الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره العظيم: تفسير سورة الجاثية.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
({وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)}.
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ قَوْلِ الدَّهْرِيَّةِ مِنَ الْكُفَّارِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ فِي إِنْكَارِ الْمَعَادِ: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا}.
أَيْ: مَا ثَمَّ إِلَّا هَذِهِ الدَّارُ، يَمُوتُ قَوْمٌ وَيَعِيشُ آخَرُونَ وَمَا ثَمَّ مَعَادٌ وَلَا قِيَامَةٌ وَهَذَا يَقُولُهُ مُشْرِكُو الْعَرَبِ الْمُنْكِرُونَ لِلْمَعَادِ، وَيَقُولُهُ الْفَلَاسِفَةُ الْإِلَهِيُّونَ مِنْهُمْ، وَهُمْ يُنْكِرُونَ الْبُدَاءَةَ وَالرَّجْعَةَ، وَيَقُولُهُ الْفَلَاسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ الدَّوْرِيَّةُ الْمُنْكِرُونَ لِلصَّانِعِ الْمُعْتَقِدُونَ أَنَّ فِي كُلِّ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يَعُودُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا قَدْ تَكَرَّرَ مَرَّاتٍ لَا تَتَنَاهَى، فَكَابَرُوا الْمَعْقُولَ وَكَذَّبُوا الْمَنْقُولَ، وَلِهَذَا قَالُوا: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ} أَيْ: يَتَوَهَّمُونَ وَيَتَخَيَّلُونَ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الْأَمْرُ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ".
وَقَدْ أَوْرَدَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِسِيَاقٍ غَرِيبٍ جِدًّا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّمَا يُهْلِكُنَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَهُوَ الَّذِي يُهْلِكُنَا، يُمِيتُنَا وَيُحْيِينَا، فَقَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} قَالَ: "وَيَسُبُّونَ الدَّهْرَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ".
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ شُرَيْح بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ مِثْلَهُ: ثُمَّ رُوِيَ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ". وَأَخْرَجَهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ، بِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ: اسْتَقْرَضْتُ عَبْدِي فَلَمْ يُعْطِنِي، وسَبّنِي عَبْدِي، يَقُولُ: وَادَهْرَاهُ. وَأَنَا الدَّهْرُ"
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ": كَانَتِ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا إِذَا أَصَابَهُمْ شِدَّةٌ أَوْ بلاء أو نكبة، قالوا: يا خَيْبَةَ الدَّهْرِ. فَيُسْنِدُونَ تِلْكَ الْأَفْعَالَ إِلَى الدَّهْرِ وَيَسُبُّونَهُ، وَإِنَّمَا فَاعِلُهَا هُوَ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ] فَكَأَنَّهُمْ إِنَّمَا سَبُّوا، اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّهُ فَاعِلُ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ، فَلِهَذَا نُهي عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ الَّذِي يَعْنُونَهُ، وَيُسْنِدُونَ إِلَيْهِ تِلْكَ الْأَفْعَالَ. هَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ غَلِطَ ابْنُ حَزْمٍ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ فِي عَدِّهِمُ الدَّهْرَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، أَخْذًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد...
يقول الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ}، هذه المقالة مقالة الدهريين، الذين ينكرون البعث والمعاد، ثم قالت الفلاسفة الدهريين والفلاسفة الإلهيين، الذين ينكرون البعث والمعاد، وينكرون الرب، يقولون: لا بعث ولا معاد، بطون تدفع بالولادة، وأرض تدفع بالموت، ولا رب، ولا معاد، نعوذ بالله، ووافقهم بعض المشركين العرب في إنكار البعث والمعاد وإن كانوا يؤمنون بالربوبية.
{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}، ليس هناك زيادة عنها، {نَمُوتُ وَنَحْيَا}، ليس بعدها حياة أخرى، يقولون: {نَمُوتُ وَنَحْيَا}، (الواو) لا تأخذ الترتيب، يعني نحيى ونموت، ليس معنى {نَمُوتُ وَنَحْيَا}، نموت ونحيى بعد الموت، لا، المراد: نحيى ونموت، و(الواو) لا تأخذ الترتيب.
{نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ}، ما يهلكنا إلا مرور الدهر، مرور الليالي والأيام، وإلا فليس هناك رب ولا بعث ولا معاد، بطون تدفع بالولادة، وأرض تدفع بالموت، نعوذ بالله.
قال الله تعالى ردًا عليهم: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ}، ليس لهم بهذه المقالة بعلم، لا من الحس ولا من العقل ولا من الفطرة ولا من الشرع، وما كان كذلك لا يلتفت إليه في ميزان العقل، يقول الله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ}، إما من الحس، أو من الشرع، أو من العقل، أو من الفطرة، ليس عندهم شيء من ذلك.
{إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ}، تخرصات وأوهام، نسأل الله السلامة والعافية، هكذا فسدت عقولهم، في بعدهم عن النور الإلهي، حتى فسدت العقول والفطرة، نسأل الله السلامة والعافية، {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ}، إن هم إلا يخرصون.
وفي الحديث القدسي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: "يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ"، يعني وأنا خالق الدهر، ومدبر الدهر، ولذا قال: "وَأَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ"، فالسب إنما يقع على المدبر، والله تعالى هو مدبر الدهر وخالق الدهر، وقد خالف العلماء ابن حزم في عده الدهر من أسماء الله الحسنى، هذا من غلطه وأوهامه، فليس الدهر من أسماء الله، الدهر هو الليل والنهار، وإنما معنى الحديث: "وَأَنَا الدَّهْرُ"، أي: خالق الدهر، ومدبر الدهر، ومصرف الدهر، والرواية تفسر بعضها، وفي الحديث الآخر: "وَأَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ".
{إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ}، ليس عندهم إلا الظنون والتخرصات والأوهام، نسأل الله السلامة والعافية.
(وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} أَيْ: إِذَا اسْتُدِلَّ عَلَيْهِمْ وَبُيِّنَ لَهُمُ الْحَقُّ، وَأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ الْأَبْدَانِ بَعْدَ فَنَائِهَا وَتَفَرُّقِهَا، {مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أَيْ: أَحْيَوْهُمْ إِنْ كَانَ مَا تَقُولُونَهُ حَقًّا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ} أَيْ: كَمَا تُشَاهِدُونَ ذَلِكَ يُخْرِجُكُمْ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ، {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الْبَقَرَةِ: 28] أَيِ: الَّذِي قَدَرَ عَلَى الْبُدَاءَةِ قَادِرٌ عَلَى الْإِعَادَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.. {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الرُّومِ 27] ، {ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} أَيْ: إِنَّمَا يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُعِيدُكُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى تَقُولُوا: {ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} [التَّغَابُنِ: 9] (5) {لأيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ. لِيَوْمِ الْفَصْلِ} [الْمُرْسَلَاتِ: 12، 13] ، {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأجَلٍ مَعْدُودٍ} [هُودٍ: 104] وَقَالَ هَاهُنَا: {ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} أَيْ: لَا شَكَّ فِيهِ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} أَيْ: فَلِهَذَا يُنْكِرُونَ الْمَعَادَ، وَيَسْتَبْعِدُونَ قِيَامَ الْأَجْسَادِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [الْمَعَارِجِ: 6، 7] أَيْ: يَرَوْنَ وُقُوعَهُ بَعِيدًا، وَالْمُؤْمِنُونَ يَرَوْنَ ذَلِكَ سَهْلًا قَرِيبًا).
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)}.
هذه حجتهم إذا تليت عليهم آيات الله، وبين لهم أن الله تعالى يبعث الخلائق، قالوا:{ائْتُوا بِآبَائِنَا}، احضرهم عندنا الآن، قال الله تعالى:{قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ}، المدة التي قدر الله لكم تعيشون فيها، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ}، الجمع ليس الآن، وإنما يوم القيامة، الآن الذين ماتوا لا يرجعوا إلى الدنيا مرة أخرى، ولكن الله يبعثهم يوم القيامة، {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ}، الحياة التي قدر لكم أن تعيشون فيها في هذه الدنيا، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}، والذي قدر على البدء، قادر على الإعادة من باب أولى، ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾[الروم:27]، يعني هو هين عليه، و﴿أَهْوَنُ﴾ ليس معناها فاء تفضيل، بمعنى هين، يعني هو كله هين عليه، ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾[الروم:27]، فهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، وفي آية في سورة (ق): ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ﴾[ق:4]، يعني أن الله تعالى عالم بالذرات التي استحالت ترابًا، وقادر، وإذا كان عالمًا وقادرًا ومريدًا، فما الذي يمنعه، فليس هناك شيء يعجزه، فهو عالمٌ سبحانه عالم بالذرات التي استحالت، وقادر على إعادتها، فيجمعها ثم يبعثكم ويحييكم مرة أخرى، {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
ثم قال تعالى: ({وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)}.
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ مَالِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، الْحَاكِمُ فِيهِمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ {يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} وَهُمُ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ الْجَاحِدُونَ بِمَا أَنْزَلَهُ عَلَى رُسُلِهِ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالدَّلَائِلِ الْوَاضِحَاتِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَدِمَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الْمَدِينَةَ، فَسَمِعَ الْمُعَافِرِيَّ يَتَكَلَّمُ بِبَعْضِ مَا يَضْحَكُ بِهِ النَّاسُ. فَقَالَ لَهُ: يَا شَيْخُ، أَمَّا عَلِمْتَ أَنَّ لِلَّهِ يَوْمًا يَخْسَرُ فِيهِ الْمُبْطِلُونَ؟ قَالَ: فَمَا زَالَتْ تُعْرَفُ فِي الْمُعَافِرِيِّ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ، عز وجل. ذكره ابن أبي حاتم.
ثُمَّ قَالَ: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} أَيْ: عَلَى رُكَبِهَا مِنَ الشِّدَّةِ وَالْعَظَمَةِ، وَيُقَالُ: إِنَّ هَذَا [يَكُونُ] إِذَا جِيءَ بِجَهَنَّمَ فَإِنَّهَا تَزْفِرُ زَفْرَةً لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ، حَتَّى إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ، وَيَقُولُ: نَفْسِي، نَفْسِي، نَفْسِي لَا أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَحَتَّى أَنَّ عِيسَى لَيَقُولُ: لَا أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، لَا أَسْأَلُكَ [الْيَوْمَ] مَرْيَمَ الَّتِي وَلَدَتْنِي.
قَالَ مُجَاهِدٌ، وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: {كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} أَيْ: عَلَى الرُّكَبِ. وَقَالَ عِكْرِمة: {جَاثِيَةً} مُتَمَيِّزَةً عَلَى نَاحِيَتِهَا، وَلَيْسَ عَلَى الرُّكَبِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] قَالَ: "كَأَنِّي أَرَاكُمْ جَاثِينَ بِالْكَوَمِ دُونَ جَهَنَّمَ".
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ الْمَدِينِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَرْفُوعًا فِي حَدِيثِ الصُّورَةِ.
الشيخ:(فِي حَدِيثِ الصُّورَةِ).
الطالب: في نسخة (الصور).
الشيخ: ماذا بعده؟
الطالب: فَيَتَمَيَّزُ النَّاسُ وَتَجْثُو الْأُمَمُ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا}.
الشيخ: يعني نقرأ بالصور؟
الطالب: نعم، (وَهَذَا فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ: وَلَا مُنَافَاةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27)}، فالله تعالى مالك السموات والأرض، ويوم القيامة يخسر المبطلون، وهم المشركون، الذين أعمالهم باطلة وحابطة.
{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً}، أي جاثية على الركب، قيل:{جَاثِيَةً}، على الركب، وقيل: {جَاثِيَةً}، متميزة عن غيرها.
وفي حديث الصور، فيه أنه إذا نفخ في الصور، جثت الأمم على ركبها، هذا في حديث الصور، وليس الصورة، يقول الحافظ: أن هذا فيه جمع، فنقول أن الجثي على الركب هذا يكون حينما ينفخ في الصور.
ثم بعد ذلك تتميز كل أمة في ناحية، فيكون الجثي على الركب هذا في وقت الصور، والتميز بعد ذلك.
{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا}، كتاب الأعمال، يقال لهم: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ}. كتاب واضح مكتوب فيه كل شيء.
الطالب: الحديث الذي أشار إليه ذكره بطوله في سورة الأنعام، في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ﴾[الأنعام:73]، حديث إسماعيل بن رافع الطويل.
الشيخ: حديث إسماعيل بن رافع ضعيف، وكأنه جمعه من عدة الحديث، هل عندك هذا الحديث.
الطالب: نعم، طويل أحسن الله إليك، قال: (وَقَدْ رُوِّينَا حَدِيثَ الصُّورِ بِطُولِهِ، مِنْ طَرِيقِ الْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيِّ، فِي كِتَابِهِ "الطِّوَالَاتُ" قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِصْرِيُّ الأيْلي، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، خَلَقَ الصُّورَ فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ، شَاخِصًا بصرَه إِلَى الْعَرْشِ، يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الصُّورُ؟ قَالَ "القَرْن". قُلْتُ: كَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: "عَظِيمٌ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، إِنَّ عَظْمَ دَارَةَ فِيهِ كَعَرْضِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ. يُنْفَخُ فِيهِ ثَلَاثُ نَفَخَاتٍ: النَّفْخَةُ الْأُولَى نَفْخَةُ الْفَزَعِ، وَالثَّانِيَةُ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالثَّالِثَةُ نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).
الشيخ: نعم، هذا فيه ضعف، والصواب: أنها نفختان، نفخة الفرع والصعق واحدة، أولها فزع وأخرها فزع وموت، اذكر جزء التميز.
الطالب: ({وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس: 60 -64]، فَيُمَيِّزُ اللَّهُ النَّاسَ وَتَجْثُو الْأُمَمُ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الْجَاثِيَةِ: 28]).
الشيخ: هذا هو الشاهد، تحثوا الأمم، في حديث الصور، يعني يشير الله في هذا الحديث أنه تجثوا الأمم حينما ينفخ في الصور، ثم بعد ذلك تتميز كل أمة في ناحية، يكون فيه الجمع بين القولين، {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا}، قيل:{جَاثِيَةً}، على الركب، وقيل: {جَاثِيَةً}، متميزة. واستحسنها الحافظ، وفيه جمع بين القولين، أن جثوها على الركب حينما ينفخ في الصور، وتميزها يكون بعد ذلك، {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا}.
(وَقَوْلُهُ: {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} يَعْنِي: كِتَابَ أَعْمَالِهَا، كَقَوْلِهِ: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ} [الزُّمَرِ: 69] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أَيْ: تُجَازَوْنَ بِأَعْمَالِكُمْ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ. بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [الْقِيَامَةِ: 13 -15].
ثُمَّ قَالَ: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} أَيْ: يَسْتَحْضِرُ جَمِيعَ أَعْمَالِكُمْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الْكَهْفِ: 49].
وَقَوْلُهُ: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أَيْ: إِنَّا كُنَّا نَأْمُرُ الْحَفَظَةَ أَنْ تَكْتُبَ أَعْمَالَكُمْ عَلَيْكُمْ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: تَكْتُبُ الْمَلَائِكَةُ أَعْمَالَ الْعِبَادِ، ثُمَّ تَصْعَدُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَيُقَابِلُونَ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ فِي دِيوَانِ الْأَعْمَالِ عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمْ مِمَّا قَدْ أُبْرِزَ لَهُمْ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فِي كُلِّ لَيْلَةِ قَدْرٍ، مِمَّا كَتَبَهُ (13) اللَّهُ فِي الْقِدَمِ عَلَى الْعِبَادِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، فَلَا يَزِيدُ حَرْفًا وَلَا يَنْقُصُ حَرْفًا، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}).
قوله تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، يعني أنهم يجزون بأعمالهم، هذا الكتاب وهو كتاب الأعمال.{هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ}، يعني مكتوبٌ فيه كل شيء، مستنسخٌ فيه كل شيء، محضرٌ فيه كل شيء.
{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، يعني الملائكة الكتبة يكتبون أعمال العباد، والله تعالى حاضر وشاهد وعالم، لا يخفى عليه شيء، لكن لإقامة الحجة عليهم، فكل نفسٍ تجزى بما عملت، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وكتاب الأعمال محضر، تحضره الملائكة، ويقال لهم:{هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ}، ولذا قال تعالى في الآية: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ لا يترك كبيرة ولا صغيرة، ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾[الكهف:49]، {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
ثم بين أسفلها أن الناس انقسموا فرقين، مؤمنون وكفار، وكلٌ يجد عمله.
ثم قال تعالى: ({فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السمواتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)}.
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حُكْمِهِ فِي خَلْقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أَيْ: آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ وَعَمِلَتْ جَوَارِحُهُمُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَاتِ، وَهِيَ الْخَالِصَةُ الْمُوَافِقَةُ لِلشَّرْعِ، {فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} ، وَهِيَ الْجَنَّةُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِلْجَنَّةِ: "أَنْتِ رَحْمَتِي، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ". {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} أَيِ: الْبَيِّنُ الْوَاضِحُ.
ثُمَّ قَالَ: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ} أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا: أَمَا قُرِئَتْ عَلَيْكُمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ فَاسْتَكْبَرْتُمْ عَنِ اتِّبَاعِهَا، وَأَعْرَضْتُمْ عِنْدَ سَمَاعِهَا، {وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ} أَيْ: فِي أَفْعَالِكُمْ، مَعَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ مِنَ التَّكْذِيبِ؟
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا} أَيْ: إِذَا قَالَ لَكُمُ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، {قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ} أَيْ: لَا نَعْرِفُهَا، {إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا} أَيْ: إِنْ نَتَوَهَّمُ وُقُوعَهَا إِلَّا تَوَهُّمًا، أَيْ مَرْجُوحًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} أَيْ: بِمُتَحَقِّقِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} أَيْ: وَظَهَرَ لَهُمْ عُقُوبَةُ أَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ، {وَحَاقَ بِهِمْ} أَيْ: أَحَاطَ بِهِمْ {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أَيْ: مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ} أَيْ: نُعَامِلُكُمْ مُعَامَلَةَ النَّاسِي لَكُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ {كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} أَيْ: فَلَمْ تَعْمَلُوا لَهُ لِأَنَّكُمْ لَمْ تُصَدِّقُوا بِهِ، {وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِبَعْضِ الْعَبِيدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: "أَلَمْ أُزَوِّجْكَ؟ أَلَمْ أُكْرِمْكَ؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وتَرْبَع؟ فَيَقُولُ: بَلَى، يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقيّ؟ فَيَقُولُ: لَا. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي".
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} أَيْ: إِنَّمَا جَازَيْنَاكُمْ هَذَا الْجَزَاءَ لِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ حُجَجَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ سُخْرِيًّا، تَسْخَرُونَ وَتَسْتَهْزِئُونَ بِهَا، {وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} أَيْ: خَدَعَتْكُمْ فَاطْمَأْنَنْتُمْ إِلَيْهَا، فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا} أَيْ: مِنَ النَّارِ {وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أَيْ: لَا يُطْلَبُ مِنْهُمُ الْعُتْبَى، بَلْ يُعَذَّبُونَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عِتَابٍ، كَمَا تَدْخُلُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَذَابٍ وَلَا حِسَابٍ.
ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَهُ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ قَالَ: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السمواتِ وَرَبِّ الأرْضِ} أَيِ: الْمَالِكِ لَهُمَا وَمَا فِيهِمَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
ثُمَّ قَالَ: {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السمواتِ وَالأرْضِ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي السُّلْطَانَ. أَيْ: هُوَ الْعَظِيمُ الْمُمَجَّدُ، الَّذِي كَلُّ شَيْءٍ خَاضِعٌ لَدَيْهِ فَقِيرٌ إِلَيْهِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى الْعَظَمَةُ إِزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَسْكَنْتُهُ نَارِي". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ.
وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الْعَزِيزُ} أَيِ: الَّذِي لَا يُغَالَبُ وَلَا يُمَانَعُ، {الْحَكِيمُ} فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ.
آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْجَاثِيَةِ [وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ]).
هذه الآيات الكريمات فيها بيان جزاء المؤمنين والكفار، {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، الذين آموا بالله ووحدوا الله وأخلصوا العبادة وعملوا الصالحات بجوارحهم، صدقوا أقوالهم بأعمالهم، آمنوا ووحدوا، وعملت جوارحهم، فصارت أعمالهم مصدقةً لأقوالهم، {فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ}، وهي الجنة، الجنة هي رحمة الله، والرحمة تطلق على الرحمة المخلوقة وهي الجنة، وتطلق على الصفة القائمة بذاته سبحانه وتعالى.
{ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ}، هذا هو الفور المبين الواضح لكل أحد، وهو النجاة من النار، والحصول على مرضاة الله تعالى، والتمتع بدار كرامته.
{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}، فيوبخون ويعذبون، {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ}،
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)}، إذا قال لهم المؤمنون إن وعد الله حق، والساعة قائمة، قالوا: ليس عندنا يقين، عندنا ظن أو شك.
{وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا}، بدا لهم عاقبة ما علموا، {وَحَاقَ بِهِمْ}، نزل بهم، {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
{وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34)}، يعني يعاملكم معاملة المنسي، كما نسوا لقاء الله، ولم يعملوا لما ينجيهم من عذاب الله، عوملوا معاملة المنسي، {وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}، النار، هذا مقرهم ومستقرهم، ولا أحد ينصرهم ويدفع عنهم عذاب الله.
{ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}، اتخذوا آيات الله هزوًا، واغتروا بالحياة الدنيا، وأثروها على الآخرة، {فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا} ، بل هم مستمرون مقيمون، مخلدون في النار، {وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}، لا يقبل عتابهم ولا يقبل منهم اعتذار، بل هم مقيمون مستمرون أبدًا أبدًا، نسأل الله السلامة والعافية.
{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36)}، حمد نفسه سبحانه، فهو رب السموات ورب الأرض، والمالك لهما والمتصرف فيهما سبحانه وتعالى، ولا أحد يشاركه أو ينازعه في ذلك سبحانه وتعالى.
{وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ}، له السلطان والعظمة، {وَهُوَ الْعَزِيزُ}، القوي القادر الذي لا يغلبه أحد ولا يمانع، ولا يصل إليه أحدٌ بشيء، فهو سبحانه [00:45:45] عن خلقه، القوي، غالب، {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، في شرعه، وأقواله وأفعاله، وأوامره ونواهيه، سبحانه لا إله إلا هو.
الطالب: قوله: ({فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أَيْ: آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ وَعَمِلَتْ جَوَارِحُهُمُ)، إذا جمع بين الإيمان والعمل الصالح، هل يحمل.
الشيخ: آمنت قلوبهم، وصدقوا هذا الإيمان الذي في القلوب بعمل الجوارح، أدوا الصلاة والذكاة والصوم والحج، أما من ادعى الإيمان، فقلبه لا يعمل، لا ينفع، لابد من العمل؛ حتى يتحقق الإيمان، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون، إبليس مؤمن، لكن ليس لديه عمل يتحقق، كما أن المنافقين يعملون ويصلون ويصومون ويحجون، لكن ليس لديهم إيمان يصحح هذا العمل، فلا يصح الإيمان إلا بشيئين:
- إيمان في القلب يتحقق بالعمل.
- وعمل بالجوارح يصدق الإيمان الذي في القلب.
ولهذا قال: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.
الطالب: إذا جمع الإيمان والعمل الصالح، هل يحمل الإيمان على إيمان القلب؟
الشيخ: نعم، والعمل عمل الجوارح، وإذا أطلق الإيمان وحده، دخل فيه الأعمال.
الطالب: هل يقال أن هذا من عطف الخاص على العام؟
الشيخ: خاص؟
الطالب: عمل الجوارح خاص، والإيمان عام.
الشيخ: الإيمان يشمل الأمرين، لكنه إذا جمع بينهما افترقا، إذا اجتمعا افترقا.
الطالب: في الدرس الماضي طلبتم تخريج حديث عائشة رضي الله عنها: "إنما جعل الطواف بالبيت"،
الشيخ: نعم، ذكر أن فيه ضعف هنا.