اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في العقيدة الواسطية:
المتن:
وَمِنَ الإيمَانِ بِاللهِ: الإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتِابِهِ الْعَزِيزِ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم؛ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ، بَلْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللهَ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11].
الشيخ:
ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، الإيمان بما وصف الله به نفسه وبما سمى الله به نفسه من الأسماء والصفات، الإيمان بقوله تعالى: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11]، ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾[التحريم:2]، الإيمان بأنه: ﴿الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ﴾[الحشر:23]، الإيمان بما وصف الله به نفسه، بالعلم: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾[الملك:14]، الإيمان بأن الله في العلو: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾[الشورى:4]، الإيمان بصفة النزول: «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة»، وهكذا.
الإيمان بما وصف به نفسه، الإيمان بصفة الرضا: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾[المائدة:119]، ﴿غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾[المجادلة:14]، وهكذا، الإيمان بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تكييف، لا يقال كيفية الصفة كذا وكذا، لا يعلم الكيف إلا الله، من غير تمثيل، ولا (00:01:32) صفات المخلوقين، ولا تحريف، ولا يُحرف ولا يُؤول معناها، يقال معناها كما تفعل الأشاعرة: الرضا معناه الثواب، والغضب معناه العقاب، بل تُثبت الصفة من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، ولا تُعطل، بل يؤمن المسلم بأن الله ليس كمثله شيء، لا يماثل أحد من خلقه وهو السميع البصير، و ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى:11] ردٌ على الممثلة والمشبهة، ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11] ردٌ على المعطلة.
القارئ:
قال العلامة محمد بن خليل هراس:
وَقَوْلُهُ: ((وَمِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ ... إلخ)) : هَذَا شروعٌ فِي التَّفْصِيلِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ،
الشيخ:
الإجمال: سبق الإجمال أن الإيمان هو الإيمان بالله ثم الإيمان بالملائكة ثم الإيمان بالكتب المنزلة ثم الإيمان بالرسل ثم الإيمان باليوم الآخر ثم الإيمان بالقدر خيره وشره، هذا الإجماع، ثم جاء التفصيل، تفصيل الإيمان بالله.
القارئ:
هَذَا شروعٌ فِي التَّفْصِيلِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ، وَ(مِنْ) هُنَا لِلتَّبْعِيضِ، وَالْمَعْنَى وَمِنْ جُمْلَةِ إِيمَانِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِالْأَصْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأُصُولِ وَأَسَاسُهَا، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ: أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ... إلخ.
وَقَوْلُهُ: ((مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ)) متعلِّقٌ بِالْإِيمَانِ قَبْلَهُ؛ يَعْنِي أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْخَالِي مِنْ كُلِّ هَذِهِ الْمَعَانِي الْبَاطِلَةِ؛ إِثْبَاتًا بِلَا تَمْثِيلٍ،
الشيخ:
إثباتا بلا تمثيل: يعني بلا تمثيل لصفة المخلوقين، فلا يقال إن صفات الله من صفات المخلوقين.
القارئ:
وَتَنْزِيهًا بِلَا تَعْطِيلٍ.
الشيخ:
تنزيه، ينزه الله عن النقائص والعيوب بلا تعطيل للصفة، مع إثبات الصفة.
القارئ:
وَالتَّحْرِيفُ فِي الْأَصْلِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: حرفتُ الشَّيْءَ عَنْ وَجْهِهِ حَرْفًا، مِنْ بَابِ ضَرَبَ؛ إِذَا أَمَلْتَهُ وَغَيَّرْتَهُ،
الشيخ:
التحريف هو التغيير والتبديل، من غير تحريف: يحرفه ويميل به عن الحق.
القارئ:
وَالتَّشْدِيدُ لِلْمُبَالَغَةِ.
وَتَحْرِيفُ الْكَلَامِ: إِمَالَتُهُ عَنِ الْمَعْنَى الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ إِلَى مَعْنًى آخَرَ لَا يدلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ إِلَّا بِاحْتِمَالٍ مرجوحٍ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قرينةٍ تبيِّن أَنَّهُ الْمُرَادُ.
وَأَمَّا التَّعْطِيلُ؛ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَطَلِ، الَّذِي هُوَ الخلوُّ وَالْفَرَاغُ وَالتَّرْكُ،
الشيخ:
العطل: يقال دار خالية إذا لم يكن فيها أحد، ويقال: امرأة عاطل إذا لم يكن عليها حلي، ويقال: إبلٌ عاطل ليس لها راعٍ، وبئر عاطل لا يُستقى منها، مادة تدل على الخلو والفراغ، والتعطيل هو نفي صفات الله عز وجل، تعطيل الرب عن صفات الكمال.
القارئ:
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَة﴾[الحج:45]، أَيْ: أَهْمَلَهَا أَهْلُهَا،
الشيخ:
لا يستقى منها.
وَتَرَكُوا وِرْدها. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا نَفْيُ الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ، وَإِنْكَارُ قِيَامِهَا بِذَاتِهِ تَعَالَى، فَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّعْطِيلِ: أَنَّ التَّعْطِيلَ نفيٌ لِلْمَعْنَى الْحَقِّ الَّذِي دلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَأَمَّا التَّحْرِيفُ؛ فَهُوَ تَفْسِيرُ النُّصُوصِ بِالْمَعَانِي الْبَاطِلَةِ الَّتِي لَا تدلُّ عَلَيْهَا.
الشيخ:
التعطيل: نفي الصفة، إنكار صفة العلو، وإنكار صفة الاستواء، أما التحريف فهو تأويلها تأويلا باطلا، معنى الرضا الثواب، معنى الغضب العقاب؛ هذا تحريف، إنكار الصفة هذا تعطيل، وتأويلها بمعنى آخر هذا تحريف.
القارئ:
وَالنِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ، فَإِنَّ التَّعْطِيلَ أعمُّ مُطْلَقًا مِنَ التَّحْرِيفِ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ التَّحْرِيفُ؛ وُجِدَ التَّعْطِيلُ؛ دُونَ الْعَكْسِ، وَبِذَلِكَ يُوجَدَانِ مَعًا فِيمَنْ أَثْبَتَ الْمَعْنَى الْبَاطِلَ وَنَفَى الْمَعْنَى الْحَقَّ، وَيُوجَدُ التَّعْطِيلُ بِدُونِ التَّحْرِيفِ فِيمَنْ نَفَى الصِّفَاتِ الْوَارِدَةَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَزَعَمَ أَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادِهَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُعَيِّن لَهَا مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ مَا يُسَمُّونَهُ بِالتَّفْوِيضِ.
الشيخ:
يعني التعطيل هو أن ينفي الصفة، ينفي صفة الاستواء، ينفي صفة العلو، فإن فسرها بمعنى آخر، قال: معنى الاستواء الاستيلاء، صار تحريفا، صار اجتماع تحريف فتعطيل، وإن لم يفسرها وقال؛ لا يعلم معناها إلا الله -كلام المفوضة- صار تعطيلا بلا تحريف، وقد يكون تحريف، يُحرّف بأن يفسرها، يعني يجتمع تحريف وتعطيل، يعني نفى صفة الرب وفسرها بمعنى باطل، هذا معناه عطل الصفة وفسرها بمعنى باطل كالأشاعرة حينما يفسرون الرضا بالثواب، والغضب بالعقاب، والاستواء بالاستيلاء، والرحمة بالإنعام.
القارئ:
وَمِنَ الْخَطَأِ الْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ السَّلف؛ كَمَا نَسَبَ ذَلِكَ إِلَيْهِمُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ وَغَيْرِهِمْ،
الشيخ:
يعني قالوا مذهب السلف التفويض، والآن يقولون: طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم، كما قال ذلك شيخ الإسلام الحموي، طريقة السلف أسلم، يقولون خلاص، يفوضون، يقولون لا ندري ما معناها، ما ندري ما معنى العلو، ما معنى رضي الله عنهم، لا نعرف ما معناها، كأنها حروف أعجمية، يفوضون، يقولون المعنى لا يعلمه إلا الله، هذا التفويض.
قال جمع من العلماء: التفويض أقبح من التحريف.
والتحريف: يؤولها بمعنى باطل، يقول معنى الاستواء الاستيلاء، معنى الرضا الثواب، النوي رحمه الله في شرح مسلم إذا جاء مثل الصفة قال لها: العلماء لهم مذهبان: المذهب الأول أن يفوض المعنى إلى الله، والمذهب الثاني أن يُفسر، ما هو مذهب الأشاعرة، ولم يأت مذهب السلف، يعني مذهب التفويض والتحريف، التفويض هم المفوضة، والتحريف مذهب الأشاعرة، ما وصل إلى مذهب السلف.
القارئ:
كَمَا نَسَبَ ذَلِكَ إِلَيْهِمُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ السَّلَفَ لَمْ يَكُونُوا يفوِّضون فِي عِلْمِ الْمَعْنَى، ولا كانوا يقرؤون كَلَامًا لَا يَفْهَمُونَ مَعْنَاهُ؛ بَلْ كَانُوا يَفْهَمُونَ مَعَانِيَ النُّصُوصِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَيُثْبِتُونَهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يفوِّضون فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ كُنْهِ الصِّفَاتِ أَوْ كيفيَّاتها؛ كَمَا قَالَ مَالِكٌ حِينَ سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ اسْتِوَائِهِ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ: ((الِاسْتِوَاءُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ)).
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ))؛ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّكْيِيفَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ صِفَاتِهِ تَعَالَى عَلَى كَيْفِيَّةِ كَذَا، أَوْ يَسْأَلُ عَنْهَا بِكَيْفَ.
الشيخ:
يعني يعتقد أن لها كيفية ويسأل عنها بكيف.
القارئ:
وَأَمَّا التَّمْثِيلُ؛ فَهُوَ اعْتِقَادُ أَنَّهَا مِثْلُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: ((مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ)) أَنَّهُمْ يَنْفُونَ الْكَيْفَ مُطْلَقًا؛ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ مَا، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَنْفُونَ عِلْمَهُمْ بِالْكَيْفِ؛ إِذْ لَا يَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ.
(بَلْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللهَ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11]).
قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِه﴾؛ هَذِهِ الْآيَةُ الْمُحْكَمَةُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هِيَ دُسْتُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي بَابِ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ الْمِثْلَ، وَأَثْبَتَ لِنَفْسِهِ سَمْعًا وَبَصَرًا، فدلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ الْحَقَّ لَيْسَ هُوَ نَفْيَ الصِّفَاتِ مُطْلَقًا؛ كَمَا هُوَ شَأْنُ المعطِّلة، وَلَا إِثْبَاتُهَا مُطْلَقًا؛ كَمَا هُوَ شَأْنُ الممثِّلة؛ بَلْ إِثْبَاتُهَا بِلَا تَمْثِيلٍ.
وَقَدِ اختُلِفَ فِي إِعْرَابِ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ﴾ عَلَى وُجُوهٍ؛ أصحُّها: أَنَّ الكافَ صلةٌ زيدَت لِلتَّأْكِيدِ؛ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
لَيْسَ كَمِثْلِ الْفَتَى زُهَيْرٍ ... خَلْقٌ يُوَازِيهِ فِي الفَضَائِلِ
س: ما الفرق بين التمثيل والتكييف؟
الشيخ: التمثيل: التمثيل بصفات المخلوقين، والتكييف: يقول لها كيفية ولم يعينها، لها كيفية، السلف يقولون من غير تكييف، لا يعلمه العباد، الكيفية لا يعلمها إلا الله، وهذا يقول لها كيفية ولكن يعني غير صفة المخلوقين، التمثيل مثلها بصفات المخلوقين، والتكييف يقول لها كيفية، كيفيتها كذا، على كيفية كذا وكذا، يعين كيفية غير التمثيل.
س: (00:13:42) غير مسموع.
الشيخ: (00:13:47) سقطوا في هوة سحيقة.
وفق الله الجميع.
س: الاستواء هو (00:13:55)
الشيخ: الاستواء علو خاص، الاستواء على العرش، استواء الرب على العرش، العلو أعم من الاستواء، ليس كل علو استواء، كل استواء استواء على العرش، يعني علا عرشه واستقر، وأما العلو فهو أعم، العلو على جميع المخلوقات.
وفق الله الجميع.