بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه ومشايخه، ولنا، ولوالدينا وللمسلمين يا رب العالمين.
المتن:
قال الشيخ محمد بن خليل هراس –رحمه الله تعالى-: وأما قوله -تعالى-: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا﴾[الزخرف:55] إلى آخر الآية؛ فَالْأَسَفُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى شِدَّةِ الْحُزْنِ، وَبِمَعْنَى شِدَّةِ الْغَضَبِ وَالسَّخَطِ، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ.
وَالِانْتِقَامُ: الْمُجَازَاةُ بِالْعُقُوبَةِ، مَأْخُوذٌ مِنَ النِّقْمَةِ، وَهِيَ شِدَّةُ الْكَرَاهَيةِ وَالسَّخَطِ.
الشيخ: ماذا؟ أعد.
المتن:
وأما قوله -تعالى-: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾[الزخرف:55] إلى آخر الآية؛ فَالْأَسَفُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى شِدَّةِ الْحُزْنِ، وَبِمَعْنَى شِدَّةِ الْغَضَبِ وَالسَّخَطِ.
الشيخ: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا﴾[الزخرف:55]؛ فلما أغضبونا ﴿انتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾[الزخرف:55]، هذه صفة الغضب، ما تدل عليه الآية. نعم.
المتن:
وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ.
الشيخ: ماذا؟ (ويُسْتَعْمَلُ) ماذا؟
المتن:
فَالْأَسَفُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى شِدَّةِ الْحُزْنِ، وَبِمَعْنَى شِدَّةِ الْغَضَبِ وَالسَّخَطِ، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ.
وَالِانْتِقَامُ: الْمُجَازَاةُ بِالْعُقُوبَةِ، مَأْخُوذٌ مِنَ النِّقْمَةِ، وَهِيَ شِدَّةُ الْكَرَاهَيةِ وَالسَّخَطِ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى-.
الشيخ:
فيه إثبات الغضب لله –عز وجل-، إثبات الأسَف، ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾[الزخرف:55]، إثبات الأسف، وهو الغضب كما يقول –جل وعلا-. نعم.
الطالب: (00:01:55)
الشيخ: نعم، نعم، كما أخبر الله عن نفسه.
المتن:
قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-: وَقَولُهُ -تعالى-: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ﴾[البقرة:210]، وقوله -تعالى-: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾[الأنعام:158]، وقوله -تعالى-: ﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾[الفجر:21، 22].
الشيخ:
هذه الآية فيها إثبات مجيء لله، والآيات التي قبلها فيها إثبات الإتيان لله، وأنه يأتي كما يليق بجلاله وعَظَمته، ويجيء هنا كما يليق بجلاله وعَظَمته، نعم، لا يُشبه إتيان المخلوق، ولا مجيء المخلوق، نعم.
المتن:
وقوله -تعالى-: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا﴾[الفرقان:25].
قال الشيخ محمد بن خليل –رحمه الله تعالى-: وقوله -تعالى-: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ﴾[البقرة:210] إلى آخر الآية، فِي هَذِهِ الْآيَاتِ إِثْبَاتُ صِفَتَيْنِ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَهُ –سُبْحَانَهُ-، وَهُمَا صِفَتَا الْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْإِيمَانُ بِذَلِكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَالِابْتِعَادُ عَنِ التَّأْوِيلِ الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ إلحادٌ وَتَعْطِيلٌ.
ولعلَّ مِنَ الْمُنَاسِبِ أَنْ نَنْقُلَ إِلَى الْقَارِئِ هُنَا مَا كَتَبَهُ حَامِلُ لِوَاءِ التجهُّم وَالتَّعْطِيلِ فِي هَذَا الْعَصْرِ.
الشيخ:
ماذا؟ أعد قبله بثلاثة أسطر.
المتن:
قوله -تعالى-: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ﴾[البقرة:210] إلى آخر الآية، فِي هَذِهِ الْآيَاتِ إِثْبَاتُ صِفَتَيْنِ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَهُ –سُبْحَانَهُ-، وَهُمَا صِفَتَا الْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْإِيمَانُ بِذَلِكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ.
الشيخ:
وقد أنكرهما المعتزلة والجهمية والأشاعرة أيضًا كذلك، كل الطوائف أنكروها؛ لأنها ليست من الصفات السبع، أنكروا الإتيان والمجي. نعم.
المتن:
وَالَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْإِيمَانُ بِذَلِكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَالِابْتِعَادُ عَنِ التَّأْوِيلِ الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ إلحادٌ وَتَعْطِيلٌ.
ولعلَّ مِنَ الْمُنَاسِبِ أَنْ نَنْقُلَ إِلَى الْقَارِئِ هُنَا مَا كَتَبَهُ حَامِلُ لِوَاءِ التجهُّم وَالتَّعْطِيلِ فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَهُوَ الْمَدْعُو بـــ(ِزَاهِدٍ الْكَوْثَرِي)، قَالَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى كِتَابِ (الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ) لِلْبَيْهَقِيِّ مَا نَصُّهُ:
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بعذابٍ فِي الْغَمَامِ الَّذِي يُنْتَظَرُ مِنْهُ الرَّحْمَةُ، فَيَكُونُ مَجِيءُ الْعَذَابِ مِنْ حَيْثُ تُنتظر الرَّحْمَةُ أَفْظَعَ وَأَهْوَلَ.
وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي مَعْنَى الْبَاءِ كَمَا سَبَقَ.
وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: أَنْ يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ. انتهى.
فَأَنْتَ تَرَى مِنْ نَقْلِ هَذَا الرَّجُلِ عَنْ أَسْلَافِهِ فِي التَّعْطِيلِ مَدَى اضْطِرَابِهِمْ فِي التَّخْرِيجِ وَالتَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ الْآيَاتِ صَرِيحَةٌ فِي بَابِهَا، لَا تَقْبَلُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ التَّأْوِيلَاتِ.
فَالْآيَةُ الْأُولَى تتوعَّد هَؤُلَاءِ المصِرِّين عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، وَاتِّبَاعِهِمْ لِلشَّيْطَانِ بِأَنَّهُمْ مَا يَنْتَظِرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿وَقُضِيَ الأَمْرُ﴾[البقرة:210].
وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ أَشَدُّ صَرَاحَةً؛ إِذْ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُ الْإِتْيَانِ فِيهَا بِأَنَّهُ إِتْيَانُ الْأَمْرِ أَوِ الْعَذَابِ؛ لِأَنَّهُ ردَّد فِيهَا بَيْنَ إِتْيَانِ الْمَلَائِكَةِ وَإِتْيَانِ الرَّبِّ، وَإِتْيَانِ بَعْضِ آيَاتِ الرَّبِّ –سُبْحَانَهُ-.
وَقَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾[الفجر:22] لَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى مَجِيءِ الْعَذَابِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَجِيئُهُ –سُبْحَانَهُ- يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَالْمَلَائِكَةُ صُفُوفٌ؛ إِجْلَالًا وَتَعْظِيمًا لَهُ، وَعِنْدَ مَجِيئِهِ تَنْشَقُّ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْآيَةُ الْأَخِيرَةُ.
وَهُوَ –سُبْحَانَهُ- يَجِيءُ وَيَأْتِي، وَيَنْزِلُ وَيَدْنُو، وَهُوَ فَوْقَ عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ.
فَهَذِهِ كُلُّهَا أَفْعَالٌ لَهُ –سُبْحَانَهُ- عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَدَعْوَى الْمَجَازِ تعطيلٌ لَهُ عَنْ فِعْلِهِ، واعتقادُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَجِيءَ وَالْإِتْيَانَ مِنْ جِنْسِ مَجِيءِ الْمَخْلُوقِينَ وَإِتْيَانِهِمْ نزوعٌ إِلَى التَّشْبِيهِ يُفْضِي إِلَى الْإِنْكَارِ وَالتَّعْطِيلِ.
قال شيخ الإسلام –رحمه الله-: وَقَوْلُهُ -تعالى-: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾[الرحمن:27]، وقوله -تعالى-: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾[القصص:88].
قال الشيخ محمد –رحمه الله تعالى-: وَقَوْلُهُ -تعالى-: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾[الرحمن:27] إلى آخر الآية؛ تضمَّنت هَاتَانِ الْآيَتَانِ إِثْبَاتَ صِفَةِ الْوَجْهِ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.
وَالنُّصُوصُ فِي إِثْبَاتِ الْوَجْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا تُحصى كَثْرَةً، وَكُلُّهَا تَنْفِي تَأْوِيلَ المعطِّلة الَّذِينَ يُفَسِّرُونَ الْوَجْهَ بِالْجِهَةِ، أَوِ الثَّوَابِ، أَوِ الذَّاتِ.
وَالَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ أَنَّ الْوَجْهَ صفةٌ غيرُ الذَّاتِ، وَلَا يَقْتَضِي إِثْبَاتُهُ كَوْنَهُ –تَعَالَى- مُرَكَبًّا مِنْ أَعْضَاءٍ كَمَا يَقُولُهُ المجسِّمة، بَلْ هُوَ صِفَةٌ لِلَّهِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، فَلَا يُشْبِهُ وَجْهًا، وَلَا يُشْبِهُهُ وَجْهٌ.
واستدلَّت المعطِّلة بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَجْهِ الذَّاتُ؛ إِذْ لَا خُصُوصَ لِلْوَجْهِ فِي الْبَقَاءِ وَعَدَمِ الْهَلَاكِ.
وَنَحْنُ نُعَارِضُ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وجهٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَمَا جَاز اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ فِي مَعْنَى الذَّاتِ، فَاللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِمَعْنًى لَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي مَعْنًى آخَرَ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ ثَابِتًا لِلْمَوْصُوفِ؛ حَتَّى يُمْكِنُ لِلذِّهْنِ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنَ الْمَلْزُومِ إِلَى لَازِمِهِ.
عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُ مَجَازٍ بِطَرِيقٍ آخَرَ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ أَسْنَدَ الْبَقَاءَ إِلَى الْوَجْهِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ بَقَاءُ الذَّاتِ؛ بَدَلًا مِنْ أَنْ يُقَالَ: أَطْلَقَ الْوَجْهَ، وَأَرَادَ الذَّاتَ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ نَقْلًا عَنِ الْخَطَّابِيِّ أَنَّهُ –تَعَالَى- لَمَّا أَضَافَ الْوَجْهَ إِلَى الذَّاتِ، وَأَضَافَ النَّعْتَ إِلَى الْوَجْهِ، فَقَالَ -سبحانه-: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾[الرحمن:27]؛ دلَّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْوَجْهِ لَيْسَ بِصِلَةٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾[الرحمن:27] صفةٌ لِلْوَجْهِ، وَالْوَجْهُ صفةٌ للذَّات.
وَكَيْفَ يُمْكِنُ تَأْوِيلُ الْوَجْهِ بِالذَّاتِ أَوْ بِغَيْرِهَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ –عَلَيْهِ الصلاة السَّلَامُ- فِي حَدِيثِ الطَّائِفِ: «أعوذُ بنورِ وجهِكَ الَّذِي أشرقتْ لَهُ الظُّلُمات» إلى آخر الحديث؟! وَقَوْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: «حِجَابُهُ النُّورُ أَوِ النَّارُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَات وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»؟!
قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-: وقوله -تعالى-: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾[ص:75]، وقوله –سبحانه وتعالى-: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾[المائدة:64].
قال الشيخ محمد بن خليل –رحمه الله تعالى-: وقوله: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ﴾[ص:75] إلى آخر الآية ؛ تضمَّنَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ إِثْبَاتَ الْيَدَيْنِ صِفَةً حَقِيقِيَّةً لَهُ –سُبْحَانَهُ- عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، فَهُوَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى يُوَبِّخُ إِبْلِيسَ عَلَى امْتِنَاعِهِ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ الَّذِي خَلَقَهُ بِيَدَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَدَيْنِ هُنَا عَلَى الْقُدْرَةِ؛ فَإِنَّ الْأَشْيَاءَ جَمِيعًا -حَتَّى إِبْلِيسَ- خَلَقَهَا اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ، فَلَا يَبْقَى لِآدَمَ خُصُوصِيَّةٌ يَتَمَيَّزُ بِهَا.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر: «إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- خَلَقَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ بِيَدِهِ: خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ».
فَتَخْصِيصُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِالذِّكْرِ مَعَ مُشَارَكَتِهَا لِبَقِيَّةِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي وُقُوعِهَا بِالْقُدْرَةِ دالٌّ عَلَى اخْتِصَاصِهَا بِأَمْرٍ زَائِدٍ.
وَأَيْضًا؛ فَلَفْظُ الْيَدَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ لَمْ يُعرف اسْتِعْمَالُهُ إِلَّا فِي الْيَدِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَلَمْ يَرِدْ قَطُّ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ أَوِ النِّعْمَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ: خَلَقَهُ اللَّهُ بِقُدْرَتَيْنِ أَوْ بِنِعْمَتَيْنِ.
عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِطْلَاقُ الْيَدَيْنِ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ أَوِ الْقُدْرَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا إِلَّا فِي حَقِّ مَنِ اتَّصَفَ بِالْيَدَيْنِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ: لِلرِّيحِ يَدٌ، وَلَا لِلْمَاءِ يَدٌ.
وَأَمَّا احْتِجَاجُ المعطِّلة بِأَنَّ الْيَدَ قَدْ أُفْرِدَتْ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ، وَجَاءَتْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فِي بَعْضِهَا؛ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ، فَإِنَّ مَا يُصْنَعُ بِالِاثْنَيْنِ قَدْ يُنسب إِلَى الْوَاحِدِ؛ تَقُولُ: رَأَيْتُ بِعَيْنِي، وَسَمِعْتُ بِأُذُنِي. وَالْمُرَادُ: عَيْنَيَ، وَأُذُنَيَ. وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ يَأْتِي بِمَعْنَى الْمُثَنَّى أَحْيَانًا كَقَوْلِهِ –تَعَالَى-: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾[التحريم:4]، وَالْمُرَادُ: قَلْبَاكُمَا.
وَكَيْفَ يتأتَّى حملُ الْيَدِ عَلَى الْقُدْرَةِ أَوِ النِّعْمَةِ مَعَ مَا وَرَدَ مِنْ إِثْبَاتِ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ، وَالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ، وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؟!
الشيخ:
الإمام محمد بن عبد الوهاب وجماعة أثبتوا الشمال، ومنهم من لم يُثبت الشمال، وأخذ بقوله: «وكلتا يدي ربي يمين مباركة»، قال: كلاهما يمين. وقال آخرون: تسمى شمال كما جاء في الحديث، وأخذوا بها، ولكن كلاهما يمين في الفضل، والشرف، والبركة، وعدم النقص، فإن المخلوق؛ يده الشمال فيها نقص. نعم.
الطالب: (00:19:53).
الشيخ: اليمين والشمال؛ الإمام محمد بن عبد الوهاب وجماعة، والقول الثاني أن كلاهما يمين، كلاهما تسمى يمين. نعم.
الطالب: في حديث: «ثَلَاثَةَ أشياء خلقها بِيَدِهِ».
الشيخ: «بيده».
الطالب: خلق آدم؟
الشيخ: «جنة عدن».
الطالب: التوراة بيده؟
الشيخ: لا، ما خلق التوراة، التوراة ما خُلقت، بل مكتوبة، كتبها، كتب التوراة بيده، التوراة كتاب الله، غير مخلوقة. نعم.
الطالب: هذا الحديث صحيح؟
الشيخ: نعم، صحيح، نعم.
المتن:
وَكَيْفَ يتأتَّى حملُ الْيَدِ عَلَى الْقُدْرَةِ أَوِ النِّعْمَةِ مَعَ مَا وَرَدَ مِنْ إِثْبَاتِ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ، وَالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ، وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؟!
الشيخ:
نعم، لا يمكن إثبات اليد القدرة، في الحديث الآخر: الكف، «يأخذها بكفِّه»، إثبات الأصابع، والقبض والبسط، لا يمكن تُأوَّل بقدرة، أو النعمة. نعم.
المتن:
وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْيَدِ الحقيقيَّة؟!
وَفِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ يَحْكِي اللَّهُ –سُبْحَانَهُ- مَقَالَةَ الْيَهُودِ -قبَّحهم اللَّهُ- فِي رَبِّهِمْ، وَوَصْفَهُمْ إِيَّاهُ –حَاشَاهُ- بِأَنَّ يَدَهُ مَغْلُولَةٌ؛ أَيْ: مُمْسِكَةٌ عَنِ الْإِنْفَاقِ.
الشيخ: -قبحهم الله-.
المتن:
أَيْ: مُمْسِكَةٌ عَنِ الْإِنْفَاقِ.
ثُمَّ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ –سُبْحَانَهُ- عَكْسَ مَا قَالُوا.
الشيخ:
﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾[المائدة:64]. نعم.
المتن:
ثُمَّ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ –سُبْحَانَهُ- عَكْسَ مَا قَالُوا، وَهُوَ أَنَّ يَدَيْهِ مَبْسُوطَتَانِ بِالْعَطَاءِ؛ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ؛ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ.
الشيخ: «سحَّاء الليلَ والنهارَ، أرأيتم ما أنفق منذ خلق؟! فإنه لم يغض ما في يمينه». نعم.
المتن:
وَهُوَ أَنَّ يَدَيْهِ مَبْسُوطَتَانِ بِالْعَطَاءِ؛ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ؛ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلْأَى سحَّاء الليلَ والنهارَ؛ لَا يغيضُها نَفَقةٌ».
تُرَى لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ يَدَانِ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ هَلْ كَانَ يَحْسُنُ هَذَا التَّعْبِيرُ بِبَسْطِ الْيَدَيْنِ؟! أَلَا شاهَتْ وُجوهُ المتأوِّلين!.
قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-: وقوله -تعالى-: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾[الطور:48].
الشيخ: إثبات اليد إثبات الصفات ثابته لله –عز وجل-، لله يدان ثابتتان، قال: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾[المائدة:64]، ﴿بِيَدَيَّ﴾[ص:75]؛ لأنه أضافها إلى نفسه الكريمة، وجاء بالتثنية.
أما ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾[ص:75]؛ هذا المراد إثبات جنس اليد، وأما ﴿عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾[يس:71]؛ فليست من آيات الصفات. وفَّق الله الجميع لطاعته.
سبحانك اللهم وبحمدك.