بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه، ولمشايخه وللمسلمين يا رب العالمين.
المتن:
قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-: وقوله -تعالى-: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾[المجادلة:1]، وقوله -تعالى-: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾[آل عمران:181]، وقوله -تعالى-: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾[الزخرف:80]، وقوله –تبارك وتعالى-: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾[طه:46].
قال الشيخ محمد بن خليل هراس –رحمه الله تعالى-.
الشيخ:
هذه الآيات في إثبات السمع والرؤية لله –عز وجل-، وأن الله لا يخفى عليه شيء من أعمال عباده، يراهم من فوق عرشه، ويسمع أصواتهم، سمع نوعا، سماع الأصوات لا تخفى عليه، وسماع القبول والاستجابة، ومنه قول: سمع الله لمن حمده؛ يعني استجاب الله لمن حمده.
﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾[المجادلة:1]؛ نزلت في خولة لما ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت، وجاءت إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- قال لها: «ما أراكِ إلا حرمتِ عليه»، فكانت تجادل النبي –صلى الله عليه وسلم-، وقالت: يا رسول الله، أشكو إليك صبية إن ضممتهم إليه ضاعوا، أو إليَّ جاعوا، وقالت: أشتكي إلى الله، أشتكي إلى الله. وسمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، قالت عائشة –رضي الله عنها-: سبحان من وسع سمعه الأصوات!، لقد جاءت المجادلة خولة تجادل النبي –صلى الله عليه وسلم-، وإني ليخفى عليَّ بعض كلامها، وقد سمع الله قولها من فوق سبع سماوات.
وكذلك الرؤية؛ إثبات الرؤية، أن الله –عز وجل- يرى أعمال العباد، فلا يخفى عليه شيء من أعمالهم، وإذا استحضر الإنسان سمع الله ورؤيته كان ذلك حافزًا له على اجتناب ما حرَّم الله. نعم.
المتن:
قوله -تعالى-: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾[المجادلة:1] إلى آخر الآية؛ هَذِهِ الْآيَاتُ سَاقَهَا الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله-؛ لِإِثْبَاتِ صِفَاتِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالرُّؤْيَةِ.
أَمَّا السَّمْعُ؛ فَقَدْ عبَّرت عَنْهُ الْآيَاتُ بِكُلِّ صِيَغِ الِاشْتِقَاقِ، وَهِيَ: سَمِعَ، ويَسْمَعُ، وسميعٌ، ونَسْمَعُ، وَأسمَعُ، فَهُوَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لِلَّهِ.
الشيخ:
﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾[طه:46]، يسمع، ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ﴾[آل عمران:181]، ﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾[المجادلة:1]، نعم.
المتن:
فَهُوَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لِلَّهِ يُدْرِكُ بِهَا الْأَصْوَاتَ.
الشيخ:
كما أن من أسماء الله السميع، ومن أسمائه البصير، ويُعبَّد بها، يقال: عبد السميع، وعبد البصير. نعم.
المتن:
كَمَا قَدَّمْنَا.
وَأَمَّا الْبَصَرُ؛ فَهُوَ الصِّفَةُ الَّتِي يُدْرِكُ بِهَا الْأَشْخَاصَ وَالْأَلْوَانَ، وَالرُّؤْيَةُ لَازِمَةٌ لَهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى –رضي الله عنه-: «يَا أيها الناس، أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ».
الشيخ:
هذا حديث أبي موسى في البخاري أننا كنا في سفر، فارتفعت أصواتنا بالتكبير. إذا صعدوا كبروا: الله أكبر، الله أكبر. فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ –يعني ارفقوا-، فإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أصمًّا وَلَا غَائِبًا، إنما تَدْعُونَ سَمِيعًا قريبًا، أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ»، نعم.
المتن:
وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى –رضي الله عنه-: «يَا أيها الناس، أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أصمًّا وَلَا غَائِبًا، وَلَكِنْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا، إنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ».
وكلٌّ مِنَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ صِفَةُ كَمَالٍ، قَدْ عَابَ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ عِبَادَتَهُمْ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ.
وَقَدْ نَزَلَتِ الآية الْأُولَى فِي شَأْنِ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ حِينَ ظَاهَرَ مِنْهَا زَوْجُهَا، فَجَاءَتْ تَشْكُو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتحاوِرُهُ، وَهُوَ يَقُولُ لَهَا: «مَا أَرَاكِ إِلَّا قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ».
أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-؛ قَالَتِ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وسعَ سمعُهُ الأصواتَ؛ لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ تَشْكُو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا فِي ناحيةٍ مِنَ البيتِ مَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾[المجادلة:1] الآيات».
وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ؛ فَقَدْ نَزَلَتْ فِي فِنْحَاصَ الْيَهُودِيِّ الْخَبِيثِ، حِينَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَمَّا دَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ: وَاللَّهِ يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا بِنَا إِلَى اللَّهِ مِنْ حَاجَةٍ مِنْ فَقْرٍ، وَإِنَّهُ إِلَيْنَا لَفَقِيرٌ.
الشيخ:
قبحه الله، قبحه الله، كيف يجرؤ على مثل هذه المقالة فنحاص؟! يعني لولا أن الله أخبرنا عن هذه المقالة لما دار في خلد ذهننا أن أحدًا يقول: إن الله فقير. –نعوذ بالله-. ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾[آل عمران:181]؛ تهديد ووعيد، ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾[آل عمران:181].
وكذلك قولهم: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾[المائدة:64]، -نعوذ بالله-، من يجرؤ على أن يقول مثل هذا الكلام؟! قوم بُهت خبثاء، مغضوب عليهم، حلَّ عليهم الغضب. نعم.
المتن:
وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ؛ فَقَدْ نَزَلَتْ فِي فِنْحَاصَ الْيَهُودِيِّ الْخَبِيثِ، حِينَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَمَّا دَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ: وَاللَّهِ يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا بِنَا إِلَى اللَّهِ مِنْ حَاجَةٍ مِنْ فَقْرٍ، وَإِنَّهُ إِلَيْنَا لَفَقِيرٌ، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا مَا استَقْرَضَنا.
الشيخ:
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾[الحديد:11]؛ قالوا: هذا يستقرض منا. نعم.
المتن:
وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّالِثَةُ؛ فَـ (أَمْ) بِمَعْنَى (بَلْ).
الشيخ: ما هي الآية؟
الطالب: أحسن الله إليك، الآية: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ﴾[الزخرف:80].
المتن:
فَـ (أَمْ) بِمَعْنَى (بَلْ)، وَالْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ.
الشيخ:
﴿أَمْ يَحْسَبُونَ﴾[الزخرف:80]؛ يعني بل، بل يحسبون، نعم.
المتن:
فَهِيَ (أَمِ) الْمُنْقَطِعَةُ، وَالِاسْتِفْهَامُ إنكاريٌّ يتضمَّن مَعْنَى التَّوْبِيخِ، وَالْمَعْنَى: بَلْ أيظنُّ هَؤُلَاءِ فِي تخفِّيهِم وَاسْتِتَارِهِمْ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنْجْوَاهُمْ؟! بَلَى نَسْمَعُ ذَلِكَ، وَحَفَظَتُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ مَا يَقُولُونَ، وَمَا يَفْعَلُونَ.
وَأَمَّا الْآيَةُ الرَّابِعَةُ؛ فَهِيَ خطابٌ مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لِمُوسَى وَهَارُونَ -عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- حِينَ شَكَوْا إِلَى اللَّهِ خَوْفَهُمَا مِنْ بَطْشِ فِرْعَوْنَ بِهِمَا، فَقَالَ لَهُمَا: ﴿لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾[طه:46].
وَأَمَّا الْآيَةُ الْخَامِسَةُ؛ فَقَدْ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ أَبِي جَهْلٍ -لَعَنَهُ اللَّهُ- حين نَهَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْبَيْتِ.
الشيخ: ما هي الآية الخامسة؟
الطالب: أحسن الله إليك، ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾[العلق:14]، أحسن الله إليك.
الشيخ: نعم.
المتن:
وَأَمَّا الْآيَةُ الْخَامِسَةُ؛ فَقَدْ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ أَبِي جَهْلٍ -لَعَنَهُ اللَّهُ- حِينَ نَهَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْبَيْتِ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ –تَعَالَى-: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾[العلق:9- 14] إلى آخر السورة.
قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-: وقوله -تعالى-: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾[الرعد:13].
الشيخ: وفَّق الله الجميع لطاعته. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت.