بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا وللمسلمين.
المتن:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في (العقيدة الواسطية): وَقَدْ دَخَلَ فِي هِذِهِ الْجُمْلَةِ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي سُورَةِ الإِخْلاَصِ الَّتِي تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، حَيثُ يَقُولُ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾[الإخلاص].
قال العلامة محمد بن خليل هراس –رحمه الله تعالى-: وقوله: وَقَدْ دَخَلَ ... إلى آخره؛ شروعٌ فِي إِيرَادِ النُّصُوصِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ المتضمِّنة لِمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ.
الشيخ:
سورة الصمد كذلك هي نسب الرحمن، وتسمى سورة الإخلاص لما فيها من إخلاص توحيد الربوبية، والأسماء والصفات لله –عز وجل-، تخلصت الصفات، ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص:1]؛ نزلت لما قال المشركون: انسب لنا ربك، فأنزل الله هذه السورة: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص:1]؛ متوحِّد، الذي لا نظير له، ولا مثيل له، ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ﴾[الإخلاص:1، 2]؛ السيِّد الكامل الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾[الإخلاص:3]؛ لم يتفرع منه شيء، ولم يكن من شيء، ليس له ولد، ولا والد، بل هو –سبحانه وتعالى- واجب الوجود بذاته، الله لم يلد، ولم يولد، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾[الإخلاص:4]؛ ليس له مثيل.
كفوًا: مماثل، ليس له مماثل، فهو الأحد الذي لا نظير له، والذي لم يتفرع من شيء، ولم يتفرع منه شيء، ليس له أصل، ولا فرع، وليس له مثيل من خَلقه، ليس له مكافئ، ولا مماثل من الخلائق، فهذه السورة فيها بيان وصف الرب –سبحانه وتعالى- وكماله. نعم.
المتن:
وَابْتَدَأَ بِتِلْكَ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا اشْتَمَلَتْ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهِ غَيْرُهَا، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ سُورة الْإِخْلَاصِ؛ لِتَجْرِيدِهَا التَّوْحِيدَ مِنْ شَوَائِبِ الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ.
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ﴾[الإخلاص:1، 2] إلى آخر السورة».
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا «تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ؛ أَقْرَبُهَا مَا نَقَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ اشْتَمَلَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَقَاصِدَ أَسَاسِيَّةٍ:
أَوَّلُهَا: الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي المتضمِّنة لِلْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ الْعَمَلِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَوْضُوعُ عِلْمِ الْفِقْهِ وَالْأَخْلَاقِ.
ثَانِيهَا: الْقصَصُ وَالْأَخْبَارُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِأَحْوَالِ الرُّسُلِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مَعَ أُمَمِهِمْ، وَأَنْوَاعِ الْهَلَاكِ الَّتِي حَاقَتْ بالمكذِّبين لَهُمْ، وَأَحْوَالِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَتَفاصِيلِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
ثَالِثُهَا: عِلْمُ التَّوْحِيدِ، وَمَا يَجِبُ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَهَذَا هُوَ أَشْرَفُ الثَّلَاثَةِ.
الشيخ:
نعم، هذا معنى أَنَّهَا «تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» أن القرآن ثلاثة أنواع: أوامر ونواهي، وأخبار وقصص، وتوحيد، فهي الثلث. نعم.
المتن:
وَلَمَّا كَانَتْ سُورَةُ الْإِخْلَاصِ قَدْ تضمَّنَت أُصول هَذَا الْعِلْمِ، وَاشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ إِجْمَالًا صحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا «تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ».
وَأَمَّا كيف اشتملت هذا السُّورَةُ عَلَى عُلُومِ التَّوْحِيدِ كُلِّهَا، وتضمَّنت الْأُصُولَ الَّتِي هِيَ مَجَامِعُ التَّوْحِيدِ الْعِلْمِيِّ الِاعْتِقَادِيِّ؟ فَنَقُولُ: إِنَّ قَوْلَهُ –تَعَالَى-: ﴿اللَّهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص:1] دلَّت عَلَى نَفْيِ الشَّرِيكِ مِنْ كُلِّ وجهٍ فِي الذَّاتِ، وَفِي الصِّفَاتِ، وَفِي الْأَفْعَالِ؛ كَمَا دلَّت عَلَى تفرُّده –سُبْحَانَهُ- بِالْعَظَمَةِ وَالْكَمَالِ، وَالْمَجْدِ وَالْجَلَالِ وَالْكِبْرِيَاءِ.
الشيخ: -سبحانه وتعالى-.
المتن:
وَلِهَذَا لَا يُطلَق لَفْظُ ﴿أَحَدٌ﴾[الإخلاص:1] فِي الْإِثْبَاتِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ وَاحِدٍ.
وَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾[الإخلاص:2] قَدْ فسَّره ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- بِقَوْلِهِ: السَّيِّدُ الَّذِي كَمُلَ فِي سُؤْدَدِه، وَالشَّرِيفُ الَّذِي كَمُلَ فِي شَرَفِهِ، وَالْعَظِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عَظَمَتِهِ، وَالْحَلِيمُ الَّذِي قَدْ كمُل فِي حِلْمِهِ، وَالْغَنِيُّ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي غِنَاهُ، والجبَّار الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي جَبَرُوتِهِ، وَالْعَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمِهِ، وَالْحَكِيمُ الَّذِي قَدْ كمُل فِي حِكْمَتِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي أَنْوَاعِ الشَّرَفِ وَالسُّؤْدَدِ، وَهُوَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، هَذِهِ صِفَتُهُ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لَهُ، لَيْسَ لَهُ كفءٌ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.
وَقَدْ فُسِّر الصَّمَدُ أَيْضًا بِأَنَّهُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ، وَبِأَنَّهُ الَّذِي تَصْمُدُ إِلَيْهِ الْخَلِيقَةُ كُلُّهَا، وَتَقْصِدُهُ فِي جَمِيعِ حَاجَاتِهَا ومهمَّاتها.
فَإِثْبَاتُ الْأَحَدِيَّةِ لِلَّهِ.
الشيخ:
وكل هذا حق، فالصمد الذي لا جوف له؛ يعني لا يأكل، ولا يشرب، وهو الصمد الذي كمل سؤدده، فهو كامل في نفسه، وهو الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، فهو كامل في نفسه أولًا، هو كامل في نفسه، لا يحتاج إلى أحد، -سبحانه وتعالى-، ثم الخلائق تحتاج إليه، تصمد إليه في حوائجها. كلها صحيحة. نعم.
الطالب: أحسن الله إليك.
الطالب: الإسناد هذا ضعيف.
الشيخ: ماذا؟
الطالب: الإسناد هذا ضعيف.
الشيخ: أي إسناد؟
الطالب: قول ابن عباس.
الشيخ: ولو كان ضعيفًا؛ هذا صحيح، كلام صحيح، سواء ضعيف، نقله عن ابن عباس.
الطالب: أحسن الله إليك، قال المحشِّي: إسناده ضعيف، أخرجه ابن جرير في (التفسير)، والبيهقي في (الأسماء والصفات) من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، وهذا إسناد ضعيف.
الشيخ: لأن علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، لكن هذا مشهور.
الطالب: نقله شيخ الإسلام في (مجموع الفتاوى)، قال: ثابت عن عبد الله بن أبي صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة ال(00:10:17)، لكن يقال: إنه لم يسمع التفسير من ابن عباس، ولكن مثل هذا الكلام ثابت عن السلف.
الشيخ: صحيح، من يقول هذا الكلام؟
الطالب: شيخ الإسلام.
الشيخ: صح، علي بن أبي طلحة، وكذلك العوفي يرويان عن ابن عباس منقطع، لكن هذا مشهور، هذا كلام صحيح، كلام عظيم سواء صح، أم لم يصح، وهذا هو الصحيح. هو الكامل في سؤدده -سبحانه-، وهو الذي لا يحتاج إلى أحد، وهو الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها. نعم.
الطالب: أحسن الله إليك.
الشيخ: سواء صح، أم لم يصح. نعم.
الطالب: لا جوف له.
الشيخ: نعم. يعني لا يأكل، ولا يشرب، ولذلك الملائكة صُمت، ليس لهم وجوه، لا يأكلون، ولا يشربون، أكمل من بني آدم، إذا كانت الملائكة صُمت لهم الكمال، فالله -تعالى- أولى بالكمال. نعم.
المتن:
قال: فَإِثْبَاتُ الْأَحَدِيَّةِ لِلَّهِ تضمَّن نَفْيَ الْمُشَارَكَةِ وَالْمُمَاثَلَةِ.
الشيخ:
نعم، الأحد الذي ليس له شريك، ولا مماثل في أحديته، وفي انفراده –سبحانه وتعالى-، فهو الفرد الأحد، لا أحد يشاركه –سبحانه وتعالى-. نعم.
المتن:
وَإِثْبَاتُ الصمديَّة بِكُلِّ مَعَانِيهَا الْمُتَقَدِّمَةِ تَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ جَمِيعِ تَفَاصِيلِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتِ الْعُلَى، وَهَذَا هُوَ تَوْحِيدُ الْإِثْبَاتِ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي، وَهُوَ تَوْحِيدُ التَّنْزِيهِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ –تَعَالَى-: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾[الإخلاص:3، 4]؛ أَيْ: لَمْ يتفرَّع عَنْهُ شَيْءٌ، وَلَمْ يتفرَّع هُوَ عَنْ شَيْءٍ، وَلَيْسَ لَهُ مُكَافِئٌ، وَلَا مُمَاثِلٌ، وَلَا نَظِيرٌ.
الشيخ:
سبحانه، ولا إله إلا هو، صفات عظيمة. نعم.
المتن:
فَانْظُرْ كَيْفَ تضمَّنت هَذِهِ السُّورَةُ تَوْحِيدَ الِاعْتِقَادِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَمَا يَجِبُ إِثْبَاتُهُ للرَّبِّ –تَعَالَى- مِنَ الأَحَدِيَّة الْمُنَافِيَةِ لِمُطْلَقِ الْمُشَارَكَةِ، والصمَدِيَّةِ المُثْبِتَة لَهُ جَمِيعَ صِفَاتِ الْكَمَالِ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُ نقصٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَنَفْيَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ الَّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِ غِنَاهُ وصمَدِيَّتِه وأَحدِيَّتِه، ثُمَّ نَفْيَ الْكُفْءِ الْمُتَضَمِّنَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ وَالنَّظِيرِ.
فحُقَّ لِسُورَةٍ تضمَّنت هَذِهِ الْمَعَارِفَ كُلَّهَا أَنْ تَعْدِلَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ.
الشيخ:
نعم، ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص:1]، هذا فيه إثبات الكمال، إثبات توحيد الربوبية، ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾[الإخلاص:2]؛ إثبات توحيد الألوهية، ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾[الإخلاص:3، 4]؛ إثبات الأسماء والصفات. تضمنت التوحيد بأنواعه الثلاثة، وحُقَّ لسورة تضمنت هذه المعاني أن تعدل ثلث القرآن. نعم.
المتن:
قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-: وَأمَا ما وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي أَعْظَمِ آيَةٍ فِي كِتِابِهِ؛ حَيْثُ يَقُولُ: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾[البقرة:255].
الشيخ: قف على: (وأما ما وصف).
الطالب: هل يصح التعبير عن الشمال باليسار؟
الشيخ: ماذا؟
الطالب: هل يصح التعبير عن الشمال باليسار بالنسبة لله؟
الشيخ: اليسار؟
الطالب: نعم، اليسار.
الشيخ: اليسار لا، كما ورد الشمال، حتى الشمال فيها غلط، الحديث انفرد به بعض الرواة، ولهذا قال بعض العلماء: ما تثبت الشمال، «وكلتا يديه يمين»، أما كلمة اليسار يعني الشمال، الشمال؛ من العلماء من أثبتها كالشيخ محمد بن عبد الوهاب أخذًا بالحديث، وجاء في مسلم: «بشماله»، لكن انفرد به بعض الرواة، لم يتابَع عليه، بحثنا عنه، فما وجدنا له متابعة، كتب فيه أحد الإخوة رسالة دكتوراه؛ كنت المشرف عليها قبل سنين، بحثنا، ما وجدنا له متابعة، ولو وجدنا متابع أثبتت الشمال، وإن كان في صحيح مسلم، لكن ليس له متابع.
وفَّق الله الجميع لطاعته، وصلى الله على نبيه محمد.