بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه، ولنا ولمشايخه، وللمسلمين والمستمعين.
المتن:
قال الشيخ محمد بن خليل هراس –رحمه الله تعالى- في (شرح العقيدة الواسطية): وَأَمَّا قَوْلُهُ -تعالى-: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ﴾[الفاتحة:1]، وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ؛ فَقَدْ تَضَمَّنَتْ إِثْبَاتَ اسْمَيْهِ الرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ، وَإِثْبَاتَ صِفَتَيِ الرَّحْمَةِ وَالْعِلْمِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ﴾[الفاتحة:1] الْكَلَامُ عَلَى هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ، وَبَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ أَوَّلَهُمَا دالٌّ عَلَى صِفَةِ الذَّاتِ، وَالثَّانِيَ دالٌّ عَلَى صِفَةِ الْفِعْلِ.
وَقَدْ أَنْكَرَتِ الْأَشَاعِرَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ صِفَةَ الرَّحْمَةِ بِدَعْوَى أَنَّهَا فِي الْمَخْلُوقِ ضعفٌ وخَوَرٌ، وتألُّم لِلْمَرْحُومِ، وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ الْجَهْلِ، فَإِنَّ الرَّحْمَةَ إِنَّمَا تَكُونُ مِنَ الْأَقْوِيَاءِ لِلضُّعَفَاءِ، فلَا تَسْتَلْزِمُ ضَعْفًا وَلَا خَوَرًا؛ بَلْ قَدْ تَكُونُ مَعَ غَايَةِ الْعِزَّةِ وَالْقُدْرَةِ، فَالْإِنْسَانُ الْقَوِيُّ يَرْحَمُ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ، وَأَبَوَيْهِ الْكَبِيرَيْنِ، ومَن هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ، وَأَيْنَ الضَّعْفُ وَالْخَوَرُ -وَهُمَا مِنْ أَذَمِّ الصِّفَاتِ- مِنَ الرَّحْمَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ نَفْسَهُ بِهَا، وَأَثْنَى عَلَى أَوْلِيَائِهِ الْمُتَصِّفِينَ بِهَا، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يتواصَوْا بِهَا؟!
قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-: وَقَوْلُهُ -تعالى-: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾[الأنعام:54].
الشيخ: ماذا؟ قبلها ...
المتن:
وقوله -تعالى-: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾[غافر:7] مِنْ كَلَامِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- حِكَايَةً عَنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَالَّذِينَ حَوْلَهُ، يتوسَّلون إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِرُبُوبِيَّتِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ، وَرَحْمَتِهِ فِي دُعَائِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ التوسُّلات الَّتِي يُرْجَى مَعَهَا الْإِجَابَةُ.
وَنَصَبَ قَوْلَهُ -تعالى-: ﴿رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾[غافر:7] عَلَى التَّمْيِيزِ المحوَّل عَنِ الْفَاعِلِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَسِعَتْ رحمتُك وعلمُك كُلَّ شَيْءٍ. فَرَحْمَتُهُ –سُبْحَانَهُ- وَسِعَتْ فِي الدُّنْيَا الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ، وَالْبَرَّ وَالْفَاجِرَ، وَلَكِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَكُونُ خَاصَّةً بالمتَّقين؛ كَمَا قَالَ –تَعَالَى-: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾[الأعراف:156].
قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-: وَقَوْلُهُ –تَعَالَى-: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾[الأنعام:54]، وقوله -تعالى-: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[يونس:107]، وقوله –جل وعلا-: ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾[يوسف:64].
قال الشيخ محمد بن خليل –رحمه الله تعالى-: وَقَوْلُهُ –تَعَالَى-: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾[الأنعام:54]؛ أَيْ: أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ تفضُّلاً وَإِحْسَانًا، وَلَمْ يُوجِبْهَا عَلَيْهِ أحدٌ.
الشيخ:
لأنه ليس فوقه أحد –سبحانه وتعالى-، بل هو الآمر الناهي. نعم.
المتن:
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ -أَوْ تَسْبِقُ- غَضَبِي».
وَأَمَّا قَوْلُهُ -تعالى-: ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا﴾[يوسف:64]؛ فَالْحَافِظُ وَالْحَفِيظُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحِفْظِ، وَهُوَ من الصِّيَانَة، وَمَعْنَاهُ: الَّذِي يَحْفَظُ عِبَادَهُ بِالْحِفْظِ الْعَامِّ، فَيُيَسِّرُ لَهُمْ أَقْوَاتَهُمْ، وَيَقِيهِمْ أَسْبَابَ الْهَلَاكِ وَالْعَطَبِ، وَكَذَلِكَ يَحْفَظُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ، وَيُحْصِي أَقْوَالَهُمْ، وَيَحْفَظُ أَوْلِيَاءَهُ بِالْحِفْظِ الْخَاصِّ، فَيَعْصِمُهُمْ عَنْ مُوَاقَعَةِ الذُّنُوبِ، وَيَحْرُسُهُمْ مِنْ مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ، وَعَنْ كُلِّ مَا يضرُّهم فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. وَانْتَصَبَ ﴿حَافِظًا﴾[يوسف:64]؛ تَمْيِيزًا لِـ ﴿خَيْرٌ﴾[يوسف:64].
الشيخ:
(وَانْتَصَبَ ﴿حَافِظًا﴾[يوسف:64]). (﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا﴾[يوسف:64])، ﴿حَافِظًا﴾[يوسف:64]؛ منصوبة على التمييز. نعم.
المتن:
تَمْيِيزًا لِـ ﴿خَيْرٌ﴾[يوسف:64] الَّذِي هُوَ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ.
وقال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-: وقوله: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾[المجادلة:22]، وقوله -تعالى-: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ﴾[النساء:93]، وَقوله -تعالى-: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ﴾[محمد:28]، وقوله -تعالى-: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾[الزخرف:55]، وَقوله -تعالى-: ﴿وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾[التوبة:46]، وَقوله –تبارك وتعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾[الصف:2، 3].
قال الشيخ محمد بن خليل –رحمه الله تعالى-: وقوله -تعالى-: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾[المجادلة:22]؛ تضمَّنت هَذِهِ الْآيَاتُ إِثْبَاتَ بَعْضِ صِفَاتِ الْفِعْلِ مِنَ الرِّضى لِلَّهِ، والغَضَب، واللَّعنُ، وَالكُرهِ، والسَّخْط، والمَقْت، والأَسَف.
وَهِيَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ صِفَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ لله -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، وَلَا تُشْبِهُ مَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمَخْلُوقُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا مَا يَلْزَمُ فِي الْمَخْلُوقِ، فَلَا حُجَّةَ لِلْأَشَاعِرَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ عَلَى نَفْيِهَا، وَلَكِنَّهُمْ ظنُّوا أَنَّ اتِّصَافَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهَا يَلْزَمُهُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا هِيَ فِي الْمَخْلُوقِ، وَهَذَا الظنُّ الَّذِي ظَنُّوهُ فِي رَبِّهِمْ أَرْدَاهُمْ، فَأَوْقَعَهُمْ فِي حَمْأَةِ النَّفْيِ وَالتَّعْطِيلِ.
وَالْأَشَاعِرَةُ يُرْجعون هَذِهِ الصِّفَاتِ كُلِّهَا إِلَى الْإِرَادَةِ؛ كَمَا عَلِمْتَ سَابِقًا، فَالرِّضَا عِنْدَهُمْ إِرَادَةُ الثَّوَابِ، وَالْغَضَبُ وَالسَّخَطُ.. إلى آخر ذلك إِرَادَةُ الْعِقَابِ. وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ؛ فَيُرْجِعُونَهَا إِلَى نَفْسِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
وَقَوْلُهُ -تعالى-: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾[المجادلة:22]؛ إخبارٌ عمَّا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْلِيَائِهِ مِنْ تَبَادُلِ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ. أَمَّا رِضَاهُ عَنْهُمْ؛ فَهُوَ أَعْظَمُ وأجلُّ مِنْ كُلِّ مَا أُعطوا مِنَ النَّعِيمِ؛ كَمَا قَالَ –سُبْحَانَهُ-: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾[التوبة:72].
وَأَمَّا رِضَاهُمْ عَنْهُ؛ فَهُوَ رِضَا كُلٍّ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَتِهِ مَهْمَا كَانَت.
الشيخ: ماذا؟ أعد.
المتن:
وقوله -تعالى-: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾[المجادلة:22]؛ تضمَّنت هَذِهِ الْآيَاتُ إِثْبَاتَ بَعْضِ صِفَاتِ الْفِعْلِ مِنَ الرِّضى لِلَّهِ، والغَضَب، واللَّعنُ، وَالكُرهِ، والسَّخْط، والمَقْت، والأَسَف.
الشيخ:
كل هذه صفات فعلية: الرحمة، والغضب، والأسف، والمقت. كلها من الصفات الفعلية التي تتعلق بإرادة الله -تعالى- وقدرته واختياره. نعم.
المتن:
وَهِيَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ صِفَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ لله -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، وَلَا تُشْبِهُ مَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمَخْلُوقُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا مَا يَلْزَمُ فِي الْمَخْلُوقِ، فَلَا حُجَّةَ لِلْأَشَاعِرَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ عَلَى نَفْيِهَا، وَلَكِنَّهُمْ ظنُّوا أَنَّ اتِّصَافَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهَا يَلْزَمُهُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا هِيَ فِي الْمَخْلُوقِ، وَهَذَا الظنُّ الَّذِي ظَنُّوهُ فِي رَبِّهِمْ أَرْدَاهُمْ، فَأَوْقَعَهُمْ فِي حَمْأَةِ النَّفْيِ وَالتَّعْطِيلِ.
الشيخ: نسأل الله العافية.
المتن:
وَالْأَشَاعِرَةُ يُرْجعون هَذِهِ الصِّفَاتِ كُلِّهَا إِلَى الْإِرَادَةِ؛ كَمَا عَلِمْتَ سَابِقًا، فَالرِّضَا عِنْدَهُمْ إِرَادَةُ الثَّوَابِ، وَالْغَضَبُ وَالسَّخَطُ.. إلى آخر ذلك إِرَادَةُ الْعِقَابِ. وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ؛ فَيُرْجِعُونَهَا إِلَى نَفْسِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
وَقَوْلُهُ -سبحانه-: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾[المجادلة:22]؛ إخبارٌ عمَّا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْلِيَائِهِ مِنْ تَبَادُلِ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ. أَمَّا رِضَاهُ عَنْهُمْ؛ فَهُوَ أَعْظَمُ وأجلُّ مِنْ كُلِّ مَا أُعطوا مِنَ النَّعِيمِ؛ كَمَا قَالَ –سُبْحَانَهُ-: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾[التوبة:72].
وَأَمَّا رِضَاهُمْ عَنْهُ؛ فَهُوَ رِضَا كُلٍّ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَتِهِ مَهْمَا كَانَت، وَسُرُورُهُ بِهَا؛ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ أحدٌ خَيْرًا ممَّا أُوتي، وَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ -تعالى-: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾[النساء:93].
الشيخ: أعد. في الجنة...
المتن:
وَقَوْلُهُ -سبحانه-: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾[المجادلة:22]؛ إخبارٌ عمَّا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْلِيَائِهِ مِنْ تَبَادُلِ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ.
الشيخ:
﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾[المجادلة:22]؛ إثبات التبادل، الله يرضى عنهم، وهم يرضون عنه، فيه إثبات صفة الرضا لله كما يليق بجلاله وعظمته، وليس معنى الرضا الإرادة –كما يقول الأشاعرة-. بل الإرادة صفة أخرى. نعم.
المتن:
أَمَّا رِضَاهُ عَنْهُمْ؛ فَهُوَ أَعْظَمُ وأجلُّ مِنْ كُلِّ مَا أُعطوا مِنَ النَّعِيمِ؛ كَمَا قَالَ –سُبْحَانَهُ-: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾[التوبة:72].
الشيخ:
﴿أَكْبَرُ﴾[التوبة:72]؛ يعني رضوان الله أكبر مما أعطاهم من التمتع بالمطاعم والمشارب والملابس. نعم.
المتن:
وَأَمَّا رِضَاهُمْ عَنْهُ؛ فَهُوَ رِضَا كُلٍّ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَتِهِ مَهْمَا كَانَت، وَسُرُورُهُ بِهَا؛ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ أحدٌ خَيْرًا ممَّا أُوتي، وَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ.
الشيخ:
وذلك لأنه ليس في الجنة هموم، لو كان يرى أن غيره أكمل منه لصار عنده هم، وهذا نقص. ما فيه هموم، ولا غموم؛ كله راضٍ بما أُعطي مع التفاوت.
المتن:
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾[النساء:93]؛ فَقَدِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: ﴿مُؤْمِنًا﴾[النساء:93] عَنْ قَتْلِ الْكَافِرِ، وَبِقَوْلِهِ: ﴿مُتَعَمِّدًا﴾[النساء:93]؛ -أَيْ قَاصِدًا لِذَلِكَ، بِأَنْ يَقْصِدَ مَن يَعْلَمُهُ آدَمِيًّا مَعْصُومًا، فَيَقْتُلَهُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ- عَنِ الْقَتْلِ الْخَطَأِ.
وَقَوْلُهُ -تعالى-: ﴿خَالِدًا فِيهَا﴾[النساء:93]؛ أَيْ: مُقِيمًا عَلَى جِهَةِ التَّأْبِيدِ، وَقِيلَ الْخُلُودُ: الْمُكْثُ الطَّوِيلُ.
الشيخ:
معروف عند العرب (الْخُلُودُ: الْمُكْثُ الطَّوِيلُ)، والخلود خلودان: المكث الطويل هذا خلود بعض عصاة الموحدين. وخلود التأبيد هذا للكفرة. أسأل الله العافية. نعم.
المتن:
وَاللَّعْنُ: هُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.
الشيخ: نسأل الله العافية.
المتن:
وَاللَّعِينُ وَالْمَلْعُونُ: مَنْ حَقَّت عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ، أَوْ دُعِي عَلَيْهِ بِهَا.
الشيخ: نسأل الله السلامة والعافية. نعم.
المتن:
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تدلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا لَا تَوْبَةَ لَهُ، وَأَنَّهُ مخلَّد فِي النَّارِ، وَهَذَا معارضٌ لِقَوْلِهِ –تَعَالَى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء:48].
وَقَدْ أَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِعِدَّةِ أَجْوِبَةٍ؛ مِنْهَا:
أولًا: أَنَّ هَذَا الْجَزَاءَ لِمَنْ.
الشيخ: (وقد استشكل).
المتن:
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تدلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا لَا تَوْبَةَ لَهُ، وَأَنَّهُ مخلَّد فِي النَّارِ، وَهَذَا معارضٌ لِقَوْلِهِ –تبارك وتَعَالَى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء:48].
الشيخ:
جعل ما دون الشرك تحت المشيئة، ومنه القتل. نعم.
المتن:
وَقَدْ أَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِعِدَّةِ أَجْوِبَةٍ؛ مِنْهَا:
أولًا: أَنَّ هَذَا الْجَزَاءَ لِمَنْ كَانَ مُسْتَحِلًّا قَتْلَ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا.
الشيخ:
هذا يكفر؛ من يستحل قتل المؤمن عمدًا، يصير من الكفرة، فيُخلَّد في النار. نعم.
المتن:
ثانيًا: أَنَّ هَذَا هُوَ الْجَزَاءُ الَّذِي يستحقُّه لَوْ جُوزِيَ، مع إمكان أن لا يُجَازَى، بِأَنْ يَتُوبَ، أَوْ يَعْمَلَ صَالِحًا حتى يَرْجح بِعَمَلِهِ السَّيِّئِ.
ثالثًا: أَنَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ مَوْرِدَ التَّغْلِيظِ وَالزَّجْرِ.
رابعًا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُلُودِ: الْمُكْثُ الطَّوِيلُ -كَمَا قَدَّمْنَا-.
وَقَدْ ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا لَا تَوْبَةَ لَهُ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما-: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، وَلَمْ يَنْسَخْهَا شيءٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى الْقَاتِلِ حُقُوقًا ثَلَاثَةً: حَقًّا لِلَّهِ، وَحَقًّا لِلْوَرَثَةِ، وَحَقًّا لِلْقَتِيلِ.
فَحَقُّ اللَّهِ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَسْقُطُ بِالِاسْتِيفَاءِ فِي الدُّنيا أَوِ الْعَفْوِ، وَأَمَّا حَقُّ الْقَتِيلِ؛ فَلَا يَسْقُطُ حَتَّى يَجْتَمِعَ بِقَاتِلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَأْتِيَ رَأْسُهُ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا فيمَ قَتَلَنِي؟
وَأَمَّا قَوْلُهُ -تعالى-: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾[الزخرف:55]؛ فَالْأَسَفُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى شِدَّةِ الْحُزْنِ، وَبِمَعْنَى شِدَّةِ الْغَضَبِ وَالسَّخَطِ، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ.
الشيخ:
﴿فَلَمَّا آسَفُونَا﴾[الزخرف:55]؛ يعني أغضبونا. نعم.
المتن:
وَالِانْتِقَامُ: الْمُجَازَاةُ بِالْعُقُوبَةِ، مَأْخُوذٌ مِنَ النِّقْمَةِ، وَهِيَ شِدَّةُ الْكَرَاهَةِ وَالسَّخَطِ.
قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-.
الشيخ: ماذا بعد (وَالِانْتِقَامُ)؟
المتن:
وَالِانْتِقَامُ: الْمُجَازَاةُ بِالْعُقُوبَةِ، مَأْخُوذٌ مِنَ النِّقْمَةِ، وَهِيَ شِدَّةُ الْكَرَاهَةِ وَالسَّخَطِ.
قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-: وقوله -تعالى-: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ﴾[البقرة:210].
الشيخ: قف على هذا. أعد (وقد استشكل).
المتن:
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تدلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا لَا تَوْبَةَ لَهُ، وَأَنَّهُ مخلَّد فِي النَّارِ، وَهَذَا معارضٌ لِقَوْلِهِ –تَعَالَى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء:48]، وَقَدْ أَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِعِدَّةِ أَجْوِبَةٍ؛ مِنْهَا:
أولًا: أَنَّ هَذَا الْجَزَاءَ لِمَنْ كَانَ مُسْتَحِلًّا قَتْلَ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا.
الشيخ: وعليه يكون كافر. نعم.
المتن:
ثانيًا: أَنَّ هَذَا هُوَ الْجَزَاءُ الَّذِي يستحقُّه لَوْ جُوزِيَ، مع إمكان أن لا يُجَازَى، بِأَنْ يَتُوبَ، أَوْ يَعْمَلَ صَالِحًا يَرْجَح بِعَمَلِهِ السَّيِّئِ.
ثالثًا: أَنَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ مَوْرِدَ التَّغْلِيظِ وَالزَّجْرِ.
رابعًا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُلُودِ: الْمُكْثُ الطَّوِيلُ -كَمَا قَدَّمْنَا-.
وَقَدْ ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا لَا تَوْبَةَ لَهُ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما-: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، وَلَمْ يَنْسَخْهَا شيءٌ.
الشيخ:
بمعنى أنه لا توبة له؛ أنه ما يدخل تحت المشيئة، فإن رجحت سيئاته عُذِّب، ثم يُخرج، ولا يُخلَّد وإن رجحت سيئاته، وإن رجحت حسناته فإنه لا يُعذَّب؛ بخلاف الكبائر الأخرى؛ فإنها تكون تحت المشيئة، أما القتل فلا يكون تحت المشيئة على هذا القول.
والصواب أن المراد بالخلود: المكث الطويل. هذا هو الصواب، المكث الطويل، وأما القاتل فإذا كان موحِّد؛ فإنه لا يخلَّد في النار.
فالحجاج بن يوسف أمير العراق كان أسرف في القتل، قتل أناسًا كثيرين، وقتل جماعة من العلماء، قتل سعيد بن جبير وغيره عمدًا وعدوانًا، ورؤي في المنام، وسئل عن حاله، وقال: قُتل بكل قتيل قتْلة، وقُتل بسعيد بن جبير سبعين قتْلة، وإنه بعد ذلك يرجو ما يرجو الموحدون؛ يعني موحِّد ولو كان أسرف في القتل. هذا إذا مات بغير توبة، أما إذا مات بتوبة؛ فمعروف قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، أو قتل مائة نفس، «لما سأل عن أعلم أهل الأرض، وقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فله من توبة؟ قال: لا توبة له. قتله، وكمل به المائة، ثم سأل، فدُلَّ على عالِم، فقال: له توبة»، وأنه لما أرشده إلى القرية الصالحة، قال: «اذهب إليها، فإن فيها قومًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم. جاءه الموت وهو في منتصف الطريق، واختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب».
من تاب تاب الله عليه، لكن القاتل يتعلق به ثلاثة حقوق: حق لله، وحق للقتيل، وحق لأولياء القتيل، فلا بد من أداء الحقوق الثلاثة، فإذا سلَّم نفسه لأولياء القتيل فقد أدى حقهم، وإذا تاب توبة نصوحًا أدى حق الله، بقي حق القتيل، إذا أدى الحقين فإن الله -تعالى- يرضيه، ويعطيه من الثواب ما يسمح به عنه، فتكون أُدِّيت الحقوق الثلاثة.
وفَّق الله الجميع لطاعته.
الطالب: جزاكم الله خيرًا يا شيخ.
الشيخ: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.