شعار الموقع

شرح كتاب تجريد التوحيد_6

00:00
00:00
تحميل
74

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أمَّا بعد...

قال المؤلف-رحمه الله تعالى-: ((وشرك الأمم كله نوعان: شركٌ في الإلهية، وشركٌ في الربوبية، الشرك في الإلهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك، وهو شرك عُبَّاد الأصنام، وعُبَّاد الملائكة، وعُبَّاد الجن، وعُبَّاد المشايخ، والصالحين الأحياء والأموات، الذي قالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3]، ويشفعوا لنا عنده، وينالنا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قربٌ وكرامة، كما هو المعهود في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى لمن يخدُم أعوان الملك وأقاربه وخاصته، والكتب الإلهية كلها من أولها إلى آخرها تُبطل هذا المذهب وتردُّه وتُقبِّح أهله، وتنصُّ على أنهم أعداء الله تعالى، وجميع الرسل -صلوات الله عليهم- متفقون على ذلك من أولهم إلى آخرهم، وما أهلك الله تعالى من أهلك من الأمم إلا بسبب هذا الشرك ومن أجله)).

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد...

قال المؤلف -رَحِمَهُ الله تَعَالَى- في الجملة السابقة: (وحقيقة القول في المجوسية القدرية أنه تعالى ليس ربًّا لأفعال الحيوان ولا تتناولها ربوبيته إذ كيف يتناول ما لا يدخل تحت قدرته ومشيئته وخلقه).

المؤلف يبين في هذا أن قول القدرية المجوسية، سموا مجوسية نسبةً إلى المجوس، المجوس يقولون بخالقين:

خالق للخير.

وخالق للشر.

خالق الخير النور وخالق الشر الظلمة.

والقدرية يقولون: بخالقين كل واحد يخلق فعل نفسه، فنُسبوا إلى المجوس؛ لاتفاقهم مع المجوس في القول بتعدد الخالق؛

فالمجوس يقولون: الخالق متعدد (خالقان: خالق للخير وخالق للشر).

والقدرية يقولون: الخالق متعدد (كل واحدٍ يخلق فعل نفسه).

قال العلماء: وقول القدرية أردأ من قول المجوسية، من جهة أن المجوس ما أثبتوا إلا خالقين، والقدرية أثبتوا خالقين، آلاف ملايين الخالقين، كل واحد يخلق فعل نفسه، تعدُّد ملايين البشر.

فقالوا: بخالقين، والمجوس ما قالوا إلا بخالقين من هذه الجهة، من هذه الجهة صاروا أردأ من المجوس.

ومن جهةٍ أخرى أن المجوس كفار، وهؤلاء مبتدعة.

يقول المؤلف: (حقيقة قول القدرية المجوسية)، ينسبوا إلى المجوس؛ لاتفاقهم معهم في تعدد الخالق (أن الله تعالى ليس ربًّا لأفعال الحيوان) الحيوان: المخلوق، يعني الآدمي والجن، الثقلين: الجن والإنس، ليس ربًّا للأفعال، لماذا؟!

(ولا تتناولها ربوبيته)، لماذا؟ قال:  لأنه لم يخلقها، كيف يكون ربًّا لها وهو لا يخلقها، ولا يقدر عليها، ولا يشاؤها؟ لأن القدرية يقولون: الرب لم يشأ أفعال العباد ولا خلقها ولا قدَّرها، من الذي يخلقها؟ العبد، يخلقها مستقلة، سبق الشبهة أن شبهتهم قالوا: لو قلنا إن الرب خلقها للزم ذلك أن يخلق المعاصي ويعذِّب عليها فيكون ظالمًا، فسبق أن الله خلقها لحكمة، حكم وأسرار وأن القول: بأن العباد خالقون لأفعالهم يترتب عليها مفاسد عظيمة، كما سبق.

فالمؤلف يقول: (حقيقة قول القدرية المجوسية أن الله تعالى ليس ربًّا لأفعال الحيوان ولا تتناولها ربوبيته)، لماذا؟ قال: (إذ كيف يتناول ما لا يدخل تحت قدرته ومشيئته وخلقه) لأنهم يقولون: لا ليست داخلةً في القدرة، لا يقدر عليها، ولا يشاؤها، ولا يخلقها، إذن خرجت عن كونه ربًّا لها، وهذا مشاركة للمجوس في القول بالتعدد -تعدُّد الخالق-.

ثمَّ قال المؤلف-رحمه الله-: (وشرك الأمم كله نوعان: شرك في الإلهية: وشرك في الربوبية)، وأدخل المؤلف الشرك في الربوبية في الأسماء والصفات، وإلا أيضًا الشرك في الأسماء والصفات كاشتقاق المشركين اسمًا للأصنام من أسماء الله، مثل اسم:

مناة من المنَّان.

والعُزَّى من العزيز.

واللات من الإله.

هذا شرك في الربوبية، لكن المؤلف أدخل توحيد الأسماء، أو أدخل الشرك في الربوبية بالشرك في الربوبية، الربوبية والشرك في الأسماء والصفات، جعله نوع واحد؛ لأن توحيد الربوبية هو الأسماء والصفات واحد عند المتقدمين؛ كشيخ الإسلام وابن القيم-رحمهم الله، وهو إثبات الحقيقة لذات الرب وأسمائه وصفاته وأفعاله.

الشرك يكون شركٌ في الربوبية وفي الأسماء والصفات هذا واحد، جعلها واحد، والثاني شركٌ في الإلهية فكان نوعان، وإذا قيل: التوحيد أقسامه ثلاثة يكون الشرك ثلاثة أنواع، على القول بأن التوحيد أقسامه ثلاثة، يكون الشرك ثلاثة أنواع:

شركٌ في الربوبية.

وشركٌ في الألوهية.

وشركٌ في الأسماء والصفات. 

والشرك معناه في اللغة: النصيب، ومنه الشرك في (7:00) شركٌ في دم يعني نصيب، ومنه حديث «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ»، يعني جزء وحصة من العبد، إذن الشرك معناه في اللغة: النصيب والجزء والحظ، ومنه الحديث شركٌ في دم، وحديث: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ عَتُقَ عَلَيْهِ».

وفي الشرع: الشرك: تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، وهذا يشمل:

الشرك في الربوبية.

والشرك في الألوهية.

والشرك في الأسماء والصفات وفي الأفعال.

هذا التعريف يشمل الشرك في الربوبية، والشرك في الألوهية، والشرك في الأسماء، والشرك في الصفات، والشرك في الأفعال؛ تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله.

والشرك الأصغر: ما ورد تسميته من الذنوب شركًا ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر، مثل: الحلف بغير الله، الشرك الأصغر: ما ورد تسميته من الذنوب شركًا ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر؛ يعني فلم يكن شركًا  في العبادة ولا ناقضًا من نواقض الإسلام.

وقيل: الشرك الأصغر ما كان وسيلةً إلى الشرك الأكبر، ويمكن الجمع بينهما بأن يقال: الشرك الأصغر ما ورد تسميته شركًا من الذنوب أو كان وسيلةً إلى الشرك الأكبر.

والكفر في اللغة: الجحود والجحد، فالكفر في اللغة: الستر، ومنه سُمي الزارع، الزرَّاع الكفَّار؛ لأنهم يسترون الحب في الأرض، والكفر هو جحد حق الله وهو التوحيد، أو جحد أمرٍ معلوم من الدين بالضرورة.

وهل الشرك والكفر شيءٌ واحد أو شيئان؟

اختلف العلماء في الشرك والكفر هل هما شيءٌ واحد أو شيئان:

فقيل: هما شيءٌ واحد، قيل: الشرك هو الكفر، والكفر هو الشرك، والكافر مشرك، والمشرك كافر، فالمشرك مشرك لأنه عبد غير الله معه، وهو كافر؛ لأنه جحد توحيد الله وجحد الحق، ومن جحد حق الله فهو كافر، وهو مشرك؛ لأنه عبد الهوى وعبد الشيطان، فالكافر مشرك والمشرك كافر، والشرك كفر والكفر شرك.

وقيل: بينهما فرق، قيل: إن الشرك غير الكفر، والكفر غير الشرك؛ لأن الله فرَّق بينهما، وعطف إحداهما على الآخر في قوله تعالى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾[البينة:1] فعطف المشركين على الذين كفروا، ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾[البينة:6]، وعلى هذا فيكون الشرك تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، والكفر هو الجحود، والكافر هو الذي لا دين له، أو جحد أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة؛

كأن يجحد وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة، أو وجوب الحج، أو وجوب الصوم.

أو يجحد أمرًا معلومًا من الدين من الضرورة تحريمه؛ كأن يجحد تحريم الزنا، أو تحريم الربا، أو تحريم الخمر.

أو يكون معرِض عن الدين، لا دين له، معرض عن الدين، لا يتعلم دين الله، ولا يعبد الله.

والمشرك سوَّى غير الله بالله؛ دعا غير الله، ودعا الصنم، عبد الله وعبد الصنم، فهو عابدٌ لله، بخلاف الكافر فإنه لا دين الله؛ فهو أخف من الكفر على هذا، لكن كلٌّ منهم خالد مخلَّد في النار، كل منهما مخلَّد في النار.

فالشرك الأكبر عبادة غير الله معه، أو صرف شيء من العبادة لغير الله، فهذا المشرك عبد الله وعبد غيره، بخلاف الكافر الجاحد الذي لا دين له يكون أشد، وكلٌّ منهما مخلَّد في النار على هذا القول.

فيقول المؤلف -رَحِمَهُ الله-: (شرك الأمم كله نوعان: شركٌ في الإلهية، وشركٌ في الربوبية) يعني:

على القول بأن توحيد الأسماء والصفات داخلٌ في توحيد الربوبية يكون الشرك في الأسماء والصفات داخل في الشرك الربوبية.

وعلى القول بأن التوحيد ثلاثة أقسام يكون الشرك ثلاثة أنواع:

شركٌ في الربوبية.

وشركٌ في الألوهية.

وشركٌ في الأسماء والصفات.

ثم تكلم المؤلف -رَحِمَهُ الله- على الشرك في الإلهية، وسيتكلم أيضًا عن الشرك في الربوبية فيما بعد، بدأ بشرك الإلهية، الإلهية هي العبادة، وهذا كله مأخوذ من كلام ابن القيم -رَحِمَهُ الله- من [مدارج السالكين]، ومن كلام شيخ الإسلام في [مجموع الفتاوى].

قال: الشرك في الإلهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك) هو الغالب على أهل الشرك كالشرك في العبادة؛ لأن الغالب على أهل الشرك أنهم لا يُشركون في الربوبية، ولا في الأسماء، ولا في الصفات، يوحدون الله؛ لأن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات فطري كما سبق.

لكن هناك من أثبت الربوبية كما في الفلاسفة، والاتحادية، وبعض عُبَّاد النجوم، وغيرهم، بعض المشركين، لكن هذا قليل، الغالب الشرك في العبادة، في الألوهية، وأما الشرك في الربوبية فهو قليل؛ لأن الله تعالى فطر الخلق على توحيده في ربوبيته وأسمائه وصفاته وأفعاله، ولهذا بُعِث الرسل بتوحيد العبادة والإلهية، بعثوا بتوحيد العبادة والإلهية ولم يُبعثوا بتوحيد الربوبية؛ لأن الناس فُطِروا على الإيمان بربوبية الله وأسمائه وصفاته؛ فلهذا الغالب على أهل الشرك: الشرك في توحيد الألوهية.

فال المؤلف -رَحِمَهُ الله-: (فالشرك في الإلهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك، وهو شرك عُباد الأصنام) عبَّاد الأصنام لا يعتقدون أن الأصنام تخلق ولا ترزق، ولا تُحيي ولا تُميت، ولا تضر ولا تنفع، إذن لماذا عبدوها؟ يرجون شفاعتها وبركتها، وأنها تقرِّبهم إلى الله، فهذا هو الشرك في العبادة، أشركوا في عبادة الله فعبدوا الأصنام والأوثان، صرفوا لها من أنواع العبادة الدعاء، والذبح، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة؛ فإذن شرك عُبَّاد الأصنام في الإلهية.

(وعُبَّاد الملائكة) كذلك الذين يعبدون الملائكة شركٌ في الإلهية؛ لأنهم لا يعتقدون أن الملائكة تخلق ولا ترزق، ولا تُحيي ولا تُميت، ولا تضر ولا تنفع، إنما عبدوها لتقربهم إلى الله.

(وشرك عُبَّاد الجن) كذلك، الذين عبدوا الجن أشركوا في العبادة، يعتقدون أن الجن لا تخلق ولا ترزق، ولا تُحيي ولا تُميت، ولا تضر ولا تنفع، لكن يزعمون أنها تقربهم إلى الله.

(وشرك عُبَّاد المشايخ) شيوخ الصوفية كذلك الذين يعبدونهم.

(وشرك عُبَّاد الصالحين) الأحياء الذين يعبدون الصالحين أحياءً وأمواتًا شركٌ في العبادة، الأحياء والأموات.

(والصالحين الأحياء والأموات، الذي قالوا) يعني حينما عبدوهم (﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3]، ويشفعوا لنا عنده) يشير إلى قول الله تعالى في سورة الزمر: ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3] على تقدير، التقدير قائلين، تقدير، ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾[الزمر:3] قائلين: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3] فلا بد من التقدير في هذا، تقدير.

قد سأل سائل قبل ليلتين في الليلة الأولى عن كلمة (ياء) فيها تقدير، وقال: نسيت أنا...

طالب: الصفات بين أسماء الله بلا كيف، وقلت أنت: الكلمة هذه مفهومة بدون ما تُذكر، ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ﴾[النحل:81] علم البلاغة.

الشيخ: (15:39)

طالب: بلا كيف، معلومٌ لنا يعني.

الشيخ: بلا كيف الكيف المعلوم؛ لأن الشيء المعلوم يُحذف، هذا معلوم، هذا مثلما قال الله تعالى في الآية: قائلين ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3]، ومنه قول: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾[النحل:81] يعني والبرد، هذا الذي يُحذف يُعلَم فلا إشكال فيه، وهذا معروف مثل ما تقول: هذا الحديث في البخاري، البخاري رجل، كيف الحديث في البخاري؟ يعني في صحيح البخاري، التقدير في صحيح البخاري.

هذا الحديث في مسلم، في النسائي، في داود؛ يعني في سنن النسائي، الحديث معروف عند النُحاة ومعروف عند أهل اللغة فلا إشارة لمثل هذا، والسائل يقول: لولا الحذف والتقدير لعرَف النحو الحمير، حتى في النحو والعربية لا بد، معروف هذا.

(وعُبَّاد الجن) القائلين ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3]، وكذلك يُشير إلى قول الله تعالى في سورة يونس: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾[يونس:18] الذين عبدوا الأصنام، والذين عبدوا الملائكة، والذين عبدوا الجن، والذين عبدوا مشايخهم، والذين عبدوا الصالحين والأحياء والأموات كلهم أشركوا في أي شيء؟ في توحيد الإلهية؛ لأنهم يعبدونهم ليقرِّبوهم إلى الله زلفى، ويشفعوا لهم عنده.

قال: (الذي قالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3]، ويشفعوا لنا عنده، وينالنا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قربٌ وكرامة) يعني يريدون البركة، يقول: هؤلاء الصالحون لهم كرامة وبركة ينالون من كرامتهم وبركتهم.

(كما هو المعهود في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى لمن يخدم أعوان الملك وأقاربه وخاصته) شبهوا الله بهؤلاء، جعلوا الله بخلقه، جعلوا الله مثل الملوك، الملوك من يكون قريبًا منهم من أعوانهم وأقاربهم وخاصتهم الذي يقرُب إليهم يستفيد منهم، يشفعوا له، ويحصل له خير إذا كان يتعرَّف على أقارب الملك أو الرئيس أو خاصته، يستفاد تُقضى حوائجه، وكذا، ويكون له فوائد، قد يحصل على شيء من المال.

فهم شبَّهوا الله بخلقه قالوا: نجعل أصحاب القبور الأموات (18:18) غير الله؛ لأنهم لهم مكانة عند الله، ولهم منزلة عند الله، ولهم بركة فينالون من كرامتهم وقربهم كما يحصل للملوك لمن يكون قريبًا منهم؛ خاصته وأقاربه وأعوانه.

قال المؤلف -رَحِمَهُ الله-: (والكتب الإلهيّة كلها من أولها إلى آخرها تُبطل هذا المذهب وتردُّه، وتقبِّح أهله) نعم الكتب الإلهية كلها التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن، وجميع الكتب الإلهية التي نزلت كلها أنزلها الله تُبطِل هذا المذهب، مذهب عُبَّاد الأصنام، عُبَّاد الأوثان وهو الشرك في الإلهية، تُبطل هذا المذهب وترده وتُقبِّح أهله.

(وتنص على أنهم أعداء الله تعالى) يعني هم أعداء الله، كل الكتب الإلهية من أولها إلى آخرها؛ لأنهم بُعثوا بالتوحيد، التوحيد أنزل الله به الكتب وأرسل به الرسل، فالرسل والكتب تُبطل الشرك في الإلهية، وتُقبِّح أهله، وتنص على أنهم أعداء؛ لأن توحيد الربوبية فطري، والشرك إنما وقع -شرك الأمم- في توحيد الإلهية.

قال المؤلف -رَحِمَهُ الله-: (وجميع الرسل -صلوات الله عليهم-) لو قال: والسلام أحسن، -صلوات الله عليهم وسلامه-، أو صلوات الله وسلامه عليهم.

(متفقون على ذلك، من أولهم إلى آخرهم) متفقون على أي شيء؟ متفقون على إبطال الشرك وردِّه وتقبيح أهله.

قال: (وما أهلك الله تعالى "مَن أهلك" من الأمم إلاّ بسبب هذا الشرك، ومن أجله) يعني جميع الأمم التي أهلكها الله إنما أهلكها بسبب وقوعهم في هذا الشرك ومن أجل هذا الشرك، ما أهلك الله أمة إلا بسبب الشرك، بسبب الشرك والمعاصي، أما من وحَّد الله نجى، سلِم من العقوبات في الدنيا والآخرة.

أهلك الله قوم نوح بالغرق بسبب الشرك.

وأهلك الله عاد -قوم هود- بالريح بسبب الشرك والمعاصي.

وأهلك الله قوم صالح بالصيحة، أخرج صيحةً قطعت أمعائهم في أجوافهم فماتوا عن آخرهم بسبب الشرك والمعاصي.

وأهلك الله قوم لوط بأن رفع مدائنهم ثم نكَّسها بسبب الشرك والمعاصي وفِعل الفاحشة.

أهلك الله قوم شعيب بالسحابة أمطرت عليهم نارًّا تلظى بسبب الشرك والمعاصي.

أهلك الله فرعون وقومه لما عصوا موسى وهارون بالغرق بسبب الشرك والمعاصي.

فكل أمةٍ أهلكها الله فإنما أهلكها بسبب الشرك ومن أجل الشرك.

((وأصله: الشرك في محبّة الله، قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165]، فأخبر سُبْحَانَهُ أنه من أحبّ مع الله شيئًا غيره كما يحبَّه فقد اتّخذ ندًّا من دونه. وهذا على أصح القولين في الآية: أنهم يحبونهم كما يحبون الله)).

يقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ-: (وأصله) الضمير يعود إلى الشرك، أصل الشرك (الشرك في محبّة الله)، أصل الشرك الذي وقع من الأمم أصله الشرك في محبة الله.

(قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165]) فهم أشركوا في محبة الله، محبة العبادة والتعظيم والإله، محبة العبادة والتعظيم والخوف والرجاء صرفوها لغير الله وهي الأصنام، فأحبوهم وعظَّموهم مع الله، هذا هو أصل الشرك الذي وقع من الأمم، أصله الشرك في المحبة.

(قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165] فأخبر سُبْحَانَهُ أنه من أحبَّ مع الله شيئًا غيره كما يحبَّه) يعني كما يُحب الله (فقد اتّخذه ندًّا من دونه) أخبر الله في هذه الآية أن من أحبَّ مع الله شيئًا غيره كما يُحب الله؛ المراد محبة العبادة.

سبق أن المحبة أنواع:

في محبة الله ومحبة العبادة.

والمحبة لله ولأجل الله؛ كمحبة الأنبياء والرسل والصالحين.

والمحبة مع الله، هذه المحبة الشركية وهي المحبة الطبيعية؛ كمحبة المال، والولد، والصديق.

فالمراد هنا محبة العبادة.

(فأخبر سُبْحَانَهُ أنه من أحبّ مع الله شيئًا غيره كما يحبَّه) يعني كما يُحب الله (فقد اتّخذه ندًّا من دونه) هذا نص الآية ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا﴾[البقرة:165] يعني أمثالًا ونظراء يُسوونهم بالله، ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165].

قال المؤلف: (وهذا على أصح القولين في الآية) يعني الآية فيها قولان:

القول الأول: الذي قال المؤلف أنه أصح: (﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ﴾[البقرة:165]) كما يُحب الله، يُحبونهم كما يُحبون الله، فهم يُحبون الله ويُحبون الأصنام ويُحبون الأنداد، فهم يُحبون الأنداد كما يُحبون الله، إذن المشركين يُحبون الله ويُحبون الأنداد فأشركوا.

والقول الثاني في معنى الآية: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165] من محبة المشركين للأنداد؛ لأن محبة المؤمنين خالصة لله، ومحبة المشركين مشتركة، والمحبة الخالصة أقوى من المحبة المشتركة.

قولان للآية:

القول الأول -الذي اختاره المؤلف وقال: وهو أصح القولين-: (﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ﴾[البقرة:165]) كما يُحبون الله.

والقول الثاني: أنهم يُحبونهم كما يُحب المؤمنون الله.

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165] فيها قولان أيضًا:

القول الأول: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165] من محبة أهل الأنداد لأندادهم.

والقول الثاني: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165] من محبة أهل الأنداد لله.

فصدر الآية فيها قولان، وعجزها فيها قولان:

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ﴾[البقرة:165] كما يُحبون الله، فأثبت لهم محبة لله إلا أنها مشتركة.

والقول الثاني: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ﴾[البقرة:165]  يُحبون الله كما يُحب المؤمنون الآية.

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165] فيها قولان:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165] من محبة أهل الأنداد لأندادهم.

والقول الثاني: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[البقرة:165] من محبة أهل الأنداد لله.

((وهذا هو العدل المذكور في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾[الأنعام:1]، والمعنى على أصح القولين: أنهم يعدلون به غيره في العبادة، فيُسوُّون بينه وبين غيره في الحبِّ والعبادة. وكذلك قول المشركين في النار لأصنامهم: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الشعراء: 97-98])).

يقول المؤلف -رَحِمَهُ الله-: (وهذا هو العدل) يعني كون المشركين يُحبون أندادهم مع الله هذا هو العادل حيث عدلوا أصنامهم بالله، وجعلوها مثيل عِدلًا ومثيلًا وندًّا لله، هذا هو العدل، العدل المثيل.

(وهذا هو العدل المذكور في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾[الأنعام:1]) يدعون له عدلًا ومثيلًا، وهي أوثانهم وأصنامهم جعلوها عِدلًا لله، وجعلوها مثيلًا لله؛ لأنهم عبدوها وعبدوا الله، فجعلوها مثيل وعديل لله، بخلاف المؤمنين فإنهم لا يعدِلون بالله غيره، محبتهم خالصة ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾[الأنعام:1].

قال المؤلف: (والمعنى على أصح القولين: أنهم يعدلون به غيره في العبادة، فيُسوُّون بينه وبين غيره في الحبِّ والعبادة) يعدلون به غيره مَن هم؟ أصنامهم وأوثانهم، عدلوها بالله بأي شيء؟ في الخلق والرزق ولا في العبادة؟ لا في الخلق والرزق لا يعدلون بالله أحدًا، يقولون: الله هو الخالق الرازق، لكن في العبادة يعدلون به غيره في العبادة، (فيُسوُّون بينه وبين غيره في الحبِّ والعبادة).

(وكذلك قول المشركين في النار لأصنامهم: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الشعراء: 97-98]) سووهم برب العالمين بأي شيء: في الخلق والرزق، أو في الحب والتعظيم؟ في الحب والتعظيم لا في الخلق والرزق، ما سووهم به في الخلق والرزق، فكلٌّ من الآيتين:

﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾[الأنعام:1].

وقوله: ﴿إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الشعراء:98].

المعنى واحد، عدلوا بالله غيره في الحب والعبادة، وسووا بالله غيره في الحب والعبادة لا في الخلق والرزق، وهذا على أصح القولين، يعني الاستدلال... قولٌ آخر، وأنهم يعدلون به غيره يعني في الربوبية، في الخلق والرزق، والإماتة والإحياء، لكن أصح القولين: أنهم يعدلون به غيره في الحب والعبادة لا في الخلق والرزق.

نقِف على هذا، ووفق الله الجميع.

 

 

 

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد