شعار الموقع

شرح كتاب تجريد التوحيد_4

00:00
00:00
تحميل
43

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد...

قال المؤلف -رَحِمَهُ اللّهُ تَعَالَى-: ((ولا ريب أن توحيد الربوبية لم ينكره المشركون؛ بل أقروا بأنه سبحانه وحده خالقهم، وخالق السموات والأرض، والقائم بمصالح العالم كله، وإنما أنكروا توحيد الإلهية والمحبة كما قد حكى الله تعالى عنهم في قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165]، فلما سووا غيره به في هذا التوحيد كانوا مشركين، كما قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾[الأنعام:1] أي: يسوون غيره به، وقال الله تعالى: ﴿وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾[الأنعام:150]))

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد...

فإن المؤلف - رَحِمَهُ اللّهُ- قسم التوحيد في هذا إلى قسمين:

  • توحيد الربوبية.
  • وتوحيد الألوهية.

وهذا نقله المؤلف -رَحِمَهُ اللّهُ تَعَالَى- من مجموع الفتاوى للشيخ/ ابن عثيمين - رَحِمَهُ اللّهُ- ومن مدارك السالكين للإمام/ ابن القيم في الجزء الثالث.

وتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام معروف هذا عند أهل العلم، واعتمده المتأخرون والإمام/ محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللّهُ، وهذا التقسيم إنما دليله الاستقراء والتتبع، الاستقراء والتتبع للنصوص إذا استقرأ (2:49) وجد أن التوحيد لا يتجاوز هذه الأقسام الثلاثة، كما أن شروط (2:56) وجدوا شروطها تسعة، وكما أن (2:59) ستة من النصوص، وكما أن محظورات الإحرام في الحج تسعة، كل هذا دليله الاستقراء والتتبع.

وتوحيد الربوبية منسوب إلى الرب؛ لأنه توحيد الله بأفعاله، توحيد الربوبية مضاف إلى الرب يعني: أنك توحد الله بأفعاله هو، هذا توحيد الربوبية: توحيد الله بأفعاله هو.

  • أفعال الله ما هي؟

الخلق، والرزق، والإماتة، والإحياء، وإنزال المطر؛ هذه أفعاله، هذه توحد الله بأفعاله هو، أي: تنسبها إليه وتضيفها إليه وتعتقد أن الله هو الفاعل، تعتقد أن هو الرب وغيره مربوب، تعتقد أنه هو الخالق وغيره مخلوق، تعتقد أنه المالك وغيره المملوك، تعتقد أنه مدبِّر وغيره مدبَّر، تعتقد أنه خالق السموات والأرض وأنه رب الناس جميعًا وأنه مالكهم وأنهم مدبرهم، وأنه يحييهم ويميتهم، ويرزقهم ويعافيهم، ويجيب دعاءهم؛ هذا هو توحيد الربوبية، هذا أقر به المشركون؛ بل أقر به المجموعة البشرية كلها، فُطِر الخلائق على هذا التوحيد، الخلائق كلهم فُطروا على إثبات هذا التوحيد، فُطرت الخلائق كلها على أنها تعرف ربها، تعرف أفعاله، تعلم أن هو الخالق وأنه المدبر وأنه الرازق وأنه الرب، حتى الحيوانات العجماوات فُطرت على هذا؛ إذا صابها صائب فطرت رأسها إلى السماء، إنما شذ من المجموعات البشرية -كما سبق- من الجهريين والطبعيين ومن يقول بالصدفة والدول الاتحادية ومن تجاهل الرب كفرعون؛ هؤلاء شذوا من المجموعة البشرية؛ ولهذا فإن الرسل لم يُبعثوا بهذا التوحيد، التوحيد مطلوب ولا بد منه، لكن الناس فُطروا عليه، فطر الناس على هذا التوحيد ما أنكروه؛ فهم موحدون لله، لكن لا يكفي هذا في دخولهم في الإسلام.

وكذلك توحيد الأسماء والصفات؛ معناها: الإيمان بأسماء الله وصفاته؛ فالإيمان بأسماء الله وصفاته وإثباتها لله التي وردت في الكتاب والسنة، الأسماء الصفات توقيفية، العباد لا يخترعون لله أسماء من عند أنفسهم! لا؛ لأن الأسماء والصفات توقيفية، ومعنى "توقيفية": يوقف به عند النصوص، ما ورد في النصوص إثباته إلا من الأسماء والصفات لله ينسب لله، و(5:31) نصوص، فتوحيد الربوبية مبني على أنك توحد الله في ربوبيته، إذ عليها أنك تضيف أفعال الله إليه وتنفيها عن غيره، لا بد من هذا، هو مبني على هذين الأمرين: إثبات أفعال الرب سبحانه وتعالى، ونفيها عن غيره، تعتقد أن ليس هناك رب إلا الله وأن ليس هناك خالق إلا الله وليس هناك مدبر إلا الله وليس هناك مالك إلا الله وليس هناك أحد يحيي ويميت إلا الله، أنت توحد الله بأفعاله وتنفيها عن غيره.

وكذلك الأسماء والصفات؛ الله تعالى أخبر فيها أنه الخالق، الرازق، المدبر، المالك، بأنه الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، (6:25) بالعلم، وتوصف بالاستواء، وتوصف بالغضب، وتوصف بالسخط، وتوصف بالرضا، وهكذا الصفة لله، هذه الأسماء والصفات موصفة لله؛ فهو مبني على هذا، توحيد الأسماء والصفات مبني على ثلاثة أصول:

الأصل الأول: إثبات الأسماء والصفات لله.

الأصل الثاني: نفيها عن غير الله.

الأصل الثالث: قطع الطبع عن إدراك الكيفية، وأن كيفية الأسماء والصفات لا يعلمها إلا هو سبحانه لا يعلمها إلا الله، قطع الطبع عن إدراك الكيفية.

إثبات الأسماء والصفات لله، ثانيًا: نفيها عن غير الله، ثالثًا: نفي الكيفية، عدم إدراك الكيفية، تفويض علم الكيفية إلى الله -عَزَّ وَجَل؛ فالله تعالى له كيفية هو أعلم بها، والأسماء والصفات لها كيفية هو أعلم بها سبحانه وتعالى، وتوحيد الألوهية هذا هو القسم الثالث، توحيد الله بأفعالك أنت أيها العبد، أفعالك يعني: التي تتقرب بها إلى الله -عَزَّ وَجَل، العبادات التي تتقرب بها إلى الله؛ توحِّد الله بها.

ما هي أفعالك والعبادات؟ العبادة: هي الاستجابة لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، الأوامر والنواهي يتقرب الإنسان إلى الله بفعله وأمره (7:57)ككالنواهي، هذه هي أفعالك أنت، تتقرب إلى الله بالدعاء، تتقرب بالذبح، بالنذر، بالصلاة، بالصيام، بالزكاة، بالحج، ببر الوالدين، بصلة الرحم، بالأمر بالمعروف، بالنهي عن المنكر، بالدعوة إلى الله؛ هذه أفعالك.

إذن.. توحد الله بأفعالك، توحيد الألوهية: توحيد الله بأفعال العباد، وهو مبني على أصلين:

الأصل الأول: نفي جميع أنواع العبادة عن غير الله.

والأصل الثاني: إثبات الألوهية لله، إثبات جميع أنواع العبادة لله.

وهذا هو معنى "لا إله إلا الله"؛ فإن معناها: لا معبود حقٌّ إلا  الله، وهذه الكلمة "لا إله إلا الله" هي كلمة التوحيد، وهي كلمة التقوى؛ فهي تقي قائلها الشرك، وهي الكلمة العظيمة التي يدخل بها الإنسان في الإسلام، وهي آخر ما يختم به من الدنيا، وهي التي لأجلها خلق الله الخليقة، ولأجلها أرسل الله الرسل، ولأجلها أنزل الكتب، ولأجلها خُلقت الجنة والنار، ولأجلها انقسم الناس إلى شقيٍّ وسعيد، ولأجلها حقَّت الحاقة ووقعت الواقعة وقامت القيامة، "لا إله إلا الله": لا معبود حقٌّ إلا الله، فهي مشتملة على ركنين: النفي وإثبات، النفي: نفي جميع أنواع العبادة لغير الله، والإثبات: إثبات جميع أنواع العبادة لله، ففيها: كفرٌ وإيمان، هي كفرٌ بالطاغوت وإيمانٌ بالله، ومعنى كفر بالطاغوت: يعني تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتبغض أهلها وتكفرهم وتعاديهم، لا بد من الكفر بالطاغوت، تتخلى عنه، ثم بعد ذلك تتحلى بالإيمان، قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة:256]، هذه الكلمة هي كلمة الإسلام وكلمة التقوى ومن قالها دخل في الإسلام، حُكِم بإسلامه، لكن إن قالها بلسانه وكان مصدقًا بها بقلبه يعتقد معناها فهذا هو المؤمن باطنًا وظاهرًا، وإن قالها بلسانه وكان مكذبًا في الباطن فهو منافق في الدرك الأسفل من النار -والعياذ بالله- لكنه يعامل معاملة المسلمين، حين نطق الشهادتين يعامل معاملة المسلمين؛ مثلًا: يرث، ويورث، ويصلى عليه، ويُدفن في مقابر المسلمين، إلا إن ظهر منه ما يوجب الردة فإنه يستتاب وإلا قُتل.

ولكن هذه الكلمة "لا إله إلا الله" فهي أعظم كلمة، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير»، أفضل الكلام -أفضل ما يتكلم به البشر- هي كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، أفضل الكلام كلام الله، أفضل الكلام القرآن، أفضل الكلام كلام الله، ثم أفضل الكلام بعد كلام الله كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، وهذه الكلمات الأربع: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" أفضل الكلام، قال عليه الصلاة والسلام: «وهنَّ الباقيات الصالحات»، قال عليه الصلاة والسلام: «لأن أقول سبحان والله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس»، فأفضل الكلام هذه الكلمات، وأفضل الكلام هو كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، لكن لا تنفع قائلها عند الله إلا إذا علم معناها وعمل بمقتضاها وابتعد عما يناقضها، لا بد من هذا، ما تنفع عند الله إلا إذا علم معناها وعمل بمقتضاها وابتعد عما يناقضها، لا بد من هذا.

ولهذا.. أقر العلماء وبينوا شروط هذه الكلمة، وأن هذه الكلمة لها شروط مأخوذة من النصوص -دلت عليها النصوص- أول شروطها: العلم المنافي للجهل، العلم بمعناها، وهذا هو معرفة معناها، كيف يتكلم الإنسان بهذه الكلمة وهو لا يعلم معناها؟! العلم منافي للجهل، يعني تعلم معنى هذه الكلمة، معناها: أنها مشتملة على نفي وإثبات، النفي في قولك: "لا إله"، والإثبات في قولك: "إلا الله"، والنفي المراد به: نفي جميع ما يعبد من دون الله، جميع أنواع العبادة من دون الله:

أوله: الكفر بالطاغوت، وإثبات "إلا الله" وهذا إثبات الألوهية لله -عَزَّ وَجَل-، وهذا هو الإيمان والتوحيد: العلم بمعناها، العلم المنافي للجهل.

الشرط الثاني: اليقين المنافي للشك والريب، يقول: "لا إله إلا الله" عن يقين، ليس عنده شك ولا تردد، فإن شك أو تردد فهو منافق، المنافقون منهم المكذب ومنهم الشاك؛ فهم طبقات، بعض المنافقين عنده شك وريب، وبعض المنافقين مكذب، تكذيب، عنده تكذيب جزم بالتكذيب، وبعض المنافقين مرة يصدِّق ومرة يكذِّب، الإيمان يأتي مرة ويخبو مرة ويظهر مرة أخرى؛ ولهذا ضرب الله لهم مثل: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ﴾[البقرة:17] (13:39)؛ فالإيمان عندهم يخبو ويظهر، بعض المنافقين، فلا بد من اليقين في قول هذه الكلمة، اليقين المنافي للشك والريب، يقول عن يقين، تيقن أن الله هو المعبود بالحق وأن كل معبودٍ سواه فهو معبود بالباطل، كما قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾[الحج:62].

الشرط الثالث: الإخلاص المنافي للشرك؛ يقولها بإخلاص، بمعنى: أن يقول هذه الكلمة ولا يقع في أعمال الشرك؛ لأنه إذا وقع في أعمال الشرك انتقضت هذه الكلمة –في هذا الإخلاص- فإذا قال: "لا إله إلا الله" ثم دعا الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله، أغثني. أو دعا البدوي، أو دعا الدسوقي، أو ابن علوان، أو نفيسة، أو الحسين، أو العيدروس، أو النجم، أو القمر، أو الشمس، أو الأشجار والأحجار، أو الجن، بطلت هذه الكلمة، انتقضت هذه الكلمة، لماذا؟ ذهب الإخلاص، ما قالها بإخلاص؛ فلا بد من الإخلاص المنافي للشرك، فإن وقع في أمره شِرك بطلت هذه الكلمة، أو مثلًا: سب الله أو سب الرسول -عليه الصلاة والسلام- أو سب دين الإسلام أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه، انتقضت هذه الكلمة في هذا الإخلاص، أو أنكر أمر بمعروف من الدين بالضرورة وجوبه؛ كأنه ينكر وجوب الصلاة، أو ينكر وجوب الزكاة، أو وجوب الحج، أو وجوب الصوم، أو وجوب بر الوالدين، أو وجوب صلة الأرحام، أو ينكر أمر معلوم من الدين بالضرورة تحريمه؛ كأن ينكر تحريم الزنا أو تحريم الربا أو تحريم الخمر أو تحريم الرشوة أو تحريم عقوق الوالدين أو تحريم قطاعة الرحم أو تحريم قتل النفس بغير حق، فيكون مرتدًا بذلك، فتنتقض عليه هذه الكلمة ويزول الإخلاص، لا بد أن يقولها عن إخلاص، عن إخلاص بحيث لا يقع في عمله شرك ولا ناقض من نواقض الإسلام؛ فإن وقع في عمله شرك قولي أو اعتقادي أو عملي بطلت هذه الكلمة، مثل: لو سجد للصنم بطلت هذه الكلمة، أو اعتقد أن لله صاحبة أو ولدًا أ أو أن لله شريك أو أنكر ملكًا من الملائكة أو أنكر كتابًا من الكتب المنزلة أو رسول من الرسل أو أنكر البعث أو الجنة أو النار أو الجزاء والحساب بطلت هذه الكلمة، زال الإخلاص.

الشرط الرابع: الصدق المانع من النفاق؛ يقولها عن صدق بمعنى: أنه يقولها بلسانه ويصدقها بقلبه، اللسان ينطق والقلب يصدق، الصدق المانع من النفاق؛ فإن قالها بلسانه وكذَّب بها بقلبه أو شك فإنها لا تنفع هذه الكلمة؛ لأنه ليس عنده صدق، ما قالها عن صدق، قالها عن كذب، كما قال الله تعالى عن المنافقين: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾[البقرة:8] أثبت لهم الإيمان باللسان ونفى عنهم الإيمان بالقلب، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾[البقرة:8]، وقال سبحانه: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾[المنافقون:1] فهم يشهدون بألسنتهم وقلوبهم مكذِّبة، شهد الله أنهم كاذبون.

الشرط الخامس: المحبة المنافية للبغض، المحبة لهذه الكلمة، المحبة لهذه الكلمة ولأهلها، المحبة المنافية للبغض، كون المحبة في كلمة التوحيد ولأهل التوحيد، فلا يبغضهم من يواليهم وينصرهم ويؤيدهم ويحبهم، يحب هذه الكلمة ويحب أهلها ويواليهم وينصرهم ويؤيدهم، المحبة المنافية للبغض.

السادس: الانقياد المنافي (18:00) الانقياد بحقوقها، الانقياد بحقوق هذه الكلمة، يقولها عن انقياد، يقول: "لا إله إلا الله" بلسانه وينقاد قلبه بالإتيان بحقوقها، وهي الأعمال الواجبة طاعةً لله وابتغاء مرضاته، حقوق هذه الكلمة ما هي؟ أداء الواجبات وترك المحرمات، حقوق هذه الكلمة: الصلاة من حقوقها، والصوم، والزكاة، والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، ومن حقوقها: ترك المحرمات، الذي أعظمها وأغلظها الشرك، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، والعدوان على الناس في دمائهم أو أموالهم أو أعراضهم، من حقوقها: ترك التعامل بالربا، وترك الرشوة، وترك الزنا، ترك الغيبة والنميمة؛ كل هذه من حقوق هذه الكلمة، الانقياد لحقوق هذه الكلمة، فإذا قال فقط بلسانه ولكن ما ينقاد بحقوقها، ما يعمل أي شيء من الواجبات ولا تركه المحرمات فهو مستكفر، ما ينقاد، فهو مثل: إبليس؛ إبليس مصدقٌ بقلبه لكنه لا يعمل؛ لأنه غير منقاد بحقوق الإيمان والتوحيد، مستكفر، وكذلك فرعون، لا بد من الانقياد بحقوقها.

السابع: القبول المنافي للترك، فقد يقولها بعض الناس ولكن لا يقبلها ممن دعاه إليها تعصبًا وتكبرًا، فلا بد من القبول المنافي للترك، يقبل هذه الكلمة ممن دعوه إليها ولا يتعصب ولا يتكبَّر.

وزاد بعضهم شرطًا ثامنًا: وهو الكفر بما يعبد من دون الله، طبعًا في حديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قال: «من قال: "لا إله إلا الله" وكفر بما يعبد من دون الله حرُم ماله ودمه وحسابه على الله -عَزَّ وَجَل» لا بد من الكفر بما يعبد من دون الله، قال الإمام المجدد/ محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللّهُ تَعَالَى- على هذا الحديث «من قال: "لا إله إلا الله" وكفر بما يعبد من دون الله» المسائل في كتاب التوحيد وهذا من أعظم ما يبيِّن هذه الكلمة -كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"- فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- لم يجعل التلفظ بكلمة التوحيد عاصمًا للدم والمال، لم يجعل التلفظ بها عاصمًا للمال، بل ولا معرفة معناها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يعبد إلا الله، بل لا يحرم من ماله ودمه حتى يضاف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو توقف لم يحرم بأعماله ودمه، فيا لها من مسألةٍ ما أجلها وأعظمها! ويا له من بيانٍ ما أعظمه وحجةٍ ما أقطعها (20:52)!

إذن.. لا يكفي التلفظ بكلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، ولا يكفي أيضًا معرفة معناها، ولا يكفي أيضًا الإقرار بذلك في القلب، ولا يكفي كونه لا يعبد إلا الله؛ بل لا بد ضمن ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، يعني إذا نطق الإنسان "لا إله إلا الله" هل يكفي في إيمانه؟ فهو ما يكفي، طيب.. إذا قال: أنا أنطق بها وأعرف معناها؛ أعرف أن معناها: لا معبود بحق إلا الله؟ نقول: لا يكفي أيضًا. طيب.. أنا أقر بذلك بقلبي وأصدق. نقول: لا يكفي ذلك، وإذا قال: أنا لا أعبد إلا الله، نقول: لا يكفي ذلك، حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يُعبد من دون الله، تكفر بما يعبد من دون الله.

والكفر بما يعبد من دون الله ما معناه؟ البراءة من كل معبودٍ سواه، أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتكفِّر أهلها وتعاديهم، هذا هو الكفر بما يعبد من دون الله.

ما معنى الكفر بما يعبد من دون الله؟ أن تعتقد بطلان عبادة غير الله، اليهود.. تعتقد بطلان عبادة اليهود، تعتقد بطلان عبادة النصارى، تعتقد بطلان عبادة المجوس، تعتقد بطلان عبادة الوثنيين، كل من يعبد شيءٍ من دون الله تعتقد بطلان عبادته، ولا بد مع هذا الاعتقاد أن تتركها عنه، لو اعتقد بطلان العبادة من دون الله ثم شاركهم ما يخلو! لا بد أن يعتقد بطلان العبادة لغير الله ثم يتركها، ولا بد أن يبغضها أيضًا بقلبه، ولا بد أن يبغض أهلها؛ يبغض اليهود والنصارى والوثنيين، ولا بد أن يكفر أهلها ويعتقد أنهم كفار، تعتقد أن اليهود كفار، تعتقد أن النصارى كفار، تعتقد أن المجوس كفار، لا بد من هذا، بعض الناس يقول: أنا أعبد الله ولا أقول في اليهود والنصارى شيء، أقول: هم على دين. نقول له: ما يكفي أنك تصير مؤمن؛ حتى تعتقد كفرهم، لا بد تعتقد أنهم كفار، تكفرهم.

ولهذا من نواقض الإسلام: أن مَن لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صح مذهبهم فهو كافرٌ مثلهم، من لم يكفر المشركين واليهود والنصارى، من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صح على مذهبهم فهو كافر مثلهم، فالشخص الذي يقول: "لا إله إلا الله" لكنه يقول: أنا ما أكفر اليهود والنصارى، هم على دين، يمكن يكونوا على دين حق. نقول: بطلت كلمة "لا إله إلا الله" عندك، ما كفرت بالطاغوت، قال: كيف أكفر بالطاغوت؟ نعم، تكفر الطاغوت تعتقد بطلان عبادة غير الله وتكفِّر من عبد غير الله، وأنت ما كفرت اليهود والنصارى، يقول: ما أدري، ما كفرتهم! إذن.. ما كفرت بالطاغوت، فأنت مؤمن بالطاغوت فلا تكون موحدًا ولا مؤمنًا، لا بد أن تعتقد بطلان عبادة اليهود والنصارى وبطلان دينهم وأنهم على دينٍ باطل وأنهم كفار، ولا بد أن تبغضهم وتعاديهم وتكفرهم، لكن لا يلزم من كونك تكفرهم وتعاديهم إنك تقتلهم! لا، هذا شيء آخر، في المعاملة شيء آخر، أن تعتقد أنهم كفار وتبغضهم وتعاديهم وتعتقد أنهم على دين باطل، لكن دماءهم معصومة وأموالهم معصومة، الكفار على أقسام، قسم محاربٌ لنا، القسم المحارب مثل: اليهود، هؤلاء دماؤهم حلال وأموالهم حلال، إذا وجدت يهودي يحارب المسلمين فدمه حلال وماله حلال، لكن أهل الذمة ومن دخل في بلاد المسلمين له عهد أو دخل بأمان أو دخل بكفالة أو مستأمن؛ هؤلاء دماءهم معصومة وأموالهم معصومة «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة» مع كونك تكفرهم وتبغضهم وتعاديهم لكن في المعاملة شيء آخر، تعاملهم ويمكن أن تبغضهم، أنت تبغضهم وتعاديهم وتكفرهم لكن تعاملهم معاملةً حسنة، قال الله تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[الممتحنة:9].

وقد ثبت في الصحيحين: أن أسماء بنت أبي بكر جاءت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وقالت: يا رسول الله، إن أمهات جاءت إليها في الهدنة التي بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وبين قريش راغبة وهي على دين قومها، أفأقتلها؟ قال: «نعم، اقتلي أمكِ»؛ فالصلة والإحسان شيء آخر، والبغض شيء آخر، حتى الوالدان؛ الوالدان الكافران لا يحبهما الإنسان محبة دينية ولا يطيعهم في الشرك، لكن مع ذلك صاحبهما في الدنيا معروفًا، كما قال الله تعالى في الوادي(26:00) للكافرين: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا﴾[لقمان:15]، ثم قال: ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾[لقمان:15] حتى ولو كان الوالد، يعني: تصاحبه، تُحسن إليه، تطعمه، تسقيه، تنفق عليه، تعامله تتلطف معه، وتدعوه إلى الله، ولا (26:18) عن الكفر، ولا تطيعه في الشرك، ولا تتبعه فيه، فهذه شروط لا بد منها.

هذه الأنواع الثلاثة التي قسمها العلماء: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، من العلماء كشيخ الإسلام/ ابن تيمية وابن القيم قسَّموا التوحيد إلى قسمين، وجعلوهما قسمان، جعلوا توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات قسم واحد، وسموه: التوحيد في المعرفة والإثبات، وقالوا: هذا التوحيد هو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله، هذا نوع واحد، وهذا هو الأصل؛ الأصل: أنهما نوعٌ واحد يتعلق بالرب وذاته وأسمائه وصفاته، التوحيد في المعرفة والإثبات؛ فهو إثبات حقيقة ذات الرب وأسمائه وصفاته وأفعاله، ويسمى "التوحيد العلمي"، ويسمى "التوحيد الاعتقادي"، وهو توحيدٌ واحد، دلَّ عليه سورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص:1]، ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ﴾[البقرة:136] الآية، وآخر سورة "الحشر": ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾[الحشر:22].

هذا التوحيد هو معرفة الإثبات، إثباته، وهو إثبات حقيقة ذات الرب وأسمائه وصفاته وأفعاله، ويقال: التوحيد الاعتقادي، ويقال: التوحيد القولي، وهذا هو الأصل؛ الأصل: أنه توحيدٌ واحد، يتعلق بذات الرب وأسمائه وصفاته وأفعاله، لكن لما كثُر الجدل حول الأسماء والصفات وأُثير حوله من اختلاف فُصِل الأسماء والصفات، وصار قسم مستقل، جعله المتأخرون قسم مستقل، ومن ذلك الإمام/ محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللّهُ- وإلا في الأصل أنه واحد، إثبات الحقيقة لذات الرب وأسمائه وصفاته وأفعاله.

والنوع الثاني: التوحيد في الطلب والإرادة والقصد، وهو توحيد الألوهية، يقال له: توحيد الألوهية، ويقال له: توحيد العبادة، ويقال له: التوحيد الإرادي، ويقال له: التوحيد الطلبي، ويقال له: التوحيد الفعلي، وهو توحيد الألوهية، ولو (28:39) الاصطلاح، فشيخ الإسلام وابن القيم قسموا التوحيد إلى قسمين: التوحيد في المعرفة والإثبات، وتوحيدٌ في الإرادة والطلب والقصد، وشيخ الإسلام/ محمد بن عبد الوهاب ومن جاء بعده قسموا إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، والمعنى واحد.

وهذه الأقسام –أقسام التوحيد الثلاثة- متلازمة، لا ينفك بعضها عن بعض، ولا يصح إيمان عبد ولا توحيد أي إنسان حتى يؤمن حتى يوحد الله بهذه الأنواع الثلاثة كلها، لا يصح التوحيد حتى توحد الله بالربوبية، وحتى توحد الله بالألوهية، وحتى توحد الله بالأسماء وصفاته، ولا يكفي بعضها عن بعض؛ فمن وحد الله في الربوبية ولم يوحده في الألوهية لم يصح إيمانه.

ولهذا فإن المشركين وحدوا الله في الربوبية، مشركو قريش وحدوا الله بالربوبية، ما هو الدليل؟ قول الله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[الزخرف:87]، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[لقمان:25]، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[العنكبوت:63]، ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾[يونس:31]، ﴿قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾[المؤمنون:84-89]،إذن.. مقرون بهذا، موحدون، وكذلك قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب، ما أنكروا هذا التوحيد، وحدوا الله في ربوبيته؛ لأنه فطري، فطر الله عليه الخلائق، لكن لماذا لم يكونوا مؤمنين؟ لأنهم لم يوحدا الله في الألوهية، أشركوا في الألوهية، أشركوا في العبادة؛ ولهذا كفرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- كفَّر كفار قريش واستحل دماءهم وأموالهم وهم موحدون لله بالربوبية؛ لأنهم لم يوحدوا الله في الألوهية.

وكذلك أيضًا: وحدوا الله في الأسماء والصفات، توحيد الأسماء والصفات أيضًا توحيد فطري، ما أنكروا هذا، لكن وُجد في بعضهم من أنكر اسم "الرحمن" كما قال تعالى: ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾[الرعد:30]، ولكن قد وُجد في بعض أفعالهم إثبات اسم "الرحمن"، قول الشاعر:

وما يشأ الرحمن يعقد ويُطلق

قال الحافظ: لعلَّ البعض أنكرها من باب العناد والجحود والتعنُّف، وإلا فهم في الجملة يوحدون الله بالأسماء والصفات، كما أنهم يوحدون الله في الربوبية، ولكنهم أشركوا في عبادة الله غيره، أشركوا مع الله غيره؛ عبدوا الأصنام والأوثان، عبدوا الأحجار والأشجار؛ فهم مشركون تتنوع عبادتهم؛ منهم من يعبد الأشجار والأحجار، منهم من يعبد الملائكة، منهم من يعبد المسيح، منهم من يعبد النجوم، منهم من يعبد الشمس والقمر، وهؤلاء جميعًا كلهم كفَّرهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-  واستحل دماءهم وأموالهم ولم يفرق بينهم.

إذن.. لا بد من الإيمان بتوحيد الألوهية، وهذه الأقسام الثلاثة متلازمة؛ فتوحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية يلتزم توحيد الألوهية، هذه الأقسام متلازمة، إيش معنى يتضمن يستلزم؟ الدلالات -دلالات الألفاظ- ثلاثة أنواع: دلالة التضمن، ودلالة المطابقة، ودلالة الالتزام، ثلاثة أقسام، ثلاثة أنواع.

فدلالة التضمن: دلالة الشيء على بعض معناه أو جزء معناه.

ودلالة المطابقة: دلالة الشيء على جميع معناه وعلى كل معناه.

ودلالة الالتزام: دلالة الشيء على خارج معناه.

فمن وحد الله في ألوهيته، ففي ضمن ذلك أنه يوحد الله في ربوبيته؛ لأنه إذا عبد الله ووحد الله فضمن ذلك: أنه أقر بأن الله هو الرب الخالق والمدبر، فدلالة الألوهية على توحيد الألوهية وحدها هذه دلالة تضمن، ودلالته على توحيد الربوبية والألوهية دلالة مطابقة، أما دلالة توحيد الربوبية على توحيد الألوهية هذه دلالة التزام، يعني من أقر بأن الله هو الخالق الرازق المدبر لزمه أن يوحده في ألوهيته، لكن ليس كل واحد يلتزم بما التزمه.

ولهذا فإن الله -سبحانه وتعالى- يحتج على كفار قريش في إقرارهم بتوحيد الربوبية، يحتج عليهم ويلزمهم بتوحيده سبحانه في الألوهية؛ لأنهم مقرون، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾[النمل:60-61] احتج عليهم في إقرارهم بتوحيد الربوبية.

﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾[النمل:62]، ﴿أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾[النمل:64]، يحتج عليهم في إلزامهم بتوحيد الألوهية بإقرارهم بتوحيد الربوبية؛ فتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، يعني يلزم كل من أقر بتوحيد الربوبية أن يعبد الله ويوحده، وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية بمعنى: أن من وحد الله في عبادته ففي ضمن ذلك إقراره بالربوبية وتوحيده لله في ربوبيته، هذا معنى قول المؤلف -رَحِمَهُ اللّهُ-: (ولا ريب أن توحيد أن توحيد الربوبية لم ينكره المشركون).

(لا ريب) لا شك، يقول (لا ريب) بمعنى: لا شك، فالمؤلف يقول: لا شك أن توحيد الربوبية لم ينكره المشركون، فعرفنا الدليل، الآيات: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ﴾[الزخرف:87] ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ﴾[لقمان:25]، كلها دليل على أن المشركين لا ينكرون توحيد الربوبية؛ ولهذا قال المؤلف -رَحِمَهُ اللّهُ-: (ولا ريب أن توحيد الربوبية لم ينكره المشركون؛ بل أقروا بأنه سبحانه وحده خالقهم وخالق السموات والأرض والقائم بمصالح العالم كله)، هذا هو توحيد الربوبية، هذا خبر بأن الله هو الخالق، وهذا خبر بأنه خالق السموات والأرض، وهذا الخبر بأن الله هو القائد بمصالح العالم كله.

قال المؤلف -رَحِمَهُ اللّهُ-: (وإنما أنكروا توحيد الإلهية والمحبة)، هذا هو الذي أنكروه (أنكروا توحيد الإلهية)، الإلهية توحيد العبادة والمحبة، قال الله تعالى في سورة "ص": ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾[ص:4-5]، تعجبوا منها، قالوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾[ص:5]، يعني: ما في  إلا إله واحد! ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (6) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ﴾[ص:5-6]، يُصبِّر بعضهم بعضًا، يوصي بعضهم بعضًا بالصبر على الآلهة، هم يعترفون بأنها لا تخلق ولا ترزق ولا تسبب ولا تحيي ولا تميت، لكن يعبدونها لماذا؟ يزعمون أنها تقربهم إلى الله وتشفع لهم عند الله، كما قال الله تعالى عنهم وقالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3]، فقال: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾[يونس:18].

إذن.. الذين أنكره المشركون ما هو؟ توحيد الإلهية والمحبة، والذي أقر به المشركون توحيد الربوبية.

(كما قد حكى الله عنهم في قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾[البقرة:165]) قول (كما حكى الله عنهم) يعني: تكلم الله حكايةً عنهم، وليس هذا من مذهب الكلابية ولا الأشاعرة في شيء، الكُلابية يقولون الكلام معنى قائم بالنفس و(37:37) حكاية عن كلام الله، والأشاعرة يقولون: الكلام معنى قريب بالنفس يقولون: هو من أصوات عبارة، ليس المراد هذا، المراد (حكى الله عنهم) يعني: تكلم الله حكايةً عنهم، وهذه العبارة ترد في كلام الأئمة، كلام البخاري، شيخ الإسلام/ ابن تيمية وابن القيم (حكى الله عنهم) يعني: تكلم الله عنهم حكايةً عنهم.

(كما قد حكى الله عنهم في قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾[البقرة:165]) إذن.. أخبر الله عنهم أنهم أشركوا في توحيد الإلهية والعبودية، قال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا﴾[البقرة:165]، (أندادًا) يعني: أمثالًا ونظراء.

﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ تفصيل في معنى ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾، قيل معناه: يحبونهم كما يحبون الله، يعني هؤلاء المشركين يتخذون أنداد يحبونهم مثل محبتهم لله، ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ يحبونهم كما يحبون الله، فعلى هذا يكون المشركون ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165] فيكون المشركون في هذا يحبون الله ويحبون الأنداد؛ فهم يحبون الأنداد من ضمن محبتهم لله.

ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165]، والذين آمنوا أشد حبًّا لله من محبة المشركين لله، لماذا؟ لأن محبة المشركين مشتركة بين الله وبين الأنداد، ومحبة المؤمنين خالصة، والمحبة الخالصة أشد من المحبة المشتركة، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165].

وقيل المعنى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ﴾ كما يحب المؤمنين الله، هذا معنى آخر.

المعنى الأول: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ﴾ يحبون أندادهم كما يحبون الله.

والمعنى الثاني: يحبونهم كما يحبوا المؤمنون الله.

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ قيل المعنى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ من محبة المشركين لله، وقيل المعنى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ من محبة أهل الأنداد لأندادهم، قولان.

فهذه الآية فيها إثبات أنهم أشركوا في توحيد الألوهية والعبادة، توحيد الألوهية والمحبة، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ ﴾[البقرة:165] يعني: محبة العبادة ومحبة التعظيم والذل والخضوع، وليس المراد المحبة الطبيعية.

المحبة أقسام:

في محبة طبيعية، مثل: محبة المال والولد والصديق، هذه محبة طبيعية ليس فيها شيء، محبة المال إذا لم يفسده عن طاعة الله، محبة الصديق، وقسمها العلماء أقسام: في محبة رحمة وإشفاق؛ كمحبة الوالد لولده، ومحبة تقدير وإجلال؛ كمحبة الولد لوالده، ومحبة طبيعية؛ كمحبة الجائع إلى الطعام، ومحبة الظمآن للماء، ومحبة أنس وألف؛ كمحبة المشتركين في صناعة أو تجارة أو طلب بعضهم لبعض؛ هذه كلها محبة طبيعية ليس فيها شيء.

الثاني: محبة العبادة ومحبة التعظيم والخضوع والذل، التي تقتضي كمال الخضوع والذل والطاعة والانقياد، هذه محبة العبادة من صرفها لغير الله فقد أشرك.

هناك محبة لله؛ كمحبة الأنبياء والرسل والصالحين، محبتهم لله يعني: تحبهم لأجل الله، فهذه تابعة لمحبة الله، تحب أهل الخير وأهل الصلاح والتقى لله؛ لكونهم مستقيمين على طاعة الله، يحب ما يحبه الله من شخصٍ أو فعلٍ أو حكم، وتكره ما يكرهه الله من شخصٍ أو فعلٍ أو حكمٍ، هذه المحبة لله، ومن أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله، تحب المستقيم على طاعته لاستقامته ولو كان أبعد الناس، وتبغض العاصي ولو كان قريبًا، هذه المحبة لله، فهي محبة الله والمحبة لله وهي المحبة مع الله هذه المحبة الشركية، يحب مع الله غيره هذه محبة الأنداد لأندادهم.

إذن.. المحبة أقسام، هي محبة العبادة والطاعة محبة الله تشمل الذل والخضوع، والمحبة لله أي: تابعة لمحبة الله؛ كمحبة الصالحين والأنبياء والرسل، ومحبة مع الله هذه المحبة الشركية، ويجعل المحبة الطبيعية بأقسامها لا تدخل في هذا، وإذا قدَّم محبة الله... إذا قدَّم محبة شيء من الدنيا على محبة الله فإنه يكون عاصيًا، إذا قدَّم مثلًا محبة الآباء أو الأبناء أو الأزواج أو الإخوان أو العشيرة أو الأموال أو التجارات أو المساكن بأن عصى الله، فقدم، فعصى الله، ففات من هذه الأمور بينما يكون عاصيًا، كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾[التوبة:24]  يكون عاصي، يكون مرتكب للكبيرة، ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾[التوبة:24] فهذه هي محبة العبادة، قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165].

قال المؤلف -رَحِمَهُ اللّهُ-: ((فلما سووا غيره به في هذا التوحيد كانوا مشركين))

(سووا غيره به في هذا التوحيد) ما هو التوحيد؟ توحيد العبادة والمحبة، توحيد الألوهية والمحبة، سووا غيره به -أي في الخضوع والذل والطاعة- المحبة، العبادة لها ركنان لا تقوم إلا بهما: كمال الذل، وكمال الحب، إذا اجتمعا صارت عبادة، وإذا انصرف أحدهما فليست بعبادة؛ فقد يحب الإنسان شخص، يحبه لكن لا يخضع له ولا يذل، فلا يكون عابدًا له، وقد يخضع ويذل للظالم أو السلطان، لكن لا يحبه، يخضع له ويذل لجبروته، يذل له ويخضع لكن لا يحبه، وقد يحب شخصًا ولكن لا يخضع له ولا يذل، فإذا اجتمعا حبٌ وذل هذه هي العبادة. قال العلامة/ ابن القيم -رَحِمَهُ اللّهُ-:

وعبادة الرحمن غاية حبه
وعليهما فلك العبادة دائرٌ
ومداره بالأمر أمر رسوله

 

 

مع ذل عابده هما له قطبان
ما دار حتى قامت القطبان

لا بالهوى والنفس والشيطان
 

 

فالعبادة تبدأ بالركنين: غاية الحب مع غاية الذل.

وعبادة الرحمن غاية حبه
وعليهما فلك العبادة دائرٌ

 

 

مع ذل عابده هما له قطبان
ما دار حتى قامت القطبان

 

 

ومدار هذه المحبة والذل ما هو؟ بالأمر.

ومداره بالأمر أمر رسوله
 

 

لا بالهوى والنفس والشيطان
 

 

يعني: امتثال الأمر، والأمر إما أمرٌ بالفعل أو أمرٌ بالترك، افعل، لا تفعل، فأنت تؤدي الأوامر مع غاية الحب وغاية الذل، تصلي لله امتثال لقوله: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ مع غاية الحب وغاية الذل، تؤدي الزكاة مع غاية الحب وغاية الذل، تترك الربا -طاعة الله ورسوله- مع غاية الحب وغاية الذل، تترك الرشوة مع غاية الحب وغاية الذل، تبر والديك مع غاية الحب وغاية الذل.

وعبادة الرحمن غاية حبه
وعليهما فلك العبادة دائرٌ
ومداره بالأمر أمر رسوله

 

 

مع ذل عابده هما له قطبان
ما دار حتى قامت القطبان

لا بالهوى والنفس والشيطان
 

 

قال المؤلف -رَحِمَهُ اللّهُ-: (فلما سووا غيره به في هذا التوحيد كانوا مشركين)، لما سووا –المشركون- لما سووا آلهتهم برب العالمين صاروا مشركين، سووهم بأي شيء؟ سووا المشركون غير الله بالله بأي شيء؟ بالمحبة والتعظيم، الشرك وتسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله؛ فالمشرك سوَّى غير الله بالله، سوى غير الله بالله بأي شيء؟ بالمحبة والتعظيم لا في الخلق والرزق، كما أخبر الله عنهم أنهم قالوا وهم في النار قال الله تعالى: ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الشعراء:94-98].

سووهم بأي شيء؟ في المحبة والتعظيم لا في الخلق والرزق، ما كانوا يخلقون ولا يرزقون، هذا ما سووهم (47:33) اللي هو توحيد الربوبية، لكن سووهم بالمحبة والتعظيم الذي هو توحيد الألوهية، الآيات التي قبلها: ﴿وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ﴾[الشعراء:87-94] في النار، ﴿قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ﴾[الشعراء:96] يختصمون وهم في جهنم -والعياذ بالله- بينهم خصومة ولعن؛ يلعنوا بعضهم بعضًا، ويسب بعضهم بعضًا، كل واحد يقول: أنت الذي أضلني، أنت سبب ضلالي، أنت سبب دخولي النار.

﴿قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾[الشعراء:96-97] اعترفوا بأنهم ضلوا، كما قال الله في الآية الأخرى: ﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾[الملك:11] اعترفوا، قالوا: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الشعراء:97-98]

يقولوا للمعبودات الذين عبدوهم من دون الله، هم صار العابدون والمعبودون في النار كلهم، العابد والمعبود، فصاروا يختصمون، فيقول العابد للمعبود: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾[الشعراء:97] ما وجد هذا؟ قال: ﴿إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الشعراء:98] كيف نسويكم برب العالمين؟! يقول المعبود لعابده من دون الله: كيف نسويكم برب العالمين؟! سووهم بأي شيء؟ في المحبة والتعظيم لا في الخلق والرزق، ما قالوا إنهم يخلقون ويرزقون.

﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾[الشعراء:97-101] ثم تمنوا رجوعهم للدنيا قالوا: ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾[الشعراء:102] يعني: رجعوا إلى الدنيا ﴿فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الشعراء:102] ما يكفي، ما ترجعوا!

قال المؤلف -رَحِمَهُ اللّهُ-: (فلما سووا غيره به في هذا التوحيد) الذي هو توحيد المحبة والإلهية (كانوا مشركين) كما قال الله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾[الأنعام:1]، فسر المؤلف وما معناها: يسوون غيره به ﴿يَعْدِلُونَ﴾، قال: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾[الأنعام:1] أي: يسوون غيره به، يسوون غيره به بأي شيء؟ في المحبة والتعظيم.

وقال الله تعالى: ﴿وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾[الأنعام:150]، ما معنى ﴿يَعْدِلُونَ﴾؟ يسوون غير الله بالله في المحبة والتعظيم.

يجب العناية بالتوحيد، وما يسلكه بعض الجماعات من كونهم لا يهتموا بالتوحيد ويهتمون بالأعمال الخيرية بزعمهم، هذا غلطٌ عظيم، الواجب: العناية بالتوحيد؛ لأنه أهم المهمات وأفرض الفرائض، فواجب العناية بالتوحيد، يجب العناية بالتوحيد، كون الأعمال الخيرية؛ الأعمال الخيرية مبنية على التوحيد، العمل الخيري بدون توحيد ما ينفع، المشرك لو عمل أعمالًا خيرية وما وحد الله ما نفعه، إذا عمل أعمالًا خيرية يُطعم بها طعمة في الدنيا، يجازى بها صحةٍ في بدنه ووفرةٍ في ماله ويأتي للآخرة ولا حسنة له، لكن المؤمن يخلف الله عليه في الدنيا ويعقبه خيرًا في الآخرة، لا بد من العناية بالتوحيد، (50:48) لا ينبغي أن يكون في الجماعة ولا عمل خيري بدون عناية بالتوحيد.

((وقد علَّم الله -سبحانه وتعالى- عباده كيفية مباينة الشّرك في توحيد الإلهيَّة، وأنه تعالى حقيقٌ بإفراده وليًّا وحكمًا وربًّا، فقال –تعالى-:  ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾[الأنعام:14]، وقال: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا﴾[الأنعام:114]، وقال: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا﴾[الأنعام:164]، فلا وليَّ ولا حَكَمَ ولا ربَّ إلا الله، الذي من عدل به غيره فقد أشرك في ألوهيَّته ولو وحَّد ربوبيَّته))

يقول المؤلف -رَحِمَهُ اللّهُ-: (وقد علَّم الله -سبحانه وتعالى- عباده كيفية مباينة الشّرك في توحيد الإلهيَّة) يعني: الله –تعالى- علمهم كيف يباينون الشرك في توحيد الإلهية ويبتعدون، بأن يفرد الله -سبحانه وتعالى- بالمحبة والتعظيم والحُكم والربوبية، لا بد من هذه المباينة؛ ولهذا لما لم يباين المشركون الشرك في توحيد الألوهية صاروا كفارًا (52:36) وأموالهم، صاروا (52:38)، الله –سبحانه- علَّم عبادة كيف مباينة الشرك في توحيد الألوهية، وذلك بأن يوحدوا الله ويفردوه بالمحبة والإلهية والتعظيم والإجلال والخوف والرجاء والرغبة والرهبة والإنابة؛ فالله هو الإله، الله هو الإله هو الاسم الجامع الذي منه صفة الكمال ونعوت الجلال، والله هو الإله الذي تألهه القلوب محبةً وإجلالًا وخوفًا وتعظيمًا ورجاءً ورغبةً ورهبةً وتوكلًا، فلا بد من مباينة الشرك في توحيد الإلهية كما علَّم الله –سبحانه- عباده بأن يقولوا "لا إله إلا الله"؛ قول "لا إله إلا الله" فيه مباينة الشرك في توحيد الإلهية والعبادة، إذا قال المسلم: "لا إله إلا الله" فقد باين الشرك في توحيد الألوهية، تبرَّأ من الشرك، فخرج من الشرك؛ ولهذا لما سمع النبي المؤذن كما ثبت في صحيح مسلم يقول: "الله أكبر" قال: «الله أكبر» قال: "لا إله إلا الله" قال: «خرجت من النار»، الله سبحانه علَّم عباده كيف مباينة الشرك في توحيد الإلهية، وأن يوحدوا الله في الألوهية في المحبة والتعظيم والإجلال والخشية والرغبة والرهبة، فلا يشركوا معه أحدًا في غيره.

قال: (وأنه تعالى حقيقٌ) يعني جدير وأهل بإفراده وليًا، والولي ضد العدو، فوَّلى الله، (حقيقٌ) بإفراده وليًا، المسلم يتولاه ربه ولا يتولاه غيره، وحكمًا؛ فهو الحكم سبحانه وتعالى وإليه الحكم وهو يحكم بين عباده، من أسمائه "الحكم"، وهو يحكم بين عباده في الدنيا بشرعه الذي أنزله في كتابه وعلى لسان رسوله، ويحكم بين عباده بحكمه القدري؛ يقدِّر عليهم سبحانه وتعالى ما يشاء، ولا أحد يمتنع من حكمه القدري، إذا حكم على أحد بالموت ما يستطيع ينفذ عن الموت، حكم على أحد بالفقر ما يستطيع يكون غني، حكم عليه بالغنى ما أحد يفقره، حكم عليه بالعزة ما أحد يذله، حكم عليه بالذل ما أحد يعزه؛ فهو –تعالى- يحكم بين عباده بحكمه الشرعي في الدنيا وبحكمه القدري وبما قدره على عباده، وبحكم (55:20) يوم القيامة يحكم بين عباده، يجازيهم على أعمالهم، إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر؛ فهو تعالى (حقيقٌ بإفراده وليًا وبإفراده حكمًا)، حاكم إلى شرع الله، الله تعالى ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[النساء:65].

فمن تحاكم إلى القوانين الوضعية لم يفلت ربه الحُكم، ما اتخذ الله حكمًا بل اتخذ غيره حكمًا، فلا بد من إفراده بالولاية يتولَّ الله ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾[المائدة:56]، لا بد من إفراده وليًا وإفراده حكمًا وربًّا، كما أنك تفرده بالربوبية ولا رب غيره، تفرده كذلك بالولاية؛ فلا تتول غير الله ورسوله والمؤمنين؛ كذلك تفرده بالحكم؛ فلا تتحاكم لغير شرعه، هذا هو المعتبر، (وأنه تعالى حقيق) يعني: جدير وأهل (بإفراده وليًّا وحكمًا وربًّا) فقال تعالى: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾، إنكار؛ لأن لا يمكن أن يتخذ غيره وليًّا.

(وقال: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا﴾) هل أنت حاكم إلى غير شرع الله؟! (﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا﴾)، (وقال: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا﴾) في الآية الأخرى: ﴿ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾[الكهف:26] فالحكم لله في الدنيا وفي شرعه الذي أنزله، وفي الآخرة بالجزاء يحكم بين عباده بنفسه سبحانه وتعالى، وبحكمه القدري الذي يقدره على عباده ولا أحد يمتنع.

(﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا﴾)؛ فالله تعالى حاكمٌ بإفراده وليًّا وحكمًا وربًّا، (﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا﴾)، (﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا﴾)، (﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾)؛ فلا ولي إلا الله، ولا رب إلا الله، ولا حكم إلا لله؛ ولهذا قال: (فلا وليَّ ولا حَكَمَ ولا ربَّ إلا الله)، لا ولي للمؤمن إلا الله، ولا حكم إلا الله يحكم بشرع الله، ولا رب إلا الله الذي من عدل به غيره فقد أكفأ في ألوهيته ولو وحده في ربوبيته، من عدل بالله غيره فاتخذ غيره وليًّا أو اتخذ غيره حكمًا فقد أشرك في ألوهيته في العبادة، ولو وحَّده في ربوبيته، من عدل به غيره في الحكم، تحاكم أو المحبة أو التعظيم فقد أشرك في ألوهية الله ولو وحَّده في ربوبيته.

 

((فتوحيد الربوبيّة هو الذي اجتمعت فيه الخلائق مؤمنها وكافرها، وتوحيد الإلهيّة مفرق الطرق بين المؤمنين والمشركين؛ ولهذا كانت كلمة الإسلام: "لا إله إلاّ الله"، فلو قال: لا ربّ إلاّ الله لما أجزاه عند المحققين)).

يقول المؤلف: (فتوحيد الربوبيّة هو الذي اجتمعت فيه الخلائق مؤمنها وكافرها) يعني: كلهم مقرون بتوحيد الربوبية، الوثنيون مقرون بتوحيد الربوبية، واليهود مثلًا مقرون بتوحيد الربوبية، والنصارى قد لا يقرون بتوحيد الربوبية؛ لأنهم قالوا بالتفريق، وكذلك المجوس، لكن أكثر الخلائق اجتمعوا على توحيد الربوبية مؤمنها وكافرها؛ لأنهم يقرون بأن الله هو رب الخلائق، حتى الذين قالوا بتعدد...، ومثلما النصارى الذين قالوا بالتفريق ما قالوا إنها مستوية، قالوا: إن الأب والابن روح القدس إلهٌ واحد، ولكن الأب هو الإله الأكبر وهو خالق السموات والأرض. وكذلك المجوس الذين قالوا بالنور والظلمة يقولون: النور هو الإله المحمود والظلمة الشريرة، وتنازعوا في قدمها.

إذن.. توحيد الربوبية يقولون: هو الذي اجتمعت فيه الخلائق مؤمنها وكافرها، كلهم أقروا به، وفرعون مقرٌ في الباطل بتوحيد الربوبية، كما قال الله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾[النمل:14]، ولكنه كان مشركًا في الألوهية، قيل في قوله تعالى: ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾[الأعراف:127] قيل: إن فرعون كان يعبد عجلًا في السر.

إذن.. توحيد الربوبية هو الذي اجتمع فيه الخلائق؛ مؤمنها وكافرها أقروا به، وأما توحيد الألوهية فهو مفرق الطوق بين المؤمنين والمشركين، مفترق الطرق.

مفترق الطرق ما هو؟ توحيد الإلهية، قسم الناس إلى شقيٍّ وسعيد؛ فمن وحد الله في ألوهيته فهو مؤمن، ومن أشرك في ألوهيته فهو الكافر، وأما توحيد الربوبية فالجميع اتفقوا عليها، اتفق... اجتمعوا عليه الخلائق مؤمنها وكافرها، لكنه لا يكفي في سعادة العبد، ولا في نجاته ولا فيه دخوله في الإسلام، لا بد من توحيد الألوهية.

ولذلك قال المؤلف -رَحِمَهُ اللّهُ-: (وتوحيد الإلهية مفرق الطرق بينه وبين المشركين)؛ ولهذا كانت كلمة الإسلام "لا إله إلا الله" سبق أن معناها: لا معبود حقٌ إلا الله، وإعراب هذه الكلمة "لا إله": "لا" نافية للجنس، من أخوات إن تنصب الاسم وترفع الخبر، "إله" اسمها، وإله اسم الجنس، والخبر محذوف تقديره "لا إله" والإله معناه المعبود، والخبر محذوف تقديره "حقٌّ إلا الله"، والاسم الشريف بدل من الخبر المحذوف، تقديره: "لا إله حقٌّ إلا الله"، لا معبود بحق إلا الله، كلمة إله في الجنس يُطلق على الله وعلى غيره، لكن إذا جاءت الـ الصواب: أنه خاص بالإله؛ ولهذا يقال: عبد الإله، الإله الـ خاص بالله، كما أن الرب بالـ خاصٌ بالله، الرب هو الله والإله هو الله، أما إذا حذفت الـ قلت: إله صارت الجنس عام، يشمل الإله الحق والإله الباطل، وكذلك رب: رب الدار، ورب الإبل، لكن الرب بالـ خاصٌ بالله، هذا يُعبر قال: عبد الرب، وقال: عبد الإله.

قال المؤلف -رَحِمَهُ اللّهُ-: (ولهذا كانت كلمة الإسلام "لا إله إلا الله") والإله معناه: المعبود.

(فلو قال: لا رب إلا الله لما أجزاه عند المحققين)، لو قال: لا رب إلا الله ما أجزأ، ما وحد الله في توحيد الربوبية، وحد الله في توحيد الربوبية لكن ما وحده في الألوهية فلا يكفي، ما خرج من الكفر، لو قال: لا رب إلا الله أو قال: لا خالق إلا الله، هل يجزئه؟ هل يكون موحد؟ ما يكون موحد؛ لأن المشركين يقولون: لا رب إلا الله، ويقولون: لا خالق إلا الله.

وقد غلط بعض الصوفية وبعض أهل الكلام من أمثالهم وغيرهم في تفسير الإله في الخالق؛ قال بعضهم: معنى لا إله إلا الله: لا خالق إلا الله، والبعض قالوا المعنى: الإله هو القادر على الاختراع. وهذا باطل، لو كان معنى "لا إله إلا الله" لا خالق إلا الله لكان كفار قريش مشركين، والصوفية، وكذلك الفلاسفة، وكذلك بعض أهل الكلام، وبعض المتكلمين؛ كلهم غلطوا في تفسير هذه الكلمة -معنى كلمة التوحيد- ولم يفسروا الإله بالمعبود وإنما فسروه بالخالق، فغلطوا ولم يتجاوز توحيد الربوبية، توحيد الصوفية وتوحيد الفلاسفة وتوحيد أهل الكلام ما تجاوز توحيد الربوبية، يعني وصلوا إلى ما وصل إليه كفار قريش، ما زادوا على ذلك، وللأسف يبين عورة هذه الكلمة –كلمة التوحيد- وأنها تنفي الشرك وتخرج الإنسان من دائرة الشرك إلى دائرة الإسلام إلا إذا فُسِّر الله في المعبود، "لا إله إلا الله": لا معبود حق إلا الله، كلمة التوحيد تنفي الشرك، لا معبود حقٌ إلا الله.

 

((فتوحيد الألوهيّة هو المطلوب من العباد؛ ولهذا كان أصل "الله" الإله، كما هو قول سيبويه، وهو الصحيح، وهو قول جمهور أصحابه إلاّ من شذّ منهم)).

وهذا الكلام منقول من [بدائع الفوائد] للإمام/ ابن القيم -رَحِمَهُ اللّهُ، يقول: (فتوحيد الألوهية هو المطلوب من العباد) يعني كله، المطلوب من العباد: أن يوحدوا الله وأن يفردوه بالعبادة؛ لأن الله خلقهم لذلك، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]، وبذلك أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[النحل:36].

إذن.. توحيد الألوهية هو المطلوب من العباد؛ لأن الله خلقهم لذلك، وأرسل الرسل وأنزل الكتب، ولأجله شرع الجهاد، إذن هذا هو التوحيد المطلوب.

إذن.. التوحيد المطلوب ما هو؟

هو توحيد الألوهية، هو توحيد المحبة، وهذا هو المطلوب من العباد.

وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات مطلوب من العباد لكنهم فُطروا عليه، ما أنكروه، ولذا (1:06:01) كلها مطلوبة، من أشرك في واحدٍ منها لا يكون موحد، لا بد من أن يوحد الله في ربوبيته ويوحد الله في أسمائه وصفاته ويوحد الله في ألوهيته وعبادته، لكن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات توحيدان فطريان، وهما وسيلتان في توحيد الإلهية والعبادة، كيف وسيلتان؟ توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات يعرفك بالله؛ لأنه اسم، توحيد الربوبية والأسماء والصفات هو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله؛ فإذا عرفت ربك وعرفت أنه الخالق وغيره مخلوق وأنه الرب وغيره المربوب وأنه المالك وغيره المملوك وأنه المدبِّر وغيره المدبَّر وأن له الأسماء الحسنى وأن له الصفات العلى وأنه الخالق الرازق المدبر المحيي المميت خالق الخلق له الصفات العظيمة وله النعم العظيمة على عباده، عرفته، حينئذٍ تعبده، كيف تعبد إلهًا لا تعرفه؟! فتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات يعرفك بالله، وتوحيد الإلهية يلزمك بالإتيان بحق هذا المعبود الذي عرفته -هذا الإله الذي عبدته- ولهذا توحيد الربوبية والأسماء والصفات وسيلة إلى توحيد العبادة والألوهية.

إذن.. توحيد الألوهية هو المطلوب من العباد.

قال المؤلف: (ولهذا كان أصل "الله" إله) فحُذفت الهمزة، قال: (أصل "الله" إله) على وجه فِعال، والـ هذه زائدة، معروفة الكلمة الفاء والعين واللام هذا المثال من الكلمات، كتَب على وزن فعَل، فما زاد عنها يكون (1:07:52)، مثلًا: إله على وزن فِعال، الـ هذه زائدة، حُذفت الهمزة فالتقت اللام التي هي عين الكلمة مع اللام الزائدة "الله"، فأصل الكلمة "الإله"، الله – إله – الإله، حُذفت الهمزة فالتقت اللامان -اللام الزائدة واللام التي هي أول الكلمة- (1:08:22) قل الله، الله هو المألوه.

قال ابن عباس: الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، والله هو المألوه الذي تألهه القلوب محبةً وإجلالًا وتعظيمًا وخوفًا ورجاءً؛ ولهذا يقول المؤلف: (كان أصل الله الإله كما هو القول في سيبويه) وهو في الصحيح، وهو قول الجمهور من الأصحاب إلا من شذ.

  

((وبهذا الاعتبار الذي قررنا به الإله وأنه المحبوب، لاجتماع صفات الكمال فيه، كان الله هو الاسم الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العليا، وهو الذي ينكره المشركون))

(وبهذا الاعتبار الذي قررنا به أن الإله) هو المألوه الذي تألهه القلوب، وأنه المحبوب لاجتماع صفات الكمال، كان الله هو الاسم الجامع في جميع معاني الأسماء والصفات العلى، وهو الاسم الجامع الذي فيه صفات الكمال ونعوت الجلال، وهو أعرف المعارف، اسم الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين هو الاسم الجامع في جميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى؛ كلها ترجع إليه، كل جميع الأسماء والصفات ترجع إلى هذا الاسم "الله"، الله هو المألوه الذي تألهه القلوب محبة، المعبود بحق، فبقية الأسماء كلها تأتي صفات الله "الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، الباري" هو المعبود بحق، هذه صفاته، فهذه صفاته وهو المعبود بحق، هو المعبود والمتصف بذاته هو الله، الله هو المتصف بهذه الصفات وهو المعبود بالحق، وهو المحبوب، وهذه صفات الكمال اجتمعت فيه، هو المحبوب والمألوه لاجتماع صفات الكمال فيه؛ ولهذا قال المؤلف -رَحِمَهُ اللّهُ-: (بهذا الاعتبار الذي قررنا به الإله وأنه المحبوب) لماذا؟ (لاجتماع صفات الكمال فيه، كان الله هو الاسم الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى)؛ لأن الإله معناه المألوه، الإنسان (1:10:36) محبةً وإجلالًا وخوفًا وتعظيمًا ورجاءً، وهو المحبوب؛ لأنه الكامل؛ لأنه مستحق العبادة؛ لأنه الرحيم؛ لأنه الرحمن؛ لأنه الخالق؛ لأنه الرازق؛ لأنه المدبر؛ لأنه الرحيم بعباده؛ لأنه القادر على كل شيء؛ لأنه منعم على عباده؛ لأنه خالقهم وموجدهم من العدم، فاجتمعت فيه صفات الكمال، فكان هو مستحق العبادة، فكان سبحانه هو مستحق العبادة لاجتماع صفات الكمال فيه؛ ولهذا كان هذا الاسم هو "الله" هو الاسم الجامع في جميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى، وهو الذي ينكره المشركون؛ فالمشركون أنكروا توحيد العبادة والألوهية، أنكروا أن يوحدوا الله وأن يفردوه بالعبادة.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد