الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ وعلى أله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن كثير –رحمه الله تعالى-في تفسيره العظيم عند سورة الدخان، قال –رحمه الله-: (وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي ضَمْضَم بْنُ زُرعَة، عَنْ شُريح بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن رَبَّكُمْ أَنْذَرَكُمْ ثَلَاثًا: الدُّخَانَ يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَالزُّكْمَةِ، وَيَأْخُذُ الْكَافِرَ فَيَنْتَفِخُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ كُلِّ مَسْمَعٍ مِنْهُ وَالثَّانِيَةُ الدَّابَّةُ وَالثَّالِثَةُ الدَّجَّالُ".
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ هَاشِمِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، بِهِ (1) وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ. (
الطالب: قال كذا في المخطوطة، ابن يزيد دون لفظ الياء، دون هاشم ابن يزيد، قال في المخطوطة ورواه سعيد كذا في المخطوطة يزيد، دون لفظ الياء، وقد نبه مرارًا على أنه في المعجم الصغير مزيد.
الطالب: ورواه الطبراني عن هاشم بن مرفد، كذلك الحديث في المعجم الكبير للطبراني قال: حدثنا هاشم بن مرفد، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل ابن عياش، وذكره في الاسم في تاريخ الإسلام قال: هاشم بن مرفد أبو سعيد الطبراني عن أثم بن أبي إياس وصفوان ابن صالح ومحمد ابن إسماعيل ابن عياش، مقدمان من شيوخ الطبراني.
الشيخ: تخريجه.
الطالب: قال: أخرجه الطبري وإسناده حسن في الشوارد لأجل محمد ابن إسماعيل.
الشيخ: بسم الله والحمد لله، صلَّى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ، نعم هذه مشاهد الساعة الكبرى: الدخان والدجال والدابة، هذا دليل على أن الدخان دخانان: دخان أصاب قريش لما دعاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف»، وأصابتهم مجاعة وأصابهم جد حصَّل كل شيء، حتى أكلوا العظام والميتة، فصار الواحد يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان، وهذا هو الذي ذكره ابن مسعود –رضي الله عنه- لما سمع من يتكلم وقال أن الدخان يكون يوم القيامة، والله تعالى قال: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ﴾، هل يكشف يومها العذاب؟ لا يكشف، هذا صحيح، لكن الدخان الثاني قبل يوم القيامة أشراط الساعة في الدنيا، كما ذكر في هذا الحديث وفي أحاديث أخرى، دخان يصيب المؤمنين الزكام والكافر يصيبه شدة عظيمة حتى يخرج من مسامعه، كما ما بين السماء والأرض، فهما دخانان.
الطالب: ماذا يكون معنى البطشة الكبرى؟
الشيخ: يوم بدر ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ﴾[الدخان:16]، قد أصابهم في يوم بدر، هذا بعد الدخان الأول، ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ ﴿يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾﴿أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ﴾ ﴿ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ﴾ ﴿إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ﴾[الدخان:10-16]، تكون هذه بعد الدخان الأول الذي أصابهم، أما الدخان الثاني يكون في آخر الزمان، من أشراط الساعة تكون قبل يوم القيامة أشراطًا متأخرة، بعد الدجال وبعد يأجوج ومأجوج وبعد عيسى، هذا هو الظاهر، لأن الأشراط المتوالية: المهدي ثم الدجال ثم عيسى ثم يأجوج ومأجوج، بعدها تأتي الأشراط يأتي الدخان ويأتي نزع القرآن من الصدور والمصاحف ثم تأتي الدابة نار تخرج من قعرها هذا في آخر الدنيا، نسأل الله السلامة والعافية.
(وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمْ تَمْضِ آيَةُ الدُّخَانِ بَعْدُ، يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزكام) يعني لم تأتي ستأتي، (لَمْ تَمْضِ آيَةُ الدُّخَانِ بَعْدُ، يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزكام، وتنفخ الكافر حتى ينفذ) الأقرب حتى ينفذها، ينفذ مسامع النبي صلَّى الله وسلَّم ، هذا حديث ضعيف الحديث الأعظم، لكن شاهد.
الطالب: ينفد يعني ينتهي.
الشيخ: محتمل، الأقرب أنها ينفذ بالذال، يريدها من جهةٍ أخرى يعني يدخل جميع مسامعه، ينفذ إلى مسامعه، وليس المراد أنها ينفد، ما ينفد هو يملئ ما بين السماء والأرض ليأذن الله انتهى.
الطالب: هو المقصد الكافر يعني ينفذ.
الشيخ: ينفذ يعني يدخل إلى جميع مسامعه في الآخرة، أنفه ودبره نسأل الله السلامة
(وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: يَخْرُجُ الدُّخَانُ فَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، وَيَدْخُلُ فِي مَسَامِعِ الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ حَتَّى يَكُونَ كَالرَّأْسِ الْحَنِيذِ) الحنيذ أي المشوي﴿ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾[هود:69]، هذا ضعيف أيضًا، لكن شاهد، قال هذا؟ ما تكلم عليه؟
الطالب: [00:10:07]
الشيخ: الرسول -صلَّى الله وسلَّم-تكلم عليه؟
الطالب: لا.
الشيخ: حديث ضعيف لكن شاهد، ليس حديث صحيح ولكن من الشواهد.
(وَيَدْخُلُ فِي مَسَامِعِ الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ حَتَّى يَكُونَ كَالرَّأْسِ الْحَنِيذِ، أَيِ: الْمَشْوِيِّ عَلَى الرَّضف) الرضف يعني الحجارة، يعني كان إذا أصابتهم حرارة في رأسهم شدة، والمؤمن في حالة الزكام.
(ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ (2)) الآن يوجد مؤمنين ويوجد كفار، بعد ذلك الدخان، تطلع الشمس من مغربها، يعني الدخان قبل ذلك، فيبقى كلٌ على ما كان المؤمن على إيمانه والكافر على كفره، ثم تأتي ريحٌ طيبة تقبض روح المؤمنين والمؤمنات فلا يبقى إلا الكفرة إلى أن تقوم الساعة، نسأل الله السلامة والعافية.
(ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: غَدَوْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: مَا نِمْتُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ. قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: قَالُوا طَلَعَ الْكَوْكَبُ ذُو الذَّنَبِ، فَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ الدُّخَانُ قَدْ طَرَقَ، فَمَا نِمْتُ حَتَّى أَصْبَحْتُ (3) وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (4)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَبْرِ الْأُمَّةِ وَتُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ).
الطالب: لم يذكر له تخريج.
الشيخ: مروي في صحيح ابن عباس، هذا في الزمان الأول في عهد الصحابة، كيف الزمن الآن، ألف وأربعمائة سنة، كان شيخ الإسلام الشيخ ابن باز –رحمه الله-زمن المهدي ليس بالبعيد وإذا بدأت الأشراط الكبرى توالت، كعقدٍ انقطع يعني انقطع سلكه، يعني توالى، يعني ليست بعيدة، لكن من أوائلها هذه الأربعة: المهدي ثم الدجال بعد المهدي ثم ينزل عيسى فيقتل الدجال، ثم يأجوج ومأجوج ويتحرز نبي الله عيسى ومن معه بجبال الطور، ثم يهلكهم الله، وحج هذا البيت بعد حج البيت واعتمر، ثم بعد ذلك تأتي بقية الأشراط، نسأل الله الثبات على دينه والاستقامة عليها.
الطالب: الدابة؟
الشيخ: الدابة جاء في الحديث عن مقتلها، مقترنان فأيهما خرجت فالأخرى على أثرها قريبًا.
(وَهَكَذَا قَوْلُ مَنْ وَافَقَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَجْمَعِينَ) ابن عباس ما نام تلك الليلة يخشى أن يكون الدخان.
(وَهَكَذَا قَوْلُ مَنْ وَافَقَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَجْمَعِينَ، مَعَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ مِنَ الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ وَغَيْرِهِمَا، الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا مِمَّا فِيهِ مَقْنَعٌ وَدَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ الدُّخَانَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُنْتَظَرَةِ، مَعَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} أَيْ: بَيِّنٍ وَاضِحٍ يَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ. وَعَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّمَا هُوَ خَيَالٌ رَأَوْهُ فِي أَعْيُنِهِمْ مِنْ شَدَّةِ الْجُوعِ وَالْجَهْدِ. وَهَكَذَا قَوْلُهُ: {يَغْشَى النَّاسَ} أَيْ: يَتَغَشَّاهُمْ ويَعُمهم (5)، وَلَوْ كَانَ أَمْرًا خَيَالِيًّا يَخُصُّ أَهْلَ مكة المشركين لما قِيلَ فِيهِ: {يَغْشَى النَّاسَ}
وَقَوْلُهُ: {هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [الطُّورِ: 13، 14]، أَوْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} أَيْ: يَقُولُ الْكَافِرُونَ إِذَا عَايَنُوا عَذَابَ اللَّهِ وَعِقَابَهُ سَائِلِينَ رَفْعَهُ وَكَشْفَهُ عَنْهُمْ، كَقَوْلِهِ: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الْأَنْعَامِ: 27]. وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} [إِبْرَاهِيمَ: 44]، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ}
يَقُولُ: كَيْفَ لَهُمْ بِالتَّذَكُّرِ، وَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رَسُولًا بَيِّنَ الرِّسَالَةِ وَالنِّذَارَةِ) بين يعني محمد –عليه الصلاة والسلام-.
(وَمَعَ هَذَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَمَا وَافَقُوهُ، بَلْ كَذَّبُوهُ وَقَالُوا: مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الْفَجْرِ: 23، 24]، وَقَوْلُهُ (1) تَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ. وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ. وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سَبَأٍ: 51 -54] .
وَقَوْلُهُ: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} (2) يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:)
رحم الله الحافظ قال الدخان في الآية ({فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ})، الدخان الذي يكون في آخر الزمان، وليس كما قال عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه-الذي أصاب قريش فالدخان الذي أصاب قريش خيال، خيل إليهم من شدة الجوع كما ما بين السماوات كهيئة الدخان، هذا خيال وليس حقيقة لا يوجد دخان، لكن من شدة الجوع الذي أصابهم صاروا ما بينهم وبين السماء كهيئة الدخان، والله تعالى يقول: ({فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}) بين وواضح، ليس خيالًا، ثم قال: ({يَغْشَى النَّاسَ})، يعم الناس كلهم وليس خاص بأهل مكة، دل على أن الدخان يكون في آخر الزمان كما قال الحكم والحافظ، ولكن لا مانع من شمول الآية لأمرين، يعني قريش أصابهم الزكام والدخان سيأتي، لأن عبد الله بن مسعود أنكر على من قال أن الدخان يكون في يوم القيامة، وقال: "يا أيها الناس إن الله قال لنبيه (قلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) ، وإن من العلم أن تقل لما أعلم لا أعلم"، وإن قريش استعصت عليه فدعا عليهم فأصابهم قحط حصل كل شيء حتى أكلوا العظام والميتة، فصاروا يرون بأعينهم كسيف يوسف، فأصابتهم سنة يعني جد حصت كل شيء حتى أكلوا العظام والجلد والميتة فصاروا يرون ما بينهم وبين السماء كهيئة الدخان من شدة الجوع، هذا الدخان الذي قاله ابن مسعود –رضي الله عنه- وهذا صحيح، والدخان بالنسبة لهم، لكن الدخان الذي في آخر الزمان كما ذكر الحافظ دخان آخر وأشد يصيب الناس عمومًا وليس خاصًا بقريش، ويملئ ما بين السماء والأرض، وهو بين واضح.
(وَقَوْلُهُ: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} (2) يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:أ َحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقُولُهُ (3) تَعَالَى: وَلَوْ كَشَفْنَا عَنْكُمُ الْعَذَابَ وَرَجَعْنَاكُمْ إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا، لَعُدْتُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ، كَقَوْلِهِ: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 75] ، وَكَقَوْلِهِ: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الْأَنْعَامِ: 28 . ]
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: إِنَّا مُؤَخِّرُو الْعَذَابِ عَنْكُمْ قَلِيلًا بَعْدَ انْعِقَادِ أَسْبَابِهِ (4) وَوُصُولِهِ إِلَيْكُمْ، وَأَنْتُمْ مُسْتَمِرُّونَ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الطُّغْيَانِ وَالضَّلَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْكَشْفِ عَنْهُمْ أَنْ يَكُونَ بَاشَرَهُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يُونُسَ: 98] ، وَلَمْ يَكُنِ الْعَذَابُ بَاشَرَهُمْ، وَاتَّصَلَ بِهِمْ بَلْ كَانَ قَدِ انْعَقَدَ سَبَبُهُ [وَوُصُولُهُ] (5) عَلَيْهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا أَنْ يَكُونُوا قَدْ أَقْلَعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ ثُمَّ عَادُوا إِلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ شُعَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ حِينَ قَالُوا: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّه مِنْهَا} [الْأَعْرَافِ: 88، 89] ، وَشُعَيْبٌ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (6) لَمْ يَكُنْ قَطُّ عَلَى مِلَّتِهِمْ وَطَرِيقَتِهِمْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} إلى عذاب الله.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} فَسَّرَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِيَوْمِ بَدْرٍ. وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ وَافَقَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى تَفْسِيرِهِ الدُّخَانَ بِمَا تَقَدَّمَ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [وَجَمَاعَةٍ] (1) مِنْ رِوَايَةِ الْعَوْفِيِّ، عَنْهُ.) يعني هذا إذا كان يوم القيامة، وقيل إن هذا يكون في الدنيا ولزم بذلك أن يكون أصابهم، ذكر ابن جرير الآية أم ذكر تفسير آخر؟
الطالب: نعم سوف يأتي بالخلاصة، سوف يأتي بعد قليل.
(وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} فَسَّرَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِيَوْمِ بَدْرٍ. وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ وَافَقَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى تَفْسِيرِهِ الدُّخَانَ بِمَا تَقَدَّمَ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [وَجَمَاعَةٍ] (1) مِنْ رِوَايَةِ الْعَوْفِيِّ، عَنْهُ. وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَجَمَاعَةٍ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ يَوْمَ بَطْشَةٍ أَيْضًا.
قَالَ (2) ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى: يَوْمُ بَدْرٍ، وَأَنَا أَقُولُ: هِيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (3) .
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَنْهُ، وَبِهِ يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعِكْرِمَةُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ (4)، عَنْهُ.) انتهى.
نقف عند قوله: ({إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}) كلام البغوي وغيره في كشف العلام، يحتمل كلًا الآخرة