بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه، ولمشايخه وللمسلمين.
المتن:
قال الشيخ العلامة محمد بن خليل هراس في (شرح العقيدة الواسطية) لشيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: وَاعْلَمْ أنَّ كُلًّا مِنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مجملٌ ومفصَّلٌ.
أَمَّا الْإِجْمَالُ فِي النَّفْيِ؛ فَهُوَ أَنْ يُنفَى عَنِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- كلُّ مَا يضادُّ كَمَالَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ؛ مِثْلُ قَوْلِهِ –تَعَالَى-: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى:11]، وقوله: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾[مريم:65]، وقوله: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾[المؤمنون:91].
الشيخ:
كل هذا من النفي المجمل، وقوله -تعالى-: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾[الإخلاص:4]، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى:11]؛ هذا نفي عام، وقوله: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ﴾[النحل:74]؛ نفي عام، ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾[الصافات:159]؛ هذا نفي عام.
وأمثلة النفي الخاص: نفي الولد. وهذا النفي المجمل. نعم؛ يعني نفي جميع النقائص والعيوب عن الله، فـــ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى:11]؛ لا يماثله أحد من خلقه، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾[الإخلاص:4]، ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ﴾[النحل:74]، ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾[الصافات:159]، نعم.
المتن:
وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فِي النَّفْيِ؛ فَهُوَ أَنْ يُنَزَّهَ اللَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ بِخُصُوصِهِ، فينَزَّهُ عَنِ الْوَالِدِ، وَالْوَلَدِ، وَالشَّرِيكِ، وَالصَّاحِبَةِ، وَالنِّدِّ، وَالضِّدِّ، وَالْجَهْلِ، وَالْعَجْزِ، وَالضَّلَالِ، وَالنِّسْيَانِ، والسِّنَة، وَالنَّوْمِ، وَالْعَبَثِ، وَالْبَاطِلِ.
وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ نفيٌ محضٌ؛ فَإِنَّ النَّفْيَ الصِّرْفَ لَا مَدْحَ فِيهِ.
الشيخ:
ولكن النفي إنما جاء مجمَلًا، والنفي التفصيلي إنما يأتي للرد على المشركين؛ نفي الولد رد على المشركين، ففي سورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص:1] قال الله: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾[الإخلاص:3، 4]؛ صفة الرحمن –سبحانه وتعالى-.
وجاء نفي الولد في مواضع للرد على المشركين، ونفي الضد والشبيه، وإلا فالنفي إنما يكون مجمَلًا، والإثبات يكون مفصَّلًا، هذه طريقة القرآن والسُّنَّة، يأتي النفي مجملًا؛ لأن العيوب كثيرة، ولا يُنَصّ على كل عيب، وإنما يأتي النفي مجمَلًا، وهذا هو الكمال؛ بخلاف الإثبات فإنه يأتي مفصَّلًا، ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾[التحريم:2]، ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11]، الصفات والأسماء لله، الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام، تأتي مفصَّلة، الأسماء، الصفات.
أما العيوب فإنها تنفى إجمالًا، تنفى مجملة، وهذه طريقة الكتاب والسُّنَّة، ولأن الكمال إنما هو في هذا؛ بخلاف نفي النقائص، إذا نُصَّ على كل نقص، النقائص كثيرة، فلو نُفي كل عيب، الأشياء كثيرة.
وثانيًا: إن هذا ليس فيه كمال.
وأما أهل البدع فإنهم بالعكس؛ ينفون نفيًا مفصَّلًا، ويُثبتون إثباتًا مجملًا، إذا أرادوا إثبات الصفات ما يُثبتون صفة العلم والقدرة، يقولون: له الكمال. فقط.
وأما إذا أرادوا النفي يفصِّلون، يقولون: ليس له جلد، وليس له أعضاء، ولا كذا، ولا يد، ولا كذا، ولا يوجد جثة، وليس له طعم، ولا رائحة، وهكذا.
قال العلماء: وهذا مع أنه باطل ومخالف؛ النفي المفصَّل، مخالف للنصوص، فليس فيه مدح، ولا كمال، إنما تُنفى النقائص والعيوب، قال: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾[النحل:60]، لو وقف أحد بين يدي ملك، أو رئيس، أو أمير، وقال له: أيها الملك، أو أيها الأمير، أو أيها الرئيس، لستَ بزبال، ولا كساح، ولا كناس؛ لعاقبه، أو قتله مع أنه صادق. أيها الأمير، ما أنت بكناس، ولا زبال؛ لأن هذا مواجهة بهذا، نفي النقائص ليس فيه كمال، وإنما الكمال أن يأتي بالنفي مجملًا، فلستَ كأحد من رعيتك، بل أنت أعلى وأكمل. هذا فيه الكمال، إنما يقول: لا، أنت لست بكناس، ولا كذا، ولا كناس، وينفي النقائص؛ فإن هذا يعتبر عيب.
فالنفي إنما جاء في الكتاب والسُّنَّة مجملًا، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾[الإخلاص:4]، وإذا جاء النفي مفصَّلًا فهو للرد على من نسب هذه النقيصة لله –عز وجل-؛ نفي الولد.
ثم النفي الذي يأتي ليس صِرفًا محضًا، بل هو يستلزم إثبات ضده من الكمال، ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾[البقرة:255]؛ هذا نفي للسِّنة والنوم، يثبت ضده من الكمال، ضده كمال الحياة وقيوميته، ﴿وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾[البقرة:255]؛ يعني لا يُثقله، ولا يشقّ عليه؛ ذكر النفي؛ لإثبات ضده؛ لكمال قوته وقدرته، ﴿لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ﴾[سبأ:3]؛ هذا النفي، والكمال: لكمال علمه، ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾[الأنعام:103]؛ لكمال عَظَمته، وهكذا، فلا يأتي النفي الصِّرف المحض؛ لأن الصِّرف المحض لا كمال فيه، ولأنه يوصف به المعدوم، والمعدوم لا يوصَف بالكمال، فلا يأتي النفي في الكتاب والسُّنَّة نفيًا صِرفًا، وإنما يأتي لإثبات ضده من الكمال. نعم.
المتن:
وَإِنَّمَا يُراد بِكُلِّ نفيٍ فِيهِمَا إِثْبَاتُ مَا يُضَادُّهُ مِنَ الْكَمَالِ، فَنَفْيُ الشَّرِيكِ وَالنِّدِّ؛ لِإِثْبَاتِ كَمَالِ عَظَمَتِهِ وتفرُّده بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَنَفْيُ الْعَجْزِ؛ لِإِثْبَاتِ كَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَنَفْيُ الْجَهْلِ؛ لِإِثْبَاتِ سَعَةِ عِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ، وَنَفْيُ الظُّلْمِ؛ لِإِثْبَاتِ كَمَالِ عَدْلِهِ، وَنَفْيُ الْعَبَثِ؛ لِإِثْبَاتِ كَمَالِ حِكْمَتِهِ، وَنَفْيُ السِّنَة وَالنَّوْمِ وَالْمَوْتِ؛ لِإِثْبَاتِ كَمَالِ حَيَاتِهِ وقيُّومِيَّتِه، وَهَكَذَا.
وَلِهَذَا كَانَ النَّفي فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِنَّمَا يَأْتِي مُجْمَلًا فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ؛ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ؛ فَإِنَّ التَّفْصِيلَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنَ الْإِجْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ.
وَأَمَّا الْإِجْمَالُ فِي الْإِثْبَاتِ؛ فَمِثْلُ إِثْبَاتِ الْكَمَالِ الْمُطْلَقِ، وَالْحَمْدِ الْمُطْلَقِ، وَالْمَجْدِ الْمُطْلَقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ مِثْلُ قَوْلِهِ –تَعَالَى-: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الفاتحة:2]، وقوله: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾[النحل:60].
وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فِي الْإِثْبَاتِ.
الشيخ:
﴿الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾[النحل:60]؛ الوصف الكامل. نعم.
المتن:
وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فِي الْإِثْبَاتِ؛ فَهُوَ متناولٌ لِكُلِّ اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ وَرَدَتْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ مِنَ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْصِيَهُ؛ فَإِنَّ مِنْهَا مَا اخْتَصَّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِعِلْمِهِ؛ كَمَا قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «سُبْحَانَكَ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عليكَ أَنْتَ كَمَا أثنيتَ عَلَى نَفْسِكَ».
وَفِي حَدِيثِ دُعَاءِ الْمَكْرُوبِ: «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ؛ سميتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ علَّمته أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ».
الشيخ:
يعني هناك أسماء استأثر الله بها في علم الغيب عنده، أسماء الله كثيرة. نعم.
المتن:
قال شيخ الإسلام –رحمه الله-: فَلاَ عُدُولَ لأَهْلِ السُّنَّة وَالْجَمَاعَةِ عَمَّا جَاءَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ؛ فَإِنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ والصَالِحِينَ.
الشيخ:
نعم، لا عدول لأهل السُّنَّة عما جاء في الكتاب والسُّنَّة، أهل السُّنَّة سموا أهل السُّنَّة؛ لامتثالهم أمر الله، وأمر رسوله، وإسلامهم إلى الله، وإلى رسوله، لا عدول لهم عما جاء في الكتاب والسُّنَّة، نعم، أعد: (فلا عدول).
المتن:
فَلاَ عُدُولَ لأَهْلِ السُّنَّة وَالْجَمَاعَةِ عَمَّا جَاءَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ؛ فَإِنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ والصَالِحِينَ.
الشيخ:
نعم، الصراط المستقيم، جاءوا بالإخلاص والمتابعة، جاءوا بالكتاب والسُّنَّة مع الإخلاص، الصراط المستقيم هو الإخلاص مع المتابعة، نعم.
المتن:
قال الشيخ محمد بن خليل هراس: وقَوْلُهُ: فَلَا عُدولَ؛ هَذَا مترتِّبٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانِ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ اتِّباعه، وَلَا يصحُّ الْعُدُولُ عَنْهُ، وَقَدْ عُلِّلَ ذلك بِأَنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، يَعْنِي الطَّرِيقَ السَّوِيَّ الْقَاصِدَ الَّذِي لَا عِوَجَ فِيهِ، وَلَا انْحِرَافَ.
وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ لَا يَكُونُ إِلَّا وَاحِدًا؛ مَنْ زَاغَ عَنْهُ أَوِ انْحَرَفَ وَقَعَ فِي طريقٍ مِنْ طُرُقِ الضَّلَالِ والجَور.
الشيخ:
نعم، كما في الحديث؛ أن النبي خط خطًّا مستقيمًا، وخط حوله خطوطًا عن يمينه، وعن شماله، وقال: الخط المستقيم: «هذا سبيل الله»، ثم قال عن الخطوط عن يمينه وعن شماله: «هذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها. ثم قرأ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾[الأنعام:153]»، والحديث صحيح، نعم.
المتن:
كَمَا قَالَ –تَعَالَى-: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾[الأنعام:153].
وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ طَرِيقُ الْأُمَّةِ الْوَسَطُ، الْوَاقِعُ بَيْنَ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ، وَلِهَذَا أَمَرَنَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وعلَّمنا أَنْ نَسْأَلَهُ أَنْ يَهْدِيَنَا هَذَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنَ الصَّلَاةِ؛ أَيْ: يُلْهِمَنَا وَيُوَفِّقَنَا لِسُلُوكِهِ وَاتِّبَاعِهِ، فَإِنَّهُ صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبيِّين والصدِّيقين، والشهداءِ وَالصَّالِحِينَ، وحَسُنَ أُولئك رَفِيقًا.
قال شيخ الإسلام –رحمه الله-: وَقَدْ دَخَلَ فِي هِذِهِ الْجُمْلَةِ مَا وَصَفَ الله بِهِ نَفْسَهُ فِي سُورَةِ الإِخْلاَصِ الَّتِي تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، حَيثُ.
الشيخ: قف هنا، وفق الله الجميع.