شعار الموقع

شرح كتاب تجريد التوحيد_8

00:00
00:00
تحميل
78

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

فالشرك به في الأفعال، كالسجود لغيره سبحانه وتعالى، والطواف بغير بيته المحرّم، وحلق الرأس عبوديّةً وخضوعًا لغيره، أو تقبيل الأحجار غير الحجر الأسود الذي هو يمينه في الأرض، أو تقبيل القبور واستلامها والسجود لها.

وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من اتّخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلى لله فيها، فكيف من اتّخذ القبور أوثانًا تعبد من دون الله، فهذا لم يعلم معنى قول الله -تعالى-: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وفي الصحيح عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: "لعن الله اليهود والنصارى، اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذّر ما صنعوا. وفيه عنه - أيضا -: "إن من شرار النّاس من تدركهم السّاعة وهم أحياء، والذين يتّخذون القبور مساجد"، وفيه - أيضا - عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم: "إن من كان قبلكم كانوا يتّخذون القبور مساجد، ألا فلا تتّخذوا القبور مساجد، فإنّي أنهاكم عن ذلك"، وفي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبّان عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم: "لعن الله زوّارات القبور، والمتّخذين عليها المساجد والسرج"، وقال: "اشتدّ غضب الله على قوم اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، وقال: "إن من كان قبلكم كانوا إذا مات فيهم الرّجل الصّالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوّروا فيه تلك الصّور، أولئك شرار الخلق عند الله".

بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: قال المؤلف -رحمه الله-: فالشرك به في الأفعال كالسجودِ والطواف بغير البيت المحرم، وحلق الرأس عبودية وخضوعًا، قيده بعبودية وخضوعًا، فلو حلق الرأس لغير العبودية والخضوع لا يكون شركًا هذا كما يفعله الصوفيه المريد يحلق رأسه للشيخ تعبدًا لشيخه، تعبدًا له هذا هو الشرك، أما إذا حلق رأسه من بـاب النظافة فهذا مباح، وإذا حلق رأسه تقليلًا (01:38) هذا محرم وهي حلقة عبودية لغير الله فهذا هو الشرك.

(وتقبيل الأحجار غير الحجر الأسود) كذلك إذا قبل الحجر سجد له تعبدًا، إذا قبله أو سجد له تعبدًا فهذا يكون شرك.

(غير الحجر الأسود الذي هو يمينه في الأرض) الحجر الأسود وصفه بأنه يمين الله في الأرض هنا، وذكر المحقق علق على هذا وقال: أنه جاء في هذا حديثٌ لا يصح ولفظه: «الحجر الأسود يمين الله في الارض» أورده ابن عدي في الكامل، والخطيب في تاريخ بغداد، وبسند إسحاق بن بشر الكاهلي وهو ممن يضع الحديث، وعلى هذا فلا يصح هذا الحديث، الكلام على هذا في العلل المتناهية، وفيض القدير، وكشف الخفاء، والسلسلة الضعيفة، وأخرجه الأزرقي في أخبار مكة بإسنادين موقوف على ابن عباس بلفظ «الركن يمين الله في الأرض» فالحديث لا يصح وإن حسنه العجلوني في كشف الخفاء لأن تحسينه لم يكن على قواعد المحدثين، وله مثل هذا الصنيع في غير موضعٍ من كتابه فليتنبه لذلك، إذًا العجلوني في كشف الخفاء عنده تخليل في العقيدة يحتمل أنه حسن من أجل عقيدته من أجل خلل في عقيدته، وعنده خلل في العقيدة وإن كان محدث فعنده خلل في العقيدة، وذكر شيخ الإسلام في التدميرية هذا الحديث أو قال قريب من هذا الحديث «الحجر الأسود يمين الله في الأرض» قال يروى عن ابن عباس «الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه أو قبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه» وهذا الحديث ضعيف أيضًا والصواب أنه موقوف على ابن عباس وفيه ضعف أيضًا.

ولو صح فليس مما يتعلق بمن قال أن الحديث يدل على معنى فاسد، لأن بعض الناس قال أن هذا الحديث يدل على معنى فاسد فلا بد من تأويله، وقالوا أن حديث ... (04:08) وهو دل على أن الحجر الأسود يمين الله في الأرض والله في السماء، ودل على أن من صافحه صافح الله وهذا باطل.

والجواب أولًا: هذا الحديث لا يصح موصولًا.

ثانيًا: أنه موقف على ابن عباس ولا يصح أيضًا.

ثالثًا: لو صح فله معنى صحيح لأنه قال «الحجر الأسود يمين الله في الأرض» والله في السماء فدل على أن الحجر الأسود ليس يد الله، ثم قال من صافحه فكأنما صافح الله، ولم يقل فقد صافح الله، فهو تشبيه، فالمشبه غير المشبه به فإذا قلت زيدٌ كالبدر فشبه زيد بالبدر لكن زيد ليس هو البدر، لكن شبه زيد بالبدر، فقال فكأنما صافح الله هذا لو صح مع أن الحديث ضعيف.

(غير الحجر الأسود الذي هو يمينه في الأرض) هذا لم يثبت أن الحجر الأسود يمين الله، لكن الحجر الأسود ثبت في الحديث أنه نزل من السماء وأنه أبيض من الثلج فسودته خطايا بني آدم.

(أو تقبيل القبور واستلامها والسجود لها) إذا قبل القبور واستلمها الاستلام هو المسح والمصافحه مثل استلام الحجر الأسود، مسحه بيده اليمنى يسن للمسلم إذا طاف بالبيت أن يستلم الحجر الأسود واستلامه: أي مسحه بيده وتقبيله بالشفتين هذه سنة، فالحجر الأسود فيه سنن:

السنة الأولى: استلام الحجر وتقبيله، استلامه ومسحه باليد اليمنى، وتقبيله بالشفتين.

السنة الثانية: فإن لم تسطع من الزحام تمسح بيدك اليمنى وتقبل يدك اليمنى.

فإن لم تسطع تستلمه بعصا، فإن لم تستطع تشير إليه وتكبر.

فإذا قبل القبر واستلمه -أي: مسح بيده اليمنى- وسجد له فهذا شرك، لأنه معلوم أن القبر لا يحيا وسجد له، مثل السجود للصنم، إذا سجد للقبر، أو سجد للصنم فهذا شرك، إذا قبل القبر وسجد له واستلمه فهذا شرك، هذا من أنواع الشرك لذلك ذكره المؤلف -رحمه الله- في الأفعال السجود لغير الله، الطواف بغير البيت المحرم، وحلق الرأس عبودية وخضوعًا، وتقبيل الأحجار، وتقبيل القبور واستلامها والسجود لها كل هذا من أنواع الشرك.

(وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من اتّخذ قبور الأنبياء والصالحين) قد لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلى لله فيها لأنها وسيلة للشرك، فمن اتخذ القبور مساجد وصلى عندها هذا من وسائل الشرك، ومن البدع المحرمه لأن الشيطان يتدرج به شيءً بعد شيء، لأنه أولًا يصلي لله، ثم إذا طلع .. (09:40) صلى لصاحب القبر ولهذا فإن الصلاة في المقبرة وعند القبور من وسائل الشرك، وكذلك الدعاء عند القبور، وقراءة القرآن كل هذا من وسائل الشرك ومن البدع المحرمة، اتخاذ القبور مساجد من وسائل الشرك، إذا أراد أن يصلي في المقبرة نقول لا تصلي في المقبرة، قال -عليه الصلاة والسلام-: «لا تجلسوا على القبور، ولا تجلسوا إليها» صلي في المسجد أو في البيت، وكذلك إذا أراد أن يدعوا لا يدعو عند القبور، يدعوا في البيت لأن كل هذا من وسائل البدع والشرك.

ومثله أيضًا جعل القباب على القبور كالقبة والبناء عليها، والكتابة عليها، ووضع الرياحين والعطور، والزهور كل ذلك من وسائل الشرك.

وكذلك إنارتها واضائتها كل هذا من وسائل الشرك محرم، يجب أن تكون القبور راحيه كما كانت على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- في المقبرة ما في أنوار ولا في كتابة على القبور، ولا أرقام، ولا زهور، ولا رياحين، ولا يرفع القبر أكثر من شبر، ولا يبنى عليها، ولا يقرأ القرآن عندها، ولا يصلى فيها، ولا يدعا لله عندها، ولا يكتب عليها كل هذا من وسائل الشرك.

(وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من اتّخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد) واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وإذا لعن من يفعل شيء دل على أنه كبيرة، دل على أن اتخاذ قبور الأبيناء مساجد كبيرة ومن وسائل الشرك، وسيلة لأن الشيطان يتدرج بالإنسان يصلي أولًا لله عند القبر، ثم يأمره الشيطان أن يصلي للقبر فيقع في الشرك، فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد.

(فكيف من اتّخذ القبور أوثانًا تعبد من دون الله) الذي اتخذ قبور الأنبياء مساجد تعبد من دون الله هذا وقع في الشرك الأكبر والذنب الذي لا يغفر.

(فهذا لم يعلم معنى قول الله -تعالى-: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾) لأن الذي اتخذ القبور مساجد ما علم معنى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لأن معناها تخصيص الله بالعبادة، معناها نعبدك ولا نعبد سواك، وهذا عبد الأوثان، فالذي اتخذ القبور أوثانًا ما علم معنى قول الله ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾.

(وفي الصحيح عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: "لعن الله اليهود والنصارى، اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد") واللعن يدل على أنه كبيره، والرسول -عليه الصلاة والسلام- لعنهم وقد مضوا تحذيرًا لنا بأن لا نفعل فعلهم فيصيبنا ما أصابهم كما قال البعض: أفاض القوم ... (12:25) الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعن اليهود والنصارى على أتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد تحذيرًا لهذه الأمة أن تفعل مثل فعلهم فيصيبهم ما أصابهم فالمعنى لا تتخذوا القبور مساجد، وهذا الحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وفيه -أي الصحيح- عنه أيضًا «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد» جعل شرار الناس صنفان:

الصنف الأول: من تدركه الساعة وهم أحياء وهم الكفرة لأن الساعة لا تقوم إلا على الكفرة بعد خروج اشراط الساعة الكبار تأتي ريحٌ طيبة من جهة اليمن تقبض أراوح المؤمنين والمؤمنات فلا تترك أحدًا مؤمن ولا مؤمنة إلا قبضته حتى لو كان أحدكم في كبد جبلٍ لدخلت عليه حتى تقبضه فلا يبقى إلا الكفرة فعليهم تقوم الساعة، وهم في ذلك حسن رزقهم، ... عيشهم فيتمثل لهم الشيطان ويقول الأ تستجيبون لي فيقولون ماذا تأمرنا؟

فيأمرهم بعبادةِ الأوثان فتقوم الساعة، يأمر الله إسرافيل ينفخ في الصور نفخة الفزع والصعق أوله فزع وأخره صعق وموت وهي نفخة طويلة يطولها فيموت الناس ويخرب هذا الكون ترتد الأرض وتتزلزل وتتكدر النجوم، وتنشق السماء، وتسجر البحار، وتسير الجبال، خراب هذا العالم بخروج التوحيد والإيمان، إذا خلا من التوحيد والإيمان خرب هذا العالم وقامت القيامة، ولا يمكن أن يخرب هذا العالم إذا كان فيه من يقول لا إله إلا الله في الحديث «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله» فصلاح هذا العالم بالتوحيد، وخرابه خلوه من التوحيد، إذا خلا من التوحيد خرب وقامت القيامة، والذين تقوم عليهم الساعة هم الكفرة خلو من التوحيد وهم شرار الناس، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد».

الصنف الثاني: الذين يتخذون القبور مساجد لأن اتخاذ القبور مساجد وسيلة إلى الشرك يتخذ القبر مسجدًا يصلي عنده ثم يصلي لصاحب القبر فصار شرار صنفان:

الصنف الأول: من تدركهم الساعة وهم أحياء لأنهم كفرة.

الصنف الثاني: الذين يتخذون القبور مساجد لأنها وسيلة إلى الشرك.

وفيه أيضًا: وهذا الحديث أخرجه مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن من كانوا قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم ولفظه «إني ابرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» فالنبي -صلى الله عليه وسلم- حذر من اتخاذ القبور مساجد تحذيرًا بالغًا لأنه وسيلة إلى الشرك من وجوه:

الأول: أنه لعن اليهود والنصارى على اتخاذ القبور مساجد، وهذا فيه تحذير من اتخاذ القبور مساجد

ثانيًا: أنه قال لا تتخذوا القبور مساجد هذا نهي لا أداة نهي، ثم قال فإني أنهاكم عن ذلك ختم بفعل، فصار تحريم اتخاذ القبور مساجد من ثلاث وجوه.

الوجه الأول: أنه حذر من اتخاذ القبور مساجد قال: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد» وفي اللفظ الآخر «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» لعنهم على ذلك فهذا تحريم لنا.

الثاني: أنه نهى قال: «فلا تتخذوا القبور مساجد».

الثالث: قال: «فإني أنهاكم عن ذلك».

واتخاذ القبور مساجد من وسائل الشرك المحرمة حيث لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- فاعله وجعله من شرار الناس، وعلى ذلك فالصلاة في المسجد الذي فيه قبر محرمة، الصلاة في المسجد الذي فيه قبر حرام لأن النبي نهى عنها «لا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك».

واختلفوا العلماء في صحة الصلاة في المسجد الذي فيه قبر على قولين:

أحدهما: أنها لا تصح وتعاد، وهذا رواية عن الإمام أحمد.

والثانية: أنه تصح مع التحريم والإثم وهو قولٌ للشافعي.

والقول الأول أصح، الصواب أنها لا تصح النهي يقتضي الفساد وأنه إذا صلى في المسجد الذي فيه قبر فلا تصح الصلاة بل عليه إعادتها.

(وفي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبّان عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم: "لعن الله زوّارات القبور، والمتّخذين عليها المساجد والسرج") زوارات: لفظ مبالغة أي: كثيرة الزيارة زوارات القبور لعت الله زوارات القبور، ولو لم تكثر الزيارة فلعن النبي -صلى الله عليه وسلم- صنفان:

الصنف الأول: النساء زوارات القبور.

الصنف الثاني: المتخذين على القبور المساجد والسرج.

زائرات القبور واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، زائرات القبور أي: من النساء، والمتخذين عليها مساجد اتخذ عليها مسجد فهو وسيلة للشرك لأنه يتخذها مساجد ويصلي عندها ثم يعبدهم.

والسرج: أي: الإضاءة والإنارة ينير القبور يجعل عليها كهرباء وأنوار لأن في هذا تعظيمٌ لها، ومثل وضع القباب عليها، والزهور، والرياحين، والكتابة عليها كل هذا من وسائل الشرك.

وزيارة النساء للقبور فيها ثلاثة أقول لأهل العلم:

القول الأول: أنها محرمة، ولا تجوز وهذا قول المحققين من أهل العلم كشيخ الإسلام وابن القيم رحمهم الله.

القول الثاني: أنها مكروهة وهذا قول للشافعي وجماعة.

القول الثالث: أنها جائزة إن أمنت الفتنة وهذا قول الجمهور ومنهم شيخ الإسلام.

وهل تأمن الفتنة على النساء؟

لا تأمن، والصواب تحريم، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «اشتد غضب الله على قومٍ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» أخرجه مالك في الموطأ، وابن سعد في الطبقات، وعبد الرزاق في المصنف، في إثبات الغضب لله -عز وجل- كما يقول أهل العلم وهذا فيه التحريم من اتخاذ القبور مساجد وأنه من الكبائر حيث أن الله يغضب على من اتخذوا القبور مساجد لأنه وسيلة للشرك، وقال: «إن من كان قبلكم كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا عليه مسجدًا وصوروا فيه تلك الصورة» وفي لفظٍ «وصورا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله»، بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الذين يتخذون القبور مساجد هم شرار الخلق عند الله لأن ذلك وسيلة إلى الشرك الأكبر.

 

 

 

قال المؤلف -رحمه الله-:

والنّاس في هذا الباب - أعني: زيارة القبور - على ثلاثة أقسام:

قوم يزورون الموتى فيدعون لهم. وهذه هي الزّيارة الشرعيّة.

وقوم يزورونهم يدعون بهم، فهؤلاء هم المشركون في الألوهيّة والمحبّة.

وقوم يزورونهم فيدعونهم أنفسهم، وقد قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد"، وهؤلاء هم المشركون في الربوبيّة.

وقد حمى النبيّ صلى الله عليه وسلم جانب التّوحيد أعظم حماية، تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ، حتى نهى عن الصّلاة في هذين الوقتين لكونه ذريعةً إلى التّشبيه بعبّاد الشّمس الذين يسجدون لها في هاتين الحالتين، وسد الذّريعة بأن منع من الصّلاة بعد العصر والصّبح لاتصال هذين الوقتين بالوقتين اللذين يسجد المشركون فيهما للشّمس.

وأمّا السّجود لغير الله فقد قال عليه الصّلاة والسّلام: "لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلاّ لله".

ولا ينبغي في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إنما يستعمل للذي هو في غاية الامتناع، كقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً، وقوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ، وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ، وقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ.

الناس في زيارة القبور ثلاثة أقسام:

القسم الأول: قوم يزورون الموتى فيدعون لهم أي: للموتى، وهذه الزيارة الشرعية، وهي أن تزور الميت من غير سفر تكون في البلد لا تشد الرحل، فتدعوا الله للميت بالمغفرة والرحمة تزوره وتدعوا له، هذه الزيارة الشرعية، وهذه الزيارة المشروعة فيها فائدتان: فائدة للحي، وفائدة للميت.

الزيارة الشرعية: أن تزور الميت تذهب إلى القبر وتسلم عليه فيحصل فائدتان:

فائدة للميت: وهي الإحسان إليه بالدعاء له والترحم عليه.

والثانية: فائدة للحي الزائر وهي بأن يرق قلبه ويتذكر الآخرة، ويحصل على الأجر والثواب بفعل السنةِ والطاعة.

إذًا الزيارة الشرعية هي أن تزور الميت وتدعوا له وتنصرف ولا تطيل، ولا بد أن يكون في البلد من غير سفر فيحصل فائدتان: الفائدة الأولى: الإحسان للميت بالدعاء له والترحم عليه، والفائدة الثانية: فائدة للحي بأن يرق قلبه ويتذكر الآخرة، وقد يقال الفائدة الثالثة: تحصيل الأجر والثواب لفعل السنةِ والطاعة فتكون ثلاث فوائد، هذه الزيارة الأولى الزيارة الشرعية.

القسم الثاني: قوم يزورون يدعون بهم وهؤلاء هم المشركون وجهلة العوام والطوام من غلاتهم يدعونهم، القوم الثاني قوم يزورنهم ويدعون بهم أي يسألون الميت أن يدعوا لهم وهذا شرك كما قال المؤلف بأنه داخل في دعاء غير الله، يزور الميت ويقول للميت ادعوا الله لي ما يدعوه لا يقال الميت اغفرلي وارحمني، لو قال للميت اغفرلي أو ارحمني هذا صار شرك، هذا دعاه مباشرة لكن يدعون بهم أي: يسألون الميت أن يدعوا لهم، لأنهم يعتقدون أن الميت حي في قبره وأن الله يرد عليه روحه فيدعوا الميت فيقول يا فلان ادعوا الله لي، ادعوا الله أن يرحمني، ادعوا الله أن يشفع في نبيه، ادعوا الله لي بالشفاعة، فهذا لم يدعوا الميت لكن طلب منه أن يدعوا له، هذا معنى قوله قوم يزورنهم يدعون بهم أي: بواسطتهم بسببهم، يدعون: أي يطلبون من الميت أن يدعوا الله لهم.

(فهؤلاء هم المشركون وجهلة العوام والطغاة من ولاتهم) هذا شرك كما قال المؤلف -رحمه الله- لأنه داخل في دعاء غير الله، ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ]سورة المؤمنون: 117[، دعا غير الله، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-  إلى أنه محرم وبدعه وليس شرك وهذا في المجلد الأول من مجموع الفتاوى قال: لأنه لم يدعوا الميت وما سأله من دون الله، وإنما طلب منه أن يدعوا له، وذهب إلى هذا بعض أهل العلم كالشيخ عبد اللطيف وغيره صاحب كتاب خيرة الإنسان قالوا: إن هذا ليس شركًا لأنه لم يدعوا الميت وما سأله من دون الله، وإنما طلب منه أن يدعوا له.

والصواب: القول الأول بأنه شرك.

هؤلاء قالوا: بأنه ليس بشرك لكنه بدعه وحرام وكبيرة ووسيلة من وسائل الشرك حرام، لا يجوز أن تقول للميت ادعوا الله لي حرام، وكبيرة وذنب عظيم لكن هذا هو الشرك؟

قال الجمهور: أن هذا الشرك، وذهب شيخ الإسلام وجماعة من أهل العلم أنه ليس بشرك وإنما هو بدعة وحرام، ووسيلة من وسائل الشراك لأنه لم يدعوا الميت من دون الله، وإنما طلب من الميت أن يسأل الله له، وان يدعوا الله له، والصواب أنه شرك.

القسم الثالث من الزيارة: وقوم يزورنهم فيدعونهم أنفسهم: يدعو نفسه يقول يا فلان اغفر لي، ارحمني، فرج كربتي، نجني من النار، اشفع لي عند الله، فهذا شرك بالاتفاق.

القسم الثالث: قوم يزورنهم فيدعونهم أنفسهم هذا شرك بالاتفاق بدون خلاف، هذا شرك بإجماع المسلمين، وتحريمه معلومٌ بالضرورة في دين الإسلام، والنصوص من الكتاب والسنة متواترة بتحريمها، يدعوا الميت ولا يدعوا الله، ادع الله لي، ادع الله أن يغفر لي، يقول للميت اغفر لي يا فلان اغفرلي، ارحمني، نجني من النار هذا شرك بإجماع المسلمين ما في خلاف، وتحريمه معلوم من الدين بالضرورة بدين الإسلام، والنصوص من الكتاب والسنة متواترة في تحريم هذه الزيارة، وهذه الزيارة إحياء لملة عمرو بن لحي الخزاعي الذي جلب الأصنام إلى بلاد العرب، هذا قول المؤلف: (وقوم يزورونهم فيدعونهم أنفسهم، وقد قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد") ومن دعا غير الله فقد جعله وثنًا، والله -تعالى- أجاب دعاء نبيه ولا يستطيع أحدًا أن يباشر بالشرك بل أحيط بجدران ثلاث، ووراء الجدران الثلاث الآن حواجز كثيرة كما قال ابن القيم:

فأجاب رب العالمين دعاءه
 

 

وأحاطه بثلاثة الجدران
 

حتى اغتدت أرجاؤه بدعائه
 

 

في عزة وحماية وصيان
 

 

ذاك نوع من الزيارة، وهناك قسمٌ رابع من الزيارة لم يذكره المؤلف، وهو أنهم يزورنهم ويدعون الله عند قبورهم، ويعتقدون أن الدعاء عن القبر مستجاب، يزور الميت ما يدعوا الميت، ولا يقول للميت ادعوا الله لي، ولا يدعوه من دون الله، وإنما هو يدعوا الله عند القبر هذا من البدع المحرمة، يزورنهم ويدعون الله عند قبورهم ويظنون أن الدعاء عند القبر مستجاب فهذا من البدع المحرمة ومن وسائل الشرك ومن كبائر الذنوب، فتكون الزيارة أربعة أقسام:

1 - قوم يزورون الموتى ويدعون الله لهم، وهذه زيارة شرعية.

2 - قوم يزورون يدعون بهم، وهذا شرك، وقيل بدعة ومحرم وكبيرة.

3 - وقوم يزورونهم ويدعونهم أنفسهم، وهذا شرك بالإجماع.

4 - يزورونهم ويدعون الله عند قبورهم، وهذا من وسائل الشرك، ومن البدع المحرمة ومن وسائل الشرك.

 (وقد حمى النبيّ صلى الله عليه وسلم جانب التّوحيد أعظم حماية) النبي -صلى الله عليه وسلم- حمى جانب التوحيد وحما حمى التوحيد فنهى عن كل وسيلة وذريعة توصل إلى الشرك الأكبر، أو الشرك الأصغر، أو تقدح في كمال التوحيد، نهى عن البدع كل ذلك حماية للتوحيد، نهى عن الحلف بغير الله، نهى عن قول ما شاء الله وشئت، نهى عن الصلاة عند القبور، وقراءة القرآن عندها، والدعاء عندها، نهى عن وضع القباب على القبور، نهى عن لا والله وفلان، نهى عن الرقى والتمائم، والتولة، ووضع الحلقة في اليد كل هذا حماية للتوحيد، حماية لجانب، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- حما حمى التوحيد وسد كل طريق يوصل إلى الشرك.

(وقد حمى النبيّ صلى الله عليه وسلم جانب التّوحيد أعظم حماية، تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ فيها افراد الله بالعبادة لا نعبد إلا إياك يا الله تحقيقًا للعبادة، تحقيقًا لإخلاص العبادة لله -عز وحل- حمى جناب التوحيد، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك، منع الذرائع والوسائل والبدع، والمحدثات في الدين كل ذلك حماية للدين وتحقيقًا للعبودية الخالصة لله -عز وجل- تحقيقًا لقوله -تعالى-: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ وقد مثل المؤلف على ذلك فقال:

(حتى نهى عن الصّلاة في هذين الوقتين) أي: عند طلوع الشمس، وعند غروبها، لكونهما ذريعة إلى التشبه بعباد الشمس الذين يسجدون لها في هذين الحالتين، هذا من حماية جناب التوحيد، النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاةِ عند طلوع الشمس وعند غروبها لكونها ذريعة تشبه بعباد الشمس، كما ثبت في الحديث أن الشمس تطلع بين قرني الشيطان، وتغرب بين قرني الشيطان «وحينئذٍ يسجد لها الكفار»، فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة في هذين الوقتين لكونها ذريعة إلى التشبه بعباد الشمس، لأن الإنسان إذا صلى عند طلوع الشمس وعند غروبها ولو كان يصلي لله شابه المشركين الذين يسجدون للشمس فنهي عن الصلاة في هذين الوقتين حماية لجناب التوحيد، وتحقيقًا لعبادية خاصة لله -عز وجل- لكونها ذريعة تشبهم بعباد الشمس الذين يسجدون في هذين الوقتين، ثم هو سد الذريعة بأن منع الصلاة بعد العصر، والصلاة بعد الصبح ولو كانت الشمس بعيده طلوعها أو غروبها، بعض الشمس أحيانًا يكون بعد العصر يكون باقي على الشمس ثلاث ساعات وتغرب ومع ذلك نهي عن الصلاة بعد صلاة العصر، وكذلك الفجر بعد الصلاة يكون باقي ساعة على طلوع الشمس ومع ذلك نهي عن الصلاة سدًا للذريعة، ولأن هذا الوقت متصل بطلوع الشمس وغروبها الذي يسجد لها الكفار، فهو سد الذريعة منع من الصلاة بعد العصر والصبح لاتصال هذان الوقتين بالوقتين الذين يسجد فيهما المشركون للشمس وهما وقت طلوع الشمس وغروبها، وقت الطلوع ووقت الغروب هذا منهي عنه منعًا للمشابهة، وبعد العصر وبعد الصبح نهي عنه باتصاله بالوقت الممنوع.

والصلاة في هذين الوقت بعد صلاة العصر وصلاة الفجر ممنوعًا مطلق عند الجمهور وعند أحمد وجماعة لا يصلى فيه أي شيء، الجمهور ذهبوا أنه لا يصلى مطلقًا بعد الصبح، وبعد العصر قالوا أحاديث النهي صحيحة ولا يصلى حتى تحية المسجد ولا أي شيء، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس»، قالوا: أحاديث النهي صحيحة فلا يصلى في هذه النواقل المطلقة ولا ذوات الأسباب، وذهب الشافعي وجماعة وجمعٌ من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم إلى جواز فعل ذوات الأسباب بعد صلاة الصبح وصلاة العصر في الوقتين الطويلين، مثل صلاة الكسوف إذا كسفت الشمس أو كسف القمر صلى بعد الفجر، أو بعد العصر، ومثل إعادة الجماعة صليت العصر في جماعة وذهبت إلى مسجد يصلون تصلي معهم، وقضاء الفُائت وتحية المسجد، وسنة الوضوء، وسنة الاستخارة التي يفوت وقتها، وركعتين القدوم من السفر، كل هذه تفعل في هذين الوقتين عند المحققين، أما إذا كان جالس في مسجد بدون سبب يحرم عليه أن يصلي.

وذهب بعض العلماء إلى جواز صلاة بعد العصر إلى اغتراب الشمس، وبعد الفجر حين طلوع الفجر، والصواب النوافل المطلقة إلا ذوات الأسباب في أصح قول العلماء.

(وأمّا السّجود لغير الله فقد قال عليه الصّلاة والسّلام: "لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلاّ لله") هذا الحديث أخرجه الترمذي، وابن حبان والبيهقي في الكبرى من حديث أبي هريرة بسند فيه محمد بن عمرو بن علقمة تُكلم فيه من قِبل حفظه وله شواهد «لا ينبغي لأحدٍ أن يسجُد لأحدٍ إلّا لله» السجود لا ينبغي إلا لله -عز وجل-.

(ولا ينبغي في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إنما يستعمل) ابن القيم -رحمه الله- ذكر في إغاثة اللهفان، وإعلام الموقعين قال: وكذلك النهي عن الصلاة بعد العصر، وبعد الفجر وإن لم يحكي وقت سجود الكفار للشمس مبالغة في هذا المقصود وحماية لجانب التوحيد، وسدًا للذريعة إلى الشرك بكل ممكن.

وأما السجود لغير الله فقال -عليه الصلاة والسلام-: «لا ينبغي لأحدٍ أن يسجُد لأحدٍ إلّا لله»، وهذا الحديث حسنٌ بشواهده ومعناه صحيح.

(ولا ينبغي في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إنما يستعمل للذي هو في غاية الامتناع) هذا قرره ابن القيم -رحمه الله- في إعلام الموقعين وغيره.

كلمة لا ينبغي في كلام الله ورسوله تستعمل لممتنع شديد الامتناع، كقوله -تعالى-: ﴿وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا]سورة مريم:92[، لأن اتخاذه ولد؛ من نسب الولد إلى الله فقد كفر ﴿وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ ممتنع يحيل على الله أن يتخذ ولدًا، وقوله -تعالى-: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ]سورة يس:69[، ما ينبغي للرسول أن يتعلم الشعر، ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ]سورة الشعراء:210[، ممتنع عليه، وقوله: ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ]سورة الفرقان:18[، كلمة ما ينبغي هذه تستعمل في كلام الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- للممتنع الشديد الامتناع.

 

 

 

قال المؤلف -رحمه الله-:

ومن الشرك بالله - تعالى - المباين لقوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ الشرك به في اللفظ كالحلف بغيره، كما رواه الإمام أحمد وأبو داود عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من حلف بغير الله فقد أشرك" صحّحه الحاكم وابن حبّان.

قال ابن حبّان: أخبرنا الحسن وسفيان، ثنا عبد الله بن عمر الجعفي، ثنا عبد الرّحمن بن سليمان، عن الحسن بن عبد الله النخعي، عن سعيد بن عبيدة قال: كنت عند ابن عمر - رضي الله عنهما، فحلف رجل بالكعبة، فقال ابن عمر - رضي الله عنهما -: " ويحك، لا تفعل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف بغير الله فقد أشرك".

ومن الإشراك قول القائل لأحد من النّاس: ما شاء الله وشئت، كما ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل: ما شاء الله وشئت. فقال: "أجعلتني لله ندًا؟، قل ما شاء الله وحده". هذا مع أن الله - تعالى - قد أثبت للعبد مشيئة، كقوله تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ، فكيف بمن يقول: أنا متوكّل على الله وعليك، وأنا في حسب الله وحسبك، وما لي إلاّ الله وأنت، وهذا من الله ومنك، وهذا من بركات الله وبركاتك، والله لي في السماء وأنت لي في الأرض؟؟، وزن بين هذه الألفاظ الصادرة من غالب النّاس اليوم وبين ما نهى عنه من: ما شاء الله وشئت، ثم انظر أيّها أفحش؟؛ يتبيّن لك أن قائلها أولى بالبعد من ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وبالجواب من النبي صلى الله عليه وسلم لقائل تلك الكلمة، وأنه إذا كان قد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ندًا فهذا قد جعل من لا يدانيه لله ندًا.

(ومن الشرك بالله - تعالى - المباين لقوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ الشرك به في اللفظ) المباين أي: المفارق، والمخالف لقوله -تعالى-: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ فإياك نعبد تقصد الإخلاص تحقيق العبادة لله -عز وجل- والحلف به في اللفظ يباين تحقيق التوحيد، كالحلف بغير الله هذا من الشرك اللفظي كما رواه الإمام أحمد، وأبو داود عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك».

ذكر أيضًا حديث ابن حبان (كنت عند ابن عمر - رضي الله عنهما، فحلف رجل بالكعبة، فقال ابن عمر - رضي الله عنهما -: " ويحك، لا تفعل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف بغير الله فقد أشرك") فالحلف بغير الله الشرك يباين التوحيد، يباين تحقيق التوحيد، والشرك في اللفظ كالحلف بغير الله، قول ما شاء الله وشئت، اللهم وفلان.

والحلف بغير الله: شركٌ أصغر هذا هو الأصل، فإن حلف بغير الله على وجه التعظيم له كتعظيم الله فهو شرك أكبر، أو اعتقد تسويته لله فهو شرك أكبر، أو اعتقد أنه يستحق شيء من العبادة فهذا شرك أكبر.

إذًا فالحلف بغير الله شرك أصغر، وقد يكون أكبر، الحلف بغير الله شرك أصغر لكن قد يكون أكبر في حالات:

الحالة الأولى: إذا حلف به على وجه التعظيم له كتعظيم الله، فهو شرك أكبر مخرج من الملة.

الحالة الثانية: اعتقد تسويته بالله.

الحالة الثالثة: حلف به واعتقد أنه يستحق شيء من العبادة، فهذا شرك أكبر.

 (ومن الإشراك قول القائل لأحد من النّاس: ما شاء الله وشئت) هذا الكلام مأخوذ من الكافي لابن القيم، وهذا من الإشراك في اللفظ، ووجه ذلك أنه سوى بين مشيئة الخالق ومشيئة المخلوق بواسطة، قال ما شاء الله وشئت، كما ثبت الدليل.

(كما ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل: ما شاء الله وشئت. فقال: "أجعلتني لله ندًا؟، قل ما شاء الله وحده") وهذا أخرجه الإمام أحمد، والبخاري في الأدب المفرد وغيرهم، إذًا قول ما شاء الله وشئت ممنوع هذا من الشرك، لكنه من الشرك الأصغر أجعلت لله ندًا، والتنديد ينقسم إلى قسمين: تنديدٌ أكبر، وتنديدًا أصغر

التنديد الأكبر: كمن جعل ندًا لله في المحبة، والتعظيم، والعبادة.

والتنديد الأصغر: من عطف مشيئة المخلوق على مشيئة الخالق بواسطة، هذا تنديدٌ أصغر.

من ذلك ما ثبت عن ابن عباس في قول الله -تعالى-: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ]سورة البقرة:22[، أنه قال الأنداد الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، وهو أن تقول والله، وحياة فلان، وتقول لولا كليبة هذا لأتى اللصوص، ولولا القط في الدار لأتى اللصوص، ولولا الله وفلان، هذا كله شرك، هذا من التنديد الأصغر.

إذًا التنديد نوعان: تنديدٌ أكبر، وتنديدٌ أصغر.

التنديد الأكبر: أن يجعل لله ندًا في العبادة.

التنديد الأصغر: مثل أن يقول ما شاء الله وشئت.

فقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أجعلت لله ندًا» أي: ندًا هذا من الند الأصغر، فقول ما شاء الله وشئت هذا ممنوع لأنه عطف مشيئة المخلوق على مشيئة الخالق بالواو، هذا مع أن الله أثبت للعبد المشيئة فقال ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ]سورة الإنسان:30[، فعطف مشيئة المخلوق على مشيئة الخالق هذا في الواو ممنوع لأن الواو تقوى التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه، لكنه إن جاء بكلمة ثم صح ذلك، يقول ما شاء الله ثم شئت جاز ذلك، لأن كلمة ثم تفيد الترتيب والتراخي فهي تفيد أن المعطوف جاء بعد المعطوف عليه بمهله وتراخي بخلاف الواو فإنه تقتضي التشريك.

وأما الفاء ما شاء الله فشئت تفيد الترتيب ولا تفيد التراخي، تفيد أن مشيئة المخلوق بعد مشيئة الخالق مباشرة من دون تراخي، وثم تفيد الترتيب والتراخي، ولكن الأكمل أن تقول ما شاء الله وحده، فتكون الأحوال ثلاثة:

الحالة الأولى: حالة كمال أن تقول ما شاء الله وحده.

الحالة الثانية: حالة جواز أن تقول ما شاء الله ثم شئت.

الحالة الثالثة: وهي ممنوعه أن تأتي بالواو فتقول ما شاء الله وشئت.

ثلاثة أحوال: ما شاء الله وحده هذا الكمال، ما شاء الله ثم شئت هذا جائز، ما شاء الله وشئت هذا ممنوع.

(هذا مع أن الله - تعالى - قد أثبت للعبد مشيئة، كقوله تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ، فكيف بمن يقول: أنا متوكّل على الله وعليك) إذا كان الذي يقول ما شاء الله وشئت وقد أثبت الله له المشيئة ممنوع فكيف بالذي يقول أنا متوكل على الله وعليك، بل حتى لو جاء بكلمة ثم أنا أتوكل على الله ثم عليك هذا ممنوع على الصحيح لأن التوكل عملٌ قلبي وإن كان قد جوزه بعضهم لكن الصواب المنع.

لا تقول أنا متوكل على الله ثم عليك، التوكل عملٌ قلبي فلا يعطف لمخلوق.

(فكيف بمن يقول: أنا متوكّل على الله وعليك، وأنا في حسب الله وحسبك، وما لي إلاّ الله وأنت) كل هذا ممنوع بالواو أنا متوكل على الله وعليك هذا ممنوع على الصحيح حتى ولو جاء ثم، وأنا في حسب الله وحسبك، ومال لي إلا الله وأنت هذا ممنوع، وما لي إلا الله ثم أنت، الواو ما تجد هنا.

(وهذا من الله ومنك، وهذا من بركات الله وبركاتك) هذا باطل وممنوع لأنه عطف بركات المخلوق على بركات الخالق بالواو، ولو قال هذا من بركاتك وسكت كان هذا جائزًا، إذا كان الشخص مباركًا تقال هذا من بركاتك جائز إذا كان الشخص مبارك كما قال أسيد بن حضير لعائشة -رضي الله عنها- لما نزلت آية التيمم ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، يجوز أن يقول بركاتك أو شخص مبارك لأن البركات هي الذي جعلها الله فيه، لكن يعطف يقول هذا من بركات الله وبركاتك هذا ممنوع، هنا عطف بركات المخلوق على بركات الخالق.

(والله لي في السماء وأنت لي في الأرض) كل هذا ممنوع.

(وزن بين هذه الألفاظ الصادرة من غالب النّاس اليوم وبين ما نهى عنه من: ما شاء الله وشئت، ثم انظر أيّها أفحش) يقول المؤلف إذا كان الرسول منع من قول ما شاء الله وشئت فما وزن بينها وبين هذه الألفاظ وبين ما لي إلا الله وأنت، أنا متوكل على الله وعليك، والله لي في السموات وانت لي في الأرض أيهما أفحش؟

هذه الألفاظ أفحش.

(وزن بين هذه الألفاظ الصادرة من غالب النّاس اليوم وبين ما نهى عنه من: ما شاء الله وشئت، ثم انظر أيّها أفحش؟؛ يتبيّن لك أن قائلها أولى بالبعد من ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ قائل هذه الألفاظ أنا متوكل على الله وعليك، أولى بالبعد من ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ وأولى بالبعد من جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لقائل تلك الكلمة لما قال له ما شاء الله وشئت قال «أجلعت لله ندًا».

(وأنه إذا كان قد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ندًا فهذا قد جعل من لا يدانيه لله ندًا) من لا يداني الرسول ولا يقرب من الرسول، إذا كان الرسول قال للشخص الذي قال له ما شاء الله وشئت قال: «أجعلت لله ندًا» فالذي يقول لشخصٍ من الناس ما شاء الله وشئت يقول: جعل من لا يداني الرسول ولا يقرب من الرسول جعله ندًا لله -تعالى- أي: أبعد وأفحش.

 

 

 

قال المؤلف -رحمه الله-:

وبالجملة فالعبادة المذكورة في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ هي السّجود، والتوكّل، والإنابة، والتّقوى، والخشية، والتّوبة، والنّذور، والحلف، والتّسبيح، والتّكبير، والتّهليل، والتّحميد، والاستغفار، وحلق الرأس خضوعا وتعبّدًا، والدعاء، كل ذلك محض حق الله - تعالى -.

وفي مسند الإمام أحمد: أن رجلاً أتى به إلى النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قد أذنب ذنبا، فلما وقف بين يديه قال: اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمّد، فقال صلى الله عليه وسلم: "عرف الحق لأهله ". وأخرجه الحاكم من حديث الحسن عن الأسود بن سريع وقال: "حديث صحيح".

وأما الشرك في الإرادات والنيّات: فذلك البحر الذي لا ساحل له، وقل من ينجو منه، فمن نوى بعمله غير وجه الله - تعالى - فلم يقُم بحقيقة قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، فإن ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ هي الحنيفيّة ملّة إبراهيم التي أمر الله بها عباده كلهم، ولا يقبل من أحد غيرها، وهي حقيقة الإسلام: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، فاستمسك بهذا الأصل، ورد ما أخرجه المبتدعة والمشركون إليه تتحقق معنى الكلمة الإلهيّة.

(وبالجملة فالعبادة المذكورة في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ شملت جميع أنواع العبادات.

(هي السّجود) إذا سجد فقد عبد، فهي عبادة.

(والتوكّل) وهو خاصٌ بالله تعالى، قال الله -تعالى-: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ]سورة المائدة:23[، فإذا توكل على غير الله، كأن يتوكل على ميت، أو غائب، أو حي عاجز فهذا شرك أكبر، وإن  توكل على حي حاضر فيما يقدر عليه فهذا شرك أصغر، ممنوع التوكل لأنه عمل القلب، التوكل على الحي في الأسباب الظاهرة شرك أصغر كأن يتوكل على أمير أو سلطان فيما أقدره الله عليه من رزق أو نصر، أو شفاعة فهذا شرك أصغر لما فيه من اعتماد القلب، وإن توكل على عاجز على ميت أو غائب، أو حاضر فهذا شرك أكبر، إذا التوكل على الحي في الأسباب الظاهرة يكون أصغر، والتوكل في غير الأسباب الظاهرة شرك أكبر.

(والإنابة) الرجوع إلى الله -عز وجل-.

(والتّقوى) أن يجعل بينه وبين غضب الله وقاية تقية.

(والخشية) وهي من أعمال القلوب، وأما الخشوع فهو من أعمال القلوب والأبدان، والاخبات والخشوع شيء واحد، الخشوع من أعمال القلوب والأبدان والاخبات، أما الخشية فهي من أعمال القلوب.

(والتّوبة) التوبة بنية العبادة ومغفرة الذنوب شرك، التوبة لغير الله شرك بنية العبادة ومغفرة الذنوب، كالتوبة من المريد لشيخة توبة الصوفي لشيخة، الصوفي المريد يتوب عند شيخه، وتوبة النصراني للقسيس، النصراني يتوب عند القسيس فيغفر ذنوبه ويمحوها، ويعطيه فك الوصايا إلى الجنة، وكذلك بعض الشيعة، توبة الشيعي لرئيسة ويعطيه فك الغفران، فهذا شرك، التوكل في الأسباب الظاهرة شرك أصغر، والتوكل في غير الظاهرة شرك أكبر، والتوبة بنية العبادة شرك أكبر كالتوبة من مريد الصوفي لشيخة، وتوبة النصراني للقسيس، وتوبة الشيعي لرئيسة، أما التوبة للمخلوق بمعنى الرجوع فهذا جائز، الرجوع عن الذنب كقول عائشة لما وضعت نمرقة وهي تصلي على الباب فلمسها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: أتوب إلى الله ورسوله ماذا أذنبت، فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما بال هذه النمرقة» هذا يتوب إلى الله من الذنوب، ويتوب إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- من التقصير في حقه، وتتوب إلى الله من الذنوب بمعنى الرجوع عن ترك حقه، هذه كلها أنواع العبادة السّجود، والتوكّل، والإنابة، والتّقوى، والخشية، والتّوبة، والنّذور.

(والنّذور) في بعض النسخ النذر، والنذر هو أن يلزم نفسه بطاعة لم يوجدها الله عليه سواء كان معلق أو  غير معلق، كأن ينذر أن يصلي في الليل، أو ينذر عشرين ركعة، ينذر أن يحج يجب عليه أن يفي بنذره لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه»، وقد يكون نذر معلق كأن يكون إن شفى الله مريضي، او نجح ولدي في الامتحان أصلي لله عشرين ركعة، أو أصوم عشرة أيام، أو أتصدق بكذا وبكذا للفقراء، أو أذبحن خروفًا وأوزعه على الفقراء والجيران، فإذا تحقق وجب عليه أن يفي بما نذر به، السّجود، والتوكّل، والإنابة، والتّقوى، والخشية، والتّوبة، والنّذور.

(والحلف) سبق تفصيله.

(والتّسبيح) هذا من العبادة قول سبحان الله.

(والتّكبير) الله أكبر.

(والتّهليل) لا إله إلا الله.

(والتّحميد) الحمد لله.

(والاستغفار) استغفر الله.

كل هذه عبادات.

(وحلق الرأس خضوعا وتعبّدًا) كما يفعل الصوفية، يحلق رأسه عند شيخه توبة له، وخضوعًا، أما إذا حلق رأسه للنظافة فهذا مباح، أو حلق رأسه لأن بها جروح ويريد أن يدويها فلا بأس، أو حلقه رأسه تشبهًا بالخوارج فهذا محرم، وإذا حلق رأسه تعبدًا للشيخ هذا شرك، وفي مسند الإمام أحمد -رحمه الله- أن رجلًا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أذنب ذنبًا فلما وقف بين يديه قال: اللهم اني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «عرف الحق لأهله» أخرجه الحاكم من حديث الأسود بن سريع وقال حديث صحيح، «عرف الحق لأهله» لأن الله -تعالى- هو أهل التوبة، وأهل التقوى، وأهل المغفرة، اللهم اني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد، التوبة تكون لله عبادة أي: أني أعبدك ولا أعبد محمد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «عرف الحق لأهله» فالله تعالى أهل التقوى، وأهل المغفرة.

 (وأما الشرك في الإرادات والنيّات) وهذا منقول من الجواب الكافي صفحة: 156.

(وأما الشرك في الإرادات والنيّات: فذلك البحر الذي لا ساحل له) كثير، البحر الذي لا ساحل له أي ما لا نهاية، المعنى أن الشرك في العبادات والنيات كثير لا حد له، ولذلك شبه بالبحر.

(وأما الشرك في الإرادات والنيّات: فذلك البحر الذي لا ساحل له) النيات: جمع نية، وتطلق النية على القصد، وعلى عزم القلب على أمرٍ من الأمور، فإن كانت لغير الله فهذا شرك ينافي الإخلاص الذي هو تجريد القصد طاعة للمعبود بحق.

(وقل من ينجو منه) قل من ينجو من الشرك في الإرادات والنيات وذلك لحب كثير من الناس على حب الظهور والتصنع للناس، والتحلي بما ليس فيه، والتطلع إلى ثناء الناس، وتعظيمهم له ولهذا قل من ينجو منه، فمن نوى بعمله غير وجه الله تعالى فلم يقم بحقه في قوله ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ لأن تحقيق العبادة يمنع من الرياء، ولهذا قال المؤلف فمن نوى بعمله غير وجه الله - تعالى - فلم يقُم بحقيقة قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ لأن تحقيق العبادة يمنع الرياء، وكما أن تحقيق الاستعانة يمنع الإعجاب، تحقيق ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ يمنع الرياء، وتحقيق الاستعانة يمنع من الإعجاب، والفرق بينهما أن الرياء إشراك الخلق مع الله، والاعجاب اشراك النفس، يشرك نفسه ويعجب بعمله، أما الرياء إشراك الخلق.

(فمن نوى بعمله غير وجه الله - تعالى - فلم يقُم بحقيقة قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ العمل لغير الله له أحوال: أحدها أن تكون اعماله مرآة بها المخلوقين كلها، تكون أعماله كلها مرآة به المخلوق في جميع أعماله فهذا شرك، هذا يصدر من المنافق الذي دخل في الإسلام رياءً، دخل في الإسلام نفاقً مرآةً يرائي الناس أنه مسلم وهو في الباطن كافر، حتى يسلم ماله ودمه كعبد الله بن أبي رأس المنافقين ومن معه من المنافقين، هذه الحالة الأولى أن تكون أعماله كلها مرآة بها المخلوق فهذا شرك، وهذا الذي يصدر من المنافق الذي دخل في الإسلام رياءً، وهذا هو الرياء الأكبر، فالرياء: رياء أكبر وهو الذي يصدر من المنافقين، ورياء أصغر وهو الذي يصدر من المؤمن.

الثاني: أن يعمل لله، ثم يعرض له الرياء في أثناء العمل فإن دفعه فلا إشكال عليه، إن دفعه واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ودفعه فلا إشكال عليه، وإن استمر معه إلى أخر العبادة فقال جماعة: حكمه حكم قطع النية في أثناء الصلاة فإن كانت العبادة لا يصح أخرها إلا بصحة أولها لزم الإعادة وإلا فلا.

وقال طائفة من أهل العلم: جاز بأصل نيته هذا في العبادة التي يرتبط أخرها بأولها.

وأما العبادة التي لا يرتبط أخرها بأولها كالقراءة فإنه يجاز على الإخلاص وتنقطع النية الصالحة بوجود الرياء.

الحالة الثالثة: عكس الثانية وهي أن تكون نيته لغير الله ثم يعرض له الإخلاص في العمل لله.

الحالة الرابعة: مشاركة الرياء من أصل العمل إلى نهايته، وهذا العمل حابط للحديث القدسي في حديث أبي هريرة: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه» وقاعدة الرياء في العبادات مغايرة لقاعدة التشريك في العبادات وبعض الناس يخلط بينهما.

مثال ذلك: أن يعمل عملًا لله، من أجل تحصيل عبادة أخرى فالعبادات تداخل مثل قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن مسعود: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحسن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» فالأمر بالصيام من أجل حفظ الفرج، فهذا عمل عملًا لله وهو الصيام من أجل تحصيل عبادةً أخرى، وهي تحصين الفرج.

ومثل ذلك: أن يبر والديه لله، ولأجل أن يبره أولاده فكونه يدفع لأن يبره أولاده عبادة فرضية وتعليم.

الحالة الثانية: أن يكون الباعث على العبادة ابتغاء ما عند الله والمنفعة الدنيوية، ابتغاء ما عند الله والمنفعة الدنيوية فهذا مباح، ومن ذلك حديث أنس في الصحيحين «من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسى له في أثره، فليصل رحمه» هنا وصل رحمه لله ولأجل المنفعة الدنيوية أن يبسط له في رزقه، ولكن الثواب لا يكون إلا على قدر النية الصالحة.

الحالة الثالثة: أن تكون النية مقصورة على الدنيا كأن يجاهد لأجل المغنمة أو لا يتعلم إلا لأجل الوظيفة، فهذا مأجور غير مأجور ما يتعلم العلم إلا للدنيا هذا مأجور، ما يجاهد إلا للغنيمة هذا مأجور، لكن إذا كانت نية مشتركة فله الأجر على قدر النية الصالحة، يجاهد في الله لإعلاء كلمة الله وللمغنمة فهذا له أجر على قدر نيته، يتعلم لله وللدنيا فهذا مشترك يكون الثواب على قدر النية إذا قصد الأمرين، أما إذا كان لقصد الدنيا فقط فهذا مأجور.

قد بوب الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في كتاب التوحيد باب ما جاء في الرياء، باب ما جاء في العمل لأجل الدنيا وذكر قول الله -تعالى- ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]سورة هود :16[.

الحالة الرابعة: أن يتحدث بعمله، يقول عملت وعملت فيبطل عمله، يتحدث بعمله لأجل المرآة لا لأجل التشجيع أو الحث على فعل الخير، أو لأجل أنه مظلوم مثل ما فعل عثمان -رضي الله عنه- لما أحاط به الثوار في قتله اطلع على الناس قال أنشدكم بالله ولا أنشد إلا أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من جهز جيش العشر وله كذا فجزته بثلاث مائة بعير .. قالوا نعم، قال هل تعلمون أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: «من يشتري بئر روما ويسبلها للمسلمين وله الجنة» وقد اشتريتها من مالي، قالوا: نعم؛ هذا للدفاع عن النفس -رضي الله عنه- لأن الثوار أحاطوا به واتهموه، وقالوا أنه فعل كذا وكذا وألصقوا به تهم يبررون بها قتله فخفض صوته بالتكبير وقرب أقاربه، وأخذ الزكاة على الخيل، وأتم الصلاة في السفر وجعلوا يذكرون أشياء، وله عذره فيها، وأطلع على الناس وقال كذا وكذا، فالتحدث بعمله يبطل العمل إذا كان من أجل الرياء من أجل أن يرائي الناس أنا فعلت كذا وأنفقت كذا وبنيت المساجد، وفعلت كذا يرائي الناس بأعماله لا لأجل التشجيع على الخير وإنما من أجل المرآة فهذا من الرياء يحبط العمل نسأل الله السلامة والعافية.

(فإن ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ هي الحنيفيّة ملّة إبراهيم التي أمر الله بها عباده كلهم، ولا يقبل من أحد غيرها، وهي حقيقة الإسلام) الحنيفية حقيقة الإسلام، والإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، قال -تعالى-: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ ]سورة آل عمران :35[.

(فاستمسك بهذا الأصل) وهو تحقيق ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ والاستمساك بالحنيفية ملة إبراهيم.

(فاستمسك بهذا الأصل، ورد ما أخرجه المبتدعة والمشركون إليه) أي: ما أحدثه المبتدعون فاستمسك بهذا الأصل وهو تحقيق ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ تحقيق الحنيفية

(فاستمسك بهذا الأصل، ورد ما أخرجه المبتدعة) أي: ما أحدثوه.

(والمشركون إليه تتحقق معنى الكلمة الإلهيّة) وهي كلمة لا إله إلا الله، تحقيق هذه الكلمة بأمرين: أحدهما إفراد الله بالإلهية والإخلاص فيها، والثاني: إفراد النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإتباع، والبعد عن البدع، من استمسك بهذا الأصل يحقق معنى كلمة التوحيد، معنى الكلمة الإلهية، ولذلك بإفراد الله بالإلهية والإخلاص فيها، وإفراد النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإتباع والبعد عن البدع.

 

 

 

قال المؤلف -رحمه الله-:

فإن قيل: المشرك إنما قصد تعظيم جناب الله - تعالى -، وأنه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلاّ بالوسائط والشفعاء، كحال الملوك، فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبيّة، وإنما قصد تعظيمه، وقال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، وإنما أعبد هذه الوسائط لتقربني إليه، وتدخل بي عليه، فهو الغاية، وهذه وسائل، فلم كان هذا القدر موجبا لسخط الله - تعالى - وغضبه، مخلداً في النار، وموجبا لسفك دماء أصحابه، واستباحة حريمهم وأموالهم؟، وهل يجوز في العقل أن يشرع الله - تعالى - لعباده التقرّب إليه بالشفعاء والوسائط، فيكون تحريم هذا إنما استفيد بالشرع فقط، أم ذلك قبيح في الشرع والعقل، يمنع أن تأتي به شريعة من الشرائع، وما السر في كونه لا يغفر من بين الذنوب، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾..

قلنا: الشرك شركان:

شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله.

وشرك في عبادته ومعاملته، وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه وتعالى لا شريك له في ذاته ولا في صفاته.

وأما الشرك الثاني وهو الذي فرغنا من الكلام فيه، وأشرنا إليه الآن، وسنشبع الكلام فيه إن شاء الله - تعالى-.

أما الشرك الأول: فهو نوعان:

أحدهما: شرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون في قوله: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، وقال: ﴿يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً﴾ والشرك والتّعطيل متلازمان، فكل مشرك معطّل، وكل معطّل مشرك.

هذا السؤال أورده المؤلف -رحمه الله- نقل عن الجواب الكافي لابن القيم في صفحة 152.

(فإن قيل: المشرك إنما قصد تعظيم جناب الله - تعالى -، وأنه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلاّ بالوسائط والشفعاء، كحال الملوك، فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبيّة، وإنما قصد تعظيمه) فكيف يكون معذب ويكون مسخوط عليه، ويقتل في الدنيا وهو يريد أن يعظم جناب الله.

الذي جعل بينه وبين الله واسطة قصده أن يعظم الله، وليس قصده أن يتنقص الرب، يقول أنا أجعل الرب عظيم أجعل بيني وبينه مثله ومثل الملوك الذي بيني وبين الملوك لا تأتي إلى هنا لا بد أن يكون في واسطة، بوابين، ومدير مكتب، وسكرتير وغيرهم من الناس مقربين، هؤلاء تأتي إليهم أولًا تقدم خطاب، وتقدم معروض وهم ينقلون الكلام إليه يتوسطون هم لأنهم لهم مكانة عند الملك عند الرئيس، عند الوزير أنت تأتي إليه وتقدم حاجتك وهو بدوره ينقل حاجتك إلى الملك، او الرئيس، أو الوزير ويتلطف في الخطاب ويكون الخطاب بصيغة كذا ويحاول أن يقنعه حتى يقبل، فالمشرك يريد هكذا يشبه الرب بالملوك، يجعل واسطة أذهب للميت وأجعله واسطة بيني وبينه تعظيمًا لله لا تنقصًا هذا الاعتراض والسؤال هذا إن قيل المشرك ما قصد الاستهانة بالله، ما قصد التنقص من الرب، وإنما قصد التعظيم لجناب الله، وأنه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلا بالوسائط والشفعاء كحال الملوك، فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجانب الربوبية وإنما قصد تعظيمه.

(وقال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، وإنما أعبد هذه الوسائط لتقربني إليه، وتدخل بي عليه، فهو الغاية، وهذه وسائل، فلم كان هذا القدر موجبا لسخط الله - تعالى -) لما كان المشرك إذا جعل بينه وبين الله واسطة كأن جعل ميت، أو ذبح له، أو نذر له، لما كان عمله هذا موجبًا لسخط الله - تعالى - وغضبه، مخلداً في النار، وموجبا لسفك دماء أصحابه، واستباحة حريمهم وأموالهم لماذا؟

هذا شأن الشرك وهو المشرك قصده تعظيم الرب، وإذا أشرك وجعل واسطة قتل وصار دمه حلال، وأمواله حلال، وحريمه حلال، وسخط الله عليه وغضب عليه وخلد في النار، مع أنه يريد تنزيه الرب.

(وهل يجوز في العقل أن يشرع الله - تعالى - لعباده التقرّب إليه بالشفعاء والوسائط) هل العقل يجيز هذا، والشرع يمنعه أم أن العقل مثل الشرع يمنعه؟

هذا ممنوع شرعًا جعل الواسطة بينه وبين الله دلت النصوص على أن هذا شرك، من جعل بينه وبين الله واسطة يدعوه ويذبح له هذا شرك، فهل العقل يوافق الشرع أم يخالفه في هذا؟ هل العقل يوافق الشرع في جعل الواسطة ممنوع، او أن العقل يجيزه؟

(وهل يجوز في العقل أن يشرع الله - تعالى - لعباده التقرّب إليه بالشفعاء والوسائط فيكون تحريم هذا إنما استفيد بالشرع فقط، أم ذلك قبيح في الشرع والعقل يمنع أن تأتي به شريعة من الشرائع) وهل الشرك قبيحٌ في الشرع والعقل، أو قبيح في الشرع دون العقل، وما السر في كونه لا يغفر، وما دونه من المعاصي تغفر من بين سائر الذنوب، كما قال الله -تعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾.

هذا السؤال واضح، والذي عليه أهل السنة والجماعة: أن التوحيد الذي هو إفراد الله بالعبادة ثابت بالشرع والعقل، ثابت حسنة بالشرع والعقل، وأن الشرك قبيح بالعقل والشرع والأدلة شاهدة بذلك ولكن العقاب لا يتم على ترك التوحيد إلا حين الشرك وتقوم الحجة والدليل قول الله -تعالى-: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ ]سورة الإسراء :15[، فنقول الشرك قبيح بالعقل والشرع، ولا يعاقب الإنسان عليه حتى تأتي الشريعة، لقول الله -تعالى- ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ فالتوحيد معلوم حسنة بالشرع والعقل والفطرة، والشرك معلوم قبحه بالشرع والعقل وقبحه، والأدلة شاهدةٌ بحُسن التوحيد، والأدلة من العقل والشرع والفطرة شاهدةٌ بقبح الشرك، لكن العقاب لا يتم على ترك التوحيد وعلى فعل الشرك إلا إذا أتى الشرع وتقوم الحجة بدليل والدليل قول الله -تعالى- ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾.

(قلنا) هذا هو الجواب عن ذلك.

(الشرك شركان:) ثم سيأتي بعد صفحة أو صفحتان سيقول: إذا عرفت ذلك انفتح لك باب الجواب عن السّؤال، الواسطة عند المشركين هي جعل المخلوق العاجز واسطة في جلب المنافع ودفع المضار، فيدعون الأموات ويسألونهم قضاء الحاجات، وكشف الكربات، ودفع الملمات وهذا هو الشرك الذي مذكور في القرآن عن المشركين كالوسائط التي تكون بين الملوك وبين الرعية بحيث يكونون هم الذين يرفعون إلى الله حوائج خلقه، هذا هو الشرك الذي لا ينزل في مسلم ولا يغفره الله إلا بالتوبة جعل بينه وبين الله واسطة مثل الواسطة التي تكون بين الملوك، الواسطة من الملوك يرفعون حوائج الناس إلى الملك والرئيس ما يدري عنهم، لكن الله لا يخفى عليه خافية لا يحتاج إلى من يرفع إليه، فمن جعل بينه وبين الله واسطة يزعم أنها تنقل الحوائج إلى الله أو تلين تعطفهم على الله، أو تعطف الله عليهم فهذا هو الشرك الذي لا ينزل في مسلم ولا يرفعه الله إلا بالتوبة وهو الموجب للخلود في النار وهو الذي ذكره الله في المشركين.

(شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله) هذا هو شرك الربوبية كما سبق، وأسمائه وصفاته هذا على أن التوحيد نوعان.

(وشرك في عبادته ومعاملته) هذا هو الشرك في الإلهية عبادته ومعاملته وإن كانت صاحبه يعتقد أنه سبحانه لكن .. (1:18:54) قد يقع الإنسان في شرك العبادة والمعاملة ولو كان موحدًا لله في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.

(وأما الشرك الثاني وهو الذي فرغنا من الكلام فيه) وهو شرك العبادة والمحبة والألوهية، كان الكلام فيه بالأمس.

(وأشرنا إليه الآن، وسنشبع الكلام فيه إن شاء الله - تعالى- أما الشرك الأول) الشرك المتعلق بذات الرب وأسمائه وصفاته وأفعاله هذا الشرك في الربوبية والأسماء والصفات.

(فهو نوعان) إذًا الشرك في الربوبية نوعان ما هما:

(أحدهما شرك التعطيل) والثاني: شرك التمثيل كما سيأتي في أخر الصفحة الثانية، إذًا الشرك المتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله نوعان:

النوع الأول: شرك التعطيل.

النوع الثاني: شرك التمثيل.

هذا شرك الربوبية والأسماء والصفات، أما شرك العبادة سبق، مثل المحبة، أما الشرك في الربوبية والأسماء والصفات نوعان: شرك التعطيل، وشرك التمثيل، وشرك التعطيل أقبح وأشد

(أحدهما: شرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون في قوله: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ مثاله شرك فرعون الذي أنكر الرب العظيم جحد الرب، هذا التعطيل أنكر وجود الله، هذا أقبح أنواع الشرك.

أحدهما: شرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون في قوله: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ يتجاهل، أنكر الرب الذي بأمره قامت السموات والأرض، تجاهل وقال: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.

وقال لهامان وزيره: ﴿يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً﴾ الصرح: القصر العالي الشاهق.

أسباب السموات: طرق السموات وأبوابها.

إذًا فرعون طلب من وزيره هامان أن يبني له صرحًا ليصل إلى السموات ليكذب موسى في دعواه أن ربه في السموات، يريد أن يكذب موسى لأن موسى أخبره بأن الله في السماء، فأراد أن يكذب موسى فأمر وزيره هامان أن يبني له صرحًا حتى يبلغ أسباب السموات وطرقها ليكذب موسى في دعواه أن إلهه فوق السماء ﴿فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً﴾ فإذًا فرعون منكر للعلو، منكر علو الله، فقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على كفر من أنكر علو الله على خلقه وأن الله فوق السموات مستوي على عرشه، ونفات العلو يقولون: إن فرعون يثبت العلو لأنه طلب من وزيره هامان أن يبني له صرحًا، فيقولون: أن من أثبت العلو فهو على مذهب فرعون، ومن أنكر العلو فهو ... (01:22:47) لأن من أثبت علو الله على خلقه فهو مجسم .. جعله محدود ومتحيز في جهة واحدة، وهو ذاهب في الجهة كلها وهذا يقوله بعض منكرين العلو يقلبون.

والصواب: أن فرعون منكر للعلو وأنه طلب من وزيره هامان يبني له صرحًا ليكذب موسى في دعواه أن الله في العلو، ولهذا يقول العلماء من أثبت علو الله على خلقه فهو موسويٌ محمدي، ومن أنكر علو الله على خلقه فهو جهمي فرعوني على مذهب الجهم وعلى مذهب فرعون.

(والشرك والتّعطيل متلازمان، فكل مشرك معطّل، وكل معطّل مشرك) كل مشرك فهو معطل لأن مشرك عطل الرب من أسمائه وصفاته وأفعاله، عطل علو الله على خلقه، وكل معطل مشرك، من عطل الله من أسمائه وصفاته فهو مشرك ومشبه أيضًا في آنٍ واحد، فالمشرك الآن الذي عبد مع الله غيره معطل عطل حق الله فلم يعبده، ولم يخلص له العبادة، فحقه الإخلاص وهو معطل، عطل الله من استحقاقه العبادة.

(وكل معطّل مشرك) لأن من عطل أسماء الله وصفاته عطله من كمال صفاته فإنه أشرك به غيره، وشبهه بالمخلوقات الناقصة، كل معطل مشبه، وكل مشبه معطل فالمعطل مشبه، من عطل الله من أسمائه وصفاته شبه الله بالجمادات والحيوانات الناقصة، والمشبه الذي شبه الله بخلقة معطل عطل الله من أوصاف كماله، والمعطل مشرك، والمشبه مشرك من شبه الله بخلقه فهو مشرك ولهذا يقول العلامة ابن القيم:

لسنا نشبه وصفه بصفاتنا
 

 

إن المشبه عابد الأوثان
 

كلا ولا نخليه من أوصافه
 

 

إن المعطل عابد البهتان
 

من مثل الله العظيم بخلقه
 

 

فهو النسيب لمشرك نصراني
 

 

ولذلك من شبه الله بخلقه فهو عابد للأوثان ومشرك، المشبه من شبه الله بخلقه فهو مشرك، فكل مشرك معطل، وكل معطل شرك.

لكن الشرك لا يستلزم التعطيل الذي هو جحد صفات الله وإنكار وجود الله، بل قد يكون مشرك مقرًا بالخالق -سبحانه- وصفاته ولكنه معطل حق التوحيد، فالشرك والتعطيل متلازمان، المشرك معطل لأنه عطل حق التوحيد، والمعطل الذي عطل الله من أسمائه وصفاته مشرك لأنه شبهه بالمخلوقات الناقصة، وأشرك معه غيره.

لكن الشرك لا يستلزم معه أصل التعطيل الذي هو جحد صفات الله وإنكار وجوده لأن المشرك قد يكون مشركًا ومقرًا بالخالق ومقرًا بأسمائه وصفاته لكنه معطل حق التوحيد، قد يكون مشرك ولكنه ليس بمعطل لم يكن معطلًا، مشرك ما عطل مقر بالخالق لكنه معطل، والمعطل الذي عطل من أسماء الله وصفاته وأفعاله مشرك مشبه لله بخلقه.

 

 

قال المؤلف -رحمه الله-:

والشرك والتّعطيل متلازمان، فكل مشرك معطّل، وكل معطّل مشرك، لكن الشرك لا يستلزم أصل التّعطيل، بل قد يكون المشرك مقراً بالخالق سبحانه وتعالى وصفاته ولكنه معطّله حق التّوحيد.

وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها: هو التّعطيل، وهو ثلاثة أقسام:

أحدها: تعطيل المصنوع عن صانعه.

الثاني: تعطيل الصّانع عن كماله الثابت له.

الثالث: تعطيل معاملته عمّا يجب على العبد من حقيقة التّوحيد.

ومن هذا شرك أهل الوحدة، ومنه شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديّته، وأن الحوادث بأسرها مستندة إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها، ويسمّونها العقول والنفوس.

ومنه شرك معطّلة الأسماء والصفات، كالجهمية والقرامطة وغلاة المعتزلة.

(والشرك والتّعطيل متلازمان، فكل مشرك معطّل) فمن أشرك مع الله غيره وعبد غيره فقد عطل حقه وهو التوحيد، وكذلك المعطل أشرك معه غيره أي: شبهه بغيره فالذي عطل المصنوعات وصانعها، أو عطل الصناع عن كماله الثابت له قد شبهه بالجمادات الناقصة، المعطل الذي عطل الله في صفاته شبهه بالجمادات الناقصة الذي أنكر أسماء الله وصفاته، شبهه بالمخلوقات التي لا صفات لها، ولا أسماء لها بالجمادات، بالمعدومات وفي هذا يتبين شرك التعطيل متلازمان كل مشرك معطل لأنه عطل حق التوحيد، وكل معطل لله أو لأسمائه وصفاته فهو مشرك لأنه شبه الله بالمخلوقات الناقصة حيث نفى عنه صفات الكمال، لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل الذي هو جحد صفات الله وإنكار وجوده بل قد يكون مشرك مقرًا بالخالق لكنه معطل حق التوحيد.

(وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها: هو التّعطيل) أصل الشرك يرجع إلى التعطيل وهو ثلاثة أقسام:

(أحدها: تعطيل المصنوع عن صانعه) المصنوع أي: المخلوقات كالسموات والاراضين إذا أنكر وجود الله عطل هذه المصنوعات من صانعها هذا التعطيل الأول، تعطيل المصنوع أي: المخلوق من صانعه حيث أنه أنكر أن يكون لها صانع، أو يكون لها خالق فإذا أنكر وجود الله، وأنكر أن يكون الله خالق السموات والأرض عطل هذه المصنوعات والمخلوقات من صانعها.

(الثاني: تعطيل الصّانع عن كماله الثابت له) تعطيل الصناع وهو الله عن كماله إذا نفى أسمائه وصفاته عطله عن الكمال.

(الثالث: تعطيل معاملته عمّا يجب على العبد من حقيقة التّوحيد) إذا أشرك مع الله ولم يوحد، ولم يفرده بالعبادة عطل معاملته عما أوجبه عليه من حق التوحيد.

كلمة الصانع تطلق على الله من باب الخبر وليس أسمًا لله، بل هذا من بـاب الخبر.

قاعدة: باب الخبر أوسع من بـاب الأسماء.

يخبر عن الله بأنه صانع، بأنه شيء، بأنه ذات ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ]سورة الأنعام :19[، لكن لا يقال أنه من أسمائه، لا يقال أن من أسماء الله أنه موجود، ولا الشخص، ولا الشيء، ولا الصانع، الأسماء والصفات توقيفية.

(ومن هذا شرك أهل الوحدة) القائلون بأن الوجود واحد هم أهل الوحدة، فيقولون: الخالق عين المخلوق، والمخلوق عين الخالق، والرب عين العبد، والعبد عين الرب، ومن أقوالهم: ليس في الوجود إلا الله وما تراه الله عندهم، ومن أقوالهم أن عباد العجل مصيبون، وأن فرعون مصيب في دعواه الربوبية، وأن موسى أنكر على هارون إنكاره على بني إسرائيل عبادة العجل نسأل الله العافية.

(ومنه شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديّته) وهم الفلاسفة الذين يقولون أن العالم قديم أبدي، وأنه لم يكن معلوم أصلًا فهذا العالم المشهود قديم ليس له بداية، وليس معدومًا أصلًا بل لا يزل ولا يزال.

(وأن الحوادث بأسرها مستندة إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها، ويسمّونها العقول والنفوس) وهي الملائكة، ويقولون العالم كله مفعول للعقل الأول، ويجعلون رب الكائنات مودع السموات والأرض لكنه لازم للواجب بنفسه ومعلول له، والعقول والنفوس قالوا أنها هي الملائكة، ولا يجعلونها في مرتبة واحدة ثم أهل العقول والنفوس.

(ومنه شرك معطّلة الأسماء والصفات، كالجهمية) الذين أنكروا أسماء الله وصفاته.

(والقرامطة وغلاة المعتزلة) والقرامطة: فرقة باطنية تنسب إلى قرمط بن حمدان لا يؤمنون بالبعث، ولا بالميعاد، ولا بالجنة، ولا بالنار وقد دخلوا مكة سنة 117 الرابع هجري وقتلوا المسلمين، وقطعوا رؤوسهم وألقوها في بئر زمزم حتى امتلئ البئر من الرؤوس في اليوم الثامن من ذي الحجة، والناس يستدعون للحج، وقلعوا الحجر الأسود وذهبوا به إلى الأحساء وجلس فيه ما يقارب اثنان وعشرون سنة لأنه رد 136 قلعوه سنة 117 ولم يرد إلا سنة 136 حتى أن العلماء صاروا يألفون في هذا الوقت ويقولون إذا وجد الحجر استحبوا استلامه وكانت مكة ما فيها حجر سنين طويلة قلعه هؤلاء القرامطة ولهم اعتقادات كفرية والعياذ بالله.

 

 

قال المؤلف -رحمه الله-:

النوع الثاني: شرك التمثيل، وهو شرك من جعل معه إلهًا آخر، كالنصارى في المسيح، واليهود في عزير، والمجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة، وشرك القدرية والمجوسيّة مختصر منه.

وهؤلاء أكثر مشركي العالَم، وهم طوائف جمّة، منهم من يعبد أجزاء سماوية، ومنهم من يعبد أجزاء أرضية، ومن هؤلاء من يزعم أن معبوده أكبر الآلهة، ومنهم من يزعم أن إلهه من جملة الآلهة، ومنهم من يزعم أنه إذا خصّه بعبادته والتبتّل إليه أقبل عليه واعتنى به، ومنهم من يزعم أن معبوده الأدنى يقربه إلى الأعلى الفوقاني، والفوقاني يقربه إلى من هو فوقه، حتى تقرّبه تلك الآلهة إلى الله - سبحانه وتعالى -، فتارة تكثر الوسائط، وتارة تقل.

فإذا عرفت هذه الطوائف، وعرفت اشتداد نكير الرّسول صلى الله عليه وسلم على من أشرك به تعالى في الأفعال والأقوال والإرادات كما تقدّم ذكره، انفتح لك باب الجواب عن السّؤال، فنقول:

اعلم أن حقيقة الشرك: تشبيه الخالق بالمخلوق، وتشبيه المخلوق بالخالق.

أمّا الأول فإن المشرك شبّه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهيّة، وهي التفرّد بملك الضّر والنفع، والعطاء والمنع، فمن علّق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق تعالى، فأي فجور وذنب أعظم من هذا؟

هذا النوع الثاني شرك التمثيل، النوع الأول شرك التعطيل هذا التقسيم للشرك المتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله قسمان:

1 - شرك التعطيل.

2 - شرك التمثيل.

قد فرغنا من شرك التعطيل وهذا النوع الثاني شرك التمثيل.

(وهو شرك من جعل معه إلهًا آخر) ومثل بأنواع من الشرك.

(كالنصارى في المسيح) هذا النوع الأول، النصارى جعلوا المسيح إلهًا مع الله، وجعلوا أمه إلهًا مع الله جعلوا الإله ثلاثة.

(واليهود في عزير) ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ]سورة التوبة :30[.

(والمجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة) هذا النوع الثالث، وقد مثل بثلاثة أنواع، شرك من جعل مع الله إلهًا أخر مثل باليهود، والنصارى، والمجوس.

(وشرك القدرية والمجوسيّة مختصر منه) القدرية تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

1 - مجوسية.

2 - مشركية.

3 - إبليسية.

المجوسية الذين كذبوا بالقدر وآمنوا بالأمر والنهي، شركهم مختصر من شرك المجوس، ووجه الاختصار أن المجوس قالوا بخالقين، خالق للخير، وخالق للشر، والقدرية المجوسية قالوا بخالقين كل شخص يخلق فعل نفسه صار خالق مع الله، كل واحد يخلق أفعاله، لكنهم لم يقولوا مثل المجوس أن هناك خالقين خالق الخير وخالق الشر، بل يقولون أن الخالق هو الله لكن شبهة عرضت لهم فقالوا: أن العبد يخلق فعل نفسه فرارًا من الخلوق بأن الله خلق المعاصي وعذب عليهم، وصار شرك مختصر من شرك المجوس.

(وهؤلاء أكثر مشركي العالَم) الإشارة تعود إلى شرك التمثيل، أكثر مشركي العالم وقعوا في شرك التمثيل، وهم طوائف، وقد سمي التمثيل لأنهم قد جعلوا لله مثيلًا، جعلوا معه إلهًا يماثله مثل النصارى، ومثل اليهود، ومثل المجوس، ومثل القدرية، جعلوا لله مثيل في العبادة.

(وهؤلاء أكثر مشركي العالَم، وهم طوائف جمّة، منهم من يعبد أجزاء سماوية) مثل الذي يعبد النجوم، هذا جعل مثيل لله، يعبد الله، ويعبد النجوم.

(ومنهم من يعبد أجزاء أرضية) يعبد أصنام وأحجار إلى غير ذلك.

(ومن هؤلاء من يزعم أن معبوده أكبر الآلهة) له معبود هو أكبر الآلهة الموجودة في الأرض مثل قريش كانت لهم أصنام، وكان لهم صنم كبير يسمى هبل هذا كان صنم كبير وكل أهل بيت لهم صنم، وكل قبيلة لهم صنم، وهناك صنم عام وهي العزى هذه الأصنام الكبيرة الأوثان الكبيرة الضخمة عزى، ومناة، واللات، ذكرها الله في القرآن الكريم ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى]سورة النجم :20[، هذه أصنام عامة لجمع الناس، وبعد ذلك يأتي كل بلد لهم صنم، مكة عندهم صنم هبل غير الأصنام الكبار العامة، وكل أهل بيت لهم صنم، وكل قبيلة لهم صنم، بل كل شخص إذا خرج في البادية يجعل له صنم، يأخذ حجر إذا أراد ان يوقد النار يأتي بثلاثة أحجار يجعل قدر عليها يوقد النار عليها، ويؤخذ الأفضل منها يعبد، يأخذ حجر أملس له يعبده ويأخذه رب له، ويجعل الثلاثة للقدر، هكذا فسدة العقول فإذا لم يجد شيئًا أتى بكسبة من التمر التراب وجعل يحلب عليه على التراب ثم يطوف به ويعبده، وبعضهم يأتي بقطعة تمر يعبدها ثم يأكلها وهكذا فسدة عقولهم وتلاعبت بهم الشياطين نسأل الله العفو والعافية.

(ومن هؤلاء من يزعم أن معبوده أكبر الآلهة، ومنهم من يزعم أن إلهه من جملة الآلهة، ومنهم من يزعم أنه إذا خصّه بعبادته والتبتّل إليه أقبل عليه واعتنى به) التبتل: الانقطاع إليه، يزعم أن إلهه إذا خصه بعبادة وانقطع عليه أقبل عليه هذا الإله واعتنى به.

(ومنهم من يزعم أن معبوده الأدنى يقربه إلى الأعلى الفوقاني، والفوقاني يقربه إلى من هو فوقه، حتى تقرّبه تلك الآلهة إلى الله - سبحانه وتعالى -) بعضهم يقول يعبد هذا المعبود الأدنى حتى يقربه إلى الأعلى مثل المعبود الذي في بيته يقربه إلى المعبود الذي في القبيلة، والمعبود الذي في القبيلة يقربه إلى المعبود الذي هو معبود أهل البلد مثل هبل، وهبل يقربه إلى العزى الذي هو معبود القبائل كلها، وهبل يقربه إلى الله وهكذا تلاعبت بهم الشياطين فتارة تكثر الوسائط، وتارة تقل.

منع بعض العلماء من قول رب الأرباب، والصواب الجواز وهو قول أكابر المحققين من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذة العلم ابن القيم رحمهم الله وغيرهما، فالله تعالى رب الأرباب.

(فإذا عرفت هذه الطوائف) هذه الطوائف التي تعبد من دون الله.

(وعرفت اشتداد نكير الرّسول صلى الله عليه وسلم على من أشرك به تعالى في الأفعال والأقوال والإرادات كما تقدّم ذكره، انفتح لك باب الجواب عن السّؤال) المقصود بالسؤال هو السؤال الأول وهو قول المؤلف (فإن قيل: المشرك إنما قصد تعظيم جناب الله - تعالى -، وأنه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلاّ بالوسائط والشفعاء، كحال الملوك، فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبيّة، وإنما قصد تعظيمه) ثم قال (فلم كان هذا القدر موجبا لسخط الله - تعالى - وغضبه، مخلداً في النار، وموجبا لسفك دماء أصحابه، واستباحة حريمهم وأموالهم؟، وهل يجوز في العقل أن يشرع الله - تعالى - لعباده) هذا السؤال.

وينفتح الجواب عن هذا السؤال كما قال المؤلف -رحمه الله- إذا عرفت هذه الطوائف التي سبق ذكرها.

(وعرفت اشتداد نكير الرّسول صلى الله عليه وسلم على من أشرك به تعالى) لأن الرسول أنكر أسد النكير على من أشرك بالله في الأفعال، أو أشرك بالله في الأقوال، أو أشرك بالله في إرادة النية كما تقدم ذكره.

(انفتح لك باب الجواب عن السّؤال، فنقول: اعلم أن حقيقة الشرك: تشبيه الخالق بالمخلوق، وتشبيه المخلوق بالخالق، أمّا الأول فإن المشرك شبّه المخلوق بالخالق) هذا النقل نقله عن الجواب الكافي، لكن الجواب فيه تحريف فكأن المؤلف يقول تشيبه الخالق بالمخلوق وتشيبه المخلوق بالخالق وليس هذا موجود في الجواب الكافي لابن القيم.

تصحيح العبارة: في الجواب الكافي لابن القيم: (فنقول: حقيقة الشرك هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به، لا إثبات صفات الكمال التي وصف الله بها نفسه، ووصفه بها رسوله -صلى الله عليه وسلم- فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية).

هذا حقيقة الشرك، عندنا التشبه بالخالق كون المخلوق يتشبه بالخالق.

الثاني: التشبيه للمخلوق به، المؤلف نقل هذا (اعلم أن حقيقة الشرك: تشبيه الخالق بالمخلوق، وتشبيه المخلوق بالخالق) ليس هذا كلام ابن القيم، والكلام منقول نص من ابن القيم وعلى هذا تقرأ فنقول.

 

 

 

فنقول: حقيقة الشرك هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به، لا إثبات صفات الكمال التي وصف الله بها نفسه، ووصفه بها رسوله -صلى الله عليه وسلم- فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية وهي التفرّد بملك الضّر والنفع، والعطاء والمنع، فمن علّق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق تعالى، وسوّى بين التراب وربّ الأرباب، فأي فجور وذنب أعظم من هذا؟

واعلم أن من خصائص الإلهيّة: الكمال المطلق من جميع الوجوه، الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وذلك يوجب أن تكون العبادة له وحده عقلاً وشرعا وفطرةً، فمن جعل ذلك لغيره فقد شبّه الغير بمن لا شبيه له، ولشدّة قبحه وتضمّنه غاية الظلم أخبر من كتب على نفسه الرّحمة أنه لا يغفره أبدًا.

ومن خصائص الإلهيّة والعبوديّة التي لا تقوم إلاّ على ساق الحب والذّل، فمن أعطاهما لغيره فقد شبّهه بالله - سبحانه وتعالى - في خالص حقه. وقُبح هذا مستقر في العقول والفطر، لكن لما غيّرت الشياطين فطر أكثر الخلق، واجتالتهم عن دينهم، وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا، كما روى عن الله أعرف الخلق به وبخلقه، عموا عن قبح الشرك حتى ظنّوه حسنًا.

ومن خصائص الإلهيّة: السّجود، فمن سجد لغيره فقد شبّهه به.

ومنها: التوكل، فمن توكل على غيره فقد شبهه به.

ومنها: التوبة، فمن تاب لغيره فقد شبهه به.

ومنها: الحلف باسمه، فمن حلف بغيره فقد شبّهه به.

ومنها: الذّبح له، فمن ذبح لغيره فقد شبّهه به.

ومنها: حلق الرّأس. إلى غير ذلك. هذا في جانب التّشبيه.

حقيقة الشرك هو التشبه بالخالق، كون الإنسان يتشبه بالخالق، وسيأتي بعد صفحة يبين المؤلف التشبه بالخالق مثل من تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى رجائه ومخافته فقد تشبه في الله ونازعه في ربوبيته هذا التشبه بالخالق، حقيقة التشبه بالخالق أن يتعاظم، ويتكبر، ويدعوا الناس إلى رجائه ومخافته، أو يدعوا الناس إلى عبادته هذا تشبه بالله ونازعه في ربوبيته وهو حقيقٌ أن يهينه غاية الهوان ويجعله كالذر تحت أقدام خلقه.

والتشبيه للمخلوق بالخالق كأن يشبهه بالله في استحقاق العبادة كالنصارى شبهوا المخلوق بالخالق جعلوا المسيح إلهًا مع الله فهذا من تشبيه المخلوق بالخالق.

(فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية) إذًا المشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، وخصائص الإلهية قد بينها المؤلف فقال:

(وهي التفرّد بملك الضّر والنفع، والعطاء والمنع، فمن علّق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق تعالى، وسوّى بين التراب وربّ الأرباب، فأي فجور وذنب أعظم من هذا؟) إذًا حقيقة الشرك التشبه بالخالق مثل التعاظم، والتكبر، وأن يدعوا الناس إلى عبادته، وتشبيه الخالق بمخلوقه كأن يجعل مخلوقًا يشبهه بالله في استحقاق العبادة كالنصارى الذين جعلوا عيسى وشبهوه بالله، وكذلك اليهود حينما جعلوا عزير ابن الله، والمجوس.

(لا إثبات صفات الكمال التي وصف الله بها نفسه، ووصفه بها رسوله -صلى الله عليه وسلم- فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية) فالمشرك شبه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، وخصائص الإلهية هي: التفرد بملك الضر والنفع، والعطاء، والمنع هذا خاص بالله هو الذي يملك الضر والنفع، الضُر بضم الضاد المرض، وبفتحها ما يقابل النفع، والعطاء والمنع.

(فمن علّق ذلك بمخلوق) وقال أن هذا المخلوق يضر وينفع أو يعطي ويمنع فقد شبهه بالخالق تعالى.

(وسوّى بين التراب وربّ الأرباب) المخلوق الذي هو مخلوق من تراب.

(فأي فجور وذنب أعظم من هذا) هو الذنب الذي لا يغفر، هذا من خصائص الإلهية التفرد بملك الضر والنفع، ومن خصائص الإلهية الكمال المطلق، ومن خصائص الإلهية العبودية التي لا يستحقها غيره، من خصائص الإلهية السجود، ومن خصائص الإلهية التوكل، والتوبة، والذبح، والحلف، وحلق الرأس كل هذا من خصائص الإلهية.

هذا من خصائص الإلهية (الكمال المطلق من جميع الوجوه، الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه) كامل في ذاته، وصفاته، وأفعاله والكمال المطلق يوجب أن تكون العبادة لله وحده عقلًا وشرعًا وفطره، ان يكون الذبح، والنذر، والدعاء، والركوع، والسجود وجميع أنواع العبادة والتوكل، والإنابة، والرغبة، والرهبة هذا الكمال المطلق يوجب أن تكون العبادة لله وحده عقلًا وشرعًا وفطره.

(فمن جعل ذلك لغيره فقد شبّه الغير بمن لا شبيه له) من جعل الدعاء لغير الله، من جعل الرغبة لغير الله، من جعل التوكل لغير الله، من جعل الصلاة لغير الله، من جعل السجود لغير الله شبه الغير بمن لا شبيه له شبهه بالله.

(ولشدّة قبحه) أي: الشرك.

(ولشدّة قبحه وتضمّنه غاية الظلم) الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فالمشرك وضع العبادة في غير أهلها، الله -تعالى- أهل العبادة فإذا وضع في غيرها وقع في غاية الظلم.

(ولشدّة قبحه وتضمّنه غاية الظلم أخبر من كتب على نفسه الرّحمة أنه لا يغفره أبدًا) ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ]سورة النساء :84[.

(ومن خصائص الإلهيّة) هذا من خصائص الإلهية العبودية، فالله هو مستحق العبادة دون غيره.

(والعبوديّة التي لا تقوم إلاّ على ساق الحب والذّل) وهما ركن العبادة، ركن العبادة: غاية الحب، وغاية الذل، فإذا اجتمعا صارت العبادة، وإذا انفردت هلكت العبادة، إذا أحببت شيئًا غاية الحب وخضعت له، وذللت له غاية الذل فهذه العبادة، وإذا انفرد أحدهما أحب شيئًا ولكن لا يذل له فلا يكون عبادة، أو ذل لشيء لكن لا يحبه فلا يكون عبادة، فقد يحب الإنسان شخصًا لكن لا يذل له ولا يخضع كما يحب المال، والصديق، وقد يذل للسلطان أو السارق أو لغيره، قد يذل له ويخضع لكن لا يحبه، فإذا اجتمع غاية الذل مع غاية الحب هذه هي العبادة، كما قال ابن القيم -رحمه الله-:

وعـبادةُ الرحمـن غَايَـةُ حُبِّـهِ
 

 

مـع ذُلِّ عـابـده همـا قُـطْبَـانِ
 

وعليهمــا فلـك العبـادة دائـرٌ
 

 

مـا دار حــتى قــامت القطبـانِ
 

ومـداره بـالأمر أمــرِ رسـوله
 

 

لا بالهـوى، والنفـسِ، والشـيطانِ
 

 

هذه هي العبادة غاية الحب مع غاية الذل، الذي يديرها الأمر أمر الله، وأمر رسوله.

(فمن أعطاهما لغيره) أي: الذل والحب.

(فقد شبّهه بالله -سبحانه وتعالى-) أعطاه حق الله، شبهه بالله في خالص حقه، وخالص حقه هو العبادة.

(وقبح هذا) أي: الشرك.

(وقُبح هذا مستقر في العقول والفطر) لكن بعض العقول ما تستقبل هذا لماذا؟ من الشيطان لأن الشياطين غيرت أفسدت فطر الناس.

(لكن لما غيّرت الشياطين فطر أكثر الخلق، واجتالتهم عن دينهم، وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا، كما روى عن الله أعرف الخلق به وبخلقه، عموا عن قبح الشرك حتى ظنّوه حسنًا) والذي أعماهم عن قبحه تغيير الشياطين للفطر، أفسدت الفطر وغيرتها فصاروا لا يرون قبح الشرك، عموا عن قبح الشرك فرأوه حسنًا ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا]سورة فاطر :8[، والمؤلف يشير إلى الحديث القدسي حديث عياض بن حمار فيما يرويه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه -عز وجل- أنه قال: «إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن فطرتهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل بهم سلطانًا»، وقُبح هذا مستقر في العقول والفطر، لكن لما غيّرت الشياطين فطر أكثر الخلق، واجتالتهم عن دينهم، وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا، كما روى عن الله أعرف الخلق به وبخلقه، عموا عن قبح الشرك حتى ظنّوه حسنًا ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾.

(ومن خصائص الإلهيّة: السّجود) فمن سجد لغير الله فقد شبهه بالله، من سجد لغير الله بنية التقرب فهو مشرك، وإن سجد له تحية فهو محرم إلا سجود الصنم هذا شرك مطلق، وإن سجد لآدمي تقربًا إليه فهذا مشرك، وإن سجد له تحية فهو محرم.

(ومنها: التوكل، فمن توكل على غيره فقد شبهه به) التوكل هو الاعتماد بالقلب، والتوكل نوعان: شرك أكبر وهو كمن توكل على غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله هذا شرك أكبر.

والثاني: شرك أصغر وهو من توكل على غير الله فيما يقدر عليه ذلك الغير كمن توكل على أمير أو سلطان فيما أقدره الله عليه من رزقٍ، أو حفظٍ، أو شفاعة لأن التوكل عمل القلب لا يجوز التوكل على غير الله مطلقًا لا في الأسباب الظاهرة ولا في غيرها، فمن توكل على غير الله فقد أشرك.

(ومنها: التوبة) التوبة بنية العبودية والخضوع، بنية التقرب والتعبد فهذا شرك، كالمريد الصوفي الذي يتوب إلى شيخه، وكذلك النصراني الذي يتوب إلى القسيس ويعطيه صك الغفران، وكذلك الشيعي الذي يتوب إلى رئيسه، فالتوبة بنية الخضوع والتعبد والتقرب شرك، فمن تاب لغيره توبة العبادة فقد شبه الله به، كالنصارى، والصوفية، والرافضة.

(ومنها: الحلف باسمه، فمن حلف بغيره فقد شبّهه به) الحلف باسم غير الله تعظيمًا مثل تعظيم الله شرك أكبر، إذا حلف باسمه واعتقد تعظيمه مثل تعظيم الله هذا شرك أكبر، أو اعتقد تسويته بينه وبين الله فهذا شرك أكبر، أو اعتقد أنه يستحق شيء من العبادة فهذا كفر، وإن لم يكن شيء من ذلك وحلف به فهذا شرك أصغر.

فالشرك الأكبر ثلاث حالات: إذا حلف به تعظيمًا له كتعظيم الله، أو اعتقد تسويته بالله، أو اعتقد أنه يستحق شيء من العبادة.

(ومنها: الذّبح له، فمن ذبح لغيره فقد شبّهه به) وهذا شرك إذا ذبح بنية التقرب، وأما الذبح في طلعة السلطان إذا قدم الأمير أو السلطان مر في وقت مروره يذبحونها أمامه، قال بعض العلماء: أنه شرك، وقيل أنه محرم، وقيل أنه مباح، وأما إذا ذبح بنية التقرب فهو شرك، فمن ذبح لغيره فقد شبهه به.

(ومنها: حلق الرّأس) سبق الكلام في حلق الرأس وأنه إذا حلق رأسه توبة لمريده وشيخه وتعظيمًا له وخضوعًا وتعبدًا هذا الشرك، يطوف بالقبر ويصلي ركعتين، ويحلق رأسه هذا شرك، أما إذا حلق رأسه من باب النظافة فهذا مباح، أو حلق رأسه تشبهًا بالخوارج فهذا محرم، وإذا حلق رأسه تعبدًا وخضوعًا فهذا هو الشرك.

(هذا في جانب التّشبيه) هذا النوع الذي قال الأول، وأما في جانب التشبه، المؤلف سبق أن قال .. هو التشبه بالخالق والتشبيه بالمخلوق، انتهى من جانب التشبيه وسينتقل إلى جانب التشبه.

نقف على هذا وفق الله الجميع، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد