بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المتن:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في كتاب (العقيدة الواسطية): وَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي أَعْظَمِ آيَةٍ فِي كِتِابِهِ؛ حَيْثُ يَقُولُ.
الشيخ:
وهي آية الكرسي، أعظم آية في كتابه هي آية الكرسي، وأعظم سورة في القرآن الفاتحة. نعم.
المتن:
حَيْثُ يَقُولُ: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾[البقرة:255]، ولهذا كان.
الشيخ: هذه أعظم آية في القرآن، الله -تعالى- وصف نفسه، قال: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾[البقرة:255]، ﴿اللَّهُ﴾[البقرة:255]؛ أعرف المعارف؛ عَلَم على ربنا –عز وجل-، ﴿اللَّهُ﴾[البقرة:255]؛ يعني المألوه المعبود بحق، (00:01:25) الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين.
﴿لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾[البقرة:255]؛ كلمة التوحيد، لا معبود بحق سواه.
﴿الْحَيُّ﴾[البقرة:255]؛ الذي له الحياة الكاملة.
﴿الْقَيُّومُ﴾[البقرة:255]؛ وصف نفسه بأنه الإله المعبود، وسمَّى نفسه بأنه الحي الحياة الكاملة، وهو ﴿الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾[البقرة:255]؛ لكمال حياته وقيوميته.
﴿وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾[البقرة:255]؛ لكمال قوته وقدرته، ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾[البقرة:255]؛ اسم العلي؛ مشتمل على صفة العلو، و﴿الْعَظِيمُ﴾[البقرة:255]؛ اسم العظيم مشتمل على صفة العَظَمة.
فهذه الآية فيها خمسة أسماء: الله، والحي، والقيوم، والعلي، والعظيم، وهي أثبتت صفة العلم لله –عز وجل-: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾[البقرة:255]، وكمال علمه، وأن الخلق لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء.
وفيه بيان الكرسي، وأنه أعظم من السماوات والأرض، وفيه بيان كمال قُدرة الله –عز وجل-، وأنه لا يئوده حفظهما.
المؤلف يقول: إن الله -تعالى- وصف نفسه، وسمَّى نفسه بهذه الأسماء، كل اسم مشتمل على صفة، الأسماء مشتقة، فالله مشتمل على صفة الألوهية، والحي مشتمل على صفاة الحياة، والقيوم مشتمل على صفة القيومية، والعلي مشتمل على صفة العلو، والعظيم مشتمل على صفة العَظَمة.
يقول المؤلف: دخل في ذلك مَا وَصَفَ الله بِهِ نَفْسَهُ فِي أَعْظَمِ آيَةٍ فِي القرآن العظيم، وهي آية الكرسي. أعد.
المتن:
وَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي أَعْظَمِ آيَةٍ فِي كِتِابِهِ؛ حَيْثُ يَقُولُ: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾[البقرة:255]. ولهذا كان «من قرأ هذه الآية في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يُصبح».
الشيخ:
نعم، هذا معنى الحديث، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يُصبح»، وهو حديث صحيح، نعم.
المتن:
قال الشيخ محمد بن خليل هراس –رحمه الله تعالى-: وَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي أَعْظَمِ آيَةٍ فِي كِتِابِهِ؛ حَيْثُ يَقُولُ: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾[البقرة:255].
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أُبيّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلَهُ: «أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فردَّدها مِرَارًا، ثُمَّ قَالَ أُبيٌّ: آيَةُ الْكُرْسِيِّ. فَوَضَعَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ عَلَى كَتِفِهِ، وَقَالَ: لِيَهْنِكَ هَذَا الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ». وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ لَهَا لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ تقدِّس الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ».
وَلَا غَرْوَ، فَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْعَظِيمَةُ مِنْ أَسْمَاءِ الربِّ وَصِفَاتِهِ عَلَى مَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ آيَةٌ أُخْرَى، فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ فِيهَا عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ المتوحِّد فِي إلهيَّتِه، الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا وَسَائِرِ صُوَرِهَا إِلَّا لَهُ.
ثُمَّ أَرْدَفَ قَضِيَّةَ التَّوْحِيدِ بِمَا يَشْهَدُ لَهَا مِنْ ذِكْرِ خَصَائِصِهِ وَصِفَاتِهِ الْكَامِلَةِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ الْحَيُّ الَّذِي لَهُ كَمَالُ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، فَهِيَ أزليَّة أبديَّة، وَكَمَالُ حَيَاتِهِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ جَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ الذاتيَّة لَهُ مِنَ العزَّة وَالْقُدْرَةِ، وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَالْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ وَغَيْرِهَا؛ إِذْ لَا يَتَخَلَّفُ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا لنقصِ فِي الْحَيَاةِ، فَالْكَمَالُ فِي الْحَيَاةِ يَتْبَعُهُ الْكَمَالُ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ لِلْحَيِّ.
ثُمَّ قَرَنَ ذَلِكَ بِاسْمِهِ الْقَيُّومِ، وَمَعْنَاهُ الَّذِي قَامَ بِنَفْسِهِ، وَاسْتَغْنَى عَنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ غِنًى مُطْلَقًا لَا تشوبُه شائبةُ حاجةٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ غِنًى ذاتيٌّ، وَبِهِ قَامَتِ الْمَوْجُودَاتُ كُلُّهَا، فَهِيَ فَقِيرَةٌ إِلَيْهِ فَقْرًا ذَاتِيًّا بِحَيْثُ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ لَحْظَةً، فَهُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ إِيجَادَهَا عَلَى هَذَا النَّحْوِ مِنَ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ، وَهُوَ الَّذِي يدبِّر أُمُورَهَا، وَيُمِدُّهَا بِكُلِّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي بَقَائِهَا، وَفِي بُلُوغِ الْكَمَالِ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهَا.
فَهَذَا الِاسْمُ متضمِّنٌ لِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ الفعليَّة، كَمَا أَنَّ اسْمَهُ الْحَيَّ متضمِّن لِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ الذَّاتِيَّةِ، وَلِهَذَا وَرَدَ أَنَّ الْحَيَّ الْقَيُّومَ هُمَا اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعي بِهِ أَجَابَ.
ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِمَا يدلُّ عَلَى كَمَالِ حَيَاتِهِ وقيُّوميَّته، فَقَالَ: ﴿لا تَأْخُذُهُ﴾[البقرة:255]؛ أَيْ لَا تَغْلِبُهُ ﴿سِنَةٌ﴾[البقرة:255]؛ أَيْ نعاسٌ، ﴿وَلا نَوْمٌ﴾[البقرة:255]؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَافِي الْقَيُّومِيَّةَ؛ إِذِ النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ، وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الجنَّة لَا يَنَامُونَ.
ثُمَّ ذَكَرَ عُمُومَ مِلْكِهِ لِجَمِيعِ العوالِم العُلْوية والسُّفلية.
الشيخ: (ينافي) ماذا؟
المتن:
ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِمَا يدلُّ عَلَى كَمَالِ حَيَاتِهِ وقيُّوميَّته، فَقَالَ: ﴿لا تَأْخُذُهُ﴾[البقرة:255]؛ أَيْ لَا تَغْلِبُهُ ﴿سِنَةٌ﴾[البقرة:255]؛ أَيْ نعاسٌ، ﴿وَلا نَوْمٌ﴾[البقرة:255]؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَافِي الْقَيُّومِيَّةَ؛ إِذِ النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ، وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الجنَّة لَا يَنَامُونَ.
الشيخ:
هذا ينافي القيومية، ينافي كمال الحياة، حياة الله كاملة، حياة المخلوق فيها نقص، من نقصها وضعفها: النوم والنعاس، وهذا من ضعف الحياة، يحتاج إلى النوم؛ حتى يتقوَّى. قوله: من ضعف القيومية. الحياة والقيومية.
والحي له الحياة الكاملة، والقيوم القائم بنفسه، المقيم لغيره، -سبحانه وتعالى-، الذي لا يحتاج إلى أحد، -سبحانه وتعالى-، وهو القائم بنفسه الذي تقوم بأمره السماوات والأرض، وما فيهما، القائم بنفسه، المقيم لغيره، هو لا يحتاج لأحد –سبحانه وتعالى-، وكل أحد محتاج إليه، ولهذا قيل: إن اسم الله الأعظم هذان الاسمان: الحي القيوم، ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾[البقرة:255].
وقد جمع الله -تعالى- بينهما في القرآن في ثلاث مواضع: في آية الكرسي هنا: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾[البقرة:255]، والثاني في أول سورة آل عمران: ﴿الم (1) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾[آل عمران:1، 2]، والثالث في سورة طه، قال -تعالى-: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾[طه:111].
(00:11:12) ينافي القيومية، قال: ينافي كمال الحياة والقيومية. نعم.
المتن:
ثُمَّ ذَكَرَ عُمُومَ مِلْكِهِ لِجَمِيعِ العوالِم العُلْوية والسُّفلية.
الشيخ: بارك الله فيكم، قف على: (ثُمَّ ذَكَر).
وفَّق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح.