بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه ولمشايخه، وللمستمعين والمسلمين.
المتن:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في (العقيدة الواسطية): وقوله –جل وعلا-: ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾[الكهف:39]، وقوله –تبارك وتعالى-: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾[البقرة:253]، وقال –جل وعلا-: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾[المائدة:1]، وقوله –تبارك وتعالى-: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾[الأنعام:125].
قال الشيخ محمد بن خليل هراس –رحمه الله تعالى-.
الشيخ:
هذه الآيات فيها إثبات المشيئة والإرادة لله –عز وجل-، والآيات والنصوص في المشيئة كثيرة، ولكن هذه أمثلة ذكرها المؤلف، ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾[الإنسان:30]، ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا﴾[البقرة:253]، ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾[التكوير:29].
والإرادة تنقسم إلى قسمين:
إرادة كونية، وإرادة دينية. إرادة كونية خِلْقية قَدَرية، وإرادة دينية أمرية شرعية.
ومثال الإرادة الكونية كما ذكر: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾[المائدة:1]، ومنه قوله –تعالى-: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾[الأنعام:125].
ومثال الإرادة الدينية: ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾[الأنفال:67]؛ يعني دينًا وشرعًا، ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾[البقرة:185]، هذا مثال الإرادة الدينية، وهكذا جاءت النصوص.
وقد غلط في هذا طائفتان؛ في الإرادة:
الجبرية، وهم الأشاعرة؛ الأشاعرة الجبرية لم يثبتوا إلا الإرادة الكونية، وأنكروا الإرادة الدينية.
والطائفة الثانية: المعتزلة، أثبتوا الإرادة الدينية، وأنكروا الإرادة الكونية.
وهدى الله أهل السُّنَّة والجماعة، فأثبتوا الإرادتين، أخذوا الأدلة التي استدل بها المعتزلة، وأثبتوا بها الإرادة الدينية، وأخذوا الأدلة التي أثبتها الأشاعرة، وأثبتوا الإرادة الكونية، وأخذ أهل السُّنَّة أدلة المعتزلة، وصفعوا بها وجوه الأشعرية، فأبطلوا بها مذهبهم، وأخذوا الأدلة الكونية التي استدل بها الأشاعرة، وصفعوا بها رؤوس المعتزلة، وأبطلوا بها مذهبهم، واستدلوا بالأدلة من الجانبين. نعم.
المتن:
قوله -تعالى-: ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ﴾[الكهف:39]، هَذِهِ الْآيَاتُ دلَّت عَلَى إِثْبَاتِ صِفَتَيِ الْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ، وَالنُّصُوصُ فِي ذَلِكَ لَا تُحْصَى كَثْرَةً.
الشيخ:
نعم، والمؤلف ذكر أمثلة، وليس المراد الاستقصاء. نعم.
المتن:
وَالْأَشَاعِرَةُ يُثْبِتُونَ إِرَادَةً وَاحِدَةً قَدِيمَةً تعلَّقت فِي الْأَزَلِ بِكُلِّ الْمُرَادَاتِ، فَيَلْزَمُهُمْ تخلُّف الْمُرَادِ عَنِ الْإِرَادَةِ.
وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ؛ فَعَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ لَا يُثْبِتُونَ صِفَةَ الْإِرَادَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يُرِيدُ بِإِرَادَةٍ حَادِثَةٍ لَا فِي مَحَلٍّ، فَيَلْزَمُهُمْ قِيَامُ الصِّفَةِ بِنَفْسِهَا، وَهُوَ مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ.
الشيخ:
نعم، إرادة لا في محل، يعني الصفة عندهم ليس لها محل، كيف تقوم الصفة بنفسها؟! الصفة عَرَض، العلم لا يقوم إلا بعالِم، والإرادة لا تكون إلا بمريد، وهذا من جهلهم وضلالهم. نعم.
المتن:
وَأَمَّا أَهْلُ الْحَقِّ؛ فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْإِرَادَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ:
إِرَادَةٌ كَوْنِيَّةٌ تُرَادِفُهَا الْمَشِيئَةُ، وَهُمَا تتعلَّقان بِكُلِّ مَا يَشَاءُ اللَّهُ فِعْلَهُ وَإِحْدَاثَهُ، فَهُوَ –سُبْحَانَهُ وتعالى- إِذَا أَرَادَ شَيْئًا وَشَاءَهُ كَانَ عَقِبَ إِرَادَتِهِ لَهُ؛ كَمَا قَالَ –تَعَالَى-: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[يس:82]، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ».
وَإِرَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَا يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ مِمَّا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ -تَعَالَى:- ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾[البقرة:185].
وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْإِرَادَتَيْنِ، بَلْ قَدْ تتعلَّق كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأُخْرَى، فَبَيْنَهُمَا عمومٌ وخصوصٌ مِنْ وَجْهٍ.
فَالْإِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ أعمُّ مِنْ جِهَةِ تعلُّقها بِمَا لَا يحبُّه اللَّهُ -سبحانه- وَيَرْضَاهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وأخصُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِمِثْلِ إِيمَانِ الْكَافِرِ، وَطَاعَةِ الْفَاسِقِ.
وَالْإِرَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ أعمُّ مِنْ جِهَةِ تعلُّقها بِكُلِّ مَأْمُورٍ بِهِ وَاقِعًا كَانَ، أَوْ غَيْرَ وَاقِعٍ، وأخصُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِالْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَأْمُورٍ بِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِرَادَتَيْنِ قَدْ تَجْتَمِعَانِ مَعًا فِي مِثْلِ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِ، وَطَاعَةِ الْمُطِيعِ.
