شعار الموقع

العقيدة الطحاوية _20 من قوله وَنَرَى الجَمَاعَةَ حَقًّا وَصَوَاباً - إلى نهاية الكتاب

00:00
00:00
تحميل
165

| المتن|

الحث على الاجتماع والنهي عن التفرق والاختلاف([1])

وَنَرَى الجَمَاعَةَ حَقًّا وَصَوَاباً، والفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذَاباً.

| الشرح |

نعتقد أن الجماعة حق، وأنه يجب على الأمة أن تجتمع على الحق، وعلى إمام واحد، وأن يتبعوا ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وأن يعتصموا بحبل الله، كما قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [سورة آل عمران آية: 103] ؛ فعلى هذه الأمة الإسلامية أن تجتمع على الحق، وعلى كتاب الله وعلى سنة رسوله، وأن تعتصم بحبل الله ودينه، وليس لها أن تتفرق؛ فالفرقة زيغ وانحراف، والزيغ هو الانحراف عن الصراط المستقيم، وقد ذم الله المتفرقين والمختلفين كما في قوله: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [سورة آل عمران آية: 19]، وقال: وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۝ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [سورة هود آية: 118 - 119] وقال: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [سورة آل عمران آية: 105].  

والاختلاف والافتراق في الأمة الإسلامية ينقسم إلى قسمين([2]):

أولًا: اختلاف محمود، مرحوم أهله؛ وهو أن يقر المختلفون بعضهم بعضا في المسائل النظرية الاجتهادية، ولا يبغي بعضهم على بعض.

ومثاله: التنازع الذي حصل للصحابة في خلافة عمر وعثمان في بعض مسائل الاجتهاد، فيقر بعضهم بعضا، ولا يعتدى بعضهم على بعض.

ثانيًا: الاختلاف المذموم، وهو ألا يقر المختلفون بعضهم بعضا، بل يبغي بعضهم على بعض، إما بالقول؛ بتكفيره وتفسيقه، وإما بالفعل مثل: حبسه أو ضربه أو قتله، ومثال ذلك: الذين امتحنوا الناس في خلق القرآن، فإنهم ابتدعوا بدعةً وكفَّروا من خالفهم فيها، واستحلوا منع حقه وعقوبته.

الناس تجاه من خفي عليهم شيءٌ مما بعث الله به رسوله قسمان:

عادلون وظالمون، فالعادلون يعملون بما وصلوا إليه من آثار الأنبياء، ولا يظلمون غيرهم لا بكفره ولا بتكفيره ولا بتفسيقه ولا بحبسه ولا بضربه ولا بقتله، بل يقر بعضهم بعضا في المسائل النظرية الاجتهادية، وكالمقلدين لأئمة العلم، وهم عاجزون عن معرفة الحكم، فجلعوا أئمتهم نُوَّاباً عن الرسول ﷺ؛ فالعادل منهم لا يظلم الآخر، ولا يعتدي عليه. والظالمون: الذين يعتدون على غيرهم في قول أو فعل؛ وأكثرهم يظلمون مع علمهم بذلك، وهؤلاء ذمهم الله في كتابه، فقال: وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [سورة الشورى آية: 14].

أنواع الافتراق والاختلاف: ينقسم في الأصل إلى قسمين:

القسم الأول اختلاف تنوع:

وضابطه هو ألا يوجد في الاختلاف تناف أو تناقض بين الأقوال أو القولين، أو بين الأفعال أوالفعلين.

وله أنواع:

النوع الأول: ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقا مشروعا، مثاله: القراءات التي اختلف فيها الصحابة، حتى زجرهم النبي ﷺ وقال: كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ. ([3])، ومثل: اختلاف الأنواع في صفة الأذان، والإقامة، والاستفتاح، ومحل سجود السهو، والتشهد، وصلاة الخوف، وتكبيرات العيد، ونحو ذلك مما قد شُرع جميعه، وإن كان بعض أنواعه أرجح وأفضل.  

النوع الثاني: ما يكون كل من القولين هو في معنى القول الآخر، لكنَّ العبارتين مختلفتان، مثال ذلك: الاختلاف في مرجع الضمير في قول الله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ [سورة البقرة آية: 213]؛ ففي مرجع الضمير ثلاثة أقوال، قيل: الضمير راجع إلى الله، وقيل: راجع إلى الكتاب، وقيل: راجع إلى الرسول، والمعنى واحد، أي: ليحكم الله أو الرسول بما جاء عن الله، أو ليحكم الكتاب المنـزل من عند الله، ومثل: اختلاف كثير من الناس في ألفاظ الحدود والتعريفات، وصوغ الأدلة، والتعبير عن المسميات.

النوع الثالث: الاختلاف في الفروع الاجتهادية والظنية مثاله اختلاف سليمان وداود -عليهما الصلاة والسلام- في الحكم في الحرث الذي رعته غنم، كما قال الله تعالى: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ [سورة الأنبياء آية: 79]، ثم أثنى عليهما، وقال: وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [سورة الأنبياء آية: 79]، ومثل: الاختلاف في قطع الأشجار لبني النضير لما حاصر النبي ﷺ بني النضير -وهم طائفة من اليهود- فبعض الصحابة قطع بعض النخيل، وبعضهم أبقاه، قال: نبقيها، فقطع قوم آخرون؛ إغاظةً للعدو، وترك آخرون([4])؛ لأنه مالٌ سيعود إلى المسلمين؛ فالله تعالى أقر هؤلاء، وهؤلاء فأنـزل: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا [سورة الحشر آية: 5]، ولينة يعني: النخلة.

ومثال آخر: إقرار النبي ﷺ يوم بني قريظة لمن صلى العصر في وقتها، ولمن أخرها حتى وصل إلى بني قريظة إلى بني قريظة النبي ﷺ قال: لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ. ([5])؛ فأدركتهم الصلاة في الطريق، فاختلفوا، فقال بعضهم: نصلي، والرسول ﷺ إنما أراد منا الحث، وقد حضر الوقت، فصلى قوم، وقال آخرون: لا نصلي حتى نصل إلى بني قريظة، فلا نصل إلا بعد الغروب، ولم يصلوا العصر إلا بعد الغروب، فأقر النبي ﷺ هؤلاء وهؤلاء.

ومثال آخر: حديث: إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ. ([6]).

أما اختلاف التضاد، وهو أن يوجد تناف وتناقض بين الأقوال، أو القولين، أو بين الأفعال أو الفعلين.  

فهذا نوعان: نوع في الأصول والقطعيات، ونوع في الفروع والظنيات ففي الأصول كالتوحيد.

وهو نوعان: أحدهما لا يعذر فيه الإنسان، وهو ما حُمد فيه إحدى الطائفتين، وذُمت الأخرى، كما في قول الله تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ [سورة البقرة آية: 253].

وهو الاختلاف يؤدي إلى الإيمان والكفر، ومثله قوله سبحانه: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ [سورة الحج آية: 19]، ثم ذكر الذين آمنوا وعملوا الصالحات.  

ومثال آخر مما يعذر فيه الإنسان: وهو ما لم يعلم الشخص حكمه، كأن يشتبه عليه الأمر، وإن كان قطعياً، كتحريم الخمر -مثلاً- فهذا يُلحق باختلاف التنوع.

ومثاله: الرجل الذي استحل الخمر في زمن عمر فناقشه عمر حتى أقنعه، وهذا القسم لا يكون مذموما بالعصبية والهوى.  [لا بد أن  ينظر الشيخ] د. صادق

النوع الثاني: وهو في الفروع: كالمسائل الفقهية عند الجمهور، الذين يقولون: المصيب واحد، والخطب في هذا أشد؛ لأن القوليْن يتنافيان، فالفرق بين اختلاف التنوع بأقسامه واختلاف التضاد بقسميه؛ الفرق بينهما: أن اختلاف التنوع هو ما حمد فيه كل واحدة من الطائفتين، إذا لم يحصل بغي من إحداهما، والذم فيه واقعْ على من بغى على الآخر.  

وقد دل القرآن على حمد كل واحدة من الطائفتين إذا لم يحصل منهما أو من أحدهما بغي على الأخرى، كما في الأمثلة السابقة: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ [سورة الحشر آية: 5]، فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [سورة الأنبياء آية: 79]. ومن السنة إقرار النبي ﷺ بمن صلى العصر في وقتها أو في بني قريظة([7])، حديث: إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ. ([8]).  

القسم الثاني اختلاف تضاد: فهو ما حمدت فيه إحدى الطائفتين وذُمت الأخرى، كما في الأمثلة السابقة: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا [سورة البقرة آية: 253]، {هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار} [سورة الحج آية: 19]. 

متى يكون كل من أنواع اختلاف التنوع مذموما؟: إذا حصل فيه بغي على الآخر؛ ظلماً بسبب العصبية والهوى، أو بسبب الجهل، إما بالقول مثل: التفكير والتفسيق، أو بالفعل مثل: حبسه وضربه وقتله، ويكون محمودا إذا لم يحصل بغي.  

الخلاصة: أنه يُذَمُّ إذا حمل الهوى والعصبية والظلم على التشاحن والقتال، فاختلاف التنوع الذم فيه واقع على من بغى على الآخر؛ ظلماً بسبب؛ العصبية أو الجهل بالقول أو الفعل في أيٍّ القِسْمَيْن، فإذا آل الاختلاف فيه إلى التشاحن، والبغي بين الأمة، وإلى سفك الدماء واستباحة الأموال والعدواة والبغضاء، بسبب البغي والهوى والعصبية والظلم؛ فهذا إثم وحرامٌ؛ وذلك: أن إحدى الطائفتين لا تعترف بالأخرى فيما معها من الحق، ولا تنصفها، بل تزيد ما معها من الحق زيادات من الباطل، والأخرى، كذلك قال تعالى... الدليل: قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا [سورة البقرة آية: 213]، والبغي مجاوزة الحد، ومن السنة حديث أبي هريرة ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فإذا أَمَرْتُكُمْ بشيء فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذا نَهَيْتُكُمْ عَن شيء فَدَعوه. ([9])؛ فأمرهم بالإمساك عما لم يؤمروا، معللا بأن سبب هلاك الأولين إنما كان بكثرة السؤال، ثم الاختلاف على الرسل بالمعصية.  

أنواع الاختلاف في الكتاب العزيز من الذين يقرءونه:

الاختلاف في الكتاب العزيز على نوعين: اختلاف في تنـزيله، واختلاف في تأويله، وكلاهما فيه إيمان ببعض دون بعض.

النوع الأول: الاختلاف في تنـزيله، مثاله: اختلافهم في تكلم الله بالقرآن وتنـزيله، فطائفة قالت: هذا الكلام حصل بقدرة الله ومشيئته، لكنه مخلوق في غيره، لم يقم به؛ وهم الجهمية والمعتزلة، وطائفة قالت: بل هو صفة له، قائمة بذاته، ليس بمخلوق، لكنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته، وهم الكلابية، وكل من الطائفتين جمعت في كلامها بين حق وباطل، ومذهب أهل السنة مأخوذ من الحق الذي مع كل من الطائفتين، وهو: أن كلام الله صفة قائمة بذاته، ليس بمخلوق، وهو حاصل بقدرته ومشيئته.

النوع الثاني: الاختلاف في تأويله؛ ويكون في الأصول، ويكون في المسائل الفقهية، فيكون في المسائل الفقهية، كالاختلاف في قوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ [سورة المؤمنون آية: 4]. هل المراد بها تطهير النفس أو زكاة المال؟، ويكون في الأصول كاختلافهم في نصوص القدر، كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: خرج رسول الله ﷺ على أصحابه ذات يوم وهم يختصمون في القدر هذا ينـزع بآية وهذا ينـزع بآية فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان من شدة الغضب فقال: أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَوْ بِهَذَا بُعِثْتُمْ أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ. ([10]).

أما الاختلاف بين الأئمة في المعنى كاختلافهم في (الأقراء)، هل هي الحيض أو الأطهار، فهذا ليس ضرباً لكتاب الله بعضه ببعض، وأما اختلاف أهل البدع: فهو اختلاف في تأويله؛ مؤمنون ببعضه دون بعض؛ يقرون بما يوافق رأيهم من الآيات، وما يخالفه.

فلهم فيه طريقان:  

أحدهما: أن يتأوله تأويلا يحرفون به الكلم عن مواضعه.

الثاني: أن يقولوا هذا متشابه لا يفهمه أحد، ويجحد ما أنـزل الله من معانيه، وهو في معنى الكفر بذلك المعنى؛ إذ الإيمان باللفظ بدون معنى هو من جنس إيمان أهل الكتاب.  

ووجه الاستدلال: قال الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [سورة الجمعة آية: 5] يعني: في عدم الفهم والعمل، أو بعدم العمل فقط، وقال تعالى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [سورة البقرة آية: 78] أي: إلا تلاوةً من غير فهم معناه، ولا يشارك أهل البدع في هذا المؤمن الذي عمل بما فهم من القرآن، ووكل علم ما اشتبه عليه إلى الله؛ لأنه ما نفى أن يفهمه العالم، ولأنه امتثل ما أمر به النبي ﷺ بقوله: فَمَا عَرِفْتُمْ بِهِ فَاعْمَلُوا بِهِ وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالمِه. ([11]).  

| المتن |

الدين عند الله الإسلام([12])

وَدِينُ الله في الأرضِ وَالسَّماءِ وَاحِدٌ، وهُو دينُ الإسْلاَمِ، قال الله تعالى:  إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [سورة آل عمران آية: 19]، وقال تعالى: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [سورة المائدة آية: 3].

| الشرح |

دين الإسلام وسط بين الأديان، وبين الملل الأخرى، وهو عام لكل زمان ومكان، والدليل قول الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [سورة آل عمران آية: 19]، وقوله: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [سورة المائدة آية: 3]، وقوله : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [سورة آل عمران آية: 85]، ومن السنة ما في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ دِينُنَا وَاحِدٌ. ([13])، فدين الإسلام واحد، ودين الأنبياء واحد، فدين الإسلام هو دين آدم، وهو دين، وهود، وصالح، وشعيب، وإبراهيم، ولوط، وموسى، وعيسى، ومحمد، وجميع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.  

والمراد بدين الله الذي هو عام في كل زمان ومكان: معناهُ العام الشامل لجميع أديان الأنبياء، وذلك راجع لأصول العبادات، فدين الإسلام هو دين الأنبياء جميعا؛ لأن أصوله واحدة؛ وهو توحيد الله في أفعاله وفي أفعال العباد، والإيمان به -سبحانه- بأسمائه وصفاته ونفي الشرك والبُعد عنه، فالأنبياء كلهم اتفقوا في أصول العبادات، أي: في توحيد الله في: ألوهيته وربوببيته، وأسمائه وصفاته والإيمان بالأنبياء وتعظيم الأنبياء وتعظيم الأوامر والنواهي، هذا هو دين الإسلام.  

أما دين الإسلام بمعناه الخاص، فهو خاص بما جاء به محمد ﷺ من الشريعة، فإذا اختلفت الفروع، فالأنبياء دينهم واحد، كما قال النبي ﷺ: الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ. ([14]).

أما الشرائع فإنها تختلف، فكل شريعة تختلف عن الأخرى في الحلال والحرام كما قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً [سورة المائدة آية: 48]، ففي شريعة آدم يجوز للإنسان أن يتزوج أخته التي جاءت في بطن غير البطن الذي جاءت فيه أخته التي تحرم عليه؛ لأن حواء كانت تأتي بذكر وأنثى، فأخته التي جاءت معه في بطن واحدة؛ هذه حرام عليه، لكن أخته التي في بطن سابقٍ أو لاحقٍ؛ حلالٌ له؛ حتى تكاثر الناس، ثم بعد ذلك: حرّم زواج الأخت، ومن الأمثلة كذلك: ما كان في شريعة يعقوب من جواز الجمع بين الأختين وفي شريعتنا لا يجوز.   

فدين الإسلام بمعناه العام هو: توحيد الله والنهي عن الشرك وتعظيم الأوامر، وبمعناه الخاص هو: ما جاء به محمد ﷺ من الشريعة، فمعنى تنوع الشرائع؛ أن تفاصيل الدين من التكاليف ومن الأوامر والنواهي تختلف من شريعة لأخرى، كالاختلاف في بعض الواجبات أو المحرمات، ودليل ذلك قول الله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [سورة المائدة آية: 48].

أصل هذا الدين وسنده وفروعه:

الدين هو ما شرعه الله تعالى لعباده على ألسنة الرسل، وأصل هذا الدين وفروعه روايته عن الرسل بالوحي، ولا يكون بالعقل. فدينُ الإسلام، وسهولة تعلمه، وإمكان الدخول فيه بأقصر زمان ظاهرٌ غاية الظهور؛ يمكن لكل صغير، وكبير، وفصيح، وأعجمي، وذكي، وبليد، أن يدخل فيه بأقصر زمان.  

ودليل ذلك من الكتاب: قوله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [سورة القمر آية: 17]، وقال سبحانه: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ [سورة مريم آية: 97].

ودليل ذلك من السنة: قوله -عليه الصلاة والسلام-: إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ ([15])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: بُعِثْتُ بِالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحةِ. ([16])، وقال -عليه الصلاة والسلام-: قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ. ([17])، وكان الوفدُ الوافدُ إلى رسول ﷺ يتعلم الدين، ثم يولي في وقته، فالدين يتعلمه الإنسان في أقصر وقت؛ يتشهد شهادةَ الحق ويشهد لله بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة؛ فيدخل في الإسلام ويلتزم أحكامه، فيدخل الإنسان في هذا الدين في أقصر وقت -في لحظة- كما أنه يخرج من الدين بأقصر زمان، ولذلك أمثلة كثيرة منها:  

إنكار كلمة من القرآن، ككلمة التوحيد، يخرج بها من الإسلام، أو تكذيب الله، أو رسوله، أو لما جاء به الله ورسوله، يخرج عن الإسلام كذلك، وأيضاً: معارضته لله، أو لرسوله، أو لما جاء به الله، أو رسوله، أو ارتياب في قول الله، أو قول رسوله، أو كذب على رسوله، أو رد لما أنـزل الله، أو لما جاء به رسوله، أو شك فيما نفى الله عنه، فيخرج من الإسلام في أقصر زمان...؛ فالحاصل: أنه كما يدخل فيه في أقصر زمان فكذلك: يخرج منه في أقصر زمان.  

الحكمة في اختلاف تعليم النبي ﷺ للناس:

والحكمة في اختلاف تعليم النبي ﷺ للناس في بعض الألفاظ مراعاة الأحوال، أي: مراعاة حال من يتعلم، فإن كان الشخص الذي يأتي إلى النبي ﷺ بعيدَ الوطن، كضمام بن ثعلبة النجدي، ووفد عبدالقيس: علَّمهم ما لا يسعهم جهله، ويرسل إليهم من يفقهم فيما يحتاجون إليه، مع علمه بأن دينه ﷺ سينتشر في الآفاق.  

وأمَّا من كان منهم قريب الوطن، فيمكنه الإتيان كل وقت؛ بحيث يتعلم على التدريج، فإذا علم منه أنه عرف ما لا بد منه؛ أجابه بحسب حاله وحاجته، على ما تدل قرينةُ حالِ السائل، كقوله: قُلْ آمَنْتُ بِاللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ. ([18])، فقد كان النبي ﷺ يخاطبهم بحسب حالهم فمن كان عاقاً لوالديه -مثلاً-: أوصاه ببر الوالدين، ومن كان يكذب في الحديث: أجابه بصدق الحديث وهكذا.

| المتن |

دين الإسلام هو بين الغلو والتقصير([19])   

وَهُو بَيْنَ الغُلُوِّ والتَّقْصِيرِ.

| المتن|  وبيان ذلك: كغلو النصارى في عيسى النصارى؛ حتى جعلوه إلها، وقالوا: ابن الله فهذا الغلو قابلهم اليهود فَجَفَواً وقصروا، حتى قالوا: إن عيسى ابن زنا -والعياذ بالله-، ودينُ الإسلام وسط؛ فيقول: هو عبد الله ورسوله، ومثال ذلك أيضا: شخص يغلو في العبادة، ويرهق نفسه في فعل النوافل، وآخر يفرط في العبادة، ويضيعها فلا يصوم لله ولا يصلي. فدين الإسلام وسط: وهو الإتيان بالعبادة، كما أمر الله؛ من غير إفراط ولا تفريط.  

والأدلة على تحريم الغلو من الكتاب كثيرةٌ منها: قول الله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ [سورة المائدة آية: 77]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [سورة المائدة آية: 87].  

ومن السنة حديث: الرهط الذين سألوا عن عبادة رسول الله ﷺ في السر، فتقالُّوها، فقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فلما بلغ ذلك النبي ﷺ أنكر عليهم، وقال: لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي. ([20]).

| المتن |

دين الإسلام هو بين التشبيه والتعطيل ([21])    

وَبَيْنَ التَّشْبِيهِ والتَّعْطِيلِ.  

| الشرح |

توضيح ذلك: مثلاً: المشبهة -ويتزعمهم داود الجواربي وجماعته، وهشام بن الحكم الكندي، وهشام بن سالم الجواليقي، وهم من غلوا في التشبيه- قالوا: سمع الله كسمعنا، وبصره كبصرنا، حتى قال داود إن الله بكى، واشتكت عيناه فعادته الملائكة -والعياذ بالله-.

وقابلهم المعطلة من المعتزلة والجهمية الذين بالغوا في التنـزيه؛ فعطلوا الله من صفاته وأسمائه، فنفت المعتزلة الصفات، ونفت الجهمية الأسماء والصفات.

والحق الوسط مذهب أهل السنة وهو: أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير تشبيه كما تقول المشبهة ومن غير تعطيل كما تقول المعطلة إثبات من غير غلو وتنـزيه من غير غلو، إثبات بلا تشبيه وتنـزيه بلا تعطيل، ومما يرد به على الطائفتين قول الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [سورة الشورى آية: 11]؛ فقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [سورة الشورى آية: 11]، رد على المشبهة وقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [سورة الشورى آية: 11]، رد على المعطلة.

| المتن |

دين الإسلام هو بين الجبر والقدر([22])

وَبَيْنَ الجَبْرِ وَالقَدَرِ. وَبَيْنَ الأَمْنِ وَالإيَاسِ.

| الشرح |

الجبرية يقولون: إن العبد مجبور على أفعاله وأقواله، وهي بمنـزلة حركات المرتعش، وحركات الأشجار بالرياح. وهذا قول الجهم بن صفوان وأتباعه. وأمَّا القدرية فقالوا: إن أفعال العبد مخلوقة له وإن الله لم يقدرها ولم يردها. والحق الوسط هو مذهب أهل السنة الذين قالوا: إن الأفعال هي فعل العبد وكسبه، وهي خلق الله تعالى؛ فالذي ينسب إلى الله: الخلق والإيجاد، والذي ينسب إلى العبد: الكسب والاختيار والمباشرة.

| المتن |

دين الإسلام هو بين الأمن واليأس([23])

وَبَيْنَ الأَمْنِ وَالإيَاس.

| الشرح |

الأمن من مكر الله هو: عدم الخوف من الله، ومن عقوبته، فيسترسل في المعاصي، ويأمن مغبتها وإثمها وشرها، واليأس من روح الله هو: القنوط من رحمة الله، وإساءة الظن بالله؛ فهو لا يرجو ثواب الله ومغفرته ورحمته، بل هو يائس، قانط، متشائم، مسيء الظن بالله ، ومثل هذا محكومٌ عليه بالكفر؛ فاليائس من روح الله؛ كافر، كما قال تعالى: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [سورة يوسف آية: 87]، فالآمن من مكر الله خاسرٌ خسرانَ كُفْرٍ، قال الله تعالى: فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [سورة الأعراف آية: 99]، والحق والوسط هو أن يكون العبد خائفا من عذاب الله، راجياً رحمته؛ فإن الخوف والرجاء بمنـزلة الجناحين للطائر، في سيره لله -تعالى- والدار الآخرة.  

| المتن |

معتقد أهل السنة ما دلت عليه النصوص ظاهرا وباطنا

فَهَذَا دينُناً واعْتِقَادُناً ظَاهِراً وَبَاطِناً.

| الشرح |

أي: هذا ديننا واعتقادنا، قد جَلَيَّنَاهُ، ووضحناهُ في هذه العقيدة المختصرة؛ ليس فيه ظاهر يخالف الباطن، ولا باطن يخالف الظاهر، كما تقولهُ الباطنيةُ الزَّاعمون أن للنصوص بَوَاطِنَ تخالفُ ظواهرها، فمثلا: الباطنية يقولون: الصلوات الخمس، لها باطن ولها ظاهر؛ فظاهرها الصلوات الخمس التي يصليها الناس، وباطنها: تعداد أسماء خمسة من أئمتهم كالحسن، والحسين، وعلي، وفاطمة، والصيام له ظاهر: وهو ما يصومه عامة الناس، ولكن صيام الخاصة معناه: كتمان سر المشايخ، والحج له باطن وظاهر، فظاهره: حج الناس إلى بيت الله الحرام، وباطنه: الحج إلى قبور المشايخ، أما نحن -أهل السنة- فليس عندنا باطن يخالف الظاهر؛ فالظاهر يوافق الباطن، والباطن يوافق الظاهر؛ هذا ديننا واعتقادنا.

| المتن |

البراءة ممن يخالف العقيدة الصحيحة

وَنَحْنُ بُرَآءٌ إلى الله مِنْ كُلِّ مَنْ خَالَفَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وبَيَّنَّاهُ.

| الشرح |

ما خالف كل ما قررناه في هذه العقيدة الطحاوية، ومن خالفها؛ فإنَّا إلى الله منه براء فلا نعتقده ولا نعمل به.  

| المتن |

الدعاء بالثبات على الإيمان

وَنَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الإيمانِ، ويَخْتمَ لَنَا بِهِ، وَيَعْصِمَنَا مِنَ الأهْوَاءِ المُخْتَلِفَةِ، والآرَاءِ المُتَفَرِّقَةِ، وَالمَذَاهِبِ الرَّدِيَّةِ، مِثْلَ المشبَّهَةِ، والمعْتَزِلَةِ، والجَهْمِيَةِ، والجَبْرِيَّةِ، والقَدَرِيَّة وَغَيْرِهم، مِنَ الَّذِينَ خَالَفُوا السُّنَّةَ والجَمَاعَةِ، وَحَالَفُوا الضَّلالَةَ، ونَحْنُ مِنْهُم بَرَاءٌ، وَهُمْ عِنْدَنَا ضُلاَّلٌ وأَرْدِيَاءُ. وَبِالله العِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ.

| الشرح |

نسأل الله أن يعصمنا من الفتن والضلال، ونسأل الله أن يثبتنا على دينه وأن يجنبنا الأهواء والبدع والأهواء المردية المضلة.

| المتن |

أمثلة للمذاهب الردية

وَيَعْصِمَنَا مِنَ الأهْوَاءِ المُخْتَلِفَةِ، والآرَاءِ المُتَفَرِّقَةِ، وَالمَذَاهِبِ الرَّدِيَّةِ، مِثْلَ المشبَّهَةِ، والمعْتَزِلَةِ، والجَهْمِيَةِ، والجَبْرِيَّةِ، والقَدَرِيَّة وَغَيْرِهم، مِنَ الَّذِينَ خَالَفُوا السُّنَّةَ والجَمَاعَةِ، وَحَالَفُوا الضَّلالَةَ، ونَحْنُ مِنْهُم بَرَاءٌ، وَهُمْ عِنْدَنَا ضُلاَّلٌ وأَرْدِيَاءُ. وَبِالله العِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ.

| الشرح | 

هذه خمس طوائف، ونسأل الله أن يعصمنا من طريقتهم، وهم المشبهة والمعتزلة، والجهمية، والجبرية، والقدرية.

الْمُشَبِهَة

فالمشبهة هم الذين شبّهوا الله تعالى بالخلق في صفاته، ورءوس المشبهة هم: داود الجواربي، وهشام بن الحكم الكندي، وهشام بن سالم الجواليقي، وكان وقتهم في منتصف المائة الثالثة.  

وتشبيه المشبهة عكس تشبيه النصارى، فإن النصارى شبهوا المخلوق وهو عيسى -عليه الصلاة والسلام- بالخالق وجعلوه إلها، والمشبهة شبهوا الخالق بالمخلوق فانتقصوا الخالق وجعلوه مثل المخلوق، يقول أحدهم: لله يد كيدي، وسمع كسمعي، وبصر كبصري، واستواء كاستوائي.  

المعْتَزِلَة

أما المعتزلة فرءوسهم: عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء الغزال وأصحابهما؛ سُمُّوا المعتزلة؛ لأنهم اعتزلوا الجماعة من بعد موت الحسن البصري، أو لاعتزال شيخهم واصل بن عطاء مجلسَ الحسن البصري؛ فكانوا يجلسون معتزلين وقتهم، وكان ذلك في أوائل المائة الثانية، والذي وضع أصول الاعتزال وأسسه هو: واصل بن عطاء، وتابعه عمرو بن عُبيد، تلميذ الحسن البصري، والذي شرحه ووضحه هو أبو هُذيل العَلاَّف شيخ المعتزلة، فهو مجدد المذهب والمُفَرِّع له، حيث صنَّف لهم كتابين، وبيَّن مذهبهم وبناه على الأصول الخمسة، وكان ذلك في زمن هارون الرشيد.

أصول المعتزلة والمعاني التي ستروها تحت كل أصل والرد عليها: بنى مَذْهَبَهُم أبو هذيل العَلاَّف على خمسة أصول، وهي: العدل، والتوحيد، والمنـزلة بين المنـزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل أصل ستروا تحته معنًى باطلاً:

الأصل الأول: العدل: وقد ستروا تحته نفيَ القدر، وقالوا: إن الله لا يخلق الشر، ولا يقضي به؛ إذ لو خلقه فيهم، ثم عذبهم عليه لكان ذلك جوراً، والله عادل لا يجور.  

الرد عليهم: نقول: يلزمكم على هذا الأصل الفاسد، أن الله يكون في مُلْكه ما لا يريد، ويريد الشيء ولا يكون، ولازمه: وَصْفُ الله بالعجز -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا-.  

الأصل الثاني: التوحيد ستروا تحته نفي الصفات والقول بخلق القرآن، هذا معنى التوحيد عندهم، نَفْيُ الصفات والقول بخلق القرآن، إذ لو كان غير مخلوق؛ للزم تعدد القدماء.  

الرد عليهم:

يلزمكم على هذا القول الفاسد أحد أمرين:

الأول نفي بقية الصفات عن الله، كالعلم والقدرة وسائر صفاته، والقول بأنها مخلوقة فتلزمهم الشناعة والزور حيث نفوا ما أثبته الله لنفسه في القرآن.

والثاني: التناقض، ونفي صفة الكلام، وجعلها مخلوقة، وإثبات بقية الصفات !!

الأصل الثالث: إنفاذ الوعيد، وقد ستروا تحتها القول بخلود أهل الكبائر في النار.

الأصل الرابع: المنـزلة بين المنـزلتين وقد ستروا تحتها القول بأن مرتكب الكبيرة يخرج من الإيمان، ولا يدخل في الكفر؛ فكان في منـزلةٍ بين الإيمان والكفر.  

الرد عليهم: في الأصلين الآخرين؛ بحديث الشفاعة: أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ. ([24]).

فهذا الحديث يدل على أمرين:  

الأول: أنَّ معهم إيماناً؛ ففيه رد على الأصل الأخير، وهو قولهم بخروجهم من الإيمان بالمعصية.  

الثاني: أنهم أخرجوا من النار، ففيه رد على الأصل الثالث، وهو: قولهم بخلود العصاة في النار.

كما يُرَدُّ عليهم بقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [سورة النساء آية: 48]. وأما الأمر بالمعروف وهو الأصل الخامس، فستروا تحته: القول بأنه يجب عليهم أن يأمروا غيرهم ويلزموه بما وصلوا إليه باجتهادهم في الأمور النظرية الاجتهادية.

الرد عليهم: بحديث: لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُم الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ. ([25])؛ فاختلف الصحابة في اجتهادهم في فهم مراد الرسول ﷺ، فصلى بعضهم العصر في الطريق قبل الوصول، وقالوا: إن الرسول ﷺ أراد الحث على الإسراع، وقد فعلنا، وصلَّى بعضُهم بعد الوصول وخروجِ الوقت، فلم يعنف النبيُّ ﷺ أحدَ الفريقين؛ لأنها أمور نظرية؛ يشتبه أمرها.   

الأصل الخامس: وأما النهي عن المنكر، فستروا تحته جواز الخروج على الأئمة بالقتال؛ إذا جاروا وظلموا. والرد عليهم بحديث عوف بن مالك الأشجعي: خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ قَال: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ. ([26]) أخرجه مسلم.  

والمعتزلة مشبهة في الأفعال، معطلة في الصفات؛ فهم قاسوا أفعال الله على أفعال العباد، وجعلوا ما يحسن من العباد، يحسن منه تعالى، وما يقبح من العباد يقبح منه، وقالوا: يجب على الله أن يفعل كذا، ولا يجوز له أن يفعل كذا؛ بمقتضى ذلك القياس الفاسد؛ فالعباد خالقون لأفعالهم؛ إذ يقبح منه أن يخلقها، ثم يعذبهم عليها.  

الرد عليهم: إن السيد من بني آدم لو رأى عبيده تزني بإمائه ولا يمنعهم من ذلك، لَعُدَّ إما مستحسناً للقبيح، وإما عاجزاً، فكيف يصح قياس أفعاله سبحانه على أفعال عباده، لو كان العبادُ خالقين لأفعالهم؛ للزم عليه أن يكون الله مستحسناً للقبيح من أفعالهم، أو عاجزاً، وكلاهما محال على الله. فالأصل الأول والأصل الثاني عند المُعْتزلة من الأصول العقلية، والثلاثة الأخيرة: أصول شرعية.  

فالأصل الأول والثاني وهما: العدل والتوحيد؛ من الأصول العقلية التي لا يعلم صحة السمع إلا بعدها؛ لأنها عُرفت قبل الشريعة بالعقل؛ ولذا: يقولون لا حاجة للشريعة أو الكتاب والسنة في أصل التوحيد والعدل، والشريعة إنما جاءت مطمئنة وموضحة وموافقة لما جاء به العقل. وأما العقل: فهو كافٍ في المطلوب!! وإذا استدلوا على ذلك بأدلة سمعية فإنما يذكرونها لِلاعْتِضَادِ لا للاعتماد عليها؛ ولذلك قالوا: القرآن والحديث بمنـزلة الشهود الزائدين على النصاب، وبمنـزلة المدد اللاحق بعسكرٍ مستغنٍ عنه، وبمنـزلة من يتبع هواه، واتفق أن الشرع ما يهواه !

الرد عليهم:الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، والعمل يتبع قصد صاحبه وإرادته، وصلاح العمل متوقف على صلاح النية، وصلاح النية متوقف على العلم بالله والتصديق به، فلا يثاب الإنسان على ما وافق فيه الحق، بدون نية، إذا كان تابعا لهواه، ويعاقب على ما تركه من الحق، إذا كان متبعا لهواه.  

الجَهْمِيَّة

الذي أسس عقيدة نفي الصفات والأسماء هو الجعد بن درهم، وقتله خالد بن عبدالله القسري أميرُ العراق والمَشْرقِ بواسط؛ ضَحَّى به يوم الأضحى؛ وسبب قتله: أنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليما، وكان ذلك بعد استفتاء علماء زمانه من التابعين ثم إنَّ الذي أظهر مقالةَ الجعد بعده، هو: الجهم بن صفوان، الذي اتّصل بالجعد، وسبب ضلال الجهم: مناظرته قوماً من المشركين يقال لهم: السمنية من فلاسفة الهند، وهم الذين ينكرون من العلم ما سوى الحسيات، وبعد مناظرته لهم نفى الصفات، وشككوه في الله، وقالوا له: إلهك هذا الذي تعبد، هل تراه بعينيْكَ؟ قال: لا، قالوا: فهل تسمعه بإذنك؟ قال: لا، قالوا: فهل تشمه بأنفك؟ قال: لا، قالوا: فهل تذوقه بلسانك؟ قال: لا، قالوا له: فهل تحسه بيدك؟ قال: لا، قالوا: إذن هو معدوم.  

فشك في ربه، وترك الصلاة أربعين يوماً، ثم بعد الأربعين نقش الشيطان في ذهنه أن الله موجود وجودا ذهنيا، فأثبت وجودا لله في الذهن، وسلبَ عنه جميع الأسماء والصفات -نسأل الله السلامة والعافية- فَنُسِبتْ الجهمية لأجل ذلك إلى الجهم؛ لأنه هو الذي أظهر المذهب، ونشره ودافع عنه والذي قتله هو سَلْمُ بنُ أَحْوَزذ أمير خراسان: آخر ولاة بني أمية، بعد أن فشت مقالته في الناس.  

ثم تقلد نفي الصفات بعد الجهم، المعتزلة، ولكن الجهم أدخل في التعطيل منهم؛ لأنه ينكر الأسماء والصفات، وهم لا ينكرون الأسماء، بل ينكرون الصفات فقط.  

العقائد الذي اشتهر بها الجهم: اشتهر بأربع عقائد خبيثة:  

العقيدة الأولى: عقيدة نفي الصفات، وورثها عنه المعتزلة.  

العقيدة الثانية: عقيدة الجبر وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله، وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على سبيل المجاز، وورثها عنه الجبرية.

العقيدة الثالثة: عقيدة الإرجاء، وأن الإيمان هو: معرفة الرب بالقلب، والكفر هو: جهل الرب بالقلب، وورثها عنه المرجئة.

العقيدة الرابعة: القول بفناء الجنة والنار.  

اشتهار مقالة الجهمية: اشتهرت مقالة الجهمية حين امتُحن الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- وغيره من علماء السنة، في فتنة القول بخلق القرآن، وذلك في إمارة المأمون وخلافته، فإنهم قووا وكثروا، فإنه أقام بخراسان مدة واجتمع بهم، ثم كتب بالمحنة من طرسوس سنة ثمان عشرة ومائتين بسبب بشر بن غياث المردي وطبقته.  

سند مذهب الجهم: أصل مذهب الجهم مأخوذ عن المشركين والصابئة واليهود، إذ إن الجهم أخذ عن الجعد بن درهم، والجعد كان قد اتصل بالصابئة الفلاسفة من أهل حران، وأخذ شيئا من بعض اليهود المحرفين لدينهم المتصلين بلبيد، فأخذ الجعد([27]) عن أبان بن سمعان، وأبان أخذ عن طالوت، وطالوت أخذ عن خاله: لبيد بن أعصم اليهودي، الذي سحر النبي ﷺ([28])؛ فصار سند المذهب يتصل باليهود.  

نـزاع العلماء في الجهمية: هل هم من فرق الأمة الإسلامية أم لا؟ قد تنازع العلماء في الجهمية هل هم من الاثنتين والسبعين فرقة فيكونون من المبتدعة أم ليسوا منها فيكونون كفرةً، ومن فرق الكفرة؟ قيل: منهم، وقيل: ليسوا منهم، وقيل: غلاةُ الجهمية كفرة، وغير الغلاة مبتدعة، وذكر العلامة ابن القيم -رحمه الله- أنه كفَّر الجهمية َ خمسمائة عالم، فقال في الكافية الشافية:  

وَلَقَـدْ تَقَلَّّدَ كُفْرَهُم خَمْسُونَ فِي عَشْرٍ مِن العُلَمَاءِ فِي البُلْدَانِ
وَاللالكائيُّ الإمَام حَكَاهُ عنْـ ـهُم بَـلْ قَـد حَكَاه قَبْلَه الطَّبَرَانِي([29])

الجَبْرِيَّة([30]) 

الفرقة الرابعة الجبرية أصل قول الجبرية ورئيسهم؛ الجهم بن صفوان، وهو نظير واصل بن عطاء في الاعتزال، ومذهبهم: أن فعل العبد بمنـزلة طوله ولونه، وهم عكس القدرية؛ نفاة القدر، وإطلاق اسم القدرية عليهم؛ لأنهم غلو في إثبات القدر.  

الْقَدَرِيَّة([31]) 

أول من تكلم بالقدر معبد الجهني بالبصرة، وأخذ ذلك عنه غيلان الدمشقي، وكان ذلك في أواخر عهد الصحابة، ومذهبهم: أن الله لم يُقَدِّر أفعالَ العباد، ولا شاءها بل العباد هم الخالقون لأفعالهم، والموجدون للكفر والمعاصي، والطاعات والإيمان.  

والأحاديث الواردة في ذمهم كثيرة منها: حديث ابن عمر، عن النبي ﷺ أنه قال: الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ. ([32]).  

التحقيق في أحاديث ذم القدرية والفرق بينها وبين الأحاديث في ذم الخوارج: الصحيح أن الأحاديث التي هي في ذم القدرية كلها موقوفة، بخلاف الأحاديث الواردة في ذم الخوارج. فإن فيها في الصحيح وحده عشرة أحاديث، أخرج البخاري منها ثلاثة، وأخرج مسلم سائرها، والقدرية يشبهون بالمجوس؛ لأن كلا من الطائفتين قالت بتعدد الخالق، ولكن قول القدرية أردأ وأسوأ من قول المجوس؛ فإن المجوس اعتقدوا وجودَ خَالِقَين: واحد للشر، وآخر للخير، والقدرية اعتقدوا وجود خَالِقين أي: بعدد من يُوجِدْ فِعْلُهُ باختياره.

سبب ضلال هذه الفرق ومنشأ حدوث هذه البدع: منشأ حدوث هذه البدع المتقابلة أنها حدثت من الفتن المفرقة للأمة، كما ذكر البخاري في صحيحه عن سعيد بن المسيب قال «وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ الْأُولَى يَعْنِي مَقْتَلَ عُثْمَانَ فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ أَحَدًا ثُمَّ وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ الثَّانِيَةُ يَعْنِي الْحَرَّةَ فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ أَحَدًا ثُمَّ وَقَعَتْ الثَّالِثَةُ فَلَمْ تَرْتَفِعْ وَلِلنَّاسِ طَبَاخٌ»([33]).  

فالخوارج والشيعة حدثوا في الفتنة الأولى، والقدرية والمرجئة في الفتنة الثانية، والجهمية ونحوهم بعد الفتنة الثالثة، فصار هؤلاء المبتدعة يقابلون البدعة بالبدعة؛ فالشيعة غلو في علي، والخوارج كفروه، والمعتزلة غلو في الوعيد حتى خلدوا بعضَ المؤمنين في النار، والمرجئة غلو في الوعد حتى نفوا بعض الوعيد، والمشبهة غلو في الإثبات حتى وقعوا في التشبيه، والجهمية والمعتزلة غلو في التنـزيه حتى نفوا صفات الله تعالى، أو صفاته وأسمائه.

وسبب ضلال هذه الفرق: عدولهم عن الصراط المستقيم، الذي أمرنا الله باتباعه فقال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [سورة الأنعام آية: 153]، وقال: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [سورة يوسف آية: 108]؛ فلما عدلوا عن الصراط المستقيم، أحاطت بهم الفتن. فنشأت هذه الآراء المتضاربة، والعبد مضطر إلى سؤال الله الهداية؛ فاضطراره إلى سؤال الهداية فوق كل ضرورة، ولهذا شرع الله في الصلاة قراءتهم للقرآن في كل ركعة؛ لاحتياج العبد إلى هذا الدعاء العظيم، بالقدر المشتمل على أشرف المطالب وأجلها فأمرنا أن نقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [سورة الفاتحة آية: 6 - 7].

تشبيه من انحرف من العلماء ومن العباد:

قال طائفة من السلف: من انحرف من العلماء؛ ففيه شبه من اليهود، ولهذا تجد أكثر المنحرفين: من أهل الكلام من المعتزلة ونحوهم، فيهم شبه من اليهود، حتى أن علماء اليهود يقرءون كتب شيوخ المعتزلة ويستحسنون طريقتهم، وكذا شيوخ المعتزلة يميلون إلى اليهود، ويرجحونهم على النصارى.  

ومن انحرف من العُبَّادِ ففيه شَبَهٌ من النصارى؛ ولهذا تجد أكثر المنحرفين من العُبَّاد من المتصوفة ونحوهم، فيه شبه من النصارى، ولهذا يميلون إلى نوع من الرهبانية والحلول والاتحاد ونحو ذلك، ولهذا نرى شيوخ الصوفية ومن انحرف من العُبَّاد عموماً يذمون الكلام وأهله، وشيوخ أرباب الكلام، يعيبون طريقة العُبَّاد والصوفية، ويصنفون في ذم السماع والوجد، وكثير من الزهد والعبادة التي أحدثها الصوفية.  

طريقة فرق الضلال في الوحي([34]):

فِرَقُ الضلال المنحرفون لهم طريقتان في الوحي، وهو ما أنـزله الله على رسوله مِن القرآن والسنة، وكل طريقة لها أفرع.   

الطريقة الأولى: طريقة التبديل.  

والطريقة الثانية: طريقة التجهيل.  

وأهل التبديل نوعان:

النوع الأول: أهل الوهم والتخييل:

وأهل الوهم والتخييل هم المتفلسفة، ومن سلك سبيلهم، من متكلم، ومتصوف، ومتفقه، ومذهبهم في الله واليوم الآخر: أنَّ ما ذكره الرسولُ ﷺ من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر، إنما هو تخيّل للحقائق؛ لينتفع الجمهور به؛ لا أنه بيَّن به الحقَّ، ولا هدى به الخلق، ولا أوضح به الحق وإنما هو خيالٌ قاله للناس حتى ينتفعوا، وحتى يتعايش الناس، ولا يعتدي بعضهم على بعض.

وهم طائفتان:

الطائفة الأولى: يقولون: إن الرسل لم يعلموا الحقائق على ما هي عليه، واعتقدوا خلاف الحقائق، وإنَّ من المتفلسفة الإلهية من عَلِمَها، وكذلك من الأشخاص -الذين يسمونهم الأولياء- من علمها، ويزعمون أن من الفلاسفة والأولياء من هو أعلم بالله واليوم الآخر من المرسلين، وهذه مقالة غلاة الملحدين من الفلاسفة والباطنية -باطنية الشيعة وباطنية الصوفية-.

الطائفة الثانية: يقولون: إن الرسل بينوا للناس النصوص، من العبادات، واليوم الآخر، والجنة، والنار؛ ليعملوا بها، ولا واقع لها، ولكنهم قصدوا إيهام الجمهور والتخييل عليهم بأن الله شيء عظيم كبير، وأن الأبدان تعاد، وأن لهم نعيما محسوسا؛ وعقابا محسوسا ليحملوهم على ما يصلح حالهم، وإن كان كذباً؛ فهو كذبٌ لمصلحة الجمهور.

وقد وضع ابن سينا وأمثاله قانونهم على هذا الأصل، كالقانون الذي ذكره في رسالته (الأضحوية) وخلاصة مذهبهم؛ يقولون: إن الرسل يعرفون الحقائق. لكنهم مَوَّهُوا على الناس لمصلحتهم، أما الأعمال فمنهم من يقرها، ومنهم من يجريها هذا المجرى، ويقولون: إنما يؤمر بها بعض الناس دون بعض، ويؤمر بها العامة دون الخاصة، فهذه طريقة الباطنية الملاحدة الإسماعلية، ونحوهم.

النوع الثاني من أهل التبديل أهل التحريف والتأويل: خلاصة مذهبهم؛ يقولون: إن الأنبياء أتوا بنصوص ظاهرها باطل غير مراد، والمقصود بها: المعاني المجازية، فالأنبياء لم بينوها للناس، بل تركوها إلى العقول، فالرسول لم يقصد بها أن يعتقد الناس الباطل، ولكن قصد بها معاني لم يبينها لهم ولا دلهم عليها؛ لامتحانهم وليجتهدوا بعقولهم في صرفها عن مدلولها، وهذا القول قولُ المتكلمة، والجهمية، والمعتزلة، والكلابية، وغيرهم، في نصوص الصفات. ويقولون: إن الأنبياء لم يقصدوا بنصوص المعاد واليوم الآخر، والصفات، ما هو في نفس الأمر حق، وأن الحق هو ما علموه بعقولهم، ثم يجتهدون في تأويل هذه الأقوال إلى ما يوافق رأيهم بأنواع التأويلات، ولهذا أكثرهم لا يجزمون بالتأويل بل يقولون: يجوز أن يراد كذا، وغاية ما معهم إنكار احتمال اللفظ.

الطريقة الثانية طريقة التجهيل والتضليل: سموا بذلك؛ لأنهم يُجَهِّلُون الرسل بالمعاني التي جاءوا بها من عند الله، ويقولون: إن الأنبياء وأتباع الأنبياء جاهلون ضالون لا يعرفون ما أراد الله بما وصف به نفسه من الآيات وأقوال الأنبياء، ويقولون: يجوز أن يكون للنص تأويل لا يعلمه إلا الله، لا يعلمه جبريل، ولا محمد، ولا غيره من الأنبياء، فضلاً عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ويقولون: إن محمدا ﷺ كان يقرأ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [سورة طه آية: 5] إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [سورة فاطر آية: 10] مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [سورة ص آية: 75]، وهو لا يعرف معاني هذه الآيات، بل معناها الذي دلت عليه لا يعرفه إلا الله، ويظنون أن هذه طريقة السلف وهذا مذهب الفلاسفة والباطنية وهم أخبث ممن مضى.  

ويقولون إن قوله -عليه الصلاة والسلام-: لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي. ([35]) أن الرسول ﷺ لا يعرف معنى كلمة أَغْيَرُ.

وهم طائفتان:

الطائفة الأولى يقولون: إن المراد بهذا خلاف مدلولها الظاهر المفهوم، ويقولون: نقطع بأن المعنى الحقيقي غير مراد، بل المراد خلاف مدلولها الظاهر المفهوم، ولا يعرفه أحد كما لا يعلم وقت الساعة.  

وهؤلاء هم المفوضة الذين يفوضون معاني نصوص الصفات إلى الله.

الثانية: يقولون بل تجرى النصوص على ظاهرها، وتحمل على ظاهرها، ومع هذا فلا يعلم تأويلها إلا الله؛ فيتناقضون حيث أثبتوا لها تأويلا يخالف ظاهرها، وقالوا مع هذا: إنها تحمل على ظاهرها.  

ما تشترك فيه الطائفتان: يشتركون في القول بأن الرسول ﷺ لم يبين المراد بالنصوص التي يجعلونها مشكلة، أو متشابهة، ولهذا يجعل كل فريق المشكل من نصوصه غير ما يجعله الفريق الآخر مشكلاً، فهم مشتركون في أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يأت بها على ما يوافق معقولنا، وأن الأنبياء وأتباعهم لا يعرفون العقليات، ولا يفهمون السمعيات، فهم مشتركون في أن الرسول ﷺ لم يعلم معناها بل جهل معناها، أو جهَّلَهَا الأمة من غير أن يقصد، يعني: يعتقدون الجهل المركب.   

وأما هاتان الطائفتان من أهل التجهيل والمجهلة، فيقولون: بل قصد الرسول من الناس أن يعلموا الجهل المركب، والاعتقادات الفاسدة. وهؤلاء مشهورون عند الأمة بالإلحاد والزندقة. ثم انقسموا إلى فرقتين بعد اشتراكهما في المقالة السابقة. ومن هاتين الطائفتين -أهل التضليل وأهل التجهيل- من يقول: لم يعلم الرسول معانيها، ومنهم من يقول: علمها ولم يبينها، بل أحال في بيانها على الأدلة العقلية، وعلى من يجتهد في العلم بتأويل تلك النصوص.  

وكل ذلك تضليل وضلال عن سواء السبيل، نسأل الله السلامة والعافية من هذه الأقوال الواهية المفضية بقائلها إلى الهاوية، ونسأله أن يثبتنا على صراطه المستقيم حتى نلقاه وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.

الفرق المعاصرة  

الحَرَكَة القَادْيَانِيَّة([36])     

تنسب الطائفة القاديانية إلى مدينة قاديان بالهند، وأحيانا يطلق عليهم اسم الأحمدية؛ لانتسابهم في مذهبهم إلى رجل اسمه غلام أحمد عبد النبي. وُلِدَ غلام أحمد سنة ألف ومائتين واثنين وخمسين هجرية، في مدينة قاديان وانكب منذ الصغر على دراسة القرآن والحديث والتعبد والتفكير في أمور الدين.  

ثم بعد ذلك ادعى غلام أحمد أنه المسيح الموعود والمهدي الموعود في وقت واحد ويستند أتباعه في الإيمان به إلى ما ثبت في صحيح مسلم([37]) أن المهدي يظهر في، وأن المسيح يصلي خلفه، مع قول النبي ﷺ كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ، وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ. ([38]).

ويقول: إن غلام أحمد وإن كان هنديا، إلا أنه إيراني الأصل هاجر أبوه إلى الهند منذ مئات السنين.   

رسالته إلى علماء الهند وغيرهم: في سنة ألف ثلاثمائة وأربع وأربعين، وجه غلام أحمد رسالة إلى علماء الهند وغيرها من البلاد الإسلامية جاء فيها: «إن الله قد بعثني مجددا على رأس هذه المائة، واختصني عبدا لمصالح العامة، وأعطاني علوما ومعارف تجب لإصلاح هذه الأمة، ووهب لي من لدنه علما حيا لإتمام الحجة على الكفرة الفجرة، وجعلني من المكلمين الملهمين وأكمل عليَّ نعمه، وأتم تفضله، وسماني المسيح ابن مريم، بالفضل والرحمة، وقدر بيني وبينه تشابه الفطرة كالجوهرين من المادة الواحدة.

إلى أن قال: ومن أجل آلائه أنه استودعني سره الذي يكشف للأولياء والروح الذي لا ينفق إلا في أهل الاصطفاء.  

إلى أن قال: ومن آلائه أنه خاطبني، وقال: أنت وجيه في حضرتي، اخترتك لنفسي، وقال: أنت مني بمنـزلة لا يعلمها الخلق.  

إلى أن قال: أيها الكرام إن الفتن اشتدت والأرض فسدت، والمفاسد كثرت، وعلا في الأرض الحزب المنتصر.  

إلى أن قال: فكلمني وناداني وقال: إني مرسلك إلى قوم مفسدين، وإني جاعلك للناس إماما.  

إلى أن قال: فلما أخبرت عن هذا قومي قامت علماؤهم للعني ولومي وكفروني قبل أن يحيطوا بقولي ويزنوا حولي، وقالوا دجال، وقال كبيرهم الذي أفتى وأغوى الناس ما أغرى: إن هؤلاء كفرة فجرة فلا يسلم عليهم أحد ولا يتبع جنازتهم، ولا يدفنون في مقابر المسلمين.  

إلى أن قال: وبعزة ربي وجلاله نفسي لست بكافر، ولا معتد من أقواله، ولا مرتد، ولا من الملحدين، بل جاءكم الحق فلا تعرضوا عن الحق كارهين.

وقد تقوى مذهبنا بتظاهر الأحاديث والفرقان، ثم بشهادة الأئمة وأهل العرفان، ثم بالعقل الذي هو مدار التكاليف الشرعية، ثم بالإلهام المتواتر اليقيني عن حضرة العزة، فكيف ترجع إلى الظن بعد اليقين.

إلى أن قال: وقد تفردت بفضل الله بكشوف صادقة، ورؤيا صالحة، ومكالمات إلهية، وكلمات إلهامية، وعلوم نافعة، وزادني ربي بسطة في العلم والدين، وأرسلني مجدداً لهذه المائة وسماني عيسى.  

إلى أن قال: وجعلني ربي عيسى ابن مريم على طريق الموازاة الروحانية ... إلى أن قال: اعلموا أن فضل الله معي، وأن روح الله ينطق في نفسي، فلا يعلم سري ودخيلة أمري إلا ربي، هو الذي أنـزل علي، وجعلني من المنوَّرَين».   

خلاصة الدعوى: ادعى غلام أحمد أنه المسيح الموعود بمعنى أنه جاء بقوة وروح عيسى -عليه الصلاة والسلام- وادعى أنه هو النبي الذي تنبأت بظهوره أغلب الديانات، وأن مهمته هي إطالة العلاقة بين الإنسان وخالقه، كما أنه جاء ليفسر القرآن وتعاليم الإسلام في ضوء الوحي الإلهي، فيما يطابق العصر الحاضر، وليكون هو نفسه مثالا يبين الحياة الإسلامية الكاملة وادعى أنه يستغني بالعلم اللدني عن الوحي.

وللقاديانية رئيس ديني يلقبونه بلقب: أمير المؤمنين، وخليفة المسيح الموعود، والمهدي المعضود.  

انتشارها: انتشرت الدعوة القاديانية وصادفت نجاحا في بعض الجهات الإفريقية، وأخذوا يبشرون بها في أوروبا، وأمريكا، وآسيا، وشيدوا بعض المساجد في إنجلترا، ولكنهم لم يجدوا من يقبل دعوتهم في البلاد العريقة في الإسلام كشمال إفريقية، ومصر، والجزيرة العربية، والسودان، والعراق، والشام، فقد قل نشاطهم الآن وضعفت حماستهم.  

مذهب القاديانية في الجهاد: إنه كان فرضا، ثم نسخ، وأنه بعث بعد محمد أحمد القادياني، وقبلته قاديان في الهند، ومذهب البهائية أنه بعث بعد محمد، البهاءُ، وأنه نـزل عليه القرآن سَمَّاهُ (البهاء) وقبلتهم مدينة (عكا)، والجهاد كان فرضا، ثم نُسخ. وكلا من البهائية والقاديانية تزعم أن الجهاد كان فرضا، ثم نُسخ، فالمحاربة بالجهاد عندهم خروج عن دين الإسلام، وعلى المسلمين أن ينضموا إلى دولة من الدول الكبرى لتحميهم، كما أن صلاة الجمعة نسخت، وكذا الحج؛ وذلك لأن كلا منهما من أسباب قوة المسلمين، فقالوا بالنسخ؛ لأجل أن يخدروا أعصاب المسلمين؛ لئلا يكون فيهم القوة التي كانت في آبائهم وأجدادهم.

البَابِيَّة أَوْ البَهَائِيَّة([39])  

تنسب البابية إلى مؤسس الديانة البابية، الذي سمى نفسه بالباب، وتسمى البهائية نسبة إلى خليفة الباب وهو: علي حسن الملقب بالبهاء، ومؤسس الديانة البهائية، هو: علي بن محمد رضا الشيرازي، وُلد علي بن محمد بن رضا الشيرازي بشيراز في إيران سنة ألف ومائتين وخمس وثلاثين، وكان أبو محمد رضا الشيرازي ينتسب إلى بيت النبوة، وتوفي والده قبل أن يبلغ سن الفطام فكفله خاله علي الشيرازي الذي كان يشتغل بالتجارة، ولم يكن للغلام ميل إلى الدراسة إلا أنه تحت ضغط خاله تعلم قليلا من اللغة العربية ومن النحو الفارسي، وقد أظهر براعة مدهشة في الخط فكان أعجوبة أهل عصره في هذا الفن.  

ثم أشركه خاله معه في التجارة وانتقلا معا إلى ميناء أبي شهر، وهو إذ ذاك في السابعة عشرة من عمره، وما لبث أن اظهر براعة في التجارة، فاستقل عن خاله وكسب شهرة تجارية، وكان إلى جانب اشتغاله بالتجارة، ينفق وقتا طويلاً في دراسة العلوم الدينية والرياضيات، ثم اشتغل بالروحانيات، وأخذ يعمل على إذلال نفسه، فكان يسهر الليل، وفي النهار يقف تحت أشعة الشمس المحرقة، فاعتراه بسبب ذلك وجوم وذهول، وتأثرت قواه العقلية بسبب الخلوة وما فيها من العزلة، ومن فرط السهر وإدمان الوقوف في مواجهة قرص الشمس، وتحمل حرارتها التي تبلغ في مدينة أبي شهر اثنين وأربعين درجة، ولاحظ عليه خاله شذوذاً في تفكيره وداخله الشك فيما يصدر منه من أقواله وأفعاله، فنصحه مرةً بعد أخرى إشفاقا عليه من أن تتطور الحال إلى نتيجة لا تحمد عقباها.

أشار عليه الأطباء بالسفر إلى كربلاء والنجف، حيث الهواء النقي، وعسى أن ينقطع عن التفكير فيما كان بصدده، فرحل وعمره عشرون سنة، وكانت الأفكار الباطنية منتشرة بين فريق النازلين بتلك المدينة، فأخذ بعد وصوله يدرس آراء بعض علمائها، ومن أشهرهم: أحمد الأحسائي، وتلميذه: كاظم الرشتي، وظل يتردد على دروس كاظم الرشتي مؤسس الطائفة الكشفية، ثم انقطع فجأة وتغيب ردحا من الزمن بعد أن اتفق مع بعض أصحابه على السفر إلى الكوفة والإقامة في مسجد الإمام علي منقطعين للرياضة مدة أربعين يوما.  

وبعد انقضاء المدة غادر المسجد وهو في حالة غير طبيعية، وعاد لمجلس الرشتي وهو شارد الذهن، وفي حالة ذهول، وأخذ يتكلم بألفاظ عَدَّها تلامذة الرشتي خارجةً عن منهج الشريعة، ومخالفةً لقواعد السنة النبوية، فلاطفوه وجاملوه أولاً، وجفوه وهجروه ثانياً، فإذا به يدعو الناس إلى نفسه ويوصي بالزهد والتقشف، مع ما أمال إليه كثيرا من بسطاء العقول وضعفاء الأحلام، كان يخاطب المقربين إليه بأقوال غامضة مثل: فادخلوا البيوت من أبوابها، ومثل: أنا مدينة العلم وعلي بابها، يعني: أن الطريق إلى الله مسدود إلا عن طريق الرسالة والنبوة والولاية إلا بواسطة، وأنا تلك الواسطة.  

وكما أنه لا يجوز دخول البيت إلا من الباب فأنا ذلك الباب، فعندئذ سمى نفسه بالباب، وما كان بعد ذلك يشير لنفسه إلا بلقب الباب، وترك اسمه الأصلي، وهذا هو سر تسميته بالباب، وأتباعه بالبابية.

ثم بدأ دعوته عام ألف ومائتين وستين وجهر بها في ليلة الخامس من جمادى الأولى عام ألف ومائتين وستين، وأول المؤمنين به كان هو الملا حسين البشروئي، الذي لبى دعوته في الليلة الخامسة من جمادى الأولى سنة 1260هـ/23 مارس سنة 1844م، واعتبروا هذا العام عيداً سموه عيد المبعث إذ أظهر فيه الباب دعوته ورفع به الصوت جهارا، وكان عمره إذ ذاك خمساً وعشرين سنة وأربعة أشهر وأربعة أيام، وما زال البابيون يحترمون ذلك اليوم ويقدسونه ويحرمون فيه تعاطي الأشغال.  

حروف حي: استطاع الباب علي أن يجمع حوله ثمانية عشر شخصا سماهم: (حروف حي) فحرف الحاء يعادل رقم ثمانية في الحروف الأبجدية، والياء يساوي عشرة، ومجموع الحرفين: ثمانية عشرة، ثم ألقى على هؤلاء مبادئه وتعاليم دعوته، والبشروتي أول من آمن بالباب -نسبة إلى مدينة بشروية من أعمال خراسان- التفت إليه الباب وقال: «يا من هو أول من آمن بي حقاً، إنني أنا باب الله وأنت باب الباب، ولا بد أن يؤمن بي ثمانية عشر نفساً بكامل رغبتهم، دون ضغط، أو إكراه، ويعترفون برسالتي وسينشدني كل منهم على انفراد ...».  

ولما لم تكن هذه الحركة تتناسب والمركز الديني لعلماء -إيران إذ إن تعاليم الباب مخالفة لأصول الدين عندهم-: قامت قيامة علماء إيران في وجه هذه الدعوة، فنُشرت الرسائل وأُلفت الكتب، وأُلقيت الخطب، ونتج عن هذه المقاومة أن مال إليه الجهلة من العوام، فلما رأى الباب ذلك: أعلن أنه المهدي المنتظر، بعد أن كان دعوته أنه واسطة، أو باب للوصول إلى الإمام المنتظر.  

وقال: إن جسم المهدي اللطيف قد حل في جسمه المادي، وأنه يظهر الآن؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً. وهذا ما دعا الباب أن يظهر بمظهر أرقى من الدعوة السابقة، فيدعي أنه أفضل من محمد صاحب الدعوة الإسلامية الأمة ﷺ، وأن تعاليمه التي جمعها في بيانه أفضل من تعاليم نبي المسلمين في قرآنه، وأن محمداً إذا كان قد تحدى الناس في الإتيان بسورة من سور الفرقان المبين، فإن الباب يتحدى الجميع بالإتيان بباب من أبواب الأرض.  

مقتله: دعي الباب لمناظرة علماء إيران وانتهت المناظرة بغير نتيجة، ثم ازدادت الاضطربات في جميع أنحاء إيران، وانتشرت الفتنة، وساعدت الدسائس الأجنبية على امتدادها، فقرر الشاه ناصر الدين ضرورة القضاء على هذه الفتن، فأصدر أمره بإعدام الباب، ونُفذ فيه حكم الإعدام في سنة ألف ومائتين وخمس وستين هجرية، وقد تبرأ منه كاتب وحيه أقا حسين يزيدي، وهال على الباب بالشتائم والسباب، وأُطلق سراحه، وأتى الحراس بوتدين من الحديد ودقوهما في جدارين متقابلين وربطوا فيهما الباب وصاحبه محمد علي الزنوزي وأطلقوا عليهما الرصاص.  

وربط الجند جثتهما وألقوهما في خندق حتى أكلتها الطيور الجارحة.

وكان عمر الباب يوم إعدامه إحدى وثلاثين سنة قمرية وسبعة أشهر وسبعة وعشرين يوماً من يوم ميلاده بشيراز، ولما قتل الباب زادت تعاليمه اشتهارا، وعظم الاضطهاد على أتباعه وأظهر بعض رؤسائهم دعاوى مختلفة من قبيل النبوة والوصاية والولاية، اختلفت آراؤهم وتشتت أهواؤهم.

كتب الباب: من أهمها البيان العربي، والبيان الفارسي وهو صورة من البيان العربي، وفيه أنه يستغني بالعلم اللدني عن الوحي.

عقائد الباب: تقوم الديانة البهائية والبابية على أساس الاعتقاد بوجود إله واحد أزلي نظير ما يعتقده المسلمون إلا أن البابيين يستمدون صفات الخالق من أساس العقيدة الباطنية التي ترى أن لكل شيء ظاهرا وباطنا، وأن هذا الوجود مظهر من مظاهر الله، وأن الله هو النقطة الحقيقة، وكل ما في هذا الوجود مظهر له.

وعلى هذا: فلا يؤمنون بالله كما يؤمن به المسلمون، و عقيدتهم في النبي والإيمان مستمدة من عين العقيدة بالخالق، فالنبي، أو الإمام مَظْهرٌ من مظاهر الله في الأرض، وارتقاء هذه المنـزلة إنما هو باستكمال صفات أخلاقية جعلته يعبّر عن الأمر الواقع، ويصل إلى الحقيقة دون غيره؛ لهذا صح للباب أن يكون مظهراً من مظاهر الله في الأرض، بعد النبي.  

وعبادات البهائيين والبابيين ومعاملاتهم: قد وردت في كتاب البيان، الذي نسخه خليفة الباب: علي حسين، الملقب بالبهاء، في كتابه الأقدس؛ كما يلي:

أولًا: الصوم عندهم من شروق الشمس إلى غروبها، ومُدّته، شهرٌ بابي، وعدته تسعة عشر يوماً، وهذا الشهر يقع دائماً في أول الربيع.

ثانيًا: الصلاة، فرضت الصلاة على كل بهائي بالغ وهم يؤدونها على انفراد تسعة في تسع ركعات، تسع ركعات في ثلاث أوقات، حين الزوال، وفي البكور، والآصال، متوجهين شطر مدينة عكا حيث يرقد بهاء الله.

ثالثًا: الحج إلى الدار التي ولد فيها مؤسس ديانتهم علي محمد بشيراز أو إلى الدار التي نـزل بها بهاء الله حسين خلال إقامته بالعراق.

رابعًا: الزكاة سئل عبد البهاء عباس عنها فأجاب: الزكاة في البهائية كالزكاة في الإسلام.

خامسًا: الزواج بواحدة فقط، وفي كتابهم الأقدس التصريح بزوجتين إذا عدل بينهما، وهم يزوجون البهائي بغير البهائية، وبالعكس، بشرط تحرير عقد بهائي إلى جانب العقد غير البهائي.

سادسًا: الطلاق مكروه عندهم.  

سابعًا: الميراث تتساوى الابن مع البنت في الميراث وفي كافة الحقوق، وسن الرشد لهما واحد.  

ثامنًا: أعيادهم: عيد النيروز، وعيد الرضوان، وعيد ميلاد مؤسس الديانة، وعيد ميلاد البهاء، وعيد إعلان دعوة الباب.  

تاسعًا: الجهاد منسوخ.

انقسام البهائية: وبعد وفاة حسين علي الملقب بالبهاء، انقسم البهائيون إلى فرق هي:  

أولًا: البهائية.

ثانيًا: الإزارية نسبة إلى أحد أصحاب الباب.

ثالثًا: البابية الخلاص الذين لم يرضخوا لأوامر من قام بعد الباب علي محمد.

رابعًا: البابية البهائية العباسية أتباع عبد البهاء عباس، وابن الحسين علي الملقب بالبهاء، وقد أطلق على نفسه عبد البهاء.

الناقرون هم أتباع محمد علي العباس، ويطلق المؤرخون اسم المارقين على أتباع المرزا عباس، واسم الناقرين على أتباع محمد علي، وكل فريق يؤيد دعواه، ويكفر من عداه، فاعتزلوا المعاشرة وحرموا معاملة بعضهم بعضا، وكان عداوة كل منهم للآخر أشد من عداوتهم جميعا لمن طعن في معتقداتهم، وقال ببطلان دعوتهم.

بهذا يتبين أن البهائية والبابية فرقة خارجة من عداد المسلمين، ليست من المسلمين في شيء ليست من الإسلام في شيء، بل هي فرقة من فرق الكفر والضلال، نسأل الله السلامة والعافية.

اليَزِيدِيَّة([40]) 

اختلف الباحثون في تعليل تسميتهم باليزيدية:

أولًا: فبين اليزيدية أنفسهم من يعتقد أنهم دعوا بهذا الاسم نسبة إلى الخليفة الأموي يزيد بن معاوية الذي أحيا دينهم القديم وأطلق عليهم اسمه.

ثانيًا: بعض الباحثين نسبهم إلى يزيد بن أنيسة الخارجي الذي قال بتولي المحكمة الأولى قبل الأزارقة، وتبرأ ممن بعدهم، إلاّ الأباضية فإنه يواليهم.

ثالثًا: ويميل بعض الباحثين إلى القول بأن اليزيدية ينتسبون إلى مدينة يزد أو يزدان الفارسية، وهي بمعنى الله، أو «إيزد»، ومعناها «خليق بالعبادة»، وتطلق في دين المجوس على الملائكة التي تتوسط بين الله والبشر، وتنقل مشيئته إليهم. واختلفوا في أصل دينهم؛ ففي رواية لليزيدية تصريح بأنهم من نسل آدم فقط؛ لا نتيجة لاجتماعه من حواء.  

والحق أن اليزيدية خليط من عناصر وثنية قديمة، وعناصر إيرانية ذردشتية، وأخرى يهودية، ونصرانية، وإسلامية.  

عقائد اليزيدية: يؤمنون بوجود إله أكبر خالق لهذا الكون، إلا أنه الآن لا يُعنى بشئونه بعد أن فوض أمر تدبيره وإدارته إلى مساعده ومنفذ مشيئته «مَلَكَ طاووس» الذي يرتفع في أذهان اليزيدية إلى مرتبة الألوهية، الذي يُدعى عند أهل الديانات الأخرى الشيطان.

نبي هذه الديانة: هو الشيخ عادي الذي يروي عنه اليزيدية أخباراً وروايات عديدة، ويرفعونه إلى ما فوق درجة النبوة، ومن هذه الروايات ما ينطبق على أحد شيوخ المسلمين والمتصوفين وهو الشيخ عدي بن مسافر، ومن الشخصيات المقدسة عندهم (منصور الحلاج)، و(عبد القادر الجيلاني)، و(الحسن البصري).

ومن عقائدهم:

أولًا: أنهم لا يأكلون الخس، زعما منهم أن الشيخ عدي طلب صاحب بستان شيئا من الخس فلم يعطه.

ثانيًا: ولا يأكلون لحم الغزال، لزعمهم أن عيونه تشبه عيون الشيخ عدي.

ثالثًا: ومن واجب كل يزيدي أن يزور ضريح الشيخ عدي مرة في كل سنة.

رابعًا: ويجب على كل يزيدي كل يوم وقت طلوع الشمس أن يقف في موضع شروقها بشرط أن لا يراه مسلم.

خامسًا: ينبغي على اليزيدي ألا يسمع صلاة المسلم، لأن فيها ما يتعارض مع العقيدة اليزيدية، وهي الاستعاذة من الشيطان؛ لأن الشيطان اسم لملك طاووس.  

سادسًا: الصلاة بالقلب وبالسر، لذلك لا يحددون مواعيد وفرائض للصلاة.

سابعًا: يحللون شرب الخمر. 

ثامنًا: لا يصح صيام اليزيدي خارج موطنه؛ لأنه ينبغي عليه أن يذهب صباح يومه إلى شيخه ليعلن أمامه أنه صائم.

تاسعًا: إذا سافر اليزيدي إلي خارج بلده وأمضى في غيابه نحو سنة، أو أزيد فإن امرأته تحرم عليه ولا يسمح له للزواج من غيرها. 

عاشرًا: غير مرخص لليزيدي أن يلبس ثوباً كحليا قط.  

حادي عشر: اليزيدية يؤمنون بالتناسخ وبالحلول.

كتبهم: ولهم كتابان مقدسان: أحدهما يسمى: «الجلوة»، فيه وعد ووعيد، وترهيب وترغيب. والثاني: اسمه «مصحف رش»، أي الكتاب الأسود، فيه قصة خلق العالم وعقائد اليزيدية وما حُلِّلَ، لهم وما حُرِّمَ عليهم.  

الأماكن التي يقطن فيها اليزيدية: اليزيدية طائفة ينتمي معظمها إلى الجنس الكردي، ويكثر أتباعها في بعض نواحي الشرق الأدنى، وخاصة في المناطق التالية:

طرائف الشيخان في الشمال الشرقي من الموصل، قضاء سنجار الواقع في الشمال الغربي من العراق على الحدود بينه وبين سوريا، وهي منطقة جبلية منيعة ومعقل حصين، وثالثا: ديار بني بكر، وماردين، وجبل الطور، ومنطقة حلب حول كلَّس وعينتاب، والبلاد الأرمينية الواقعة على الحدود بين تركيا وروسيا، وخاصة في منطقتي قرص وإيراوان، وحول تفليس من بلاد القوقاز، وهناك  بعض اليزيدية في إيران.

رئيس اليزيدية: إسماعيل جون المتوفى سنة ألف وثلاثمائة وواحد وثمانين هجرية= وألف تسعمائة وثلاث وثلاثين ميلادية، وبهذا يتبين أن الفرقة اليزيدية فرقة وثنية تعبد الشيطان، وتعبد الأوثان، نسأل الله السلامة والعافية.

فرق الضلالة خالفوا السنة والجماعة

وهؤلاء الفرق خالفوا السنة والجماعة، وحالفوا الضلالة، ونحن نتبرأ إلى الله من طريقتهم، وطريقة أهل البدع، من الجهمية، والمعتزلة، والجبرية، والقدرية، والشيعة، والمشبهة نتبرأ إلى الله منهم، ومن مذهبهم واعتقادهم، ونعتقد أنهم منحرفون عن الصراط المستقيم، ونسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه.

| المتن |

خاتمة

وَبِالله العِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ.

| الشرح |

نسأل الله وحده أن يثبتنا وإياكم على دينه، وعلى صراطه المستقيم، وأن يميتنا عليه، ونسأله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح، ونسأله أن لا يزيغ قلوبنا، بعد إذ هدانا، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

| الحواشي |

[1]))   انظر: «شرح الطحاوية» (2/775).

[2]))   انظر: «شرح الطحاوية» (2/778).

[3]))    أخرجه البخاري (2410) عن عبد الله بن مسعود قال: «سمعت رجلا قرأ آية سمعت من النبي ﷺ خلافها فأخذت بيده فأتيت به رسول الله ﷺ فقال: كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ، وَلاَ تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا.

[4]))    أخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: قطع المسلمون يومئذ النخل، وأمسك أناس كراهية أن يكون فساداً فقالت اليهود: الله أذن لكم في الفساد؟ فقال الله: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ قال: واللينة ما خلا العجوة من النخل إلى قوله: وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ قال: لتغيظوهم وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ قال: ما قطعتم إليها وادياً ولا سيرتم إليها دابة، ولا بعيراً إنما كانت حوائط لبني النضير أطعمها الله رسوله ﷺ. انظر: «الدر المنثور» (8/98- 99)، وجاء مثله أيضاً عن مجاهد. انظر: «تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في تفسير الكشاف» (3/439).

([5])   أخرجه البخاري (946) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- بهذا السياق، وأخرجه مسلم (1770) من حديث ابن عمر أيضاً (1770)، لكن بلفظ: ... أن لا يُصَلِيَنَّ أحدٌ الظهرَ إلا في بَني قريظة.

قال الحافظ في «الفتح» (7/409): «... فالذي يظهر من تغاير اللفظين أن عبدالله بن محمد بن أسماء؛ شيخ الشيخيْن فيه، لـمَّا حدَّث به البخاري، حدَّث به على هذا اللفظ، ولـمَّا حدَّث به الباقين، حدَّثهم به على اللفظ الأخير. وهو اللفظ الذي حدَّث به جويرية؛ بدليل موافقة أبي عتبان له عليه، بخلاف اللفظ الذي حدَّث به البخاري، أو أن البخاري كتبه من حفظه، ولم يراع اللفظ، كما عُرف من مذهبه في تجويز ذلك، بخلاف مسلم فإنه يحافظ على اللفظ كثيراً. وإنما لم أجوّز عَكْسَهُ؛ لموافقة من وافق مسلماً على لفظه، بخلاف البخاري. لكن موافقة أبي حفص السلمي له، تؤيد الاحتمال الأول. وهذا كله من حيث حديث ابن عمر. أما بالنظر إلى حديث غيره، فالاحتمالان المتقدمان في كونه قال الظهر لطائفة، و العصر لطائفة: مُتَّجِهةٌ فيحتمل أن تكون رواية الظهر هي التي سمعها ابن عمر، ورواية العصر هي التي سمعها كعب بن مالك، وعائشة. والله أعلم». 

([6])   أخرجه البخاري (7352)، ومسلم (1716) من حديث عمرو بن العاص .

[7]))    تقدم تخريجه قريباً.

[8]))    تقدم تخريجه قريباً.

([9])   أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337) واللفظ لمسلم من حديث أبي هريرة.

([10])   أخرجه ابن ماجه (85)، وأحمد (2/195) من حديث عبدالله بن عمرو .

قال السندي في «الحاشية على ابن ماجه» (1/ 76) في «الزوائد»: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. قلت: هذا مبني على عدم الاعتبار بالتكلم في رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وإلا فالكلام فيها مشهور. وبالغ بعضهم حتى عدوا هذا الإسناد مطلقاً في الموضوعات، فلذلك ما خرج صاحبا الصحيحين في الصحيحين شيئا بهذا الإسناد فلو قال: إسناد حسن؛ كان أحسن. والمتن قد أخرجه الترمذي من رواية أبي هريرة. اهـ، وصححه الألباني في «تخريج الطحاوية»  (ص 584 - ط: السابعة).   

وأخرجه الترمذي (2133) من طريق صالح المري، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: «خرج علينا رسول الله ﷺ ونحن نتنازع في القدر، فغضب حتى أحمر وجهه، حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان فقال: أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَمْ بِهَذَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ؟ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ تَنَازَعُوا فِي هَذَا الأَمْرِ، عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلَّا تَتَنَازَعُوا فِيهِ.

قال أبو عيسى: وفي الباب عن عمر، وعائشة، وأنس. وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث صالح المري وصالح المري له غرائب ينفرد بها لا يتابع عليها. اهـ

([11])   أخرجه أحمد (2/181) من حديث عبدالله بن عمرو بلفظ: مَهْلًا يَا قَوْمِ، بِهَذَا أُهْلِكَتِ الْأُمَمُ مِنْ قَبْلِكُمْ، بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَضَرْبِهِمُ الْكُتُبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ، فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ، فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ. وإسناده حسن.

وأخرجه أخرجه النسائى فى «الكبرى» مختصر (8093)، وابن جرير فى «تفسيره» (1/9)، وابن حبان (74)، والخطيب (11/26)، وأبو يعلى (6016)، والبزار كما فى «كشف الأستار» (2313)، والديلمى (6806) من حديث أبي هريرة بلفظ: نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَالْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ، ورجاله ثقات. وانظر: «الصحيحة» للألباني (1522).

[12]))   انظر: «شرح الطحاوية» (2/786).

([13])   أخرجه البخاري (3443) واللفظ له، ومسلم (2365) من حديث أبي هريرة .

([14])   سبق تخريجه قبل قليل.

([15])   أخرجه البخاري (39) من حديث أبي هريرة .  

([16])   أخرجه أحمد (5/266)، والطبرانى (7868) من حديث أبي أمامة ولفظه: إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلَا بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَلَكِنِّي بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَمُقَامُ أَحَدِكُمْ فِي الصَّفِّ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِهِ سِتِّينَ سَنَةً.

قال الهيثمى (5/279): فيه على بن يزيد الألهانى وهوضعيف.

وبوب الإمام البخاري في صحيحه (باب/ الدِّينُ يُسْرٌ وقول النبي ﷺ: أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ).

قال الحافظ في «فتح الباري» (1/94): وصله في «كتاب الأدب المفرد» وكذا وصله أحمد بن حنبل وغيره من طريق محمد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن بن عباس وإسناده حسن. اهـ، وحسنه أيضاً الألباني في «الصحيحة» (881)، لشواهده. 

([17])   أخرجه ابن ماجه (43)، وأحمد (4/126)، والحاكم من طريق الإمام أحمد في «مستدركه» (1/175) من طريق عبد الرحمن بن عمرو السلمي، عن العرباض بن سارية، وعبد الرحمن بن عمرو السلمي فيه كلام يسير، ومع ذلك لم ينفرد بالحديث عن العرباض، قال الحاكم: «وقد تابع عبد الرحمن بن عمرو على روايته عن العرباض بن سارية ثلاثة من الثقات الأثبات من أئمة أهل الشام منهم: حجر بن حجر الكلاعي، ويحيى بن أبي المطاع القرشي، ومعبد بن عبد الله بن هشام القرشي. وذكر إسناد كل راو، ثم قال: وليس الطريق إليه من شرط هذا الكتاب فتركته، وقد استقصيت في تصحيح هذا الحديث بعض الاستقصاء على ما أدى إليه اجتهادي، وكتب في كما قال إمام أئمة الحديث شعبة في حديث عبد الله بن عطاء، عن عقبة بن عامر: لما طلبه بالبصرة، والكوفة، والمدينة، ومكة، ثم عاد الحديث إلى شهر بن حوشب فتركه، ثم قال شعبة: لأن يصح لي مثل هذا عن رسول الله ﷺ كان أحب إلي من والدي وولدي والناس أجمعين. وقد صح هذا الحديث والحمد لله وصلى الله على محمد وآله أحمعين». اهـ

([18])   أخرجه مسلم (38) من حديث سفيان بن عبدالله الثقفي .

[19]))   انظر: «شرح الطحاوية» (2/788).

([20])   أخرجه البخاري (5063) واللفظ له، ومسلم (1401) من حديث أنس بن مالك .

[21]))   انظر: «شرح الطحاوية» (2/790).

[22]))   انظر: «شرح الطحاوية» (2/790).

[23]))   انظر: «شرح الطحاوية» (2/790).

([24])   تقدم تخريجه.

([25])   سبق تخريجه قبل قليل.

([26])   أخرجه مسلم (1855).

[27])) قال الصفدي في «الوافي بالوفيات» (4/13): أخذ جعد عن أبان بن سمعان، وأخذ أبان من طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، اليهودي الذي سحر النبي ﷺ، وأخذ طالوت من لبيد، وكان لبيد يقول بخلق التوراة. 

وأول من صنف في ذلك طالوت، وكان زنديقاً، وأفشى الزندقة، وقال علي بن القاسم الخوافي:

أبينوا أين جعد أين جهم ومن والاهم، لهم الثبور
كأن لم ينظم النظام قولاً ولم تسطر لجاحظهم سطور
وأين الملحد ابن أبي دؤاد لقد ضلوا وغرهم الغرور

قال ابن كثير في «البداية» (10 /19): كان الجعد بن درهم من أهل الشام، وهو مُؤّدِّبُ مروان الحمار، ولهذا يقال له: مروان الجعدي، فَنُسِبَ إليه، وهو شيخ الجهم بن صفوان الذي تُنسب إليه الطائفة الجهمية، الذين يقولون: إن الله في كل مكان بذاته -تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا-، وكان الجعد بن درهم قد تلقى هذا المذهب الخبيث عن رجل يقال له أبان بن سمعان، وأخذه أبان، عن طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم، عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي. اهـ

[28])) قصته في البخاري (3268)، ومسلم (2189) من حديث عائشة -رضي الله عنها-.

[29])) قال ابن القيم في «القصيدة النونية» (1/ 33):

وَلَقَـدْ تَقَلَّّدَ كُفْرَهُم خَمْسُونَ فِي عَشْرٍ مِن العُلَمَاءِ فِي البُلْدَانِ
وَاللالكائيُّ الإمَام حَكَاهُ عنْـ ـهُم بَـلْ قَـد حَكَاه قَبْلَه الطَّبَرَانِي

[30])) هم القائلون: بأن الله تعالى جبر الخلق على الإيمان، والكفر، والطاعة، وغير ذلك، وخلقها فيهم، فحصل ذلك من غير اكتساب منهم لذلك، ولا تسبب إليه، وإلى ذلك ذهب الجهم وأمثاله -كما سبق بيانه-، وعليه أيضًا قوم من الصوفية فقالوا: العبد بين يدي الله تعالى كالميت بين يدي الغاسل، يقلبه كيف يشاء، وكالريشة في مهب الريح، فارتكبت هذه الطائفة -بهذا الاعتقاد- المعاصي، واستحلوا وأمنوا من العقاب عليها، وقالوا: إن الله تعالى لا يعاقب على ما خلق، ورفضوا الطاعات وأهملوها، وقالوا: إن الله تعالى لم يخلقها فينا، ولو خلقها فينا لكانت لازمة.  

وأهل السنة والجماعة يفرِّقون بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، ويفرقون بين خلق الشيء والرضا به؛ ولهذا صنف البخاري -رحمه الله- كتابه «خلق أفعال العباد»، وهناك جبرية متوسطة: وهي التي تثبت للعبد قدرة، ولكنها غير مؤثرة أصلًا. انظر: «الملل والنحل» للشهرستاني (1/72)، و«اعتقادات فرق المسلمين والمشركين» (68)، و«منهاج السنة» (1/ 358)، و«مجموع فتاوى ابن تيمية» (8/ 118- 119، 128)، (13/ 228)، و«الخطط» للمقريزي (2/ 349)، و«البرهان» (42- 43)، و«كشاف اصطلاحات الفنون» وغيرها.

[31]))   هم القائلون: بأنه لا قدر، وأن الله تعالى لم يُقَدِّر الشَّرَ، وأن العبد يخلق فعل نفسه، وأن الله تعالى لم يشأ ما يقع من العبد، وبعض هذه الطائفة قد نفى علم الله السابق على وجود الأشياء.  

قال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (13/ 36- 37): «وأصل بدعتهم كانت من عجز عقولهم عن الإيمان بقدر الله، والإيمان بأمره ونهيه ووعده ووعيده، وظنوا أن ذلك ممتنع، وكانوا قد آمنوا بدين الله وأمره ونهيه، ووعده ووعيده، وظنوا أنه إذا كان كذلك لم يكن قد علم قبل الأمر من يطيع ومن يعصي؛ لأنهم ظنوا أن من علم ما سيكون لم يحسن منه أن يأمر وهو يعلم أن المأمور يعصيه ولا يطيعه، وظنوا أيضًا أنه إذا علم أنهم يفسدون لم يحسن أن يخلق من يعلم أنه يفسد، فلما بلغ قولهم بإنكار القدر السابق الصحابة أنكروا إنكارًا عظيمًا وتبرءوا منه».  

وقد أخرج مسلم في «صحيحه» (8/ 1-4) من حديث يحيى بن يعمر، قال: «كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجَّين -أو معتمرين- فقلنا: لو لقينا أحدًّا من أصحاب رسول الله ﷺ، فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلًا المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي؛ أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قِبلنا ناسٌ يقرءون القرآن ويتقفرون العلم -يطلبونه ويتتبعونه ويجمعونه- وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أنف- أي: مستأنف- لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى، وإنما يعلمه بعد وقوعه. قال: فإذا لقيت أولئك، فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أُحُد ذهبًا فأنفه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن عند رسول الله ﷺ ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب...» فذكر حديث جبريل المعروف، وفيه وجوب الإيمان بالقدر.  

ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «ثم كثر الخوض في القدر، وكان أكثر الخوض فيه بالبصرة والشام وبعضه في المدينة، فصار مقتصدوهم وجمهورهم يقرون بالقدر السابق، وبالكتاب المتقدم، وصار نزاع الناس في الإرادة وخلق أفعال العباد، فصاروا في ذلك حزبين: النفاة: ويقولون: لا إرادة إلا بمعنى المشيئة، وهو لم يُرد إلا ما أمر به، ولم يخلق شيئًا من أفعال العباد، وقابلهم الخائضون في القدر من المجبرة مثل: الجهم بن صفوان وأمثاله...».

([32])   أخرجه أبو داود (4691)، ومن طريقه الحاكم (1/85) وقال: «هذا صحيح على شرط الشيخين، إن صحَّ سماع أبي حازمٍ من ابن عمر. ولم يخرجاه» قال: «وقال الليث، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب» فذكره. والحديث فيه انقطاع بين الراوي عن ابن عمر، وهو أبو حازم سلمة بن دينار وبين ابن عمر فإنه لم يسمع منه. وقال ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/275): هذا لا يصح عن رسول الله ﷺ. اهـ، وقد ورد بنحوه من حديث جابر، وحذيفة، وأبي هريرة، وقد صححه الألباني في «ظلال الجنة» (328، 329)، و (338، 339)، و (342).

[33]))   أخرجه البخاري في «المغازي» (4024) تعليقًا، وقال الحافظ أنه لم يقع له هذا الأثر من طريق الليث، ولكن وصله أبو نعيم في «المستخرج» من طريق أحمد بن حنبل «عن يحيى بن سعيد القطان، عن يحيى بن سعيد الأنصاري» نحوه. اهـ. وانظر: «تغليق التعليق» (4/105). قال الحافظ في «تغليق التعليق» (4/105): «قال ابن سيدة: الطباخ؛ القوّة».

[34]))   انظر: «مجموع الفتاوى» (5/31)، و«درء التعارض» (1/8-17).

([35])   أخرجه البخاري (6846) و (7416)، ومسلم (1499) من حديث المغيرة بن شعبة ، وأخرجه مسلم وحده (1498) من حديث أبي هريرة.  

[36]))   انظر: «الموسوعة الميسرة» (ص/416).

[37])) انظر: «صحيح مسلم» (156) حديث جابر بن عبدالله، وقد ورد في رواية أخرى لهذا الحديث في مسنده، أنه المهدي، وجوَّد إسنادها الإمام ابن القيم في «المنار المنيف» (ص 147 - تحقيق: أبي غدة).  

([38])   أخرجه البخاري (3449)، ومسلم (155) من حديث أبي هريرة .

[39]))   انظر: «الموسوعة الميسرة» (ص409).

[40]))   انظر: «الموسوعة الميسرة» (ص371).

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد