الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
-اللهم اغفر لشيخنا، وللحاضرين، والمستمعين-.
قال الإمام الحافظ بن كثيرٍ -رَحِمَهُ اللّهُ تعَالىَ- في تفسيره العظيم، عند تفسير سورة الزُّخرف: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (46) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (47) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)}[الزخرف:46-50].
قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: (يَقُولُ -تَعَالَى- مُخْبِرًا عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: أَنَّهُ ابْتَعَثَهُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْقَادَةِ، وَالْأَتْبَاعِ وَالرَّعَايَا، مِنَ الْقِبْطِ وَمِن بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَدْعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، وَأَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُ آيَاتٍ عِظَامًا، كَيَدِهِ وَعَصَاهُ، وَمَا أَرْسَلَ مَعَهُ مِنَ الطُّوفَانِ وَالْجَرَادِ وَالْقُمَّلِ وَالضَّفَادِعِ وَالدَّمِ، وَمِنْ نَقْصِ الزُّرُوعِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ اسْتَكْبَرُوا عَنِ اتِّبَاعِهَا وَالِانْقِيَادِ لَهَا، وَكَذَّبُوهَا وَسَخِرُوا مِنْهَا، وَضَحِكُوا مِمَّنْ جَاءَهُمْ بِهَا.
{وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا}، وَمَعَ هَذَا مَا رَجَعُوا عَنْ غَيِّهِمْ وَضَلَالِهِمْ، وَجَهْلِهِمْ وَخَبَالِهِمْ. وَكُلَّمَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ يَضَّرَّعُونَ إِلَى مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَيَتَلَطَّفُونَ لَهُ فِي الْعِبَارَةِ بِقَوْلِهِمْ: {يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ} أَيِ: الْعَالِمُ، قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَكَانَ عُلَمَاءُ زَمَانِهِمْ هُمُ السَّحَرَةَ).
(﴿يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ﴾[الزخرف:49])، يعني: يا أيها العالِم.
(وَكَانَ عُلَمَاءُ زَمَانِهِمْ هُمُ السَّحَرَةَ وَلَمْ يَكُنِ السِّحْرُ عِنْدَهُمْ فِي زَمَانِهِمْ مَذْمُومًا، فَلَيْسَ هَذَا مِنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ الِانْتِقَاصِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَالَ حَالَ ضَرُورَةٍ مِنْهُمْ إِلَيْهِ لَا تُنَاسِبُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْظِيمٌ فِي زَعْمِهِمْ، فَفِي كُلِّ مَرَّةٍ يَعِدُون مُوسَى إِنْ كَشْفَ عَنْهُمْ هَذَا أَنْ يُؤْمِنُوا وَيُرْسِلُوا مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ يَنْكُثُونَ مَا عَاهَدُوا عَلَيْهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ(135)} [الأعراف:133-135].
ثم قال -تَعَالَى-: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلآخِرِينَ (56)}[الزخرف:51-56].
يَقُولُ -تَعَالَى- مُخْبِرًا عَنْ فِرْعَوْنَ وَتَمَرُّدِهِ، وَعُتُوِّهِ، وَكُفْرِهِ وَعِنَادِهِ: أَنَّهُ جَمَعَ قَوْمَهُ، فَنَادَى فِيهِمْ مُتَبَجِّحًا مُفْتَخِرًا بِمُلْكِ مِصْرَ وَتَصَرُّفِهِ فِيهَا: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي}، قَالَ قَتَادَةُ: قَدْ كَانَتْ لَهُمْ جِنَانٌ وَأَنْهَارُ مَاءٍ.
{أَفَلا تُبْصِرُونَ}؟ أَيْ: أَفَلَا تَرَوْنَ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْعَظْمَةِ وَالْمُلْكِ، يَعْنِي: وَمُوسَى وَأَتْبَاعُهُ فُقَرَاءُ ضُعَفَاءُ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ -تَعَالَى-: {فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى}[النَّازِعَاتِ:23-25].
وَقَوْلُهُ: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} قَالَ السُّدِّيُّ: يَقُولُ: بَلْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ. وَهَكَذَا قَالَ بَعْضُ نُحَاةِ الْبَصْرَةِ: إِنَّ "أَمْ" هَاهُنَا بِمَعْنَى "بَلْ". وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا حَكَاهُ الْفَرَّاءُ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ قَرَأَهَا: "أَمَا أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ". قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ لَكَانَ مَعْنَاهَا صَحِيحًا وَاضِحًا، وَلَكِنَّهَا خِلَافُ قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، فَإِنَّهُمْ قَرَأوا: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} أي عَلَى الِاسْتِفْهَامِ.
قُلْتُ: وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَإِنَّمَا، يَعْنِي فِرْعَوْنُ -عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ-، أَنا خَيْرٌ مِنْ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَقَدْ كَذَبَ فِي قَوْلِهِ هَذَا كَذِبًا بَيِّنًا وَاضِحًا، فَعَلَيْهِ لِعَائِنُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {مَهِينٌ} كَمَا قَالَ سُفْيَانُ: حَقِيرٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ والسدي: يعني ضعيف. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَعْنِي لَا مُلْكَ لَهُ وَلَا سُلْطَانَ وَلَا مَالَ.
{وَلا يَكَادُ يُبِينُ} يَعْنِي لَا يَكَادُ يُفْصِحُ عَنْ كَلَامِهِ، فَهُوَ عَيِيٌّ حَصِرٌ. قَالَ السُّدِّيُّ: {وَلا يَكَادُ يُبِينُ} أَيْ: لَا يَكَادُ يُفْهِمُ. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ: يَعْنِي عَيِيَّ اللِّسَانِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي فِي لِسَانِهِ شَيْءٌ مِنَ الْجَمْرَةِ حِينَ وَضَعَهَا فِي فِيهِ وَهُوَ صَغِيرٌ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِرْعَوْنُ -لَعَنَهُ اللَّهُ- كَذِبٌ وَاخْتِلَاقٌ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى هَذَا الْكُفْرُ وَالْعِنَادُ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِعَيْنٍ كَافِرَةٍ شَقِيَّةٍ، وَقَدْ كَانَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، مِنَ الْجَلَالَةِ وَالْعَظَمَةِ وَالْبَهَاءِ فِي صُورَةٍ يَبْهِرُ أَبْصَارَ ذَوِي الْأَلْبَابِ.
وَقَوْلُهُ: {مَهِينٌ}: كَذِبٌ، بَلْ هُوَ الْمَهِينُ الْحَقِيرُ خِلْقةً وَخُلُقًا وَدِينًا. وَمُوسَى هُوَ الشَّرِيفُ الرَّئِيسُ الصَّادِقُ الْبَارُّ الرَّاشِدُ.
وَقَوْلُهُ: {وَلا يَكَادُ يُبِينُ} افْتِرَاءٌ أَيْضًا، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ لِسَانَهُ فِي حَالِ صِغَرِهِ شَيْءٌ مِنْ جِهَةِ تِلْكَ الْجَمْرَةِ، فَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يَحُلَّ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِهِ لِيَفْقَهُوا قَوْلَهُ، وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ فِي قَوْلِهِ: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه:26]، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ شَيْءٌ لَمْ يَسْأَلْ إِزَالَتَهُ، كَمَا قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِنَّمَا سَأَلَ زَوَالَ مَا يَحْصُلُ مَعَهُ الْإِبْلَاغُ وَالْإِفْهَامُ، فَالْأَشْيَاءُ الْخِلْقِيَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ لَا يُعَابُ بِهَا وَلَا يُذَمُّ عَلَيْهَا، وفِرْعَوْنُ وَإِنْ كَانَ يَفْهَمُ وَلَهُ عَقْلٌ فَهُوَ يَدْرِي هَذَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّرْوِيجَ عَلَى رَعِيَّتِهِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا جَهَلَةً أَغْبِيَاءَ، وَهَكَذَا كَقَوْلِهِ: {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ} أَيْ: وَهِيَ مَا يُجْعَلُ فِي الْأَيْدِي مِنَ الْحُلِيِّ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-، وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
{أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} أَيْ: يَكْتَنِفُونَهُ خِدْمَةً لَهُ وَيَشْهَدُونَ بِتَصْدِيقِهِ، نَظَرَ إِلَى الشَّكْلِ الظَّاهِرِ، وَلَمْ يَفْهَمِ السِّرَّ الْمَعْنَوِيَّ الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ مِمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ؛ وَلِهَذَا قَالَ -تَعَالَى-: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} أَيِ: اسْتَخَفَّ عُقُولَهُمْ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الضَّلَالَةِ فَاسْتَجَابُوا لَهُ، {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}.
قوله -تَعَالَى-: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-: {آسَفُونَا} أَسْخَطُونَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنْهُ: أَغْضَبُونَا. وَهَكَذَا قَالَه ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- أَيْضًا، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، قال: حَدَّثَنَا عَمِّي، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ التُّجِيبِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلّ- يُعْطِي الْعَبْدَ مَا شَاء وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ هو اسْتِدْرَاجٌ مِنْهُ لَهُ»، ثُمَّ تَلَا {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ}.
وَحَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الحِمَّاني، قال: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ فَذُكِرَ عِنْدَهُ مَوْتُ الْفَجْأَةِ، فَقَالَ: "تَخْفِيفٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ، وَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِ. ثُمَّ قَرَأَ: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ}".
وَقَالَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "وَجَدْتُ النِّقْمَةَ مَعَ الْغَفْلَةِ"، يَعْنِي قَوْلَهُ: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}.
وَقَوْلُهُ: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلآخِرِينَ}، قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: {سَلَفًا} لِمِثْلِ مَنْ عمل بعملهم. وَقَالَ هُوَ وَمُجَاهِدٌ: {وَمَثَلًا} أَيْ: عِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ).
بِسم اللَّه الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن ولاه.
هذه الآيات الكريمة فيها قصة موسى -عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلام- وما جرى له من فرعون وملَئِه، والله -تَعَالَى- قصَّ علينا هذه القصة في مواضع متعددة من القرآن الكريم بعضها مبسوطة، وبعضها مختصرة، وبعضها متوسطة.
قوله -تَعَالَى-: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾[الزُّخرف:46] أرسل الله -تَعَالَى- موسى بالآيات التسع الظاهرة، كما بيَّن الله -تَعَالَى- في سورة الإسراء: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾[الإسراء:101]، وهي: العصا أو اليد، والضَّفادع، والدَّم، والطُّوفان، والجراد، والقُمَّل، وأعظمها العصا واليد هي أكبرها وأعظمها.
أرسل الله -تَعَالَى- موسى وأعطاه البيِّنات الواضحة على صدقه، وأنه رسول الله يدعوه إلى توحيد الله وعبادته وإخلاص الدين له، وترك بني إسرائيل وعدم استعبادهم وإذلالهم تركهم يعبدون الله، فقال موسى لفرعون: ﴿ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ ولكن فرعون وملَئِه لم يعبؤوا بموسى ولم يعتبروا بالآيات بل ضحكوا منها، وسخروا منها، قال -تَعَالَى-: ﴿فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ﴾[الزخرف:47] هكذا من طبع الله على قلبه يستهزئ بالآيات ويضحك منها.
والله -تَعَالَى- يُنوّع الآيات لهم، ويعطيهم الآية بعد الآية ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[الزخرف:48] لعلَّهم يتوبون، ويذيقهم شيئًا من العذاب ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ ولكن فرعون وملئه استمروا على عِنْدهم؛ ولهذا قال: ﴿وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[الزخرف:48].
﴿وَقالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ﴾[الزخرف:49] إذا جاءهم العذاب أو مسهم العذاب، تضرعوا وطلبوا من موسى أن يدعو الله أن يكشف عنهم ما نزل بهم ويعدوه بأنهم سيرجعون ويقبلون.
﴿وَقالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ﴾[الزخرف:49]، ﴿ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَك لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾[الأعراف:134].
﴿وَقالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ﴾ يعني: يا أيها العالم، العالم يُسمى ساحر عندهم، وليس السحر مذمومًا في زمانهم، العلماء هم السحرة عندهم وليس مرادهم أن يتنقصوا، لا؛ لأن وقت الحال ليست حال تنقص، الحال حال تضرع لما يطلبوا من موسى بالصفات المحمودة عندهم، ﴿وَقالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ﴾، يعني: يا أيها العالم.
﴿ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَك لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ﴾ العذاب الذي أصابهم إما من الطوفان أو الجراد أو القمل أو (19:30) هذا.
﴿لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ﴾ العذاب ﴿لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ هكذا وعدوه بأنه إن كُشِفَ عنهم الرجز آمنوا به، وتركوا بني إسرائيل ولم يذلوهم وتركوهم مع موسى يتَّبعونه ويعبدون الله.
قال الله -تَعَالَى-: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾[الأعراف:135] لما كشف الله عنهم الرجز، ودعا موسى ربه أن يكشف عنهم، نكثوا العهد الذي أخذوه على أنفسهم في قولهم: ﴿لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾[الأعراف:134-135].
(﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ﴾ مُتَبَجِّحًا مُفْتَخِرًا) بما أعطاه الله من الملك والتصرف والجنات والأنهار، ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾[الزخرف:51] ما تشاهدون هذا الملك الواسع القوي، ﴿وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ قارنوا بيني وبين موسى، هذا الذي يدعي ويفتخر بأنه له مكانة أو منزلة.
﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ﴾[الزخرف:52] يعني بل أنا خيرٌ منه، هذا (مَهين): حقير يعني موسى، (لَا يَكَادُ يُفْصِحُ) عما في نفسه بسبب اللثغة التي في لسانه، هكذا عدو الله فرعون وصف موسى بهذا الوصف، قال: إنه خيرٌ منه، وكذب.
فموسى نبي الله، وكليم الله، وأحد أُولي العزم الخمسة، والأنبياء هم أولياء الله وأصفياءه وأحباءه، أما فرعون فهو عدو الله شديد العداوة، ادعى الربوبية وقال قولًا ادع دعوًا عظيمة قال: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ﴾[الزخرف:52].
﴿فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾[الزخرف:53] اقتراح، يقترح فرعون يقول: إن كان صادقًا، فليأتي معه الملائكة يُصدقونه ويكونون معه، أو يكون عليه أسورةٌ من ذهب، يُلقى ﴿عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ﴾، أو تأتي معه الملائكة تُصدِّقه، اقتراح.
كما اقترح كفار قريش على النَّبي: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا﴾[الإسراء:90-92] إلى آخر الآيات، فالكفار يقترحون، وقال -تَعَالَى- في آيةٍ أخرى عن الكُفَّار: ﴿وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا﴾[الأعراف:203] ولكن الآيات لا تنفع من صدّ عن السبيل، ﴿وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾[يونس:101].
قال: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ﴾ يعني يقول: بل أنا خيرٌ منه، ﴿وَلا يَكَادُ يُبِينُ﴾[الزخرف:52].
﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾[الزخرف:52-53].
قال الله: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾[الزخرف:54] استخفَّهم، ﴿فَأَطَاعُوهُ﴾ بجهلهم وضلالهم، فقادهم إلى النار، قادهم إلى الهلاك في الدنيا وإلى العذاب في الآخرة، قادهم حتى أغرقهم الله، فذهبت أجسامهم من الغرق وأرواحهم من النار والحر -نسأل الله السلامة والعافية-.
﴿فَلَمَّا آسَفُونَا﴾[الزخرف:55] يعني (فَلمَّا أَغْضَبُونَا)، لما أغضبوا الله انتقم الله منهم، فأغرقهم في البحر، ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾[الزخرف:55].
﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلآخِرِينَ﴾[الزخرف:56]، ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا﴾ مقدَّم، يتقدمون من يأتي بعدهم من العُتات والعُصاة والكَفرة، فيُهلكهم الله يُتبعهم إياهم، وهم عِبرة للمعتبرين الذين يأتون بعدهم.
﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلآخِرِينَ﴾[الزخرف:65] هذه العبرة بهذه القصة أن الله جعلهم ﴿سَلَفًا وَمَثَلا لِلآخِرِينَ﴾، فجعلهم مُقدَّمين لما وهم يتقدمون من سلك سبيلهم، فيهلكهم الله كما هلكهم، وهم (عِبْرَةً لِمَنْ) يأتي (بَعْدَهُمْ) من المتأخرين، ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلآخِرِينَ﴾.
(ثم قال -تَعَالَى-: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)}[الزخرف:57-61]).
الطالب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الأمام ابن خزيمة -رَحِمَهُ اللهُ- في [صحيحه]: [بَابُ تَرْكِ الْوُقُوفِ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بَعْدَ رَمْيِهَا يَوْمَ النَّحْرِ.
2888- قال: قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سُرَيْجٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ مُجَمِّعٍ أَخْبَرَهُمْ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَهَلَّ». فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَقَالَ: «فَيَأْتِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَلَا يَقِفُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ»].
الشيخ: تخريجه؟
الطالب: قال: سبق تخريجه. وهناك قال: صحيحٌ، أخرجه الشافعي وأبي نُعيمٍ والبيهقي.
الشيخ: هنا الشاهد يقول: إسناده ضعيف لكن أصله في صحيح البخاري من طريق الزُّهْرِيّ عن سَالم.
يعني أصلًا الحديث، معنى الحديث صحيح لكن بهذا اللفظ، والشاهد من قوله: «فَيَأْتِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَلَا يَقِفُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ».
قوله: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ» هو ميقاتها المدينة، قوله: (المسجد) يعني المكان الذي صلَّى فيه وسجد، وليس هناك مسجد مبني في ذلك الوقت، وإنما المراد مكان السجود، وكل مكانٍ يُصلى فيه يُسمى مسجدًا؛ كما قال -عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلام-: «جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» ما بُني المساجد إلَّا متأخر ولا كانت المواقيت ما فيها مساجد.
والشاهد قوله: «فَيَأْتِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَلَا يَقِفُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ» في يوم العيد ليس هناك وقوف عند جمرة العقبة ولا دعاء، لكن في أيام التشريق فيه وقوف عند الجمرة الأولى، والجمرة الثانية، ودعاء دون جمرة العقبة أيضًا فليس عندها وقوف ولا دعاء حتى في أيام التشريق.
الطالب: [بَابُ الرُّجُوعِ مِنَ الْجَمْرَةِ إِلَى مِنًى بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ لِلنَّحْرِ وَالذَّبْحِ.
2889- قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال: حدثنا أَبُو أَحْمَدَ، قال: حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي الرَّبِيعَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «ثُمَّ أَتَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى الْمَنْحَرَ، فَقَالَ: «هَذَا الْمَنْحَرُ وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرُ».
الشيخ: تخريجه؟
الطالب: قال: سبق تخريجه.
الشيخ: (29:23) قال: قلت إسناده حسن أو فيه، والشاهد قوله: «ثُمَّ أَتَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى الْمَنْحَرَ، فَقَالَ: «هَذَا الْمَنْحَرُ وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرُ» يعني أنه نحر في مكان قريب من مسجد الخيف، مكان النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان قريب، ومنحر نحرت هناك، وقال: «نَحَرْتُ هَا هُنَا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَر».
وفي حديثٍ آخر: «وفِجَاجِ مَكَّةَ كُلُّهَا طَرِيق وَمَنْحَر»، يعني أنه ليس هناك مكان مخصص، داخل حدود الحرم كله منحر، الأفضل أن يكون في مِنىَ، وإذا نحر في مكة أو في المزدلفة فلا بأس كلها مكانٍ للمنحر، لكن الآن خُصص للنحر، الآن لما كثر الناس خُصص أمكنة مجازر للنحر محددة.
إنما النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه نحر قريبٌ من مكانه الذي هو نازلٌ فيه؛ لأنه قريبٌ من مسجد الخيف الآن، ونحر هناك، وأعلن للناس -عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلام- قال: «نَحرتُّ هَا هُنا، وَمِنى كُلُّهَا مَنْحَرُ»، وفي لفظٍ آخر: «وفِجَاجِ مَكَّةَ كُلُّهَا طَرِيق وَمَنْحَر» حتى لا يشق على الناس ويقصدون المكان الذي نحر فيه -عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلام-.
الطالب: [بَابُ الرُّخْصَةِ فِي النَّحْرِ وَالذَّبْحِ أَيْنَ شَاءَ الْمَرْءُ مِنْ مِنى.
2890- قال: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، قال: حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أنه قَالَ: «ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِنى، قَالَ: وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ»، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ].
الشيخ: تخريجه؟
الطالب: قال: سبق تخريجه.
الشيخ: الراوي الإمام مسلم في [الحج] مطولًا من طريق جعفر.
والشاهد قوله: «وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَر» هذا هو الشاهد، بل اللفظ الآخر أعم، الآخر: «وفِجَاجِ مَكَّةَ كُلُّهَا طَرِيق وَمَنْحَر»، «فجاجِ مكة» تشمل الحرم كله، يعني سواء نحر في منى أو المزدلفة أو في مكة المهم يكون داخل حدود الحرم فإنه لا بأس، أو في مجزرة في مكة أيضًا كذلك، فالأمر واسع الحمد لله.
الطالب: [قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ: «وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَر» مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي أَعْلَمْتُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِي، أَنَّ الْحُكْمَ بِالنَّظيرِ وَالشَّبِيهِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَبَاحَ الذَّبْحَ أَيْضًا أيْنَ شَاءَ الذَّابِحُ مِنْ مِنى].
الشيخ: (أيْنَ شَاءَ الذَّابِحُ) يعني يذبح الذابح أين شاء من مِنى.
الطالب: [وَلَوْ كَانَ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِنَا فِي الْحُكْمِ بِالنَّظِيرِ وَالشَّبِيهِ، وَكَانَ عَلَى مَا زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِمَّنْ خَالَفَ الْمُطَّلِبِيَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَزَعَمَ أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي لَا يحتَمَلُ غَيْرُهُ أَنَّهُ إِذَا خَصَّ فِي إِبَاحَةِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، كَانَ الدَّلِيلُ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ مَحْظُور، كَانَ فِي قَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّهَا لَيْسَ بِمَذْبَحٍ، وَاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ مِنًى مَذْبَحٌ كَمَا خَبَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا مَنْحَرٌ، دَالٌ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِنَا وَبُطْلَانِ مَذْهَبِ مُخَالِفِينَا، إِذْ مُحَالٌ أَنْ يَتَّفِقَ الْجَمِيعُ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِ دَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ].
الشيخ: (قَالَ أَبُو بَكْرٍ) المؤلف يعني، يقول: (هَذِهِ اللَّفْظَةُ: «مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ») هذا فيه دليل على (أَنَّ الْحُكْمَ بِالنَّظيرِ وَالشَّبِيهِ وَاجِبٌ)، يعني المكان الذي ذهب فيه النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جزءٌ من مِنى وبقيت أجزاء مِنى شبيهٌ به، شبيهٌ بالمكان الذي ذبح فيه؛ لأن جزء الشيء يُشبه الشيء، هذا معنى قوله: وقد بينت (أَنَّ الْحُكْمَ بِالنَّظيرِ وَالشَّبِيهِ وَاجِبٌ).
عندنا في نسخة (بالنظر) تُعدل (بالنظير).
هذا مقصود المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ-، والأمر واضح المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- أحيانًا يتكلف ويطيل ما فيه شيء، فالشيء واضح ما فيه إشكال.
يقول: (هَذِه اللَّفظَة قوله: «مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي أَعْلَمْتُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِي، أَنَّ الْحُكْمَ بِالنَّظيرِ وَالشَّبِيهِ وَاجِبٌ)، يعني يقول: إذا ذبح النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جزءٍ من منى فبقية الأجزاء تشبه الجزء الذي ذبح فيه (والْحُكْمَ بِالنَّظيرِ وَالشَّبِيهِ وَاجِب)؛ يقول: لأن (لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَبَاحَ الذَّبْحَ أَيْضًا أيْنَ شَاءَ الذَّابِحُ مِنْ مِنى).
أما من يقول: لا يحكم بالنظير والشبيه؛ لأن نظيره وشبيه يقول: إنه يخالف في هذا، ويقول: أنه لا يجوز الذبح إلَّا في المكان الذي ذبح فيه النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقولوا: هذا مخالف لقول عامة العلماء.
(35:41) هنا قال: (وَلَوْ كَانَ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِنَا فِي الْحُكْمِ بِالنَّظِيرِ وَالشَّبِيهِ، وَكَانَ عَلَى مَا زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِمَّنْ خَالَفَ الْمُطَّلِبِيَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ)، (المطلبي) لعلَّه الشافعي يعني، المطلب الشافعي -رَحِمَهُ اللهُ-، والمؤلف شافعي، ابن خُزيمة شافعي، على مذهب الإمام الشافعي.
قال: (وَلَوْ كَانَ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِنَا فِي الْحُكْمِ بِالنَّظِيرِ وَالشَّبِيهِ، وَكَانَ عَلَى مَا زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِمَّنْ خَالَفَ الْمُطَّلِبِيَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) يعني كان بعض أصحاب الشافعي، بعض الشافعية خالف في هذا، وقال: إنه لا يحكم بالنظير والشبيه، (فَلَوْ كَانَ عَلَى خِلَاف) من خالف، يقول (وَزَعَمَ أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي لَا يحتَمَلُ غَيْرُهُ، أَنَّهُ إِذَا خَصَّ فِي إِبَاحَةِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، كَانَ الدَّلِيلُ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ مَحْظُور) يعني من خالف يلزمه أنه لا يجوز الذبح في غير المكان الذي ذبح فيه النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قال: (كَانَ فِي قَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّهَا لَيْسَ بِمَذْبَحٍ، وَاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ مِنًى مَذْبَحٌ كَمَا خَبَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا مَنْحَرٌ، دَالٌ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِنَا وَبُطْلَانِ مَذْهَبِ مُخَالِفِينَا، إِذْ مُحَالٌ أَنْ يَتَّفِقَ الْجَمِيعُ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِ دَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ) الأمر في هذا واضح كأن المؤلف يريد الرد على من خالف في هذه القاعدة، وهو الحكم بالنظر والشبيه، وقال: إنه خالف في هذا بعض الشافعية.
الطالب: [بَابُ النَّهْيِ عَنِ احْتِضَارِ الْمَنَازِلِ بِمِنًى إِنْ ثَبَتَ الْخَبَرُ، فَإِنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مُسَيْكَةَ بِعَدَالَةٍ وَلَا جَرْحٍ، وَلَسْتُ أَحْفَظُ لَهَا رَاوِيًا إِلَّا ابْنهَا].
الشيخ: الراوي: ابن، (إلَّا ابنْهَا)؟ يوسف يعني، يوسف بن ماهك.
الطالب: 2891- قال: [حَدثَنَا سَلِمُ بْنُ جُنَادَةَ، قال: حَدثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ أُمِّهِ مُسَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-: «قَالَ -تَعْنِي رَجُلٌ-: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! أَلَا نَبْنِي بِمِنًى بِنَاءً فَيُظِلَّكَ؟ قَالَ: «لَا، مِنًى مَنَاخُ مَنْ سَبَقَ».
الشيخ: تخريجه؟
الطالب: قال: إسناده ضعيف؛ لضعف إبراهيم بن المهاجر، ولجهالة مُسيكة المكية، أخرجه: أحمد والدارمي وأبو داود وابن ماجة.
الشيخ: إسناده ضعيف، مُسيكة مجهولة، والحديث من طريق سَلم، نعم فيه أيضًا إبراهيم بن المهاجر فهو ضعيف.
ومعنى (احْتِضَارِ الْمَنَازِلِ): يعني احتجاز الأمكنة، يكون سنحتجز أمكنة في مِنى.
قال: (يَا نَبِيَّ اللَّهِ! أَلَا نَبْنِي بِمِنًى بِنَاءً فَيُظِلَّكَ؟ قَالَ: «لَا، مِنًى مَنَاخُ مَنْ سَبَقَ») فالحديث ضعيف لجهالة مُسيكة وضعف إبراهيم بن المهاجر، لكن الأصل المعنى الصحيح: أن منى هي تكون لمن سبق.
والآن الحكومة صارت الآن نظمت هذا، نظمه لما كثر الحجاج نظمت تنظيم دقيق مرتب بحيث يسع جميع الحُجاج، وكان في الأول هناك في مِنى مباني فأزالت الحكومة على عهد الملك سعود شُكلت لجنة في إزالة البنايات، ذكر هذا الشيخ عبد الرحمن بن جاسر في منسكه، وقال: هم من اللجنة ومن أحد القضاة، وله منسكٌ معروف، أحد القضاة وأحد اللجان الذي شكلوا في زمن الملك سعود في إزالة المباني؛ لأن مِنى مشهر ومنسك، كان في الأول فيه مباني، وفيه مدارس، وفيه عمائر كلها أُزيلت.
وقوله: «مِنًى مَنَاخُ مَنْ سَبَقَ» هذا يعني معنى صحيح، ليس الإنسان يحتاج شيئًا ويأخذ شيئًا وهو لا يحتاجه، إنما الإنسان مناسك للحجاج المحتاجين، ولهذا الحكومة نظمت ورتبت المخيمات.
قوله: (احتضار): يعني احتجاز، إنه من اعتبار المنازل بمنى يعني احتجاز.
الطالب: [بَابُ اسْتِحْبَابِ ذَبْحِ الْإِنْسَانِ وَنَحْرِ نَسِيكِتهِ بِيَدِهِ، مَعَ إِبَاحَةِ دَفْعِ نَسِيكِهِ إِلَى غَيْرِهِ لِيَذْبَحَهَا أَوْ يَنْحَرَهَا.
2892- قال: حَدثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قال: حَدثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: حَدثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-؛ ح وَحَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال: حَدثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-، قَالَ: «فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ ثَلَاثة وَسِتِّينَ -يَعْنِي بَدَنَةَ-، فَأَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ». وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ: "وَنَحَرَ عَلِيٌّ مَا بَقِيَ"].
الشيخ: وتخريجه رواه مسلم في حديث جابر الطويل المعروف، وفيه (اسْتِحْبَابِ ذَبْحِ الْإِنْسَانِ) هديه (بِيَدِهِ) إن تيسر، إن تيسر فهو أفضل يباشره بيده وكذلك الأضحية، وإن وكَّل غيره فلا بأس، فإذا تيسر أن يذبح بنفسه يكون أفضل أو يوكِّل ويحضر ويشهد، أي يشهدها أيضًا ويكون حاضرًا، فله أن يذبحها بنفسه، وله أن يوكّل ويحضر، وله أن يوكّل ولو لم يكن حاضرًا؛ ولهذا بوبه قال: (بَابُ اسْتِحْبَابِ ذَبْحِ الْإِنْسَانِ وَنَحْرِ نَسِيكِهِ بِيَدِهِ). (نسيكه): الهدي، ومثله الأضحية بيده.
ذكر حديث جابر، وفيه: «أَنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثةً وَسِتِّينَ بَدَنة»؛ لأنه ساقه معهم من المدينة مع البُدن الذي جاء بها علي من اليمن مائة بعير (مائة ناقة)، فلما رمى جمرة العقبة -عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلام- نحر بيده الشريفة ثلاثةً وستين كُلها في يوم العيد، وكلها قائمة معقولة يدها اليسرى قائمة على ثلاث، فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر حتى تسقط ثم يُجهز عليها، والثانية، والثالثة، والرابعة حتى عدَّ ثلاثًا وستين.
لأن النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطى قوة، قوة -عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلام- من يستطيع! الواحد منا إذا ذبح واحد خروف يعني تعب، لكن ثلاثة وستين بعير على عدد سنين عمره ثلاثًا وستين، وعمره ثلاثًا وستين عامًا.
ثم (أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ) يعني ما بقي وهي سبع وثلاثين، سبع وثلاثين بقية تكميل المائة نحرها عليّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، ثم أمر -عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلام- بأن يؤخذ له من كُل بدنة بقطعة من اللحم، وجعلت في قدرٍ وطبخت ثم شرب من مرقها وأكل شيئًا من لحمها -عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلام-، فكأنه أكل منها جميعًا، وأمر بجلالها وجلودها ولحومها فوزعت على الفقراء والمساكين ولم يبقى شيء -عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلام-.
الطالب: [بَابُ نَحْرِ الْبُدْنِ قِيَامًا مَعْقُولَةً، ضِدَّ قَوْلِ مَذْهَبِ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ، وَجَهِلَ السُّنَّةَ وَسَمَّى السُّنَّةَ، بِدْعَةً بِجَهْلِهِ بِالسُّنَّةِ.
2893- قال: حَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال: حَدثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قال: حَدثَنَا يُونُسُ؛ ح وَحَدثَنَا الصَّنْعَانِيُّ، قال: حَدثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قال: حَدثَنَا يُونُسُ؛ ح وَحَدثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قال: حَدثَنَا إِسْمَاعِيلُ -يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ-، قال: حَدثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ؛ ح وَحَدثَنَا الدَّوْرَقِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَا: قال: حَدثَنَا هُشَيْمٌ، قال: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، قال: أَخْبَرَني زِيَادُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ بِمِنًى لِيَنْحَرَهَا، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-». هَذَا حَدِيثُ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ].
الشيخ: تخريجه؟
الطالب: قال صحيحٌ، أخرجه: أحمد وأبو داود والنسائي وأخرجه البخاري (46:9).
الشيخ: وهي الصحيح، وفيه: أن ابن عمر رأى رجلًا (قَدْ أَنَاخَ بَدَنَة) يعني وهو ينحرها، يعني: برَّكها لينحرها، فأنكر عليه ابن عمر قال: (ابْعَثْهَا قِيَامًا، سُنَّةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
السُّنَّة إنك تنحرها وهي قائمة ليست باركة، هذه الغنم والبقر نعم تُنحر باركة على جنبها الأيسر، أما الإبل فإنها تُنحر وهي قائمة معقولة يدها اليسرى، لما رآه ناخها سينحرها وهي على الأرض، قال: لا (ابْعَثْهَا قِيَامًا، سُنَّة محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هذا هو السُّنَّة.
الطالب: (46:58) العين لما تذبح الأولى وبعدها الثانية وبعدها الثالثة هل (47:05)؟
الشيخ: العين، عين من؟
الطالب: عين الذبيحة التي بعدها.
الشيخ: لا. لكن ذكر العلماء أنها مثلًا في الأضاحي أنه لا ينحرها أمام أختها تكون في مكان أما تغطية العين لا. لكن جاء في بعض الأحاديث أنها تتابعت، أنها رأت وصار تتابع وتسرع تريد تأتي إلى النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تريد أن ينحرها وأنها تتسارع.
الطالب: هل يُشبه يا شيخ بعض الجزارين يذبح الذبيحة ويريمها عند رجل التي (47:43) حتى إنها (47:45).
الشيخ: يريمها؟
الطالب: يذبح الأولى ويرمي الرأس عند التي ناحية (47:52).
الشيخ: لا. الرأس الأفضل إنه ما يقطع الرأس إلَّا بعد ذلك، يقطع الرأس ولا يستعجل عليها.
الطالب: 2894- [قال: حَدثَنَا عَلِيُّ بْنُ شُعَيْبٍ، قال: حَدثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قال: حَدثَنَا وُهَيْبٌ، قال: حَدثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أنه قَالَ: «ونَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ سَبْعَ بَدَنَاتٍ قِيَامًا»].
الشيخ: تخريجه؟
الطالب: قال: البخاري.
الشيخ: وهذا الحديث حديث أنس، قال: «نَحَرَ بِيَدِهِ سَبْعَ بَدَنَاتٍ قِيَامًا» وهي قائمة وهذا الشاهد، وكذلك الحديث الأول، فيه: (أن ابن عمر أنكر على من رآهُ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ لِيَنْحَرَهَا)؛ ولهذا (48:43) قال: (بَابُ نَحْرِ الْبُدْنِ قِيَامًا مَعْقُولَةً)، يدها معقولة يعني اليد اليسرى.
(ضِدَّ قَوْلِ مَذْهَبِ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ، وَجَهِلَ السُّنَّةَ) المؤلف يريد أن يرد على من قال: إنه يُكره أن تُذبح أو أن تنحر البدنة وهي قائمة، أو قال: تُنحر وهي باركة، قال: (هذا جهل السُّنَّة) سُّنَّة النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها: «أَنَّهُ نَحَر قِيامًا»، ومن جهل هذا الشخص الذي جهل بالسُّنة أنكر، كره، قال: تُكره أن يذبحها وهي قائمة بل يذبحها وهي باركة لأنه جهل السُّنَّة، ولو عَلِم السُّنَّة لما أنكر وإنما كره ذلك.
الطالب: (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَبَرُ أَنَسٍ مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي أَعْلَمْتُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا، فِي ذِكْرِ الْعَدَدِ الَّذِي لَا يَكُونُ نَفْيًا عَمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ الْعَدَدِ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِ أَنَسٍ: «نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ سَبْعَ بَدَنَاتٍ» أَنَّهُ لَمْ يَنْحَرْ بِيَدِهِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ بَدَنَاتٍ؛ لِأَنَّ جَابِرًا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَدْ أَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ نَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثَةً وَسِتِّينَ مِنْ بُدْنِهِ.
الشيخ: يعني يقول أنس: «ونَحَرَ بِيَدِهِ سَبْعَ بَدَنَاتٍ قيامًا» إذا ينفي الزيادة ما قال: ولم يذبح غيرها ولم ينحر غيرها، قال: (نَحَر سبعًا) وسكت لو أراد إنه عدم الزيادة قال: نحر سبعًا ولم ينحر غيرها لكن لما قال: نحر سبعًا، يعني ذكر سبع، شاهدها، وذكر جابر: (أنه نحر ثلاثًا وستين) فلا منافاة بين القولين.
فأنس أخبر إنه نحر سبعًا ولم ينفي ما زاد، وأخبر جابر بالزيادة وأنها وصلت إلى ثلاثة وستين، والمؤلف ما ذكر هنا من جهل بما فيه تعليق على ما ذكر من جهل السُّنَّة، من الذي جهل؟ قال: إنه يُكره أن يذبحها أو ينحرها وهي قائمة.
الطالب: ما فيه تعليق، لكن فيه شرح النووي على صحيح مسلم، قال: (وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ اسْتِحْبَابِ نَحْرِهَا قِيَامًا مَعْقُولَةً، هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُور، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: "يَسْتَوِي نَحْرُهَا قَائِمَةً وَبَارِكَةً" فِي الْفَضِيلَة، وَحَكَى الْقَاضِي، عَنْ طَاوُسٍ: "أَنَّ نحرها باركةً أفضل" وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).
الشيخ: كأنه رد على طاوس، يقول أبي حنيفة: إنه متساوية ما قال إنها مكروها كان قول شاذ، قد يكون أحد خالفه، طاوس قال: (نحرها باركة أفضل) هذا (51:49) السُّنَّة، جهل بالسنة ويمكن أيضًا غيره بعد شارك غيره، فالمؤلف كان يرد على طاوس وغيره ممن قال: إنه يستحب أن ينحرها باركة، ومفهومه: أنه يكره نحرها قائمة ويستحب نحرها باركة، وهذا محمول على أنه لم تبلغه السُّنَّة.
الطالب: [بَابُ التَّسْمِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ عِنْدَ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ.
2895- قال: حَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال: حَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: حَدثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ بن مالكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، وَيُسَمِّي، وَيُكَبِّرُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَذْبَحُ بِيَدِهِ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهَا»].
الشيخ: تخريجه؟
الطالب: قال: أخرجه البخاري ومسلم.
الشيخ: هذا حديث أنس: «أن النَّبي كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، وَيُسَمِّ، وَيُكَبِّرُ» هذا الشاهد، الشاهد التسمية والتكبير في الأضاحي وفي الهدي، يقول: (بِسْمِ اللَّهِ، والله أكبر) التسمية واجبة، والتكبير مستحب، وكذلك يُستحب للكبش أن يكون أملح، وأن يكون أقرن يعني فيه بياض، أكثره بياض أملح وأقرن، وإذا ضح بغيره فلا بأس لكن هذا هو الأفضل، وكذلك أيضًا من كان أكثر لحم وأنفع للفقير، فهو أفضل.
الطالب: 2896- [قال: حَدثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قال: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي، بِمِثْلِهِ].
الشيخ: وكذلك رواه البخاري في الحج، رواه أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس.
الطالب: [بَابُ إِبَاحَةِ الْهَدْيِ مِنَ الذُّكْرَانِ وَالْإِنَاثِ جَمِيعًا.
2897- قال: حَدثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجَزَرِيُّ، قال: حَدثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- أنه قَالَ: «أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِجَمَلِ أَبِي جَهْلٍ فِي هَدْيِهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَفِي رَأْسِهِ بُرَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ، كَانَ أَبُو جَهْلٍ أُسْلَبهُ يَوْمَ بَدْرٍ»].
الشيخ: (أُسلبه) هكذا؟
الطالب: نعم. قال في المطبوع: أسلمه، وأثبت (أسلبه).
الشيخ: يعني: أُخذ منه في بدر لما قتل (أُسلبه)، (55:01) ما لها الوجه، (أُسْلَبهُ يَوْمَ بَدْر).
لكن قوله: (أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ بِجَمَلِ أَبِي جَهْلٍ فِي هَدْيِهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ) ومعلوم إن بدر قبل الحديبية، فيوم بدر سُلب الجمل من أبي جهل في السَنة الثاني من الهجرة، وفي السَنة السابعة من الهجرة أهدى الرسول بهذا الجمل الذي سُلب من أبي جهل، (وَفِي رَأْسِهِ بُرَّة مِنْ فِضَّةٍ) يعني كأنه مقادر بُرَّة من الفضة.
الطالب: [قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ: "جَمَلُ أَبِي جَهْلٍ" مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي كُنْتُ أَعْلَمْتُ فِي كِتَابِ [الْبُيُوعِ] فِي أَبْوَابِ الإفلاس: أَنَّ الْمَالَ قَدْ يُضَافُ إِلَى الْمَالِكِ الَّذِي قَدْ مَلَكَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ].
الشيخ: (الإفلاس) نعم، وكذلك الحديث سيأتي فيه: «رَجُلٌ قَدْ أَفْلَس» تعد هذه الطباعة قديمة فيها أخطاء كثيرة.
(الإفلاس) يعني يكون الإنسان تكون ديونه أكثر من الموجودة، هذا يُسمى مفلس، المفلس: هو الذي ديونه أكثر مما عنده من المال. عنده مال، عنده عشرة آلاف وعليه من الديون مائة ألف هذا مفلس، عشرة آلاف ما تساوي، ما (57:04) من مائة ألف؛ لأن المفلس هو الذي من زادت ديونه على ما عنده من المال مفلس عادةً.
الطالب: [قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ: "جَمَلُ أَبِي جَهْلٍ" مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي كُنْتُ أَعْلَمْتُ فِي كِتَابِ [الْبُيُوعِ] فِي أَبْوَابِ الإفلاس: أَنَّ الْمَالَ قَدْ يُضَافُ إِلَى الْمَالِكِ الَّذِي قَدْ مَلَكَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِم﴾ [يوسف:62]، فَأَضَافَ الْبِضَاعَةَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ اشْتِرَائِهِمْ بِهَا طَعَامًا، وَإِنَّمَا كُنْتُ احْتَجَجْتُ بِهَا، لِأَنَّ بَعْضَ مُخَالِفِينَا زَعَمَ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الغرماء»، فَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْمَالَ هُوَ مَالُ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ، وَمَا لَمْ يَزَلْ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ، وَقَدْ بَيَّنْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَيَانًا شَافِيًا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ].
الشيخ: يعني يقول المؤلف: إن قوله: (جَمَلُ أَبِي جَهْلٍ) أضيف إلى أبي جهل؛ لأنه ملكه في بعض الأوقات والآن ما هو له انتقل الآن صار للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمين، فقوله: (جَملُ أَبي جَهل) للتعريف، يعني الجمل الذي كان لأبي جهلٍ قبل أن يُسلب منه؛ لأن (الْمَالَ قَدْ يُضَافُ إِلَى الْمَالِكِ الَّذِي قَدْ مَلَكَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ)، يضاف إليه بعد زوال ملكه عنه، والحديبية في السَنة السابعة هو زال ملكه عنه في بدر السَنة الثانية، فأضيف إليه من باب التعريف (أَنَّ الْمَالَ قَدْ يُضَافُ إِلَى الْمَالِكِ الَّذِي قَدْ مَلَكَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ).
(كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِم﴾[يوسف:62]) في قصة يوسف الذين يأتون إلى يوسف يأتون بالبضاعة ويأخذون بدلها، فجاء إخوة يوسف بالبضاعة قال يوسف: ﴿اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِم﴾ ردوا البضاعة إليهم، (فَأَضَافَ الْبِضَاعَةَ إِلَيْهِمْ) مع إنه اشتروا بها طعام هذه، أعطوه ليوسف ليشتروا بها طعام وزال ملكه معه ومع ذلك أضافها إليهم.
(﴿اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِم﴾ فَأَضَافَ الْبِضَاعَةَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ اشْتِرَائِهِمْ بِهَا طَعَامًا)، قال: (وَإِنَّمَا كُنْتُ احْتَجَجْتُ بِهَا، لِأَنَّ بَعْضَ مُخَالِفِينَا زَعَمَ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الغرماء»، فَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْمَالَ هُوَ مَالُ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ، وَمَا لَمْ يَزَلْ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ).
ومعنى هذا: إن الإنسان إذا كانت عليه ديون يحجر الحاكم عليه القاضي فلا يتصرف في أمواله، فإذا أفلس وزادت ديونه على موجُوده، فإن القاضي يحجر عليه ثم يُقسم ماله على غرمائه بالنسبة. لكن لو كان شخصًا وجد متاعه بعينه ما تغير، يُقاسم الغرماء ولَّا يأخذه؟ يأخذه.
شخص باع على شخص سيارة، بقت السيارة على حالها ثم أفلس، فحجر عليه القاضي قال: لا، ما يبيع ولا يشتري، ثم يحصر أمواله ويوزعهم، فجاء الشخص كانت السيارة بعينها ما تغيرت هذا موجودة، يقول: خذها أحق بها، ما دام ما تغيرت بحالها خذها، فأخذها (01:01:08).
هذا معنى الحديث («إذا أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ» جاء الرجل الذي ديَّنه «مَتاعه بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الغرماء»، فَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْمَالَ هُوَ مَالُ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ، وَمَا لَمْ يَزَلْ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ) يعني كان هناك من خالف، وقال: إنه إذا وجد رجل متاعه وأخذها، فهذا يعتبر مال وديعة وغصب، ولا يزول ملك صاحبه عنه، صاحبها المفلس هذه ذكر مسألة فقهية تحتاج مراجعة عندك الآن الكلام فيها؟
الطالب: ما فيه تعليق.
الشيخ: ولَّا تكون غدًا إن شاء الله، الإنسان المفلس إذا وجد متاعه بعينه ثم أخذه، الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «هُو أَحَقُ بِه»، بعض العلماء خالفوا، قال: لا. ليس أحق به، هذه السيارة لا يأخذها، وإذا أخذها فإنه يعتبر غاصب، (01:02:24) الوديعة، إذًا هذه الوديعة عند صاحبه، ولا يزول مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْه الذي هو المدين المفلس. تراجع غدًا إن شاء الله، الذي بعده.
الطالب: [بَابُ اسْتِحْبَابِ إِهْدَاءِ مَا قَدْ غُنِمَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ أَهْلَ الْحَرْبِ مِنْهُ مُغَايَظَةً لَهُمْ].
الشيخ: إن شاء ننتقل مع المسألة هذه غدًا، وفق الله الجميع.