الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره العظيم عند تفسير سورة الدخان، قال الله جل وعلا: (وَقَوْلُهُ: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقُولُهُ تَعَالَى: وَلَوْ كَشَفْنَا عَنْكُمُ الْعَذَابَ وَرَجَعْنَاكُمْ إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا، لَعُدْتُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ، كَقَوْلِهِ: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: ٧٥]، وَكَقَوْلِهِ: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الْأَنْعَامِ: ٢٨]).
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
الحافظ رحمه الله تعالى ذكر {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}، لو رجعتم إلى الدار الدنيا لعدتم إلى ما كنت عليه، يؤيدها الآية الأخرى، ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾[الأنعام:28]، لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا الاحتمال الأول: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}، لو رددتم إلى الدنيا لعدتم لما كنتم عليه من الكفر والعناد، نسأل الله السلامة والعافية.
(وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: إِنَّا مُؤَخِّرُو الْعَذَابِ عَنْكُمْ قَلِيلًا بَعْدَ انْعِقَادِ أَسْبَابِهِ وَوُصُولِهِ إِلَيْكُمْ).
المفرد إذا أضيف يعم، سبب من أسبابه.
(وَأَنْتُمْ مُسْتَمِرُّونَ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الطُّغْيَانِ وَالضَّلَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْكَشْفِ عَنْهُمْ أَنْ يَكُونَ بَاشَرَهُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يُونُسَ: ٩٨]، وَلَمْ يَكُنِ الْعَذَابُ بَاشَرَهُمْ، وَاتَّصَلَ بِهِمْ بَلْ كَانَ قَدِ انْعَقَدَ سَبَبُهُ [وَوُصُولُهُ] عَلَيْهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا أَنْ يَكُونُوا قَدْ أَقْلَعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ ثُمَّ عَادُوا إِلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ شُعَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ حِينَ قَالُوا: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّه مِنْهَا} [الْأَعْرَافِ: ٨٨، ٨٩]، وَشُعَيْبٌ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] لَمْ يَكُنْ قَطُّ عَلَى مِلَّتِهِمْ وَطَرِيقَتِهِمْ).
هذا المعنى الثاني، قال: قوله: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}، يعني مؤخروا العذاب، مؤخروا العذاب إنكم عائدون أي: مستمرون على ضلالكم وكفركم، ولا يلزم من أن يكون العذاب أصابهم، الحافظ رحمه الله في آية يونس، وآية الأعراف، آية يونس: ﴿فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾[يونس:98]، وذلك أن يونس عليه الصلاة والسلام دعا قومه أولًا، أرسله الله إليهم دعاهم، فردوا دعوته، فغضب عليهم، كما قال تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا﴾[الأنبياء:87]، فركب البحر، قدر الله أنه ابتلعه الحوت، ولبث في بطنه كما ذكر الله في سورة الصافات ثم عاد إليه، لما ذهب نبيهم، لما أخذ أسباب العذاب جأروا إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وتضرعوا إلى الله، جاء في بعض الآثار هم وبهائمهم، ثم رجع إليهم نبيهم فآمنوا به.
فقوله: ﴿كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ﴾[يونس:98]، ما أصابهم العذاب، لكن أخذ أسبابه، ما جاءهم العذاب، ﴿كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾[يونس:98]، وكذلك قول الله تعالى عن شعيب: ﴿وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا﴾[الأعراف:89]، وهو لم يكن على ملتهم، وكذلك قوله تعالى عن الرسل أنه أنجى الرسل، أخبر الله عن نوح أنه نجاه ومن معه، وأخبر عن صالح أنه نجاه ومن معه، نجاه يعني خرج من بين أظهرهم ولم يكن العذاب أصابه، فلا يلزم من ذلك الإصابة، نعم، ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا﴾[هود:94]، ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾[هود:66]، ولم يكن العذاب وصلهم.
(وَقَالَ قَتَادَةُ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} إلى عذاب الله.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} فَسَّرَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِيَوْمِ بَدْرٍ. وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ وَافَقَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى تَفْسِيرِهِ الدُّخَانَ بِمَا تَقَدَّمَ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [وَجَمَاعَةٍ] مِنْ رِوَايَةِ الْعَوْفِيِّ، عَنْهُ. وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَجَمَاعَةٍ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ).
رواية العوفي منقطعة، وهذا الدخان ليس دخانًا حقيقيًا ولكنه خيال بالنسبة لهم، لقريش خاصة، أصابتهم سنة حصدت كل شيء، فأكلوا العظام والجلود، فصار بينهم وبين السماء كهيئة الدخان، هذه التي فسرها ابن مسعود رضي الله عنه، وهذا خاص، لكن هناك دخان عام للناس جميعًا، وهو الذي يكون في آخر الزمان كما دلت عليه الأحاديث، وهذا الدخان الذي ذكره ابن مسعود رضي الله عنه خاص بقريش.
(وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ يَوْمَ بَطْشَةٍ أَيْضًا).
يعني البطشة، بطشة الدخان، ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ﴾[الدخان:16]، البطشة يوم القيامة، البطشة فسرها أنها ما أصاب قريش يوم بدر، وقيل: أنها يوم القيامة، وفسرها ابن مسعود...).
(فَسَّرَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِيَوْمِ بَدْرٍ. وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ وَافَقَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى تَفْسِيرِهِ الدُّخَانَ بِمَا تَقَدَّمَ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [وَجَمَاعَةٍ] مِنْ رِوَايَةِ الْعَوْفِيِّ، عَنْهُ. وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَجَمَاعَةٍ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ).
محتمل يعني له وجه، لكن المختار أنه يوم القيامة.
(وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ يَوْمَ بَطْشَةٍ أَيْضًا.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى: يَوْمُ بَدْرٍ، وَأَنَا أَقُولُ: هِيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ).
الشيخ: ماذا قال عن تخريج الحديث؟ سيأتي؟ سيتكلم.
(وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَنْهُ، وَبِهِ يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعِكْرِمَةُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، عَنْهُ).
فالبطشة الكبرى قيل: هي يوم بدر، وقيل: هي يوم القيامة، ومحتمل مثل ما قال الحافظ، ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ﴾[الدخان:16]، ولا شك أن يوم بدر أصاب قريش بطشة كبرى، لكن أعظم منها ما يكون يوم القيامة، قد يقال: إن الكفار أصابهم البطش في بدر، وسيصيبهم البطشة الكبرى يوم القيامة أيضًا.
({وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (١٩) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (٢٧) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (٢٨) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ (٣٣)}.
يَقُولُ تَعَالَى: وَلَقَدِ اخْتَبَرْنَا قَبْلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ، وَهُمْ قِبْطُ مِصْرَ، {وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} يَعْنِي: مُوسَى كَلِيمَهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} ، كَقَوْلِهِ: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه: ٤٧]).
يخاطب قوم فرعون، {أدوا إليَّ عباد الله}، يعني اتركوهم، اتركوا بني إسرائيل، أدوا أيها القوم، قوم فرعون وملائه ومن معه يخاطبهم موسى، {أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين}، {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه: ٤٧]، أدوا إلي خطاب للملأ، أدوا إلي عباد الله، اتركوا عباد الله بني إسرائيل ولا تعذبوهم، لا تفتنوهم، أدوا إلي عباد الله.
(وَقَوْلُهُ: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} أَيْ: مَأْمُونٌ عَلَى مَا أُبَلِّغُكُمُوهُ.
وَقَوْلُهُ: {وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ} أَيْ: لَا تَسْتَكْبِرُوا عَنِ اتِّبَاعِ آيَاتِهِ، وَالِانْقِيَادِ لِحُجَجِهِ وَالْإِيمَانِ بِبَرَاهِينِهِ، كَقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غَافِرٍ: ٦٠]).
لا تستكبروا عن عبادة الله، الله تعالى هو المعبود بالحق، هو المألوه المعبود المستحق للعبادة لما له من الصفات العظيمة، والأسماء الحسنى، ولما لعباده من النعم التي لا تعد ولا تحصى، لا تعلوا على الله: لا تستكبروا، اعبدوا الله ووحدوه وأخلصوا له العبادة، اتبعوا رسوله ونبييه موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام.
({إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ [مُبِينٍ] } أَيْ: بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَاضِحَةٍ، وَهِيَ مَا أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ البينات والأدلة القاطعة).
كالعصا، واليد، والضفادع، والدم، والجراد، والقمل، آيات بينات، أعظمها العصا واليد، سلطان، حجج، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْألْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾[الإسراء:101]، العصا واليد، ﴿إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾[الدخان:19]، حجة ودليل، حجج ودليل وبراهين على صدقي، وأن مرسل من عند الله.
({وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو صَالِحٍ: هُوَ الرَّجْمُ بِاللِّسَانِ وَهُوَ الشَّتْمُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: [هُوَ] الرَّجْمُ بِالْحِجَارَةِ.
أَيْ أَعُوذُ بِاللَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَخَلَقَكُمْ [مِنْ] أَنْ تَصِلُوا إليَّ بِسُوءٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ.
{وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ} أَيْ: فَلَا تَتَعَرَّضُوا إليَّ، وَدَعُوا الْأَمْرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مُسَالِمَةً إِلَى أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَنَا. فَلَمَّا طَالَ مَقَامُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَأَقَامَ حُجَجَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، كُلُّ ذَلِكَ وَمَا زَادَهُمْ ذَلِكَ إِلَّا كُفْرًا وَعِنَادًا، دَعَا رَبَّهُ عَلَيْهِمْ دَعْوَةً نَفَذَتْ فِيهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} [يُونُسَ: ٨٨، ٨٩].
وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ} فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَخْرُجَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ فِرْعَوْنَ وَمُشَاوَرَتِهِ وَاسْتِئْذَانِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} كَمَا قَالَ: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى} [طه: ٧٧].
وَقَوْلُهُ هَاهُنَا: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ} وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا جَاوَزَ هُوَ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ، أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَضْرِبَهُ بِعَصَاهُ حَتَّى يَعُودَ كَمَا كَانَ، لِيَصِيرَ حَائِلًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ فِرْعَوْنَ، فَلَا يَصِلُ إِلَيْهِمْ. فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى حَالِهِ سَاكِنًا، وَبَشَّرَهُ بِأَنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا يَخَافُ دَرَكًا وَلَا يَخْشَى.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا} كَهَيْئَتِهِ وامضِهْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {رَهْوًا} طَرِيقًا يَبْسًا كَهَيْئَتِهِ، يَقُولُ: لَا تَأْمُرْهُ يَرْجِعُ، اتْرُكْهُ حَتَّى يَرْجِعَ آخِرُهُمْ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ وسِمَاك بْنُ حَرْبٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ} وَهِيَ الْبَسَاتِينُ {وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ} وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَنْهَارُ وَالْآبَارُ، {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} وَهِيَ الْمَسَاكِنُ الْكَرِيمَةُ الْأَنِيقَةُ وَالْأَمَاكِنُ الْحَسَنَةُ).
هذه الآيات فيها مناجاة موسى لربه عليه الصلاة والسلام، ﴿وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ﴾[الدخان:20]، استعاذ بالله، استعاذ بالله منهم، أن ترجمون بالشتم والكلام، وقال بعضهم: بالحجار، يعني لا توصلوا الأذى إلي بقول أو بفعل، ﴿وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ﴾[الدخان:21]، على أقل الأحوال إن كنتم لا تؤمنون اعتزلوني واتركوني أبلغ رسالة ربي، لا تؤذوني بقول ولا فعل، ﴿فَدَعَا رَبَّهُ﴾[الدخان:22]، لما لم يفد واستمروا على أذيتهم وكفرهم دعا عليهم، ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ﴾[الدخان:22]، ذكر آية يونس، قال أنه دعا عليهم، ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾[يونس:88]، وموسى يدعوا وهارون يؤمن، فقال الله: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾[يونس:89]، وهذه الأدلة من أدلة الجمهور أنه لا يجب على المأموم قراءة الفاتحة في الصلوات الجهرية، سمى هارون داعٍ وهو مُؤَمن.
هنا قال: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ﴾[الدخان:22]، فأوحى الله إليه قال: ﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ﴾[الدخان:23]، فخرج موسى عليه السلام ومعه بنو إسرائيل ليلًا في آخر الليل، وتبعه فرعون، فرعون أمر أن يحشر في مدائن مصر السحرة، ثم تبعوه، قال: ﴿إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) ﴾ قال الله: ﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ(58)﴾[الشعراء:54/58]، ثم أمر الله موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه فانفلق فصارت اثنى عشر طريقًا، النصوص يضم بعضها إلى بعض، دخل بنو إسرائيل من هذه الطريقة، فأراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر مرة أخرى حتى يعود كما كان، إذا خرجوا من الجانب الآخر فأمره الله أن يتركه، وبشره بأنهم سيهلكون، سيتبعونهم، وسينطبق البحر عليهم، ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا﴾[الدخان:22/24]، أي: اتركه على حاله، لا تضرب بالعصا، ﴿إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ﴾[الدخان:24]، هذه بشارة، بشره الله، ولهذا لما قال بنو إسرائيل: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾[الشعراء:61/62].
ما يعلمون، الرسل يعلمون من الله ما لا يعلمون، ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[يوسف:96]، قال يعقوب: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[يوسف:96]، فالرسل يعلمون من الله ما لا يعلمه أممهم، بشرهم الله أنهم جند مغرقون، بنو إسرائيل أصابهم شدة لما تبعهم فرعون والبحر أمامهم قالوا: لحقنا، إنا لمدركون، لحقنا فرعون، ماذا نعمل؟ البحر أمامنا فإن خضناه غرقنا، وفرعون وجنوده خلفنا، فإن وقفنا أدركونا، فقال موسى: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾[الشعراء:62]، فجاء الفرج من الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فنجى الله أولياءه وحزبه، وأهلك أعدائه.
(وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} الْمَنَابِرُ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعة، عَنْ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَافِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: نِيلُ مِصْرَ سَيِّدُ الْأَنْهَارِ، سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ نَهْرٍ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وذلَّلَهُ لَهُ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ نِيلَ مِصْرَ أَمَرَ كُلَّ نَهْرٍ أَنْ يَمُدَّهُ، فَأَمَدَّتْهُ الْأَنْهَارُ بِمَائِهَا، وَفَجَّرَ اللَّهُ لَهُ الْأَرْضَ عُيُونًا، فَإِذَا انْتَهَى جَرْيُهُ إِلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَى كُلِّ مَاءٍ أَنْ يرجع إلى عنصره).
هذه من أخبار بني إسرائيل والله أعلم، هذا يحتاج إلى دليل، يحتاج إلى وحي إلى رسول الله، ما يقال بالرأي هذا.
الطالب: [00:31:34]
الشيخ: هذا من الأدلة، يعني ومن قال: تقرأ أخذ بالعموم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» هذا عام، والفاتحة مستثناة، وهذا اختيار البخاري وجماعة في الصحيح، وهو اختيار جمع من أهل العلم، قالوا: ولا تسقط إلا إذا أدرك الإمام راكعًا، قال البخاري: حتى إذا أدرك الإمام راكعًا يقضي الركعة، يعني ما قرأ الفاتحة، لكن الجمهور على أنه تسقط إذا أدرك الإمام راكعًا، الحديث المعروف في الرجل الذي أدرك الإمام راكعًا، وقال له النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «زادك الله حرصًا ولا تعد»، حديث أبي بكر.
(وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} قَالَ:، كَانَتِ الْجِنَانُ بِحَافَّتَيْ هَذَا النِّيلِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فِي الشِّقَّيْنِ جَمِيعًا، مَا بَيْنَ أَسْوَانَ إِلَى رَشِيدٍ، وَكَانَ لَهُ تِسْعَةُ خُلُجٍ: خَلِيجُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَخَلِيجُ دِمْيَاطَ، وَخَلِيجُ سَرْدُوسَ، وَخَلِيجُ مَنْفٍ، وَخَلِيجُ الْفَيُّومِ، وَخَلِيجُ الْمَنْهَى، مُتَّصِلَةٌ لَا يَنْقَطِعُ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، وَزُرُوعٌ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ كُلُّهُ مِنْ أَوَّلِ مِصْرَ إِلَى آخِرِ مَا يَبْلُغُهُ الْمَاءُ، وَكَانَتْ جَمِيعُ أَرْضِ مِصْرَ تُرْوَى مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، لِمَا قَدَّرُوا وَدَبَّرُوا مِنْ قَنَاطِرِهَا وَجُسُورِهَا وَخُلُجِهَا.
{وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} أَيْ: عيشة كانوا يتفكهون فيها فيأكلون ما شاؤوا وَيَلْبَسُونَ مَا أَحَبُّوا مَعَ الْأَمْوَالِ وَالْجَاهَاتِ وَالْحُكْمِ فِي الْبِلَادِ، فَسُلِبُوا ذَلِكَ جَمِيعُهُ فِي صَبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفَارَقُوا الدُّنْيَا وَصَارُوا إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى الْبِلَادِ الْمِصْرِيَّةِ وَتِلْكَ الْحَوَاصِلِ الْفِرْعَوْنِيَّةِ وَالْمَمَالِكِ الْقِبْطِيَّةِ بَنُو إِسْرَائِيلَ).
{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الْأَعْرَافِ: ١٣٧]؛ كانوا أفضل الناس في ذلك الزمان، قال تعالى: ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾[الدخان:32]، أي على عالم زمانهم، بنو إسرائيل أفضل الناس في زمان موسى، لكن هذه الأمة المحمدية أفضل منهم.
(كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشُّعَرَاءِ: ٥٩] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الْأَعْرَافِ: ١٣٧] . وَقَالَ هَاهُنَا: {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} وَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَوْلُهُ: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ} أَيْ: لَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ تَصْعَدُ فِي أَبْوَابِ السَّمَاءِ فَتَبْكِي عَلَى فَقْدِهِمْ، وَلَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ بِقَاعٌ عَبَدُوا اللَّهَ فِيهَا فَقَدَتْهُمْ؛ فَلِهَذَا اسْتَحَقُّوا أَلَّا يُنْظَرُوا وَلَا يُؤَخَّرُوا لِكُفْرِهِمْ وَإِجْرَامِهِمْ، وَعُتُوِّهِمْ وَعِنَادِهِمْ).
قف على {كم تركوا من جنات وعيون}، غدًا إن شاء الله، الخلجان التي ذكرها هل أحد من المصريين موجود الآن؟ الآن هل يوجد أحد موجود من الإخوان المصريين.
الطالب: في ترعة دمياط، وفي رشيد، متبقية الآن معروفة، وخليج الفيوم إلى الآن موجود، أما بعضها...
الطالب: وخليج الإسكندرية ما زال إلى الآن.
الطالب: قوله: كان له تسعة خلج، قال في الحاشية: كذا في المخطوطة والطبعات السابقة، فإذا عددناها وجدناها ستة، وفي معجم البلدان لياقوت أنها سبعة.
الشيخ: غدًا إن شاء الله نشوف، سمِّ.