شعار الموقع

سورة الزخرف - 1

00:00
00:00
تحميل
53

درس الخميس 13 – 8 – 1440هـ

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: (تَفْسِيرُ سُورَةِ الزُّخْرُفِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأوَّلِينَ (8)}.

يَقُولُ تَعَالَى: {حم. وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} أَيِ: الْبَيِّنِ الْوَاضِحِ الْجَلِيِّ الْمَعَانِي وَالْأَلْفَاظِ؛ لِأَنَّهُ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي هِيَ أَفْصَحُ اللُّغَاتِ لِلتَّخَاطُبِ بَيْنَ النَّاسِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ} أَيْ: أَنْزَلْنَاهُ {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} أَيْ: بِلُغَةِ الْعَرَبِ فَصِيحًا وَاضِحًا، {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أَيْ: تَفْهَمُونَهُ وَتَتَدَبَّرُونَهُ، كَمَا قَالَ: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشُّعَرَاءِ: 195] .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} بَيَّنَ شَرَفَهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، لِيُشَرِّفَهُ وَيُعَظِّمَهُ وَيُطِيعَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ} أَيِ: الْقُرْآنَ {فِي أُمِّ الْكِتَابِ} أَيِ: اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، {لَدَيْنَا} أَيْ: عِنْدَنَا، قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ، {لَعَلِيٌّ} أَيْ: ذُو مَكَانَةٍ عَظِيمَةٍ وَشَرَفٍ وَفَضْلٍ، قَالَهُ قَتَادَةُ {حَكِيمٌ} أَيْ: مُحْكَمٌ بَرِيءٌ مِنَ اللَّبْسِ وَالزَّيْغِ.

وَهَذَا كُلُّهُ تَنْبِيهٌ عَلَى شَرَفِهِ وَفَضْلِهِ، كَمَا قَالَ: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ. لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ. تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْوَاقِعَةِ: 77 -80] وَقَالَ: {كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ. فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ. فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ. مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ. بِأَيْدِي سَفَرَةٍ. كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عَبَسَ: 11 -16] ؛ وَلِهَذَا اسْتَنْبَطَ الْعُلَمَاءُ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ، مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: أَنَّ المُحدِثَ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ إِنْ صَحَّ).

الشيخ: والحديث صحيح.

الطالب: (لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُعَظِّمُونَ الْمَصَاحِفَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى الْقُرْآنِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، فَأَهْلُ الْأَرْضِ بِذَلِكَ أَوْلَى وَأَحْرَى، لِأَنَّهُ نَزَلَ عَلَيْهِمْ، وَخِطَابُهُ مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهِمْ، فَهُمْ أَحَقُّ أَنْ يُقَابِلُوهُ بِالْإِكْرَامِ وَالتَّعْظِيمِ، وَالِانْقِيَادِ لَهُ بِالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ، لِقَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}).

الشيخ: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه.

أما بعد..

فهذه الآيات الكريمات في مطلع سورة الزخرف، افتتحها الله تعالى بالحروف المقطعة، (حم)، والحروف المقطعة من حروف الهجاء الثمانية والعشرين، الله أعلم بمراده بها، وذهب بعض العلماء إلى تفسيرها، وأصح ما قيل فيها ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله أن المقصود منها بيان أن القرآن معجز، وهو من هذه الحروف الهجائية، ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف المقطعة يأتي بعدها شرف القرآن والانتصار للقرآن، ﴿حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾[الزخرف:1 - 2]، ﴿الم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[السجدة:1 - 2]، وهكذا، ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾[ق:1]، ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾[ص:1]، وهكذا السورة التي تفتتح يأتي بعدها الانتصار للقرآن وبيان عظمته وأنه معجز، قال تعالى: ﴿حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾[الزخرف:1 - 2]، والكتاب هو القرآن، إذا أطلق الكتاب يقصد به القرآن، ﴿الْمُبِينِ﴾ البين الواضح، بينةٌ ألفاظه ومعانيه؛ لأنه نزل بلغة العرب التي هي أشرف اللغات وأبينها وأوضحها، وهي اختارها الله تعالى لأن تكون، اختار الله تعالى القرآن أن يكون بهذه اللغة العربية، فنول القرآن بلغة العرب، وهي لغة أهل الجنة.

{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)}، يعني أنزله الله قرآن عربيًا بلسان العرب لعلكم تعقون عن الله شرائعه ودينه وتتدبرون وتتأملون.

{وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}، {وَإِنَّهُ}، أي القرآن، {فِي أُمِّ الْكِتَابِ}، أي اللوح المحفوظ، {لَدَيْنَا}، عندنا، {لَعَلِيٌّ}، يعني له رفعة وشأن، وله العلو والمكانة العالية، {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}، محكم متقن، حروفه وألفاظه متقنة، ومعانيه متقنة، وأحكامه بينةً واضحةً جلية، والله تعالى بين شرفه في قوله تعالى: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الواقعة:79 - 80]، وقال تعالى: ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾[عبس:13 - 16]، في سورة عبس وفي سورة الواقعة بين الله شرفه وفضله.

﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ﴾[الواقعة:78]، يعني مصون، ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الواقعة:79 - 80]، وهم الملائكة، ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾[الواقعة:79]، فإذا كان الملائكة يعظمونه ويجلونه ولا يمسه إلا المطهرون وهم الملائكة، فمن باب أولى بنو آدم الذين نزل عليهم وأمرهم الله بتعظيمه، وكذلك قوله تعالى: ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)﴾[عبس:13 - 15]، وهم الملائكة، ﴿كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾[عبس:16]، استنبط بعض العلماء من قوله: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾[الواقعة:79]، أنه يجب الوضوء لمس المصحف، والمؤلف يقول إن صح الحديث، والحديث صح، والحديث الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم "أن لا يمس القرآن إلا طاهر"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية أخذ به الأئمة الأربعة كلهم، مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد، أنه لا يمس القرآن إلا متوضأ، لا يمس القرآن إلا طاهر، هذا الدليل، أما الآية ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾[الواقعة:79]، فليست الدليل واضح فيها على وجوب الوضوء،  ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)﴾ [الواقعة:77 - 79]، الملائكة، ولكن إذا كان الملائكة ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾[الواقعة:79]، فمن باب أولى البشر الذين أنزل عليهم، وأمروا بقراءته والعمل به، والحديث صحيح، فلا يجوز للإنسان أن يمس المصحف إلا إذا كان متوضأً، فإن كان غير متوضأ فلا يمسه إلا من وراء حائل أو قفازين، ولهذا بين الله شرفه وعلو مكانته، وقال: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}، إنه أي القرآن في اللوح المحفوظ، {لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ}، له علو ومكانة وشأن عند الله {حَكِيمٌ}، محكم، إذا كان بهذه المثابة وصح الحديث، فلا يجوز أن يمس القرآن إلا طاهر، إلا متوضأ، أما إذا أراد أن يقرأ عن ظهر قلب، فلا بأس ، له أن يقرأ عن ظهر قلب بلا طهارة، إذا كان لا يمس أما إذا أراد القراءة في المصحف فلا بد من الوضوء، أو يقرأ من وراء قفازين، كذلك المرأة الحائض على الصحيح لها أن تقرأ لكن لا تمس المصحف إلا بقفازين، لا تمسه مباشرة، وإن كان كثيرٌ من الفقهاء أن الحائض لا تقرأ، لكن الصواب أنها تقرأ، والممنوع هو الجنب، أما المرأة الحائض فقد تطول مدتها وقد تكون مدتها طويلة فقد تنسى القرآن وقد تحتاج ولا يأتي ما يدل على المنع، والحديث فيه المنع منه حديث ضعيف، وقياسه على الجنب قياس مع الفارق، فإن الجنب مدته قصيرة ويستطيع أن يغتسل ويتوضأ، وأما المرأة فقد تطول مدتها وليس بيدها أن تغتسل، فافترقا.

طالب آخر: هل الجوال يعتبر حائل؟

الشيخ: هذا هو الظاهر، أنه حائل بينه وبينه زجاج.

الطالب: هناك سورتان بدأتا بالحروف المقطعة ولم يأت بعدها ذكر القرآن.

الشيخ: هذا في الغالب أنه يأتي.

الطالب: (وَقَوْلُهُ: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهَا، فَقِيلَ: مَعْنَاهَا: أَتَحْسَبُونَ أَنْ نَصْفَحَ عَنْكُمْ فَلَا نُعَذِّبَكُمْ وَلَمْ تَفْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ؟ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو صَالِحٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ).

الشيخ: يعني يكون استفهام إنكاري، {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ}، يعني أتظنون وتحسبون أنا نصفح عنكم ولا نعذبكم، حيث أسرفتم وتجاوزتم الحد، فلم تأمنوا بهذا القرآن [14:12]، فلا يمكن هذا، فيكون استفهام إنكار {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا}، يعني أتظنون وتحسبون أنا نصفح عنكم ولا نعذبكم وأنتم كفرتم بهذا القرآن ولم تأمنوا به، وتجاوزتم الحد، وكنتم من المسرفين الذين تجاوزا الحد ولم يأمنوا بالله ورسوله، هذا إسراف، هذا القول الأول.

الطالب: (وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} : وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ هذا القرآن رفع حين ردته أَوَائِلُ  هَذِهِ الْأُمَّةِ لَهَلَكُوا، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَادَ بِعَائِدَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَكَرَّرَهُ عَلَيْهِمْ وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ عِشْرِينَ سَنَةً، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَوْلُ قَتَادَةَ لَطِيفُ الْمَعْنَى جِدًّا، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَقُولُ فِي مَعْنَاهُ: إِنَّهُ تَعَالَى مِنْ لُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ بِخَلْقِهِ لَا يَتْرُكُ دُعَاءَهُمْ إِلَى الْخَيْرِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ -وَهُوَ الْقُرْآنُ-وَإِنْ كَانُوا مُسْرِفِينَ مُعْرِضِينَ عَنْهُ، بَلْ أَمَرَ بِهِ لِيَهْتَدِيَ مَنْ قَدّر هِدَايَتَهُ، وَتَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ كَتَبَ شَقَاوَتَهُ).

الشيخ: يعني قول قتادة لو أن الله آخذ العباد، وأخذهم بردهم للقرآن الكفار، ورفع القرآن لهلكوا، لو أن الله عاقبهم وعاجلهم بالعقوبة حينما ردوا القرآن ولم يعملوا به وكفروا به، لرفع القرآن وحينئذٍ يهلكون، ولكنه سبحانه حليم، لطيف بعباده، يكرر عليهم دعوته إلى الإيمان به مدة طويلة، فمن لطفه سبحانه وتعالى أنه لا يعاجلهم بالعقوبة بل يأمرهم ويدعوهم مرات بعد مرات لتقوم الحجة عليهم وليؤمن من قدر الله له الهداية، ويبقى من كتب عليه الشقاوة بعد هذه المدة قد قامت عليه الحجة وأمهله الله وأنظره هذه المدة الطويلة، فليس له عذر ولا يؤسف عليه بعد ذلك، فهو الذي اختار لنفسه ما اختار، والله سبحانه قد أعذر من أنذر وأقام الحجة على عبادة، فهلك من هلك عن بينة، وحيَّ من حيَّ عن بينة.

الطالب: (ثُمَّ قَالَ تَعَالَى -مُسَلِّيًا لِنَبِيِّهِ فِي تَكْذِيبِ مَنْ كَذَّبَهُ مِنْ قَوْمِهِ، وَآمِرًا لَهُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِمْ-: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأوَّلِينَ} أَيْ: فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ، {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أَيْ: يُكَذِّبُونَهُ وَيَسْخَرُونَ بِهِ.

وَقَوْلُهُ تبارك وتعالى: {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا} أَيْ: فَأَهْلَكْنَا الْمُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ، وَقَدْ كَانُوا أَشَدَّ بَطْشًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ. كَقَوْلِهِ: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً} [غَافِرٍ: 82] وَالْآيَاتُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.

وَقَوْلُهُ جل جلاله: {وَمَضَى مَثَلُ الأوَّلِينَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: سُنَّتُهُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: عُقُوبَتُهُمْ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: عِبْرَتُهُمْ، أَيْ: جَعَلْنَاهُمْ عِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ أَنْ يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ، كَقَوْلِهِ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلآخِرِينَ} [الزُّخْرُفِ: 56] . وَكَقَوْلِهِ: {سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} [غَافِرٍ: 85] وَقَالَ عز وجل: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} [الْأَحْزَابِ: 62]).

الشيخ: هذه الآيات فيها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان أشرف الناس وأفضل الناس، فهو بشر، يشارك الناس في بشريته ويصيبه الأسى والحزن بسبب حرصه على هدايتهم وإيمانهم، حتى إنه يكاد أن يهلك نفسه، قال تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾[الكهف:6]، يعني فعلك مهلك نفسك تود أن يؤمنوا والله تعالى له الحكمة البالغة في توفيق أن يوفق للإيمان وفي خذلان من خذل فلم يؤمن، فالأمر إلى الله.

قال تعالى: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأوَّلِينَ}، كم للتكثير، يعني كثير من الرسل أرسلناهم في الأولين، فلك يؤمنوا فأهلكهم الله، فعليك يا أيها الرسول الكريم أن تصبر وتتحمل، ولا تحزن عليهم ولا تأس عليهم، فقد بلغت وأديت.

{وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأوَّلِين (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}، يعني هؤلاء كثيرٌ من الرسل الذين أرسلهم إلى الأمم كذبوا، كذبتهم أممهم وردوا عليهم، كما قال تعالى في الآية: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾[إبراهيم:9]، فلا تأس ولا تحزن، {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأوَّلِين (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}، يعني هؤلاء المكذبون ما يأتيهم من نبي إلا سخروا منه واستهزئوا به وردوا دعوته، {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا}، يعني أهلكنا الأمم السابقة وهم أشد بطشًا من قريش، فلا يأمنوا مكر الله، أهلك الله عاد، وقوم هود، وكانوا يفتخرون بقوتهم، ﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾[فصلت:15]، قال الله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾[فصلت:15]، فهم أشد أقوياء، ولما ردوا دعوة نبيهم ولم يؤمنوا أهلكهم الله.

قوم صالح كانوا يتخذون من سهل الأرض قصورًا وينحتون الجبال بيوتًا، ومع ذلك لما كذبوه أهلكم الله،  فلا يأمن كفار قريش أن يهلكهم الله فليسوا أشد بطشًا من السابقين، فالسابقون أشد منهم بطشًا فأهلكهم الله، {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأوَّلِينَ (8)}، سنتهم وعادتهم، سنة الله فيهم أن الله يهلك المكذب، ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[غافر:82]، فكل هذا تحذير للكفار وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وبيان أن الله قادر على أن يهلكهم في كلمح البصر، في أقل من لمح البصر، ولكنه سبحانه حليم لا يعجل، يمهلهم وينظرهم ليكتب الله السعادة لمن قدر له الهداية، ويبقى الشقي بعد ذلك قد قامت عليه الحجة فتأتيه العقوبة أو يؤخره الله إلى الآخرة فيأتي القيامة ويرد النار، نسأل الله السلامة والعافية، ولا حجة له، ولا أسف عليه.

ثم قال تعالى: ({وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)}.

يَقُولُ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَ -يَا مُحَمَّدُ-هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ الْعَابِدِينَ مَعَهُ غَيْرَهُ: {مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} أَيْ: لَيَعْتَرِفُنَّ بِأَنَّ الْخَالِقَ لِذَلِكَ هُوَ اللَّهُ [تَعَالَى] وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهُمْ مَعَ هَذَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ.

ثُمَّ قَالَ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا} أَيْ: فِرَاشًا قَرَارًا ثَابِتَةً، يَسِيرُونَ عَلَيْهَا وَيَقُومُونَ وَيَنَامُونَ وَيَنْصَرِفُونَ، مَعَ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ عَلَى تَيَّارِ الْمَاءِ، لَكِنَّهُ أَرْسَاهَا بِالْجِبَالِ لِئَلَّا تَمِيدَ هَكَذَا وَلَا هَكَذَا، {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا} أَيْ: طُرُقًا بَيْنَ الْجِبَالِ وَالْأَوْدِيَةِ {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أَيْ: فِي سَيْرِكُمْ مِنْ بلد إلى بلد وَقُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، وَإِقْلِيمٍ إِلَى إِقْلِيمٍ.

{وَالَّذِي نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} أَيْ: بِحَسَبِ الْكِفَايَةِ لِزُرُوعِكُمْ (1) وَثِمَارِكُمْ وَشُرْبِكُمْ، لِأَنْفُسِكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ. وَقَوْلُهُ: {فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} أَيْ: أَرْضًا مَيْتَةً، فَلَمَّا جَاءَهَا الْمَاءُ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ، وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ.

ثُمَّ نَبَّهَ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ عَلَى إِحْيَاءِ الْأَجْسَادِ يَوْمَ الْمَعَادِ بَعْدَ مَوْتِهَا، فَقَالَ: {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}.

ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا} أَيْ: مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ سَائِرِ الْأَصْنَافِ، مِنْ نَبَاتٍ وَزُرُوعٍ وَثِمَارٍ وَأَزَاهِيرَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا وَأَصْنَافِهَا، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ} أَيِ: السُّفُنِ {وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} أَيْ: ذَلَّلَهَا لَكُمْ وَسَخَّرَهَا وَيَسَّرَهَا لِأَكْلِكُمْ لُحُومَهَا، وَشُرْبِكُمْ أَلْبَانَهَا وَرُكُوبِكُمْ ظُهُورَهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} أَيْ: لِتَسْتَوُوا مُتَمَكِّنِينَ مُرْتَفِقِينَ {عَلَى ظُهُورِهِ}).

الشيخ: مرتفقين أم مرتفعين؟

طالب آخر: عندي مرتفعين.

الطالب: قال في الحاشية: ( مرتفقين، ارتفق القوم صاروا رفقاء، يعني أنهم يركبونها مترافقين في سفرهم).

طالب آخر: عندي أيضًا مرتفعين.

الطالب: ({لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} أَيْ: لِتَسْتَوُوا مُتَمَكِّنِينَ مُرْتَفِقِينَ).

طالب آخر: مرتفعين.

الشيخ: لا، مرتفعين [27:28] لتستووا على ظهوره، لتستووا على ظهوره مرتفعين. ومرتفقين كأنها أقرب.

الطالب: ({عَلَى ظُهُورِهِ}.أَيْ: عَلَى ظُهُورِ هَذَا الْجِنْسِ، {ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ} أَيْ: فِيمَا سَخَّرَ لَكُمْ {إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أَيْ: مُقَاوِمِينَ. وَلَوْلَا تَسْخِيرُ اللَّهِ لَنَا هَذَا مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ: {مُقْرِنِينَ} أَيْ: مُطِيقِينَ.

{وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} أَيْ: لَصَائِرُونَ إِلَيْهِ بَعْدَ مَمَاتِنَا، وَإِلَيْهِ سَيْرُنَا الْأَكْبَرُ. وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِسَيْرِ الدُّنْيَا عَلَى سَيْرِ الْآخِرَةِ، كَمَا نَبَّهَ بِالزَّادِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى [الزَّادِ] الْأُخْرَوِيِّ فِي قَوْلِهِ: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [الْبَقَرَةِ: 197] وَبِاللِّبَاسِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى الْأُخْرَوِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ] } [الْأَعْرَافِ: 26]).

الشيخ: قال تعالى: ({وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}، فيه بيان أن المشركين مقرون بتوحيد الربوبية وأن الله هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، ولكنه لا يكفي في التوحيد، حتى يضم معه إفراد الله بالعبادة، أقروا بأن الله هو الخالق السموات والأرض، كما قال تعالى في سورة المؤمنون: ﴿قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88)سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾[المؤمنون:84 - 89]، إذًا هم مقرون لكن يلزمهم مع هذا الإقرار أن يوحدوا الله ويفردوا له بالعبادة؛ لأن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، لكن ليس كل واحد يلتزم بما لزمه، أما من وحد الله وأخلص له العبادة ففي ضمن ذلك أنه يقر بربوبيته، فتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، وهذا قال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}، فيه إثبات اسم العزيز لله، وإثبات العليم، وهما إسمان لله عز وجل، وعبد لهم، عبد العزيز وعبد العليم، وفيه إثبات صفة العزة والعلم، {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا}، ممهدة ساكنة مستقرة، تمشون عليها وتنامون وتحرثون وتزرعون، وتتنقلون من مكان إلى مكان، وتستخرجون ما فيها.

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا}، معنى ممهدة جعلها قارةً ثابتة ساكنة، مع أنها على الماء، على تيار الماء، لكن الله أرساها بالجبال، وسلك لكم فيها سبلًا، جعل لكم طرق بين الجبال وفي الأودية لتتم لكم النعمة بالسير إلى أي مكان تريدون، {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، تهتدون غلى مصالحكم الدينية والدنيوية.

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)}، نزل من السماء المطر، ({مَاءً بِقَدَرٍ}، بقدر الحاجة، بقدر حاجتكم، ولو أنزله كثيرًا لتضررتم وحصل لكم الضرر في بيوتكم وأبدانكم وأيضًا حصل ضرر في الأرض، فهي تنبت النبات، لكن الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، ينزله بقدر، {وَالَّذِي نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا}، يعني فأحيينا به الأرض الميتة، {فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)}، يعني كما أحيى الله الأرض بعد موتها، كذلك يحييكم الله ويخرجكم من الأرض بالبعث يوم القيامة، فنبه بإحياء الأرض على إحياء الموتى، كما نبه بالزاد الدنيوية على الزاد الأخروي، ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾[البقرة:197]، ﴿وَتَزَوَّدُوا﴾ من الطعام والشراب الحسي، ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾، هذا الزاد المعنوي، وكما نبه باللباس الظاهر على اللباس الباطن: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ﴾[الأعراف:26]، هذا اللباس الثياب الذي يكون على البدن، ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾[الأعراف:26]، هذا اللباس المعنوي، لباس التقوى المعنوي، خير من اللباس الحسي.

{وَالَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا}، {الأزْوَاجَ} الأصناف، من كل شيء، كما في الآية الأخرى، ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾[الذاريات:49]، الحيوانات والنباتات والأشجار، كلها فيها الصنفان، سالب وموجب، والكهرباء كلها، {وَالَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا}، خالق الأزواج واحد، وهو الله سبحانه وتعالى، الفرد الصمد الذي لا مثيل له ولا نظير له، وما عداه له نظير وله مثيل، {وَالَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ}، هذا فيها امتن الله سبحانه وتعالى على العباد بالفلك السفن والأنعام يركبونها ويسيرون بها، فإنها هي المراكب في الزمان القديم، ثم من الله تعالى في آخر هذا الزمان بالمخترعات الحديثة والمراكب الجديدة، السيارات والطائرات والبواخر العظيمة، وغيرها.

{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ}، لتستقروا عليها ولتصعدوا على ظهورها، { وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا}، تسبحون الله، وتقولوا عند الركوب، {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}، مطيقين، {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)}، أيضًا نبه بالرجوع إلى الأخرة، {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)}.

الطالب: (ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ عِنْدَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ:

حَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أُتِيَ بِدَابَّةٍ، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكاب قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ. فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا، وَكَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي. ثُمَّ ضَحِكَ فَقُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيْ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: رأيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ، ثُمَّ ضَحِكَ. فَقُلْتُ: مِمَّ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "يَعْجَبُ الرَّبُّ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي. وَيَقُولُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي".

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ -زَادَ النَّسَائِيُّ: وَمَنْصُورٌ-عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعي، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْأَسَدِيِّ الْوَالِبِيِّ، بِهِ.

الشيخ: هل تكلم على الحديث؟

الطالب: قال: (صحيح، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في اليوم والليلة، وأحمد وابن حبان ورجاله رجال البخاري ومسلم، وقد صرح أبو إسحاق بالإخبار عند البغوي، لكن ساق المصنف ما يدل على أنه لم يسمعه منه، وقد توبع عند الحاكم وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي وهو حديث صحيح).

الشيخ: هل الأحاديث طويلة؟

الطالب: صفحة باقية.

الشيخ: وبعده؟

الطالب: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا}.

الشيخ: كم حديث؟

الطالب: أربعة أحاديث..

(وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، عَنْ شُعْبَةَ: قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعي: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ؟ قَالَ: مِنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ. فَلَقِيتُ يُونُسَ بْنَ خَبَّابٍ فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ: مِنْ رَجُلٍ سَمِعَهُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ الْأَسَدِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيِّ، بِهِ.

حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهَا كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا، وَحَمِدَ ثَلَاثًا، وَهَلَّلَ اللَّهَ وَاحِدَةً. ثُمَّ اسْتَلْقَى عَلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: "مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَرْكَبُ دَابَّةً فَيَصْنَعُ كَمَا صَنَعْتُ، إِلَّا أَقْبَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ، فَضَحِكَ إِلَيْهِ كَمَا ضَحِكْتُ إِلَيْكَ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ).

الشيخ: تخريجه؟

الطالب: قال: (أخرجه أحمد بإسناد ضعيف؛ لضعف أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي مريم، ثم هو منقطعٌ بين على وابن عباس، لكن يشهد لأصله ما قبله)

الشيخ: بين على ابن عباس؟

الطالب: على بن أبي طلحة يقصد.

الشيخ: ماذا يقول؟

الطالب: قال: (فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهَا كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا، وَحَمِدَ ثَلَاثًا، وَهَلَّلَ اللَّهَ وَاحِدَةً. ثُمَّ اسْتَلْقَى عَلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: "مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَرْكَبُ دَابَّةً فَيَصْنَعُ كَمَا صَنَعْتُ، إِلَّا أَقْبَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ، فَضَحِكَ إِلَيْهِ كَمَا ضَحِكْتُ إِلَيْكَ"). تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.

(حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عنهما؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} . ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِي سَفَرِي هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى. اللَّهُمَّ، هَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ وَاطْوِ لَنَا الْبَعِيدَ. اللَّهُمَّ، أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ. اللَّهُمَّ، اصْحَبْنَا فِي سَفَرِنَا، وَاخْلُفْنَا فِي أَهْلِنَا". وَكَانَ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ قَالَ: "آيِبُونَ تَائِبُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ".

وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، بِهِ).

الشيخ: تخريجه؟

الطالب: قال: (صحيح، أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في اليوم والليلة وابن حبان).

(حَدِيثٌ آخَرُ:

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبراهيم، عن عَمْرِو بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِي لَاسٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: حَمَلَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِبِلٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِلَى الْحَجِّ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَرَى أَنْ تَحَمِلَنَا هَذِهِ! فَقَالَ: "مَا مِنْ بَعِيرٍ إِلَّا فِي ذُرْوَتِهِ شَيْطَانٌ، فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِذَا رَكِبْتُمُوهَا كَمَا آمُرُكُمْ، ثُمَّ امْتَهِنُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّمَا يَحْمِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ".

أَبُو لَاسٍ اسْمُهُ: مُحَمَّدُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَف).

الشيخ: (فَإِنَّمَا يَحْمِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ)، يعني الله هو الذي يحملكم، كما في قصة أبو موسى الأشعري، لما طلب منه ظهرًا الجهاد، وافق النبي صلى الله عليه وسلم مغضبًا، فقال: ما عندي ما أحملكم، والله لا أحملكم، ثم بعد مدة جاء النبي إبل، فدعاهم وأعطاهم، فقال أبو موسى الأشعري، النبي صلى الله عليه وسلم حلف، والآن أعطانا، كيف، لابد أن نذكر النبي بيمينه وإلا نهلك، فقالوا يا رسول الله، إنك حلفت، فقال: "إني لست أحملكم، ولكن الله يحملكم، إني والله إن شاء الله [43:50] لكفرت عن يميني، يعني كفر عن يمينه، عليه الصلاة والسلام، يحملكم يعني معناه أن الله هو الذي حملكم، هو الذي يسر لكم وحملكم.

الطالب: (حَدِيثٌ آخَرُ فِي مَعْنَاهُ:

قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَتَّاب، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ (ح) وَعَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ-أَخْبَرَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: "عَلَى ظَهْرِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ، فَإِنْ رَكِبْتُمُوهَا فَسَمُّوا اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ لَا تُقَصِّرُوا عَنْ حَاجَاتِكُمْ").

الشيخ: تخريجه

الطالب: قال: (صحيح، أخرجه أحمد والدارمي وابن حبان، وإسناده حسن، وله شاهد من حديث عقبة بن عامر، أخرجه الطبراني وقال في المجمع: إسناده حسن).

طالب آخر: [45:11].

الشيخ: يعني لا تقصروا في استعمالها في حاجاتكم، يعني استعملوا جميع حاجاتكم، (ثُمَّ لَا تُقَصِّرُوا عَنْ حَاجَاتِكُمْ")، يعني لا تعمل شيء فيه قصور، يعني استعملوا لجميع حاجاتكم.

الطالب: هذا الدعاء يقال في السفر وفي الحضر؟

الشيخ: هو معروف في السفر؛ لأن الحضر مسافة قليلة، والسير ليس سريع، لكن لو قاله في بعض الأحيان في الحضر فلا بأس.

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد