الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا، ولوالديه ولمشايخه، وللمسلمين والمستمعين.
المتن:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في (العقيدة الواسطية): وقوله -تعالى-: ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾[سبأ:1، 2]، وقوله –جل وعلا-: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾[الأنعام:59]، وقوله –جل وعلا-: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾[فاطر:11]، وقوله –جل وعلا-: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾[الطلاق:12]، وقوله –جل وعلا-: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾[الذاريات:58].
قال الشيخ محمد بن خليل هراس –رحمه الله تعالى-.
الشيخ:
المؤلف –رحمه الله- يسوق النصوص من الآيات والأحاديث في إثبات الصفات، ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾[سبأ:1]؛ إثبات اسم الحكيم، واسم الخبير، وكل اسم مشتمل على صفة، الحكيم مشتمل على صفة الحكمة، والخبير مشتمل على صفة الخبرة.
﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾[الأنعام:59]؛ إثبات صفة العلم، ﴿وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾[فاطر:11]، وهكذا؛ لأن المؤلف قال: ومن الإيمان بالله الإيمان بأسمائه وصفاته. ثم ساق الآيات التي فيها أسماء وصفات؛ قال: يجب الإيمان بها؛ يجب الإيمان بهذه الأسماء والصفات التي جاءت في النصوص؛ في الكتاب والسُّنَّة. نعم.
المتن:
قال الشيخ محمد بن خليل هراس –رحمه الله تعالى-: وَفِيهَا إِثْبَاتُ اسْمِهِ الْحَكِيمِ، وَهُوَ مأخوذٌ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَمَعْنَاهُ: الَّذِي لَا يَقُولُ، وَلَا يَفْعَلُ إِلَّا الصَّوَابَ.
الشيخ:
إثبات اسم الحكيم، فهو من الأسماء الثابتة، ويُعبَّد، ويقال: عبد الحكيم. ودلَّ على صفة الحكمة، الله -تعالى- متَّصف بالحكمة، ومن أسمائه الحكيم، نعم.
الشيخ: ماذا؟ وهو الحكيم الذي يضع الأشياء.
المتن:
وَهُوَ مأخوذٌ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَمَعْنَاهُ: الَّذِي لَا يَقُولُ، وَلَا يَفْعَلُ إِلَّا الصَّوَابَ، فَلَا يَقَعُ مِنْهُ عبثٌ، وَلَا باطلٌ، بَلْ كُلُّ مَا يَخْلُقُهُ، أَوْ يَأْمُرُ بِهِ فَهُوَ تابعٌ لِحِكْمَتِهِ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنْ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مُفْعِل، وَمَعْنَاهُ: المُحْكِم.
الشيخ:
حكيم بمعنى مُحكِم، (فَعِيلٍ بِمَعْنَى مُفْعِل)؛ يعني حكيم بمعنى مُحكِم؛ يعني يُحكِم الأشياء؛ يعني يفعلها بحكمة وإتقان، نعم.
المتن:
وَمَعْنَاهُ: المُحْكِم لِلْأَشْيَاءِ، مِنَ الْإِحْكَامِ، وَهُوَ الْإِتْقَانُ، فَلَا يَقَعُ فِي خَلْقِهِ تفاوتٌ، وَلَا فطورٌ، وَلَا يَقَعُ فِي تَدْبِيرِهِ خللٌ، أَوِ اضطرابٌ.
الشيخ: -سبحانه، ولله الحمد-.
المتن:
وَفِيهَا كَذَلِكَ إِثْبَاتُ اسْمِهِ الْخَبِيرِ، وَهُوَ مِنَ الْخِبْرَةِ؛ بِمَعْنَى كَمَالِ الْعِلْمِ وَوُثُوقِهِ، وَالْإِحَاطَةِ بِالْأَشْيَاءِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ، وَوُصُولِ عِلْمِهِ إِلَى مَا خَفِيَ، ودقَّ مِنَ الْحِسِّيَّاتِ وَالْمَعْنَوِيَّاتِ.
الشيخ:
إثبات صفة الخبرة؛ كمال العلم، من أسمائه الخبير، يُعبَّد، يقال: عبد الخبير. الخبرة هي كمال العلم، ووصولها إلى كل شيء، وأن الله عالم بكل شيء، قال الله -تعالى-: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾[الطلاق:12]؛ علمه محيط بكل شيء، لا تخفى عليه الأشياء وإن دقت؛ كما قال -تعالى-: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾[الأنعام:59].
الطالب: (00:04:00).
الشيخ: مثل الجمع بين الاسمين.
الطالب: ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾[التحريم:2]، ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾[سبأ:1].
الشيخ: نعم، العليم؛ صفة العلم، والحكيم؛ صفة الحكمة والإتقان، والخبير؛ العلم بالأشياء، والإحاطة بها. نعم.
المتن:
وَقَدْ ذَكَرَ –سُبْحَانَهُ- فِي هَذِهِ الْآيَاتِ بَعْضَ مَا يتعلَّق بِهِ علمُه.
الشيخ: أعد. (الخبير).
المتن:
وَفِيهَا كَذَلِكَ إِثْبَاتُ اسْمِهِ الْخَبِيرِ، وَهُوَ مِنَ الْخِبْرَةِ؛ بِمَعْنَى كَمَالِ الْعِلْمِ وَوُثُوقِهِ، وَالْإِحَاطَةِ بِالْأَشْيَاءِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ، وَوُصُولِ عِلْمِهِ إِلَى مَا خَفِيَ، ودقَّ مِنَ الْحِسِّيَّاتِ وَالْمَعْنَوِيَّاتِ.
وَقَدْ ذَكَرَ –سُبْحَانَهُ- فِي هَذِهِ الْآيَاتِ بَعْضَ مَا يتعلَّق بِهِ علمُه، والدَّلَالَة عَلَى شُمُولِهِ وَإِحَاطَتِهِ بِمَا لَا تَبْلُغُهُ عُلُومُ خَلْقِهِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ﴾[سبأ:2]؛ أَيْ: يَدْخُلُ ﴿فِي الأَرْضِ﴾[سبأ:2] مِنْ حبٍّ وبذرٍ، وَمِيَاهٍ وَحَشَرَاتٍ، وَمَعَادِنَ، ﴿وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾[سبأ:2] مِنْ زرعٍ وأشجارٍ، وعيونٍ جاريةٍ، وَمَعَادِنَ نَافِعَةٍ كَذَلِكَ.
الشيخ:
كالذهب والفضة، والنحاس والرصاص، وغيرها، وما استُخرج الآن من البترول؛ علَّم الله الإنسان، واستخرجوه، صار فيه نفع عظيم، صار سبب في تغيير أحوال الناس وحياتهم. نعم.
المتن:
﴿وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ﴾[سبأ:2] مِنْ ثلجٍ وَأَمْطَارٍ، وصواعقَ وملائكةٍ، ﴿وَمَا يَعْرُجُ﴾[سبأ:2]؛ أَيْ: يَصْعَدُ ﴿فِيهَا﴾[سبأ:2] كَذَلِكَ مِنْ مَلَائِكَةٍ وَأَعْمَالٍ، وَطَيْرٍ صوافَّ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُهُ -جَلَّ شَأْنُهُ-.
وَذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا أَنَّ ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾[الأنعام:59]، وَمَفَاتِحُ الْغَيْبِ؛ قِيلَ: خَزَائِنُهُ. وَقِيلَ: طُرُقُهُ وَأَسْبَابُهُ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَيْهِ، جَمْعُ مِفتح؛ بِكَسْرِ الْمِيمِ، أَوْ مِفْتَاحٍ؛ بِحَذْفِ يَاءِ مَفَاعِيلَ.
وَقَدْ فَسَّرَهَا النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَوْلِهِ: «مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ»، ثُمَّ تلَا قَوْلَهُ –تَعَالَى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[لقمان:34].
الشيخ:
ماذا؟ أعد، ﴿مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾[الأنعام:59].
المتن:
وَذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا أَنَّ ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾[الأنعام:59]، وَمَفَاتِحُ الْغَيْبِ؛ قِيلَ: خَزَائِنُهُ. وَقِيلَ: طُرُقُهُ وَأَسْبَابُهُ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَيْهِ، جَمْعُ مِفتح؛ بِكَسْرِ الْمِيمِ، أَوْ مِفْتَاحٍ.
الشيخ:
يقال: مِفْتَح. ويقال: مِفتاح؛ لغة. مِفتَح بدون ألف، ومِفتاح. نعم.
المتن:
بِكَسْرِ الْمِيمِ، أَوْ مِفْتَاحٍ؛ بِحَذْفِ يَاءِ مَفَاعِيلَ.
وَقَدْ فَسَّرَهَا النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَوْلِهِ: «مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ»، ثُمَّ تلَا قَوْلَهُ –تَعَالَى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[لقمان:34].
وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ عَلَى أَنَّهُ –سُبْحَانَهُ- عَالِمٌ بِعِلْمٍ هُوَ صِفَةٌ لَهُ، قَائِمٌ بِذَاتِهِ؛ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ نَفَوْا صِفَاتِهِ.
الشيخ:
الله –تعالى- له العلم، قائم بذاته، متصف به –سبحانه وتعالى-، من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الباري –سبحانه وتعالى-. نعم.
المتن:
خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ نَفَوْا صِفَاتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ عَالِمٌ بِذَاتِهِ، وَقَادِرٌ بِذَاتِهِ ... إلى آخر ما قالوا.
وَمِنْهُمْ مَن فَسَّرَ أَسْمَاءَهُ بمعانٍ سَلْبِيَّةٍ، فَقَالَ: عَلِيمٌ؛ مَعْنَاهُ: لَا يَجْهَلُ، وقادرٌ؛ مَعْنَاهُ: لَا يَعْجِزُ .... إلى آخره.
وَهَذِهِ الْآيَاتُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ أَخْبَرَ فِيهَا –سُبْحَانَهُ- عَنْ إِحَاطَةِ عِلْمِهِ بِحَمْلِ كُلِّ أُنْثَى وَوَضْعِهَا مِنْ حَيْثُ الْمَتى وَالْكَيْفِ.
الشيخ: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾[فاطر:11]، لا نقول: علم بذاته فقط. الآية دلَّت على الإحاطة، ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾[فاطر:11]، نعم، (وَهَذِهِ الْآيَاتُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ).
المتن:
وَهَذِهِ الْآيَاتُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ أَخْبَرَ فِيهَا –سُبْحَانَهُ- عَنْ إِحَاطَةِ عِلْمِهِ بِحَمْلِ كُلِّ أُنْثَى وَوَضْعِهَا مِنْ حَيْثُ الْمَتى وَالْكَيْفِ.
الشيخ: متى تضع؟ وكيف تضع؟ على أي حال تضع؟ نعم.
المتن:
كَمَا أَخْبَر عَنْ عُمُومِ قُدْرَتِهِ، وَتَعَلُّقِهَا بِكُلِّ مُمْكِنٍ، وَعَنْ إِحَاطَةِ عِلْمِهِ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ.
وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ.
الشيخ: كما أخبر -تعالى-.
المتن:
كَمَا أَخْبَر عَنْ عُمُومِ قُدْرَتِهِ، وَتَعَلُّقِهَا بِكُلِّ مُمْكِنٍ.
الشيخ:
﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[البقرة:284]، كل ما يسمَّى شيئًا؛ فالله -تعالى- عليه قادر، نعم.
المتن:
كَمَا أَخْبَر عَنْ عُمُومِ قُدْرَتِهِ، وَتَعَلُّقِهَا بِكُلِّ مُمْكِنٍ، وَعَنْ إِحَاطَةِ عِلْمِهِ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ.
وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ فِي كِتَابِهِ (الْحيدَةِ) لِبِشْرٍ المَرِيسِيِّ الْمُعْتَزِلِيِّ وَهُوَ يُنَاظِرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِلْمِ: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَمْ يَمْدَحْ فِي كِتَابِهِ مَلَكًا مقرَّبًا، وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا، وَلَا مُؤْمِنًا تَقِيًّا بِنَفْيِ الْجَهْلِ عَنْهُ؛ لِيَدُلَّ عَلَى إِثْبَاتِ الْعِلْمِ لَهُ، وَإِنَّمَا مَدَحَهُمْ بِإِثْبَاتِ الْعِلْمِ لَهُمْ، فَنَفَى بِذَلِكَ الْجَهْلَ عَنْهُمْ، فمَن أَثْبَتَ الْعِلْمَ نَفَى الْجَهْلَ، ومَن نَفَى الْجَهْلَ لَمْ يُثْبِتِ الْعِلْمَ". انتهى.
وَالدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ عَلَى عِلْمِهِ –تَعَالَى- أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ إِيْجَادُهُ الْأَشْيَاءَ مَعَ الْجَهْلِ؛ لِأَنَّ إِيجَادَهُ الْأَشْيَاءَ بِإِرَادَتِهِ، وَالْإِرَادَةُ تَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بالمُراد، وَلِهَذَا قَالَ –سُبْحَانَهُ-: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾[الملك:14].
الشيخ: ما يمكن وجود شيء إلا بإرادة وعلم، يريد إيجاده، وعلم، وهل يخلق الخلْق إلا يعلمه؟! ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾[الملك:14]. نعم.
المتن:
وَلِأَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ فِيهَا مِنَ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ وَعَجِيبِ الصَّنْعَةِ وَدَقِيقِ الْخِلْقَةِ مَا يَشْهَدُ بِعِلْمِ الْفَاعِلِ لَهَا؛ لِامْتِنَاعِ صُدُورِ ذَلِكَ من غَيْرِ عِلْمٍ.
وَلِأَنَّ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مَنْ هُوَ عالِمٌ، وَالْعِلْمُ صِفَةُ كَمَالٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ عَالِمًا لَكَانَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَن هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ.
وَكُلُّ عِلْمٍ فِي الْمَخْلُوقِ إِنَّمَا اسْتَفَادَهُ مِنْ خَالِقِهِ، وَوَاهِبُ الْكَمالِ أَحَقُّ بِهِ، وَفَاقِدُ الشَّيْءِ لَا يُعْطِيهِ.
وأنكرت الفلاسفة.
وَلِأَنَّ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مَنْ هُوَ عالِمٌ، وَالْعِلْمُ صِفَةُ كَمَالٍ.
الشيخ:
(صفة كمال)؛ فلا يمكن أن يتصف المخلوق بصفة كمال والخالق لا يتصف بها، والقاعدة عند أهل العلم أن كل صفة كمال اتصف بها المخلوق لا نقص فيها بوجه من الوجوه؛ فالخالق أولى بها، وكل نقص تنزه عنه المخلوق؛ فالخالق أولى أن يتنزه عنه. نعم.
المتن:
فَلَوْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ عَالِمًا لَكَانَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَن هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ.
الشيخ:
تعالى الله؛ نعم.
المتن:
وَكُلُّ عِلْمٍ فِي الْمَخْلُوقِ إِنَّمَا اسْتَفَادَهُ مِنْ خَالِقِهِ، وَوَاهِبُ الْكَمالِ أَحَقُّ بِهِ.
الشيخ:
نعم، كل علم في المخلوقات؛ فالله -تعالى- أولى به، ووهبه، وواهب الكمال أولى بالكمال، هو الواهب –سبحانه وتعالى-، وعِلم المخلوقات شيء قليل يسير، نسبته إلى عِلم الله كنسبة نقرة عصفور في البحر، نعم.
المتن:
وَكُلُّ عِلْمٍ فِي الْمَخْلُوقِ إِنَّمَا اسْتَفَادَهُ مِنْ خَالِقِهِ، وَوَاهِبُ الْكَمالِ أَحَقُّ بِهِ، وَفَاقِدُ الشَّيْءِ لَا يُعْطِيهِ.
وَأَنْكَرَتِ الْفَلَاسِفَةُ عِلْمَهُ –تَعَالَى- بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ عَلَى وَجْهٍ كليٍّ ثابتٍ، وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا.
الشيخ:
وهذا من جهلهم وضلالهم، الفلاسفة؛ أرسطو وأمثاله، وابن سينا، وأبو نصر الفارابي، فلاسفة اليونان من جهلهم وضلالهم يقولون: إن الله يعلم بالكليات، لا بالجزئيات. يقولون: يعلم الأشياء في الجملة، لكن تقول: عدد النجوم؛ يقولون: لا، لا يدري، لا يعلم؛ لأن هذه جزئية. البحار؛ هذه جزئية، الناس؛ هذه جزئية. كيف يعلم؟ قالوا: عموم، كليات. وهذا من جهلهم وضلالهم. نعم.
المتن:
وَقَالُوا: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ عَلَى وَجْهٍ كليٍّ ثابتٍ، وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا، فَإِنَّ كُلَّ مَا فِي الْخَارِجِ هُوَ جُزْئِيٌّ.
كَمَا أَنْكَرَ الغُلاة مِنَ القدَرِيَّة عِلْمَهُ –تَعَالَى- بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ حَتَّى يَعْمَلُوهَا؛ توهُّمًا مِنْهُمْ أَنَّ عِلْمَهُ بِهَا يُفْضِي إِلَى الْجَبْرِ، وَقَوْلُهُمْ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ بِالضَّرُورَةِ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ.
الشيخ:
هذا من جهلهم، يقولون: إن الله لا يعلم بفعل العبد حتى يقع، قالوا: لأنه لو علمه قبل أن يقع صار العبد مجبورًا، لو كان عالمًا بفعل العبد قبل أن يعمله صار جبرًا له؛ صار مجبورًا، وإذا صار العبد مجبورًا؛ يظنون أن هذا فيه ظلم لهم، وهذا من جهلهم وضلالهم. الله -تعالى- أعطاهم القدرة التي بها يتمكنون، نعم. ماذا؟ أعد.
المتن:
كَمَا أَنْكَرَ الغُلاة مِنَ القدَرِيَّة عِلْمَهُ –تَعَالَى- بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ حَتَّى يَعْمَلُوهَا؛ توهُّمًا مِنْهُمْ أَنَّ عِلْمَهُ بِهَا يُفْضِي إِلَى الْجَبْرِ، وَقَوْلُهُمْ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ بِالضَّرُورَةِ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ.
وقَوْلُهُ –جل وعلا-: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾[الذاريات:58]؛ تضمَّنَتْ إِثْبَاتَ اسْمِهِ الرَّزَّاق، وَهُوَ مُبَالَغَةٌ مِنَ الرِّزْقِ، وَمَعْنَاهُ: الَّذِي يَرْزُقُ عِبَادَهُ رِزْقًا بَعْدَ رِزْقٍ فِي إِكْثَارٍ وَسَعَةٍ.
الشيخ:
من أسماء الله: الرزاق التي يُتعَبَّد بها، يقال: عبد الرزاق. من أسماء الله، ومتصف بصفة الرزق، يرزق عباده، الرزق للمخلوق؛ هذا أثر من آثار صفة الرَّزق، الرَّزق هذه صفة قائمة بالرب، يقال: صفة الرَّزق، والرِّزق المفعول المنفصل؛ ما يحصل للعبد من الطعام والشراب، وكل هذا رزق من الله، وأثر من صفة الرَّزق القائمة بذات الرب، نعم. واسم الرزاق ماذا؟ أعد.
المتن:
تضمَّنَتْ إِثْبَاتَ اسْمِهِ الرَّزَّاق، وَهُوَ مُبَالَغَةٌ مِنَ الرِّزْقِ، وَمَعْنَاهُ: الَّذِي يَرْزُقُ عِبَادَهُ رِزْقًا بَعْدَ رِزْقٍ فِي إِكْثَارٍ وَسَعَةٍ.
الشيخ:
الرزق قسمان: رزق القلوب، ورزق الأبدان. وعلى الإنسان أن يتذكر أن يقول: رب اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني.
رزق الأبدان: الطعام والشراب، رزق القلوب: العلم والخشية والخوف، وهذا هو الأهم.
ولما حصل بين البخاري وبين جماعة، قال البخاري: إن فلانًا (00:17:41) من الحسد، والعلم رزق يرزقه الله ما شاء من عباده. فالعلم رزق؛ رزق القلوب، والطعام رزق الأبدان، فأنت تسأل الله رزق القلوب والأبدان. نعم.
تضمَّنَتْ إِثْبَاتَ اسْمِهِ الرَّزَّاق، وَهُوَ مُبَالَغَةٌ مِنَ الرِّزْقِ، وَمَعْنَاهُ: الَّذِي يَرْزُقُ عِبَادَهُ رِزْقًا بَعْدَ رِزْقٍ فِي إِكْثَارٍ وَسَعَةٍ.
وكُلُّ مَا وَصَلَ مِنْهُ –سُبْحَانَهُ- مِنْ نفعٍ إِلَى عِبَادِهِ فَهُوَ رزقٌ؛ مُبَاحًا كَانَ، أَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ.
الشيخ:
فالله يرزق العبد، كل ما وصل إليه يسمى رزق. قد يكون حلال، وقد يكون حرام، فإذا فعل الإنسان الحرام، وتعامل بالربا، وحصل كسب؛ هذا رزق، لكنه رزق حرام؛ خلافًا للمعتزلة، المعتزلة يقولون: إن الله ما يرزق إلا الحلال. يقولون: الحرام؛ هذا ما هو برزق، ليس من رزق الله. وهذا من جهلهم. نعم.
المتن:
وكُلُّ مَا وَصَلَ مِنْهُ –سُبْحَانَهُ- مِنْ نفعٍ إِلَى عِبَادِهِ فَهُوَ رزقٌ؛ مُبَاحًا كَانَ، أَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ قَدْ جَعَلَهُ لَهُمْ قُوتًا وَمَعَاشًا.
الشيخ:
جعله الله لهم قوتًا ومعاشًا، وقد يكون حرام، وقد يكون حلال، الله قدَّر أن يكون هذا، لكن هو مطالب بأن يكسب الحلال، إذا كسب الحرام صار هذا رزقه، ساقه الله إليه، وهو الآثم. نعم.
المتن:
قَالَ –تَعَالَى-: ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ﴾[ق:10، 11]، وَقَالَ: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾[الذاريات:22]؛ إِلَّا أَنَّ الشَّيْءَ إِذَا كَانَ مَأْذُونًا فِي تَنَاوُلِهِ فَهُوَ حلالٌ حُكْمًا، وَإِلَّا كَانَ حَرَامًا، وَجَمِيعُ ذَلِكَ رزقٌ.
الشيخ:
إذا كان مأذونًا فيه صار حلالًا، وإذا كان منهيًّا عنه صار حرامًا، وكل ذلك رزق؛ كله يسمى رزق. نعم.
المتن:
وَتَعْرِيفُ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَالْإِتْيَانُ فِيهَا بِضَمِيرِ الْفَصْلِ؛ لِإِفَادَةِ اخْتِصَاصِهِ –سُبْحَانَهُ- بِإِيصَالِ الرِّزْقِ إِلَى عِبَادِهِ.
الشيخ:
﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ﴾[الذاريات:58]، أتى بـــ(ال) في الرزاق، وأتى بضمير الفصل؛ دليل على أن الله -تعالى- هو المنفرد بإيصال الرزق إلى عباده، ولا يشاركه أحد. ماذا؟ (وَتَعْرِيفُ الْجُمْلَةِ).
المتن:
وَتَعْرِيفُ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَالْإِتْيَانُ فِيهَا بِضَمِيرِ الْفَصْلِ؛ لِإِفَادَةِ اخْتِصَاصِهِ –سُبْحَانَهُ- بِإِيصَالِ الرِّزْقِ إِلَى عِبَادِهِ.
الشيخ:
وهو المختَصّ بهذا، ولا أحد يشاركه. نعم.
المتن:
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ».
الشيخ:
«إنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ»، في سورة الذاريات: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾[الذاريات:58]. نعم.
المتن:
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ذُو الْقُوَّةِ﴾[الذاريات:58]؛ أَيْ صَاحِبُ الْقُوَّةِ؛ فَهُوَ بِمَعْنَى اسْمِهِ الْقَوِيِّ إِلَّا أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَعْنَى.
الشيخ:
﴿الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ﴾[الذاريات:58]؛ صاحب القوة، وهو بمعنى القوي. نعم، وهو بمعنى القوي، (إلا أنه).
المتن:
أَيْ صَاحِبُ الْقُوَّةِ؛ فَهُوَ بِمَعْنَى اسْمِهِ الْقَوِيِّ إِلَّا أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَعْنَى، فَهُوَ يدلُّ عَلَى أَنَّ قُوَّتَهُ –سُبْحَانَهُ- لَا تَتَنَاقَصُ فيَهِنُ، أَوْ يَفتُرُ.
الشيخ: (فيَهِنُ)؛ يعني فيضعُف.
المتن:
فيَهِنُ، أَوْ يَفتُرُ.
الشيخ:
(فيَهِنُ)؛ يعني ما يضعُف. (إلا أنه) ماذا؟ أعد العبارة.
المتن:
فَهُوَ بِمَعْنَى اسْمِهِ الْقَوِيِّ إِلَّا أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَعْنَى، فَهُوَ يدلُّ عَلَى أَنَّ قُوَّتَهُ –سُبْحَانَهُ- لَا تَتَنَاقَصُ فيَهِنُ، أَوْ يَفتُرُ.
الشيخ: لو كانت قوته تتناقص ضعُف، (فيَهِنُ)؛ يعني فيضعُف، (أَوْ يَفتُرُ). وأن قوته لا تتناقص، بل هو –سبحانه وتعالى- القوي في كل وقت، وفي كل حال. نعم.
المتن:
وأما ﴿الْمَتِينُ﴾[الذاريات:58]؛ فَهُوَ اسْمٌ لَهُ مِنَ الْمَتَانَةِ، وَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- بِالشَّدِيدِ.
الشيخ:
المتين من أسمائه، ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾[الذاريات:58]، فيُعبَّد، يقال: عبد المتين. المتين من أسماء الله، المتين بمعنى الشديد. نعم.
المتن:
قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-.
الشيخ:
﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾[الذاريات:58]، (المتين) ماذا؟ قال: (وأما ﴿الْمَتِينُ﴾[الذاريات:58]).
المتن:
وأما ﴿الْمَتِينُ﴾[الذاريات:58]؛ فَهُوَ اسْمٌ لَهُ مِنَ الْمَتَانَةِ، وَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- بِالشَّدِيدِ.
قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-: وقوله -تعالى-: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى:11].
الشيخ: بارك الله فيك. قف. وفَّق الله الجميع لطاعته.