الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمسلمين.
المتن:
قال الشيخ محمد بن خليل هراس –رحمه الله تعالى–: وَقَوْلُهُ –سُبْحَانَهُ–: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾[الفرقان:58]. هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنَ الْآيَاتِ سَاقَهَا الْمُؤَلِّفُ؛ لِإِثْبَاتِ بَعْضِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
فَالْآيَةُ الْأُولَى فِيهَا إِثْبَاتُ اسْمِهِ الحيِّ، كَمَا تضمَّنت سَلْبَ الْمَوْتِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْحَيَاةِ عَنْهُ، وَقَدْ قدَّمنا أَنَّهُ –سُبْحَانَهُ– حيٌّ بِحَيَاةٍ هِيَ صِفَةٌ لَهُ لَازِمَةٌ لِذَاتِهِ، فَلَا يَعْرِضُ لَهَا مَوْتٌ، وَلَا زَوَالٌ أَصْلًا، وَأَنَّ حَيَاتَهُ أَكْمَلُ حَيَاةٍ وَأَتَمَّهَا، فَيَسْتَلْزِمُ ثبوتُها لَهُ ثبوتَ كلِّ كَمَالٍ يضادُّ نفيُه كمالَ الْحَيَاةِ.
الشيخ:
(فَيَسْتَلْزِمُ ثبوتُها لَهُ ثبوتَ ...) يستلزم ثبوت الحياة ثبوت الكمال. نعم، الأولى مرفوعة، والثانية منصوبة.
المتن:
فَيَسْتَلْزِمُ ثبوتُها لَهُ ثبوتَ كلِّ كَمَالٍ يضادُّ نفيُه كمالَ الْحَيَاةِ.
وَأَمَّا الْآيَاتُ الْبَاقِيَةُ؛ فَفِيهَا إِثْبَاتُ صِفَةِ الْعِلْمِ، وَمَا اشتُقَّ مِنْهَا؛ كَكَوْنِهِ عَلِيمًا، وَيَعْلَمُ وَأَحَاطَ بِكُلِّ شيءٍ عِلْمًا إلى آخره.
قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى–: وقوله: ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾[التحريم:2].
الشيخ: الآيات السابقة ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾[الفرقان]؛ في المتن: الآيات، ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾[الفرقان]، ماذا بعدها من الآيات؟
الطالب: بعدها من الآيات: ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾[التحريم:2].
الشيخ: اقرأ الآيات في المتن: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾[الفرقان]، التي سبقت.
الطالب: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾[الفرقان]، ثم قال الشيخ: ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾[التحريم:2].
الشيخ: لا، متى؟ متى قال شيخ الإسلام: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾[الفرقان]. ماذا بعدها من الآيات؟
الطالب: ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾[التحريم:2].
الشيخ: اقرأ ﴿وَتَوَكَّلْ﴾[الفرقان].
الطالب: أحسن الله إليك.
المتن:
وَقَوْلُهُ –سُبْحَانَهُ–: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾[الفرقان:58].
الشيخ: نعم، بعدها، الآية التي بعدها.
المتن:
وقوله: ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾[التحريم:2]، وقوله: ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾[سبأ:1، 2]، وقوله –سبحانه–: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾[الأنعام:59]، وقوله –سبحانه–: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾[فاطر:11]، وقوله –سبحانه–: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾[الطلاق:12]، وقوله –سبحانه–: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾[الذاريات:58].
قال الشيخ محمد بن خليل –رحمه الله تعالى–: وَالْعِلْمُ صِفَةٌ لِلَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ–، بِهَا يُدْرَكُ جَمِيعُ الْمَعْلُومَاتِ عَلَى مَا هِيَ بِهِ.
الشيخ: في الأول إثبات صفة الحياة، وما هي الآية التي بعدها؟
المتن:
وَأَمَّا الْآيَاتُ الْبَاقِيَةُ؛ فَفِيهَا إِثْبَاتُ صِفَةِ الْعِلْمِ، وَمَا اشتُقَّ مِنْهَا؛ كَكَوْنِهِ عَلِيمًا، وَيَعْلَمُ وَأَحَاطَ بِكُلِّ شيءٍ عِلْمًا إلى آخره.
الشيخ: هذا كلام؟
الطالب: كلام الشيخ محمد بن خليل.
الشيخ: نعم. بعد ذلك.
المتن:
ثم قال: وَالْعِلْمُ صِفَةٌ لِلَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ–، بِهَا يُدْرَكُ.
الشيخ:
هذه الآيات كلها فيها إثبات صفة العلم، ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾[الأنعام:59]، ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[الطلاق:12]، ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[البقرة:29].
وعلم الله محيط بكل شيء، يعلم ما كان في الأزل إلى ما لا بداية له، ويعلم ما يكون في المستقبل، ويعلم ما يكون في الحال، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾[الطلاق:12]. نعم. والعلم. نعم.
المتن:
وَالْعِلْمُ صِفَةٌ لِلَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ–، بِهَا يُدْرَكُ جَمِيعُ الْمَعْلُومَاتِ عَلَى مَا هِيَ بِهِ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ كَمَا قَدَّمْنَا.
وَفِيهَا إِثْبَاتُ اسْمِهِ الْحَكِيمِ، وَهُوَ مأخوذٌ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَمَعْنَاهُ: الَّذِي لَا يَقُولُ، وَلَا يَفْعَلُ إِلَّا الصَّوَابَ، فَلَا يَقَعُ مِنْهُ عبثٌ، وَلَا باطلٌ، بَلْ هو كُلُّ مَا يَخْلُقُهُ، أَوْ يَأْمُرُ بِهِ فَهُوَ تابعٌ لِحِكْمَتِهِ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنْ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مُفْعِل، وَمَعْنَاهُ: المُحْكِم لِلْأَشْيَاءِ، مِنَ الْإِحْكَامِ، وَهُوَ الْإِتْقَانُ.
الشيخ: (مُفْعِل) مُحْكِم.
الطالب: أحسن الله إليك.
الشيخ: ماذا؟ وقال: والعلم. أعد. والعلم.
المتن:
وَالْعِلْمُ صِفَةٌ لِلَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ–، بِهَا يُدْرَكُ جَمِيعُ الْمَعْلُومَاتِ عَلَى مَا هِيَ بِهِ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ كَمَا قَدَّمْنَا.
الشيخ:
كما ذكرنا: العلم أنواع؛ العلم بما كان في الأزل الماضي إلى ما لا بداية، والعلم بالأشياء الحاضرة، والعلم بالأشياء المستقبلة، والعلم بما لم يكن لو كان كيف يكون، كل هذه داخلة في العلم، فيعلم ما كان في الأزل الماضي إلى ما لا بداية؛ لأن الله هو الأول الذي لا بداية لأوليته بأسمائه وصفاته، لو كان له بداية لكان مسبوقًا بالعدم. ويعلم الأشياء الحاضرة، ويعلم الأشياء المستقبلة، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون؛ لقوله –تعالى–: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾[الأنعام:28]، ما رُدُّوا، لكن لو رُدُّوا؛ ماذا يحصل؟ علم الله ماذا يحصل، أخبرنا الله.
وقوله –تعالى–: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾[التوبة:47]؛ هذا من علمه بما لم يكن لو كان كيف يكون. نعم. والعلم ماذا؟
المتن:
وَالْعِلْمُ صِفَةٌ لِلَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ–، بِهَا يُدْرَكُ جَمِيعُ الْمَعْلُومَاتِ عَلَى مَا هِيَ بِهِ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ كَمَا قَدَّمْنَا.
وَفِيهَا إِثْبَاتُ اسْمِهِ الْحَكِيمِ، وَهُوَ مأخوذٌ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَمَعْنَاهُ: الَّذِي لَا يَقُولُ، وَلَا يَفْعَلُ إِلَّا الصَّوَابَ، فَلَا يَقَعُ مِنْهُ عبثٌ، وَلَا باطلٌ، بَلْ كُلُّ مَا يَخْلُقُهُ، أَوْ يَأْمُرُ بِهِ فَهُوَ تابعٌ لِحِكْمَتِهِ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنْ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مُفْعِل، وَمَعْنَاهُ: المُحْكِم لِلْأَشْيَاءِ، مِنَ الْإِحْكَامِ، وَهُوَ الْإِتْقَانُ، فَلَا يَقَعُ فِي خَلْقِهِ تفاوتٌ، وَلَا فطورٌ، وَلَا يَقَعُ فِي تَدْبِيرِهِ خللٌ، أَوِ اضطرابٌ.
وَفِيهَا كَذَلِكَ إِثْبَاتُ اسْمِهِ الْخَبِيرِ، وَهُوَ مِنَ الْخِبْرَةِ؛ بِمَعْنَى كَمَالِ الْعِلْمِ وَوُثُوقِهِ، وَالْإِحَاطَةِ بِالْأَشْيَاءِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ، وَوُصُولِ عِلْمِهِ إِلَى مَا خَفِيَ، ودقَّ مِنَ الْحِسِّيَّاتِ وَالْمَعْنَوِيَّاتِ.
وَقَدْ ذَكَرَ –سُبْحَانَهُ– فِي هَذِهِ الْآيَاتِ بَعْضَ مَا يتعلَّق بِهِ علمُه، والدَّلَالَة عَلَى شُمُولِهِ وَإِحَاطَتِهِ بِمَا لَا تَبْلُغُهُ عُلُومُ خَلْقِهِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ﴾[سبأ:2]؛ أَيْ: يَدْخُلُ ﴿فِي الأَرْضِ﴾[سبأ:2] مِنْ حبٍّ وبذرٍ، وَمِيَاهٍ وَحَشَرَاتٍ، وَمَعَادِنَ، ﴿وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾[سبأ:2] مِنْ زرعٍ وأشجارٍ، وعيونٍ جاريةٍ، وَمَعَادِنَ نَافِعَةٍ كَذَلِكَ، ﴿وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ﴾[سبأ:2] مِنْ ثلجٍ وَأَمْطَارٍ، وصواعقَ وملائكةٍ، ﴿وَمَا يَعْرُجُ﴾[سبأ:2]؛ أَيْ: يَصْعَدُ ﴿فِيهَا﴾[سبأ:2] كَذَلِكَ مِنْ مَلَائِكَةٍ وَأَعْمَالٍ، وَطَيْرٍ صوافَّ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُهُ –جَلَّ شَأْنُهُ–.
وَذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا أَنَّ ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾[الأنعام:59] ، وَمَفَاتِحُ الْغَيْبِ؛ قِيلَ: خَزَائِنُهُ. وَقِيلَ: طُرُقُهُ وَأَسْبَابُهُ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَيْهِ، جَمْعُ مِفتح؛ بِكَسْرِ الْمِيمِ، أَوْ مِفْتَاحٍ؛ بِحَذْفِ يَاءِ مَفَاعِيلَ.
وَقَدْ فَسَّرَهَا النبيُّ –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– بِقَوْلِهِ: «مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ»، ثُمَّ تلَا قَوْلَهُ –تَعَالَى–: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[لقمان:34].
الشيخ:
هذه مفاتيح الغيب، قف على قوله: ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾[سبأ:2].
الطالب: أحسن الله إليك.
الشيخ: تعاد من الأول.
الطالب: أحسن الله إليك.
الشيخ: ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾[سبأ:2].
الطالب: أحسن الله إليك.
الشيخ: من الأول، ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾[سبأ:2]؛ مِنَ الْخِبْرَةِ. نعم. وفَّق الله الجميع.