الشيخ: أعد.
المتن:
وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْإِرَادَتَيْنِ، بَلْ قَدْ تتعلَّق كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأُخْرَى.
الشيخ: قبل ذلك.
المتن:
قال: وَإِرَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَا يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ مِمَّا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ -تَعَالَى:- ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾[البقرة:185].
وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْإِرَادَتَيْنِ، بَلْ قَدْ تتعلَّق كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأُخْرَى، فَبَيْنَهُمَا عمومٌ وخصوصٌ مِنْ وَجْهٍ.
فَالْإِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ أعمُّ مِنْ جِهَةِ تعلُّقها بِمَا لَا يحبُّه اللَّهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وأخصُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِمِثْلِ إِيمَانِ الْكَافِرِ، وَطَاعَةِ الْفَاسِقِ.
وَالْإِرَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ أعمُّ مِنْ جِهَةِ تعلُّقها بِكُلِّ مَأْمُورٍ بِهِ وَاقِعًا كَانَ، أَوْ غَيْرَ وَاقِعٍ، وأخصُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِالْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَأْمُورٍ بِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِرَادَتَيْنِ قَدْ تَجْتَمِعَانِ مَعًا فِي مِثْلِ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِ، وَطَاعَةِ الْمُطِيعِ، وَتَنْفَرِدُ الْكَوْنِيَّةُ فِي مِثْلِ كُفْرِ الْكَافِرِ، وَمَعْصِيَةِ الْعَاصِي.
الشيخ:
نعم، فتجتمع الإرادتان في حق المؤمن المطيع، وتنفرد الكونية في حق الكافر، فالله -تعالى- أراد الإيمان من أبي بكر كونًا وقَدَرًا، وأراده دينًا وشرعًا، فاجتمعت الإرادتان.
والله أراد الإيمان من أبي لهب دينًا وشرعًا، ولم يرده كونًا وقَدَرًا، فوقعت الإرادة الكونية، فتجتمعان في حق المطيع، وتنفرد الكونية في حق العاصي والكافر. نعم.
المتن:
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِرَادَتَيْنِ قَدْ تَجْتَمِعَانِ مَعًا فِي مِثْلِ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِ، وَطَاعَةِ الْمُطِيعِ، وَتَنْفَرِدُ الْكَوْنِيَّةُ فِي مِثْلِ كُفْرِ الْكَافِرِ، وَمَعْصِيَةِ الْعَاصِي، وَتَنْفَرِدُ الشَّرْعِيَّةُ فِي مِثْلِ إِيمَانِ الْكَافِرِ، وَطَاعَةِ الْعَاصِي.
وَقَوْلُهُ –تَعَالَى-: ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ﴾[الكهف:39].
الشيخ: وتنفرد ماذا؟
المتن:
وَتَنْفَرِدُ الشَّرْعِيَّةُ فِي مِثْلِ إِيمَانِ الْكَافِرِ، وَطَاعَةِ الْعَاصِي.
الشيخ:
يعني تخلُّف، تخلفت هذه الإرادة في حق الكافر والعاصي، الله أراد (00:08:30) دينًا وشرعًا، فلم يفعل.
المتن:
وَقَوْلُهُ –تَعَالَى-: ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ﴾[الكهف:39]، هَذَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ حِكَايَةً عَنِ الرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ لِزَمِيلِهِ الْكَافِرِ صَاحِبِ الجنَّتين؛ يَعِظُهُ بِهِ أَنْ يَشْكُرَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ، ويردّها إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ، وَيَبْرَأ مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
الشيخ:
قال: ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾[الكهف:39]. نعم.
المتن:
وَقَوْلُهُ -تعالى-: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا﴾[البقرة:253] الآية؛ إخبارٌ عَمَّا وَقَعَ بَيْنَ أَتْبَاعِ الرُّسُلِ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنَ التَّنَازُعِ وَالتَّعَادِي بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَحَسَدًا، وأنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلَوْ شَاءَ الله عَدَمَ حُصُولِهِ مَا حَصَلَ، وَلَكِنَّهُ شَاءَهُ فَوَقَعَ.
وَقَوْلُهُ -تعالى-: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ﴾[الأنعام:125]؛ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنَ الْهِدَايَةِ وَالضَّلَالِ بِخَلْقِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَمَنْ يُرِدْ هِدَايَتَهُ؛ أَيْ إِلْهَامَهُ وَتَوْفِيقَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ بِأَنْ يَقْذِفَ فِي قَلْبِهِ نُورًا، فَيَتَّسِعَ لَهُ، وَيَنْبَسِطَ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَمَنْ يُرِدْ إِضْلَالَهُ وَخِذْلَانَهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ فِي غَايَةِ الضِّيقِ وَالْحَرَجِ، فَلَا يَنْفُذُ إِلَيْهِ نُورُ الْإِيمَانِ، وشبَّه ذَلِكَ بِمَنْ يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ.
قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-: وقوله -تعالى-: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[البقرة:195]، وقوله –جل وعلا-: ﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[الحجرات:9]، وقوله: ﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ﴾[التوبة:7].
الشيخ: ماذا؟ (00:10:35)
الطالب: أحسن الله إليك.
الشيخ: قف هنا، وفَّق الله الجميع، سبحانك الله وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.