شعار الموقع

سورة الجاثية - 1

00:00
00:00
تحميل
79
   

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين وللمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{حم (1) تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)})

يقول الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: (يُرشد تَعَالَى خَلْقَهُ إِلَى التَّفَكُّرِ فِي آلَائِهِ وَنِعَمِهِ، وَقُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي خَلَقَ بِهَا السَّمَوَاتِ الْأَرْضَ، وَمَا فِيهِمَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَجْنَاسِ وَالْأَنْوَاعِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَالدَّوَابِّ وَالطُّيُورِ وَالْوُحُوشِ وَالسِّبَاعِ وَالْحَشَرَاتِ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنَ الْأَصْنَافِ الْمُتَنَوِّعَةِ، وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي تَعَاقُبِهِمَا دَائِبَيْنِ لَا يَفْتُرَانِ، هَذَا بِظَلَامِهِ وَهَذَا بِضِيَائِهِ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ السَّحَابِ مِنَ الْمَطَرِ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَسَمَّاهُ رِزْقًا؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الرِّزْقُ، {فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} أَيْ: بَعْدَ مَا كَانَتْ هَامِدَةً لَا نَبَاتَ فِيهَا وَلَا شَيْءَ.

وَقَوْلُهُ: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} أَيْ: جَنُوبًا وَشَآمًا (1)، وَدَبُورًا وَصَبًا، بَحْرِيَّةً وَبَرِّيَّةً، لَيْلِيَّةً وَنَهَارِيَّةً. وَمِنْهَا مَا هُوَ لِلْمَطَرِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ لِلِّقَاحِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ غِذَاءٌ لِلْأَرْوَاحِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ عَقِيمٌ [لَا يَنْتِجُ] (2).

وَقَالَ أَوَّلًا {لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} (3)، ثُمَّ {يُوقِنُونَ} ثُمَّ {يَعْقِلُونَ} وَهُوَ تَرَقٍّ مِنْ حَالٍ شَرِيفٍ إِلَى مَا هُوَ أَشْرَفُ مِنْهُ وَأَعْلَى. وَهَذِهِ الْآيَاتُ شَبِيهَةٌ بِآيَةِ "الْبَقَرَةِ" وَهِيَ قَوْلُهُ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الْبَقَرَةِ: 164]. وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّه أَثَرًا طَوِيلًا غَرِيبًا فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنَ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ.

{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11) })

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

هذه السورة كلمات افتتحها الله تعالى بحروفٍ مقطعة، ({حم (1)}) وهذا يدل على أنها سورة مكية، إذا افتتحت بحروف مقطعة الغالب تكون سورة مكية، كذلك ما كان فيها كلا ما عدا البقرة وآل عمران.

({حم (1)}) ، وهذه الحروف من حروف الهجاء الثمانية والعشرين، وهي فيها دلالة على الإعجاز، لأن القرآن الكريم مكون من هذه الحروف الثمانية والعشرون ومع ذلك أتى بالعجائب، وتحدى البشر أن يأتوا بمثلها وأن يكتبوا مثله فلم يستطيعوا، وذلك لأنه تنزيلٌ من حكيمٍ حميد، من عزيز الحكيم، فلا يمكن أن يأتي البشر بكلامٍ مثل كلام رب البشر، كما أن الله تعالى لا يشبه أحدًا من خلقه فكذلك كلامه لا يشبه كلام الناس، حتى قُرءَ القرآن على بعض الأعاجم فتأثروا وهم لا يعرفون معناه، واختبرهم بعض الناس وقرأ كتابًا كأنه يشبه القرآن يختبرهم فلم يتأثروا، ثم قرأ القرآن فتأثروا وتحركت مشاعرهم وهم لا يعرفون معناه، ({حم (1) تَنزيلُ الْكِتَابِ})، هذا القرآن مكون من هذه الحروف، ومع ذلك عجز البشر، ولهذا قال بعض المحققين إن هذه الحروف المتقطعة فيها إشارة إلى أن القرآن من هذه الحروف، ومع ذلك لم يستطع البشر أن يأتوا بمثله، ولهذا فالغالب يأتي بعدها الانتصار بالقرآن وبيان فضل القرآن: ({حم (1) تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)})، تنزيل، هذا القرآن منزل، منزل وغير مخلوق، لإثبات العلو وأن الله فوق المخلوقات، لأن النزول يكون من أعلى إلى أسفل، في الرد على الجهمية والمعتزلة الذين أنكروا علو الله، تنزيل الكتاب، وفيه إثبات أن القرآن منزل من عند الله، كما قال الله تعالى في الآية الأخرى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾[النحل:102]، ونزل على قلبك لتكون من المنذرين، والأشاعرة يقولون القرآن غير منزل، يقولون القرآن معنىً قائم في النفس، اضطر الله جبريل اضطرارًا ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر بهذا القرآن، أو عبر به محمد، هذا من جهلهم وضلالتهم، وهم أقرب الطوائف لأهل السنة ومع ذلك يقولون هذا في القرآن، يقولون القرآن ليس بحرف ولا صوت، الحروف والأصوات هذه مخلوقة، تكلم بها محمد أو جبريل، أما الله ما تكلم بالحرف ولا بالصوت، لأن الحروف والأصوات حادثة، فلو كان يتكلم وله صوت لكان محل الحوادث والله منزه عن الحوادث، هكذا يزعمون.

إذًا كيف هذا القرآن! قالوا: كيف يسمى قرآن؟ قالوا: يسمى قرآن لأنه تأدى بهذه الحروف، تأدى القرآن بهذه الحروف ولذلك سمي قرآن، وإلا ليس هو القرآن، القرآن كلام الله قائمٌ بنفسه، لا يسمع كالعلم، ولكن الله يضطرد به اضطرار ففهم المعنى القائم بنفسه، جعلوا الرب والعياذ بالله لا يستطيع الكلام، جعلوه أبكم، أعوذ بالله، نسأل الله العافية، لا يستطيع، جبريل هو الذي تكلم، أما الله فلا يتكلم، حتى حرفوا القرآن وقالوا: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾[النساء:164]، قرأها بعض المعتزلة: وكلم اللهَ موسى تكليما، الله مُكلم وموسى متكلم، لأن الله لا يتكلم، كلم الله موسى تكليما.

وقالت طائفة من الأشاعرة أن الذي عبر به محمد وليس بجبريل، وقالت طائفة أخرى جبريل أخذ من اللوح المحفوظ، ولم يسمع من الله كلامًا، كل هذه أقوالٌ فاسدة باطلة، الصواب أن الله تكلم بصوتٍ وحرفٍ يسمع سمعه منه جبرائيل فنزل به على قلب محمد، كما قال:﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ ﴾ ﴿عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾[الشعراء:194]

 ({تَنزيلُ الْكِتَابِ})، الكتاب هل العظمة تنزيل الكتاب، هذا الكتاب العظيم، إذا [00:10:24] الكتاب انصرف القرآن، وأعظم كتاب وخير كتاب وأفضل كتاب، فيه السعادة لمن عمل به وحكَم وتحكم إليه وتدبر وتأمل وعمل به، ({حم (1) تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)})، من الله، قال تنزيل من الله نزل من الله، لا من غيره، العزيز من أسمائه، له العزة وله القوة وله الغلبة، عزة القوة وعزة الغلبة وعزة الامتناع، فلا يناله أحدٌ من خلقه بشيء، ولا يضره أحدٌ من خلقه، ولا يصلُ إليه شيءٌ من خلقه، ({تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) })

({إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) })، السماوات العظيمة التي خلقها الله تعالى وأوجدها من العدم، هذه السماوات عظمة المخلوقات تدل على عظمة الخالق، السماوات والأرض من يحيط بهذه السماوات؟ البصر يرجع خاسئًا، ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾[الملك:2] ، ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾[الملك:3]، لا ترى فيها شقوق ولا فطور ولا نقص، ﴿ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ﴾[الملك:4]، هذه السماوات العظيمة، هذه الأراضي العظيمة التي لا يحيط الإنسان بأطرافها، لا تساوي شيء بالنسبة لعظمة الخالق، الله تعالى يطوي السماوات بيمينه، ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾[الأنبياء:104] بل الله تعالى يجعل السماوات كلها في إصبعه يوم القيامة، والأرضين في إصبع، والشجر على إصبع والماء على إصبع وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن بيده ثم يقول "أين الملك" هذه السماوات العظيمة يضعها الرب على إصبع، والأراضين العظيمة يضعها على إصبع، عظمة هذا الخالق، عظيم، لا يحيط به الخلق، ولا يبلغ الخلق شيئًا من أن يحيطوا به سبحانه، وفي حديث أبي ذر: «ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردله في يدِ أحدكم»، السماوات السبع والأراضي السبع كلها، خردلة الحبة الصغيرة، معلوم أن الإنسان الحبة الصغيرة يتصرف فيها، إن شاء قبضها وإن شاء وضعها، يتصرف فيها، فهذه السماوات العظيمة والأراضين في كف الرحمن كخردله، كحبة صغيرة، ما أعظم هذا الرب سبحانه وتعالى! ما أجلَّه! ما أعظمه! ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾[الحج:74]، وما عظموه حق عظمته، من أشرك به وعبد غيره، إن في السماوات والأرض كما قال الحافظ رحمه الله: ما في السماوات من الملائكة ومن النجوم ومن الكواكب التي لا يعلمها إلا الله، ومن الملائكة، وهذه الأرضين وما فيها من البحار والأشجار والثمار والطيور والأزهار والسباع والهواء، كيف ينبت الله النبات، جعل الله الأرض ذلولًا للناس، قارة ثابتة ينامون عليها ويحفرون ويسافرون، وهذه البحار العظيمة وما فيها من المخلوقات العظيمة وأنواع المخلوقات من الحوت والأسماك، فيها أمم عظيمة في البحار، بعض الحوت عظيم يكون مسافات عبارة عن بلد، ويكون ظهر بعض الحوت على الأرض وتسفو عليها الرمال ويكون جزيرة كاملة، ويتحرك تتحرك الجزيرة كأنها زلزال، على ظهر هذا الحوت بلد كامل، العنبر الذي جزرَ عنه البحر وأخذه الصحابة رضوان الله عليهم في سرية أبي عبيدة لما كانوا في سرية وأصابهم جوعٌ شديد، حتى أن سرية كاملة ما عندهم إلا جرابٌ من تمر فقط، ماذا يعمل؟ جيش ليس لديهم إلا جراب من تمر، ماذا يعمل القائد؟ القائد هذا يوزع عليهم كل يوم تمرة واحدة، ماذا يعملون بها؟ سؤل الصحابة قال: "نمصها كما يمص الصبي الماء"، كأنها حلاوة يتطعم بها لا يأكلها مرة واحدة يمصها ويصب عليها الماء، ويضربون الخبط بالأرض ويأكلون من الحشائش حتى تقرحت أفواههم، مشوا على هذه الحال رزقهم الله حوت العنبر، أقبلوا على البحر فإذا كالجبل حوت كأنه جبل، كالجبل من عظمته، فلما أقبلوا فإذا هو العنبر جزر في الماء، ميت، والصحابة قالوا الآن نحن رسل رسول الله وقد أصابنا الجوع نأكل، لا يعرفون حكمه، نأكل وإن كان ميت، النبي أقرهم بعد ذلك، قال: «هل معكم من شيء؟» قالوا: لا، أقرهم على أكله، فأكلوا منه شهرًا كاملًا، وكانوا لا يقلوا من ثلاثمئة، قال حتى سمنوا، حصل لهم سمن، وحتى أن أبو عبيدة أوقف على قحف عينه ما يقارب من ثلاثة عشرة رجلًا، يغرفون الدلاء من الدهن والسمن بئر، عينه كأنها بئر، دلاء يغرفون منها السمن، ولما أكلوا أوقع ضلع من أضلاعه ركبَ راكبٌ على البعير ومرَّ من تحت الظلة، مسافة مرتفع، هذا رزق رزقه الله الصحابة، ﴿إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[الجاثية:4]، في خلقكم أيها الناس، في خلق الإنسان، لو تدبر الإنسان في خلقه لوجد في خلق هذا الإنسان العجب العجاب، هذا الإنسان هو أعجوبة، مكون من جسم وروح وعقل، له عقل له أفكار له أحاسيس، يأكل ويشرب وينام ويبول ويتغوط ويغضب ويرضى ويبيع ويشتري ويتصرف تصرفات عجيبة، فهذا الإنسان هو أعجوبة العجائب، ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾[الذاريات:21]

﴿وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[الجاثية:4]، خلق الله من الدواب بأنواعها في الأرض ﴿آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾، آيات دلائل على قدرة الله ووحدانيته، لكن ليس لكل لقوم يوقنون، من كان عنده يقين وإيمان، إيمانٌ صادق ويقينٌ لا يتطرق إليه الشك، هو الذي يعتبر ويتدبر، ﴿وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[الجاثية:5]، اختلاف الليل والنهار، الليل يعقبه النهار والنهار يعقبه الليل، ﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾[يس:40] ﴿وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ﴾[الجاثية:5]، من مطر، سماه رزق لأن به يكون الرزق، به النبات ﴿فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾[الجاثية:5]، كما ذكر المؤلف الحافظ رحمه الله شرقية وغربية ودبور وصبا، منها ما هو غنى ومنها ما هو عقيم، الريح العقيم مهلكة، أرسلها الله على قوم عاد، هي رياح منقحة للسحاب، ﴿آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[الجاثية:5]، عندهم عقول ترشدهم، عقولٌ سليمة ترشدهم إلى التأمل والتدبر، قال في الآية الأولى يؤمنون والثانية يوقنون والثالثة يعقلون، قال المؤلف يعني يؤمن أولًا ثم يوقن ثانيًا ثم يعقل ثالثًا.

الطالب: الأشاعرة يثبتون الكلام لما ينفون ذلك؟

الشيخ: هم يثبتون هو من الصفات السبع لكن لا يثبتونها على حقيقتها، هذا من الصفات السبع التي يثبتونها الأشاعرة، لكن ما يثبتونها على حقيقتها، قالوا هكذا أن الكلام معنى قائم بالنفس، ويستدلون بقول الأخطل النصراني:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما          جعل اللسان على الفؤاد دليلا

هذا نصراني متأخر كيف نحتجب بقوله! هو متأخر أيضًا ولا يحتج بالمتأخرين، يقولون الكلام في الفؤاد في النفس، أما الحروف الصادرة دليل عليه، كذلك القرآن يقولون هذا دليل على القرآن، القرآن في نفس الله لكن هذا دليل عليه.

الطالب: (يَقُولُ تَعَالَى: هَذِهِ آيَاتُ اللَّهِ -يَعْنِي الْقُرْآنَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْحُجَجِ وَالْبَيِّنَاتِ-{نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} أَيْ: مُتَضَمِّنَةً الْحَقَّ مِنَ الْحَقِّ)

الشيخ: متضمنة الحقَ من الحق وهو الله سبحانه وتعالى، ﴿أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾[النور:25].

الطالب: (فَإِذَا كَانُوا لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَلَا يَنْقَادُونَ لَهَا، فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ؟!)

الشيخ: تلك آيات الله وحججه وبراهينه، ({نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ}) الصدق لأنها نزلت من الحق سبحانه وتعالى، (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ؟!) نعم إذا كانوا لا يؤمنون بالقرآن الذي هو كلام الله فأيُّ حديثٍ يؤمنون به! إذا كانوا لا يصدقون ربهم فمن يصدقون!

الطالب: (ثُمَّ قَالَ: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} أَيْ: أَفَّاكٍ فِي قَوْلِهِ كَذَّابٍ، حَلَّافٍ مَهِينٍ أَثِيمٍ فِي فِعْلِهِ وَقِيلِهِ (1) كَافِرٍ بِآيَاتِ اللَّهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ} أَيْ: تُقْرَأُ عَلَيْهِ {ثُمَّ يُصِرُّ} أَيْ: عَلَى كُفْرِهِ وَجُحُودِهِ اسْتِكْبَارًا وَعِنَادًا {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} أَيْ: كَأَنَّهُ مَا سَمِعَهَا، {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [أَيْ] (2) فَأَخْبِرْهُ أَنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابًا أَلِيمًا مُوجِعًا.)

الشيخ: والويل شدة العذاب والهلاك، وقيل وادٍ في جهنم ولكن هذا فيه ضعف، شدة العذاب، الهلاك هو العذاب، لكل أفاك كثير الإفك والكذب والافتراء والظلم والكفر، أثيم كثير الإثم، وأعظم الإثم هو الكفر بالله عزَّ وجلَّ، ({وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}) ولهذا قال: ({يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا}) يسمع الآيات ثم ينكرها، يصر مستكبر، منعه الكبر، لا لشيء يمنعه ولكن الذي يمنعه هو الكبر والعياذ بالله، ﴿لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ﴾[لقمان:7]، في الآية الأخرى ({وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا}) كأنه ما سمعها وكأن في أذنيه وقرا، هذا هو شدة العناد، أفاك كثير الإفك والتكذيب والكذب، أثيمٌ قلبه وأثيمٌ في فعله وأثيمٌ في قوله، يسمع آيات الله عليه ثم يصر مستكبر، منعه الكبر كأن لم يسمع، كأنه ما سمع، ({فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}) البشارة تأتي بالخير وتأتي بالشر، غالبًا تأتي بالخير، وتأتي بالشر، فبشره بشارة سوء، ({فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}) عذاب موجع وهو عذاب الآخرة، والعذاب في النار السرمدي، ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾[الأعراف:41]، نسأل الله السلامة والعافية.

الطالب: ({وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا} أَيْ: إِذَا حَفِظَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ كَفَرَ بِهِ وَاتَّخَذَهُ سُخْرِيًّا وَهُزُوًا، {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} أَيْ: فِي مُقَابَلَةِ مَا اسْتَهَانَ بِالْقُرْآنِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ؛ وَلِهَذَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إن يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ (3)).

الشيخ: هذا حاله إذا تتلى عليه آيات الله ولى مستكبرًا كأن لم يسمعها، وإذا علم شيئًا من القرآن أو حفظه لا يحفظه لنفسه بل ليتخذه هزوًا ليستهزئ به، وإذا اتخذها هزوا ({أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}) هذا العذاب يجعلهم في إهانة في حقارة وذل، كما كانوا في الدنيا يعتقدون أنهم في عز وفي غلبة فالله تعالى أهانهم وأذلهم، الحديث الذي ذكره مالك إن النبي نهى أن نسافر بالقرآن للعدو لأن لا تناله أيديهم، لألا يمتهنونه، الآن القرآن موجود عند الكفرة، بل يقرؤونه في إذاعاتهم، ويسافرون بالقرآن من يسافر إلى بلاد الكفار يأخذ المصحف معه وليس عليه خطر الآن، لأنه موجود عندهم، الحديث نهى النبي مخافة، يوجد علة، إذا وجدت العلة نعم، نهى أن يسافر بالقرآن إلى العدو مخافة أن تناله أيديهم فيمتهنونه، لكن إذا زالت العلة هنا وصار في بلاد الكفار من هم طوائف من المسلمين فهم محتاجون إلى أخذ القرآن معهم، والعلة منتفية.

الطالب: (ثُمَّ فَسَّرَ الْعَذَابَ الْحَاصِلَ لَهُ يَوْمَ مَعَادِهِ (4) فَقَالَ: {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} أَيْ: كُلُّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ سَيَصِيرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا} أَيْ: لَا تَنْفَعُهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ، {وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ} أَيْ: وَلَا تُغْنِي عَنْهُمُ الْآلِهَةُ الَّتِي عَبَدُوهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ شَيْئًا، {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ})

الشيخ: من ورائهم جهنم يعني أمامهم، وراء تطلق على الوراء والأمام، يعني أمامهم جهنم في المستقبل، سوف يصبح من ورائهم جهنم، ({وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا}) ما كسبوا من الأموال والأولاد لا تغني ولا تنفعهم عند الله، ولا ما اتخذوا من أولياء ألهه لا تنفعهم، ({وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}) اتصف بالعظمة وبالآية التي قبلها وصفه تعالى بالمهين، وفي الآية التي قبلها بالأليم، عذابٌ أليم، عذاب مهين، وعذابٌ عظيم، نسأل الله السلامة والعافية.

الطالب: (ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {هَذَا هُدًى} يَعْنِي الْقُرْآنَ {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} وَهُوَ الْمُؤْلِمُ (5) الْمُوجِعُ.)

الشيخ: هذا هدى، هدى للقلوب، هدى للقلوب من الحيرة، يهدي به الله من اتبع الرسول هداية للمتقين والمؤمنين، أما الكفار في آذانهم وقر وعليهم العمى: ({وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ}) له عذاب من رجز أليم يقلقهم، هذه الآية الرابعة، الأولى عذابٌ أليم والثانية عذابٌ مهين والثالثة عذابٌ عظيم والرابعة عذابٌ من رجزٍ أليم، الرجز موجع مقلق، لا يقر لهم قرار ولا يرتاحون ولا يسكنون، ولهذا من شدة ما أصابهم يطلبون مالك خازن النار، ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾، اسأل ربك أن يقضي علينا فنموت، ﴿قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾[الزخرف:77]، نسأل الله السلامة والعافية.

الطالب: ما الرجز المؤلم؟

الشيخ: الأقرب المقلق لأن المؤلم سبق لهم عذاب أليم، مؤلم، وهنا والله أعلم مقلق، والتأسيس مقدم على التأكيد، عذابٌ أليم مؤلم يصبح مؤكد للآية الأولى، مقلق هذا معنىً جديد، وصف، تكون الأوصاف عذابٌ أليم وعذابٌ مهين وعذابٌ عظيم وعذابٌ من رجزٍ أليم، مقلق، نسأل الله السلامة والعافية.

الطالب: ({اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)}

{قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)}

يَذْكُرُ تَعَالَى نِعَمَهُ عَلَى عَبِيدِهِ فِيمَا سَخَّرَ لَهُمْ مِنَ الْبَحْرِ {لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ}، وَهِيَ السُّفُنُ فِيهِ بِأَمْرِهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ الْبَحْرَ أَنْ يَحْمِلَهَا {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} أَيْ: فِي الْمَتَاجِرِ وَالْمَكَاسِبِ، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أَيْ: عَلَى حُصُولِ الْمَنَافِعِ الْمَجْلُوبَةِ إِلَيْكُمْ مِنَ الْأَقَالِيمِ النَّائِيَةِ وَالْآفَاقِ الْقَاصِيَةِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} أَيْ: مِنَ الْكَوَاكِبِ وَالْجِبَالِ، وَالْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَجَمِيعِ مَا تَنْتَفِعُونَ بِهِ، أَيِ: الْجَمِيعُ مِنْ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ وَامْتِنَانِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {جَمِيعًا مِنْهُ} أَيْ: مِنْ عِنْدِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النَّحْلِ: 53].

وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} كُلُّ شَيْءٍ هُوَ مِنَ اللَّهِ، وَذَلِكَ الِاسْمُ فِيهِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ، فَذَلِكَ جَمِيعًا مِنْهُ، وَلَا يُنَازِعُهُ فِيهِ الْمُنَازِعُونَ، وَاسْتَيْقَنَ أَنَّهُ كَذَلِكَ.)

الشيخ: نعم لا شك، لكن هل هذا اسم من أسماء الله؟

الطالب: (وَذَلِكَ الِاسْمُ)

الشيخ: أين الاسم؟

الطالب: (وَذَلِكَ الِاسْمُ فِيهِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ)

الشيخ: ما مرَّ اسم الآن، هل مرَّ اسم؟

الطالب: لا.

الطالب: (وَذَلِكَ الِاسْمُ فِيهِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ، فَذَلِكَ جَمِيعًا مِنْهُ، وَلَا يُنَازِعُهُ فِيهِ الْمُنَازِعُونَ، وَاسْتَيْقَنَ أَنَّهُ كَذَلِكَ.

وَقَالَ (1) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَف الْعَسْقَلَانِيُّ، حَدَّثَنَا الفِرْياني، عَنْ سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ المِنْهال بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي أَرَاكَةَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ؟ قَالَ: مِنَ النُّورِ وَالنَّارِ، وَالظُّلْمَةِ وَالثَّرَى. قَالَ وَائْتِ ابْنَ عَبَّاسٍ فَاسْأَلْهُ. فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَسَلْهُ: مِمَّ خُلِقَ ذَلِكَ كُلُّهُ؟ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ، فَتَلَا {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} هَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ، وَفِيهِ نَكَارَةٌ.)

الشيخ: نعم من جهة أنه مخلوق من النار والنور والظلمة، الله تعالى خلق آدم من تراب، من طين من الأرض: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا﴾[الأنعام:2]، لا يوجد مخلوق من نار ونور هذا نكارة، هذه الآية فيها امتنان على الله تعالى على عباده، ({اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) }) هذا امتنان الله على عباده سخر لهم البحر ينتفعون فيه بالسفن والمراكب وأخذ الحيتان والأسماك، ({لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ}) تجري الفلك فيه وينتقل من مكان إلى مكان، والآن صار يوجد سفن كبيرة عظيمة كأنها مدن، كان في الأول سفن ولكن في العصر صارت سفن كأنها مدن تنتقل من مكان إلى مكان، تحمل فيها البضائع الثقيلة الكثيرة التي لا يتصور الإنسان عظمها وكثرتها، ({اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) }) لعلكم تشكرون الله على هذه النعم، ({وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ})، جميع ما في السماوات وما في الأرض منه، السماوات سخرها وما فيها من الكواكب والهواء، والأراضين وما فيها من بحار والأنهار والأشجار والثمار والزروع والطيور، ({وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ})، عبر ودلائل ({لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) }) لهم عقولٌ ترشدهم إلى التفكر، أما الغافل فإنه لا ينتفع، وكذلك المكذب.

هذا الحديث هل يوجد تعليق عليه؟

الطالب: قال تحت قال هذا أثرٌ غريب وفيه نكاره، المحشي قال أبو أراكة لم أقف على ترجمته، وضعف متنه الحافظ ابن كثير، وأخرجه عبد الرزاق من طريق حميدٍ الأعرج أن رجلًا جاء إلى عبد الله بن عمرو بن العاص.

الشيخ: عمرو بن العاص يأخذ عن بني إسرائيل.

الطالب: (وَقَوْلُهُ: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} أَيْ: يَصْفَحُوا عَنْهُمْ وَيَحْمِلُوا (2) الْأَذَى مِنْهُمْ. وَهَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، أُمِرُوا أَنْ يَصْبِرُوا عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ لِتَأْلِيفِ قُلُوبِهِمْ (3)، ثُمَّ لَمَّا أَصَرُّوا عَلَى الْعِنَادِ شَرَعَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ الْجِلَادَ وَالْجِهَادَ. هَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةَ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ [فِي قَوْلِهِ] (4) {لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} لَا يُبَالُونَ (5) نِعَمَ اللَّهِ.

وَقَوْلُهُ: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أَيْ: إِذَا صَفَحُوا (6) عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ اللَّهَ مُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ فِي الْآخِرَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} أَيْ: تَعُودُونَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُعْرَضُونَ بِأَعْمَالِكُمْ [عَلَيْهِ] (7) فَيَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا.)

الشيخ: ({قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ}) وهم الكفار، لا يرجون من أيام الله، لا يؤمنون، لا يرجون البعث ولا يرجون لقاء الله، أمر الله تعالى المؤمنين أن يغفروا لهم وأن يصفحوا عنهم في أول الإسلام، ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ﴾[الزخرف:89]، أعرض عن المشركين، هذا قبل أن يُشرع الجهاد، لما كان المسلمين قليل ثم شرع الله الجهاد فنزلت الآية: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾[الحج:39] ، قل للذين آمنوا قل يا محمد للذين آمنوا يغفروا للكفار ويصفحوا عنهم، ولا يقاتلونهم ويصبرون على أذاهم، ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ﴾، ({لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}) إن الله سوف يجازيهم يوم القيامة بما كسبت قلوبهم وأعمالهم، فأنتم أيها المؤمنون اصفحوا عنهم في الدنيا والله تعالى مجازيهم في الآخرة، ({لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}) ولهذا قال: ({مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا})، من عمل صالحًا فعمله لنفسه سوف يجده عند الله، ({وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا})،  من أساء فعلى نفسه، ({ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ})، الرجوع والمآل إلى الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة، وهو الذي يتولى سبحانه وتعالى الحكم بنفسه، فهو الحاكم لا معقب لحكمه، يحكم بين عباده في الدنيا بشرعه، بما أنزله على رسله من الكتب والأحكام، ويحكم أيضًا على عباده في قضاءه وقدره، ما يقدره من التقادير والمصائب وغيرها، هذا حكم من الله، حكم قدري لا أحد يستطيع رده، حكم الله نافذ، ويحكم سبحانه وتعالى بين عباده بالجزاء بنفسه يجازيهم في الآخرة، يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ({ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}).

الطالب: الله اسم من أسماء الله؟

الشيخ: الله أعظم الأسماء، كل الأسماء كلها تأتي في وصف الله، أعرف المعارف وأعظم الأسماء الله سبحانه وتعالى، والاسم الأعلى الأعظم، ولا يستطيع أحدٌ من الكفرة أن يتسمى به لا فرعون ولا غيره ما تسمى به، تسمى مسيلمة بالرحمن، ولذا لصق به اسم الكذب، لما تسمى باسم الرحمن فقيل مسيلمة الكذاب، كل الكفرة كذبوا العنسي في اليمن ادعى النبوة ولم يقال العنسي الكذاب لأنه ما تسمى بالرحمن، ومسيلمة لصق به اسم الكذب فلا يذكر إلا يذكر به، مسيلمة الكذاب، والعنسي كذاب وكل من ادعى كذاب، لكن لصق اسم الكذب بمسيلمة لأنه تسمى بالرحمن، أما الله ما أحد سمى باسم الله أبدًا، وهو أعظم الأسماء، والأسماء كلها وصفٌ له،  ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ﴾[الحشر:23]، ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ﴾[الحشر:24] كل الأسماء بعده تأتي وصف له، إلا في موضعٍ واحد في سورة إبراهيم ﴿الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ ﴿اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾[إبراهيم:1-2].

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد