شعار الموقع

شرح كتاب العقيدة الواسطية للهراس_35

00:00
00:00
تحميل
92

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه، ولمشايخه ولنا، وللمسلمين والمستمعين يا رب العالمين.

المتن:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في (العقيدة الواسطية): قوله –عز وجل-: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[النحل:74]، وقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[الأعراف:33].

قال الشيخ محمد بن خليل هراس –رحمه الله تعالى-: وَأَمَّا قَوْلُهُ –تَعَالَى-: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ﴾[النحل:74]؛ فَهُوَ نهيٌ لَهُمْ أَنْ يشبِّهوه بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ؛ فَإِنَّهُ –سُبْحَانَهُ- لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى الَّذِي لَا يُشارِكُهُ فِيهِ مَخْلُوقٌ.

وَقَدْ قدَّمنا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.

الشيخ:

معناه الوصف الكامل، ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾[النحل:60]؛ الوصف الكامل، ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ﴾[النحل:74]؛ فلا تشبِّهوه بخلقه، فالله ليس كمثله شيء. نعم.

المتن:

 وَقَدْ قدَّمنا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي حَقِّهِ مِنَ الْأَقْيِسَةِ مَا يَقْتَضِي الْمُمَاثَلَةَ أَوِ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.

الشيخ:

نعم، ما يقاس بخلقه مثلما قال، المخلوق تجعله مثل فلان، تقيس كذا على كذا، أو تأتي بقياس شمول، ويدخل تحته غير واحد، الله -تعالى- ما يدخل في قياس الشمول، و في لا قياس التمثيل، بل ثابت في حقه المثل الأعلى، وهو الوصف الكامل. نعم.

المتن:

 كَقِيَاسِ التَّمْثِيلِ وَقِيَاسِ الشُّمُولِ.

وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ قِيَاسُ الْأَوْلَى الَّذِي مَضْمُونُهُ أَنَّ كُلَّ كمالٍ وجوديٍّ غيرِ مستلزمٍ لِلْعَدَمِ وَلَا لِلنَّقْصِ بوجهٍ مِنَ الْوُجُوهِ اتَّصف بِهِ الْمَخْلُوقُ فَالْخَالِقُ -سبحانه- أَوْلَى أَنْ يتَّصف بِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَهَبَ الْمَخْلُوقَ ذَلِكَ الْكَمَالَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يتَّصف بِذَلِكَ الْكَمَالِ -مَعَ إِمْكَانِ أَنْ يُتَّصف بِهِ- لَكَانَ فِي الْمُمْكِنَاتِ مَنْ هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ، وَهُوَ محالٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ نقصٍ يتنزَّه عَنْهُ الْمَخْلُوقُ، فَالْخَالِقُ -سبحانه- أَوْلَى بالتنزُّه عَنْهُ.

الشيخ: النقص؛ كل نقص يتنزه عنه المخلوق؛ فالخالق أولى أن يتنزه عنه.

مثلًا: الملائكة كمال، لا يأكلون، ولا يشربون، هذا كمال، وبني آدم يأكلون، ومن لا يأكل أكمل من الآكل؛ لأنه يحتاج. فهذا كمال للملائكة المخلوقة؛ فالخالق أولى به. نعم.

المتن:

وَأَمَّا قَوْلُهُ -تعالى-: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ﴾[الأعراف:33] الآية؛ فَـ﴿إِنَّمَا﴾[الأعراف:33]. أَدَاةُ حصرٍ تُفِيدُ اخْتِصَاصَ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ بِالْحُرْمَةِ، فَيُفْهِمُ أَنَّ مَن عَدَاهَا مِنَ الطَّيِّبات فَهُوَ مباحٌ لَا حَرَجَ فِيهِ؛ كَمَا أَفَادَتْهُ الْآيَةُ الَّتِي قَبْلَهَا.

وَ﴿الْفَوَاحِشَ﴾[الأعراف:33]. جَمْعُ فَاحِشَةٍ؛ وَهِيَ الْفِعْلَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ فِي الْقُبْحِ، وخصَّها بَعْضُهُمْ بِمَا تضمَّن شَهْوَةً وَلَذَّةً مِنَ الْمَعَاصِي كَالزِّنَا، وَاللِّوَاطِ، وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْفَوَاحِشِ الظَّاهِرَةِ، وَكَالْكِبْرِ وَالْعَجَبِ وَحُبِّ الرِّيَاسَةِ مِنَ الْفَوَاحِشِ الْبَاطِنَةِ.

وَأَمَّا ﴿وَالإِثْمَ﴾[الأعراف:33]؛ فَمِنْهُمْ مَن فَسَّرَهُ بِمُطْلَقِ الْمَعْصِيَةِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا هو دُونَ الْفَاحِشَةِ، وَمِنْهُمْ مَن خصَّه بِالْخَمْرِ، فَإِنَّهَا جِماع الْإِثْمِ.

وَأَمَّا ﴿وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾[الأعراف:33]؛ فَهُوَ التسلُّط وَالِاعْتِدَاءُ عَلَى النَّاسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْقِصَاصِ وَالْمُمَاثَلَةِ.

وقَوْلُهُ -تعالى-: ﴿وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾[الأعراف:33]؛ وحرَّم أَنْ تَعْبُدُوا مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ، وتتقرَّبوا إِلَيْهِ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ وَالْقُرُبَاتِ كَالدُّعَاءِ، وَالنَّذْرِ، وَالذَّبْحِ، وَالْخَوْفِ، وَالرَّجَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُخْلِص فِيهِ العبدُ قلبَه ويُسْلِمَ وجهَه لِلَّهِ –عز وجل-، وحرَّم أَنْ تتَّخذوا مِنْ دُونِهِ –سُبْحَانَهُ- أَوْلِيَاءَ يشرِّعون لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ فِي عِبَادَاتِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ؛ كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الْكِتَابِ مَعَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ؛ حَيْثُ اتَّخذوهم أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي التَّشْرِيعِ، فأحلُّوا مَا حرَّم اللَّهُ، وحرَّمُوا مَا أحلَّ اللَّهُ، فاتَّبعوهم فِي ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ –عز وجل-: ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾[الأعراف:33] قيدٌ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَا عُبِدَ أَوِ اتُّبِعَ أَوْ أُطيع مِنْ دُونِ اللَّهِ قَدْ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ.

وَأَمَّا الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ؛ فَهُوَ بابٌ واسعٌ جِدًّا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ خَبَرٍ عَنِ اللَّهِ –جلَّ وعلا- بِلَا دَلِيلٍ وَلَا حُجَّةٍ؛ كَنَفْيِ مَا أَثْبَتَهُ، أَوْ إِثْبَاتِ مَا نَفَاهُ، أَوِ الْإِلْحَادِ فِي آيَاتِهِ بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيلِ.

قَالَ العَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ –رحمه الله تعالى- فِي كِتَابِهِ (إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ): وَقَدْ حرَّم اللَّهُ –عز وجل- الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَعْظَمِ المحرَّمات، بَلْ جَعَلَهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا مِنْهَا؛ قَالَ –تَعَالَى-: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾[الأعراف:33] الْآيَةَ، فرتَّب الْمُحَرَّمَاتِ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ، وَبَدَأ بِأَسْهَلِهَا، وَهُوَ الْفَوَاحِشُ، وَثَنَّى بِمَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْهُ، وَهُوَ الْإِثْمُ وَالظُّلْمُ، ثُمَّ ثلَّث بِمَا هُوَ أَعْظَمُ تَحْرِيمًا مِنْهُمَا، وَهُوَ الشِّرْكُ بِالله –سُبْحَانَهُ-، ثُمَّ ربَّع بِمَا هُوَ أَعْظَمُ تَحْرِيمًا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ الْقَوْلُ عَلَيْهِ بِلَا عِلْمٍ، وَهَذَا يعمُّ الْقَوْلَ عَلَيْهِ –سُبْحَانَهُ- بِلَا عِلْمٍ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَفِي دِينِهِ وَشَرْعِهِ.

قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-: وقوله –سبحانه-: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾[طه:5] في سبع مواضع، فِي سُورَةِ الأَعْرَافِ؛ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾[الأعراف:54]، وَقَالَ فِي سُورَةِ يُونُسَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾[يونس:3].

الشيخ:

قف على الاستواء. وهذه الآيات كلها فيها وصف الله –سبحانه وتعالى- بما يليق به، ونفي صفات النقص عنه –سبحانه وتعالى-، قال: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[النحل:74]، وفيها أن الله -تعالى- حرَّم عليه القول بلا علم، ومن ذلك: القول عليه في أسمائه وصفاته، والإخبار عنه بشيء لم يأت في الكتاب والسُّنَّة، والقول بأن الله حرَّم كذا أو أباح كذا بغير علم.

وفق الله الجميع.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد