شعار الموقع

شرح كتاب تجريد التوحيد_2

00:00
00:00
تحميل
81

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد...

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الربوبية منه تعالى لعباده، والتأله من عبادِه له سُبحانه، كما أن الرحمة هي الوِصلة بينهم وبينه -عزَّ وجل-.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرح

بسم الله الرحمن الرحيم

          الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا مُحمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال المؤلف -رحمه الله-: فإذا عرفت ذلك، الإشارة إلى ما سبق من معنى الربوبية والألوهية، وأن معنى الربوبية هو: أن الله تعالى هو الخالق المُوجد لعباده، القائم بتربيتهم، وإصلاحهم، والمُتكفل بصلاحهم من خلقٍ ورزقٍ وعافية، وإصلاح دينٍ ودُنيا.

وأن الإلهية: كون العباد يتخذونه سبحانه معبودًا مألوهًا، يألهونه ويُفردونه بالحُب، والخوف، والرجاء، والإخبات، الألوهية من أَلَه يألَه إلاهةً، إذا عبد يعبد عبادةً، أَلَه يألَه عبادةً، إذا عرفت ذلك فاعلم، يعني تيقن أن الربوبية منه تعالى لعباده، والتأله من عباده له، فالربوبية من الله لعباده، والألوهية من العباد لله، الربوبية منه تعالى لعباده لأنه هو خالقهم، ومُوجدهم، ومُربيهم، وهو مُتكفل بإصلاحهم، القائم بتربيتهم وإصلاحهم، والمُتكفل بصلاحهم من خلقٍ، ورَزق، وعافية وإصلاح دين ودُنيا، هذه أفعاله سُبحانه، فتوحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله هو.

والتأله من عباده له، التأله هو إفراد الله بأفعالك أنت أيها العبد، أفعالك أنت، ما هي أفعالك؟ العبادة التي تتعبد بها من صلاة، وصيام، وزكاة، حج، دعاء، بر الوالدين، صلة الأرحام، جهاد، أمرٌ بالمعروف ونهي عن المُنكر، فأفعالُك، فتوحيد الألوهية هو توحيد الله بأفعال العباد.

والربوبية، توحيد الربوبية توحيد الله بأفعاله هو، بأفعال الرب سبحانه، ما هي أفعاله؟ الخلق، والرَزق، والإماتة، والإحياء، وإنزال المطر إلى غير ذلك، فأنت تُفرد الله بذلك، بمعنى أنك تُضيفها إلى الله، وتعتقد أن الله هو الخالق، وهو المُدبر، وهو المُحيي، وهو المُميت، توحد الله بأفعاله هو: الخلق، الرزق، وإماتة، وإحياء.

وأما العباد، توحيد العبادة: أن تُوحد الله بأفعالك أنت أيها العبد، ما هي أفعالُك؟ أفعالُك: صلاةً، وصيام، وزكاة، وحج.

هذا معنى قول المؤلف: إذا عرفت ذلك فاعلم أن الربوبية منه تعالى لعباده، والتأله من عباده له، فالربوبية من الله تعالى لعباده، فهو مُربيهم، وخالقهم، ومُوجدهم، ومُتكفل بأرزاقهم، والذي يُحيهم، ويُميتهم، ويُعزهم، ويُذلهم، ويُفقرهم، ويُغنيهم، ويُشفيهم، ويُرشدهم، فالربوبية منه تعالى، والتأله من العباد لله، التأله التعبد، التعبد يكون من العبد لله، أنت الذي تتعبد الله، تعبد الله بالصلاة، تعبد الله بالزكاة، تعبد الله بالصوم، تعبد الله بالحج، تعبد الله ببر الوالدين، تعبد الله بصلة الأرحام، تعبد الله بالجهاد في سبيل الله، تعبد الله بالأمر بالمعروف، تعبد الله بالنهي عن المُنكر، تعبد الله بصلة الأرحام، تعبد الله بالإحسان إلى الجيران، تعبد الله بكف نفسك عن المُحرمات، هذا معنى قوله: إذا عرفت ذلك فاعلم أن الربوبية منه تعالى لعباده، والتأله من عباده له سبحانه.

كما أن الرحمة هي الوِصلة بينهم وبينه -عزَّ وجل-، الصلة، الرابطة بين الله وبين العبد الرحمة، فهو تعالى رحيمٌ بعباده، يرحمهم، ومن رحمته -سبحانه وتعالى- أنه خلقهم، ورزقهم، وأوجدهم، من رحمته أنه يرزقهم، ويُعافيهم، من رحمته أنه لا يُعاجلهم بالعقوبة، من رحمته أن يُمهل ولا يُهمل، وفي الحديث: «خلق الله مائة رحمة، فأمسك عنده تسعةً وتسعين رحمة، وأنزل واحدة منها إلى الأرض، فبها يتراحم الخلق فيما بينهم، ومن ذلك أن ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تُصيبه»، فالرحمة هي الوِصلة بينهم وبين الله -عز وجل-، الصِلة بينهم وبين الله -عز وجل- الرحمة، يرحمهم، ويرزقهم، ويُعافيهم، ويُميتهم، ويُحييهم، (00:05:11-00:05:13)، فمَن نفى رحمة الله معناه قطع الصلة بين الله وبين عباده.

والرحمة رحمتان: رحمة التي هي الصفة لله، والرحمة المخلوقة، الرحمة المخلوقة مثل ما جاء في الحديث «إن الله خلق مائة رحمة»، ومثل ما جاء في الحديث إن الله تعالى: «احتجت الجنة والنار، فقالت الجنة: في ضُعفاء ومساكين، وقالت النار: في الجبَّارون والمتكبرون، فقضى الله بينهما أنك الجنة رحمتي أرحم بك مَن أشاء، وأنك النار عذابي أُعذب بك من أشاء»، فالجنة رحمة، رحمةٌ مخلوقة، والنوع الثاني من الرحمة صفة من صفات الله، الرحمة صفةٌ من صفات الله، والرحمة المخلوقة أثرٌ من أثر الصفة، أثر، تفسير الرحمة بالإنعام هذا خطأ، الأشاعرة فسروا الرحمة بالإنعام، (بسم الله الرحمن الرحيم)، يقولون الرحمن يعني المُنعم، هذا غلط، الرحمة، الإنعام أثر من آثار الرحمة.

فالربوبية من الله تعالى لعباده، والتأله والتعبد من العباد لله تعالى، والرحمة صلةٌ وهي الوِصلة بين العباد وبين الله -عز وجل-.

واعلم أن أنفس الأعمال وأجلها قدرًا توحيد الله تعالى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرح

ولا شك أن هذا أشرف، أنفس الأعمال وأشرفها وأفضلُها، وأجلها قدرًا عند الله هو التوحيد، هو التوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة، أنفس الأعمال وأجلها قدرًا وأعظمها توحيد الله -عز وجل-، لأن التوحيد هو الذي لأجله خلق الله الخليقة، لأجله ارسل الله الرُسل، لأجله أنزل الله الكُتب كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]، قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[النحل:36]، وكل نبيٍ بعثه الله إلى قومه يدعوهم إلى التوحيد، كل نبي يقول لقومه: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾، ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[المؤمنون:23]، ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[الأعراف:65]، ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[الأعراف:73]، ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[الأعراف:85]، كل نبي بعثه الله بالتوحيد، فدلَّ على أن التوحيد هو أشرف أنفس الأعمال، وأشرفها، وأفضلها، وأعظمها قدرًا عند الله، وهو أوجب الواجبات، وأفرض الفرائض، توحيد الله -عزَّ وجل-، وهو إفراده بالربوبية، وإفراده بالأسماء والصفات، وإفراده بالألوهية، إفراد الله بالعبادة، لكن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات هذان نوعان فَطر الله عليهما الخلق.

التوحيد ثلاث انواع: توحيد الربوبية وهو توحيد الله بأفعاله هو، وتوحيد الأسماء والصفات وهو الإيمان بأسمائه وصفاته وإثباتها لله -عزَّ وجل- التي وردت في الكتاب والسُنَّة، وهذا النوعان فِطريان، فَطَر الله عليهما الخلق، لم يُنازع فيهما أحد، ولم يُنكرهما أحد إلا مَن شذ من المجموعة البشرية، وإلا فإن المُشركين مُقرون بتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، والنزاع والخصومة بين الرُسل وبين الأُمم في توحيد العبادة والألوهية.

فالتوحيد كما قال المؤلف -رحمه الله-: أنفس الأعمال وأجلها قدرًا، يعني أشرفُها، أشرف الأعمال، وأفضلها، وأجلها قدرًا عند الله هو التوحيد، هو توحيد الله وإفراد الله بالعبادة، وهو أوجب الواجبات، وأفرض الفرائض، كما أن أعظم ذنب عُصيَّ الله به هو الشرك، وأقبح قبيح، وأعظم الذنوب، ولهذا أول الأوامر هو الأمر بتوحيد الله في سورة البقرة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾[البقرة:21]، وأول نهيٌ نهى الله عنه الشرك، ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[البقرة:22]، فالتوحيد هو الذي من أجله خلق الله الخليقة، هو الذي من أجله أرسل الله الرُسل، هو الذي من أجله أنزل الله الكُتب، هو الذي من أجله انقسم الناس إلى شقيٍ وسعيد، من أجله خُلقت الجنة والنار، من أجله حقَّت الحاقَّة ووقعت الواقعة، من أجله (00:09:41) الجهاد فهو مع كونه أنفس الأعمال وأفضلها وأشرفها هو أوجب الواجبات وأفضلها، وهو حق الله على عباده، يجب على كل إنسان ان يُوحد الله، وأن يُخلص له العبادة، مَن لقي الله بالتوحيد فهو الناجي الفالح، وهو أهل الجنة والكرامة، (00:10:06) لكن لقي الله بالتوحيد الخالص غير مُلطَّخ بالشرك والمعاصي والبدع فإنه يدخل الجنة من أول وهلة فضلًا من الله تعالى وإحسان، وإذا لقيَّ الله بتوحيدٍ مُخرَّم، مُلطَّخ بالمعاصي فهو على خطر، على خطرٍ من عذاب القبر، خطر من الأهوال التي تُصيبه في (00:10:27)، خطر من دخول النار، قد يُعفى عنه، وقد يُعذَّب، داخلة تحت المشيئة كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء:48]، فهو داخل تحت مشيئة الله، من الناس مَن يُعذَّب، ومنهم مَن يُعفى عنه، وإذا لم يعفوا الله عنه فلا بد أن يُطهَّر بالنار، يُطهَّر، مَن لقى الله تعالى بكبائر من غير توبة إن عفا الله عنه طهُر، وإن لم يعفوا الله عنه لا بد أن يُطهر بالنار حتى يزول خبثه، لأن المعاصي خَبَث مثل الأوساخ والنجاسة التي في الثوب، لا بد من غسلها حتى يطهر الثوب، فكذلك العاصي لا يد من تطهيره، إن لم يعفوا الله عنه لا بد أن يُطهَّر بالنار، لكن لا يُخلَّد في النار، لا يُخلَّد إلا الكفرة، مات على التوحيد لكنه مات على كبائر من غير توبة تحت مشيئة الله.

فالتوحيد مع كونه أفضل أنفس الأعمال، وأجلُها وأفضلُها هو أوجب الواجبات، وأفرض الفرائض، وهو حق الله على عباده كما في حديث معاذ بن جبل قال: كُنت رديف النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- على حِمار، فقال: يا مُعاذ، قُلت: لبيك وسعديك، ثم سار ساعة وقال: يا مُعاذ، قُلت: لبيك وسعديك، ثم سار ساعة وقال: يا مُعاذ، قُلت: لبيك وسعديك، قال: «أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقُّ العبادِ عَلَى الله؟ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: حَقَّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوه وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً. وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً»، فهو حق الله على عباده، محض حق الله، هو الذي لأجله خلق الله الخلق، لأجله أرسل الله الرُسل، فهو أنفس الأعمال وأجلُها، وأفضلُها، وأشرفُها وأوجبها، وهو محض حق الله -عزَّ وجل-، وهو إفراد الله بالعبادة بعد إفراده بالربوبية والأسماء والصفات.

وقد غلِط في مُسمى التوحيد طوائف من أهل الكلام وغيرهم، فقال صاحب منازل السائرين (00:12:32 – 00:12:34) وهو أبو إسماعيل الهروي الذي شرحه، (00:12:38) فيه، قال في تعريف التوحيد، التوحيد: تنزيه الله عن المُحدَث، فسَّر التوحيد بأنه التوحيد تنزيه الله عن المُحدَث، أو عن الحدث، والمخلوقات كلها مُحدَثة، تنزيه الله عن المخلوقات، وهذا ليس تعريفًا، هذا لا يتجاوز توحيد الربوبية، عُبَّاد الأصنام والأوثان نزهوا الله عن المُحدَث وليسوا موحدين، نزهوا الله عن المُحدثات، لم يقولوا أنه مُحدَث، بل قالوا أنه هو الأول، هو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو واجب الوجود (00:13:13)، فنزهوا الله عن المُحدثات ولم يكونوا موحدين.

وقال الجُنيد التوحيد: هو إفراد القديم عن المُحدث، إفراد القديم عن المُحدَث نوعان: أحدهما إفراده في الاعتقاد، في أسماء الله وصفاته وأفعاله، والثاني إفراده في التأله والعبادة، وهذا الصحيح، يقول إفراد الله تعريف الجُنيد التوحيد: إفراد القديم عن المحدث، إفراد الله بمعنى إفرادٌ في الاعتقاد، فيُثبت لله الأسماء والصفات والأفعال، وإفراده في التأله والعبادة، إلا أن التعريف فيه غموض، والتوحيد هو حق الله على عباده، فينبغي أن يكون التعريف واضحًا، ويُقال: التوحيد هو إفراد الله بالعبادة.

و(00:14:05) يقول التوحيد: إفراد الله في الربوبية، وفي الأسماء والصفات، وإفراد الله في العبادة، هذا هو التوحيد.

بعض الصوفية كما تابعتم، بعضهم يقول: تنزيه الله عن المُحدَث، وبعض الصوفية يُفسر التوحيد بتوحيد الربوبية، وهو إثبات الخالق، وهذا هذا غلط، فيُفسرون كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، لا خالق إلا الله، يُفسرونها لا خالق إلا الله، وهذا من أبطل الباطل، كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" معناها: لا معبود حق إلا الله، وليس معناها لا خالق إلا الله، لو كان معنى "لا إله إلا الله" لا خالق إلا الله، لكان كُفَّار قُريش كلهم مُوحدين، لأنه يقول لا خالق إلا الله، ولا تتبين عظمة هذه الكلمة، وأنها تنفي الإلهية عن غير الله وتُثبتها إلا إذا فُسِّر الإله بالمعبود، الإله هو المعبود، لا معبود، "لا" نافية للجنس من أخوات إن تنصب الاسم وترفع الخبر، "إله" اسم إن، إله اسمُها، والخبر محذوف تقديره حقٌ، إلى الله، "والله" (00:15:11) بدل، بدل من الخبر المحذوف، "لا إله حقٌ إلا الله"، هذا هو معنى "لا إله إلا الله".

بعض الصوفية، وبعض الأشاعرة يُفسرون الإله بالخالق، يقول: لا خالق إلا الله، وهذا باطل، معناه ما تجاوز توحيد الربوبية، لو كان معناها لا خالق إلا الله لصار كُفَّار قُريش مؤمنون، لأنهم يقولون لا خالق إلا الله، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[الزخرف:87]، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[العنكبوت:61]، لأن "لا إله إلا الله" معناها: لا معبود حقٌ إلا الله، هذا هو معنى التوحيد، التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، (00:15:55) إفراده بالربوبية والاسماء والصفات وإفراده بالعبادة.

أما تفسير بعض أهل البِدع الإله بأنه الخالق فهذا باطل، كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" هي كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله" فيها نفيٌ وإثبات، نفي جميع أنواع العبادة عن غير الله، وهذا هو الكُفر بالطاغوت، "إلا الله" إثبات العبادة (00:16:26) الله، ففيها الكُفر والإيمان، ليس هُناك توحيد إلا بأمرين نفي وإثبات، والنفي هو الكُفر بالطاغوت، والاثبات هو الإيمان بالله، قال الله تعالى:  ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة:256]، فتوحيد الألوهية لا يصح إلا بأمرين: إلا بنفيٍ وإثبات.

لو قال شخص أنا أعبد الله، أعبد الله هل يكون مُوحد؟ ما يكون مُوحِد، لأنه قد تعبد الله وتعبد معه غيره، أنت أتيت بالإثبات لكن أين النفي؟ لا بد أن تعبد الله، تُوحد الله، وتنفي العبادة عن غيره حتى تكون مُوحد، لا بد من أمرين نفي وإثبات، تعبد الله، وتنفي العبادة عن غيره، تُوحد الله، وتعبد الله وتنفي العبادة عن غيره، تُثبت العبادة لله وتنفيها عن غيره لا بد من أمرين نفي وإثبات.

كما أن توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات كذلك لا بد من إثبات الأسماء والصفات التي أثبتها الله لنفسه، لا بد من إثباتها لله -عزَّ وجل-، ولا بد من نفي التعطيل، والتمثيل، والتشبيه، ولا بد من نفي الكيفية، هذه إثبات الأسماء والصفات يقوم على هذه الأمور إثبات الأسماء والصفات، نفي المُماثلة (التمثيل)، نفي (00:17:55) عن إدراك الكيفية.

توحيد الربوبية كذلك: لا بد من إثبات أفعال الله -عزَّ وجل-، ولا بد من نفيها عن غيره، توحيد الألوهية لا بد فيه من أمرين نفيٌ وإثبات، نفي العبادة عن غير الله وإثباتها لله، تخلية وتحلية، تخلية تتخلى عن كل معبودٍ سوى الله، ثم تتحلى بالإيمان بالله، فالتحلية قبل التخلية، أو التخلية قبل التحلية؟ التخلية أولًا، التخلية تتخلى، والتخلية هي يتخلى عن الشرك والبدع ثم يتحلى بالإيمان والتوحيد، لا بد من أمرين، ليس هُناك توحيد إلا بأمرين نفيٌ وإثبات: كفرٌ بالطاغوت وإيمانٌ بالله، قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة:256]، ومعنى الكُفر بالطاغوت أن تعتقد بُطلان عبادة غير الله، وأن تتركها، وأن تُبغض أهلها، وتُكفِر أهلها، أن تترك عبادة غير الله، وتتركها، وتبغضها، وتُكفر أهلها وتُعاديهم، لا بد من هذا، هذا هو الكُفر بالطاغوت، أن تعتقد بُطلان عبادة غير الله، ولا يكفي العقيدة بل يجب أن تتركها بنفسك، ولا بد ان تبغضها، وتُكفِّر أهلها وتُعاديهم.

غير أن التوحيد له قشران:

- الأول: أن تقول بلسانك: "لا إله إلا الله"، ويُسمى هذا القول توحيدًا، وهو مناقض التثليث الذي تعتقده النصارى، وهذا التوحيد يصدر أيضًا من المُنافق الذي يخالف سره جهره.

- والقشر الثاني: ألا يكون في القلب مخالفة ولا إنكارٌ لمفهوم هذا القول، بل يشتمل القلب على اعتقاد ذلك والتصديق به، وهذا هو توحيد عامة الناس.

ولُباب التوحيد أن يرى الأمور كلها من الله تعالى ثم يقطع الالتفات عن الوسائط وأن يعبده سبحانه عبادة يُفرده بها، ولا يعبد غيره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرح

وهذا الكلام نقله المؤلف -رحمه الله- من كتاب (إحياء علوم الدين) للغزالي، نقله من كتاب (إحياء علوم الدين) للغزالي، هذا الموضع هو الذي نقله، ولذلك حصل عند البعض الأخطاء، والباقي نقله من كُتب شيخ الإسلام وابن القيم، لكن هذا الموضع نقله من كتاب الغزالي، والغزالي عنده نوع من التصوف، وكذلك أيضًا على طريقة الأشاعرة.

يقول المؤلف: التوحيد له قشران، القشر في اللغة غشاء الشيء، له قشران وله لُباب، جعل التوحيد له قشران وله لُباب، والقشر هو غشاء الشيء، واللُباب هو خالص الشيء، فإذًا التوحيد يقول له قشران: القشر الأول النُطق بكلمة الوحيد: "لا إله إلا الله"، والقشر الثاني: اعتقاد القلب بمعنى كلمة التوحيد، واللُباب الخالص هو لُباب التوحيد وخالصه أن يرى الأمور كلها من الله، ولا يقطع الالتفات، ثُمَّ يقطع الالتفات عن الوسائط، وأن يعبد الله سبحانه عبادة يُفرده بها، ولا يعبد غيره، فكأن المؤلف جعل التوحيد نُطق باللسان، واعتقادٌ بالقلب، وعملٌ بالجوارح داخل في اللُباب، وتسمية النُطق بكلمة التوحيد قشر، تسمية هذا قشر غلط، كلمة التوحيد يقول المؤلف هي المُناقضة للتثليث، إذا كانت مُناقضة للتثليث كيف تكون قشر، القشر يُطلق على الشيء الغير مُهم الذي لا يؤبه له، وهذا القول توحيد كيف نُسميه قشر، كلمة التوحيد، كلمة التوحيد التي جاءت بها الرُسل، وأنزل الله بها الكُتب يُسميها قشر! هذا غلط، هذا القشر غلط لأمرين:

- الأمر الأول: أن القشر يُطلق على الشيء غير المُهم الذي لا يؤبه له، وهذا القول توحيد ليس قشرًا، وهي أفضل الكلام، «أفضل ما قُلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير»، أفضل كلمة كيف تُسميها قشر؟! فهذا القول توحيد، والتوحيد كله لُباب، وليس فيه قشور.

- والثاني: عند تقسيم الدين إلى لُباب وقشور باطل هذا، فالدين كله لُباب، وما يفعله بعض الناس فيقول بعض الناس: إن الدين ينقسم إلى قشور ولُباب فهذا باطل، فالدين كله لُباب، كله لُب، كله خالص، كله مطلوب، ليس هُناك شيئًا غير مطلوب، وقد أنكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على مَن قسَّم الشريعة إلى أصول وفروع، وقال: إن هذا تقسيمٌ باطل، تقسيمٌ لأهل البدع من المُعتزلة، والأشعرية، فكيف يأتي على التوحيد ويُقسمه إلى قشور ولُباب، ويقول: إن القشر الأول أن تقول بلسانك "لا إله إلا الله" كلمة التوحيد، هذه أفضل الكلام، وهي التي يدخل بها الإنسان في الإسلام، يدخل الإنسان في الإسلام بكلمة التوحيد، النبي-صلَّى الله عليه وسلَّم- لما حضرت الوفاة عمه أبا طالب أتاه، وقال: «يا عم قل: "لا إله إلا الله" كلمةٌ أُحاج لك بها عند الله»، فكيف يُقال أن هذه قشر، وهي التي يدخل بها المُسلم للإسلام، ويخرج بها من الكُفر.

          وكذلك اليهودي الذي زاره النبي-صلَّى الله عليه وسلَّم- ودعاه النبي للتوحيد، ونطق بالشهادتين، فقال النبي: «الحمد لله الذي انقذه من النار»، فهذا غلط، وسبب هذا (00:24:26) أنه نقل عن الغزالي، ولم يتأمل في المعنى، ولو لم ينقل عن الغزالي كان أولى، لو جعل النقل كله من الأئمة، من العُلماء أهل البصيرة كسائر الكتاب، الكتاب كله نقول جميلة، والمؤلف له الترتيب وله الاختيار والإبداع، إلا هذا الموضع نقله من الغزالي فغلِط في تسميته كلمة التوحيد قشر.

قال:  الأول: أن تقول بلسانك: "لا إله إلا الله"، "لا إله إلا الله" هذه كلمة التوحيد، هي الكلمة التي لأجلها خلق الله الخلق، ولأجلها أرسل الله الرُسل، ومعناها لا معبود حقٌ إلا الله، ولكن لا يكفي النُطق بها، بل لا بد من معرفة معناها، ولا بد من العمل بمقتضاها، ولا بد من البعد عمَّا يُناقضها، ولا بد من الكفر بما يُعبد من دون الله، لا يُسلم الإنسان، لا يكون مُوحدًا إلا بذلك كما قال الإمام المُجدد مُحمد ابن عبد الوهاب -رحمه الله- في بيان معنى هذه الكلمة لما قال، في الحديث قال: «مَن قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرُم ماله ودمه وحسابه على الله -عزَّ وجل-»، قال الإمام -رحمه الله-: تأمل هذا الحديث، أنه لم يجعل النُطق بكلمة التوحيد عاصمًا للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يعبد إلا الله، بل لا يحرُم دمه وماله حتى إذا وصل إلى ذلك الكُفر بما يُعبد من دون الله، فإن (00:26:08) وتوقَّف لم يحرُم دمه وماله، فيالها من مسألةٍ ما اعظمها وأجلها، وياله من بيانٍ ما أعضله، وحجةٍ ما أقطعها للمُنازع.

قال المؤلف -رحمه الله-: ويُسمى هذا القول توحيدًا، إذا كان يُسمى توحيدًا فكيف يُسمى قشر، التوحيد لا يُمكن أن يكون التوحيد قشرًا،

قال: وهو مناقضٌ التثليث الذي تعتقده النصارى، النصارى يقولون بالتثليث، يجعلون الآلهة ثلاثة والعياذ بالله، يقولون: الآلهة ثلاثة، الله وعيسى ومريم، قد كفرهُم الله في قوله: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[المائدة:73-74]، وقولهم بالتثليث مُتناقض، وهُم متناقضون فأحيانًا يقولون هُم ثلاثةٌ بالأقانين، أو ثلاثةٌ بالأشخاص، ويقولون بسم الأب والابن وروح القُدس إلهٌ واحد، فهم متناقضون فيهم، وأكثرهم لا يفهمون معنى التثليث، فالمؤلف يقول أن هذا القول مُناقضٌ للتثليث الذي يعتقده النصارى.

ولا يكفي هذا بل هو أيضًا مُناقضٌ لمذهب المجوس الذين يقولون بإلهين، وأن للعالم خالقان: خالقٌ للخير وهو النور، وخالقٌ للشر وهو الظُلمة.

وكذلك مُناقضٌ للشرك، وهو عبادة الأوثان، الأصنام والأوثان، ومناقضٌ للشرك، وللتثليث، ولمذهب المجوس، فقوله: مناقضٌ التثليث الذي تعتقده النصارى، هذا فيه قصور، بل هو مُناقضٌ للتثليث، ومُناقضٌ للشرك، ومُناقضٌ لعبادة الأصنام والأوثان، ومُناقضٌ لمذهب المجوس.

قال المؤلف -رحمه الله-: وهذا التوحيد يصدر أيضًا من المُنافق الذي يخالف سره جهره، هذا التوحيد يصدر من المُنافق الذي يُخالف سره جهره، لأن المُنافق هو الذي يُظهر الإسلام ويُبطن الكُفر، من النافقاء، النفاق من النافقاء وهي جُحر اليربوع، واليربوع له جُحران، يُقال لأحدهما النافقاء ويُقال للآخر القاصعاء، وذلك أن له جُحر ظاهر، وجحرٌ خفي، فالجُحر الظاهر يدخل معه، والجحر الخفي يخرق الأرض ويرُقها فإذا ارقها ولم يبقى إلا التُراب تركه، فإذا رابه ريبٌ دفعه برأسه وخرج، فهذا النافقاء ظاهره تُراب وباطنه حفر، وكذلك المُنافق ظاهره الإسلام وباطنه الكفر.

فهذا التوحيد يصدر من المُنافق الذي يُخالف سره جهره، يعني ينطق أن المُنافق ينطق بلسانه، وإن كان قلبه مُكذبًا، قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾[البقرة:8]، قال سبحانه: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾[المنافقون:1].

واعلم أن أنفس الأعمال وأجلها قدرًا توحيد الله تعالى.

غير أن التوحيد له قشران:

- الأول: أن تقول بلسانك: "لا إله إلا الله"، ويُسمى هذا القول توحيدًا، وهو مناقض التثليث الذي تعتقده النصارى، وهذا التوحيد يصدر أيضًا من المُنافق الذي يخالف سره جهره.

- والقشر الثاني: ألا يكون في القلب مخالفة ولا إنكارٌ لمفهوم هذا القول، بل يشتمل القلب على اعتقاد ذلك والتصديق به، وهذا هو توحيد عامة الناس.

ولُباب التوحيد أن يرى الأمور كلها من الله تعالى ثم يقطع الالتفات عن الوسائط وأن يعبده سبحانه عبادةٌ يُفرده بها، ولا يعبد غيره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرح

وهذا الكتاب كما سبق كتابٌ خاصٌ بالبحث في توحيد الألوهية، توحيد العبادة، وهو كتابٌ عظيم من أجل الكُتب وأنفسها، فقد نقل فيه المؤلف -رحمه الله- نقول عن الأئمة والعُلماء شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، نقل في هذا الباب نقولًا عظيمة، وتقسيماتٍ بديعة، أقسام الناس في الاستعانة والعبادة، أقسام الناس في الأفضل من العمال، تحقيق التوحيد، تحقيق العبودية بماذا يتحقق إلى غير ذلك، فهو كتابٌ عظيم اعتنى بتوحيد الألوهية، والفرق بينه وبين توحيد الربوبية، وهذا هو الأمر الذي بعث الله به رُسله، وأنزل به كُتبه، ولهذا قال: واعلم أن أنفس الأعمال وأجلها قدرًا توحيد الله -عز وجل-، هذا من كلام الأئمة شيخ الإسلام وابن القيم: اعلم أن العلم هو (00:31:59- 00:32:02)، والأمر إذا جاء عن الله أو عن رسوله-صلَّى الله عليه وسلَّم- فهو للوجوب في الصحيح من أقوال أهل أصول، أن الأمر للوجوب، إذا جاء الأمر من الله أو من رسوله-صلَّى الله عليه وسلَّم- فهو من للوجوب، وإذا جاء من المخلوق فهو للطلب والالتماس، غير أن هذا الأمر الذي أمر به المؤلف -رحمه الله- ليس أمرًا دُنيويًا، بينما هو أمرٌ بتحقيق التوحيد.

قال: اعلم، يعني تيقَّن أن أنفس الأعمال وأجلها قدرًا توحيد الله، يعني هذا الأمر الذي أمر به المؤلف أن تعلمه مأخوذ، مُقتضاه مأخوذ من الكتاب والسُنَّة، فالسنة النصوص دلَّت على أن أنفس الأعمال وأجلها قدرًا هو توحيد الله، توحيد الله أكبر، وأنفس، وأفضل الأعمال، لأنه بتحقيقه تحصُل السعادة، تحقيق التوحيد، وتخليصه وتهذيبه، وتنقيته من شوائب الشرك يدخل المُسلم في الجنة بغير حسابٍ ولا عذاب، ولهذا بوَّب الإمام المُجدد الشيخ مُحمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في كتاب التوحيد باب، فقال: بابٌ مَن حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، يعني خلَّصه وصفَّاه، ونقَّاه وهذبه من شوائب الشرك والبدع والمُحدثات فإنه يدخل الجنة بغير حسابٍ ولا عذاب.

وبهذا يتبين أن أنفس الأعمال وأشرفها وأفضلها وأجلها توحيد الله -عز وجل-، لأن بالتوحيد وتحقيقه تحدث السعادة  الأبدية، وبإضاعة التوحيد تحصل الشقاوة الأبدية، مَن ضيَّع التوحيد وأشرك بالله فهو الشقي أبد الآبدين (00:33:47) على ذلك، ومَن حقق التوحيد فهو السعيد أبد الآباد، والتوحيد هو إفراد الله بالعبادة، وإفراده بالربوبية، وإفراده بالأسماء والصفات، إفراده بالعبادة بمعنى أنك تخُصه، تخصه سبحانه وتعالى بالعبادة، فلا تُشرك معه أحدًا فيها، والعبادة أصح ما قيل في تعريفها ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في أمورك كلها وأن تعتقد أن الله بيده كل شيء، وأن الله خلق الخير والشر، وألا تعتمد على الخلق، ولا تركن إليهم، بل تتوكل على الله -عز وجل-.

قال: وأن يعبده سبحانه عبادةً يُفرده بها ولا يعبد غيره، هذا هو الإخلاص، طيب وهل اعتقاد القلب إلا هذا؟ هذا عقيدة القلب، الذي يعتقد معنى لا إله إلا الله ينطق بالشهادتين، ويعتقد معنى كلمة التوحيد، هذا هو الذي عبد الله، والناس يتفاوتون في هذا بعد ذلك، يتفاوتون في التوحيد، فاللُباب يرجع إلى القشرين الذي ذكرهم، اللُباب يرجع إلى القشرين الذي ذكرهما، لأن قوله: وأن يعبده سبحانه عبادةً يُفرده بها دون غيره، ليس هُناك عبادة إلا بنطق الشهادتين واعتقاد القلب، وعقيدة القلب، هل هُناك عبادة بدون النُطق بالشهادتين وعقيدة القلب، اعتقاد القلب، تصديق القلب؟ لا. فلا يُمكن أن يعبد الله عبادة يُفرده بها إلا بأن ينطق بلسانه بكلمة التوحيد، وأن يعتقد معناها ويعمل بمقتضاها بجوارحه، وبهذا يتبيَّن أن هذه الأمور الثلاثة كلها لُباب وليس فيها قشور، فالنُطق بالشهادتين لُباب، وعقيدة القلب وتصديق القلب من اللُباب، وأعمال الجوارح وأعمال القلوب من اللُباب، كله لُباب، وهذا التقسيم تقسيم مغلوط، تقسيم التوحيد إلى قشرين ولُباب هذا باطل، بل التوحيد كله لُباب، والتوحيد لا يصح إلا بأمورٍ أربعة كما سيُبين المؤلف:

- الأمر الأول: النُطق باللسان، بأن ينطق بالشهادتين.

- الأمر الثاني: تصديق القلب وإقراره، بأن يُصدِّق ويُقِر بقلبه بما دلَّت عليه الشهادتان.

- والأمر الثالث: أعمال القلوب، أعمال القلب من المحبة لا بد أن يكون عندك في قلبك محبة، وهذه المحبة تُوجد حركة، فإذا كان في القلب محبة انبعث في الجوارح الأعمال، يكون عنده محبة لله، وانقياد لشرع الله ودينه، إذا لم ينقاد القلب ما انقادت الجوارح، لابد أن يكون عنده انقياد.

إبليس مؤمن ومُصدق، وفرعون مؤمن ومُصدق في الباطن مُعترف، لكن ما عندهم انقياد، ما انقادوا، كفرهم بالإباء والاستكبار، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾[البقرة:34]، فإبليس قابل أمر الله بالإباء والاستكبار، لا بالتكذيب، ما كذَّب، ما كذَّب، مُصدِّق عنده الأمر امامه اسجدوا لآدم، فلم يُقابله بتكذيب إنما قابله بالإباء والاستكبار، بالاعتراض، قال: ما يُمكن أن اسجد لآدم فعُنصري أحسن من عُنصر آدم، عُنصر آدم الطين، وعُنصري النار، والنار أحسن من الطين، ولا يُمكن أن يسجد الفاضل للمفضول إلا (00:37:26)، ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾[الأعراف:12]، هذا الاعتراض قال الله، وهذا رد الحق، أول مَن رد الحق وأول من قاس قياسًا فاسدًا هو إبليس، وما عُبدت الشمس إلا بمقاييس باطلة، أول مَن رد أمر الله، وأول مَن قاس قياسًا فاسدًا هو إبليس، قاس قياسًا فاسدًا، القياس الفاسد هو مُقابلة النص، عنده نص: اسجدوا لآدم كلام الله، ويقول ويُعارضه في القياس ويقول: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾[الأعراف:12]، فأول مَن قاس قياسًا فاسدًا هو إبليس، وأول مَن رد على الله هو إبليس، إذًا إبليس مُصدِق أو غير مُصدِّق في الباطن؟ مُصدِّق، لكن كفره بأي شيء؟ بالإباء والاستكبار والرفض، إذًا لا بد من الأمور الأربعة.

          الأمر الأول: النُطق باللسان، والأمر الثاني: تصديق القلب وإقراره، والأمر الثالث: عقيدة القلب اعتقاد القلب من المحبة والانقياد، والإخلاص، والصدق، والرغبة، والرهبة، والخوف، والرجاء، والأمر الرابع: أعمال الجوارح، تنقاد الجوارح وتعمل.

فالإيمان والتوحيد لا بد فيه من هذه الأمور الأربعة: قول اللسان، وتصديق القلب، وعمل القلب، وعمل الجوارح، وكلُها لُباب، ليس فيها قشور، تسمية هذا قشور، هذا مغلوط، والمؤلف جعل اللُباب هو يرجع إلى ما سماه قشر، قال: يرى الأمور كلها من الله، يعتقد أن الأمور كلها من الله، أليس هذا من عقيدة القلب؟ هذا من عقيدة القلب، ويقطع الالتفات عن الوسائط، يعني يتوكل على الله، هذا من عقيدة القلب، ويعبد الله عبادةً يُفرده بها ولا يعبد غيره، بأي شيء يعبد الله؟ يعبد الله بالنُطق بالشهادتين، والتصديق، والإقرار، والعمل، عمل الجوارح، عمل القلوب، وعمل الجوارح، ويدخل في ذلك الأعمال القلبية، الإيمان بالله وملائكته وكُتبه ورُسله تصديق بالله وملائكته وكُتبه ورُسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، بهذا يتبيَّن أن الإيمان نُطقٌ باللسان، الإيمان والتوحيد نُطقٌ باللسان، وتصديقٌ بالقلب، وأعمال القلوب، وأعمال الجوارح، كلها داخلة في مُسمى التوحيد، كلها داخلة في مُسمى الإيمان، وكُلها لُباب وليس فيها قشور والدين كله لُباب.

تقسيم الدين إلى قشور ولُباب وإلى أصول وفروع لا أصل له، وهذه كلُها من أغلاط الغزالي، وعذر المؤلف -رحمه الله- أن نقل ولم يتأمل أحسن الظنَّ بمن نقل عنه وسكت.

ويخرج عن هذا التوحيد اتباع الهوى، فكل من اتبع هواه فقد اتخذ هواه معبوده، قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾[الجاثية:23].

وإذا تأملت عرفت أنَّ عابد الصنم لم يعبده، إنما عبد هواه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرح

هذا أيضًا لا يزال النقل عن الغزالي، لا زال النقل عن الغزالي إلى قوله الصديقين كل هذا نقل عن الغزالي، وكله عليه ملحوظات.

قول المؤلف: ويخرج عن هذا التوحيد اتباع الهوى، فكل من اتبع هواه فقد اتخذ هواه معبوده، ويخرج عن هذا التوحيد، التوحيد الذي هو إقرارٌ باللسان، نُطقٌ باللسان، وتصديقٌ بالقلب، وهملٌ بالقلب وعمل الجوارح، قال: ويخرج عن هذا التوحيد اتباع الهوى، طيب اتباع الهوى يخرج عن التوحيد، هل يُخرج عن التوحيد بالكُليَّة أو يخرج عن كمال التوحيد؟ مُحتمل المؤلف أجمل سكت، ما قال يُخرج عن هذا التوحيد، والذي يُخرج عن التوحيد أمران: أحدهما ما يُنقاض التوحيد بالكُليَّة، والثاني ما يُناقض كماله الواجب، فهذا اتباع الهوى يُناقض التوحيد بالكُليَّة أو يُناقض كماله الواجب؟ كل هذا مُحتمِل، والمؤلف نقل عن الغزالي هذا، ولم يُفصِل، ولم يُعلِق عليه، ولم يُناقشه، وهذا مُحتمل، مُحتمل الأمرين، قال: ويخرج عن هذا التوحيد اتباع الهوى، فكل من اتبع هواه فقد اتخذ هواه معبوده، ثم استدلَّ بالآية قال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾[الجاثية:23].

يقول هذا، هذا الكلام ليس على إطلاق لا بد فيه من التقييد، يخرج عن هذا التوحيد اتباع الهوى، اتباع هو يختلف، قد يكون اتباع الهوى كُفرًا، وقد يكون اتباع الهوى كبيرة، وقد يكون اتباع الهوى مُباح يعي، فليس كل مَن اتبع هواه فقد عبد كما ذكر المؤلف، هذا ليس بصحيح، قال: ويخرج عن هذا التوحيد اتباع الهوى، اتباع الهوى يختلف، وليس كل مَن عبد شيء فقد اتبع هواه، لأن ليس كل مَن اتبع هواه فقد اتخذ هواه معبوده كما ذكر المؤلف، بل اتباع الهوى قد يكون شرك كما لو اتبع عبد الصنم، اتبع الهوى وعبد الصنم هذا يكون شرك، وقد يكون كبيرة كما لو اتبع هواه في التعامل بالربا، اتبع هواه ما يهواه وفعل الزنا، أو السرقة، هذا فعل كبيرة، اتبع هواه وفعل كبيرة، وإذا اتبع هواه وعبد غير الله هذا اتبع الهوى وجعل معبوده هواه، جعل معبوده هواه فصار مُشركًا، إذًا ليس كل مَن اتبع هواه قد اتخذ هواه معبودًا، بل إذا عبد هواه (ما يهواه) صار مُشركًا، وإن اتبع هواه في الكبيرة، في فعل المُحرمات صار كبيرة، وقد يكون اتباع الهوى مُباح كما لو هويَّ امرأةً جميلة وخطبها وتزوجها هذا مُباح إذا لم تُشغله عن طاعة الله، أو هويَّ جمع المال، إذا هويَّ جمع المال وجمع المال ولم يُشغله عن طاعة الله فلا بأس، هذا مُباح، ويدل على ذلك ما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- كما في صحيح البُخاري لما نزل قول الله تعالى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ﴾[الأحزاب:51]، فالله تعالى (00:44:19) قال: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ﴾[الأحزاب:51] من الزوجات، ﴿وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ﴾[الأحزاب:51]، قالت: "ما أرى ربك إلا يسارع في هواك"، قالت عائشة تُخاطب النبي: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك، هذا هوى مُباح، ما أرى ربك إلا يسارع في هواك، رواه البُخاري في صحيحه.

إذًا ليس كل مَن اتبع هواه يكون مُشركًا لا، بل اتباع الهوى قد يكون شركًا، وقد يكون كبيرة، وقد يكون مُباحًا، أمرًا مُباحًا، فإذا اتبع هواه، وجعل معبوده هواه، وعبد الصنم صار مُشركًا، وإذا اتبع هواه وفعل كبيرة صار فاعل كبيرة، وإذا اتبع هواه في أمرٍ مُباح فهو مُباح، وإذا هويَّ امرأةً جميلة، وتزوجها، ونوى بذلك أن تُعفه عن الحرام ترى أيضًا مُستحبًا اتباع الهوى في هذا بقصد إعفافه، وإذا هويَّ جمع المال ولم يشغله عن طاعة الله، وجمعه من وجوهٍ مشروعة، وأنفقه في وجوه الخير هذا صار مشروعًا مُستحبًا كما كان أغنياء الصحابة، أبو بكر عنده مال، وعبد الرحمن بن عوف عنده مال، وعُثمان عنده مال، جهز عثمان -رضي الله عنه- (00:45:34) يوم العُسرة ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، فقال النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ما على عُثمان ما فعل بعد اليوم، ما على عُثمان ما فعل بعد اليوم»، نِعْمَ المالُ الصالحِ عند الرجلِ الصالح، إذا هويَّ جمع المال، وانفقه في طاعة الله اتبع هواه في هذا، هل يكون كما قال المؤلف يكون اتخذ هواه معبوده؟ لا. والآية التي استدل بها المؤلف، قال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾[الجاثية:23]، ليست دليلًا له، الآية ضد ما استدل به المؤلف، ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾[الجاثية:23]، ولم يقول: أفرأيت مَن هويَّ إلاهًا، ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾[الجاثية:23] يعني عبد ما يهواه، اتخذ إلهه هواه عبد ما يهواه وليس كل مَن يهوى شيء عبده، الآية ليس فيها أن مَن هويَّ الشيء عبده، وإنما فيها أن مَن عبد الشيء فقد هواه، مَن عبد شيئًا فقد هواه، مال مع هواه، إذا عبد الصنم معناه أنه مال مع هواه، عبد ما يهواه وهو عبادة الصنم، لا العكس، وليس كل مَن هويَّ شيئًا يكون عبده، لكن كل مَن عبد شيئًا فقد هويه، وليس كل مَن هويَّ شيئًا فقد عبده، فإذًا الآية ضد ما استدل به المؤلف، الآية هل هي دليل المؤلف؟ ليست دليل له.

اقرأ الآية، قال المؤلف: ويخرج عن هذا التوحيد اتباع الهوى، يخرج عن التوحيد، الذي يخرج عن التوحيد أمران: ما يُناقض التوحيد، أو ما يُنافي كماله الواجب، فاتباع الهوى، نعم اتباع الهوى هذا فيه تفصيل كما سبق.

وقال المؤلف: كل من اتبع هواه فقد اتخذ هواه معبوده، وهذا ليس بالصحيح، فليس كل مَن اتبع هواه فقد اتخذ هواه معبودًا، بل كل مَن عبد شيئًا فقد عبد ما يهواه، كل مَن عبد شيئًا فقد عبد ما يهواه، وليس كل مَن هويَّ شيئًا عبده، لأن الإنسان قد يهوى المُباح ولا يكون عابدًا له، قد يهوى أمرًا مُباحًا فلا يكون عابدًا له، لكن كل مَن عبد شيئًا دون الله فقد هويه، فقد عبده ما يهواه، إذا عبد شيئًا فقد عبد ما يهواه، وليس كل مَن هويَّ شيئًا فقد عبده، قال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾[الجاثية:23]، يعني جعل معبوده ما يهواه، ولم يجعل ما يهواه، وليس كل مَن هويَّ شيئًا يكون عابدًا له، واضح هذا؟ ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾[الجاثية:23]، يعني أفرأيت مَن عبد شيئًا يهواه، مَن عبد شيئًا يهواه فقد اتخذ إلهه هواه، ومَن هويَّ شيئًا فلا يلزم أن يكون عابدًا له، والسبب في هذا أن المؤلف نقل هذا عن الغزالي، والغزالي عليه (00:48:53) كما سبق.

وإذا تأملت عرفت أنَّ عابد الصنم لم يعبده إنما عبد هواه، وهو ميل نفسه إلى دين آبائه، فيتبع ذلك الميل، وميل النفس إلى المألوفات أحد المعاني التي يعبَّر عنها بالهوى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرح

يقول المؤلف: إذا تأملت عرفت أنَّ عابد الصنم لم يعبده إنما عبد هواه، وهو ميل نفسه إلى دين آبائه، فيتبع ذلك الميل،

نعم، فعابد الصنم لمَّا عبده غنما عبده لأنه هويه، فعبد ما يهواه، عابد الصنم لما عبده ما عبده إلا لنه يهواه، فعبد هواه، عبد ما يهواه، وهو داخلٌ في الآية ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾[الجاثية:23]، مَن اتخذ إلهه هواه مَن عبد ما يهواه فقد اتخذه إلهًا، ولهذا قال: إذا تأملت عرفت أنَّ عابد الصنم لم يعبده إنما عبد هواه، لم يعبده إلا لأنه يهواه، فلما هويَّ عبادته عبده، فصار مُشركًا، صار مُشركًا عبد ما يهواه وهو الصنم، قال: وهو ميل نفسه إلى دين آبائه، فيتبع ذلك الميل، لما مال إلى دين آبائه وهويَّ دين آبائه صار مُشركًا، صار مُشركًا بهذا الميل، الميل إلى دين الآباء، يكون هويَّ دين آبائه، وهويَّ عبادة الصنم، فعبد ما يهواه.

قال المؤلف: وميل النفس إلى المألوفات أحد المعاني التي يُعبَّر عنها بالهوى، نعم وميل النفس إلى المألوفات أحد المعاني التي يُعبَّر عنها بالهوى، إذا مال الإنسان إلى مألوفاته فقد هويها، وهذا فيه تفصيل، إذا كانت ألفت أمرًا مُباحًا ثُمَّ هويه، واتبع هواه في ذلك فلا حرج عليه، ألِف الإنسان أكل نوعٍ من الطعام، هويه واتبع هواه وهو مما أحله الله لا حرج عليه، يهوى هذا النوع من الطعام أكله، هويه، فمال إلى مألوفاته واتبع هواه في ذلك لا حرج، هويَّ جمع المال ولم يُشغله عن طاعة الله، فاتبع هواه في ذلك فلا بأس، اتبع هواه في أمرٍ مُباح، قالت عائشة: ما أرى ربك إلا يُسارع في هواك، هواك في أمرٍ مُباح، أما الهوى الذي يصد عن الحق، ويصد عن سبيل الله، فهذا هو المذموم، قال الله تعالى: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾[ص:26]، هذا الذي اتبع الهوى في الصد عن سبيل الله، إذا كان هواه يصده عن سبيل الل واتبع هواه فهذا مذموم، أما غذا كان الهوى الذي يهواه في أمرٍ مُباح فلا بأس به كما قالت عائشة -رضي الله عنها-: "ما أرى ربك إلا يُسارع في هواك".

بهذا يتبيَّن أن هذه إطلاقات المؤلف في هذه الأمور العظيمة ينبغي تقييدُها، ينبغي أن تُقيد هذه الأمور ولا ينبغي أن تبقى على إطلاقها.

ويخرج عن هذا التوحيد السخط على الخلق والالتفات إليهم، فإن من يرى الكل من الله كيف يسخط على غيره أو يأمُل سواه، وهذا التوحيد مقام الصديقين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرح

إلى هُنا انتهى كلام الغزالي، إلى هُنا انتهى النقل، نقل المؤلف عن كتاب (احياء علوك الدين) إلى قول مقام الصديقين.

قال المؤلف: ويخرج عن هذا التوحيد السخط على الخلق والالتفات إليهم، يعني يخرج عن هذا التوحيد الذي قرَّه أمران: الأمر الأول السخط على الخلق، والثاني الالتفات إليهم، التوحيد الذي قرَّه أنه قشران ولُباب، النُطق بالشهادتين وتصديق القلب، وعمل القلب والجوارح، هذا التوحيد يخرج عنه السخط على الخلق، السخط على الخلق يُخرج الإنسان عن التوحيد؟ كيف يُخرج السخط على الخلق هذا (00:54:10- 00:54:11)؟ هذا مُطلق ومُجمل، كيُف السخط على الخلق يُخرج الإنسان عن التوحيد؟ فخطأ الخلق مُجمل فيه تفصيل، السخط على الخلق منه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، والمحمود منه الواجب، ومنه المُستحب، والمذموم منه المكروه، ومنه المُحرَّم، ومن السخط على الخلق ما يُنافي كمال التوحيد، ومن السخط على الخلق ما يُنافي كمال التوحيد، ومن السخط على الخلق ما يُنافي كماله الواجب، ومن السخط على الخلق ما يُنافي كماله المُستحب، فمثلًا السخط على الخلق جميعًا بما فيهم الأنبياء والصالحون هذا كُفرٌ وضلال، يسخط على الخلق كلهم، نعم، هذا إذا سخط على الخلق كلهم بما فيهم الأنبياء والمُرسلون، والصديقون، والأولياء هذا كُفر وضلال، إذا سخط على الأنبياء والمُرسلين، معناه سخِط دينهم وكره ينهم، ومَن كره الدين قد كفر، وحبِط عمله، قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾[محمد:9]، فإذًا السخط على الخلق كلهم بما فيهم الأنبياء والصالحون هذا كُفرٌ وضلال.

ثانيًا: السخط على العُصاة والكُفَّار وبغضهم هذا توحيد، هذا ما يُنافي التوحيد، بل هذا من التوحيد، إذا سخِط على العُصاة والكُفار لكونهم عصوا الله وغضب عليهم فقد وافق ربه لأن الله تعالى يغضب على الكُفَّار، قال الله تعالى:  ﴿غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾[الفتح:6]، إذا غضب على الكُفَّار وسخِط على الكُفَّار، وسخِط على العُصاة هذا توحيد، ولا يخرج عن التوحيد بل هو من التوحيد، إذا سخِط على بعض الخلق مثلًا، إذا سخِط على الخلق حيث تنتشر المُنكرات والبِدع، ولا مُغيِّر لها ولا مُنكِر، فهذا السخط من مقامات التوحيد.

إذا سخِط على بعض الناس على بعض الخلق لأنهم لم يقوموا بخدمته، لأن له حقًا عليهم، هذا من الخطأ، وليس هذا من نواقض التوحيد ولا يخرج عن التوحيد بهذا، إذا سخِط على ابنه حيث لم يعمل له أمرًا دُنيويًا، أو سخط على شريكه من أجل عملٌ دُنيوي، فهذا مُباح، ولا يخرج عن التوحيد.

فالمقصود أن قول المؤلف: ويخرج عن هذا التوحيد السخط على الخلق، هذا كلام مُجمل مُطلق لا بُدَّ من تقييده فليس كل سخطٍ على الخلق يُخرج الإنسان عن التوحيد، بل قد يُخرج عن التوحيد، وقد يكون السخط على الخلق يُخرج عن التوحيد فيكون ناقضًا للإسلام كما لو سخِط على الأنبياء وعلى دينهم، وقد يكون مُباحًا، وقد يكون توحيدًا، السخط على الخلق قد يكون توحيدًا، وقد يكون كُفر، وقد يكون مُباحًا، وقد يكون السخط عليهم يُنافي كمال التوحيد المُستحب، كونك تسخط على جارك، أو على قريبك لأنه لم يخدمك تركه أولى الأفضل ألا تسخط عليه، لكن ترك السخط من كمال التوحيد، المقصود أن هذا الإطلاق من المؤلف هذا ليس بسديد وليس بجيد، قوله: ويخرج عن هذا التوحيد السخط على الخلق، فليس كل سخطٍ على الخلق يُخرج عن التوحيد، بل منه ما يُخرج عن التوحيد، ومنه ما يُخرج عن كماله الواجب، أو كماله المُستحب، ومنه ما يكون مُباحًا.

وكذلك الالتفات، قال: والالتفات إليهم، يُخرج عن هذا التوحيد الالتفات إلى الخلق، الالتفات إلى الخلق هل يُخرج عن التوحيد؟ هذا فيه تفصيل، الالتفات إلى الخلق يعني بالاعتماد عليهم، والركون عليهم، والاعتماد عليهم دون الله هذا شركٌ في الربوبية، إذا اعتمد على الناس وعلى الأسباب، الأسباب التي يفعلُها الإنسان إذا اعتمد عليها وركن إليها، ركن إلى الأسباب كما يركن المُعتزلة على أعمالهم، ويقولون: إن الأعمال عِوَض عن الجنَّة، المُعتزلة يقولون: إن العباد خالقون لأفعالهم، فهم الذين يعملون الطاعات والمعاصي استقلالًا، ولذلك قد يجب على الله عقلًا أن يُثيب المُطيع ويُعطيه اجره كما يُعطي الأجير أجره ثمن، ثمن للجنة كما أنه يجب عليه أن يُعاقب العاصي هذا ركون للسبب، وكما يقول (00:59:05) بالتفاعل بين، قالوا: وجود الولد بالتفاعل بين المائين، هذا ركون إلى السبب وهذا شرك، شركٌ في الربوبية، الركون إلى الأسباب، والاعتماد على الأسباب وحدها دون الله شركٌ في الربوبية، ونفي الأسباب وتركُها قدحٌ في العقل، لأنه الله تعالى ربط الأسباب بالمُسببات، وفطر الخلق على فعل الأسباب، الأسباب فالإنسان يأكل، ويشرب، ويتزوج، ويبيع، ويشتري، ويأخذ السلاح دون العدو، ودون السباع، ويستدفئ دون البرد، كل هذه أسباب، تركُها قدحٌ في العقل، لو إنسان ما يأكل ولا يشرب، ترك الأسباب، أليس الأكل سبب في بقاء الحياة؟! والشرب كذلك، والزواج سبب في الولد، لو قال شخص أنا ما أفعل، ما أفعل، أنا لا أتزوج، إن أراد الله أن يُعطيني ولد أعطاني ولد بدون زوجة، وبدون زواج، هل هذا عاقل أم مجنون؟ مجنون، ليس بعاقل، هل يُمكن ولد بدون زواج؟ ما يُمكن، هذه الأسباب لا بُدَّ أن تفعلها، لكن لا تركن إليها، ولا تعتمد عليها، افعلها على أنها أسباب، والمُسبب هو الله، والأسباب قد تنفع وقد لا تنفع، إن أراد الله أن تنفع نفع، وإن أراد الله ألا تنفع ما تنفع، لكن أنت مأمور أن تأخذ بالأسباب، ومن الأسباب العمل الصالح سببٌ في دخول الجنة، جعله الله سبب كما قال تعالى:﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[النحل:32]، فالأسباب لها ثلاثة حالات:

- الحالة الأولى: الركون إلى الأسباب والاعتماد عليها، هذا شركٌ في الربوبية.

- الثاني: ترك الأسباب بالكُليَّة هذا قدحٌ في العقل.

- الأمر الثالث: فعل الأسباب على أن الله جعل أسبابًا من دون الركون إليها والاعتماد عليها وليفعلُها مُسلم لأن الله أمره بفعلها، فهذا هو المطلوب، هذا هو التوحيد، التوحيد أن تفعل الأسباب التي أمر الله بها على أنها أسبابٌ جعلها الله أسبابًا، ولا تركن إليها، ولا تعتمد على السبب، ولكن تعتمد على المُسبب وهو الله -سبحانه وتعالى-.

          والأسباب نعرف فيه أسباب مُحرَّمة، وفيه أسباب مُباحة، الأسباب المُحرَّمة يترُكها المُسلم مثل الربا سبب مُحرَّم في المال (في الحصول على المال)، والزنا سببٌ مُحرَّم، هذه اسباب مُحرَّمة.

          وبهذا يتبيَّن أن قول المؤلف يخرج عن هذا التوحيد الالتفات، الالتفات إلى الخلق، الالتفات إلى الخلق فيه تفصيل، الالتفات في الركون إليهم والاعتماد عليهم نعم هذا يُخرج من التوحيد، أما الالتفات بمعنى فعل الأسباب على أنها أسباب، فهذا مطلوب، على أنها أسباب بدون الاعتماد عليها، بل يعتمد على الله ويتوكل عليه، كما قال الله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[المائدة:23]، والتوكل يجمع أمرين:

- الأمر الأول: فعل الأسباب التي أمر الله بها.

- والثاني: تفويض الأمر إلى الله، والاعتماد عليه في حصول النتيجة، ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[المائدة:23].

          وبهذا يتبين أن عبارة المؤلف أيضًا هُنا تحتاج إلى تقييد في قوله: ويخرج عن هذا التوحيد السخط على الخلق والالتفات إلى الخلق، فالسخط على الخلق فيه تفصيل، والالتفات إلى الخلق فيه تفصيل.

          قال: فإن من يرى الكل من الله كيف يسخط على غيره، مَن يرى الكل من الله، المُراد من الكُل مقصودها الخير والشر، فإن مَن يرى كل هذا يعني الخير والشر من الله كيف يسخط على غيره، يعني يرى الخير والشر من الله يعني خلقًا وإيجادًا، وإلا فالشر لا يُضاف إلى الله، الشر لا يدخل في أسماء الله ولا في صفاته، وإنما يدخل في مفعولاته، كما قال النبي-صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث الصحيح: «والشر ليس إليك»، الشر ليس إليك يعني الشر المحض الذي لا حكمة في إيجاده وتقريره لا يوجد إليه، والشر لا يدخل في أسماء الله ولا في صفاته، وإنما يدخل في مفعولاته، قال: فإن مَن يرى الكل من الله، يعني الخير والشر مخلوقان لله، هذا لا بُدَّ من الإيمان به.

خلافًا للقدرية الذين يقولون إن أفعال العباد مخلوقةٌ لهم، وليست مخلوقةً لله، وقال بعض القدرية: الخير من الله والشر من العبد وهذا باطل، بل الله تعالى خلق الخير والشر كما قال الله تعالى: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾[النساء:79]، ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾[النساء:78]، قل كلٌ من عند الله الخير والشر، ﴿فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾[النساء:78]، فالخير والشر من الله مخلوقان لله خلافًا للقدرية، لكن الشر لا يدخل في أسماء الله ولا في صفاته، وإنما يدخل في مفعولاته ومخلوقاته، والشر لا يُضاف إلى الله، لا يُضاف إلى الله وإنما يدخل في عموم المخلوقات في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾[الزمر:62]، أو يُضاف إلى السبب كقوله: ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾[الفلق:2]، أو وحده فاعلٌ كقول الله تعالى عن الجن: ﴿وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ﴾[الجن:10]، (أُريد) هُنا فعل مبني للمجهول حُذِف الفاعل، ولما جاء الخير قال: ﴿أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾[الجن:10]، أضاف الخير إلى الله، والشر أُبهم، ﴿وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾[الجن:10]، فإذًا الشر والخير مخلوقان لله ولكنهما لا يدخلان في أسماء الله ولا في صفاته، وإنما الشر لا يدخل في أسماء الله ولا في صفاته، وإنما الشر يدخل في مفعولاته ومخلوقاته، ولا يُضاف الشر إلى الله أبدًا، بل الشر يدخل في أحد أمورٍ ثلاثة:

- الأمر الأول: في عموم المخلوقات، في عموم الخلق، قوله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾[الزمر:62]، الخير والشر.

- أو يُضاف الشر إلى فاعله، ما يُضاف إلى الله الشر، إنما يدخل في عموم المخلوقات كقوله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾[الزمر:62]، أو يُضاف إلى الفاعل كقوله تعالى: ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾[الفلق:2]، أُضيف الشر إلى الفاعل الخلق.

- أو يُحذف فاعله كقوله تعالى عن الجن: ﴿وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾[الجن:10]، لما ذُكِر الشر حُذف الفاعل، ولما ذُكِر الخير ذُكر الفاعل، ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾[الجن:10].

          قال المؤلف -رحمه الله-: فإن من يرى الكل من الله يعني الخير والشر كيف يسخط على غيره، سبق ان السخط على الغير فيه تفصيل، مَن يرى الكل الخير والشر من الله المؤمن يعتقد أن الخير والشر من الله، ويسخط على غيره في الأمور التي أمر الله بها أن يُسخط عليها، يسخط على الغير إذا دلَّت النصوص على السخط عليه، ولا يسخط على الغير إذا دلَّت النصوص على عدم السخط، المسألة فيها تفصيل كما سبق، فالمؤمن يرى الحق كله من الله، ويسخط على الخلق التي شرع الله أن يُسخط على الخلق التي شرع الله أن يسخط عليها، يسخط على العُصاة، ويسخط على المُبتدعة، ويسخط على الكُفَّار، ويسخط على العاق لوالديه، يسخط على مَن يتعامل بالربا لأن الله يسخط عليه، فالمؤمن يرضى لرضى الله ويسخط لسخطه.

فإن مَن يرى الكل من الله كيف يسخط على غيره، أو يأمُل سواه، يأمُل يعني يرجو سواه، المؤلف يقول الذي يرى الخير والشر من الله لا يسخط على الخلق ولا يرجو الخلق، لا يسخط عليهم ولا يرجوهم، وهذا فيه تفصيل في الأمرين، السخط على الخلق فيه تفصيل، السخط على الخلق، المُسلم يسخط على الخلق الذي أذن الله أن يسخط عليهم، ولا يسخط على مَن لم يأذن الله بالسخط عليهم، أو يأمُل سواه يعني يرجو سواه، هذا فيه تفصيل: لا بأس أن يأمُل ويرجو الخلق فيما يقدرون عليه من الأمور، إذا رجوت شخص فيما يقدر عليه من الأمور فلا بأس، تقول: أرجوك يا أخي أن تُقرضني مالًا استعين به في قضاء ديني، لا بأس، ترجوه في امرٍ مُباح، أرجوك أن تُعينني على إصلاح سيارتي، أو إصلاح مزرعتي، لا بأس، تأمل، ترجوه وتأمل منه هذا، هذا الطلب من المخلوق فيما يقدر عليه، لكن رجاء السر رجاء العبادة كأن يرجو الميت، يرجو الميت أن ينصره على عدوه، أو يرجوه أن يُدخله الجنة، أو يرجوه أن يُنقذه من عذاب النار هذا شرك، هذا رجاء السر، أما رجاء الحي الحاضر القادر لا بأس ترجوه وتأمُل منه ما يقدر عليه، يعني ترجو أخاك أن يُساعدك، ترجوه أن يُعينك في الأمور المُباحة، أو ترجوه في الأمور المشروعة هذا مشروع كأن ترجو أخاك أن يُعينك في إزالة المُنكر، تقول: يا أخي أرجوك، آمُل منك أن تُعينني على إنكار هذا المُنكر، آمُل منك أن تُعينني على الدعوة إلى الله، آمُل منك أن تُعينني على الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، هذا مشروع، فرجاء الخلق والأمل منهم هذا قد يكون مشروعًا، وقد يكون شركًا، وقد يكون مُباحًا، نقول له ثلاثة أحوال:

- الحالة الأولى: أن يكون رجاء الخلق شرك، كأن يرجو الميت رجاء السر هذا شرك، رجاء السر أن يرجو الميت في سره، يرجو الميت أن يُنقذه من عذاب النار، يرجوه أن يُدخله الجنة، يرجوه أن (01:09:37) بسره لا بأسبابٍ ظاهرة، هذا شرك.

- ثانيًا: رجاءٌ مشروع كأن ترجو أخاك أن يُعينك في إنكار المُنكر، أو في الدعوة إلى الله، هذا مشروع.

- الأمر الثالث: أن ترجوه في أمرٍ مُباح، ترجو الحي الحاضر في أمرٍ يقدر عليه فهذا مُباح، كأن ترجو أخاك أن يُعينك وقد يكون مشروعًا، أرجوك أن تُعينني أن تُقرضني مالًا استعين به في قضاء ديني، أرجوك أن تُعينني في إصلاح سيارتي، أرجوك أن تُعينني في تربية ولدي وتعليمه، هذا قد يكون مشروع، وقد يكون مُباح وقد يكون شرك يختلف هذا باختلاف الأحوال.

          وبهذا يتبيَّن أن قول المؤلف -رحمه الله-: كيف يسخط على غيره، أو يأمُل غيره، أن هذه عبارات مُطلقة، كان الواجب أن تُقيَّد.

          ثُمَّ ثال المؤلف -رحمه الله-: وهذا التوحيد مقام الصديقين، هذا التوحيد مقام الصديقين، هذا كله من كلام الغزالي، هذا التوحيد مقام الصديقين، والتوحيد الأول يقول هذا توحيد، توحيد عامة الناس، عقيدة في القلب، وتصديق القلب يقول هذا توحيد عامة الناس، وهو التوحيد الذي جاءت به الرُسل، وهذا التوحيد يقول هذا مقام الصديقين، وسبق أن التوحيد هذا يرجع إلى أن هذا التوحيد الذي ذكره قال: مقام الصديقين أنه يرجع إلى عقيدة القلب وقول اللسان، كما قال: لُباب التوحيد أن يرى الأمور كلها من الله، وأن يقطع الالتفات عن الوسائط، وأن يعبده سبحانه عبادةٌ يُفرده بها ولا يعبد غيره، يعبده بأي شيء يعبده عبادة يُفرده بها بالإخلاص والصدق، وهذه أعمال القلوب، والتصديق، وإقرار اللسان، وتلاوة القرآن، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، كل هذا باللسان، وبالقلب: الإخلاص، والصدق، والمحبة، والرغبة والرهبة، إذًا فرجع هذا التوحيد الذي قال إنه التوحيد مقام الصديقين يرجع إلى المقام، إلى التوحيد الثاني الذي سماه توحيد عامة الناس، قال: هذا توحيد عامة الناس، وهذا توحيد الصديقين، وتوحيد الصديقين يرجع إلى توحيد عامة الناس.

          وبهذا يتبيَّن أنه ليس هُناك للعامة وللخاصة، يعني هذا الثاني هو توحيد الخاصَّة، والأول توحيد العامَّة، والتوحيد الذي سماه توحيد الخاصَّة يرجع إلى التوحيد الثاني الذي سماه توحيد العامَّة، وبهذا يتبيَّن غلط المؤلف في هذا، في هذه التقسيمات وهذه التفصيلات، وأن التوحيد توحيد واحد، توحيد الأنبياء والرُسل، مَن نطق بالشهادتين، وأقرَّ وصدَّق، واعتقد بقلبه وعمِل بجوارحه هذا هو التوحيد، هو توحيد الأنبياء والمُرسلين، لكن الناس يتفاوتون توحيد الأنبياء والمُرسلين أفضل من توحيد الصديقين، وتوحيد الصديقي أفضل من توحيد الشهداء، وتوحيد الشهداء أفضل من عامة الناس يتفاوتون في هذا تفاوتًا لا يُحصيه إلا الله، وكلهم كلهم مُوحدون، والتوحيد واحد لا يُقال أنه توحيد للعامة وتوحيد للخاصة، التوحيد واحد هو الذي دعت له الأنبياء، وأرسل الله به الرُسل، ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[الأعراف:59].

          التوحيد: إفراد الله بالعبادة، مَن أفرد الله بالعبادة فهو المُوحد، ولا يُقال هُناك عامة ولا خاصة، ولكن الناس يتفاوتون بحسب ما يكون في قلوبهم من الإخلاص، والصدق، والمحبة، والرغبة، فتوحيد الرُسل ليس كتوحيد الأنبياء، والرُسل أيضًا يتفاوتون توحيد أولو العزم أعلى من توحيد غيرهم، فهل توحيد نبينا -صلَّى الله عليه وسلَّم- مثل توحيد نوح، نوح لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عام، ونبينا -صلَّى الله عليه وسلَّم- كم كان مُدة الرسالة؟ ثلاثة وعشرين سنة، ومع ذلك نبينا -صلَّى الله عليه وسلَّم- أعظم توحيدًا من توحيد، أفضل وأعظم وأقوى توحيد من توحيد نوح -عليه السلام- وغيره؛ لما أعطاه الله، وما قام بقلبه من مقامات التوحيد، وحقائق الإيمان، فالناس يتفاوتون، كلهم موحدون، كل مَن أفرد الله بعبادة فهو مُوحد، كل مَن أتى بالشهادتين واعتقد معناها فهو مُوحد، ولكن الناس يتفاوتون تفاوتًا عظيمًا، فليس إيمان الناس واحد، وليس توحيد الناس واحد كما تقول المُرجئة، المُرجئة يقولون الناس إيمانهم حد، توحيد أهل السماء والأرض واحد، والناس سواسية كأسنان المشط، إيمان أفسق الناس وأعبد الناس واحد، إيمان السِكير والعربيد وإيمان أبي بكرٍ وعُمر، وإيمان (01:14:47) واحد يقول المُرجئة، لأن الإيمان هو التوفيق والأعمال شيءٌ آخر، هذا من أبطل الباطل، مَن يقول هذا؟ هذا القول باطل، وهذا مُناقض لما دلَّت

عليه النصوص من كتاب الله وسنة رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فالتوحيد ليس واحدًا، توحيد الناس ليس واحد، التوحيد واحد لكن الناس يتفاوتون في التوحيد، ويتفاوتون في الإيمان، فليس إيمان الأنبياء كإيمان الصديقين، وليس إيمان الصديقي كإيمان الشُهداء، ليس إيمان النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كإيمان أبي بكر، وليس إيمان أبي بكر كإيمان عُمر، وليس إيمان عُمر كإيمان عُثمان وهكذا قد يتفاوتوا، إيمان أبي بكر  يرجح بإيمان الأمة كلها، وكذلك عُمر وعُثمان، فكيف يُقال إن هذا هذا توحيد الصديقين، وهذا توحيد عامة الناس، هذه التقسيمات تقسيمٌ باطل، تقسيم الصوفية، وسبق أن التوحيد الذي يُسمى توحيد الصديقين يرجع إلى توحيد عامة الناس، فالتوحيد واحد.

وفَّق الله الجميع لطاعته، وصلى الله على نبينا مُحمد.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد