بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا ولمشايخه ولنا وللحاضرين.
المتن:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في العقيدة الواسطية، قوله تعالى: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[البقرة:195]، وقوله –جل وعلا- ﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[الحجرات:9]، وقال تعالى: ﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾[التوبة:7]، قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾[البقرة:222]، قوله –جل وعلا-: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾[آل عمران:31]، قوله-تبارك وتعالى-:﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾[المائدة:54]، قوله-تبارك وتعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾[الصف:4].
قال الشيخ محمد بن خليل الهراس..
الشيخ:
هذه النصوص (هذه الآيات) كلها فيها إثبات المحبة لله –عز وجل- كما يليق بجلاله وعظمته، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾[التوبة:7]، وقال تعالى:﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾[المائدة:54]، إثبات المحبة لله كما يليق بجلاله، وقد أنكر المحبة الجهمية والمعتزلة، الأشاعرة أولوها بالإرادة؛ قالوا يريد؛ لأنهم يعتبرون سبع صفات وليس منها المحبة، هذا باطل، والجهمية أولوا المحبة والخُلّة بالفقر والحاجة، هذا إبراهيم خليل الرحمن؛ يعني فقير ومحتاج، هذا معناه الخلق كلهم فقراء إلى الله ومحتاجون إلى الله، (1:56) نسأل الله العافية، نعم
المتن:
قال الشيخ محمد بن خليل الهراس –رحمه الله تعالى-:
تضمَّنت هَذِهِ الْآيَاتُ إِثْبَاتَ أفعالٍ لَهُ تَعَالَى نَاشِئَةٍ عَنْ صِفَةِ الْمَحَبَّةِ، وَمَحَبَّةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ صِفَةٌ لَهُ قَائِمَةٌ بِهِ، وَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيَّةِ
الشيخ:
نعم صفات قائمة بالله، الصفات كلها قائمة بالرب-سبحانه وتعالى- الصفة تقوم بالموصوف، ولكن الصفات نوعان:
- صفات ذاتية: وهي التي لا تنفك عن الباري، مثل: (العلو، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، وغير ذلك من الصفات الملازمة.
- والثاني: صفات فعلية تتعلق بالمشيئة والاختيار، مثل: (المحبة، والرضا، والرحمة، وغير ذلك من صفات الأفعال، (الرضا، والمحبة، والكراهة، والسخط، والغضب) كلها هذه صفات فعلية تتعلق بالمشيئة والاختيار، نعم.
المتن:
وَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ، فَهُوَ يحبُّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ.
وَيَنْفِي الْأَشَاعِرَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ صِفَةَ الْمَحَبَّةِ؛ بِدَعْوَى أَنَّهَا تُوهِمُ نَقْصًا؛ إِذِ الْمَحَبَّةُ فِي الْمَخْلُوقِ مَعْنَاهَا مَيْلُهُ إِلَى مَا يُنَاسِبُهُ أَوْ يستلذُّه.
الشيخ:
نعم يقولون: المحبة ميل، معناها نقص، والله منزه عن الميل، ما معنى المحبة؟ قالوا معناها الإرادة، والإرادة ميل، ميل المريد إلى ... فروا من شيء فوقعوا في مثل ما فروا منه، قاعدة الأشاعرة إذا يفرون من شيء يقعون فيما فروا منه.
قالوا: صفة الرضا ما نثبتها، ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾[البينة:8]؛ لأن الرضا ميل، ما معنى الرضا؟ قالوا: معناه الثواب، طيب والثواب المخلوق ما يُثيب؟ فروا من شيء فوقعوا فيه، الغضب، الغضب ما (4:14) فسروه بالانتقام، والانتقام كذلك، المخلوق ينتقم، فروا من شيء فوقعوا في مثل ما فروا منه.
س: (4:25)
الشيخ: نعم فعلية تتعلق بالمشيئة والاختيار.
المتن:
فَأَمَّا الْأَشَاعِرَةُ؛ فيُرجعونها إِلَى صِفَةِ الْإِرَادَةِ، فَيَقُولُونَ: إِنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ لِعَبْدِهِ لَا مَعْنَى لَهَا.
الشيخ:
إما سوف يفسرونها بالإرادة، وهي من الصفات السبع التي هنا، أو يفسرونها بأثر الصفات، يقولون: الرضا (الثواب)، الثواب أثر، والرحمة (الإنعام)، والإنعام أثر، والغضب (الانتقام) إما بهذا وإما بهذا، فسروها بإحدى أمرين: إما بالإرادة، أو بأثر الصفة، نعم.
المتن:
فَيَقُولُونَ: إِنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ لِعَبْدِهِ لَا مَعْنَى لَهَا إِلَّا إِرَادَتُهُ لِإِكْرَامِهِ وَمَثُوبَتِهِ.
وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي صِفَاتِ الرِّضَا وَالْغَضَبِ وَالْكَرَاهِيَةِ وَالسَّخَطِ؛ كُلُّهَا عِنْدَهُمْ بِمَعْنَى إِرَادَةِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ؛ فَلِأَنَّهُمْ لَا يُثْبِتُونَ إِرَادَةً قَائِمَةً بِهِ، فَيُفَسِّرُونَ الْمَحَبَّةَ بِأَنَّهَا نَفْسُ الثَّوَابِ الْوَاجِبِ عِنْدَهُمْ عَلَى اللَّهِ لِهَؤُلَاءِ؛ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي وُجُوبِ إِثَابَةِ الْمُطِيعِ وَعِقَابِ الْعَاصِي.
الشيخ:
نعم يوجبون على الله الأصلح والصلاح، ويجب على العاقل أن يثيب المطيع، ويجب على العاقل أن يعاقب العاصي، هكذا يقول المعتزلة، وجب على الله (6:04)
المتن:
وَأَمَّا أَهْلُ الْحَقِّ؛ فَيُثْبِتُونَ الْمَحَبَّةَ صِفَةً حَقِيقِيَّةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، فَلَا تَقْتَضِي عِنْدَهُمْ نَقْصًا وَلَا تَشْبِيهًا، كَمَا يُثْبِتُونَ لَازِمَ تِلْكَ الْمَحَبَّةِ، وَهِيَ إِرَادَتُهُ سُبْحَانَهُ إِكْرَامَ مَنْ يُحِبُّهُ وَإِثَابَتَهُ.
وَلَيْتَ شِعْرِي بِمَاذَا يُجِيبُ النَّافُونَ للمحبَّة عَنْ مِثْلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((إِنَّ اللَّهَ إِذَا أحبَّ عَبْدًا؛ قَالَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فأحبَّه. قَالَ: فَيَقُولُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ. قَالَ: فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ، وَإِذَا أَبْغَضَهُ فَمَثِيلُ ذَلِكَ))، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُولَى: ﴿ وَأَحْسِنُوا ﴾[البقرة:195] أمرٌ بِالْإِحْسَانِ الْعَامِّ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ لَا سِيَّمَا فِي النَّفَقَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْإِحْسَانُ فِيهَا يَكُونُ بِالْبَذْلِ وَعَدَمِ الْإِمْسَاكِ، أَوْ بِالتَّوَسُّطِ بَيْنَ التَّقْتِيرِ وَالتَّبْذِيرِ، وَهُوَ الْقَوَامُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ.
الشيخ:
﴿لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾[الفرقان:67]، نعم.
﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾[الفرقان:67] وسط، إما ماذا؟ إما إحسان وإما قواما، أعد والأمر بالإحسان.
المتن:
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُولَى: ﴿ وَأَحْسِنُوا ﴾[البقرة:195] أمرٌ بِالْإِحْسَانِ الْعَامِّ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ لَا سِيَّمَا فِي النَّفَقَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْإِحْسَانُ فِيهَا يَكُونُ بِالْبَذْلِ وَعَدَمِ الْإِمْسَاكِ، أَوْ بِالتَّوَسُّطِ بَيْنَ التَّقْتِيرِ وَالتَّبْذِيرِ، وَهُوَ الْقَوَامُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ.
رَوَى مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
»إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؛ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وليحدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ»
وَأَمَّا قَوْلُهُ:تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[البقرة:195] فَهُوَ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ، فَإِنَّهُمْ إِذَا عَلِمُوا أَنَّ الْإِحْسَانَ موجبٌ لمحبَّته؛ سَارَعُوا إِلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ بِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: ﴿وَأَقْسِطُوا﴾[الحجرات:9] فَهُوَ أمرٌ بِالْإِقْسَاطِ، وَهُوَ الْعَدْلُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُتَنَازِعَتَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
الشيخ:
﴿وَأَقْسِطُوا﴾؛ يعني اعدلوا، أقسط متعدي بمعنى عدل، وأما قسط بمعنى جار وظلم، ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾[الجن:15]، قَسَطَ الفعل (ظلم)، وأما أقسط (عدل)، فرق الهمزة، أقسط متعدي، وقَسَطَ ثلاثي، والأصل أن الثلاثي معناه الظلم، وأن القاسطون هم الظالمون، وأما أقسط فهم المقسطون على منابر من نور، الذين يعدلون في أهلهم وما يلون.
المتن:
﴿وَأَقْسِطُوا﴾[الحجرات:9] فَهُوَ أمرٌ بِالْإِقْسَاطِ، وَهُوَ الْعَدْلُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُتَنَازِعَتَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مِنْ قَسَطَ؛ إِذَا جَارَ
الشيخ:
لا، وهو من أقسط إذا عدل، وليس من قسط، أقسط غير قسط، وهو من أقسط إذا عدل، لا من قسط، قسط معناها جار وظلم، أقسِطوا من أقسط يقسط، أقسطوا هذه من الرباعي، وقسط من الثلاثي، تختلف، ماذا بعده؟
المتن:
وَهُوَ مِنْ قَسَطَ؛ إِذَا جَارَ، فَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلسَّلْبِ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: المُقْسِط.
الشيخ:
لا، غير مستقيمة، إن أقسط إذا عدل، وليس من قسط، قسط بمعنى جار وظلم.
المتن:
فَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلسَّلْبِ
الشيخ: على الحاشية؟
الطالب: لا مذكر شيء، ذكر أن من أسماء الله أنه المقسط.
الشيخ: المقسط من أسماء الله.
المتن:
وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: المُقْسِط.
الشيخ: نعم المقسط ( المقسطون) رباعي.
المتن:
وَفِي الْآيَةِ الْحَثُّ عَلَى الْعَدْلِ وَفَضْلُهُ، وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾[التوبة:7] فَمَعْنَاهُ: إِذَا كَانَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أحدٍ عهدٌ كَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَاهَدْتُمُوهُمْ
الشيخ:
قف على هذه، تُراجع (أقسط) يمكن في سقط، وهي من أقسط لا من قسط، فإنه جار وظلم، تُراجع نسخة أخرى ومخطوطة.
س: (12:12)
الشيخ: من الرباعي، المقسط من الرباعي.
س: (12:16)
الشيخ: نعم قسط إذا جار وظلم، يمكن من أقسط لا من قسط فإنه إذا جار وظلم: يحتمل كذلك، تُراجع المخطوطة أو نسخة أخرى في لقائنا إن شاء الله الدرس القادم.
س: (12:35)
الشيخ: نعم؟ ما فيه إشكال المقصد، الكلام في قوله قسط إذا جار وظلم.
وفق الله الجميع لطاعته.