شعار الموقع

شرح كتاب تجريد التوحيد_1

00:00
00:00
تحميل
118

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني، أشهد أنه رسول الله حقًا، وأنه رسول الله إلى الثقلين الجن والإنس، إلى العرب والعجم، وأنه خاتم النبيين، وأنه لا نبي بعده، أشهدُ أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه من ربه اليقين فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى اليوم الدين، أما بعد:

فإني أحمد الله إليكم، وأثني عليه الخير كله، وأساله المزيد من فضله، وأساله –سبحانه وتعالى- أن يصلح قلوبنا وأعمالنا وذريتنا، كما أساله –سبحانه- أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقًا معصوما وأن لا يجعل فينا ولا منا شقيًا ولا محرومًا، وأساله -سبحانه وتعالى- أن يجعل مجلسنا هذا مجلس علم ورحمة تنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة، وتحفه الملائكة ويذكره الله فيمن عنده، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -ضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»، كما أساله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا جميعًا الإخلاص في العمل، والصدق في القول.

أيها الإخوان إن طلب العلم وتعلم العلم وتعليمه من أفضل القربات وأجل الطاعات، حتى إن طلب العلم وتعلم العلم مقدم على نوافل العبادات، على نوافل الصلاة، ونوافل الصيام، ونوافل الحج، ولو تعارض طلب العلم مع نوافل الصلاة، أو قيام الليل، أو صلاة الضحى يقدم طلب العلم، وكذلك لو تعارض طلب العلم مع الصيام النفل كصيام يوم الخميس أو ثلاثة أيام من كل شهر، أو صيام يومٍ وإفطار يومٍ يقدم طلب العلم، وكذلك يقدم على نوافل الحج، وما ذاك إلا لأن تعلم العلم وتعليمه نفعه متعدي ينقذ الإنسان نفسه من الجهل يخرج من الجهل، ويخرج غيره من الجهل لأن الأصل في الإنسان أنه لا يعلم قال الله -تعالى-: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ]سورة النحل:87[، فليغتبط طالب العلم بهذا الخير، وبهذه النعمة التي ساقها الله إليه، لأن ذلك من علامة إيراد الله الخير للعبد فليتوجه إلى طلب العلم، والتفقه في دين الله، والتبصر في شريعة الله كما ثبت في الصحيحين من حديث معاوية «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»، قال العلماء: هذا الحديث له منطوق وله مفهوم.

ومنطوقه: أن من فقهه الله في الدين فقد أراد به خيرًا.

ومفهومه: أن من لم يفقهه الله في الدين لم يرد به خيرًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والله -تعالى- ميز العلماء ورفع شأنهم، قال -سبحانه-: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ]سورة المجادلة:11[، وقال -سبحانه-: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ]سورة الزمر:9[، والله -تعالى- قرن شهادة العلماء بشهادته وشهادة ملائكته على أجل مشهودٍ به وهو الشهادة لله -تعالى- بالوحدانية، قال الله -تعالى-: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ]سورة آل عمران:18[، والله -تعالى- أمر نبيه أن يسأله الزيادة من العلم فقال: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا]سورة طه:114[، ولم يقل رب زدني مالًا، أو جاهًا، أو سلطانًا ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ والعلم الشرعي وراثة الأنبياء، الأنبياء ورثوا العلم، ولم يورثوا دينارًا ولا درهم، وسلوك طريق العلم سلوك إلى طريق الجنة في الحديث الصحيح «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له في طريقه إلى الجنة» وفي الحديث الأخر «العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لو يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر» فعليك أيها الأخ المبارك أن تعتبر بهذه النعمة التي ساقها الله إليك، وعليك أن تجاهد نفسك على الإخلاص لله تعالى في طلبك العلم، لأن تعلم العلم عبادة، والعبادة لا بد لها من الإخلاص، وتعلم العلم أصل القربات وأجل الطاعات، ولا تصح العبادة أي عبادة يتعبد بها الإنسان لربه لا بد فيها من الإخلاص والمتابعة قال الله -تعالى-: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا]سورة الكهف:110[، وقال -تعالى-: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ]سورة لقمان:22[، ... (06:20) والإحسان هو أن يكون العمل موافقًا للشرع، إذًا لا بد من الإخلاص يجاهد الإنسان نفسه على الإخلاص، يتعلم العلم لله لينقذ نفسه من الجهل وينقذ غيره، يتعلم تعبدًا لله -عز وجل-.

قيل للإمام أحمد -رحمه الله- ماذا ينوي طالب العلم؟ قال: ينوي أن يرفع الجهل عن نفسه، ثم عن غيره.

فالأصل في الإنسان أنه لا يعلم، وليحذر طالب العلم من الخواطر الردية التي ترد على الإنسان والتي تفسد عليه قصده وطلبه للعلم، ويكون طلب العلم للمال، أو للجاه، أو للوظيفة، أو للشهرة، أو للمراءة وغير ذلك، لحديث «من تعلم العلم ليماري به الجهلاء، أو يماري به السفهاء» فيتعلم العلم لله، في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أول ثلاثة تسعر بهم النار يوم القيامة: عالمٌ، أو قارئ، ومجاهد، ومتصدق، فيقف بين يدي الله عز وجل فيقول الله ماذا عملت؟ فيقول: يا رب تعلمت فيك العلم وقراءة فيك القرآن، فيقول الله له كذبت، وتقول الملائكة له كذبت إنما تعلمت ليقول عالم، وقراءة القرآن ليقال قارئ فقد قيل فيأمر الله فيسحب على وجهه حتى يلقى في النار، ويؤتى بالمجاهد الذي قتل في المعركة ويوقف بين يدي الله فيقول ماذا عملت؟ فيقول يا رب قاتلت فيك حتى قتلت فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة له كذبت إنما فعلت ذلك ليقال فلان شجاع، ويقال فلان جريء وقد قيل وليس لك إلا ذلك، فيأمر الله أن يسحب على وجهه حتى يلقى في النار، ويؤتى بالمتصدق الذي ينفق أمواله في المشاريع الخيرية وسبل الخيرات فيوقف بين يدي الله فيقول الله ماذا عملت؟ فيقول يا رب ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا انفقت فيها ابتغاء وجهك، فيقول الله له كذبت، وتقول له الملائكة كذبت فإنما فعلت ذلك ليقال فلانٌ جواد، وفلانٌ كريم وقد قيل وليس لك إلا ذلك فيأمر الله أن يسحب على وجهه حتى يلقى به في النار» قال أبو هريرة: هؤلاء الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيام.

هؤلاء الثلاثة ما الذي جعل أعمالهم تنقلب عليهم؟ النية السيئة هذا عالم قارئ قرأ القرآن، وعالم تعلم العلم هذا درجته عالية لو كان مخلصًا لله لكان من الصديقين بعد درجة الأنبياء، لكنه لما كانت نيته لغير الله صارت وبالًا عليه، وكذلك قتيل المعركة لو كان عمله خالصًا الله كان مع الشهداء وهي المرتبة الثلاثة وهي دون الأنبياء، وكذلك المتصدق الذي ينفق أمواله في سبل الخيرات لو كانت أعماله خالصه لكان من الصالحين لأن هناك أربع مراتب الأنبياء، ثم الصديقون، ثم الشهداء، ثم الصالحون كما قال الله -تعالى-: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا]سورة النساء:69[، فعلى المسلم أن يجاهد نفسه حتى تصلح نيته، وحتى يكون قصده وجه الله والدار الآخرة فيقصد بتعلمه العلم وجه الله والدار الآخرة، إذا كانت تريد بالعلم الدنيا كيف تجعل العلم وسيلة للدنيا، العلم أسمى وأعلى وأغلى، الدنيا لا تساوي شيء، تجارة الدنيا ادخل مع الناس في معترك الحياة أدخل على الشركات والمؤسسات والمقالات ادخل اعمل للدنيا تحصل على المال، أما أن تجعل العلم تتعلم العلم وتجعله طريقة لجمع المال فهذا هو الوبال، هذا وبالٌ عليه، لكن العلم أشرف وأعلى ليكن قصدك وجه الله، تعلموا العلم لله لترفع الجهل عن نفسك وعن غيرك، وما يأتيك من الدنيا مكافأة أو وظيفة فإنما يكون هذا وسيلة، وسيلة تعين على طلب العلم لا غاية فالغاية طلب العلم والمال وسيلة، أما إذا جعلت المال هو الغاية وطلب العلم هو الوسيلة فهذا هو ... ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله -تعالى-: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]سورة هود:16[، ولكن على الإنسان أن يجاهد، يجاهد الإنسان نفسه حتى لا تسترقي مع هذه الخواطر الرديئة، والمجاهد موعودٌ بالهداية، قال الله -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا]سورة العنكبوت:69[، وقال -تعالى-: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ]سورة العنكبوت:6[، فعلى المسلم أن يجاهد نفسه حتى تكون نيته خالصًة لله وعليه أن يحمد الله أن وفقه إلى طلب العلم، وأن يحرص على طلب العلم، والحرص على حضور الدروس العلمية المحاضرات، والندوات، والدورات العلمية حتى يحصل على ما قدر الله له وما كتب له من العلم، ووسائل طرق العلم، والوسائل في هذا الوقت كثيرة: منها هذه الدورات العلمية، ومنها الدراسة في المعاهد والجامعات والكليات، ومنها حضور الدروس، ومنها سماع الندوات والمحاضرات، ومنها أيضًا سماع البرامج المفيدة في إذاعة القرآن وغيرها، ومنها سماع الأشرطة المسجلة لأهل العلم وأهل البصيرة المعروفين بالصلاح في المعتقد، ومنها قراءة الكتب كتب أهل العلم أهل البصيرة الكتب القديمة والحديثة، وينبغي على طالب العلم أن يحرص على الإخلاص وأن يحرص على حضور الدروس العلمية، وأن يحرص على إحضار ذهنه يكون ذهنه حاضر بعض الناس يسرح يكون عندك الآن لكن ذهنه سارح يجول هنا وهناك، لا بد من إحضار الذهن وحسن الفهم، وحسن السؤال، وتقييد الفوائد العلم صيد والكتابة قيده، قيده بالحبال الواثقة فلا بد من هذه الأمور الإخلاص، والحرص على الحضور، تقييد الفوائد، حضور الذهن، وقراءة الدرس قبل الشرح وبعد الشرح، والسؤال عما أشكل هكذا يكون طالب العلم موفق، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، وأسال الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح، والثبات على الدين والاستقامة عليه حتى الممات، ونحن إن شاء الله في هذه الدورة سنشرح هذه الرسالة والكتاب المعلن وهو كتاب "تجريد التوحيد المفيد" تأليف الإمام العلامة أحمد بن علي المقريزي المصري الشافعي المولود سنة 766هـ والمتوفى سنة 845هـ والمؤلف كما هو معروف هو أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد المقريزي وأصل من بعل بك ولكنه مصري المولد والوفاة وتفقه على مذهب الحنفية وعلى مذهب الشافعية وكان يميل إلى أهل الحديث، كان يميل إلى الحديث حتى أنه عرف بذلك وإن كان تفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة ثم مذهب الشافعي، قال عنه الحافظ ابن حجر -رحمه الله- ... (14:40) وذكر أيضًا أنه -رحمه الله- أنه من العلماء البارعين كان إمامًا بارعًا وعرف بميله إلى الحديث، وعرض عليه القضاء في دمشق مرارًا، قال عنه الحافظ ابن حجر: كان إمامًا بارعًا متقنًا ضابطًا دينًا خيرًا محبًا لأهل السنة يميل إلى الحديث والعمل به، حتى نسب إلى أهل الظاهر، نسب إلى الظاهر لأنه يميل إلى الحديث.

قال الحافظ: هو أعظم من رأينا في علم التاريخ، ودروبه.

قال عنه الشوكاني: كان متبحرًا في السيرة على اختلاف أنواعه.

وهذا الكتاب أو هذه الرسالة ألفها المؤلف -رحمه الله- من جملة مؤلفات كثيرة له مؤلفات كثيرة منها إمتاع الأسماع بما لرسول من الأبناء والأحوال، ومنها البيان المفيد في الفرق بين التوحيد والتلحيد، ومنها العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة، وغيرها.

وهذه الرسالة ألفها في توحيد العبادة خاص بتوحيد العبادة وهو من المؤلفات الفريدة في بابه حتى أنه قيل أنه لم يعلق مثله قبله في العبادة أي: كان العلماء السابقون كانوا يصنفون في توحيد الأسماء والصفات كما ذكر الإمام البخاري في كتاب التوحيد في أخر الجامع الصحيح، والعلماء يتكلمون عن توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات لكن التعريف الخاص بتوحيد العبادة والألوهية هذا إنما شاع عند المتأخرين، وهذا الكتاب من أوائل الكتب التي ألفت في توحيد العبادة خاصة وبهذا تبرز أهمية هذا الكتاب بأنه أول كتاب أُلف في توحيد العبادة والألوهية والعلماء قبل كانوا يألفون في الأسماء والصفات وتوحيد الربوبية لأن أهل البدع ينكرون أكثر الصفات ويؤولونها، والعلماء يتكلمون على توحيد العبادة في مؤلفاتهم، لكن التأليف الخاص كونه يفرد كتابًا خاص بتوحيد العبادة هذا يعتبر من أوائل المؤلفات في توحيد العبادة خاصة، ومن ذلك كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- متأخر بعد ذلك وأئمة الدعوة ألفوا في توحيد العبادة كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- كتابٌ عظيم لم يعلق مثله على منواله وهذا الكتاب في توحيد العبادة خاصة، هو من أوائل الكتب المؤلفة في توحيد العبادة خاصة، والمؤلف -رحمه الله- اعتمد في هذا الكتاب على نقول نقل عن الأئمة والعلماء وأكثر الكتاب منقول من كتابين للإمام ابن القيم -رحمه الله- كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، وكتاب مدارج السالكين لابن القيم أغلب الكتاب منقول عن هذين الكتابين مدارج السالكين للإمام ابن القيم، والجواب الكافي، ونقل عن بدائع الفوائد، ونقل أيضًا عن شيخ الإسلام ابن تيمية من مجموع الفتاوى، وهو منقولٌ من كتب شيخ الإسلام -رحمه الله- والإمام ابن القيم -رحمه الله- فهذه هي الكتاب مستقاة من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم -رحمه الله- لكن المؤلف -رحمه الله- لا يعزو هذا ولعل له عذر في هذا، وهو أن كثيرًا من الناس في زمنهِ انصرفوا عن كتب شيخ الإسلام وابن القيم بسبب تنفير بعض الناس لهم فلهذا قصد المؤلف -رحمه الله- أن ينقطع في الكتاب وأن ينقل من كتبهم ولا يعزو حتى يهتم بالكتاب ولا حاجة إلى أن يذكر أسمهم حتى لا ينصرف الناس عن الكتاب، ونقل أيضًا في أول الكتاب عن الغزالي من كتاب إحياء العلوم للغزالي وهذا النقل عليه بعض ... اليسيرة وما عاداه فالكتاب كتاب عظيم كما ذكر المؤلف أنه جم الفوائد، كثير الفرائد وهو كتاب عظيم فيه فوائد عظيمة في توحيد العبادة قل أن تجد هذه الفوائد وهذه المعاني والموضوعات أن تجد أنها مجموعة في كتاب وهو كتابٌ عظيم مؤلف في توحيد العبادة خاصة من أوائل ما كتب في هذا ولم يعلق على مثله على منواله مثله فينبغي لطالب العلم أن يعتني بهذا الكتاب وأن يتفهمه وأن يتأمل معانيه حتى يستفيد والكتاب حققه محمد العمران وفقه الله ويضع المخطوطة على الكتاب وقابل بعضها على بعض حتى خرج بهذه النسخة ونقرأ:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الرحمين، أما بعد: قال الإمام العلامة أحمد بن علي المقريزي المصري الشافعي المتوفى سنة 854هـ في كتابه تجريد التوحيد المفيد

قال -رحمه الله تعالى-:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلّى الله على نبيّنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فهذا كتاب جمّ الفوائد، بديع الفرائد، ينتفع به من أراد الله والدّار الآخرة، سمّيته: "تجريد التّوحيد المفيد"، والله أسأل العون على العمل به بمنّه.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى- (الحمد لله ربّ العالمين) افتتح المؤلف -رحمه الله- كتابه بالبسملة تأسيًا بالكتاب العزيز فإن الله -تعالى- افتتح كتابه بالبسملة، متأسيًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كتبه ورسائله إلى الملوك ورسائل القبائل والعشائر يبدأ يفتتح كتبه ببسم الله الرحمن الرحيم كما كتب لهرقل عظيم الروم كتب: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، أما بعد فالسلام على من اتبع الهدى اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأرثيين» فافتتح كتابه بالبسملة وكذلك الله -سبحانه وتعالى- افتتح كتابه بالبسملة ثم ثنى المؤلف -رحمه الله- بالحمد لله فجمع بين التسمية والحمد لله رب العالمين وهذا أيضًا لا بأس به كونه يبدأ بالبسملة والحمد لله هذا لا بأس به ولكن الأكثر أن تكون البسملة يفتتح الكتاب المؤلف في البسملة وأما الخطب فإنها تفتتح بالحمد لله كما في خطبة الجمعة الحمد لله رب العالمين وإن جمع بينهما فلا حرج كما هنا جمع المؤلف -رحمه الله- وكذلك في الكتاب العزيز قال الله -تعالى- بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، فاتحة الكتاب وأما حديث «كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر» هو حديثٌ ضعيف لا تقوم به حجة، والحديث الأخر «كل أمر لا يبدأ فيه بالحمد لله» هذا أيضًا مرسلٌ منقطع لكن الحديث الذي «كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر» هو أيضًا لا يصح.

قال (بسم الله الرحمن الرحيم) أنباء الاستعانة ومعنى الاستعانة: استعين بالله الرحمن الرحيم، أنباء الاستعانة مستعين بسم الله.

(الله) لفظ الجلالة أعرف المعارف لا يسمى به غيره -سبحانه وتعالى- والله أصل الله الإله الأصل الله الإله حذفت الهمزة الله الإله على وجه الفعال وحذفت الهمزة فالتقت اللام التي هي عين الكملةِ باللام الأولى الزائدة ففخمت وشددت صارت لامًا مشددة الله، والله هو ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، وهو أعرف المعارف، وأسماء الله مشتقة اشتملت على معاني ليست جامده فالله مشتمل على صفة الألوهية، الرحمن مشتمل على صفة الرحمة، العليم مشتمل على صفة العلم، القدير مشتمل على صفة القدرة، وهكذا.

(بسم الله) أي: يستعين بسم الله فالله للألوهية والعبودية على خلقه أجمعين وهو رب المعارف لا يسمى به غيره، وأسماء الله قسمان: قسم لا يسمى به غيره مثل: الله، الرحمن، الخالق، الرازق، مالك الملك، رب العالمين، النافع، الضار، المانع، الباسط.

النوع الثاني: أسماء مشتركه تطلق على الله وعلى غيره مثل: العزيز، السميع، البصير، الحي، القدير هذه أسماء مشتركه إذا سمي الله به فله الكمال، وإذا سمي المخلوق فله ما يليق به.

الرحمن لا يسمى به غيره وهو للدنيا الآخرة، والرحيم خاص بالمؤمنين.

(الحمد لله رب العالمين) الحمد هو الثناء على المحمود في الصفات الاختيارية مع حبه وإجلاله وتعظيمه فالحمد ثناء على المحمود بصفاته الاختيارية بخلاف المدح فإن المدح الحمد أكبر من المدح لأن المدح يكون في صفات الإنسان كالاختيارية والجبلية، فالإنسان له صفات جبلية كالطول، والبياض وما أشبه ذلك.

وهناك صفات اختيارية مثل: الجود، والكرم، والشجاعة، والإقدام.

فالمدح تمدح الإنسان بصفاته قد تكون صفات جبلية تمدح الأسد بأنه قوي وبأنه شجاع، وبأنه ملك الحيوانات، وأما الحمد فإنه يكون بالثناء على المحمود بصفاته الاختيارية مع حبه وإجلاله مع الحبه.

وأما الثناء: لا يلزم أن يكون معه محبه تثني على الشخص لصفاته قد تحبه وقد لا تحبه، أما الحمد فهو ثناءٌ على المحمود بصفاته الاختيارية مع حبه وإجلاله، وأل للاستغراق بمعنى جميع أنواع المحامد كلها مستغرقة لله ... (26:53) وهو مالكُ لها ...

(الحمد لله) اللام للملك، الله لفظ الجلالة ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين.

(رب العالمين) كما ذكر المؤلف -رحمه الله- أي: مربيهم بنعمه خالقهم وألههم ومعبودهم، والعالمين: جمع عالم وهو كل ما سوى الله، فكل ما سوى الله يسمى عالم، المخلوقات كلها عالم والله رب المخلوقات كلها، العالمين المخلوقات كلها، فالجن عالم، والإنس عالم، والطيور عالم، والحشرات كلها، والسباع مثلًا، القردة مثلًا عالم، والخنزير عالم، والأسود عالم، والضباع عالم كل هذه العوالم المخلوقات والسموات كلها جميع المخلوقات عالم، كل ما سوى الله عالم وأنا وأنت واحد من ذلك العالم والله -سبحانه- رب الجميع.

(والعاقبة للمتقين) عاقبة للمتقين أي: العاقبة الحميدة، فالمتقي هو الذي اتقى الشرك، اتقى النار وغضب الله، وسخطه فوحد الله وأخلص له العبادة فاتقى الشرك واتقى النار هذا تكون له العاقبة حميدة للمتقين وهو المؤمن الموحد، اتقى الله وأخلص له العبادة واجتنب ما يغضب الله وسخطه فالعاقبة الحميدة له، عاقبته رضا الله، والتمتع في دار كرامته، والسلامة من النار ومن غضب الله هذه هي العاقبة، العاقبة الحميدة تكون للمتقين، أما غير المتقي الذي لا يتقي الله ولا يخاف الله فليست له عاقبة، فالعاقبة سيئة عاقبة النار وغضب الله، نسال الله العفو والعافية.

(وصلّى الله على نبيّنا محمد) الصلاة أصح ما قيل في تعريف صلاة الله على عبده ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي العالية -رضي الله عنه- أنه قال: «صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في المليء الأعلى» فأنت تسأل الله أن يثني على عبده في المليء الأعلى الملائكة.

(وصلّى الله) أي: تسأل الله أن يثني على عبده اللهم اثني على عبدك في المليء الأعلى.

والصلاة من الملائكة: الدعاء قال -تعالى-: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ]سورة التوبة:103[، أي: يدعون لهم، الصلاة من الملائكة دعاء، والصلاةُ من اللهِ ثناؤه عليه في المليء الأعلى، وصلى الله أي: أثنى الله على نبينا، النبي: من مشتق من النبأ وهو الرفعة، والنبي هو: من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول هو: من أوحي بشرع وأُمر بتبليغه، هذا عند الجمهور.

والصواب: أن الرسول هو الذي يبعث إلى أمه كبيرة فيؤمن به بعضهم ويرد دعوتهم بعضهم مثل: نوح، وهود، وصالح، وشعيب، وإبراهيم، ولوط، وموسى، وعيسى، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، هؤلاء رسل يبعث إلى أُمةٍ عظيمة يقبل دعوته بعضهم ويؤمن، ويرد دعوته بعضهم.

وأما النبي: فهو الذي يكلف بالعمل بشريعةٍ سابقة مثل أنبياء بني إسرائيل الذين جاءوا بعد موسى كلفوا بالعمل بالتوراة.

(وصلّى الله على نبينا محمد) نبينا ورسولنا محمد أسم نبينا -عليه الصلاة والسلام- وله أسماء كثيرة ألهم الله -سبحانه- أباه أن يسمه محمد لكثرة محامده وخصاله الحميدة، وله أسماءٌ عديدة اسمه: محمد، وأحمد كما في التوراة كما قال عيسى: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ]سورة الصف:6[، ومن أسمائه الماحي الذي يمح الله به الكفر، والحاشر الذي يحشر الناس على ... وهكذا والمقفى الذي لا يأتي بعده نبي، وله أسماء كثيرة أيضًا، كما أن الله له أسماء كثيرة ونبيه أيضًا له أسماء كثيرة، والسيف أيضًا له أسماء كثيرة، والأسد له أسماء كثيرة، والقرآن له أسماء كثيرة القرآن والشفاء والبيان كل هذه من أسماء القرآن.

(وصلّى الله على نبيّنا محمد خاتم النبيين) أي: أخرهم فليس بعده نبي كما قال الله -تعالى-: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ]سورة الأحزاب:40[، والحديث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أوتيت ستًا لم يؤتهن أحدٌ قبلي» ومنها «وختم بي النبيون» فهو خاتم النبيين -عليه الصلاة والسلام- من يدعي أن بعده نبي فهو كافر خاتم النبيين.

(وعلى آله) الآل قيل هم ذريته وأزواجه وأقاربه المؤمنون، وقيل هم أتباعه على دينه وهذا عام يدخل في ذلك دخولًا أوليًا أزواجه وذريته وأقاربه المؤمنون.

(وصحبه) جمع صاحب فالصحابي أصح ما قيل فيه أنه: (كل من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمنًا ومات على الإسلام) هذا هو الصحابي، من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو لحظه مؤمنًا هو صحابي يشمل: أطفال الصحابة وصغارهم الذين لاقوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ويشمل ابن أم مكتوم لأنه لقى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا أولى من تعريف أنه من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمنًا حتى يشمل العميان لأنهم لم يروا النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن لقيه فيكون صحابي مثل عبد الله بن أم مكتوم لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- لكنه لم يره، وعلى هذا يكون الصحب داخل في الآل فيكون صلى على الصحب مرتين مرة على استقلال وصحبه، ومره في دخولهم في الآل يدخل في الآل أتباعه على دينه فيدخل في ذلك أصحابه، وأزواجه وذريته.

(أجمعين) كلمة يراد بها العموم أجمع.

(وبعد) وفي بعض الروايات أما بعد، أما بعد فإذا أوتي با أما فالأولى أن يؤتى بالفاء بعدها، أما بعد فهذا كتاب، وأما بعد يأتي بها للانتقال من شيء لشيء ويؤتى بها في الخطب والرسائل، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبته في يوم الجمعة أما بعد فإن أحسن الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وهي أحسن موضعًا.

واختلف في أول من قالها: فقيل أن أول من قالها قس بن ساعدة الإيادي، وقيل أول من قالها داود -عليه السلام- وقيل غير ذلك، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتي بها في رسائله وفي خطبه أما بعد.

(فهذا) الإشارة الى ما تضمنه هذا الكتاب، أشار إلى ما تصوره في ذهنه مما يتضمنه هذا الكتاب إن كان قبل أن يؤلف، وأن كان بعد ما ألفه فيكون الإشارة إلى ما كتبه، فهذا إشارة إلى ما تصوره في ذهنه من وضع الكتاب.

(فهذا كتاب) سمي كتاب لاجتماع الحروف والكلمات فمتى تدل على الاجتماع ومنه تكتل .... (34:45) ومنه كتيبة الخيل وسميت الكتيبة لاجتماعهم، وسمي كتاب لأنه يجمع أنواعًا من العلم يجمع حروف، كلمات، فصول، وأبواب.

(فهذا كتاب جمّ الفوائد) جم: كثير والفوائد جمع فائدة وهو ما يستفيده الإنسان مما لم يكن يعلمه يقال له فائدة، جم الفوائد: أي كثير الفوائد، هذا كتاب جم الفوائد أي: كثير الفوائد وصدق -رحمه الله- فوائده كثيرة.

(بديع الفرائد) الفرائد: جمع فريدة وهي الشيء المنفرد الذي لا نظير له الشيء المنفرد بديع الفرائد أي: أبدع المؤلف في فرائدة وهذا واضح في ترتيب المؤلف في هذا الكتاب وجمعه، والتقسيمات التي فيه، والترتيبات تجده ذكر تقسيمات كثيرة الشرك، الشرك في الربوبية، والشرك في الألوهية، وكذلك ذكر تقسيمات كثيرة، أقسام الناس، الحكمة، التعليم، وكذلك الأقسام في الأفضل أفضل الأعمال وغيرها من التقسيمات، والترتيب، والابداع في التنظيم وذكر الفوائد العلمية، فهو كما قال المؤلف -رحمه الله- جم الفوائد بديع الفرائد فوائده كثيرة وفرائده بديعه، المسائل العلمية والفوائد التي أفردها وأبدعها وانتقاها واستخرجها من كتب أهل العلم وهو كما قال -رحمه الله- كتاب جم الفوائد بديع الفرائد.

(ينتفع به من أراد الله والدّار الآخرة) صدق ينتفع بهذا الكتاب من يريد الله والدار الآخرة المخلص الذي أخلص عمله لله، من يريد الله والدار الآخرة هو الذي ينتفع بهذا الكتاب، أما الذي يريد الدنيا ما ينتفع بهذا الكتاب لأن أهل الدنيا لا يهمهم إلا دنياهم هذا الكتاب ما يتكلم في أمور الدنيا، إنما يتكلم في أمور الآخرة عقيدة الإنسان ما يعتقده في ربه، ويدنه، ونبيه، معرفة التوحيد وأقسامه، ومعرفة الشرك وأقسامه، ومعرفة أقسام الناس، أقسام الناس في الحكم، والتعليم والقدر، وشروط العمل المقبول، والمراتب الأربعة التي لا بد لها في العبودية، إذًا ينتفع بهذا الكتاب من أراد الله والدار الآخرة، والذي يريد الله والدار الآخرة هو الذي أخلص عمله لله هو المخلص الذي أراد وجه الله والدار الآخرة، أما من أراد الدنيا فإنه لا ينتفع بهذا الكتاب لأن هذا الكتاب ليس لأهل الدنيا وإنما لأهل الآخرة وأهل العلم.

(سمّيته: "تجريد التّوحيد المفيد") سميت الكتاب على الحكاية، وقال سميت كتابَ المسمى أي: سميته كتاب تجريد سمى زيدٌ عمروٌ كذا سمى زيدٌ كتابه كذا، سميته كتاب تجريد التوحيد المفيد، ... سميت كتاب الحكاية كتاب تجريد التوحيد المفيد ومعنى تجريد الشيء أي: تخليصه وتنقيته، فإذًا المؤلف سمى كتابه تجريد التوحيد وسميته كتاب تجريد التوحيد المفيد، تجريد: تخليص التوحيد تخليصه مما علق به، ويشبه تحقيق التوحيد أي: تخليصه وتنقيته جرده أي: جرد الشيء مما علق به يزيل عنه مما ليس منه فهو يجرد التوحيد يجرد لك التوحيد أي: يجعله خالصًا مفردًا يخرجه من غيره يبعد عنه ما ليس منه، فهذا تجريد التوحيد أي: يجرد التوحيد ويبعد عنه ما ليس منه فيكون التوحيد مجردًا خالصًا واضحًا لا لبس فيه، تجريد التوحيد، والتوحيد: مصدر وحد يوحد توحيدًا إذا جعل الشيء واحدًا مصدر وحد يوحد توحيدًا إذا جعل الشيء واحدًا، قال ابن القيم -رحمه الله-:

فلواحد كن واحدا في واحد
 

 

أعني سبيل الحق والإيمان
 

 

فلواحد أي: الله -سبحانه وتعالى- هو الواحد، كن واحدًا أي: اجمع همتك على الله لا تكن مشوش اتجه إلى الله احضر ذهنك، في واحدٍ وهو الصراط المستقيم ولذلك قال أعني سبيل الحق والإيمان.

فلواحدٍ هو الله، كن واحدًا عنه مجتمع الهمه لا يكون لك لله ولغير الله قل لله، كن واحد فلواحدٍ وهو الله كن واحدً أنت لا تكون مشتت لله ولغيره في واحدٍ وهو الصراط مستقيم أعني سبيل الحق والإيمان، التوحيد مصدر وحد يوحد توحيدًا يجعل الشيء واحدًا، والتوحيد هو افراد الله بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات هذا هو التوحيد، افراد الله في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، تجريد التوحيد المفيد، والمفيد وصف للتوحيد تجريد التوحيد المفيد، تجريد تخليص التوحيد مما علق به، والتوحيد هو افراد الله بالربوبية والألوهية والأسماء والصفة المفيد.

قال المؤلف (والله أسأل) الله اسم الجلالة منصوب على التعظيم مقدم على الفعل والمعنى أسأل الله.

(والله أسأل العون على العمل به بمنّه) المؤلف يسأل الله الإعانة يستعن بالله على العمل به فيما في هذا الكتاب بمنه فالله -تعالى- هو الذي يمن بذلك، فهذا المؤلف يسأل الله أن يعينه على العمل به، ونحن كذلك نسأل الله أن يعيننا على العمل به بمنّه وكرمه.

اعلم أن الله سبحانه هو ربّ كل شيءِ ومالكه وإلهه:

فالرّب: مصدر ربَّ يَرُبُّ ربًّا فهو رابٌّ، فمعنى قوله تعالى: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}: رابُّ العالمين، فإن الربّ - سبحانه وتعالى - هو الخالق الموجد لعباده، القائم بتربيتهم وإصلاحهم، المتكفّل بصلاحهم من خلقٍ ورزقٍ وعافيةٍ وإصلاح دين ودنيا.

هذا الكلام منقول من بدائل الفوائد لابن القيم -رحمه الله-.

يقول المؤلف -رحمه الله-: (اعلم) العلم هو حكم الذهن في الجازم بعد تصوره حكم ذهن جازم بعد تصوره مطابق للواقع، العلم هو حكم الذهن جازم بعد تصوره والمعلومات أقسام: منها العلم، ومنها الظن، ومنها الشك، ومنها الوهم.

فالعلم: هو حكم الذهن الجازم يقال له علم، حكم الذهن الجازم بعد تصوره ويطلق على اليقين الذي يتيقنه الإنسان ويتصوره، وأما الظن فهو الراجح من الأمرين المتردد بينهما إذا كان هناك أمران أحدهما أرجح من الأخر فالراجح يقال له ظن، والمرجوح يسمى وهم وإذا كان الأمران على حدٍ سواء يسمى شك فإذًا العلم هو: ظن، وشك، ووهم فالعلم هو اليقين ما يجزم به الإنسان وما يتيقنه، والظن هو الراجح من الأمرين، والوهم هو المرجوح من الأمرين، والشك هو الأمران المتردد بينهما على حدٍ سواء، والمؤلف -رحمه الله- يقول اعلم لا تشك ولا تتوهم ولا تظن اعلم تيقن أن الله -سبحانه- هو رب كل شيء ومالكه وإلهه.

رب كل شيء: هو المربي والموجد والخالق، فالرب يقول المؤلف رب يرب ربًا فهو راب مصدر رب يرب ربًا فهو راب، ومعنى قوله رب العالمين راب العالمين أي خالقهم وموجدهم، فالرب هو الخالق الموجد القائم بتربية عبادهم وإصلاحهم المتكفل بصلاهم من خلقٍ ورزقٍ وعافيةٍ وإصلاح دينٍ ودنيا فالرب يأتي بمعنى المالك، ويأتي بمعنى الخالق، ويأتي بمعنى المعبود ولهذا قال المؤلف -رحمه الله- رب العالمين هو الخالق، والخالق القائم بتربيتهم، يطلق على الخالق: القائم بتربية عبادهم وإصلاحهم ويطلق على المالك وهذان المعنيان يكون بمعنى توحيد الربوبية، ويطلق أيضًا على المعبود فالرب يطلق على المالك، ويطلق على الخالق الموجد لعباده القائم بتربيتهم ومصالحهم وهذا هو توحيد الربوبية، ويطلق على المعبود وهذا هو توحيد الألوهية فالحمد لله رب العالمين.

قال المؤلف -رحمه الله-: (اعلم أن الله سبحانه هو ربّ كل شيءِ ومالكه وإلهه) سبحانه: أي تنزيهًا لله، هو الرب والمالك والإله كما قال الله -سبحانه- في سورة الناس ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ]سورة الناس:4[، فالمؤلف -رحمه الله- يقول اعلم أن الله سبحانه هو ربّ كل شيءِ ومالكه وإلهه جمع بين المعاني الثلاثة الأوصاف الثلاثة وهو الرب والمالك والإله وإذا اطلق الرب يدخل في معنى الإله، وإذا اجتمعا فسر الرب بأنه الخالق القائم بتربية عباده وإصلاحهم، والمالك هو المالك لعباده ولشؤنهم، والإله هو المعبود كما في سورة الناس ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ﴾ فالربوبية والألوهية إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، إذا اطلق الرب دخل فيه الإله، وإذا اطلق الإله دخل في الرب، وإذ اجتمعا فسر الرب بالخالق القائم بتربية عباده، والإله المعبود مثل الفقير والمسكين، الإيمان والإسلام إذا اطلق الفقير دخل فيه المسكين، وإذا اطلق المسكين دخل فيه الفقير، وإذ اجتمعا فسر الفقير بأنه الأشد حاجة، وكذلك الإيمان إذا اطلق الإيمان دخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة، وإذا اطلق الإسلام دخل فيه الأعمال الباطنة والظاهرة، وإذ اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة كما في حديث جبريل، وكذلك البر والتقوى، إذا أطلق البر يشمل الأوامر وترك النواهي، وكذلك التقوى، وإذ اجتمعا البر والتقوى فسر البر بفعل الأوامر، والتقوى بترك النواهي وهذا له نظائر كثيرة، كذلك الربوبية والألوهية إذ اجتمعا افترقا وإذ افترقا اجتمعا، إذا اطلق الرب دخل فيه الإله، وإذا أطلق الإله دخل فيه الرب، وإذ اجتمعا فسر الرب بالخالق القائم بتربية عباده، والإله بالمعبود.

هنا المؤلف -رحمه الله- قال: (اعلم أن الله سبحانه هو ربّ كل شيءِ ومالكه وإلهه) رب كل شيء أي: الخالق لكل شيء كما قال -سبحانه وتعالى- ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ]سورة الرعد:16[، الموجد لعباده القائم بتربيتهم وإصلاحهم ومالك العباد تحت التصرف وقهره تنفذ فيهم قدرته ومشيئته ... (48:34) وإلههم أي: معبودهم الحق، ولهذا قال المؤلف (فالرّب: مصدر ربَّ يَرُبُّ ربًّا فهو رابٌّ) فسره بالخالق الموجد لعباده القائم بتربيتهم وإصلاحهم المتكفل بصلاحهم من خلقٍ ورزقٍ وعافيةٍ وإصلاح دين ودنيا هذا هو المعبود بالحق -سبحانه وتعالى- وهو الذي يستحق العبادة ولا يستحقها غيرها لأنه هو الخالق هو الموجد -سبحانه- هو القائم بتربية عباده ومصالحهم، لأنه هو الذي أعطاهم السمع والبصر والفؤاد والعقل، هو الذي أوجدهم من العدم، والذي رباهم بنعمه، وهو الذي ما من عبادة من نعمة إلا منه -سبحانه- فهو مستحق العبادة، فالذي هذا وصفه الخالق القائم بتربية عباده وإصلاحهم المتكفل بصلاحهم من خلقٍ ورزقٍ وعافية إصلاح دين ودنيا فهو مستحق العبادة وغيره معبودٍ بالباطل كل معبودٍ سوى الله فهو معبود بالباطل كما قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ]سورة الحج:62[، فكل معبود الآلهة والمعبودات كثيرة لا حصر لها لكن كلها معبودة بالباطل، والعبادة بالحق لله وحده -سبحانه وتعالى-.

 

والإلهيّة: كون العباد يتّخذونه سبحانه محبوبًا مألوها، ويفردونه بالحب والخوف والرجاء والإخبات، والتّوبة والنّذر والطّاعة، والطّلب والتّوكل ونحو هذه الأشياء.

 (الإلهية) فسر المؤلف -رحمه الله- الإلهية؛ فسر الإلهية وفسر الربوبية.

قال الربوبية معناه هو الخالق الموجد لعباده القائم بتربيتهم وإصلاحهم المتكفل بصلاحهم من خلقٍ ورزقٍ وعافية وإصلاح دين ودنيا.

والإلهية: كون العباد يتخذونه -سبحانه- معبودًا مألوها فالربوبية من الله لعباده، والألوهية من العباد إلى الله، الربوبية من الله هو الخالق الموجد المربي لعباده القائم بتربيتهم، والإلهية كون العباد يتخذونه -سبحانه- محبوبًا مألوهًا ويفردونه بأنواع العبادة هذه هي العبادة للإلهية، الإلهية كون العباد يتخذونه -سبحانه- محبوبًا مألوهًا، مألوهًا هو الذي تألهه القلوب محبةً وإجلالًا وخوفًا ورجاءً وتعظيمًا هذا هو الإله، الإله هو المألوه الذي تألهه القلوب محبةً وإجلالًا وخوفًا ورجاءً كون العباد يتخذونه -سبحانه- محبوبًا مألوهًا ويفردونه بالحب والخوف والرجاء والاخبات أي: الخشوع يكون بالقلب وبالجوارح، والتوبة، والندم، والطلب، والتوكل ونحو هذه الأشياء، هذه أمثله وليس المراد الحصر والمعنى يفردونه بأنواع العبادةِ كلها من الحب، والخوف، والرجاء، والاخبات، والتوبة، والنذر، والطاعة، والركوع، والسجود، والتوكل، والرغبة، والرهبة إلى غير ذلك من أنواع العبادة هذا معنى الإلهية، الإلهية كون العباد يتخذون الله محبوبًا مألوهًا ويفردونه بأنواع العبادة بالحب والمراد محبة الطاعة، محبة العبادة، وهي المحبة التي تقتضي الذل والخضوع، محبه مع الذل هذه هي محبة العبادة، غاية المحبة في غاية الذل هذه هي المحبة، والخوف والمراد خوف العبادة ويسمى خوف السر هذه إذا صرف لغير الله يكون شرك، خوف السر إذا خاف الميت من ميت بسر يقطع عنه رزقه ويسلط عليه عدوه هذا شرك هذا خوف السير خوف العبادة، أما المحبة الطبيعية كمحبة الإنسان للمال والصديق وللولد هذه محبة طبيعية، وكذلك الخوف الطبيعي كون الإنسان يخاف من السباع فيأخذ السلاح، كون الإنسان يخاف من عدوه فيأخذ حذره، يخاف من الجوع فيأكل، يخاف من العطش فيشرب، يخاف من الحر فيتقيه هذا خوف طبيعي، أما خوف العبادة وهو أن يخافه في السر والخوف يكون معه الرجاء ويكون معه المحبة أيضًا.

والرجاء: المراد رجاء العبادة وهو رجاء السر كل راجيٍ خائف فالخائف يرجو، وكل راجيٍ خائف فهو يرجو ويخاف وهذه أركان العبادة الثلاث: خوف، ومحبة، ورجاء هذه أركان العبادة لا بد من اجتماعها في العبادة من عبد الله بواحدٍ منها لم يكن عابدًا لله فمن عبد الله بالحب وحده هذه طريقة الصوفية الزنادقة يعبدونه بالحب وحده، يقول أحدهم ما عبدت الله خوفًا من ناره، ولا طمعًا في جنته فأكون كأسير السوء ولكن عبدته حبًا لذاته وشوقًا إليه، هذا كلام الصوفية وهذا يذكره أهل الوعظ في كتبهم يذكرونه عن رابعة العدوية أنها تقول: ما عبدت الله خوفًا من ناره، ولا طمعًا في جنته فأكون كأسير السوء ولكن عبدته حبًا لذاته وشوقًا لمحبته، هذا باطل إن صح لأن دين الله -تعالى- أخبر عن رسله أنهم يعبدونه بالخوف والرجاء قال -سبحانه- لما ذكر الأنبياء لما ذكر إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ولوط، ونوح، وداود، وسليمان، وذا النون، وزكريا، ويحيى، وعيسى قال -سبحانه- ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا]سورة الأنبياء:90[، رغبًا هذا الرجاء، ورهبًا هذا الخوف، قال -سبحانه- عن المتقين: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ]سورة السجدة:16[، فلا بد من الحب والخوف والرجاء، أما من عبد الله بالحب وحده كالصوفية هذه طريقة الزنادقة، ومن عبد الله بالخوف وحده فهذه طريقة الخوارج الحرورية ولذلك كفروا المسلم بالمعاصي من عبد بالخوف وحده، ومن عبد بالرجاء وحده فهو المرجئ طريقة المرجئة الذين لا يخافون الله، ولا يرون أن المعاصي لها تأثير، ومن عبد الله بالخوف والحب والرجاء فهو المؤمن الموحد.

يقول المؤلف -رحمه الله-: (والإلهيّة: كون العباد يتّخذونه سبحانه محبوبًا مألوها، ويفردونه بالحب والخوف والرجاء والإخبات) الاخبات هو الخشوع خشوع القلب وخشوع الجوارح.

(والتّوبة) توبة العبادة وهي توبة الرجوع إلى الله -سبحانه وتعالى- وطلب المغرفة مغفرة الذنوب وهذا لا يقدر عليه إلا الله ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ]سورة آل عمران:135[، ثم يذكر المؤلف -رحمه الله- حديث المسند أنه أوتي بأسير إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال اللهم اني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد فقال -عليه الصلاة والسلام-: «عرف الحق لأهله» فالله -سبحانه وتعالى- أهل التقوى، وأهل المغفرة.

فالتوبة توبة العبادة لا تكون إلا لله، أما التوبة بمعنى الرجوع عن الخطأ فيما يتعلق بالمخلوق فهذا لا بأس يقال للمخلوق كما قالت عائشة -رضي الله عنها-: «ماذا أذنبت نتوب إلى الله ورسوله» أي: تتوب إلى الله مما أذنبت، وتتوب إلى رسوله مما أخطأت في حقه توبة، والندم توبة العبادة لا تكون إلا الله، قال -تعالى-: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا]سورة التوبة:8[.

(والنّذر) وهو أن ينذر على شيء ... لم يجبها الله كأن ينذر أن يصلي أو يصوم أيامًا معدودة أو يحج فإذا كانت طاعة وجب عليه النذر قال -تعالى-: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا]سورة الإنسان:7[، ... قال -تعالى-: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ]سورة البقرة:270[.

(والطاعة) وكذلك الطاعة طاعة الله وطاعة الرسول فهي تابعة لطاعة الله، طاعة الله وطاعة الرسول قال -تعالى-: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ]سورة النساء:59[، كما أن محبة الرسول ومحبة المؤمنين تابعة لمحبة الله.

(والطلب) الطلب بمعنى الدعاء من الله.

(التوكل) بمعنى الاعتماد على الله وتفويض الأمر إليه، التوكل اعتماد القلب على الله -عز وجل- هذا خاصٌ بالله، قال -تعالى-: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ]سورة المائدة:23[، ونحو هذه الأشياء وليس مراد الحصر إنما المراد الأمثلة، فهذا معنى الإلهية هو أن العباد يتخذون الله -سبحانه وتعالى- محبوبًا مألوهًا ويفردونه بأنواع العبادة، يفردونه بالحب المراد بحب العبادة، والخوف خوف العبادة، والرجاء رجاء العبادة، والاخبات، والتوبة توبة العبادة، والنذر، والطاعة، والطلب من الدعاء، والتوكل ونحو هذه الأشياء.

 

فإن التوحيد حقيقته: أن ترى الأمور كلها من الله - تعالى - رؤية تقطع الالتفات عن الأسباب والوسائط، فلا ترى الخير والشر إلاّ منه تعالى، وهذا المقام يثمر التّوكل، وترك شكاية الخلق، وترك لومهم، والرضا عن الله - تعالى -، والتسليم لحكمه.

توحيد كما مر مصدر وحد يوحد توحيدًا إذا جعل الشيء منفردًا، توحيد مصدر وحد يوحد توحيدًا إذا جعل الشيء منفردًا، والتوحيد هو افراد الله بالربوبية وافراد الله بالأسماء والصفات، وافراد الله بالألوهية، ويقال افراد الله بالعبادة لأن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات فطري، ولكن لا بد من توحيد الربوبية وفي الأسماء والصفات وفي الألوهية فالتوحيد مصدر وحد يوحد توحيدًا إذا جعل الشيء منفردًا والمراد: إفراد الله بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات والمؤلف أنشر الأمور كلها من الله رؤيةً تقطع الالتفات عن الأسباب والوسائط فلا ترى الخير والشر إلا منه -تعالى- هذا لا بد منه أن ترى الأمور كلها من الله، هذا لا بد منه وهو داخل في توحيد الربوبية يعتقد الإنسان أن الأمور كلها من الله وأن كل شيءٍ بيد الله، وأن الله قدر الخير والشر، وأن كل أمرٍ فهو بيد الله -سبحانه وتعالى- بيده الخير، بيده الرزق هو الذي يخلق وهو الذي يرزق بيده العافية، بيده النصر، بيده الغناء، بيده الفقر، وهو المعز، وهو المذل، وهو المفقر، وهو الغاني، وهو الهادي، وهو المضل، وهو الموفق بحكمة فأفعاله مبنية على الحكمة ويخلق لحكمة، وهو الأمر وهو الناهي يخلق لحكمة، ويأمر لحكمة، وينهي لحكمة، ويرزق لحكمة فأفعاله مبنية على الحكمة، وقدره مبني على الحكمة، وأمره مبني على الحكمة، ونهيه مبني على الحكمة -سبحانه وتعالى- لا بد أن ترى الأمور كلها من الله، فهذا لا بد منه في توحيد الربوبية رؤية تقطع الأسباب عن الالتفات عن الأسباب والوسائط، تقطع ... (01:00:03) ولكن لا مانع من خلال الأسباب بالجوارح وهذه عبارة المؤلف موهمه تقطع الأسباب عن الالتفات والوسائط يريك أن ترك الأسباب والوسائط هذا باطل وهذه من عبارات الصوفية وهذا مما يؤخذ عن المؤلف -رحمه الله- فيأتي أنه نقل من كتاب علوم الدين كما سيأتي وهذه منها، الصوفية يرون إسقاط الأسباب وعدم فعل الأسباب فهم جبرية في هذا.

فقوله (رؤية تقطع الالتفات عن الأسباب والوسائط) أن أريد ترك الأسباب هذا باطل، الأسباب لا بد من فعلها لأن الأسباب؛ النبي -صلى الله عليه وسلم- ربط الأسباب بالمسببات وأمور الدنيا والآخرة كلها مرتبطة بالأسباب والمسببات فلا يمكن تركها، لكن مقصد المؤلف هو الالتفات بالقلب قطع الهبة بالقلب بالأسباب لكن لا مانع من فعل الأسباب بالجوارح يعني ترى الأمور من الله كلها رؤيةً تقطع الالتفات عن الأسباب والوسائط أي: الركون إليها والاعتماد عليها، الركون والاعتماد يكون على الله، ولهذا قال:

(فلا ترى الخير والشر إلاّ منه تعالى) هذا كلام الغزالي -رحمه الله- في إحياء علوم الدين أن قطع الالتفات إلى الأسباب فيه تفصيل: إن كان المراد بالالتفات قطع الالتفات عليها أن الركون إليها والاعتماد عليها فهذا حق لأن الركون إلى الأسباب شرك في التوحيد، كما أن فعل الأسباب قدحٌ في التوحيد، الاعتماد على الأسباب، والركون إلى الأسباب شرك في الربوبية وترك الأسباب وعدم فلعها قدحٌ في التوحيد، والتوحيد أن تفعل الأسباب على أنها أسباب لفعل الله لها أسبابًا لكن لا تركن إليها ولا ... (01:02:43) فأنت تفعل الأسباب لأن الله أمر بفعل الأسباب ولا تعتمد عليها ولا تركن إليها، ولا تتركب الأسباب فتكون عاصيًا لله، ولا تركن إلى الأسباب وتعتمد عليها فيكون هذا شرك الربوبية، ولكن تفعل الأسباب على أنها أسبابٌ جعليه جعلها الله لها أسبابًا مع عدم الركون إليها، فالركون إلى الأسباب والاعتماد عليها شرك الربوبية، وترك الأسباب قدح في العقل، والعقل والتوحيد أن تفعل الأسباب ولا تعتمد عليها، تفعلها على أنها أسباب، والأسباب أنواع: من الأسباب ما يجب تركها وهي أسباب محرمه، الأسباب المحرمة كالتداوي بالمحرمات هذه لا يجوز فعلها، وهناك أسباب واجبة لا بد من فعلها الأعمال الصالحة سبب في دخول الجنة، والإيمان والتوحيد أعظم الأسباب في دخول الجنة ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ]سورة النحل:32[، فلا بد من فعل الأسباب، فقول الصوفية ترك الأسباب هذا فيه تفصيل، ترك الأسباب قد يكون كفرًا فإذا ترك التوحيد والإيمان الذي هو سبب لدخول الجنة هذا كفر وقد يكون ترك الأسباب كبيرة إذا ترك واجب من الواجبات فريضة من الفرائض هذا كبيرة، وقد يكون ترك الأسباب يكون صغيرة من الصغائر، وقد يكون ترك الأسباب ترك فضيلة من الفضائل كما لو ترك سنن الرواتب وسنة الضحى فاته فضائل فترك الأسباب فيه تفصيل تارة يكون كفرًا، وتارة يكون كبيرة، وتارة يكون معصية، وتارة يكون ترك للفضيلة فيحمل كلام المؤلف -رحمه الله-: (تقطع الالتفات عن الأسباب والوسائط) بالقلب ولكن لا مانع من فعل الأسباب ... (01:04:40) ولهذا قال: (فلا ترى الخير والشر إلا منه تعالى).

(فلا ترى الخير والشر إلاّ منه تعالى، وهذا المقام يثمر التّوكل) يثمر التوكل على الله، التوكل هو الاعتماد على الله وتفويض الأمر إليه، التوكل يجمع بين أمرين:

الأمر الأول: فعل الأسباب التي أمر الله بها.

الأمر الثاني: الاعتماد على الله بالقلب يحدث نتيجة.

فالتوكل يجمع أمرين: فعل الأسباب المشروعية، ثم الاعتماد على الله في حصول النتيجة، هذا التوحيد الذي فسره المؤلف هذا توحيد الربوبية ما يكفي هذا، التوحيد كما سيأتي أنه إفراد الله بالعبادة هنا كان إفراد الله بالربوبية التوحيد الذي ذكره المؤلف (أن ترى الأمور كلها من الله - تعالى - رؤية تقطع الالتفات عن الأسباب والوسائط) أي: تقطع الالفات بالقلب لكن لا مانع من فعل الأسباب.

(وهذا المقام يثمر التّوكل، وترك شكاية الخلق، وترك لومهم، والرضا عن الله - تعالى -، والتسليم لحكمه) إذا علم المسلم بأن كل شيء من الله وأن الله قدر الأشياء فلا يشكو الخلق ولا يلومهم ولا يذمهم على الشيء الذي لم يحصل له لأن الله قدر له ذلك في الحديث «أن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله» إن رزق الله لا يضره حرص حريض، ولا كراهية كاره فإذا توكل الإنسان على الله وتوكل عليه علم أن كل شيء بأمر الله، وأن الله قدر الأشياء ولذلك لا يشكو الخلق، ولا يذمهم، ولا يلومهم بالشيء الذي لم يحصل على يديهم ولكن يذمهم ويلومهم إذا فعلوا المعاصي يذمهم على أفعالهم السيئة التي تخالف الشرع لا بأس من ذنبهم ونصيحتهم، الذنب إذا فعل الإنسان ما حرم الله ترك ما أوجب الله عليه هنا يذم ويلام، لكن مقصود المؤلف ترك شكاية الخلق، وترك لومهم على ما لم يقدره الله على يديهم، أي: إذا لم يحصل على شيء لا يلومهم ولا يذمهم فإن الله لم يقدر له ذلك، فإذا طلب أمرًا أو شيء ولم يقدر له على يد هذه المخلوق لا يلومه هذا المخلوق ولا يذمه، إذا طلبت وظيفة، أو طلبت أمرًا من الأمور من أشخاص ولم يحصل عليها فلا تلمه ولا تذمه لأن الله لم يقدر ذلك.

التوكل على الله يثمر ترك شكاية الخلق لا تشكوا الخلق ولا تلومهم على الشيء الذي لم يقدره الله على أيديهم لأن الأمر بيد الله، ويثمر أيضًا الرضا عن الله والتسليم لحكمه، ترضا عن الله -عز وجل- ويرضى عنك الله ترضى عن الله، ترضى بقضائه، ترضى بقدره، ترضى بحكمه تسلم بحكمه، حكم الله الذي حكم به بين عباده وهو ما أنزله في كتابه وعلى لسان رسوله في القرآن والسنة يجب التحاكم إليهما ولا يصح الإيمان إلا بالتحاكم إليهما قال الله -تعالى-: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا]سورة النساء:65[، نفى الله -تعالى- الإيمان حتى يحكم الإنسان الرسول في موارد النزاع ويسلم ويطمئن ولا يكن في نفسه حرج ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ لا بد من التسليم لحكم الله هذا من ثمرة التوكل الرضا عن الله، ترضى عن الله وقضائه وقدره، وعن حكمه وتسلم بحكمه الشرعي، ولحكمه الجزائي، ولحكمه القدري، حكم الله الشرعي فيما حكم بين عبادة ترضى به، وترضى بحكم الله القدري حينما يقدر على هذا المرض، قدر على هذا الفقر، قدر على هذا الغناء هذا حكم قدري، وحكم جزائي يحكم بين عباده يوم القيامة بنفسه -سبحانه وتعالى- والحكم الشرعي الله -سبحانه- يحكم بين عبادة فيما أنزله في كتابه وعلى سنة رسوله، فلا بد من التسليم لحكم الله الشرعي، ولحكم الله القدري، وللحكم الجزائي، ولا بد عن الرضا عن الله ترضى بالله ربًا ويرضى بقضائه، ويرضى بقدره، ويرضى بحكمه كل هذا من ثمرات التوكل.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد