شعار الموقع

شرح كتاب العقيدة الواسطية للهراس_33

00:00
00:00
تحميل
61

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه ولمشايخه، ولنا ولوالدينا، وللمستمعين والمسلمين يا رب العالمين.

المتن:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في (العقيدة الواسطية): وقوله –عز وجل-: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[التغابن:1]، وقوله -تعالى-: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾[الفرقان:1، 2].

قال الشيخ محمد بن خليل هراس –رحمه الله تعالى-: وَأَمَّا قَوْلُهُ –عز وجل-: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾[التغابن:1] الآية؛ فَالتَّسْبِيحُ هُوَ التَّنْزِيهُ، وَالْإِبْعَادُ عَنِ السُّوءِ –كما تقدم-.

الشيخ:

نعم، سبح لله؛ يعني نزه الله عن السوء، وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا صعد، أو علا كبَّر الله؛ يعني الله أكبر من كل شيء، وإذا سفل سبَّح؛ يعني نزه الله عن السوء. نعم.

المتن:

وَلَا شَكَّ أَنَّ جَمِيعَ الأشياء في السماوات وفي الْأَرْضِ تسبِّح بِحَمْدِ رَبِّهَا، وَتَشْهَدُ لَهُ بِكَمَالِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، والعزَّة وَالْحِكْمَةِ، وَالتَّدْبِيرِ وَالرَّحْمَةِ.

الشيخ:

﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾[التغابن:1]؛ عام، (ولا شَكَّ) ماذا؟

المتن:

وَلَا شَكَّ أَنَّ جَمِيعَ الأشياء في السماوات وفي الْأَرْضِ تسبِّح بِحَمْدِ رَبِّهَا، وَتَشْهَدُ لَهُ بِكَمَالِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، والعزَّة وَالْحِكْمَةِ، وَالتَّدْبِيرِ وَالرَّحْمَةِ.

قَالَ –تَعَالَى-: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾[الإسراء:44].

وَقَدِ اختُلف فِي تَسْبِيحِ الْجَمَادَاتِ الَّتِي لَا تَنْطِقُ؛ هَلْ هُوَ بِلِسَانِ الْحَالِ أَوْ بِلِسَانِ الْمَقَالِ؟ وَعِنْدِي أَنَّ الثَّانِيَ أَرْجَحُ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ –تَعَالَى-: ﴿وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾[الإسراء:44]؛ إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ تَسْبِيحَهَا بِلِسَانِ الْحَالِ؛ لَكَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا، فَلَا يصحُّ الِاسْتِدْرَاكُ.

وَقَدْ قالَ –تَعَالَى- خَبَرًا عَنْ داودَ -عَلَيْهِ السلامُ-: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾[ص:18، 19].

وَأَمَّا قَوْلُهُ –تَعَالَى-: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ﴾[الفرقان:1] الآية؛ فَقَدْ قُلْنَا: إِنَّ مَعْنَى ﴿تَبَارَكَ﴾[الفرقان:1] مِنَ الْبَرَكَةِ؛ وَهِيَ دَوَامُ الْخَيْرِ وَكَثْرَتُهُ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ سَبْقُ النَّقْصِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ تجدُّد الْكَمَالَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ التَّابِعَةِ لِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، فَإِنَّهَا تتجدَّد فِي ذَاتِهِ عَلَى وَفْقِ حِكْمَتِهِ، فالخلوُّ عَنْهَا قَبْلَ اقْتِضَاءِ الْحِكْمَةِ لَهَا لَا يُعتبرُ نَقْصًا.

وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُهُمُ التَّبَارُك بِالثَّبَاتِ، وَعَدَمِ التغيُّر، وَمِنْهُ سمِّيت البِرْكَة؛ لِثُبُوتِ مَائِهَا. وَهُوَ بَعِيدٌ.

وَالْمُرَادُ بِـ﴿الْفُرْقَانَ﴾[الفرقان:1] الْقُرْآنُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ.

الشيخ:

نحن تكلمنا عن ﴿تَبَارَكَ﴾[الفرقان:1]، نقلنا كلام ابن القيم في درس المساء، يُرجَع إليه، قلنا: كما قال ابن القيم: البرَكة نوعان، نوع هي فعله –سبحانه وتعالى-، والفعل منه بارَك، ويتعدى بنفسه، وبــ(في)، وبـــ(على)، فيقال: باركك الله، وبارك عليك، وبارك فيك.

والنوع الثاني: تبارك، وصْف الله، تبارك: تعاظم، وكثر خيره، تبارك، فهو المتبارِك، وعبده المبارَك، والمفعول منه المبارَك؛ ومنه قول الله -تعالى- عن عيسى: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ﴾[مريم:31]، فالله هو المتبارِك، وعبده المبارَك. نعم.

المتن:

وَالْمُرَادُ بِـ﴿الْفُرْقَانَ﴾[الفرقان:1] الْقُرْآنُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لقوَّة تَفْرِيقه بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ.

وَالتَّعْبِيرُ بِـ ﴿نَزَّلَ﴾[الفرقان:1] بِالتَّشْدِيدِ؛ لِإِفَادَةِ التدرُّج فِي النُّزُولِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ جُمْلَةً وَاحِدَةً.

وَالْمُرَادُ بِـ ﴿عَبْدِهِ﴾[الفرقان:1] محمد.

الشيخ: وإنما نزل منجَّمًا على حسب الحوادث. ﴿الْفُرْقَانَ﴾[الفرقان:1] هو القرآن؛ سمي بذلك؛ لأن الله -تعالى- فرَّق به بين الحق والباطل، و﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ﴾[الفرقان:1]؛ فيه إثبات أن الله في العلو، والرد على من أنكر علو الله؛ لأن النزول إنما يكون من أعلى إلى أسفل. نعم.

المتن:

وَالْمُرَادُ بِـ ﴿عَبْدِهِ﴾[الفرقان:1] محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

الشيخ: اللهم صلِّ وسلِّم عليه.

المتن:

وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ بِلَقَبِ الْعُبُودِيَّةِ لِلتَّشْرِيفِ -كَمَا سَبَقَ-.

الشيخ:

وهذا أشرف مقامات النبي: العبودية والرسالة، وقد وصفه الله بالعبودية في المقامات العظيمة؛ في مقام الدعوة؛ ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ﴾[الجن:19]، وفي مقام الإسراء: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾[الإسراء:1]، وفي مقام التحدي: ﴿وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾[البقرة:23]. نعم.

المتن:

وَ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾[الفرقان:1]؛ جَمْعُ عالَم، وَهُوَ جَمْعٌ لِمَا يَعْقِلُ، واختُلِف فِي الْمُرَادِ بِهِ، فَقِيلَ: الْإِنْسُ. وَقِيلَ: الْجِنُّ والإنس. وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرسَلٌ إِلَى الْجِنِّ أَيْضًا، وَأَنَّهُ يَجْتَمِعُ بِهِمْ، وَيَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، وَأَنَّ مِنْهُمْ نَفَرًا أَسْلَمَ حِينَ سَمِعَ الْقُرْآنَ، وَذَهَبَ يُنْذِرُ قَوْمَهُ بِهِ؛ كَمَا قَالَ –تَعَالَى-: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾[الأحقاف:29].

وَالنَّذِيرُ وَالْمُنْذِرُ هُوَ مَنْ يُعْلِم بِالشَّيْءِ مَعَ التَّخْوِيفِ، وَضِدُّهُ الْبَشِيرُ أَوِ المبشِّر، وهوَ مَنْ يُخْبِرُكَ بِمَا يسرُّك.

الشيخ:

النذير هو من يُنذر مع التخويف، والمبشِّر هو الذي يبشرك بما يسرك، والعالمين جمع عالَم، كل من سوى الله عالَم، في الربوبية: ﴿تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾[الأعراف:54]؛ جميع المخلوقات كلها عوالم، والله رب الجميع، أما تنزيله القرآن فهو للعالمين، ينزله للعالمين المكلَّفين من الجن والإنس. نعم.

المتن:

قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: وقوله -تعالى-: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ﴾[المؤمنون:91] .

الشيخ: بارك الله فيكم.

الطالب: نفع الله بك.

الشيخ: وفَّق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع، والعمل الصالح، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد