الاثنين 1 – 2 – 1441ه
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنانه في تفسيره عند تفسير سورة الدخان، قال رحمه الله تعالى: (تَفْسِيرُ سُورَةِ الدُّخَانِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيع، قال حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ عُمَر بْنِ أَبِي خَثْعَم، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ (حم الدُّخَانَ) فِي لَيْلَةٍ أَصْبَحَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلِكٍ".
ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وعمَر بْنُ أَبِي خَثْعَمٍ يُضَعَّفُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ).
الشيخ: اختلف في يحيى ابن أبي كثير، لنسخة الثانية ماذا تكلم عنه؟.
الطالب: قال في الحاشية موضوع، أخرجه الترمذي وابن عدي والبيهقي، وفي الشعب، وابن الجوزي في الموضوعات، ضعفه الترمذي بقوله غريب، وعمر يضعف، قال البخاري: منكر الحديث، وكذا ضعفه البيهقي وابن عدي، وأما ابن الجوزي فحكم بوضعه، ونقل عن أحمد قوله: لا يساوي شيئًا، وقال ابن حبان: يضع الحديث، والصواب موضوع، كما قال ابن الجوزي، لما فيه من مبالغة.
الشيخ: هذه الحاشية لمن؟
الطالب: عبد الرزاق المهدي.
(ثُمَّ قَالَ الترمذي رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ هِشَامِ أَبِي الْمِقْدَامِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قَرَأَ (حم الدُّخَانَ) فِي لَيْلَةِ الْجُمْعَةِ، غُفِرَ لَهُ".
ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهِشَامٌ أَبُو الْمِقْدَامِ يُضَعَّفُ، وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَا قَالَ أَيُّوبُ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ).
الشيخ: ماذا قال؟
الطالب: قال: ضعيف جدًا، أخرجه الترمذي وابن الجوزي في الموضوعات، والبيهقي من حديث أبي هريرة، وضعفه الترمذي وأعله بضعف هشام ابن زياد، وبعدم سماع الحسن من أبي هريرة، وكذا صعفه الحافظ في تخريج الكشاف، وحكم ابن الجوزي بوضعه.
(وَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رضي الله عنهم؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِابْنِ صَيَّاد: "إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ خَبَأً فَمَا هُوَ؟ " وَخَبَّأَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ الدُّخَانِ، فَقَالَ: هُوَ الدُّخ. فَقَالَ: "اخْسَأْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ". ثُمَّ انْصَرَفَ).
الشيخ: ماذا قال في تخريجه؟
الطالب: قال: متنٌ صحيح، أخرجه البزار والطبراني وإسناده غير قوي، قال الهيثمي في المجمع: فيه زياد ابن الحسن، ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن حبان، ا هـ.
قلت: الحديث متفق عليه عن ابن عمر، وله شواهد كثيرة، وسيأتي.
الشيخ: [00:06:30].
الطالب: هل هو دجال وكاهن من؟
الشيخ: نعم، دجال من الدجاجلة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يظن أنه الدجال الأكبر، ثم أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس الدجال الأكبر، إنما هو دجال من الدجاجلة.
الطالب: هو من نسل اليهود.
الشيخ: لا، ليس هناك شيء يدل على هذا.
هذه الأحاديث لا تصح في فضل قراءة سورة الدخان، لكنها كغيرها من السور، والقرآن كله عظيم، من قرأ حرفًا فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أما هذه الأحاديث أنها تقرأ في ليلة الجمعة أو من قرأها فله كذا وكذا، هذا لا يصح.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ (8)}).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ: إِنَّهُ أَنْزَلَهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ، وَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [الْقَدْرِ: 1] وَكَانَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، كَمَا قَالَ: تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185]. وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ فِي "سُورَةِ الْبَقَرَةِ" بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ -كَمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ-فَقَدْ أَبْعَدَ النَّجْعَة فَإِنَّ نَصَّ الْقُرْآنِ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تُقْطَعُ الْآجَالُ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى شَعْبَانَ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْكِحُ وَيُولَدُ لَهُ، وَقَدْ أُخْرِجَ اسْمُهُ فِي الْمَوْتَى"، فَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، وَمِثْلُهُ لَا يُعَارَضُ بِهِ النُّصُوصُ.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} أَيْ: مُعَلِّمِينَ النَّاسَ مَا يَنْفَعُهُمْ وَيَضُرُّهُمْ شَرْعًا، لِتَقُومَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ).
الله تعالى افتتح السورة بالحروف المقطعة، كغيرها من السور؛ وذلك لأن القرآن مكون من الحروف الهجائية الثمانية وعشرين، ومع ذلك فقد تحدى الله الناس أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، فهذا يبين إعجاز القرآن.
}وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ{، الذي هو القرآن، }الْمُبِينِ{، الذي بين الله فيه معانيه ووضحها.
{إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}، أنزل القرآن في ليلة مباركة وهي ليلة القدر، هي الليلة المباركة، وهي في رمضان، كما قال: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾[البقرة:185]، فالقرآن ابتدأ نزوله في ليلة القدر في شهر رمضان، وكَمُل منجمًا على حسب الحوادث في ثلاث وعشرين سنة.
{إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}، الله تعالى ينذر عباده ويبشرهم، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾[الإسراء:9 - 10]، فالقرآن فيه بشارة ونذارة.
(وَقَوْلُهُ: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} أَيْ: فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يُفْصَلُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى الْكَتَبَةِ أَمْرُ السَّنَةِ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا مِنَ الْآجَالِ وَالْأَرْزَاقِ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا إِلَى آخِرِهَا. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ.
وَقَوْلُهُ: {حَكِيمٌ} أَيْ: مُحْكَمٌ لَا يُبَدَّلُ وَلَا يُغَيَّرُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} أَيْ: جَمِيعَ مَا يَكُونُ وَيُقَدِّرُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا يُوحِيهِ فَبِأَمْرِهِ وَإِذْنِهِ وَعِلْمِهِ، {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} أَيْ: إِلَى النَّاسِ رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ، فَإِنَّ الْحَاجَةَ كَانَتْ مَاسَّةً إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم؛ وَلِهَذَا قَالَ: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} أَيِ: الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَخَالِقُهُمَا وَمَالِكُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، {إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} أَيْ: إِنْ كُنْتُمْ مُتَحَقِّقِينَ.
ثُمَّ قَالَ: {لَا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ} وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ [فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ] } (4) الْآيَةَ [الْأَعْرَافِ: 158] .
{بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)}).
في ليلة القدر يفصل فيها من اللوح المحفوظ؛ ذلك لأن اللوح المحفوظ مكتوبٌ فيه كل شيء، ﴿لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾[الكهف:49]، يفصل منه ما يكون في تلك السنة، إلى الكتبة وهم الملائكة الذين يكتبون في الليلة القدر، ما يكون في تلك السنة من الآجال والأرزاق، والحياة والموت، والذل والعز، والفقر والغنى، إلى غير ذلك، يفصل ما يكون في تلك السنة، و اللوح المحفوظ فيه كل شيء، قال تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾[يس:12]، وهو اللوح المحفوظ.
{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا}، من الأمور التي من عند الله.
{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ (8)}، هو سبحانه السميع العليم، من أسمائه السميع، ومن أسمائه العليم، وله صفة السمع والعلم، وهو سبحانه وتعالى قدر الآجال والأرزاق رحمةً بالعباد, وهو تعالى رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَالِكُهُمَا وَخَالِقُهُمَا على غير مثال سابق، لا موعود بحقٍ سواه، وهو الذي يحيي ويميت، وهو رب الأولين والخرين سبحانه وتعالى.
ثم قال تعالى: ({بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) }
يَقُولُ تَعَالَى: بَلْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ، أَيْ: قَدْ جَاءَهُمُ الْيَقِينُ (5) ، وَهُمْ يَشُكُّونَ فِيهِ، وَيَمْتَرُونَ وَلَا يُصَدِّقُونَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ مُتَوَعِّدًا لَهُمْ وَمُتَهَدِّدًا: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} .
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَان الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْح، عَنِ مسروق قال: دخلنا الْمَسْجِدَ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْكُوفَةِ- عِنْدَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ يَقُصُّ عَلَى أَصْحَابِهِ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} تَدْرُونَ مَا ذَلِكَ الدُّخَانُ؟ ذَلِكَ دُخَانٌ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ شِبْهُ الزُّكَامِ. قَالَ: فَأَتَيْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، وَكَانَ مُضْطَجِعًا فَفَزِعَ فَقَعَدَ، وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}[ص: 86]، إِنَّ مِنَ العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم: "اللَّهُ أَعْلَمُ" سَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أَبْطَأَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَعْصَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ وَالْمَيْتَةَ، وَجَعَلُوا يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَلَا يَرَوْنَ إِلَّا الدُّخَانَ -وَفِي رِوَايَةٍ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ-[قَالَ] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ، فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ. فَاسْتَسْقَى لَهُمْ فَسُقُوا فأنزل الله: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} قَالَ: ابْنُ مَسْعُودٍ: فَيُكْشَفُ الْعَذَابُ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
التقدير (أفيكشف)، ابن مسعود أنكر على هذا الرجل الذي يحدث عن يوم القيامة، يقول: هذا في الدنيا، والله يقول: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ}، هل يكشف العذاب عنهم يوم القيامة؟ لا يكشف، يقول أن هذا الذي يحدث أخطأ أن يقول يوم القيامة، وإنما هو دخانٌ أصاب قريش، ثم كشف عنهم، ولو كان في يوم القيامة ما كشف عنهم، {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ}، تقديره أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟ لا يكشف.
(قَالَ: ابْنُ مَسْعُودٍ: فَيُكْشَفُ الْعَذَابُ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
القدير أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟
(فَلَمَّا أَصَابَهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} ، قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَقَدْ مَضَى خَمْسَةٌ: الدُّخَانُ، وَالرُّومُ، وَالْقَمَرُ، وَالْبَطْشَةُ، واللِّزام. وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ).
﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾[الفرقان:77].
(وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَهُوَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ فِي تَفْسِيرِهِمَا، وَعِنْدَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهِ، وَقَدْ وَافَقَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى تَفْسِيرِ الْآيَةِ بِهَذَا، وَأَنَّ الدُّخَانَ مَضَى، جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ كَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالضَّحَّاكِ، وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} قَالَ: كَانَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ.
وَهَذَا الْقَوْلُ غَرِيبٌ جِدًّا بَلْ مُنْكَرٌ.).
فيه ابن لهيعة، وهذا باطل.
(وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يَمْضِ الدُّخَانُ بَعْدُ، بَلْ هُوَ مِنْ أَمَارَاتِ السَّاعَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَرِيحة حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَشْرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غُرْفَةٍ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ السَّاعَةَ، فَقَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدُّخَانُ، وَالدَّابَّةُ، وَخُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَخُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَالدَّجَّالُ، وَثَلَاثَةُ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمُشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تَسُوقُ النَّاسَ-أَوْ: تَحْشُرُ النَّاسَ-: تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا" تَفَرَّدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ).
هذه النار آخر أشراط الساعة، تحشر الناس إلى المحشر، تَبِيتُ مَعَهُمْ إذا جاء وقت البيتوتة في النوم وقفت، حتى يبيت الناس، فإذا انتهى الليل تحشرهم، ومن تخلف أكلته، وإذا جاء وقت القيلولة وقفت، حتى يلقي الناس، فإذا انتهت القيلولة ساقتهم، ومن تخلف أكلته.
(وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِابْنِ الصَّيَّادِ: "إِنِّي خَبَأْتُ لَكَ خَبْأ" قَالَ: هُوَ الدُّخ. فَقَالَ لَهُ: "اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ" قَالَ: وخبأ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}.
وَهَذَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ مِنَ الْمُنْتَظَرِ الْمُرْتَقَبِ).
{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}.
(وَابْنُ صَيَّادٍ كَاشِفٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْكُهَّانِ بِلِسَانِ الْجَانِّ، وَهُمْ يُقَرمطون الْعِبَارَةَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: "هُوَ الدُّخ" يَعْنِي: الدُّخَانَ).
على طريقة الكهان بحذف بعض العبارة، الدخان يقولون: الدخ
الطالب: يقطعونها.
(يَعْنِي: الدُّخَانَ فَعِنْدَهَا عَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّتَهُ وَأَنَّهَا شَيْطَانِيَّةٌ، فَقَالَ لَهُ: "اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ".
ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَحَدَّثَنِي عِصَامُ بْنُ رَوَّاد بْنِ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ رِبْعِي بْنِ حِرَاش قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ الدَّجَّالُ، وَنُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ أَبْيَنُ).
أول الآيات الكبار، أولها خروجًا المهدي والدجال، ومن أخرها طلوع الشمس من مغربها، لكن النار هنا ذكرها مع أوله وهي من أخره، ويحتمل النار أن تكون في أول الأشراط ونار في آخر الأشراط.
(تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ)، أي إلى الشام (تَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا، وَالدُّخَانُ-قَالَ حُذَيْفَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الدُّخَانُ؟ فَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} -يَمْلَأُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، يَمْكُثُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُصِيبُهُ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكْمَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ السَّكْرَانِ، يَخْرُجُ مِنْ مَنْخِرَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَدُبُرِهِ").
الشيخ: ماذا قال عليه؟
الطالب: لم يتكلم هنا
الطالب: إسناده ساقط، رواد ابن جراح ضعيف، وهو لم يسمعه من الثوري –كما أقر بذلك-، وتقدم تخريجه، سيأتي أحسن الله إليك.
(قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: لَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَكَانَ فَاصِلًا وَإِنَّمَا لَمْ أَشْهَدْ لَهُ بِالصِّحَّةِ؛ لَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيَّ حَدَّثَنِي أَنَّهُ سَأَلَ رَوَّادًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: هَلْ سَمِعَهُ مِنْ سُفْيَانَ؟ فَقَالَ لَهُ: لَا قَالَ: فَقُلْتُ: أَقَرَأْتَهُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَقُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنْتَ حَاضِرٌ فَأَقَرَّ بِهِ؟ فَقَالَ: لَا فَقُلْتُ لَهُ: فَمِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهِ؟ فَقَالَ: جَاءَنِي بِهِ قَوْمٌ فَعَرَضُوهُ عَلَيَّ، وَقَالُوا لِي: اسْمَعْهُ مِنَّا. فَقَرَءُوهُ عليَّ ثُمَّ ذَهَبُوا بِهِ، فَحَدَّثُوا بِهِ عَنِّي، أَوْ كَمَا قَالَ.
قال ابن كثير رحمه الله: (وَقَدْ أَجَادَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَاهُنَا، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ بِهَذَا السَّنَدِ، وَقَدْ أَكْثَرَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ سِيَاقِهِ فِي أَمَاكِنَ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ، وَفِيهِ مُنْكَرَاتٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَا سِيَّمَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ "بَنِي إِسْرَائِيلَ" فِي ذِكْرِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا خَلِيلٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَهِيجُ الدُّخَانُ بِالنَّاسِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَأْخُذُهُ كَالزُّكْمَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَنْفُخُهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ كُلِّ مسمع منه".
وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَوْقُوفًا. وَرَوَاهُ عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ قَوْلَهُ).
الشيخ: في سماع الحسن من أبي سعيد.
الطالب: أطال في الحديث بطرقه.
الحاصل أن عبد الله ابن مسعود لما قيل أن هذا الرجل يحدث أن الدخان يكون يوم القيامة، أنكر عليه، وقال إن هذا الدخان الذي أخبر الله عنه مضى، أصاب قريش، وذلك أن قريش لما عصت النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم، قال: "اللهم اجعلها عليهم كسنين يوسف سنين ، فأصابهم قحط وجذب، سنة حدثت كل شيء حتى أكلوا العظام والجلود، وصار واحد يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان، هذا هو الدخان، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وأنكر على من قال إن الدخان يكون يوم القيامة، وقال إنه ينبغي للإنسان ألا يتكلف، فإن الله قال لنبيه: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾[ص:86]، وقال: إنما العلم أن تقول لما لا تعلم: لا أعلم.
العلم نوعان، قسمان:
- قسم تعلمه، تتكلم به.
- وقسم لا تعلمه: تقول الله أعلم.
وهذا كلام الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
ولكن دلت النصوص هنا على أن الدخان، دخنان:
دخان مضى، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو ما أصاب قريش.
ودخانٌ من أشراط الساعة، يأتي يوم القيامة، ومن أشراط الساعة الكبار، وما جاء في هذه الأحاديث التي ساقها المؤلف، وهو من أشراط الساعة الكبار، دخان يملأ ما بين السماء والأرض، يصيب المؤمن كهيئة الزكام، والكافر يصيبه شدة وعذاب في سمعه وبصره، فهما دخانان.
وعبد الله ابن مسعود رضي الله عنه خفي عليه هذا، وما من أحد إلا وخفي عليه [00:37:30]، فأخبر عما علم، وهو ما أصاب قريش هذا مضى، ودخان يأتي يوم القيامة دلت النصوص كما في الأحاديث الصحيحة، أن لا تقوم الساعة حتى توجد هذه الأشراط ومنها: الدخان، طلوع الشمس من مغربها والنار...، فما دخنان.
نأتي لبقية الأحاديث إن شاء الله في [00:37:53].
الطالب: غير مسموع [00:37:55].
الشيخ: في سماعه نظر، هو يروي عن الحسن عن أبي هريرة، وهو ما سمع من أبي هريرة، والظاهر أنه ما سمع من أبي الحسن والبعض قال أنه من قوله، من قول أبي الحسن، قال: (عَنِ الْحَسَنِ قَوْلَهُ)، يعني موقوفًا عليه، ويقال أن هذا القول موقوفًا على أبي سعيد الخدري، ولكن الدخان جاء في الأحاديث الصحيحة أنه من أشراط الساعة الكبار.
الطالب: لكن احتجاج ابن مسعود رضي الله عنه، بأنه لو كان يوم القيامة لا يكشف العذاب.
الشيخ: هذا يوم القيامة، لكنه ليس في يوم القيامة، هذا قبل يوم القيامة، هذا في آخر الزمان، هو صحيح إنكاره، الذي يحدث يخبر أنه سوف يحدث يوم القيامة، والأحاديث دلت على أن الدخان يكون قبل يوم القيامة، في آخر الزمان، في أشراط الساعة الكبار، وكذلك الدخان الذي أصاب قريش، أما يوم القيامة الله أعلم ما يحدث، نحتاج غلى دليل، يوم القيامة فيها الحساب والجزاء والوقوف بين يدي الله، ولذلك أنكر عبد الله بن مسعود على من قال أنه يكون يوم القيامة، ولو كان يوم القيامة لا يكشف.