بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في العقيدة الواسطية:
المتن:
وَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى: 11].
وقوله جل وعلا: ﴿إنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾[النساء: 58].
قال الشيخ محمد الخليل الهرّاس رحمه الله تعالى:
قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ دلَّ إثباتُ صِفَتَيِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ لَهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ نَفْيِ الْمِثْلِ عَنْهُ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ نَفْيِ الْمِثْلِ نَفْيَ الصِّفَاتِ؛ كَمَا يدَّعي ذَلِكَ المعطِّلة، وَيَحْتَجُّونَ بِهِ بَاطِلًا، بَلِ الْمُرَادُ إِثْبَاتُ الصِّفَاتِ مَعَ نَفْيِ مُمَاثَلَتِهَا لِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ.
الشيخ:
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى: 11] ردٌّ على طائفتين بهذه الآية، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ردٌّ على المشبهة والممثلة، ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ ردٌّ على المعطلة، فهذه رد على طائفتين، وليس المراد ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ في الصفات، بدليل أنه أثبت السمع والبصر، قال: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، فالآية فيها رد على طائفتين:
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ رد على الممثلة الذين يمثلون صفات الله بصفات خلقه، مشبهة، وهم طائفة معروفة بالمشبهة، يشبهون الله بخلقه، يقول (00:02:01) كصفات الله يدٌ كيدي، ووجه كوجهي، وهكذا جميع الصفات، واستواء كاستوائي، (00:02:10) هؤلاء كفرة والعياذ بالله.
﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ ردٌّ على المعطلة من الجهمية والمعتزلة الذين يعطلون الرب عن صفاته، يقولون ليس له سمع ولا بصر ولا علم ولا أذن ولا يرى، لا يلزمون التشبيه.
فالآية ردٌّ على هؤلاء وعلى هؤلاء.
(00:02:45)
ومن شبه الله بخلقه هذا كفر وضلال، وكذلك نفي الصفات كفر وضلال، لهذا قال نعيم بن حماد الخزاعي في البخاري ومسلم: "من شبه الله بخلقه كفر، ومن نفى ما وصف الله به نفسه أو وصفه (00:03:19) كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله في ذلك تشبيه"، هذا الخزاعي رحمه الله.
المتن:
قَالَ العلاَّمة ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
"قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ...﴾ إِنَّمَا قَصَدَ بِهِ نَفْيَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شريكٌ أَوْ معبودٌ يستحقُّ الْعِبَادَةَ وَالتَّعْظِيمَ؛ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُشَبِّهُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ نَفْيَ صِفَاتِ: كَمَالِهِ، وعلوِّه عَلَى خَلْقِهِ، وَتَكَلُّمِهِ بِكُتُبِهِ، وَتَكَلُّمِهِ لِرُسُلِهِ، وَرُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ جَهْرَةً بِأَبْصَارِهِمْ كَمَا تَرَى الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فِي الصَّحْوِ ...". اهـ.
وَمَعْنَى ﴿السَّمِيعُ﴾: الْمُدْرِكُ لِجَميعِ الْأَصْوَاتِ مَهْمَا خَفَتَتْ، فَهُوَ يَسْمَعُ السِّرَّ وَالنَّجْوَى بِسَمْعٍ هُوَ صِفَةٌ لَا يُمَاثِلُ أَسْمَاعَ خَلْقِهِ.
وَمَعْنَى ﴿البَصِيرُ﴾: الْمُدْرِكُ لِجَمِيعِ الْمَرْئِيَّاتِ مِنَ الْأَشْخَاصِ وَالْأَلْوَانِ مَهْمَا لَطُفَتْ أَوْ بَعُدَتْ، فَلَا تُؤَثِّرُ عَلَى رُؤْيَتِهِ الْحَوَاجِزُ وَالْأَسْتَارُ، وَهُوَ مِنْ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مُفْعِل ...
الشيخ:
الله بصير بمعنى: مبصر، مُفْعِل يعني بصير بمعنى مبصر، يبصر المرئيات مهما دقت ولطُفت، سميع يدرك المسموعات مهما خفتت، هذا رد على المعتزلة الذين يقولون سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، نسأل الله السلامة والعافية، هذا قول المعتزلة، يثبتون الأسماء وينكرون الصفات، يقولون: (سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، عليم بلا علم، قدير بلا قدرة)، معاذ الله، ما الفائدة من الصفة؟ ما الفائدة من كونه سميع ولا يسمع، بصير ولا يبصر؟ ما الفائدة من الصفات؟ نسأل الله السلامة والعافية.
المتن:
وَهُوَ دالٌّ عَلَى ثُبُوتِ صِفَةِ الْبَصَرِ لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ.
رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي ((سُنَنِهِ)) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾[النساء:58]، فَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنَيْهِ.
الشيخ:
قال هكذا: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ ووضع الإبهام على الأذن، وليس المراد التشبيه، بل المراد تحقيق الصفة، المراد أن الصفة حقيقة، وليس المراد التشبيه كما يظن البعض.
المتن:
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَسْمَعُ بِسَمْعٍ، وَيَرَى بِعَيْنٍ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى بَعْضِ الْأَشَاعِرَةِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ سَمْعَهُ عِلْمَهُ بِالْمَسْمُوعَاتِ، وَبَصَرَهُ عِلْمَهُ بِالْمُبْصَرَاتِ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ خَاطِئٌ؛ فَإِنَّ الْأَعْمَى يَعْلَمُ بِوُجُودِ السَّمَاءِ وَلَا يَرَاهَا، وَالْأَصَمَّ يَعْلَمُ بِوُجُودِ الْأَصْوَاتِ وَلَا يَسْمَعُهَا.
الشيخ:
قال هذه من الصفات السبع التي أثبتها الأشاعرة، ومع ذلك ما أثبتوها على حقيقتها، الصفات السبع: يعلم المسموعات، ويبصر يعلم المرئيات، الصفات السبع: (الحياة، الكلام، البصر، السمع، العلم، القدرة، الإرادة)، لا يثبتون (00:08:13)، وينفون بقية الصفات، ومع ذلك السبع صفات ما أثبتوها على حقيقتها، والكلام كذلك، الكلام يقولون معنى، ليس نصًا، وخلاف الأشاعرة مع أهل السنة خلاف جوهري، يظن بعض الناس أنه خلاف ... لا، خلاف جوهري، (00:08:46)، الإرادة (00:08:47) الإرادة الكونية ولا يستلزم الإرادة الدينية، ينكرون الأسباب، أيضا يقولون (00:08:55) الجبرية هم، والخلاف هذا خلاف جذري، أعد.
المتن:
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَسْمَعُ بِسَمْعٍ، وَيَرَى بِعَيْنٍ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى بَعْضِ الْأَشَاعِرَةِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ سَمْعَهُ عِلْمَهُ بِالْمَسْمُوعَاتِ، وَبَصَرَهُ عِلْمَهُ بِالْمُبْصَرَاتِ،
الشيخ:
يسمع بالسمع، ويرى بالعين يعني، قد ثبت للرب السمع والعينان في حديث الدجال: «أن الدجال أعور العين اليمنى وأن ربكم ليس بأعور»، نعم.
المتن
وَبَصَرَهُ عِلْمَهُ بِالْمُبْصَرَاتِ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ خَاطِئٌ؛ فَإِنَّ الْأَعْمَى يَعْلَمُ بِوُجُودِ السَّمَاءِ وَلَا يَرَاهَا، وَالْأَصَمَّ يَعْلَمُ بِوُجُودِ الْأَصْوَاتِ وَلَا يَسْمَعُهَا.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى:
وَقَوْله: ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ﴾[الكهف:39]، وَقَوْله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾[البقرة:253]، وَقَوْله: ﴿أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾[المائدة:1]، وَقَوْله: ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء﴾[الأنعام:125]
قال الشيخ محمد رحمه الله تعالى:
قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ ... ﴾ إِلَخْ. هَذِهِ الْآيَاتُ دلَّت عَلَى إِثْبَاتِ صِفَتَيِ الْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ، وَالنُّصُوصُ فِي ذَلِكَ لَا تُحْصَى كَثْرَةً.
وَالْأَشَاعِرَةُ يُثْبِتُونَ إِرَادَةً وَاحِدَةً قَدِيمَةً تعلَّقت فِي الْأَزَلِ بِكُلِّ الْمُرَادَاتِ،
الشيخ
(00:11:03) ردها كلية، ولا (00:11:06) الشرعية، نعم.
المتن
فَيَلْزَمُهُمْ تخلُّف الْمُرَادِ عَنِ الْإِرَادَةِ.
وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ؛ فَعَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ لَا يُثْبِتُونَ صِفَةَ الْإِرَادَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يُرِيدُ بِإِرَادَةٍ حَادِثَةٍ لَا فِي مَحَلٍّ، فَيَلْزَمُهُمْ قِيَامُ الصِّفَةِ بِنَفْسِهَا، وَهُوَ مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْحَقِّ؛ فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْإِرَادَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ:
1- إِرَادَةٌ كَوْنِيَّةٌ تُرَادِفُهَا الْمَشِيئَةُ، وَهُمَا تتعلَّقان بِكُلِّ مَا يَشَاءُ اللَّهُ فِعْلَهُ وَإِحْدَاثَهُ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا وَشَاءَهُ؛ كَانَ عَقِبَ إِرَادَتِهِ لَهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[يس:28].
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ».
2- وَإِرَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَا يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ
الشيخ:
كفى، الإرادة الكونية، تحتاج إلى تفصيل، تفصيل الإرادة (00:12:16)، من أول آيات المشيئة.