بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله واصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا ارحم الراحمين، أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
ومعلوم قطعًا أن هذه التسوية لم تكن بينهم وبين الله في كونه ربّهم وخالقهم، فإنهم كانوا كما أخبر الله عنهم مقرّين بأن الله - تعالى - وحده هو ربّهم وخالقهم، وأن الأرض ومن فيها لله وحده، وأنه ربّ السّموات السّبع وربّ العرش العظيم، وأنه سبحانه وتعالى هو الذي بيده ملكوت كل شيءٍ، وهو يجير ولا يجار عليه، وإنما كانت هذه التسوية بينهم وبين الله - تعالى - في المحبّة والعبادة، فمن أحبّ غير الله - تعالى - وخافه ورجاه، وذلّ له كما يحبّ الله - تعالى - ويخافه ويرجوه؛ فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله، فكيف بمن كان غير الله آثر عنده وأحبّ إليه، وأخوف عنده، وهو في مرضاته أشد سعيًا منه في مرضاة الله؟. فإذا كان المسوّي بين الله وبين غيره في ذلك مشركًا، فما الظن بهذا؟، فعياذًا بالله من أن ينسلخ القلب من التّوحيد والإسلام كانسلاخ الحيّة من قشرها، وهو يظن أنه مسلم موحّد، فهذا أحد أنواع الشرك.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن المؤلف -رحمه الله- قسم الشرك إلى نوعين:
1 - شرك في الربوبية.
2 - شرك في الألوهية.
وبين أن الشرك في الإلهية هو الغالب على أهل الإشراك ومنه شرك عباد الأصنام، وعباد الملائكة، وعباد الجن، وعباد الشيوخ الصوفية، وعباد الصالحين الأحياء والأموات، وبين أن الكتب الإلهية من أولها إلى أخرها تبطل مذهب المشركين الذي أشركوا مع الله في إلهيته وعبادته، فالكتب الإلهية كلها تبطل هذا المذهب وترده وتقبح أهله، وتنص على أنهم أعداء الله، وأعداء جميع الرسل، وأن الرسل كلهم متفقون من أولهم إلى أخرهم كلهم جاءوا بإنكار الشرك ورده وتقبيح أهله، وأمر الناس بتوحيد الله -عز وجل- وبين المؤلف -رحمه الله- أن الله ما أهلك أمة من الأمم إلا بسبب هذا الشرك شرك العبادة والألوهية إلا بسبب هذا الشرك ومن أجله، وبين المؤلف -رحمه الله- أن أصل هذا الشرك وهو شرك العبادة أصله هو شرك المحبة الله، اصله الشرك في محبة الله كما قال الله -تعالى-: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ ]سورة البقرة : 165[، أندادًا أي: أمثالًا وندراء، أي: يساونهم بالله في المحبة والتعظيم والإجلال فأخبر الله في هذه الآية أن من أحب مع الله شيئًا كما يحب الله فقد أتخذه ندًا من دون الله، وهذا هو العدل المذكور في قوله الله -تعالى-: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ ]سورة الأنعام : 1[، وفي قوله: ﴿وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ ]سورة الأنعام : 150[، أي: يجعلون لله عدلًا ومثيلًا، ونظيرًا، ومساويه في المحبةِ والتعظيم والإجلال، فيسوون بين الله وبين غيره في الحب والعبادة، وهذا هو الشرك الذي تضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين كما أخبر الله عنهم أنهم قالوا وهم في النار يقول العابدون للمعبودين ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ]سورة الشعراء : 79[، هكذا يلعن بعضهم بعضًا كما قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ ]سورة العنكبوت : 25[، فهم في النار المعبدون والعابدون نعوذ بالله يتحسرون فيقول العابدون للمعبودين ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ اعترفوا بأنهم في ضلال وبعد عن الحق والصواب ﴿إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ كيف نسويكم؟ أي: نجعلكم مساوين لرب العالمين في المحبة، والتعظيم، والإجلال ثم قال ﴿وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ﴾ لا أحد يشفع لنا ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ لا تنفع ما في شفاعة، ما في إلا النار والعياذ بالله، من مات على الشرك لا خلاف فيه لا حيلة في إخراجه من النار، ولا حيلة في دفع النار عنه حتى ولو اجتمع أهل الأرض على أن يخرجوه ما استطاعوا، ولو كان عندهم ملئ الأرض ذهبًا يفتدي بنفسه من عذاب الله ما استطاع، ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ ]سورة المائدة : 37[، ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ ]سورة آل عمران : 91[، من مات على الشرك لا خلاف فيه وهو محكوم عليه بالنار، والجنة عليه حرام، وهو مخلد في النار أبد الآباد، ولا يستطيع أحد أن ينقذه من عذاب الله، ولا تنفع فيه شفاعة الشافعين حتى ولو كان الشافع من أوجه الناس، إبراهيم عليه الصلاة والسلام أفضل الناس بعد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وقد مات أبوه أذر على الشرك دعاه إلى التوحيد، وإلى الإسلام في الدنيا لكن ما قدر الله هداية له حكمة بالغة، وتلطف في خطابه وبين له بطلان عبادة الأصنام والأوثان وأنه لا تنفع ولا تضر، ولا تبصر، ولا تسمع اسمع المحاورة التي بين إبراهيم وبين أبيه ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ ]سورة مريم : 45[، أعظم نصيحة يوجها له، تلطف في الخطاب، رد الأب ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ هذا وعد، وقال الله تعالى في الآية الأخرى ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ ]سورة التوبة : 114[، وثبت في صحيح البخاري «أن إبراهيم -عليه السلام- يلقى أبيه أذار يوم القيامة وعلى وجهه قطرة فيقول إبراهيم لأبيه: ألم أقل لك لا تعصني، فيقول الأب: اليوم لا أعصيك» ما يفيد انتهى الأمر «فرق له إبراهيم، فينادي إبراهيم ويقول يا رب ألم تعدني أن لا تخذني يوم يبعثون، وأي خزي أعظم من خزي أبي الأبعد، فمسخ الله اباه أذر وجعله ذيخ أمامه» وهو ذكر الضبع ملتطخ بعجره «فقيل أنظر ما تحتك يا إبراهيم، إذا هو ذيخ فأخذ بقوائمه وألقي في النار» مسخه الله ذيخ حتى تزول الرحمة من قلبه، لما رق له إبراهيم أراد أن يشفع له مسخه الله ذيخ وأخذ بقوائمه وألقي في النار والعياذ بالله، من مات على الشرك لا حيلة في، فأهل الشرك العابد والمعبدون يقول العابد للمعبود ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يتمنون الرجوع إلى الدنيا حتى نعمل نعمل صالحًا، وقد بين الله -سبحانه- أنهم لا يمكن أن يردوا.
(ومعلوم قطعًا أن هذه التسوية لم تكن بينهم وبين الله في كونه ربّهم وخالقهم) التسوية في قول الله عنهم ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هذه التسوية في الألوهية، تسوية في المحبة، وليست تسوية في المحبة، ما قالوا أنهم جعلوا مثل الله يرزقون ويخلقون، ما قالوا أنهم أرباب مع الله، ولكنهم سووهم مع الله في المحبة والتعظيم ولهذا قال المؤلف ومعلوم قطعًا أي: ما في إشكال.
(ومعلوم قطعًا أن هذه التسوية لم تكن بينهم وبين الله في كونه ربّهم وخالقهم) إذًا تكون تسوية المحبة والتعظيم.
(فإنهم كانوا كما أخبر الله عنهم مقرّين) الدليل على أن حديث التسوية في الربوبية والخلق، فإنهم الضمير يعود إلى المشركين.
(فإنهم كانوا كما أخبر الله عنهم مقرّين بأن الله - تعالى - وحده هو ربّهم وخالقهم، وأن الأرض ومن فيها لله وحده، وأنه ربّ السّموات السّبع وربّ العرش العظيم، وأنه سبحانه وتعالى هو الذي بيده ملكوت كل شيءٍ، وهو يجير ولا يجار عليه) يشير المؤلف إلى الآيات في سورة المؤمنين ﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ ]سورة المؤمنون : 89[، إذًا مقرون بتوحيد الربوبية.
(وإنما كانت هذه التسوية بينهم وبين الله - تعالى - في المحبّة والعبادة) ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هذه التسوية ليست تسوية في كون الله ربهم وخالقهم، بل إنما كانت هذه التسوية بينهم وبين الله -تعالى- في المحبةِ والعبادة.
(فمن أحبّ غير الله - تعالى - وخافه ورجاه، وذلّ له كما يحبّ الله - تعالى - ويخافه ويرجوه؛ فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله) من أحب غير الله محبة العبادة والطاعة، وخافه ورجاه وذل له، ولهذا قال كما يحب الله، أما من أحب غيره محبه طبيعية فلا كما يحب الإنسان المال، كما يحب الصديق، كما يحب ولده، كما يحب الطعام، ويحب الشراب، وكالمحبة التي بين المتألفين، محبة الأنس واللطف بين الطلبة، وبين العمال، وبين الموظفين هذه محبة طبيعية لا محذور فيها، لكن المراد هنا محبة العبادة التي تقتضي الذل والخضوع وامتثال الأوامر واجتناب النواهي.
(فمن أحبّ غير الله - تعالى - وخافه ورجاه، وذلّ له كما يحبّ الله) هذا الدليل على محبة الطاعة العبادة.
(كما يحبّ الله - تعالى - ويخافه ويرجوه؛ فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله) كما قال الله -تعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ ]سورة النساء : 84[.
(فكيف بمن كان غير الله آثر عنده وأحبّ إليه، وأخوف عنده، وهو في مرضاته أشد سعيًا منه في مرضاة الله) إذا كان الذي يحب غير الله كمحبة الله، ويخافه كخوف الله، ويرجوا كرجاء الله مشرك، فالذي يحب غير الله أكثر من محبة الله يكون أشد، إذا كان يحبه أكثر من محبة الله، ويخافه أشد من خوفه من الله، ويسعى في مرضاته أشد ما يسعى في مرضاة الله يكون أعظم شرك.
ولهذا قال المؤلف (فكيف بمن كان غير الله آثر عنده) أي: أثر عنده من الله، يؤثره ويفضله على الله.
(آثر عنده وأحبّ إليه، وأخوف عنده، وهو في مرضاته أشد سعيًا منه في مرضاة الله) يكون الشرك أعظم وأغلظ.
(فإذا كان المسوّي بين الله وبين غيره في ذلك مشركًا، فما الظن بهذا؟) فما الظن بهذا بسب تعود لأي شيء؟ تعود إلى الذي آثر غير الله وأحب وأخوف، إذا كان المسوي بين الله وبين غيره مشرك فالذي يؤثر غير الله على الله في المحبة والرجاء أشد شركًا وأعظم شركًا، إذا كان المسوي بين الله وبين غيره في المحبة، والتعظيم، والخوف، والرجاء مشركًا فما الظن بهذا أي: هذا الذي آثر غير الله على الله في المحبة والخوف والرجاء.
(فعياذًا بالله من أن ينسلخ القلب من التّوحيد والإسلام كانسلاخ الحيّة من قشرها، وهو يظن أنه مسلم موحّد) نسأل الله السلامة والعافية، فالذي يحب غير الله، ويذل له ويخضع محبة عبادة والتعظيم والطاعة، هذا انسلخ من التوحيد والإسلام، فعياذً بالله من أن ينسلخ القلب من التوحيد والإسلام فيجعل لله ندًا يحبه ويخافه ويرجوه كما يحب الله.
(ينسلخ القلب من التّوحيد والإسلام كانسلاخ الحيّة من قشرها، وهو يظن أنه مسلم موحّد) بعض الناس هكذا يجعل لله ندًا في العبادة، يدعوه من دون الله، يذبح له، ينذر، يناديه يا فلان يا ابن علوان، يا حسين، يا زينب، يا بدوي، يا رسول الله، يا شمس، يا قمر أو ينادي الملائكة والنجوم فيسويهم بالله في المحبةِ والتعظيم والطاعة فينسلخ من التوحيد والإسلام وهو يظن أنه مسلم موحد، تجد عباد القبور الآن إذا نهيته عن الشرك، عن دعاء غير الله، ونذر غير الله، والذبح لغير الله تقول هذا شرك جعلت لله ندًا في العبادة، قال لا أنت ما تحب الصالحين، هذه محبة للصالحين وهذا تشفع بهم، أنا أعلم أنه ما ينفع ولا يضر لكن أجعله واسطة بيني وبين الله، فله واجهة عند الله هذا ليس بشرك هذا محبة للصالحين وهذا حقهم وأنت تبغض الصالحين ولا تعطيهم حقهم، فهو منسلخ من التوحيد والإسلام ويظن أنه مسلم هكذا كثير من المشركين الآن يظن أنه على الحق بسبب الجهل، أو تلبيس أهل الشرك لهم، بعض الذي يطوفون حول القبور في بعض البلدان الآن التي تنتسب إلى الإسلام ويذبحون لهم، وينذرون لهم يظنون أنهم على الحق وأنهم على التوحيد ومن نهاهم قالوا: هذا لا يحب الصالحين، بسبب الجهل، وبسبب تضليل علماء الشرك، أهل الشرك لهم علماء عندهم علم لكن .. (18.42) وعندهم أدلة يستدلون بها على غير وجهه قال -تعالى-: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ]سورة غافر : 83[، وتجد بعض علماء الشرك يأتي إلى صاحب القبر، ويلقي خطبة عصماء يحثهم على الشرك ويشجعهم عليها، ويقول أنكم على الحق، وأنكم تحبون الصالحين، وأنه له منزلة عند الله وسوف يشفعون لكم يشجعهم على الشرك، في بعض البلدان التي تنتسب إلى الإسلام هكذا يأتي بعض علماء الشرك ويحثهم على الشرك ويخطب بينهم حتى يشجعهم على الشرك ويغريهم بذلك، ويستمرون في شركهم ويدفعون النذور ويذبحون القرابين والنقود يضعونها عند القبر بسخاء فيأخذ هؤلاء الذين يشجعونهم على الشرك يكون لهم نصيب من المال يؤثرون الدنيا على الآخرة نسأل الله السلامة والعافية.
(فعياذًا بالله من أن ينسلخ القلب من التّوحيد والإسلام كانسلاخ الحيّة من قشرها، وهو يظن أنه مسلم موحّد) كما هو الحال عند كثير عباد القبور يشركون بالله في الدعاء، والذبح، والنذر، والطواف، ويظنون أنهم على التوحيد وهم قد انسلخوا من الإسلام كانسلاخ الحية من قشرها حيث جعلوا لله ندًا في العبادة، يعبدونهم من دون الله بسبب الجهل، وتلبيس علماء السوء، نسأل الله السلامة والعفو والعافية.
(فهذا أحد أنواع الشرك) وهو الشرك في العبادة والألوهية، والنوع الثاني هو الشرك في الربوبية وهذا أحد أنواع الشرك وهو شرك المحبة والتعظيم جعلوا لله ندًا من دون الله، والنوع الأول الشرك في الربوبية.
قال المؤلف -رحمه الله-:
والأدلة الدّالة على أنه تعالى يجب أن يكون وحده هو المألوه يبطل هذا الشرك، ويدحض حجج أهله، وهي أكثر من أن يحيط بها إلاّ الله، بل كل ما خلقه الله - تعالى - فهو آية شاهدة بتوحيده، وكذلك كل ما أمر به، فخلقه وأمره، وما فطر عليه عباده وركبه فيهم من القوى؛ شاهد بأنه الله الذي لا إله إلاّ هو، وأن كل معبود سواه باطل، وأنه هو الحق المبين، تقدس وتعالى.
وواعجبا كيف يعصى الإله |
|
أم كيف يجحده الجاحد |
ولله في كل تحريكةٍ |
|
وتسكينةٍ أبدًا شاهد |
وفي كل شيءٍ له آيةٌ |
|
تدل على أنه واحد |
(والأدلة الدّالة) على توحيد العبادة والإلهية وأنه تعالى يجب أن يكون وحده هو المألوه تبطل هذا الشرك، وتدحض حجج أهله، وهي أكثر من يحيط بها إلا الله، الأدلة الدالة على أن الله هو المعبود بحق، وأنه هو المألوه كثيره لا حصر لها، وهي تبطل هذا الشرك وتدحض حجج أهلها ويكفي في ذلك الجلالة الله، الله هو المألوه الذي تأله القلوب محةً وإجلالًا وتعظيمًا اسم .. (23:06) الله يبطل هذا الشرك لأن الله معناه المألوه .. فعال على وزن مفعول، والمألوه الذي تألهه القلوب محبة وإجلالًا وتعظيمًا، وكلمة التوحيد لا إله إلا الله تبطل هذا الشرك وتدحض حجج أهله لأن معناها لا معبود حق إلا الله، والدليل على ذلك أن الله -تعالى- أخبر بأنه لا إله إلا هو ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ ]سورة الحشر : 22[، ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾ ]سورة طه : 14[، أخبر -سبحانه- بأنه لا إله إلا هو، أي: لا معبود بحق إلا الله، فكلمة التوحيد لا إله إلا الله تبطل هذا الشرك وتدحض حجج أهله، الدليل: أولًا: لفظ الجلالة تدحض هذا الشرك إن ربكم الله، الله هو المألوه المعبود الذي تألهه القلوب محبة وإجلالًا وتعظيمًا، وكلمة التوحيد لا إله إلا الله التي جاءت في القرآن الكريم وأخبر الله بأنه هو المعبود بحق ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾ كلمة التوحيد تبطل هذا الشرط وتدحض حجج أهله لأن معناها لا معبود حق إلا الله بها نفي وإثبات:
النفي: هو كلمة: لا إله.
الإثبات: في قولك إلا الله.
النفي: في نفي جميع أنواع العبادة لغير الله، والاثبات إثبات جميع أنواع العبادة لله.
إذًا توحيد العبادة لا يصح إلا بأمرين: بالنفي والإثبات، مبني على أصلين النفي والإثبات، من الأدلة أيضًا التي تدحض الشرك قوله -تعالى-: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ أي: نعبدك ولا نعبد إلا سواك، إياك في تقديم المعبود يفيد الحصر، حصر العبادة في الله، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ هو معنى لا إله إلا الله، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ معناها: نعبدك ولا نعبد غيرك، وهذا مأخوذ من تقديم المعبود، تقديم الظرف إياك فإن معناها ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ أي: نعبدك ولا نعبد غيرك، لكن لو قيل نعبدك بدون التقديم ما يفيد النفي، يفيد الإثبات فقط.
إذًا الأدلة التي تدل على أن الله -تعالى- يجب أن يكون وحده هو المألوه تبطل الشرك في العبادة والمحبة وتدحض حجج أهله وهي كثيره أولها: كلمة التوحيد لا إله إلا الله التي أخبر الله عن نفسه أنه هو المعبود بالحق ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾ ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾.
(وهي أكثر من أن يحيط بها إلاّ الله) منها قوله -تعالى-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ ]سورة الذاريات : 56[، ومنها قوله -تعالى-: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ]سورة النحل : 36[، ومنها ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ ]سورة النساء : 36[، ﴿وقُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ ]سورة الأنعام : 151[، ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ ]سورة الزمر : 2[، ولا حصر لها كثيرة كما قال المؤلف أكثر من أن يحيط بها إلا الله، الأدلة التي فيها الأمر بالتوحيد، والأمر بعبادة الله، والأدلة التي فيها النهي عن الشرك، والأدلة فيها النهي عن الشرك، والأدلة التي فيها التحريم من الشرك، والقرآن كله من أوله إلى أخره في الأمر بالتوحيد وبيان حسنه، وبيان فضله والدعوة إليه والأمر بالإتيان به بحقوقه، والنهي عن الشرك وبيان قبحه، والتحذير منه، والتحذير من أعمال أهل الشرك، فالقرآن كله من أوله إلى أخره في التوحيد وحقوقه وبيان فضله، وبيان أهلهم وجزائهم وعاقبتهم الحميدة، وفي شأن الشرك والتحذير منه والنهي عنه وتقبيحه والتحذير من فعله وبيان جزاء أهله وعقوبتهم، وعاقبتهم السيئة، إذًا هو كله من الأول إلى أخره كله يبطل الشرك، التوحيد والعبادة.
ولهذا قال المؤلف الأدلة أي: الأدلة التي تبطل الشرك وتخرج من التوحيد وأهله أكثر من يحيط بها الله -تعالى-.
(بل كل ما خلقه الله - تعالى - فهو آية شاهدة بتوحيده) كل آية خلقها الله من المخلوقات آية شاهدة بتوحيده، كل ما خلقه الله السموات شاهدة بتوحيد الله، الأرضين شاهدة بتوحيد الله، البحار شاهدة بتوحيد الله، الأشجار شاهدة بتوحيد الله، الحيوانات الطيور كل ما خلقه الله، وكل ما في هذا الوجود من تحريكه وتسكينه فهي شاهدة وناطقة بتوحيد الله.
وفي كل شيءٍ له آيةٌ |
|
تدل على أنه واحد |
كل ما خلقه الله فهو آية شاهدة بتوحيده.
(وكذلك كل ما أمر به) كل الأوامر شاهدة بتوحيد الله أقيموا الصلاة، وكذلك النوافل، ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ ]سورة البقرة : 43[، ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ]سورة آل عمران : 104[، وكذلك النهي ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ ]سورة الإسراء : 32[، ﴿وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ ]سورة البقرة : 278[، كل الأوامر والنواهي كلها شاهدة بتوحيد الله لأنها من حقوق التوحيد، الأوامر والنواهي والعبادات كلها من حقوق التوحيد ومكملاته.
(وكذلك كل ما أمر به، فخلقه وأمره، وما فطر عليه عباده وركبه فيهم من القوى؛ شاهد بأنه الله الذي لا إله إلاّ هو) خلقه مخلوقات كلها شاهدة بأن الله لا إله إلا هو .. أوامر الله شاهدة بأنه المعبود بالحق ما فطر الله عليه عبادة الفطرة التي عليها الناس شاهدة بأن الله هو المعبود بالحق، العقول التي ركبها الله في الناس شاهدة بأنه هو المعبود بالحق، وأن كل معبود سواه هو معبود بالباطل، وأنه هو الحق المبين كما قال -تعالى-: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ ]سورة الحج : 62[، ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ ]سورة الطلاق : 12[، إذًا خلق الله شاهد بتوحيده، أوامر الله شاهدة بتوحيده، الفطرة التي فطر الله الناس عليها شاهدة بتوحيد الله، العقول التي ركبها الله في الناس شاهدة بتوحيد الله وأنه الله الذي لا إله غيره، وشاهدة بأن كل معبود سواه فهو معبود بالباطل وأن الله هو الحق المبين تقدس وتعالى.
وواعجبا كيف يعصى الإله |
|
أم كيف يجحده الجاحد |
ولله في كل تحريكةٍ |
|
وتسكينةٍ أبدًا شاهد |
كيف يعطى الإله وكيف يجحده الجاحد وفي كل تحريكه وتسكينه شاهد بتوحيد الله هذا من العجب، من العجب أن يعصى الإله، ومن العجب أن يجحده الجاحد مع أن كل تحريكه وكل تسكينه شاهدة بأن الله واحد.
وفي كل شيءٍ له آيةٌ |
|
تدل على أنه واحد |
هذه الأبيات يقول المحقق أنها لابن خلكان البيت الأخير ذكره في الوفيات ونسبه لأبي نواس وعلى كل سواء له أو لغيره فهي أبيات صحيحة في معناه صحيح.
قال المؤلف -رحمه الله-:
والنوع الثاني من الشرك: الشرك به تعالى في الربوبيّة، كشرك من جعل معه خالقا آخر، كالمجوس وغيرهم، الذين يقولون: بأن للعالم ربّين، أحدهما خالق الخير، يقولون له بلسان الفارسيّة " يزدان "، والآخر: خالق الشر، ويقولون له بلسانهم: " أهرمن ". وكالفلاسفة ومن تبعهم الذين يقولون: بأنه لم يصدر عنه إلاّ واحد بسيط، وإن مصدر المخلوقات كلها عن العقول والنفوس، وأن مصدر هذا العالم عن العقل الفعّال هو ربّ كل ما تحته ومدبّره. وهذا شرّ من شرك عبّاد الأصنام والمجوس والنّصارى، وهو أخبث شرك في العالم، إذ يتضمن من التعطيل وجحد الإلهيّة والربوبيّة واستناد الخلق إلى غيره سبحانه وتعالى ما لم يتضمنه شرك أمة من الأمم.
وشرك القدريّة مختصر من هذا، وباب يدخل منه إليه، ولهذا شبّههم الصّحابة - رضي الله عنهم - بالمجوس، كما ثبت عن ابن عمر وابن عبّاس - رضي الله عنهم -، وقد روى أهل السنن فيهم ذلك مرفوعًا: أنهم مجوس هذه الأمة.
وكثيرًا ما يجتمع الشركان في العبد وينفرد أحدهما عن الآخر، والقرآن الكريم بل الكتب المنزلة من عند الله - تعالى - كلها مصرّحةً بالرد على أهل هذا الإشراك، كقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، فإنه ينفي شرك المحبّة والإلهيّة، وقوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فإنه ينفي شرك الخلق والربوبيّة.
النوع الثاني من الشرك: الشرك في الربوبية، النوع الأول الشرك في الألوهية، الثاني الشرك في الربوبية وهناك نوع ثالث وهو شرك الأسماء والصفات لكن من جعل التوحيد نوعين توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، فجعل توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات نوعًا واحدًا فيكون الشرك نوعان:
شرك في الألوهية، وشرك في الربوبية.
الشرك في الربوبية له أمثله، الربوبية أي: الاعتقاد بأن الله هو الرب الخالق، الرازق، المدبر، وأنه خالق العالم ومربيهم بنعمه، وهو -سبحانه وتعالى- قائم بتربيتهم وإفلاحهم وحده دون ما سواه هو الرب وغيره مربوب، هو الخالق وغيره مخلوق، هو المربي لعباده من اعتقد أن هناك خالق مع الله، أو ربًا مع الله، أو مدبرًا مع الله فقد أشرك في الربوبية، الله وحده هو الخالق لا خالق غيره الله خالق كل شيء، الله وحده هو الرب المربي لعباده المتكفل بهم اصلاحهم وتربيتهم وإيجادهم واصلاحهم فمن اعتقد أن هناك مدبر لهذا الكون مع الله أن هناك رب مع الله يدبر أمر هذا الكون، أو هناك خالق فقد اشرك بالربوبية، والذين يشركون بالربوبية طوائف مثل المؤلف بطوائف منها:
(كشرك من جعل معه خالقا آخر كالمجوس وغيرهم، الذين يقولون: بأن للعالم ربّين) هؤلاء اشركوا في الربوبية وشذوا عن المجموعة البشرية، المجموعة البشرية كلهم فطروا على أن الرب واحد وهو الله وأن الخالق هو الله، المجوس قالوا أن هذا العالم له ربان خالقان، خالق للخير، وخالق للشر.
(خالق الخير، يقولون له بلسان الفارسيّة " يزدان ") لأنهم مجوس لغتهم فارسية عباد النار، لكن أصل المجوس يقولون بتعدد الخالق، يقولون خالق هذا العالم له ربان رب الأول هو الخالق الأول خالق الخير يقولون له يزدان في اللغة الفارسية.
(والآخر: خالق الشر، ويقولون له بلسانهم: " أهرمن ") ويقولون أن خالق الخير هو النور، وخالق الشر هو الظلمة، وهم في هذا يقدون خالق الخير وهو النور ويسمونه الإله المحمود ما قالوا بتكافئهما، وأما الظلمة فهي شريرة مذمومة متنازع في قدمها.
المقصود أن الطائفة الأولى التي قالت بتعدد الخالق هو الرب هم المجوس، قالوا بأن هذا العالم له ربان خالق للخير وخالق للشر.
(وكالفلاسفة ومن تبعهم الذين) الفلاسفة جمع فليسوف، وأصل الفلسفة محبة الحكمة قيل سوف مكونة من كلمة يونانية، الفلسفة كلمة يونانية معناها محبة الحكمة أصلها كان فيلا سوفا، فيلا محب، سوفا الحكمة، محب الحكمة، والفلاسفة في كل أمة وهم علمائهم، علماء كل أمة يسمونهم الفلاسفة، لكن اشتهر فلاسفة اليونان كل علمائهم فلاسفة، اليونان لهم فلاسفة، والرومان لهم فلاسفة، والفرس لهم فلاسفة، والبربر لهم فلاسفة، كل أمة لها فلاسفة وهم علمائهم ويسمونهم أساتذة ولكن اشتهر فلاسفة اليونان، واشتهر المتأخرون الذين يتزعمهم أرسطو ويقال ارسطا ليف ويسمى المعلم الأول، وقد خالف الفلاسفة الذين سابقوه، فإن الفلاسفة السابقين يعظمون هذه الإلهيات بالجملة، ويقولون بحجج العالم ويثبتون الرب، حتى جاء ارسطو خالف من سبقه وابتدع القول بقدم العالم، ومعنى القول بقدم العالم إنكار لوجود الله، وكان مشركًا يعبد الأوثان، ثم جاء بعده المعلم الثاني وهو أبو نصر الفرابي يسمونه المعلم الثاني، والمعلم الأول ارسطو هو أول من ابتدع علم المنطق، ثم جاء أبو نصر الفرابي المعلم الثاني وأخرجه إلى الصوت، ثم جاء بعدهم أبو علي ابن سينا وسموه المعلم الثالث وحاول أن يقرب الفلسفة من دين الإسلام وهو في محاولته الشديدة لم يصل إلى ما وصلت به الجهمية الغالية في التجهم فأثبت وجودين خالق والمخلوق في اللفظ، قال الموجود نوعان: واجب ممكن، الواجب وجود الله، والممكن وجود المخلوق في الاسم واللفظ لكنه لم يثب للخالق صفات، لم يثبت لا العلم، ولا السمع، ولا البصر، ولم يثبت أي صفة من الصفات، وقال أن العالم لازم له لا يستطيع الانفكاك عنه وليس مخلوق بقدرته ومشيئته بل هو لازم كلزوم النور للسراج، واشتهر هؤلاء الأساتذة إذا قيل الفلاسفة اشتهر المراد بهم فلاسفة اليونان ارسطو، ويسمون الفلاسفة المشائين كأنهم يدرسون عقائدهم وهم يمشون.
فهؤلاء الفلاسفة كما يقول المؤلف -رحمه الله- طائفة أشركوا في الربوبية، ويقولون:
(بأنه لم يصدر عنه إلاّ واحد بسيط، وإن مصدر المخلوقات كلها عن العقول والنفوس) وهم الملائكة.
(وأن مصدر هذا العالم عن العقل الفعّال هو ربّ كل ما تحته ومدبّره) وهذا العقل الفعال تارة يعبرون عنه بجبريل، ويقولون أن الملائكة مفعوله، قولهم أن العالم قديم ولم يكن معدومًا أصلًا بل هو قديم لا أول له، وهذه المخلوقات ليست معدومة ثم وجدت بل هذا في عالم قديم ولم تكن معدومة أصلًا بل لم يزل ولا يزال فيقولون بقدم العالم وأبديته، ويقولون أن هذه الحوادث ... (41:29) إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها ويسمونها العقول والنفوس وهي الملائكة، ويقولون العالم كله مفعول للعقل الأول ويجعلونه رب الكائنات، ومبدع السموات والأرض، وهذا العقل الفعال فعال تارة يفسرونه بجبريل ويقول إن العقل الأول العالم كله مفعول العقل الأول ويجعلونه رب الكائنات ومبدع السموات والأرض، وكلنه لازم للواجب بنفسه ومعلول له وهو الله، والعقول والنفوس هي الملائكة ولا يجعلونها في مرتبة واحدة فعلى هذا هؤلاء اشركوا في الربوبية، وكيف ذلك؟
أولًا: لم يقولوا بأن هذا العالم مخلوق لله، بل قالوا أنه ... (42:24) لله أزلًا وأبدًا فهذا العالم قديم، قالوا بقدم العالم وأبديته وأنه لم يكن معدومًا أصلًا بل لم يزل ولا يزال، ويقولون أن مصدر المخلوقات كلها عن العقول والنفوس وهي الملائكة، ومصدر هذا العالم عن العقل الفعال، يقولون مصدر العالم كله مفعول للعقل الفعال ويجعلونه رب الكائنات ومبدع السموات والأرض، ولكنه لازم للواجب لنفسه وهو الله معلول له، أي: هذا العقل الفعال معلول لله ولازم لله لا ينفك عنه فإذًا أشركوا مع الله، قالوا العالم قديم، وأبدي، ولم يزل ولا يزال ولكن مصدر المخلوقات ناشئة عن العقول والنفوس، والعقول والنفوس غيرها مصدرها عن العقل الفعال فهذا العقل الفعال رب كل ما تحته ومدبره وهو رب الكائنات ومبدع السموات والأرض إلا أنه لازم لله للواجب نفسه معلول له لا ينفك عنه فهو معلول جعله الرب علة في وجوده وهو معلول له، وهو رب السموات والأرض وهو معلول له، إذًا أشركوا في الربوبية جعلوا الملائكة مصدر المخلوقات عن العقول والنفوس وهي الملائكة، ومصدر العالم كله عن العقل الفعال وهذا العقل الفعال هو رب كل ما تحته ومدبره وهو رب الكائنات وهو مبدع السموات والأرض إلا أنه لازم لله معلول له فالله علة له، إذًا اشركوا بالربوبية فجعلوا مع الله مدبرًا، وجعلوا مع الله خالقًا فالفلاسفة طائفة ثانية أشركوا في ربوبية الله، ويقولون أن الحوادث بأسرها مستندة إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها يسمونها العقول والنفوس، فالعقول والنفوس وهم الملائكة الحوادث مستندة إليها، والمخلوقات كلها صادرة عنها إلا أن المصدر الأول الصادرة عنها هو العقل الفعال وهو رب الكائنات ومبدع السموات والأرض وهو رب كل ما تحته ومدبره إلا أنه لازم لله ومعلول له فأشركوا مع الله جعلوا مع الله خالق، ومدبر من جنس المجوس.
(بأنه لم يصدر عنه إلاّ واحد بسيط) هذا من جهلهم وضلالهم، الواحد لا يصدر عنه إلا واحد وهذا باطل ليس هناك شيء يصدر عنه شيء إلا الله إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون وما عدا ذلك فليس هناك شيء في الوجود إلا وله زوج كما قال الله -تعالى-: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ ]سورة الذاريات : 49[، سالب وموجب النار لها سالب وموجب، كل شيء تجده اثنين له سالب وموجب التزاوج والتوالد ما في شيء واحد يصدر عنه شيء واحد ما في إلا الله مشيئة الله إذا أراد الله شيئًا قال له كن فيكون وما عدا ذلك فكل شيء كما قال الله ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ كل شيء النار من شيئين ما يوجد شيء من شيء واحد سالب وموجب، كذلك أيضًا الثمار والزروع والحيوانات ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ كلها، فهم الفلاسفة يقولو: (بأنه لم يصدر عنه إلاّ واحد) وهذا من جهلهم وضلالهم لكنهم بزعمهم هكذا يقولون، خالق ما يصنعه إلا واحد، ويقول مصدر المخلوقات كلها على العقول والنقول وهي الملائكة، ومصدر هذا العالم على العقل الفعال وهو رب كل ما تحته ومدبره.
(وهذا شرّ من شرك عبّاد الأصنام والمجوس والنّصارى، وهو أخبث شرك في العالم) شرك الفلاسفة يقول شر من شرك عباد الأصنام، وشر من شرك عباد المجوس، وشر من شرك عباد النصارى يتبين بهذا أن المؤلف -رحمه الله- مثل في شرك الربوبية بشرك المجوس، وشرك الفلاسفة، وشرك النصارى الذين يقولون بالتثليث أن الالهة ثلاثة الله وعيسى وما يقولون ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ ]سورة المائدة : 73[، وهم يقولون بسم الاب والابن وروح القدس إله واحد، هؤلاء كلهم اشركوا في الربوبية، وهل عباد الأصنام أيضًا من ذلك؟
نعم، من يعتقد من عباد الأصنام أنها تضر وتنفع معناه أشرك في الربوبية، وإن كان يعتقد أنها لا تضر ولا تنفع وإنما يعبدها للشفاعة وأنها تقربها عنده فلم يشرك، إذًا الذين أشركوا بالربوبية طوائف: المجوس، النصارى، الفلاسفة، بعض مشركين عباد الأصنام الذين يعتقدون في أصنامهم النفع والضر، وشر هذا الشرك واخبثهم شرك الفلاسفة فهو شر من شرك عباد الأصنام، وشر من شرك المجوس، وشر من شرك النصارى، بل هو أخبث الشرك في العالم، لماذا؟
(إذ يتضمن من التعطيل وجحد الإلهيّة والربوبيّة واستناد الخلق إلى غيره سبحانه وتعالى ما لم يتضمنه شرك أمة من الأمم) هذا وجه كون شرك الفلاسفة أخبث من شرك عباد الأصنام، وأخبث من شرك عباد المجوس، وأخبث من شرك النصارى وهو أخبث الشرك في العالم لأنه يتضمن تعطيل الرب وجحد إلهيته، وجحد ربوبيته، واستناد الخلق إلى غيره -سبحانه- ما لم يتضمنه شرك أمة من الأمم، وهم أخبث من شرك المجوس، وأخبث من شرك النصارى، وأخبث من شرك عباد الأصنام لأنه يتضمن التعطيل تعطيل الرب أكثر من غيره، أكثر من تعطيل النصارى، وأكثر من تعطيل المجوس يتضمن تعطيل الرب، ويتضمن جحد إلهية الرب، ويتضمن جحد الربوبية لأنهم جعلوا العقول تتصرف في هذا الكون، جعلوا العقل فعال يتصرف في هذا الكون فهم عطلوا الرب، وجحدوا إلهيته، وجحدوا ربوبيته، وجعلوا الخلق يستند إلى غير الله -سبحانه- وهذا لم يتضمنه شرك أمة من الأمم فلهذا كان شرك الفلاسفة أخبث من شرك عباد الأصنام، وأخبث من شرك المجوس، وأخبث من شرك النصارى نسأل الله السلامة والعافية.
(وشرك القدريّة مختصر من هذا، وباب يدخل منه إليه) شرك القدرية مختصر من شرك الربوبية وباب يدخل إليه إلى الشرك في الربوبية لأن القدرية يشابهون المجوس في القول بتعدد الخالق، المجوس يقولون أن الخالق متعدد خالقان خالق للخير، وخالق للشر، والقدرية شرك مختصر من هذا، قالوا: كل عبد يخلق فعل نفسه، فقالوا بتعدد الخالق فشبهوهم فصار شركهم مختصر من شرك المجوس، والجامع بينهما هو القول بتعدد الخالق فهو مختصر منه وباب يدخل منه إليه، من قال بتعدد الخالق ولج ودخل من هذا الباب ووصل إلى ما وصل إليه من قال بتعدد الخالق، والمراد بالقدرية هنا قدرية المجوس الذين نفوا تقدير الله لأفعال العباد، وقالوا إن العباد خالقين لأفعالهم، والقدرية ثلاث طوائف كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره في التدميرية وفي غيرها: فإن أهل الضلال في القدر ينقسمون إلى ثلاث فرق: مجوسية، ومشركيه، وإبليسيه.
المجوسية: هم الذين سبق الكلام عنه بالأمس الذين كذبوا بقدر الله وآمنوا بأمره ونهيه، كذبوا بقدر الله فقالوا: إن العباد خالقين لأفعالهم وأفعالهم لم يقدرها الله ولم يردها ولا شائها ولا خلقها فالعباد هم الذين أرادوا وخلقوها، إذًا كذبوا بقدر الله وآمنوا بأمره ونهيه الأوامر والنواهي آمنوا بها، لكن كذبوا بقدر الله.
المجوسية: نسبة إلى المجوس الذين قالوا بتعدد الخالق، وهم قالوا إن العباد خالقون لأفعالهم وهم طائفتان:
الطائفة الأولى: الغلاة الذين أنكروا العلم والكتاب، أنكروا علم الله في الأشياء قبل كونها، وكتابته لها في اللوح المحفوظ، وهم الذين كفرهم السلف، وهم الذين خرجوا في أواخر عهد الصحابة وانقرضوا، وهم الذين قال فيهم الإمام الشافعي لا يناظر القدرية بالعلم فإن أقروا به ... وإن أنكروه كفروا.
الطائفة الثانية: المقتصدون الذين اثبتوا العلم والكتاب وأنكروا عموم مشيئة الله وخلقه وقدرته، وهؤلاء هم المعتزلة ومن وافقهم، معتزلة في الصفات قدرية في الأفعال آمنوا بمراتب القدر الأربعة كلها آمنوا بالعلم، والكتابة، والإرادة، والخلق إلا أنهم لم يقولوا بعموم الإرادة، ولم يقولوا بعموم الخلق بل أخرجوا من عموم إرادة الله أفعال العباد، وأخرجوا من خلق الله أفعال العباد، فقالوا: الله ما أراد أفعال العباد وما خلقها بل العباد هم الذي أرادوها وشاءوها وخلقوها استقلالًا لشبهةٍ عرضت لهم وهي أن الظن لو كان الله قدر المعاصي وخلقها وعذب عليها .. المراد من ذلك قالوا: إن العباد خلقوها وهؤلاء هم المعتزلة ومن وافقهم.
الفرقة الثانية من فرق القدرية المشركيه: الذين أقروا بالقضاء والقدر وأنكروا الأمر والنهي عكس المجوسية، المجوسية أقروا بالأمر والنهي وكذبوا بالقدر، والمشركية أقروا بالقضاء والقدر وكذبوا بالأمر والنهي وهم الذين يحتجون على المعاصي بالقدر واتبعوا المشركين في قولهم قال الله -تعالى-: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ ]سورة الأنعام : 148[، فسموا مشركيه لأنهم شابهوا المشركين في الاحتجاج بالقدر هذه الطائفتان متقابلتان.
المجوسية آمنوا بالأمر والنهي وكذبوا القدر، المشركيه آمنوا بالقضاء والقدر وكذبوا الأمر والنهي، المشركيه أشدهم لأنه المجوسية وإن كذبوا بالقدر فقد عظموا الأمر والنهي الأوامر والنواهي يعملون بها، ويعملون بالشريعة، لكن المشركية كذبوا بالأمر والنهي وإنما يتبعون القدر بزعمهم فيقول أحدهم: انا إن عصيت أمره الدين الشرعي فقد وافقت أمره الكوني القدري، ويحتج بالمعاصي بالقدر، وعلى ذلك عطلوا الشريعة، قال الله -تعالى-: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ إذًا هؤلاء عطلوا الشريعة، عطلوا الأوامر والنواهي والشريعة والرسل كل هذا عبث عندهم، وإذا سرق أحدهم احتج بالقدر، إذا زنا أحدهم احتج بالقدر، إذا زنا احتج بالقدر وأبطل الأوامر والنواهي عطل الشريعة، وابطل الرسل والكتب كلها عبث عنده، لكن المجوسية يعظمون الأوامر والنواهي يعملون بالأوامر والنواهي، لكن بدعتهم في التكذيب بالقدر أنكروا عموم خلق الله، عموم إرادة الله، وعموم خلق الله فقالوا: إن الله أراد كل شيء في هذا الوجود إلا أفعال العباد الطاعة والمعصية ما أرداها، وقالوا: إن الله خالق كل شيء إلا أفعال العباد من الطاعة والمعصية هم الذين خلقوه لشبهة عرضت لهم فهؤلاء أخف من المشركية، المشركية أبطلوا الشرائع والكتب، وهؤلاء عظموا الشرائع والكتب وإن كذبوا بالقدر.
الطائفة الثالثة: الإبليسية نسبة إلى إبليس شيخهم إبليس أقروا بالأمرين جميعًا في القدر، وبالأمر والنهي لكن جعلوا هذا متناقض من الرب -سبحانه- وطعنوا في حكمته وعدله أقروا بالأوامر الشرعية، وأقروا بالقدر لكن هذا تناقض من الرب كيف يأمر بشيء ويقدر شيء، يقدر ما ينافيه فجعلوا الأمر يبطل القدر، والقدر يبطل الأمر وقالوا: الرب متناقض تعالى الله عما يقولون، وشيخهم ومقدمهم إبليس الذي عارض أمر الله لما قال الله ﴿ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ]سورة الأعراف : 12[، اعترض على الله، عارض الأمر بالقياس الفاسد ﴿وقَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ فهؤلاء الإبليسية أقروا بالأمرين يقرون بالقدر، والأمر والنهي ولكن جعلوا هذا متناقضًا من الرب -سبحانه- وطعنوا في حكمته وعدله كما فعل شيخهم ومقدمهم إبليس بل إن بعضهم تجاوز إبليس -والعياذ بالله- وصار يدافع عن إبليس بعض القدرية، يدافع عن إبليس ويتهم الرب -سبحانه- بالظلم يقول الرب ظلم إبليس، إبليس مسكين أراد أن ينزه جبهته فلا يسجد لغيره فطرد وعلن ما ذنبه يكون إبليس مسكين مظلوم، إبليس امتنع من السجود أراد أن ينزه جبهته فلا يسجد إلا لله ومع ذلك ظلمه الله أعوذ بالله فطرده ولعنه ما ذنبه؟ هذا الذي قال عنه شيخ الإسلام يقادون طر إلى النار معشر القدرية وهذا يقول قائلهم: كنت امرئ من جند إبليس فارتقى به الحال حتى صار إبليس من جنده، كان في الأول من جند إبليس ثم تطور فصار إبليس من جنده فهؤلاء والعياذ بالله يدافعون عن إبليس ويقولون إبليس مظلوم ونسبوا الظلم إلى الله، والله -سبحانه وتعالى- نزه نفسه عن الظلم وحرمه على نفسه «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا» ﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾ فالظلم وضع الشيء في غير موضعه كأن يحمل أحدًا أوزار غيره، أو ينزعه من ثوابه ثواب حسناته هذا الظلم هو الذي تنزه الله عنه وحرمه على عباده، لكن هؤلاء والعياذ بالله طعنوا في حكمة الرب وجعلوا الرب متناقض واتهموا ربهم ودافعوا عن إبليس وأمثاله نسأل الله العفو والعافية.
(وشرك القدريّة مختصر من هذا، وباب يدخل منه إليه) المقصود القدرية المجوسية الذين قالوا بخلق أفعال العباد، حيث قالوا بتعدد الخالق.
(ولهذا شبّههم الصّحابة - رضي الله عنهم - بالمجوس، كما ثبت عن ابن عمر وابن عبّاس - رضي الله عنهم -، وقد روى أهل السنن فيهم ذلك مرفوعًا: أنهم مجوس هذه الأمة) هذا مروي عن ابن عمر، وابن عباس أخرجه الإمام أحمد في السنة واللالكائي، وأما الحديث الذي وراه أهل السنن أنهم مجوس هذه الأمة حديث ضعيف، الأحاديث التي وردت في القدرية مرفوعة كلها ضعيفة عند أهل العلم ولكن الصحيح أنها موقوفة على الصحابة، من كلام الصحابة هذا ثابت ذم القدرية على الصحابة ثابت، وأما ذم القدرية المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ضعيف الأحاديث ضعيفة، بخلاف الخوارج الأحاديث فيهم كلها صحيحه في الصحيحين وغيره كلها في ذم الخوارج، أحاديث الخوارج صحيحه والأحاديث في ذم القدرية ضعيفة لا تثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لكنها تثبت عن الصحابة.
ذكر ابن القيم -رحمه الله- أن الصحابة ذموا القدرية، وذكر أنه روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث من أحاديث ابن عمر وحذيفة وابن عباس وجابر ابن عبد الله، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص ثم تكلم على أسانيدها وقال أنها لا تصح من قال كما سبق، الاحاديث المرفوعة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في القدرية كلها فيها ضعف لا تخلوا من مقال لكن الثابت عن الصحابة، ذم القدرية ثابت عن الصحابة بسند صحيح موقوف على الصحابة.
(وكثيرًا ما يجتمع الشركان في العبد وينفرد أحدهما عن الآخر) كثيرًا ما يجتمع الشركان في العبد شرك الربوبية وشرك الألوهية قد يجتمع في الشخص شركان يعتقد أن هناك خالق مع الله أو مقدر مع الله ويعبد غير الله يدعوا غير الله يذبح لغير الله فيشرك في الربوبية والألوهية يجتمع هذا وهذا.
وقد ينفرد أحدهما فيكون الواحد مشرك في العبادة ويدعوا غير الله، ولكنه لم يشرك في الربوبية، وقد يشرك في الربوبية يعتقد أنه يوجد مدبر مع الله في الكون لكنه لا يعبد إلهًا أخر مع الله فالناس أقسام:
قسم منهم مشرك في الربوبية: مثل المجوس، والنصارى، وعباد الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، والفلاسفة.
وقسم مشرك في العبادة والألوهية فقط: مثل عباد القبور الذين يدعونها ويذبحون لها.
وقسم من الناس يجتمع فيه الشركان: شرك الربوبية، وشرك الألوهية وهو أن يعتقد أن هناك مدبر مع الله، أو يجعل لله صاحبة أو ولدًا وهو مع ذلك يذبح لغير الله، وينذر لغير الله.
(والقرآن الكريم بل الكتب المنزلة من عند الله - تعالى - كلها مصرّحةً بالرد على أهل هذا الإشراك) الإشراك في الألوهية وليست في الربوبية من بـاب أولى لأن توحيد الربوبية أمر فطري.
(كقوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ وجه الرد على أهل الشرك في العبادة من هذه الآية، أن الله -تعالى- قدم الظرف، ولما قدم الظرف أفاد الحصر وصار المعنى إياك نعبدك يا الله ولا نعبد سواك وبهذا تكون الآية أبطلت شرك العبادة والألوهية نعبدك ولا نعبد سواك هذا مفهوم من تقديم الظرف ولو ما قدم الظرف فصار نعبدك ما فارق الحق، لو قيل نعبدك ونستعين بك ما فارق الحق اثبت العبادة لله واثبت الاستعانة بالله لكن ما نفاها عن غيره، ما نفى العبادة عن غيره فلما قدم الظرف إياك نعبد أفاد أمران: اثبات العبادة لله، ونفيها عن ما سواه وهذا مفهوم من تقديم الظرف لأن تقديم الظرف يفيد الحصر فصار معنى إياك نعبد هو معنى لا إله إلا الله معناه النفي والإثبات وهذا مفهوم من تقديم الظرف إياك نعبد لأنه يفيد الحصر فصارت الآية تفيد الأمرين إثبات العبادة لله، ونفيها عن ما سواه.
(والقرآن الكريم بل الكتب المنزلة من عند الله - تعالى - كلها مصرّحةً بالرد على أهل هذا الإشراك، كقوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ هذا أول دليل فإنه ينفي شرك المحبة والإلهية ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ أي نعبدك ولا نعبد سواك فانتفى بذلك شرك المحبة والإلهية.
(وقوله: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ فإنه ينفي شرك الخلق والربوبيّة) أي: نستعين بك ونطلب العون منك يا الله ونتوكل عليك ولا نتوكل على غيرك، هذه الآية ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ تنفي الشرك في الربوية والخلق، ووجه ذلك أنه قدم الظرف فصار يفيد الحصر ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ والمعنى: نستعين بك ولا نستعين بغيرك فصار معناها لا رب إلا الله، لا خالق إلا الله وهذا مستفاد من تقديم الظرف فلولا أن يقدم الظرف نستعين بك أثبت الاستعانة، لكن ما نفة الاستعانة بغير الله فلما قدم الظرف فهذا يفيد النفي نفي الاستعانة بغير الله، وإثباتها لله فصارت ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ تنفي شرك الربوبية و ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ تنفي شرك العبادة فصار الكل داخل في ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ فالسر في الوجود ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ وكما سيأتي ابن القيم -رحمه الله- ذكر أن الله -تعالى- جمع العلوم كلها في الكتب الإلهية الثلاثة التوراة والإنجيل والزبور وجمع ما فيها في القرآن وجمع ما في القرآن في الفاتحة، وجمع ما في الفاتحة في ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ فهي سر الخليقة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: (والقرآن الكريم بل الكتب المنزلة من عند الله - تعالى - كلها مصرّحةً بالرد على أهل هذا الإشراك، كقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، فإنه ينفي شرك المحبّة والإلهيّة، وقوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فإنه ينفي شرك الخلق والربوبيّة).
قال المؤلف -رحمه الله-:
فتضمّنت هذه الآية تجريد التّوحيد لربّ العالمين في العبادة، وأنه لا يجوز إشراك غيره معه، لا في الأفعال ولا في الألفاظ ولا في الإرادات، فالشرك به في الأفعال، كالسجود لغيره سبحانه وتعالى، والطواف بغير بيته المحرّم، وحلق الرأس عبوديّةً وخضوعًا لغيره، وتقبيل الأحجار غير الحجر الأسود الذي هو يمينه -تعالى- في الأرض، وتقبيل القبور واستلامها والسجود لها.
وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من اتّخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، فكيف من اتّخذ القبور أوثانًا تعبد من دون الله؟
(فتضمّنت هذه الآية تجريد التّوحيد لربّ العالمين في العبادة) تضمنت هذه الآية ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ تضمنت تجريد التوحيد لرب العالمين في العبادة، تجريد الشيء أي: تخليص التوحيد وتنقيته وتجريد التخليص، والتصفية والتنقية والتهذيب تضمنت هذه الآية تصفية التوحيد وتخليصه لرب العالمين في العبادة، إخلاصه وتصفيته وتهذيبه وتنقيته لرب العالمين في العبادة وأنه لا يجوز إشراك غيره معه لا في الأفعال ولا في الالفاظ ولا في الإرادات وهذا مأخوذ من تقديم الظرف في قوله ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ هذا أفاد تقديم الظرف أفاد تجريد التوحيد لله -تعالى- تجريد التوحيد لرب العالمين في العبادة الإخلاص والتهذيب والتنقية وأنه لا يجوز إشراك غير الله معه لا في الأفعال ولا في الألفاظ ولا في الإرادات، تبين بهذا أن الشرك في العبادة ثلاثة أنواع:
1 - الشرك في الأفعال.
2 - الشرك في الألفاظ.
3 - الشرك في الإرادات.
والشرك بأنواعه الثلاثة كله تضمنت هذه الآية نفيه وإبطاله وتجريد التوحيد لرب العالمين في قوله ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ وأنه لا يجوز إشراك غيره معه لا في الأفعال ولا في الألفاظ ولا في الإرادات وسيمثل المؤلف -رحمه الله- في الشرك في الأفعال مثل السجود للصنم، الشرك في الألفاظ مثل الحلف بغير الله، والاستهزاء بالله ورسوله، وسب الله وسب رسوله، والشرك في الإرادات يقصد العمل به غير الله، ويريد بعمله الدنيا هذه أنواع الشرك وسيذكرها المؤلف -رحمه الله- ويمثل بأمثله لها.
(فالشرك به في الأفعال، كالسجود لغيره سبحانه وتعالى، والطواف بغير بيته المحرّم، وحلق الرأس عبوديّةً وخضوعًا لغيره، وتقبيل الأحجار غير الحجر الأسود الذي هو يمينه -تعالى- في الأرض، وتقبيل القبور واستلامها والسجود لها) المؤلف -رحمه الله- مثل للشرك في الأفعال وهذا الكلام منقول من الجواب الكافي لابن القيم -رحمه الله-.
(فالشرك به في الأفعال، كالسجود لغيره سبحانه وتعالى) هذا المثال الأول السجود، من سجد لغير الله متقربًا إليه فإنه قد أشرك بالله كأن يسجد للصنم فإذا سجد للصنم فهذا مشرك، أو سجد لآدمي تقربًا إليه فهذا أشرك، وإذا سجد له تحية ما قصد التقرب إليه أو ركع له تحية نقول هذا حرام محرم وسيلة إلى الشرك لكن ما يكون شرك لأنه ما قصد التقرب، لكن لو قصد التقرب إليه صار شرك، فإن قال أنا أردت التحية نقول حرام التحية بالسجود، فإذا قال السجود تحية جائز أخبر الله عن يوسف وإخوته وأبويه أنهم سجدوا له ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾] سورة يوسف : 100[، لما قدموا من فلسطين وهو في مصر وكان قد رأى وهو صغير قال لأبيه: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ فهذا الأحد عشر إخوته والشمس والقمر أبوه وأمه رأه وهو صغير فقال له أبوه يعقوب -عليه السلام-: ﴿قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾ فتحققت هذه الرؤيا بعد أربعين سنة أو ثلاثين سنة وقعت لما أخذه إخوته وألقوه في غيهاب الجب ثم جاءت سيارة أخرجوه، ثم بيع عبد ومكث مدة عند عزيز مصر، ثم بعد ذلك سجن، ثم خرج فصار وزير المالية، ورأى الملك الرؤيا التي فيها ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ﴾ ]سورة يوسف : 43[، وكان قد عبر الرؤيا للسجينين اللذين دخلوا معه السجن وأخبراه لما رأى الملك الرؤيا ولم يعبرها أحد وكان زميلاه خرجا قد عبر لهم الرؤيا أخبراه بأن هناك رجل في السجن يعبر الرؤيا وجاء إليه وعبر الرؤيا فأخرج كما قص الله -سبحانه وتعالى- في سورة يوسف وصار بمثابة وزير المالية فصار هو الذي يدبر جاءت السنوات الخصب فصاروا يزرعون ويأخذ السنبل ويضعه في مكانه، ثم جاء السنوات العجاف فصار يأتون من كل مكان صار القحط في كل مكان وممن كانوا في ذلك إخوته جاءوا من فلسطين يكيل لهم، ثم بعد ذلك جاء أبوه واخته فرفعهما على العرش السريد للملك وخروا لها سجدا سجود تحية، فإذا قال قائل إن يعقوب وزوجته وإخوة يوسف وأبنائه سجدوا ليوسف تحية فنقول هذا في شريعتهم قبلنا جائز في شريعتهم، أما في شريعتنا الكاملة نسخ هذا فلا يجوز التحية بالسجود، التحية بالسلام أما السجود حرام، فإذا سجد له بنية التحية فهو حرام ارتكب إثم وجريمة، وإذا سجد بنية التقرب فقد عبد من دون الله.
(فالشرك به في الأفعال، كالسجود لغيره سبحانه وتعالى، والطواف بغير بيته المحرّم) كذلك الأخر إذا طاف بغير بيت الله إن قصد التقرب فإنه يكون شرك كما لو طاف على القبر، أو طاف على بنية، او طاف على حضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- نوي التقرب إليه هذا شرك، أما إذا طاف ينوي التقرب إلى الله، شخص يطوف على حجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا قيل له لا تطوف قال أنا أطوف لله أتقرب إلى الله نقول له حرام، طف بالبيت الحرام لا يوجد مكان يتطوف به إلا الكعبة تذهب إلى الكعبة وتطوف بها تتقرب إلى الله، فإذا كان يطوف لله فنقول هذا بدعة المكان لا يطاف به هذا بدعة وحرام ووسيلة إلى الشرك لكن ما وقع في الشرك لأنه ما صرف الطواف والعبادة لغير الله، صرفها لله لكن المكان مبتدع فيكون مبتدع فإذا رأينا شخص أخر يطوف بحجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقول أنا أطوف بالرسول -عليه الصلاة والسلام- فنقول أنت مشرك وثني هذا شرك تقربت لغير الله، وكذلك شخص يطوف على قبر البدوي، أو ابن علون، فإذا قلنا لماذا تطوف بالبدوي فقال أنا أطوف لله نقول لا حرام الطواف ليس هنا طف بالله في الكعبة ما في مكان تطوف به إلا الكعبة، فإذا قال أنا اطوف للبدوي يكون هذا شرك لأنه صرف العبادة لغير الله.
(وحلق الرأس عبوديّةً وخضوعًا لغيره) حلق الرأس كأن يحلق رأسه تعبدًا كما يفعل الصوفية، يحلق المريد رأسه للشيخ تعبدًا وتقربًا إليه فهذا شرك بنية التقرب، أما إذا حلق رأسه لأن رأسه يتعبه ليزول الوسخ فهذا مباح، وقد يحلق رأسه تشبهًا بالخوارج لأن من سيماهم التحليق فهذا بدعه، وقد يحلق رأسه تقربًا للشيخ كما يفعل الصوفية فهذا عبادة، إذا حلق رأسه على وجه التعبد والخضوع فهذا شرك، وإذا حلق رأسه من أجل إزالة الأوساخ فهذا مباح، وإن حلق رأسه مشابهة للخوارج فهذا محرم فإن حلق الرأس يكون أقسام، وعلى هذا يكون الركوع والسجود والطواف بغير البيت وحلق الرأس لغير الله إذا فعل واحدًا منها خضوعًا وتعبدًا وتقربًا لغير الله فهذا الشرك الأكبر، وإلا فهو محرم وكبيرة، ووسيلة من وسائل الشرك، وهذا إنما هو في الأشياء الفعل أو القول إذا كان محتملًا يشترط في كونه شركًا نية التقرب إلى الله، أما إذا لم يكن محتملًا فلا يشترط النية في كونه كفرًا مثل: لو سجد للصنم، لا يمكن أن يقول أنا أسجد للصنم تحية ما في تحية هذا شرك إذا قصد السجود للصنم قاصدًا السجود للصنم فهذا شرك ولو قال تحية ما يقبل لأن الصنم ما يحيى، لكن لو سجد لآدمي نعم يمكن يكون تحية، كما لو سب الله أو سب رسوله أو سب دين الإسلام هذا كفر بالاتفاق ولا يتصور فيه الجهل، شخص سب الله، أو سب الرسول هل يتصور أن هذا جهل ما في جهل هذا، هذا كافر، او استهزأ بالله أو بكتابة، أو برسوله هذا في ترد أسئلة تأتي من خارج المملكة تقول بعضهم لما غضب سب الله، وسب رسوله والعياذ بالله، هذا كفر وردة نسأل الله العافية، ومثله القاء المصحف في القاذورات أو لطخ المصحف بالنجاسة فهذا كفر وردة لأنه استهان به إذا كان متعمد القى المصحف في القاذورات ولطخه بالنجاسة فهذا كفر وردة، أما إذا احرق المصحف وألقاه في النار فهذا فيه تفصيل إن كان المصحف جديد فهذا قد يكفر لأنه مستهين به، أما إذا كان المصحف قديم بليت أوراقه ويتقطع مشقق ويعثر القراءة فيه وأحرقه في النار فإن هذا لا يكفر لأنه أحرقه احترامًا له حتى لا تطاير الأوراق في الأماكن الغير مناسبة مثل ما فعل عثمان -رضي الله عنه- حرق المصاحف لما جمع الناس على مصحف واحد وأرسل في كل مصر من الأمصار مصحف، جعل في المدينة مصحف، وفي مكة مصحف، وفي الكوفة مصحف، وإلى مصر مصحف وحرق بقية المصاحف فهذا لا بأس به، فالمصحف إذا كان مزقت أوراقه أو بليت أوراقه لا بأس بإحراقه احترمًا له، أو يدفن بأرضٍ طاهرة تحت البرية أو تحرقه، أما إذا كان مصحف جديد ويحرقه فهذا ظاهر أنه أحرقه امتهانًا له مثل ما القاه في القاذورات، مصحف جديد أحرقه هذا قد يقال أنه رده والعياذ بالله لأنه امتهن.
إذًا بعض الناس يقول كل عبادة ثبت لله فصرفها لغير الله على وجه التعبد شرك أكبر، وما عداه شرك أصغر، نقول هذا لا ليس مطردًا ليس كل عبادة صرفت لغير الله على وجه التعبد يكون شركًا وصرفها لغير الله على غير وجه التعبد لا يكون شركًا أصغر هذا إذا كان محتملًا، أما إذا لم يكن محتمل كالسجود للصنم، وسب الله وسب الرسول، أو الاستهزاء بالكتاب هذا يكون كفرًا بالاتفاق لأن ليس فيه احتمال، وفق الله الجميع.
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ﴾ ]سورة يوسف : 43[،