اللهم اغفر لشيخنا ولمشايخه ولوالديه وللمسلمين، قال الشيخ محمد خليل الهراس في شرح العقيدة الواسطية لابن تيمية رحمه الله:
المتن:
وقوله: (أَمَّا بَعْدُ): كَلِمَةٌ يُؤتَى بِهَا للدِّلالة عَلَى الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَعْمِلُهُا كَثِيرًا فِي خُطَبِهِ وَكُتُبِهِ، وَتَقْدِيرُهَا عِنْدَ النحويِّين: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ.
الشيخ:
(مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) فكذا، (مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ)، كان النبي يأتي بها في خطبه يوم الجمعة، كان يقول: «أما بعد، فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله»، وكان يأتي بها أيضا في كتبه، لما كتب لهرقل قال: «أما بعد»، يؤتى بها مهما يكن شيء بعد، وهي أولى من قول "وبعد"، بعضهم يختصر ويقول (وبعد)، "أما بعد" هذا أولى، يؤتى بها في الخطب وفي الكتابات، اختلف في أول من قالها، قيل أنها قالها داود، وأنها هي فصل الخطاب، وقيل أول من قالها هو قس بن ساعدة الإيادي، وقيل غير ذلك، والمهم أن النبي كان يستعملها، يقولها في خطبه وفي كتبه.
القارئ:
والْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (هَذَا) إِلَى مَا تضمَّنه هذَا المُؤلَّفُ مِنَ الْعَقَائِدِ الْإِيمَانِيَّةِ الَّتِي أَجْمَلَهَا فِي قَوْلِهِ: (وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ ... ) إلى آخره.
الشيخ:
أما بعد فهذا يتضمن (00:01:52) الإيمان بالله، وملائكته، كتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، هذا الإشارة تعود إلى هذا، إلى ما تضمنه هذا الكتاب، وإن كان (00:02:07) تصوره في ذهنه، وهيأه في نفسه من الكتابة عن هذه الأصول الستة: الإيمان بالله، ثم الإيمان بالملائكة، ثم الإيمان بالكتب المنزلة، ثم الإيمان بالرسل، ثم الإيمان باليوم الآخر، ثم الإيمان بالقدر.
القارئ:
وَالِاعْتِقَادُ: مَصْدَرُ اعْتَقَدَ كَذَا؛ إِذَا اتَّخَذه عَقِيدَةً لَهُ؛
الشيخ:
وهذا اعتقاد الفرقة الناجية، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله اعتقاد الفرقة الناجية، الاعتقاد ما يعتقده الإنسان ويتصوره في نفسه.. أعد..
القارئ:
وَالِاعْتِقَادُ: مَصْدَرُ اعْتَقَدَ كَذَا؛ إِذَا اتَّخَذه عَقِيدَةً لَهُ؛
الشيخ:
اعتقد اعتقادا، اتخذه عقيدة.
القارئ:
بِمَعْنَى عَقَدَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ وَالْقَلْبُ، وَدَانَ لِلَّهِ بِهِ،
الشيخ:
عقد عليه ضميره وقلبه، ودان لله به، العقيدة ما يعتقده الإنسان ويدين به ربه من أمور الدين، هذه العقيدة، ما يدين به الإنسان ربه ويعتقده من أمور الدين.
القارئ:
وَأَصْلُهُ مِنْ (عَقَدَ الْحَبْلَ)، ثُمَّ استُعْمل فِي التَّصْمِيمِ وَالِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ.
الشيخ:
عقد الحبل هو أصل الاعتقاد، ومثله العقود، عقد البيع، وعقد الإجارة، وعقد المساقاة، عقود يعني من القوة والالتزام.
القارئ:
وَالِاعْتِقَادُ: مَصْدَرُ اعْتَقَدَ كَذَا؛ إِذَا اتَّخَذه عَقِيدَةً لَهُ؛ بِمَعْنَى عَقَدَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ وَالْقَلْبُ، وَدَانَ لِلَّهِ بِهِ، وَأَصْلُهُ مِنْ (عَقَدَ الْحَبْلَ)، ثُمَّ استُعْمل فِي التَّصْمِيمِ وَالِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ. و(الْفِرْقَةِ) -بِكَسْرِ الْفَاءِ- الطَّائِفَةُ مِنَ النَّاسِ.
الشيخ:
اعتقاد الفرقة، الطائفة من الفرقة، هذه فرقة وهذه فرقة ، وهي الطوائف، الفرق: الطوائف.
القارئ:
وَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا (النَّاجِيَةِ الْمَنْصُورَةِ) أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تزالُ طائفةٌ مِنْ أُمَّتي عَلَى الحقِّ مَنْصُورَةٌ، لَا يضرُّهم مَنْ خَذلهم، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ»، وَمِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «سَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً: كُلُّهُمْ في النّار إلى وَاحِدَةً، وَهِيَ مَن كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي».
الشيخ:
الفرقة الناجية من العذاب، وليست مسعرة في النار كغيرها من الفرق، ناجية من الهلاك، و(المنصورة) لأنهم منصورون بالحجة والبيان، وإن تغلب عليهم غيرهم لكنهم هم الغالبون، هم المنصورون.
القارئ:
وَقَوْلُهُ: (أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ)؛ بَدَلٌ مِنَ الْفِرْقَةِ.
وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ: الطَّرِيقَةُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصَحْابُهُ قَبْلَ ظُهُورِ الْبِدَعِ وَالْمَقَالَاتِ.
وَالْجَمَاعَةُ فِي الْأَصْلِ: الْقَوْمُ الْمُجْتَمِعُونَ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، الَّذِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى الْحَقِّ الصَّرِيحِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
الشيخ:
اعتقد (00:06:02) الفرقة ووصفها الناجية المنصورة أهل السنة والجماعة، هم طائفة واحدة ناجية، فرقة وطائفة لأنها مستقلة عن غيرها، فهم فرقة، و(ناجية) لأنهم نجوا من العذاب ومن الوعيد، (المنصورة) لأنهم هم المنصورون بالحجة والبيان، (أهل السنة) لأنهم أهل طريقة النبي صلى الله عليه وسلم، و(الجماعة) لأنهم اجتمعوا على الحق، وهم أهل السنة للزومهم السنة وبعدهم عن البدع.
القارئ:
وَقَوْلُهُ: (أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ)؛ بَدَلٌ مِنَ الْفِرْقَةِ.
وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ: الطَّرِيقَةُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصَحْابُهُ قَبْلَ ظُهُورِ الْبِدَعِ وَالْمَقَالَاتِ.
وَالْجَمَاعَةُ فِي الْأَصْلِ: الْقَوْمُ الْمُجْتَمِعُونَ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، الَّذِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى الْحَقِّ الصَّرِيحِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
الشيخ:
هم الجماعة، أهل السنة لأنهم لزموا سنة رسول الله، هم الجماعة الصحابة والتابعون ومن بعدهم، اجتمعوا على الحق، وسُمّوا جماعة، ومن تبعهم فهو منهم، من سار على نهجهم فهو منهم.
القارئ:
هَذِهِ الْأُمُورُ السِّتَّةُ هِيَ أَرْكَانُ الْإِيمَانِ، فَلَا يتمُّ إيمانُ أحدٍ إِلَّا إِذَا آمَنَ بِهَا جَمِيعًا
الشيخ:
نعم، الإيمان بالله هو الأصل، الأصول: الإيمان بالله، ثم الإيمان بالملائكة، ثم الإيمان بالكتب المنزلة، ثم الإيمان بالرسل، ثم الإيمان باليوم الآخر، ثم الإيمان بالقدر، هذه أصول الإيمان وأركانه، ولا يصح إيمان أحد حتى يؤمن بهذه الأركان الستة، من جحد واحدا منها فليس من المسلمين، هذه الأركان دلت عليها النصوص من الكتاب والسنة، وأجمع عليها المسلمون، فمن أنكر شيئا منها أو جحدها خرج من دائرة الإسلام، نسأل الله السلامة والعافية.
القارئ:
فَلَا يتمُّ إيمانُ أحدٍ إِلَّا إِذَا آمَنَ بِهَا جَمِيعًا عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ الَّذِي دلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، فمَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ آمَنَ بِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ؛ فَقَدْ كَفَرَ.
الشيخ:
من جحدها أو آمن بها على وجه منحرف فليس بمسلم، آمن بها على الوجه الصحيح المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله، الرفضة يدّعون أنهم مؤمنون، الرافضة يدّعون لكن ليس على الوجه الصحيح، وكذلك بعض الفرق كالباطنية وغيرهم، والصوفية، كلهم يزعمون،
وكل يدَّعي وصلاً بليلى .... وليلى لا تقر لهم بذاكا
ما كل من ادعى أنه مؤمن يكون مؤمنا، لا بد يكون الإيمان على الوجه الصحيح.
القارئ:
وَقَدْ ذُكِرَت كُلُّهَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ الْمَشْهُورِ، حِينَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صُورَةِ أَعْرَابِيٍّ يَسْأَلُهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ؟ فَقَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ, وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»؛ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالْمَلَائِكَةُ: جَمْعُ مَلَك، وَأَصْلُهُ مَأْلَكٌ؛ مِنَ الْأَلُوكَةِ،
الشيخ:
مألك: على وزن (مَفْعَل)، مأْلك، ثم (00:10:42) الهمزة صارت (مَلك)، من (الألوكة) وهي الرسالة.
القارئ:
وَهِيَ الرِّسَالَةُ، وَهُمْ نوعٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَسْكَنَهُمْ سماواته، ووكَلهم بشؤون خَلْقِهِ,
الشيخ:
هؤلاء الملائكة، مخلوقون من نور، قال صلى الله عليه وسلم: «(00:11:01) الملائكة من نور»، هم خلقٌ من خلق الله، أشخاص وذوات محسوسة، تصعد وتنزل وتُرى، وتُخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل الله بهم شؤون خلقه، ما من حركة في السماوات والأرض إلا (00:11:18) الملائكة، بإذن الله الكوني والقدري، وكل بالسماوات وعمارتها الملائكة، وبالجنة ولأهلها الملائكة، والنار ولأهلها الملائكة، والنطفة (00:11:29) الملائكة، وملائكة كتبة، يكتبون الحسنات والسيئات، وملائكة حفظة، وملائكة وكّلوا بالشمس ووكلوا بالقمر، ما من حركة في السماوات (00:11:43) الملائكة بإذن الله الكوني، وفلاسفة اليونان يقولون إنهم أشباح وأشكال نورانية، أنكروا الملائكة، يقولون أشباح وأشكال نورانية تصورها النبي في زعمه، وإلا ما في ملائكة، وهذا كلام ابن سينا.
ابن سينا إذا أراد التقرب إلى الإسلام يقول إنها اشباح وأشكال نورانية وإلا فالملائكة عنده القوى (00:12:18) القوى التي تبعث في الإنسان الخير والإحسان، والشياطين القوى التي تدعوا إلى الشر، كالإيذاء، والانتقام، والعنف والشدة، والقتل، هذه الشياطين، قوى، يعني أمور نفسية في الإنسان، قوى الخير هي الملائكة، قوى الشر هي الشياطين.
هكذا الفلاسفة، (00:12:47) هم كفرة، أنكروا الملائكة، وإذا أرادوا التقرب إلى الإسلام قالوا أشكال نورانية تصورها النبي في زعمه، والنبي عندهم رجل عبقري، والنبوة صنعة من الصناعات وحرفة من الحرف، يمكن يحصل عليها الإنسان بالمران والخبرة وطول الخبرة، فالنبي عندهم رجل عبقري، يتصف بثلاث صفات:
الصفة الأولى: قوة الحدس، حتى يدركون (00:13:24).
والثانية: قوة التخيل، حتى يتخيل الملائكة في نفسه، يتخيلهم، وإلا فهم غير موجودين، يتخيل الملائكة بنفسه.
والثالثة: قوة التخييل، حتى يخيلها للناس ويرونها، وإلا في الحقيقة ما في لا ملائكة ولا شياطين، نسأل الله العافية، هذا مذهب ابن سينا وأرسطو وغيره من فلاسفة اليونان، ومنهم الفارابي، وابن سينا أراد أن يتقرب إلى أهل السنة فأتى بهذا الكلام، تقرب إلى أهل الحق بزعمه.
هؤلاء كلهم كفرة، من أنكر الملائكة فهو كافر بإجماع المسلمين، أو أنكر ملكا من الملائكة، أشخاص وذوات محسوسة، ذوات، خلق من خلق الله، وهم سكان السماوات، خلقت الملائكة من نور كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، والملائكة ..
القارئ:
وَالْمَلَائِكَةُ: جَمْعُ مَلَك، وَأَصْلُهُ مَأْلَكٌ؛ مِنَ الْأَلُوكَةِ، وَهِيَ الرِّسَالَةُ، وَهُمْ نوعٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَسْكَنَهُمْ سماواته، ووكلهم بشؤون خَلْقِهِ, وَوَصَفَهُمْ فِي كِتَابِهِ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، وَأَنَّهُمْ يسبِّحون لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَا يَفْتُرُونَ.
فَيَجِبُ عَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِمَا وَرَدَ فِي حَقِّهِمْ مِنْ صِفَاتٍ وَأَعْمَالٍ فِي الْكِتَابِ والسنَّة، وَالْإِمْسَاكُ عمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ هذا من شؤون الْغَيْبِ الَّتِي لَا نَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا علَّمنا اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
وَالْكُتُبُ: جَمْعُ كِتَابٍ، وَهُوَ مِن الكَتْب؛ بِمَعْنَى: الْجَمْعِ وَالضَّمِّ،
الشيخ:
والمؤلف هنا اختصر الكلام، الكلام مختصر لأن الشرح مختصر، فهؤلاء هم الملائكة، وكل حركة في السماوات والأرض فهي (00:15:39) الملائكة، وكلهم الله بها، للجنة ملائكة وكلوا بإعداد الكرامة لأهلها، والنار منهم من وكل من الملائكة، مالك خازن النار، ورضوان خازن الجنة، وكذلك الملائكة الذين يدخلون على أهل الجنة ويهنئونهم، فالملائكة فيهم تفصيل، والمؤلف اختصر الكلام رحمه الله.
س: بالنسبة للملائكة الحفظة الكرام، هل هم ملازمين للإنسان؟
الشيخ: الحفظة غير الكتبة، الحفظة اثنان، واحد أمامه وواحد خلفه، والكتبة اثنان، واحد عن اليمين وواحد عن الشمال، أربعة في الليل وأربعة في النهار، ثمانية، بدلًا، حافظان وكاتبان، يتعاقبون فيكم -في الحديث- ملائكة بالليل والنهار، ثمانية، كل شخص عليه ثمانية.
س: (00:16:42) كلهم يعني.. هل هذا معناه أنهم كلهم ساكنين في السماء ولا ...
الشيخ: ساكنين في السماء، ويلازمون الإنسان، مسكنهم في السماء، ويتبادلون، يذهب هؤلاء ويأتي هؤلاء، أين يذهبون إذا تبادلوا؟ إلى مساكنهم، فيعود الذين (00:17:04) فيكم .. كما في الحديث، يجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر، صلاة الصبح ينزل ملائكة النهار ويصعد ملائكة الليل، وفي صلاة العصر ينزل ملائكة الليل ويصعد ملائكة النهار.
القارئ:
وَالْكُتُبُ: جَمْعُ كِتَابٍ، وَهُوَ مِن الكَتْب؛ بِمَعْنَى: الْجَمْعِ وَالضَّمِّ،
الشيخ:
المؤلف الآن سيتكلم على.. هذا اختصار، ثم بعد ذلك المؤلف يفصل تفصيلا في هذه الأصول ويتكلم عليها الشارح.
القارئ:
وَالْكُتُبُ: جَمْعُ كِتَابٍ، وَهُوَ مِن الكَتْب؛ بِمَعْنَى: الْجَمْعِ وَالضَّمِّ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْكُتُبُ المنزَّلة مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَالْمَعْلُومُ لَنَا مِنْهَا: صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ، وَالتَّوْرَاةُ الَّتِي أُنزلت عَلَى مُوسَى فِي الْأَلْوَاحِ، وَالْإِنْجِيلُ الَّذِي أُنزل عَلَى عِيسَى، والزَّبور الَّذِي أُنزل عَلَى دَاوُدَ، وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ الَّذِي هُوَ آخِرُهَا نُزُولًا، وَهُوَ المصدِّق لَهَا، وَالْمُهَيْمِنُ عَلَيْهَا، وَمَا عَدَاها يَجْبُ الْإِيمَانُ بِهِ إِجْمَالًا.
الشيخ:
نعم، كذلك الملائكة، الملائكة يُنظر لما سمى الله منهم، (00:18:22) جبريل وميكائيل وإسرافيل، وأفضلهم جبريل، أفضل الملائكة الأملاك الثلاثة (جبريل وميكائيل وإسرافيل)، هؤلاء الأملاك الثلاثة كل منهم وكل بما فيه حياة، فجبريل موكل بالوحي الذي فيه حياة الأرواح والقلوب، وميكائيل موكل بالقطر الذي فيه النبات، فيه حياة الآدميين والحيوانات، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور، وهو الذي فيه إعادة الأرواح إلى أجسادها.
ولهذا توسل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، في حديث الاستفتاح بربوبية الله لهؤلاء الأملاك الثلاثة: «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون»، ويوجد حملة العرش من الملائكة، والملأ الأعلى، فالملائكة يجب الإيمان بما سمى الله منهم، من سمي منهم في النصوص، مالك خازن النار، جبريل وميكائيل وإسرافيل، ومن لم يسمى نؤمن به إجمالا، لله ملائكة لا يعلم عددهم وأسماءهم إلا الله سبحانه وتعالى.
وكذلك الكتب، نؤمن بهم إجمالا وتفصيلا، تفصيلا فيما سمى الله، التوراة التي أنزلها الله على موسى، والإنجيل الذي أنزله الله على عيسى، والزبور الذي أنزل على داود، وصحف إبراهيم وصحف موسى، والقرآن العظيم الذي هو آخرها وأنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ونؤمن إجمالا بأن لله كتبا أنزلها على أنبيائه ورسله لا يعلم عددها إلا الله، وكذلك الرسل نؤمن بمن سمى الله من الرسل وهم خمسة وعشرون، ذكروا في سورة الأنعام وفي سورة النساء، نؤمن بهم بأعيانهم وأسمائهم، وما لم يسمى نؤمن به إجمالا، نؤمن بأن الله تعالى أرسل رسلا كثيرين لا يعلم أسماءهم وعددهم إلا الله سبحانه وتعالى.
القارئ:
وَالرُّسُلُ: جَمْعُ رَسُولٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَنْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ وَأَمَرَهُ بِتَبْلِيغِهِ. وَعَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ تَفْصِيلًا بمَن سمَّى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنْهُمْ، وَهُمْ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، ذَكَرَهُمُ الشَّاعِرُ فِي قَوْلِهِ:
فِي تِلْكَ حُجَّتُنَا مِنْهُمْ ثَمَانِيَة ... مِنْ بَعْدِ عَشْرٍ ويَبْقَى سَبْعَةٌ وهُمُ
الشيخ:
ثمانية عشر يعني، ثمانية عشر في سورة ماذا؟ يقول: في تلك حجتنا، قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) ﴾[الأنعام:83-86]، هؤلاء ثمانية عشر.
وفي سورة النساء قال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾[النساء:163]. مع هود ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال في تلك حجتنا ماذا؟
القارئ:
فِي تِلْكَ حُجَّتُنَا مِنْهُمْ ثَمَانِيَة ... مِنْ بَعْدِ عَشْرٍ ويَبْقَى سَبْعَةٌ وهُمُ
إدْرِيسُ هُودُ شُعَيْبٌ صَالِحٌ وكَذا ... ذُو الكِفْلِ آدَمُ بالمُخْتَارِ قَدْ خُتِمُوا
الشيخ:
المختار محمد صلى الله عليه وسلم، ذو الكفل مختلف فيه، هل هو رسول أو نبي صالح، ظاهر الآية أنه رسول كما ذكر الله في سورة الأنبياء.
القارئ:
وَأَمَّا مَن عَدَا هَؤُلَاءِ مِنَ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ؛ فَنُؤْمِنُ بِهِمْ إِجْمَالًا عَلَى مَعْنَى الِاعْتِقَادِ بنبوَّتِهم وَرِسَالَتِهِمْ، دُونَ أَنْ نكلِّف أَنْفُسَنَا الْبَحْثَ عَنْ عِدَّتِهِمْ وَأَسْمَائِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا اختصَّ اللَّهُ بِعِلْمِهِ؛
الشيخ:
يعني لا نسأل عنهم ولا عن عدتهم، الذين لم يذكروا في القرآن ولا في السنة لا نعلم عدتهم، نؤمن بهم إجمالا، لا نعلم عددهم ولا أسماءهم إلا الله.
القارئ:
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾[النساء:164]، وَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِأَنَّهُمْ بلَّغوا جميعَ مَا أُرسلوا بِهِ عَلَى مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وبيَّنوه بَيَانًا لَا يَسَعُ أَحَدًا ممَّن أُرسلوا إِلَيْهِ جَهْلُهُ، وَأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ، وَالْكِتْمَانِ وَالْبَلَادَةِ.
وَأَنَّ أَفْضَلَهُمْ أُولُو الْعَزْمِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمْ: مُحَمَّدٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَنُوحٌ؛ لِأَنَّهُمْ ذُكروا مَعًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾[الأحزاب:7]، وقوله: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾[الشورى:13].
وَ (الْبَعْثِ) ...
الشيخ:
قف على البعث، يجب الإيمان بأن الرسل أفضل الناس، وأنهم معصومون من الشرك، ومعصومون من الكبائر، ومعصومون من كتمان الرسالة، والاعتقاد أنم بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة ونصحوا الأمة، وأنهم أنصح الناس، وأكمل الناس، وأفضل الناس، فمن وصف واحدا منهم بالكتمان والخيانة فهو كافر، فهم معصومون من الكتمان، معصومون من الكبائر، معصومون من الشرك، ومعصومون من عدم تبليغ الرسالة، معصومون من الشرك، فلا يقع منهم الشرك، معصومون من الكبائر، ومعصومون من الكتمان، وبلغوا وأدوا ونصحوا وقامت الحجة على أممهم.
لا بد من الإيمان بهذا، ومن لم يؤمن بذلك أو أنكر شيئا من ذلك فليس بمؤمن، فلا بد من الاعتقاد بأنهم أكمل الناس وأفضل الناس، وأنهم خير الناس لأن الله اختارهم واصطفاهم سبحانه وتعالى.
س: في تعليق للشيخ ابن باز رحمه الله على الإيمان بالملائكة، قال: "وهم خير عباد الله، لكن أهل السنة والجماعة يرون أن المؤمنين من البشر أفضل منهم بإجماع أهل السنة".
الشيخ: هذه المسألة (مسألة المفاضلة بين الملائكة وبين الأنبياء) فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم، ذكر صاحب الرسالة الطحاوية قال أن فيها أقوال:
القول الأول: لأهل السنة أن المؤمنين وصالحي البشر أفضل.
والقول الثاني: أن الملائكة أفضل.
والقول الثالث: التوقف.
يقول شارح الطحاوية إن المسألة هذه من فضول الكلام، وليس تحتها طائل، ولولا أن بعض الاس يسيئون الأدب مع الملائكة ويقول (00:27:24) ملائكة لما حرّكت في ذلك قلما، هذا شارح الطحاوية.
شيخ الإسلام رحمه الله بحث هذه المسألة، قال: كنت أظن أنها من بدع الكلام، فتبين لي أنها أثرية سلفية صحابية، فاتجهت الهمة إلى تحقيقها (00:27:39)، حقق هو ورأى أن المؤمنين وصالح البشر أفضل من الملائكة في ثاني الحال، يعني عند دخولهم الجنة بعدما يهذبون وينقون، قد يكونون في أول الأمر، لكن في آخر (00:27:55) بحال يكون الانبياء وصالح البشر أفضل.
ومن أقوى الأدلة في هذا أن الملائكة قالت: يا ربنا، جعلت الدنيا لبني آدم، فاجعل لنا الآخرة، فقال الرب سبحانه: «لا أجعل صالح من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان»، هذا من الأقوال التي تدل على أن الأنبياء وصالح المؤمنين أفضل.
س: (00:28:22) غير مسموع.
الشيخ: نعم هذا هو قوله وقول أهل السنة، أما القول الثاني معروف، قول نُسب إلى المعتزلة أن (00:28:37) ملائكة ؟؟؟ المقصد أن هذا هو المعتمد وهو الصحيح، ويكون هذا بعد تميلهم، ثم إن كمالهم يكون بعد دخولهم الجنة.
وفق الله الجميع لطاعته وثبت الله الإيمان ... وصلى الله على محمد.