَقُدْرَتِهِ، فَلَا مَلْجَأَ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ، {يَقُولُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ. كَلا لَا وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} [الْقِيَامَةِ:10-12].)
الشيخ: في هذه الآية أمر الله تعالى بالاستجابة لله عَزَّ وَجَلَّ والانقياد لشرعه، لما ذكر يوم القيامة وما فيه من الأهوال العظيمة أمر بالاستجابة له والانقياد لشرعه ودينه فإن هذا هو سبيل الخلاص سبيل النجاة من عذاب الله الاستجابة لله ورسوله والانقياد لشرع الله ودينه ({اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ}) وهو يوم القيامة ({لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ}) إذا أمر الله بكونه كان، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾[الأعراف:187] هذا اليوم هو يوم القيامة، وهو اليوم الذي تقوم فيه الساعة، إذا أراد الله كونه كان، كان كلمح البصر، لأنه سبحانه على كل شيءٍ قدير، لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، ({اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ}) لا أحد يرد ما كان فيه من الأهوال، ({مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ}) وما لكم أيها المشركون من ملجأ أو حصنٍ تتحصنون فيه أو مكانٌ تتنكرون فيه وتتغيبون فيه عن الله، لا يمكن، فالله تعالى محيطٌ بكم عليمٌ بأحوالكم وأنتم تحت تصرفه وقبضته، والله تعالى لا يغيب عنه شيء ولا يسأله شيء فهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ({اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ }) مالكم حصنٌ تتحصنون به، وملاذٌ يكون لكم تلجؤون إليه، وليس لكم مكان تتنكرون فيه وتتغيبون فيه عن الله، بل إنه تعالى محيطٌ بكل شيء وعالمٌ بكل شيء وقادرٌ على كل شيء ورقيبٌ على كل شيء، هذا فيه تحذير من الاستمرار في العذاب والجحود والنكران لتوحيد الله وحثٌ لهم على التوبة والإنابة والإيمان بالله وبرسوله.
الطالب: (وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ أَعْرَضُوا} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} أَيْ: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ. وَقَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [الْبَقَرَةِ:272]، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرَّعْدِ:40] وَقَالَ هَاهُنَا: {إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ} أَيْ: إِنَّمَا كَلَّفْنَاكَ أَنْ تُبْلِغَهُمْ رسالة الله إليهم.)
الشيخ: وهذا فيه بيان أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه البلاغ والبيان وليس عليه بعد ذلك هدايتهم فإن هداية القلوب بيد الله وهو الذي يوفق الإنسان المؤمن يوفقه للإيمان ويجعله يقبل الحق ويرغبه ويختاره، هذا إلى الله، هداية القلوب ليس لأحدٍ من ذلك شيء وإنما هو خاصٌ بالله عَزَّ وَجَلَّ وإنما هداية الدلالة والإرشاد والبيان يملكها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويملكها الدعاة يكون لهم هداية البيان والإرشاد والبلاغ والإيضاح للناس، أما هداية القلوب كونه يقبل الحق أو يختاره ويرضاه هذا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، والله تعالى يسلي نبيه فيقول ({فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ}) يا محمد فإن ما عليك إلا البلاغ، إن أعرض هؤلاء المشركون ولم يقبلوا الحق فلست عليهم حفيظًا تحفظ أعمالهم إنما عليك البلاغ أنت وظيفتك البلاغ، والله تعالى هو الذي يتولاهم، ({فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ}) تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عدم قبول المشركين الحق وعدم إيمانهم.
الطالب: (ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا} أَيْ: إِذَا أَصَابَهُ رَخَاءٌ وَنِعْمَةٌ فَرِحَ بِذَلِكَ، {وَإِنْ تُصِبْهُمْ} يَعْنِي النَّاسَ {سَيِّئَةٌ} أَيْ: جَدْبٌ وَنِقْمَةٌ وَبَلَاءٌ وَشِدَّةٌ، {فَإِنَّ الإنْسَانَ كَفُورٌ} أَيْ: يَجْحَدُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ النِّعْمَةِ (1) وَلَا يَعْرِفُ إِلَّا السَّاعَةَ الرَّاهِنَةَ، فَإِنْ أَصَابَتْهُ نِعْمَةٌ أَشِرَ وَبَطِرَ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مِحْنَةٌ يَئِسَ وَقَنِطَ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [لِلنِّسَاءِ] (2) يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ" فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: ولِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لِأَنَّكُنَّ تُكثرن الشِّكَايَةَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ تَرَكْتَ يَوْمًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ" (3) وَهَذَا حَالُ أَكْثَرِ النَّاسِ (4) إِلَّا مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ وَأَلْهَمَهُ رُشْدَهُ، وَكَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، فَالْمُؤْمِنُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ" (5( .)
الشيخ: هذا فيه بيان حال الإنسان وطبيعة الإنسان، وأنه إذا أصابه خير وسعة ورزق خصب ورزق فرح فيصيبه الفرح والبطر وإن أصابه قحط وفقر ومرض يئس وقنط، إلا من رحم الله يخرج عن هذه الحالة، من وفقه للإيمان والتصديق واليقين والعمل الصالح يخرج عن هذه الحالة، إذا أذاقه الله ورحمه استبشر بها وفرح بها واستعملها في طاعة الله ولا يغتر، وإن أصابه مرض أو هم أو فقد أحبة استرجع وصبر ولم يقنط ولم ييأس، هذا الموفق، ولكن أكثر الناس هذه حالهم ({وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ}) إذا رأى من ربه الرحمة والصحة والعافية والخير والمال والسعة إذا أصابه شيء فرح فرح الأشر والبطر، وإن أصابته سيئة مرض فقد أحبة فقر وما أشبه ذلك أيس وقنط، ولكن المؤمن الموفق يخرج عن هذه الحالة بسبب ما منَّ الله عليه من الإيمان والتصديق واليقين الجازم والعمل الصالح والصبر الذي اوتيه والشكر، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الشاكرين الصابرين.
الطالب: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50))
الشيخ: قوله: ({فَإِنَّ الإنْسَانَ كَفُورٌ}) يعني جحود لنعم الله، يجحدها ويكون عنده يأس وقنوط، وكأنه لم يمر عليه شيء من النعم والخير الذي أعطاه الله.
الطالب: (يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ خَالِقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَالِكُهُمَا وَالْمُتَصَرِّفُ فِيهِمَا، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ، وَيَمْنَعُ مَنْ يَشَاءُ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ، وَأَنَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، وَ {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} أَيْ: يَرْزُقُهُ الْبَنَاتِ فَقَطْ -قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَمِنْهُمْ لُوطٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ)
الشيخ: لوط له ابنتان، وليس له من الذرية ذكور.
الطالب: ({وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} أَيْ: يَرْزُقُهُ الْبَنِينَ فَقَطْ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: كَإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ -لَمْ يُولَدْ لَهُ أُنْثَى)
الشيخ: ولكن ولد له نبيان كريمان: الأول إسماعيل من هاجر السرية التي أهداه له ملك مصر فأعطاه سارة فأهدتها لإبراهيم فولدت إسماعيل، ومن ذرية إسماعيل نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أبو العرب الأب الثاني، والأب الأول إبراهيم وهو أبو الأنبياء والحنفاء، فكان إسماعيل هو الابن الأول وهو أبو العرب، ثم رزقه الله بعد ذلك كانت زوجته ساره ابنت عمه، كانت من أجمل النساء ولا يولد لها، ثم بعدها ما يقرب من اثنتي عشرة سنة من ولد إسماعيل رزقه الله ولدًا وهو إسحاق وهو نبيٌ كريم، بشرته الملائكة بإسحاق، ثم إسحاق أنجب يعقوب وهو نبي، ويعقوب أنجب يوسف وهو نبي، فصار أربعة أنبياء في نسقٍ واحد، ولهذا يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: «الكريم ابن كريم ابن كريم ابن كريم يوسف ابن يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم»، يوسف نبي وأبوه يعقوب نبي وجده إسحاق نبي وجده إبراهيم نبي، أربعة أنبياء في نسق واحد، ثم كان من سلالة يعقوب إسحاق جميع أنبياء بني إسرائيل فصار هو أيضًا أبوه بني إسرائيل ومن بعده صار اليهود والنصارى، فصار إبراهيم هو والد الحنفاء وأبو الأنبياء، رزقه الله ابنان ولم يرزقه أنثى لم يولد له أنثى، فإسماعيل أبو العرب وإسحاق أبو بني إسرائيل، وبنو إسرائيل وبنو إسماعيل أبناء العم، يعني نحن وهم أبناء العم، لأن إسحاق ابن وإسماعيل وإسحاق نبي أخوان ومن ذرية إسماعيل العرب ومن ذرية إسحاق بنو إسرائيل ومنهم اليهود والنصارى، وكل نبي بعثه الله بعد إبراهيم فهو من سلالته، وكل كتابٍ أنزله الله بعد إبراهيم فهو على واحدٍ من ذريته، قال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾[العنكبوت:27] يعني إبراهيم، ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾.
الطالب: [00:24:15]
الشيخ: لا، لا ينبغي هذا، إسرائيل اسم يعقوب لكن [00:24:21] اليهود.
الطالب: ({أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا} أَيْ: وَيُعْطِي مَنْ يَشَاءُ مِنَ النَّاسِ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، أَيْ: مِنْ هَذَا وَهَذَا (6). قَالَ الْبَغَوِيُّ: كَمُحَمَّدٍ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ)
الشيخ: كونه يمثل، مثل بمنع من رزقه الله الأنثى للوط وابنتاه ومن رزقه الله الذكور فقط لإبراهيم، ومن رزقه الذكور والإناث هو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه ولد له فاطمة وزينب وأم كلثوم ورقية، وولد له من الذكور عبد الله الطيب، وقيل إن عبد الله والطيب واحد، المقصود إنه رزقه الله ذكورًا وإناثًا.
الطالب: ({وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} أَيْ: لَا يُولَدُ لَهُ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: كَيَحْيَى وَعِيسَى، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ)
الشيخ: هذا البغوي يمثلهم يحيى وعيسى أبناء الخالة، وهما نبيان كليمان، يحيى قال الله عنه ﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا﴾[آل عمران:39] وكذلك عيسى لم يلد له.
الطالب: هل تزوج عيسى؟
الشيخ: ظاهره أنه لم يتزوج، لكن كيف يقال إنه عقيم وهو لم يتزوج! يعني باعتبار أنه لم يولد له.
الطالب: (فَجَعَلَ النَّاسَ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، مِنْهُمْ مَنْ يُعْطِيهِ الْبَنَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطِيهِ الْبَنِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطِيهِ مِنَ النَّوْعَيْنِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُهُ هَذَا وَهَذَا، فَيَجَعَلُهُ عَقِيمًا لَا نَسْلَ لَهُ وَلَا يُولَدُ لَهُ، {إِنَّهُ عَلِيمٌ} أَيْ: بِمَنْ يَسْتَحِقُّ كُلَّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، {قَدِيرٌ} أَيْ: عَلَى مَنْ يَشَاءُ، مِنْ تَفَاوُتِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ.
وَهَذَا الْمَقَامُ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ عِيسَى: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} [مَرْيَمَ: 21] أَيْ: دَلَالَةً لَهُمْ عَلَى قُدْرَتِهِ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، حَيْثُ خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، فَآدَمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَخْلُوقٌ مِنْ تُرَابٍ لَا مِنْ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى، وَحَوَّاءُ عَلَيْهَا السَّلَامُ، [مَخْلُوقَةٌ] (7) مِنْ ذَكَرٍ بِلَا أُنْثَى، وَسَائِرُ الْخَلْقِ سِوَى عِيسَى [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (8) مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَعِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ أُنْثَى بِلَا ذَكَرٍ فَتَمَّتِ الدَّلَالَةُ بِخَلْقِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ}، فَهَذَا الْمَقَامُ فِي الْآبَاءِ، وَالْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي الْأَبْنَاءِ، وَكُلٌّ منهما أربعة أقسام، فسبحان العليم القدير.)
الشيخ: ({لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}) قال قدم في هذه الآية عموم ملكه ({لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}) هو مالك السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما، وليس هناك شيئًا يخرج عن ملكه، هو المالك لكل شيء، كما أنه القادر على كل شيء، : ({لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}) ثم قال: ({يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا}) جعل الناس على هذه القسمة الرباعية بالنسبة للأولاد: قسمٌ يهبه الله إناثًا من دون ذكور ومثلهم القرطبي بلوط، وقسمٌ وهبهم الله ذكورًا بلا بنات ومثله القرطبي بإبراهيم، وقسمٌ يعطيه الله من الصنفين كمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقسمٌ يكون عقيمًا لا يولد له مثله بعيسى ويحيى ابن الخالة، وهذا موجود الآن يشاهد الآن في الناس أن بعض الناس الآن نشاهد من حولنا ونرى وكلٌ منا يعرف ويرى الكثير من الناس، منهم من يولد له إناث فقط ولا يولد له ذكور، نعرف شيء كثير من هذا من الناس وأنتم تعرفون، ومن الناس من يولد لهم ذكور فقط ولا يولد له إناث، وهذا موجود أيضًا ونعرفه وتعرفونه، ومن الناس من يولد له ذكور وإناث وهذا كثير أيضًا، ومن الناس من يكون عقيمًا لا يولد له، وهذا أيضًا موجود.
({لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ}) تسمى هبة من الله عَزَّ وَجَلَّ ({يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا}) ثم قال: ({إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}) عليمٌ بأحوال عباده، وعليمٌ بمن يهبه وبما يصلحه، وعلمه مبيني على حكمته سبحانه وتعالى، أنه عليمٌ حكيم إنه عليمٌ قدير، عليمٌ بما يصلح عباده وبمن يختار له الإناث أو الذكور أو الذكور والإناث وبمن يكون عقيمًا، فالله تعالى له الحكمة، له الحكمة البالغة، قدير، قادرٌ على كل شيء [00:30:15] فجعل الناس من جهة الأبناء النسل على القسم الرابع، كما أنه جعل أيضًا الآباء على قسمةٍ رباعية، جعل الناس أربعة أقسام: قسمٌ خلقه الله بلا ذكرٍ ولا أنثى وهو آدم عليه الصلاة والسلام ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾[آل عمران:60] وقسمٌ خلقه الله من ذكرٍ بلا أنثى وهي حواء خلقت من ضلع آدم، وقسمٌ خلقه الله من أنثى بلا ذكر وهو عيسى عليه الصلاة والسلام، وقسمٌ خلقه الله من ذكرٍ وانثى وهو سائر الناس، فتمت بذلك القسمة الرباعية بالنسبة للآباء والقسمة الرباعية بالنسبة للأبناء، فتبارك الله أحسن الخالقين.
الطالب: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)}
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
هَذِهِ مَقَامَاتُ (1) الْوَحْيِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَنَابِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى تَارَةً يَقْذِفُ فِي رَوْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
الشيخ: الحديث ("إِنَّ رُوح القُدُس نَفَثَ فِي رُوعي") الروع القلب، أمات الرَوع الخوف، ﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ﴾[هود:74] الخوف من الملائكة، لما جاء الملائكة إبراهيم أضياف في صورة آدميين وقدم لهم الضيافة ما أكلوا، خاف منهم، كيف ضيف تقدم له الطعام ولا يأكل! معناها جاء للشر، إذا جاء الضيف وأكل من طعامك أمنت من شره، وإن امتنع معناها جاء لشر، فهو خاف إبراهيم، ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ﴾[هود:70] قالوا لا تخف نحن ملائكة لا نأكل ولا نشرب، فلما ذهب عن إبراهيم الروع بدأ يجادل في شأن قومه قال: لما جئتم؟ قالوا: جئنا لإهلاك قوم لوط، قال: فيه لوط وابنتاه! ﴿قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ﴾[العنكبوت:32]
الطالب: (وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى تَارَةً يَقْذِفُ فِي رَوْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَا يَتَمَارَى فِيهِ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ رُوح القُدُس نَفَثَ فِي رُوعي: إِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا وَأَجَلَهَا، فَاتَّقَوُا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ" (2).
وَقَوْلُهُ: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} كَمَا كَلَّمَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ سَأَلَ الرُّؤْيَةَ بَعْدَ التَّكْلِيمِ، فَحُجِبَ عَنْهَا.
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: "مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَإِنَّهُ كَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا" الْحَدِيثَ (3)، وَكَانَ [أَبُوهُ] (4) قَدْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَكِنَّ هَذَا فِي عَالَمِ الْبَرْزَخِ، وَالْآيَةُ إِنَّمَا هِيَ فِي الدَّارِ (5) الدُّنْيَا.)
الشيخ: كلم أباك يعني من دون حجاب، كلم أباه لكن هذا في عالم البرزخ ليس في الدنيا، في الدنيا ما أحد رأى الله لا الملائكة ولا غيرهم، على الصحيح، محجوبون، لو كشف الحجاب لاحترق الخلق، الحديث في صحيح مسلم: «حجابه نور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» ومحمد من خلقه على الصحيح، فلم يرى ربه ليلة المعراج بعين رأسه وإنما رآه بعين قلبه، هذا الصحيح والذي عليه الجماهير من الصحابة وغيرهم، وقال بعض العلماء أنه رآه بعين رأسه، منهم النووي والقرطبي وجماعة وابن خزيمة والقاضي عياض وجماعة قالوا إنه رآه بعين رأسه، طائفة قلة، أن الرسول رأى ربه بعين رأسه، والصواب الذي عليه الجماهير أنه لم يرى ربه وهو الذي دل عليه الأحاديث ومنه الآية الآن من وراء حجاب، ومنها الحديث «حجابه نور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه» ولهذا قالت عائشة لما قال لها مسروق: هل رأى محمد ربه؟ قالت: لق قفَّ شعري مما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمد رأى ربه فقد كذب، ولأن الرؤية من النعيم ادخرها الله للجنة، أعظم النعم التي أعطاها في الجنة لا تكون لأهل الدنيا، وجمع المحققون كشيخ الإسلام وغيره الأدلة بأن ما جاء من الآثار والأدلة بأن النبي رأى ربه محمول على الرؤيا بالفؤاد، وما جاء من الأدلة أنه لم يرى يربه محمول على أنه لم يره بعين رأسه، وبذلك تجتمع الأدلة ولا تختلف، جاء عن ابن عباس روايته سئل: هل رأى محمد ربه؟ قال: نعم، وجاء في رواية أنه رآه بفؤاده، قالوا: فيحمل المطلق على المقيد، قالوا رآه محمول على الفؤاد، وكذلك جاء عن الإمام أحمد روايات، وأن النبي رأى ربه، وروي عن الإمام أحمد أنه رأى ربه، فيحمل المطلق على المقيد، فالنفي محمول على رؤية البصر، والإثبات محمول على رؤية الفؤاد، وبهذا تتفق الأدلة ولا تختلف.
الطالب: [00:37:18]
الشيخ: الله أعلم يحتاج إلى مراجعة، عندك كلام في هذا؟
الطالب: [00:37:25]
الشيخ: في الجهاز ماذا يقول؟
الطالب: يقول: يعني خذوا الحلال واتركوا الحرام أو أحسنوا في الطلب، يعني لا تجتهدوا بالحلال والحرام.
الشيخ: هذا كلام من؟ نسب إلى من؟
الطالب: الدكتور بدر عبد الحميد أنيسة.
الشيخ: لكن [00:37:58] هو الذي فسره؟
الطالب: [00:38:00]
الطالب: (وَقَوْلُهُ: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} كَمَا يُنْزِلُ جِبْرِيلَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (6) وَغَيْرَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، {إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}، فَهُوَ عَلِيٌّ عَلِيمٌ خَبِيرٌ حَكِيمٌ.)
الشيخ: هذه أنواع الوحي ومقامات الوحي ({وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا}) ذكر ثلاثة أنواع ({وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا) يعني يكون الوحي يلقى في قلبه فلا يشك أنه من الله، كما في الحديث الصحيح الذي ذكره المؤلف: ("إِنَّ رُوح القُدُس نَفَثَ فِي رُوعي") في قلبي، ("إِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا وَأَجَلَهَا، فَاتَّقَوُا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ") خذوا الحلال واتركوا الحرام، فهذا نوع يلقى الوحي في روع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، النوع الثاني يكلمه الله من وراء حجاب كما كلم موسى من وراء حجاب، سمع كلام الله فلما سمع كلام الله طمع في الرؤيا فقال: ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي﴾[الأعراف:143]، يعني لا تستطيع ببشريتك الضعيفة، ما تتحمل في الدنيا، ﴿وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الأعراف:143] إنه لا يراك أحدٌ في الدنيا، قال العلماء كشف الله للجبل بمقدار الخنصر فانسلخ وتدكدك فلا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا، ولكن في يوم القيامة ينشئون نشئه قوية يتحملون فيها الرؤيا، ولكن الذوات هي هي ولكن الصفات هي التي تبدل، وثبت في صحيح مسلم «واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا».
({أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}) هذا النوع الثالث يرسل رسول فيوحي به ما يشاء، كما قال النبي في الحديث الصحيح سئل النبي عنه قال: «إن الوحي يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال»، أيضًا هذا نوع يأتي مثل صلصلة الجرس يسمع صوت، صوت الجرس صوت قوي ويدخل عليه الوحي ويصيبه شدة، حتى أنه لما نزل عليه الوحي وهو على راحلته كادت أن تبرك من شدة الوحي، ونزل عليه وحي مرة على فخذيه قال: «فكادت أن ترض» من ثقله، من شدة الوحي، وكان الوحي يأتيه عليه الصلاة والسلام في اليوم الشديد البرد فيتفصد جبينه عرقًا، أحيانًا يأتيه كصلصلة الجرس «مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال» «وأحيانًا يتمثل لي الملك بشرًا فيكلمني»، تكون هذه أنواع الوحي: ينفث في روعه أو يكلمه الله من وراء حجاب أو يرسل رسولًا فيوحي به ما يشاء، يعني إما أن يكون كصلصة الجرس أو يتمثل له الملك بشرًا، كان يأتيه [00:42:03] وكان رجلًا جميلًا، فقد تكون هذه الأربعة أنواع وهناك نوع خامس وهو الرؤيا الصادقة، أول ما بُدأ بالنبي بالرؤيا الصادقة، بُدأ به من ربيع ستة أشهر إلى رمضان، كان لا يرى رؤيا إلا وقعت كفلق الصبح، فرؤيا الأنبياء وحي، ستة أشهر من ربيع إلى رمضان ثم جاءه الحق في رمضان جاءه الملك، ولهذا جاء في الحديث: «إن الرؤيا الصالحة جزءٌ من ستة وأربعين جزءً من النبوة»، إذًا ستة أشهر إلى مدة الرسالة ثلاثة وعشرين تكون ستة وأربعين، ستة أشهر هي مدة الرؤيا، إبراهيم عليه السلام رأى في المنام أن يذبح ولده وهو وحي، ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾[الصافات:102] قال الله: ﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ فرؤيا الأنبياء وحي.
إذًا يكلمهم الله من وراء حجاب، ينفث الملك في روحه، يرسل رسولًا فيوحي ما يشاء، يكون مثل صلصلة الجرس، أو يتمثل له الملك بشرًا فيكلمه، ({وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}) هو سبحانه له العلو في ذاته وأسمائه وصفاته، هو الحكيم في شرعه وقدره وأمره ونهيه، ومن أسمائه العلي الحكيم، ويتضمن العلي صفة العلو والحكيم صفة الحكمة، ففيه إثبات اسمين من أسماء الله وصفتين، ويعبد يقال عبد العلي وعبد الحكيم.
الطالب: (وَقَوْلُهُ (7) {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} يَعْنِي: الْقُرْآنَ، {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ} أَيْ: عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي شُرِعَ لَكَ فِي الْقُرْآنِ، {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ} أَيِ: الْقُرْآنَ {نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}، كَقَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فُصِّلَتْ:44].
وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّكَ} [أَيْ] (8) يَا مُحَمَّدُ {لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وَهُوَ الْخُلُقُ (9) الْقَوِيمُ. ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: {صِرَاطِ اللَّهِ [الَّذِي]} (10) أَيْ: شَرْعُهُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ اللَّهُ، {الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} أَيْ: رَبُّهُمَا وَمَالِكُهُمَا، وَالْمُتَصَرِّفُ فِيهِمَا، الْحَاكِمُ الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، {أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ}، أَيْ: تَرْجِعُ الْأُمُورُ، فَيَفْصِلُهَا وَيَحْكُمُ فِيهَا.)
سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا.
(آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ " [حم] (11) الشورى" والحمد لله رب العالمين.)
الشيخ: هذه الآيات الأخيرة فيها بيان القرآن، وأن القرآن حياةٌ للقلوب، كما أن الأرواح حياة الأجساد، ونورٌ للقلوب تهتدي بها، كما أن الأنوار الضياء نور الأجساد، نورٌ القلوب هو القرآن، ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾[الشورى:52] سما الله القرآن روحًا لتوقف الحياة الحقيقية علي، وسماه نورًا لتوقف الهداية عليه ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ﴾ ما كنت تعلم الكتاب والإيمان على التفصيل، كما قال تعالى ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾[الضحى:7] ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ﴾ قبل أن ينزل عليك القرآن، ما كنت تعلم التفصيل وإن كان الله سبحانه وتعالى صان نبيه في نشأته حتى بلغ النبوة من الشرك فلم يخالط المشركين في شركهم ولم يسجد لصنم، ولم يشرب خمرًا ولم يحضر احتفالًا، صان الله نبيه لكنه لا يعرف التفصيل بالشريعة إلا بعد النبوة، ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[الشورى:52] قويم، فسره بقوله صراط الله يعني شرع الله ودينه القويم وما فيه من الأخلاق والأعمال والعقيدة الصحيحة السليمة والأوامر والنواهي، ﴿صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾[الشورى:53] مالكهما والمتصرف فيهما وموجدهما والحاكم فيهما، ﴿أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ﴾[الشورى:53] ترجع الأمور إليه فيفصلها وفق حكمته وهو الحكيم الخبير سبحانه وتعالى.
الطالب: [00:49:00]
الشيخ: الحقيقية عليه، على الوحي، سماه حياة لتوقف الحياة الحقيقية عليه، الحياة متوقفة على الوحي، القرآن.
الطالب: [00:49:15]
الشيخ: لتوقف الهداية عليه.