شعار الموقع

شرح كتاب تجريد التوحيد_16

00:00
00:00
تحميل
82

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين أجمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين، يقول الإمام المقريزي -رحمه الله تعالى-:

الصنف الثالث: رأوا أن أفضل العبادات ما كان فيه نفعٌ متعدٍّ، فرأوه أفضل من النّفع القاصر، فرأوا خدمة الفقراء، والاشتغال بمصالح النّاس، وقضاء حوائجهم، ومساعدتهم بالجاه والمال والنّفع أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الخلق عيال الله، وأحبّهم إلى الله أنفعهم لعياله"، قالوا: وعمل العابد قاصر على نفسه، وعمل النفّاع متعدّ إلى الغير، فأين أحدهما من الآخر؟، ولهذا كان "فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ". وقد قال صلى الله عليه وسلم لعلي: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ من حمر النّعم"، وقال صلى الله عليه وسلم: " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته يصلّون على معلمي الناس الخير"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن العالم يستغفر له من في السّموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في البحر، والنملة في جحرها". قالوا وصاحب العبادة إذا مات انقطع عمله، وصاحب النّفع لا ينقطع عمله ما دام نفعه الذي تسبّب فيه. والأنبياء - عليهم الصّلاة والسّلام - إنما بعثوا بالإحسان إلى الخلق، وهدايتهم، ونفعهم في معاشهم ومعادهم، لم يبعثوا بالخلوات والانقطاع، ولهذا أنكر النّبي صلى الله عليه وسلم على أولئك النّفر الذين همّوا بالانقطاع والتّعبّد، وترك مخالطة النّاس. ورأى هؤلاء أن التّفرغ لنفع الخلق أفضل من الجمعيّة على الله بدون ذلك، قالوا: ومن ذلك العلم والتّعليم، ونحو هذه الأمور الفاضلة.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذا الصنف الثالث من الأصناف الأربعة الذين يرون أن أفضل العبادات وأنفعها، وأحقها بالتخصيص؛ الصنف الأول: سبق أنهم يرون أن أنفع العبادات وأفضلها أشقها على النفوس وأصعبها.

الصنف الثاني: يقول أفضل العبادات وأنفعها التجرد والزهد في الدنيا، والتقلل منها، وعدم الاهتمام بها.

سبق الكلام على أن أهل الصنف الأول الذين يرون أن أفضل العبادات وأفضها أشقها على النفوس وأصعبها هذا ليس بالصحيح، لأن المشقة ليست مطلوبة لذاتها، ولأن الشريعة جاءت باليسر والسهولة، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما خير بين أمرين إلا واختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فليست المشقة مطلوبة لذاتها، وكذلك الصنف الثاني الذين قالوا: إن أفضل العبادات التجرد من الدنيا، وقلنا أن هذه طريقة الصوفية، وأن الزهد الحقيقي ليس هو ترك الدنيا، وإنما الزهد الحقيقي هو الزهد في الحرام والمتشابه والبعد عنه، وأما كسب المال من الوجوه المشروعة، وإنفاقه في الوجوه المشروعة فهذا لا ينافي الزهد، قد يكون الراجل زاهدًا وعنده أموال، فالزهاد ينفقون الأموال في المشاريع الخيرية ويعيشون في أنفسهم عيشة الفقراء كما كان أغنياء الصحابة رضوان الله عليهم يجهزون الجيوش، وينفقون الأموال، ويسارعون في الخيرات ولا يضرهم ذلك، بل هذا فيه زيادة ورفعة في درجاته، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في الصحيح «نعم المال الصالح للرجل الصالح»، وهذا الصنف من الصوفية لهم أقسام: منهم العوام ومنهم الخواص، والخواص أقسام منهم المنحرفون ومنهم العارفون، والمنحرفون أقسام كما سبق، وهذا الصنف الثالث رأوا أن أفضل العبادات ما كان فيه نفع متعدي، وأنه أفضل من النفع القاصر، النفع القاصر ضابطه هو الذي يقتصر نفعه على صاحبه مثل الصلاة نفعها مقتصر على صاحبة، ومثل الصيام نفعه يقتصر على صاحبه، مثل الذكر، قراءة القرآن، قد يكون قراءة القرآن ينتفع من يستمع مثلًا النفع المتعدي: مثل الصدقة، الإنفاق في المشاريع الخيرية، التعلم والتعليم، الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقضاء حوائج الناس، الإحسان إلى الناس، تعليم الجاهل، وعظ الجاهل، اطعام الجائع، تحمل الأثقال، بر الوالدين، صلة الأرحام، الإحسان إلى الجيران، هذه كلها أعمال متعديه هؤلاء قالوا: أفضل العبادات ما كان فيه نفع متعدي فهو أفضل من النفع القاصر، ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-:

(الصنف الثالث: رأوا أن أفضل العبادات ما كان فيه نفعٌ متعدٍّ) أي: متعدِ إلى الغير، تعد من النفس إلى الغير.

(فرأوه أفضل من النّفع القاصر) القاصر على النفس.

(فرأوا خدمة الفقراء، والاشتغال بمصالح النّاس، وقضاء حوائجهم، ومساعدتهم بالجاه والمال والنّفع أفضل) هذه كلها أعمال متعديه خدمة الفقراء هذا متعد، الاشتغال بمصالح الناس، الشفاعة، الإحسان إلى الناس، وتعليمهم، واطعامهم، وقضاء حوائجهم، ومساعدة الناس بالجاه تشفع، تبذل مالك، قالوا هذا أفضل، وهذا صحيح بالجملة ولكن ليس على اطلاقه كما سيأتي، بل قد تكون العبادة قاصرة أحيانًا أفضل من المتعدية كما سيأتي في الصنف الرابع، قد يكون الصيام مثلًا، وقيام الليل، وأداء السنن الرواتب قد يكون أفضل من النفع المتعدِ فلا بد من تفصيل، هؤلاء استدلوا بأدلة على أن النفع المتعدِ أفضل وهو صحيح في الجملة لكن ليس على اطلاقه، ومن أدلتهم استدلوا بالحديث قالوا:

(الخلق عيال الله، وأحبّهم إلى الله أنفعهم لعياله) هذا الحديث لا أصل له، هو حديث ضعيف، وهذا كما ذكر المحقق رواه البزار في كشف الاستار، ورواه أبو يعلى في المسند وغيرهم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وفي إسناده يوسف بن عطية الصفاد قال الذهبي في الميزان: مجمع على ضعفه، وعد هذا الحديث من مناكيره، والحديث أيضًا رواه الطبراني في الكبير وغيره من حديث ابن مسعود، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه عمير كذا، والصواب موسى بن عمير وهو أبو هارون القرشي متروك، وتكلم عليه في المقاصد الحسنة، وكذلك في كشف الخفاء، وفيض القدير، فالحديث ضعيف.

(قالوا: وعمل العابد قاصر على نفسه، وعمل النفّاع متعدّ إلى الغير، فأين أحدهما من الآخر) كيف يسوا أحدهم بالأخر، عمل العبد العابد الذي يصوم ويصلي قاصر على نفسه، وعمل النفاع متعد إلى آخرين، النفع المتعدِ هذا أفضل لأنه يسدي النفع إلى الآخرين فلا يكون مثل النفع القاصر.

(ولهذا كان "فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ") لماذا؟ لأن العالم يتعد نفعه إلى أخرين، والعابد تقصر عبادته على نفسه، فلذلك فضل العالم على العابد، كما فضل نور القمر على سائر الكواكب.

(وقد قال صلى الله عليه وسلم لعلي: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ من حمر النّعم") وهذا الحديث صحيح رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله من حديث سهل بن سعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى الراية يوم خبر لعلي رضي الله عنه قال: «اذهب حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حُمْر النعم» حمر بإسكان الميم أي: الإبل الحمر، والإبل الحمر أنفس أموال العرب، ما في نفس منها، الآن نقول لأن يهدي الله بك رجلًا خير لك من العمارات الضخمة، خير لك من السيارات الفخمة، خير لك من الأرصدة في البنوك، خير لك من الطائرات، والمراد خير لك من الدنيا وما فيها لكن هذا تمثيل الرسول -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يمثل خير لك من حُمْر النعم، أي: من الإبل الحمر الذي هي أنفس أموال العمر، وهذا مثال والمعنى: خير من الدنيا وما فيها فلا يقاس ما في الدنيا بما في الآخرة لا في مناسبة للقياس، لكن هذا من باب التمثيل وإلا فالمعنى خيرٌ من الدنيا وما فيها، والدنيا بحذافيرها لا تساوى شيء في الآخرة، ولهذا يقال لو كانت الدنيا ذهبًا يفنى، والآخرة خذفًا يبقى لكان العاقل أن يقدم الخذف الذي يبقى على الذهب الذي يفنى، فكيف والآخرة ذهبًا يبقى، والدنيا حذف يفنى، ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضه ما سقى منها كافرًا شربة ماء، إذًا الدنيا ما تساوي شيء، هذا مقصود من الرسول -عليه الصلاة والسلام- هل المقصود إذا كان هناك أفضل من حُمْر النعم أن يكون أفضل من أن يهدي الله بك رجلًا واحد؟

لا المقصود خيرٌ من الدنيا وما فيها، وهذا مثال، هذا من أدلتهم وهذا بلا شك صحيح أن العمل المتعدِ أفضل في الجملة لكن ليس على اطلاقه، نوافقهم على أن العمل المتعدِ أفضل من العمل القاصر لكن ليس على إطلاقه كما عممه هؤلاء، وسيأتي أن يبين في أهل الصنف الرابع أنه أحيانًا يكون النفع القاصر أفضل.

حُمْر النعم: الإبل الحمر، جمع أحمر، بسكون الميم، أما قراءة حُمُر تضم الحاء والميم يختلف المعنى يكون جمع حمار وهذا غير مقصود.

(وقال صلى الله عليه وسلم: " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا") وهذا الحديث صحيح رواه مسلم في صحيحه وهذا دليل على فضل من هدى الله على يديه رجل، وأنه يكون له مثل أجره إلى يوم القيامة، إذا هدى الله على يديك رجل إلى الإسلام هذا خير من الدنيا وما فيها، وكذلك إذا هدى الله على يديك رجل عاصي فلك مثل أجره، بل إذا استفاد أحد من نصيحتك وموعظتك فلك مثل أجره، مثلًا شخص أفدته ودعوته إلى صلاة الضحى وكان لا يصلي الضحى، واستفاد فلك مثل أجره، أو دعوته أن يصوم الاثنين والخميس فاستفاد من نصيحتك، أو يصوم أيام البيض فلك مثل أجره، وأجره هو تام فلك مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئًا، هذا دليل صحيح.

(وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته يصلّون على معلمي الناس الخير") وهذا الحديث ضعيف، أخرجه الترمذي والطبراني في الكبير من طريق سلمة بن رجاء، قال حدثنا الوليد بن جميل، قال حدثنا ابن القاسم أبو عبد الرحمن عن أبو امامة، قال الترمذي هذا حديث غريب، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني وفيه القاسم أبو عبد الرحمن وثقه البخاري وضعفه أحمد، وفيه أيضًا الوليد بن جميل يروي المناكير عن القاسم أبو عبد الرحمن.

(وقال صلى الله عليه وسلم: "إن العالم يستغفر له من في السّموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في البحر، والنملة في جحرها") الحديث ضعيف لكن له شواهد يتقوى بها كما قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- والحديث أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان وفي إسناده داود بن جرير ويقال الوليد وهو ضعيف، وفيه أيضًا كثير بن قيص وهو ضعيف، لكن قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الفتح: له شواهد يتقوى بها، ولعل من شواهده الحديث السابق «إن الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير»، وقد يقال أن الحديث السابق وإن كان فيه ضعف إلا أنه له شواهد أيضًا، ومن شواهده الحديث الذب بعده، والحديث هذا يشد بعضه بعضا، «إن الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير»، «إن العالم يستغفر له من في السّموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في البحر، والنملة في جحرها» يشمل من في السماء والله -تعالى- في السماء ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ]سورة الملك: 16[، أي: فوق السماء.

(قالوا وصاحب العبادة إذا مات انقطع عمله، وصاحب النّفع لا ينقطع عمله ما دام نفعه الذي تسبّب فيه) من أدلتهم قالوا: إن صاحب العبادة إذا مات انقطع عمله، لكن صاحب النفع المتعدِ لا ينقطع عمله ما دام نفعه الذي تسبب فيه، فالذي مثلًا أوقف أوقاف مسجد، أو مصاحف، أو كتب علمية، أو طلبة درسهم، يبقون بعد موته.

(والأنبياء - عليهم الصّلاة والسّلام - إنما بعثوا بالإحسان إلى الخلق، وهدايتهم، ونفعهم في معاشهم ومعادهم) الأنبياء بعثوا بالنفع، بنفع الناس، بعثوا بالإحسان إلى الخلق، وهذا نفع متعدِ، يحسنون إلى الناس بتعليمهم وتوجيههم ودعوتهم إلى التوحيد، ونهيهم عن الشرك، وحثهم على مكارم الأخلاق، ودعوتهم إلى الأعمال الصالحة والفاضلة، ونهيهم عن المحرمات والشرك وسفاسف الأمور.

(في معاشهم، ومعادهم) في الدنيا، ومعادهم في الآخرة.

(لم يبعثوا بالخلوات والانقطاع) هذا رد على أهل الصنف الأول الصوفية الذين ينقطون بالخلوات، يتعبدون في الخلوات وينعزلون عن الناس، ينقطعون عن الناس بالخلوة، تجد الصوفي يتعبد وجده في مكان مظلم حتى بعضهم تأتي عليه الطيور وتقع عليه ولا يتحرك، هذا الصوفية، الصوفية يتعبدون بالخلوات والانقطاع، أما الأنبياء ما بعثوا بالخلوات والانقطاع، وإنما بعثوا بالاختلاط بالناس، تعليمهم، وارشادهم، والإحسان إليهم، ونفعهم، وهدايتهم، وأمرهم ونهيهم، وهذا يدل على أن النفع المتعدِ أفضل لأن الأنبياء بعثوا بذلك.

(ولهذا أنكر النّبي صلى الله عليه وسلم على أولئك النّفر الذين همّوا بالانقطاع والتّعبّد، وترك مخالطة النّاس) هذا حديث النفر الثلاثة أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، النفر الثلاثة الذين جاءوا إلى بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم- وسألوا عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم- في السر فأخبروا بذلك، أخبروا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ينام بعض الليل ويقوم بعض الليل، ويصوم بعض الأيام ويفطر بعض الأيام، ويأكل الطيبات واللحم، ويتزوج النساء، فقالوا هؤلاء: أين نحن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرسول -صلى الله عليه وسلم- غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أما نحن ما ندري لا بد أن نزيد في العبادة، فقال أحدهم: أنا لا أتزوج النساء حتى لا ... (14:55)، وقال الآخر أنا لا أنام على فراشي أصلي الليل، وقال الآخر أصوم ما عشت، وقال الآخر لا آكل اللحم زهدًا، فلما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وأُخبر بذلك خطب الناس وقال: «ما بال أقوامًا قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» أخرجه الشيخان، قالوا: وهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- أنكر على هؤلاء لأنهم أرادوا الانقطاع للعبادة القاصرة فبهذا أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم-، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقتصر على نفسه ويتعبد، وإنما نفعه متعدِ -عليه الصلاة والسلام-، والأنبياء كذلك بعثوا بالإحسان إلى الخلق، وهدايتهم، ونفعهم في معاشهم ومماتهم.

(ورأى هؤلاء) أي: هؤلاء الصنف الثالث الذين يقولون أن أفضل العبادات النفع المتعدِ.

(ورأى هؤلاء أن التّفرغ لنفع الخلق أفضل من الجمعيّة على الله بدون ذلك) هذا فيه الرد على الصوفية في الصنف الأول الذين يقولون إن المقصود الجمعية على الله، اجتماع القلب على الله، فإذا جاءت الأوامر تفرقنا فلا نمتثل الأوامر لأن المقصود الجمعية، جمعية القلب على الله، هؤلاء ردوا عليهم قالوا:

(ورأى هؤلاء أن التّفرغ لنفع الخلق أفضل من الجمعيّة على الله بدون ذلك، ومن ذلك العلم والتّعليم، ونحو هذه الأمور الفاضلة) كل هذا من النفع المتعدِ، العلم، والتعليم ونحو ذلك من الأمور النافعة، مثل الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الناس، وتحميل أذاهم، وتعليم جاهلهم، واطعام جائعهم، وتحمل أثقالهم، والشفاعة لهم، وتحمل مصالحهم كل هذا من العبادات التي يتعدِ نفعهم، وهذا كما سبق قلنا أنه صحيح في الجملة لكن ليس على اطلاقه، بل هناك عبادات قاصرة في محلها في وقتها لا بد من أدائها كما سيبين أهل الصنف الرابع، مثلًا في أوقات ما يفرط فيها مثل في أخر الليل في السحر، هذا مقدم على غيره لأن هذا الوقت يفوت، مثل أذكار الصباح والمساء، ومثل أوقات الاستجابة للدعاء، ومثل العشر الأواخر من رمضان التعبد فيها، مثل العشر الأول من ذي الحجة في قول أصحاب الصنف الرابع، فهذا صحيح في الجملة لكن ليس على اطلاقه.

 

 

قال المؤلف -رحمه الله-:

لصنف الرّابع: قالوا أفضل العبادة: العمل على مرضاة الرّب - سبحانه وتعالى -، وشغل كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته.

الصنف الرّابع: قالوا أفضل العبادة: العمل على مرضاة الرّب - سبحانه وتعالى -، وشغل كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته.

فأفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد، وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النّهار، بل من ترك إتمام صلاة الفرض كما في حالة الأمن. والأفضل في وقت حضور الضّيف: القيام بحقّه والاشتغال به. والأفضل في وقت السّحر: الاشتغال بالصلاة والقرآن والذّكر والدّعاء. والأفضل في وقت الأذان: ترك ما هو فيه من الأوراد والاشتغال بإجابة المؤذن. والأفضل في أوقات الصلوات الخمس: الجدّ والاجتهاد في إيقاعها على أكمل الوجوه، والمبادرة إليها في أوّل الوقت، والخروج إلى المسجد وإن بعد. والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج: المبادرة إلى مساعدته بالجاه والمال والبدن. والأفضل في السّفر: مساعدة المحتاج، وإعانة الرّفقة، وإيثار ذلك على الأوراد والخلوة. والأفضل في وقت قراءة القرآن: جمعيّة القلب، والهمّة على تدبّره، والعزم على تنفيذ أوامره، أعظم من جمعيّة قلب من جاءه كتابٌ من السّلطان على ذلك. والأفضل في وقت الوقوف بعرفة: الاجتهاد في التّضرّع والدّعاء والذّكر. والأفضل في أيام عشر ذي الحجّة: الإكثار من التّعبّد، لا سيما التّكبير والتّهليل والتّحميد، وهو أفضل من الجهاد غير المتعيّن. والأفضل في العشر الأواخر من رمضان: لزوم المساجد، والخلوة فيها، مع الاعتكاف والإعراض عن مخالطة النّاس، والاشتغال بهم، حتى أنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم، وإقرائهم القرآن عند كثيرٍ من العلماء.

هذا الصنف الرابع قالوا:

(العمل على مرضاة الرّب - سبحانه وتعالى - وشغل كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته) أفضل العبادات العمل على مرضاة الله، والتعبد في كل وقتٍ للوظيفة التي شرعها الله فيها، كل وقت له وظيفة عبادية، فالأفضل أن تؤدى كل وقت في الوظيفة التي وظفها الله فيها.

(العمل على مرضاة الرّب - سبحانه وتعالى - وشغل كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته) وهذا هو الصواب، أن أفضل العبادات في كل شيء بحسبه، وفي كل وقتٍ بوظيفة ذلك الوقت من العبادة، فاشتغاله بما أمر الله به في كل وقت بوقته، كل وقت له وظيفة، فكونك تترك هذه العبادة التي وظفها الله في هذا الوقت إلى غيرها هذا خلاف الأولى، إذًا أفضل العبادات كل شيء بحسبه، وفي كل وقتٍ بوظيفة ذلك الوقت من العبادة، واشتغال المسلم بما أمره الله به في كل وقتٍ بوقته.

(فأفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد) إذا دعا داعي الجهاد، أو هجم العدو بلدًا من بلاد المسلمين وجب النفير، فكل إنسان يذهب إلى التعبد ويترك الجهاد، أو يعمل أعمال أخرى يبيع ويشتري، أو يذهب يتعلم علم زائد على الواجب مستحب نافلة، ويترك العدو يسعى في الأرض فسادًا فهذا خلاف الأفضل، في وقت الجهاد جهاد هذا أفضل شيء، ولهذا إذا هجم العدو بلد وجب على أهل البلد أن يدافعوا عن أنفسهم صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم ولا يحتاج إلى إذن لا إذن والدين ولا غيرهم هذا فرض عين، إذا هجم العدو على بلدٍ صار الجهاد فرض عين على كل حال، ويكون الجهاد فرض عين في ثلاث حالات:

الحالة الأولى: إذا هجم العدو بلدًا من بلاد المسلمين وجب على أهل البلد أن يدافعوا عن أنفسهم الصغير والكبير، الذكر والأنثى، ولا يحتاج أحدهم أن يستأذن والديه هنا مقدم فرض عين، ولا يستأذن الأمير أو غيره يدافع، فإذا اندفع العدو فالحمد لله، وإن لم يندفع وجب على أهل البلد المجاور لهم حتى يندفع، وإن لم يندفع وجب على أهل البلد الثانية، وإن لم يندفع وجب على أهل البلد الثالثة وهكذا، حتى يجب على المسلمين أن يخلصوا المسلمين من عدوهم.

الحالة الثانية: إذا استنفر الإمام أحدًا، استنفر الإمام المسلمين شخص أو جماعة للجهاد وجب عليهم أن ينفروا وأن يطيعوا ولي الأمر، الذين استنفرهم الإمام وولي الأمر صار الجهاد فرض عين عليه في هذه الحالة.

الحالة الثالثة: إذا وقف في الصف، في صف القتال، وقف في صف أمام العدو وبدأت المعركة، ليس له أن يفر ويخذل إخوانه المسلمين هذا من الزحف وهو من كبائر الذنوب، وقبل أن يأتي ليس فرضًا عليه، لكن إذا وقف في الصف صار فرض عليه.

وما عدا ذلك يكون الجهاد مستحب، ما عدا هذه الأمور الثلاثة يكون الجهاد مستحب، أو يكون فرض عين على الأمة كلها، إذا قام فيه من يكفي سقط عن الباقي.

(فأفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد، وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النّهار) يقول إذا أنا جاهدة تركت السنن الرواتب، وصلاة الليل، وصيام النهار، ولو تركتها فهو مقدم، أنا في الأول قبل أن أدخل في الجهاد أصلي السنن الرواتب، أصلي الضحى، أنا ما أقدر نقول نعم اترك النوافل ولو آل بك إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار، يقول أنا كنت أصوم الاثنين والخميس، وأصوم الأيام البيض لكن لما دخلت الجهاد لا استطيع، نقول نعم الجهاد مقدم اترك صيام البيض، وصيام الخميس حتى يندفع العدو، بل من ترك إتمام صلاة الفرض في حال الأمر، بل قد يؤل بالإنسان إلى أن يترك إتمام صلاة الفرض، ولهذا يصلى صلاة الخوف في الجهاد، النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة الخوف بأصحابه أمام العدو، صلى بطائفة ركعتين وسلم، .... جاءت على ستة وجوه أو سبعة وجوه، قال الإمام أحمد كل صلاة الخوف صحت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من ستة أوجه، أو سبعة أوجه كلها جائزة، منها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان العدو أمامهم وهو في غير القبلة يتجه إلى العدو ولو استدبر القبلة، ومنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صف الجيش صفين وكبر بهم صلاة فكبروا جميعًا، ثم ركع وركعوا جميعًا، ثم سجد وسجد الصف الأول وصار الصف الثاني يحرس، فلما قام الركعة الثانية تقدم الصف الثاني وتأخر الصف الأول حركة في الصلاة جائزة، ثم ركع وركعوا جمعيًا، ثم رفع ورفعوا جميعًا، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وكان يحرس الذي كان هو الصف الثاني، وبقي الذي كانوا الصف الأول يحرس، ثم سلم بهم فقضى كل منهم لنفسه ركعة الصف الأول قضى ركعة، والصف الثاني قضى ركعة، هذه احدى صلاة الخوف.

ومن أنواع صلاة الخوف: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بطائفة ركعتين، وبطائفة ركعتين الأولى له فريضة، والثانية نافلة، بل قد يومئ في صلاة الخوف إماء ولا يسجد ولا يركع.

فإذًا: (أفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد، وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النّهار، بل من ترك إتمام صلاة الفرض) فإنك تصلي صلاة الخوف كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعلها، ومعروف صلاة الطالب والمطلوب الذي يطلبه العدو يصلي وهو يمشي، وقد يكون وهو يركب.

إذًا الأفضل في وقت العبادات في كل شيء بحسبه، وفي كل وقتٍ بوظيفة ذلك الوقت من العبادة، بأن يشتغل بما أمر الله فيه بحسبه، ففي وقت الجهاد أفضل العبادة الجهاد، ولو تركت صيام النفل، ولو تركت الصلاة النوافل، ولو تركت السنن الرواتب، ولو تركت صلاة الليل، ولو تركت صلاة الضحى هذا هو الأفضل، بل حتى ولو لم تتم الفريضة.

(والأفضل في وقت حضور الضّيف: القيام بحقّه والاشتغال به) إذا نزل بك ضيف تقوم بخدمة الضيف، تقول أنا عندي عادة أنه الآن أقرأ قرآن الآن ما أقدر، نقول لا الآن تترك قراءة القرآن لأن عندك ضيف، أنا عندي ورد يوميًا أقرأ جزء قبل النوم، نقول الأفضل خدمة الضيف هذا واجب عليك، ولهذا جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: سئل إنا ننزل بقومٍ فلا يضيفونا، فقال: «إذا نزلتم بقوم فلم يضيفوكم فخذوا حق الضيف» هذا واجب، فالأفضل في وقت قدوم الضيف، القيام بحقه والاشتغال به ولو تركت بعض العبادات، وبعض المستحبات.

(والأفضل في وقت حضور الضّيف: القيام بحقّه والاشتغال به) هذا الكلام منقول من مدارج السالكين لابن القيم، وفي هذه اللفظة: والاشتغال به عن الورد المستحب، في زيادة في مدارج السالكين والأفضل في وقت حضور الضّيف: القيام بحقّه والاشتغال به عن الورد المستحب، الورد أي: العبادة التي يفعلها المستحبة من صلاة الليل من نوافل، ومثل الصيام وعليه فلا يشتغل به عليه بالورد الواجب، يشتغل بالضيف عن الورد المستحب ولا يشتغل به عن الورد الواجب، مثال الورد الواجب: صلاة الجماعة يجب أن يصلي الجماعة إذا جاءه ضيف، لكن ما تمكنت من قيام الليل سببه الضيف تأخرت هذا لا بأس تقدمه على الورد المستحب، لكن لا تشتغل به عن الورد الواجب كصلاة الجماعة، وخدمة الوالدين، وحق الزوج الزوجة والأهل، الواجب لا بد منه، أما المستحب فيقدم حق الضيف.

والأفضل في أوقات السحر الاشتغال بالصلاة، والقرآن، والذكر، والدعاء لأن أخر اليل يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا فيما يبقى من ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» وقال -تعالى-: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ]سورة آل عمران: 17[، إذًا فالأفضل في وقت السحر الاستغفار، والصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء فإذا قال شخص في أخر الليل نذهب نخدم الفقراء، أو نشتغل أعمال تنفع الناس فنقول لا، في أخر الليل هذا وقت وظيفة الذكر، والدعاء، والاستغفار، يقول أنا أعمل في الدعوة إلى الله، أو خدمة الفقراء في أخر الليل، نقول لا الساعة هذه وقتها وظيفتها هذا الذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، والاستغفار، أما خدمة الفقراء بعد الفجر، الآن أدي الوظيفة الأفضل في هذا الوقت أن تؤدي وظيفة التي وظفت وهي الاشتغال بالصلاة والقرآن، والاستغفار.

والأفضل في وقت الأذان ترك ما هو في الأوراد والاشتغال بإجابة المؤذن، ولهذا ينبغي لمن يقرأ القرآن وسمع الأذان أن يقف ويجيب المؤذن.

وكذلك من يعظ أو يحاضر يقف ويجيب المؤذن، وكذلك من يتحدث يقف ويجيب المؤذن، لا لأن إجابة المؤذن أفضل من القرآن بل القرآن أفضل، لكن هذا الوقت يفوت، هذا وظيفته هذه قراءة القرآن وقته واسع، وكذلك الموعظة وقتها واسع، إذًا فالمؤذن كمل، لكن هذا الوقت الذي بدء فيه المؤذن وظيفته أن تقف وتجب فيه المؤذن، هذه الوظيفة.

(والأفضل في أوقات الصلوات الخمس: الجدّ والاجتهاد في إيقاعها على أكمل الوجوه، والمبادرة إليها في أوّل الوقت، والخروج إلى المسجد وإن بعد) الأفضل في أوقات الصلوات الخمس إجابة المؤذن والخروج إلى المسجد وإن كان بعيدًان والجد والاجتهاد في إيقاع الصلاة على أكمل الوجوه، والتقدم حتى تؤدي السنة الراتبة، بعض الناس إذا سمع المؤذن ينشغل بإجابة الهاتف، بالكلام مع فلان، بالبيع والشراء، نقول له قف هذه وظيفة أدي الوظيفة، الوظيفة الخروج إلى المسجد، إجابة المؤذن، التقدم حتى تؤدي السنة الراتبة وتبادر إليها، وتأتي إلى الصلاة وتعتني بها وتحافظ عليها، وتؤديها مع الجماعة مقدم على الأعمال الأخرى، هذه وظيفة الوقت.

(والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج: المبادرة إلى مساعدته بالجاه والمال والبدن) إذا كان هناك مضطر إلى المال فالأفضل أن تسعى إلى جمع المال لهذا المضطر، إذا كان هناك جائع الأفضل أن تسعى إلى اطعامه وتجمع له حتى تزول ضرورته تسعى بمالك تنفق، وببدنك تساعده، وبالجاه تتوسط حتى تزول ضرورة هذا المحتاج، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ما جاء إليه الفقراء الذين عامتهم من مضر ثيابهم مقطعه تمعر وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رأى فيهم من الفاقة والفقر محتاجون فقراء، حتى إن ثيابهم مخرقه فالنبي -صلى الله عليه وسلم- تمعر وجهه ودخل وخرج ثم خطب الناس وحثهم على الصدقة وقال ليتصدق رجل من درهمه، من ديناره، من صاع بره، من ثوبه فتسابق الناس، وجاء رجل بمليء كفيه من الطعام حتى كادت كفاه أن تعجز ووضعها ثم تتابع الناس، هذا الذي بادر فصار قدوة للناس فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من سن سنة في الإسلام حسنة فله أجر، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة» لأن هذا هو الذي بادر حتى اجتمع كوم مال من طعم ومن ثياب حتى تهلل وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأنه مذهبه فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بادر لما رأى هؤلاء المحتاجين حث الناس على مساعدتهم، إذًا الأفضل في أوقات ضرورة المحتاج المبادرة إلى مساعدته حتى تزول حاجته وضرورته، تساعده بمالك وبدنك، وبجاهك، إذا كان لك جاه تتوسط عند الأغنياء تقول فلان محتاج انفقوا، أو ببدنك تحمل، أو بمالك تنفق.

(والأفضل في السّفر: مساعدة المحتاج، وإعانة الرّفقة، وإيثار ذلك على الأوراد والخلوة) في وقت السفر الأفضل أن تساعد رفقتك وإخوانك ما تكون تُخدَم، تَخدِم أنت تساعد تقوم تَخدِم تضرب الخيمة إذا كان هناك خيمة تضرب، تأتي بالماء، تأتي بالطعام، تساعدهم في انزال الماء، في انزال الوقود و هكذا تساعد، هذا الأفضل، أفضل من كونك تخلوا بربك وتصلي، بعض الناس إذا نزل وهو مسافر ارح في مكان ويصلي، إذا احضروا الطعام قالوا تعالى يا فلان، القهوة يخدمونه، والأفضل الذين خدموا، ولهذا ثبت في حديثٍ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النبي كان مسافرًا ومعه بعض أصحابه صائمون وبعضهم مفطرون، وكانوا في وقت شدة الحر فنزلوا منزلًا فسقط الصوام، وقام المفطرون فضربوا الأبنية أي: الخيام، وسقوا الركاب، وصنعوا الطعام فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ذهب المفطرون اليوم بالأجر» إذًا الأفضل في وقت السفر المساعدة وإعانة الرفقة، وتقديم ذلك على العبادة القاصرة فلها وقتها، أما وقت الصلاة فوقت أخر، كونك تنفرد وتصلي، أو تقرأ القرآن وتترك رفقتك هم يعملون ويخدمونك هذا خلاف الأولى، الأفضل خدمتهم ومساعدتهم وعونهم، مقدم على قراءة القرآن وصلاة النافلة.

(والأفضل في وقت قراءة القرآن: جمعيّة القلب، والهمّة على تدبّره، والعزم على تنفيذ أوامره، أعظم من جمعيّة قلب من جاءه كتابٌ من السّلطان على ذلك) في وقت قراءة القرآن الأفضل أنك تحضر ذهنك حتى تتدبر، معلوم أن الشيطان يجلب على الإنسان بخيله وركبه إلى أقوى العبادة، إذا دخل الإنسان في الصلاة أقبل عليه الشيطان، وإذا قرأ الإنسان القرآن أقبل عليه الشيطان بالخواطر الرديئة من هنا وهناك لكن موقفك الجهاد أن تدافع وتجاهد، ما تسترسل مع هذه الخواطر، في وقت الصلاة تدافع عن هذه الخواطر حتى يحضر قلبك تعلم أنك واقف بين يدي الله، في وقت قراءة القرآن كذلك تستحضر عظمة الله وأنك تقرأ كتاب الله، وتحاول أن تجمع قلبك وتهتم بالتدبر، وتعزم على تنفيذ الأوامر، واجتناب النواهي هذا كتاب الله -عز وجل- كتاب الله العظيم، أعظم كتاب، وأفضل كتاب، وخير كتاب، كتاب من ربنا -عز وجل- يخبرنا أننا إذا عملنا تدبرناه، إذا تدبرنا هذا القرآن وعملنا به حصلنا على السعادة الدنيوية والأخروية فكيف نقرأه بقلوب غافلة، نقرأ القرآن بحروف بألسنتنا لكن ما نتدبر المعاني، يفكر الإنسان يبيع ويشتري وهو يقرأ ويصلي، يبيع ويشتري، يذهب ويأتي، إذا انتهت الصلاة ما يعقل شيء، إذا انتهى من قراءة القرآن ربع ربعين ما يعقل شيء منه، الشيطان يريد هذا، يريد أن يضيع علينا هذه العبادة، ولكن الذي ينبغي على المسلم أن يجاهد ويغالب هذه الوساوس وأن يجمع قلبه وهمته على تدبر القرآن وتعظيم الأوامر، أعظم من جمعية قلب من جاءه كتابٌ من السلطان، إذا جاء كتاب من سلطان، كتاب من الملك، أو الأمير، أو الوزير كتاب ماذا يعمل الناس؟

يقرأون هذا الكتاب ويفسرونه، ويحللونه ويقولون مضامين هذا الكتاب وكذا، والمقصود من الجملة كذا، وهذه تفسيرها كذا وهو من بشر لا يملك نفعًا ولا ضرًا، فكيف نجمع همتنا على الخطاب الذي يأتي من البشر الوزير أو الملك، أو المدير، أو رئيس الجمهورية، ونتدبره ونتأمله، ونحلله، وننظر أبعاده، وكتاب ربنا بين أيدينا لا نعيره اهتمامًا ولا نهتم ولا نجمع قلوبنا عليه، يجب جمعية القلب على الله عند قراءة القرآن أعظم من جمعية على القلب عند من جاءه كتاب من السلطان.

(والأفضل في وقت الوقوف بعرفة) يخدم الناس، أم يصوم؟ الصيام متروك للحاج.

(والأفضل في وقت الوقوف بعرفة: الاجتهاد في التّضرّع والدّعاء والذّكر) في مدارج السالكين زيادة: دون الصوم المضعف عن ذلك، لأن الوظيفة في عشية عرفة والعبادة التي وظفها الله هي الاجتهاد في التضرع إلى الله، وحضور القلب، والدعاء، والذكر، لكن شخص يقول أنا أصوم في عرفة، فنقول له لا، ليست الوظيفة الصوم، نهي النبي عن الصوم عرفة بعرفة، لكن غير الحاج نعم يشرع له الصيام يكفر له ذنوب سنتين إذا تقبل الله منه وترك الكبائر، لكن في عرفة لا ليس مشروعًا أن تصوم، بل الصوم مكروه، المشروع التضرع والدعاء والذكر، دون الأعمال الأخرى، رجل يشفع للناس، وينفع الناس، وأطعم الجائع نقول هذا الوقت خاص بالذكر والدعاء، وقت اطعام الجائع وقت أخر، بالليل أو غد، أو بعد غد في أوقات أخرى، تعليم الجاهل كذلك، الدعوة، هذا الوقت مخصص لهذه الوظيفة، الأفضل في وقت الوقوف بعرفة الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن ذلك، الآن نقف على هذا، وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد