شعار الموقع

شرح كتاب تجريد التوحيد_20

00:00
00:00
تحميل
77

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين أجمعين برحمتك يا أرحم الأرحمين.

يقول الإمام/ المقريزي -رحمه الله تعالى-: ((واعلم أنَّ للعبادة أربع قواعد وهي: التحقُّق بما يحبُّ الله ورسوله ويرضاه، وقيام ذلك بالقلب واللسان والجوارح، فالعبودية اسمٌ جامعٌ لهذه المراتب الأربع، فأصحاب العبادة حقًّا هم أصحابها.

  1. فقول القلب هو:
  • اعتقاد ما أخبر الله عن نفسه.
  • وأخبر رسوله عن ربه من أسمائه وصفاته وأفعاله وملائكته.
  • ولقائه وما أشبه ذلك.
  1. وقول اللسان:
  • الإخبار عنه بذلك والدعاء إليه.
  • والذبُّ عنه.
  • وتبيين بطلان البِدَع المخالفة له.
  • والقيام بذِكره تعالى وتبليغ أمره.
  1. وعمل القلب:
  • كالمحبة له.
  • والتوكُّل عليه.
  • والإنابة.
  • والخوف.
  • والرجاء.
  • والإخلاص.
  • والصبر على أوامره وعن نواهيه.
  • وأقداره والرضا به وله وعنه.
  • والموالاة فيه، والمعاداة فيه.
  • والإخبات إليه.
  • والطمأنينة به.
  • ونحو ذلك من أعمال القلوب التي فرضها آكد من فرض أعمال الجوارح، ومستحبُّها أحبَّ إلى الله من مستحبِّ أعمال الجوارح.
  1. وأمَّا أعمال الجوارح:
  • فكالصلاة.
  • والجهاد.
  • ونقل الأقدام إلى الجمعة والجماعات.
  • ومساعدة العاجز.
  • والإحسان إلى الخلْق.
  • ونحو ذلك.

فقول العبد في صلاته: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5]: التزام أحكام هذه الأربعة وإقرارٌ بها.

وقوله: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة:5]: طلب الإعانة عليها والتوفيق لها.

وقوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾[الفاتحة:6]: متضمِّنٌ للأمريْن على التفصيل، وإلهام القيام بهما وسلوك طريق السالكين إلى الله تعالى.

والله الموفِّق بمنِّه وكرمه والحمد لله وحده، وصلَّى الله على مَن لا نبي بعده وآله وصحبه ووارثيه وحزبه.

تمَّ الكتاب بعوْن الله الملك الوهَّاب)).

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعد...

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (واعلم أنَّ للعبادة أربع قواعد وهي: التحقُّق بما يحبُّ الله ورسوله ويرضاه، وقيام ذلك بالقلب واللسان والجوارح) هذا البحث منقول من كتاب [مدارج السالكين] لابن القيِّم، وموجود في كلام ابن القيِّم يقول: «فصلٌّ: وبُنيَ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] على أربع قواعد: التحقُّق بما يحبُّه الله ورسوله ويرضاه من قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح» -ففيها زيادة- والمؤلف هنا قال: (وقيام ذلك بالقلب) فالقلب ينقسم إلى قسميْن:

  • قول القلب.
  • وعمل القلب.

الموجود  [مدارج السالكين] في : «التحقُّق بما يحبُّه الله ويرضاه من قول اللسان والقلب، وعمل القلب والجوارح» هذه أربعة: «التحقُّق بما يحبُّه الله ويرضاه من قول اللسان والقلب، وعمل القلب والجوارح».

ثم قال: (فالعبودية اسمٌ جامعٌ لهذه المراتب الأربع، فأصحاب ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] حقًّا هم أصحابها) المؤلف يبغا أصحاب العبادة، الموجود في [مدارج السالكين]: «فأصحاب ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] حقًّا هم أصحابها» انتهى كلام ابن القيِّم: إنَّ الموجود في [مدارج السالكين]: «فصلٌّ: وبُنيَ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] على أربع قواعد: التحقُّق بما يحبُّه الله ورسوله ويرضاه من قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح» (فالعبودية اسمٌ جامعٌ لهذه المراتب الأربع، فأصحاب ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] حقًّا هم أصحابها).

لأنَّ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] يعني: خصَّك يا الله بالعبادة.

﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] قدَّم المفعول على الفعل لإفادة الحصر، فـ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] هو معنى «لا إله إلَّا الله» يعني: لا نعبد إلَّا إيَّاه، وهذا مأخوذٌ من أي شيء؟

الحصر مأخوذٌ من تقديم المفعول على الفعل يفيد الحصر، لو لم يقدِّم؟ لو قال: «نعبدُك» ولم يقدِّم ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] ما أفاد الحصر؛ لكن لمَّا قدَّم ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] صار معناها: إياك نعبد ولا نعبد غيرك، فهو معنى لا إله إلَّا الله» فالتوحيد لا يكون إلَّا بالنفي والإثبات:

  • «لا إله»: هذا النفي.
  • «إلَّا الله»: هذا الإثبات.

بهذا يكون الإنسان موحِدًّا.

«لا إله إلَّا الله» مشتملة على ركنين:

الركن الأول: النفي، وهذا هو الكفر (04:42)، النفي جميع ما يُعبَد من دون الله.

ومعنى (04:45): البراءة من معبودٍ سوى الله، البراءة من عبادة كل معبودٍ سوى الله وإنكارها ونفيها، والكفر بأصحابها، والتبريء منها ومن أهلها. هذا معنى «لا إله».

«إلَّا الله»: هو إثبات العبادة لله وحده.

فكلمة التوحيد «لا إله إلَّا الله» فيها كُفرٌ وإيمان:

فيها كفرٌ بالطاغوت: قولك: «لا إله».

«إلَّا الله» هذا إيمانٌ بالله.

ولا يحصل التوحيد إلَّا بالأمريْن: النفي والإثبات، (05:12) الطاغوت والإيمان بالله، قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ﴾[البقرة:256].

فـ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] تفيد الحصر، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] يعني: نعبدك ولا نعبدُ غيرك، وهذا الحصر مفهوم من تقديم الفعل ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5]فصار ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] هي معنى: «لا إله إلَّا الله» تفيد النفي والإثبات، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] يعني: نخصُّك يا الله بالعبادة ولا نعبُدُ غيرك.

إذًا... ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] مبنية على أربع قواعد، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] العبادة: هذا فيه حقُّ الله مبنية على أربع قواعد، ما هي هذه القواعد؟

قول اللسان.

وقول القلب.

وعمل القلب.

وعمل الجوارح.

ولهذا قال: (وهي: التحقُّق بما يحبُّ الله ورسوله ويرضاه) من قول اللسان والقلب وعمل القلب والجوارح؛ فالعبودية اسمٌ جامعٌ لهذه المراتب الأربعة، ما هي المراتب الأربع؟

  1. المرتبة الأولى: قول اللسان.
  2. المرتبة الثانية: قول القلب.
  3. المرتبة الثالثة: عمل القلب.
  4. المرتبة الرابعة: عمل الجوارح.

وهذه لتتحقق لا بد من (06:20) بذلك البدعة والمعصية؛ فإنها لا يحبها الله ورسوله، (06:24) ما يحبُّه الله ورسوله، يخلص من ذلك البدعة والمعصية فإنها لا يحبها الله ورسوله.

وهذه الأربع القواعد داخلة في مسمَّى الإيمان، هي مسمَّى الإيمان.

مسمَّى الإيمان: قول اللسان، وقول القلب، وعمل القلب، وعمل الجوارح. والمؤلِّف سيفصِّل هذه المراتب الأربعة.

قال بعض السلف في تعريف الإيمان، قال: «الإيمان: قولٌ وعملٌ ونيَّةٌ»:

قول: يشمل قول القلب وقول اللسان.

قول القلب هو: الاعتقاد، التصديق.

قول اللسان: النطق.

وعمل القلب: النية والإخلاص والصدق.

وعمل الجوارح: الصلاة والصيام والزكاة.

«الإيمان قولٌ وعملٌ ونية» وزاد بعضهم: «قولٌ وعملٌ ونيةٌ وسُنَّة» وهذا أشمل من قول بعضهم: «الإيمان قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعملٌ بالأركان»

الجنان هو: القلب.

عمل بالأركان أي: الجوارح.

هنا نقَصَ عمل القلب «قولٌ باللسان وتصديق بالجنان» أين عمل القلب؟

وعمل بالأركان: الجوارح.

إذًا.... هذا أشهر القول، قول بعض الذين قالوا: «قولٌ وعمل».

  • القول قسمان:

قول القلب.

وقول اللسان.

  • والعمل قسمان:

عمل القلب.

وعمل الجوارح.

هذه الأربع هي التي بُنِيَ عليها ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] العبادة مبنية على هذه القواعد الأربعة: قول اللسان، وقول القلب، وعمل القلب، وعمل الجوارح، ومسمَّى الإيمان يشملها (07:58).

ما هي هذه الأربع؟

أولها: قال المؤلف: (قول القلب) ما هو قول القلب؟

قول القلب هو: الاعتقاد، اعتقاد التصديق، (اعتقاد ما أخبر الله عن نفسه، وأخبر رسوله عن ربه من أسمائه وصفاته وأفعاله وملائكته، ولقائه وما أشبه ذلك)

(لقائه) يعني: البعث.

كل هذا دخل في (قول القلب): أن تعتقد وتصدِّق خبر أخبار الله الذي أخبر به عن نفسه، أخبر عن نفسه:

بأنَّ له الأسماء الحسنى.

أخبر عن نفسه: أنه العليم، بأنه القدير، بأنه السميع، بأنه البصير، كما قال سبحانه: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[الحشر:22-24].

لا بد أن تعتقد وتصدِّق ما أخبر الله به عن نفسه، وكذلك ما أخبر عنه رسوله -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أسمائه وصفاته وأفعاله، فأخبر الرسول عن ربه ولهذا قال المؤلف: (فقول القلب هو: اعتقاد ما أخبر الله عن نفسه، وأخبر رسوله عن ربه من أسمائه وصفاته وأفعاله وملائكته) الإخبار عن الملائكة، الله أخبر عن الملائكة قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾[الأحزاب:56]، ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾[البقرة:285]، ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ﴾[البقرة:98].

فلا بد من أن نؤمن بالملائكة الذين جاء ذِكْرُهم في القرآن الكريم وفي السُّنَّة المطهَّرة، وإخبار (09:43) بأعمالهم من سُمِّي (جبريل- وميكائيل- وإسرافيل) وما لم يُسمَّى نؤمن بهم (09:49) ومنهم: ﴿وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا﴾[المرسلات:1-3] هم الملائكة.

ومنهم: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾[النازعات:1-5] كل هذه من الملائكة.

والملائكة من عالم الغيب خلقهم الله من نور، وأشخاص وذوات محسوسة تنزل وتصعد وتذهب وتُرَى وتجيء وتخاطب الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

وأمَّا أعداء الله الفلاسفة فهم ينكرون الملائكة ويقولون: «الملائكة عبارة عن أشباح وأشكال نورانية يتصوَّرها النبي بزعمه، يتخيَّلها ويتصوَّرها في نفسه وإلَّا لا حق (10:25)».

ومَن تقرَّب منهم من أهل الإسلام يقولون: «الملائكة عبارة عن أمور معنوية تبعث على الخير والبر والإحسان والإيثار والشجاعة والإقدام، والشياطين عبارة أمور رديئة لتبعث على الإيذاء والظلم والعدوان (10:41) أداء الله».

الملائكة لا بد من الإيمان بهم، والإيمان بأسمائهم، ووظائفهم، وشرفهم عند الله -عزَّ وجلَّ-، فالملائكة لهم وظائف:

  • منهم: حملةُ العرش، حول العرش وهو (10:54) من أشرف الملائكة.
  • ومنهم: سكَّان السموات.
  • ومنهم: الموكَّلون ببني آدم، النطفة (11:02) النطفة حتى يتم خلقُها.
  • ومنهم: الموكَّل بالموت.
  • ومنهم: الموكَّل بالنار وإعداد العذاب لأهلها.
  • ومنهم: الموكَّل بالجنة وإعداد النعيم لأهلها.
  • ومنهم: الموكَّل (11:13) بقبض الروح (ملك الموت) وله أعوان.
  • ومنهم: الموكَّل بالقطر (وهو ميكائيل)، والنبات.
  • ومنهم: الموكَّل بالنفخ في الصور (وهو إسرافيل).
  • ومنهم: الموكَّل بالوحي (وهو جبريل -عليه الصلاة والسلام-).

فكل حركةٍ في السموات والأرض (11:30) على الملائكة ؟؟؟ كل حركة في السموات والأرض (11:35) على الملائكة بأمر الله، ؟؟؟؟ لأعداء الله الملائكة الذين يقولون: ؟؟؟ هي المدبِّرة لهذا الكون.

وكذلك يدخل (11:42) في الكتب المنزَّلة التي أنزلها الله ما سُمِّي بالكتب الأربعة (التوراة- والإنجيل- والزابور- والقرآن- وصحف إبراهيم- وصحف موسى) فنؤمن بالأنبياء (11:53)، ونؤمن بأنَّ لله كتبًا لا يعلم أسماءها وعددها إلَّا الله، ونؤمن بالرُّسل مَن سُمِّي (11:59) وهم خمسة وعشرون في سورة الأنعام وفي سورة النساء ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ.....﴾[النساء:163] إلى آخر الآية.

وفي الأنعام ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾[الأنعام:83-86].

فهذه الرسل الذين جاء ذكرهم في سورة «النساء» وفي سورة «الأنعام» إذا حذفتَ المكرر وزدت «هود- وصالح- ونبينا محمد -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يكون خمسة وعشرون نؤمن بأعيانهم ونؤمن ببقية الرسل، وأنَّ الله تعالى أرسل رسلًا لا يعلم أسماءهم إلَّا الله.

ولا بد من الإيمان بالبعث بعد الموت ولهذا قال المؤلف: (ولقائه) (13:00) الإيمان بلقاء الله في البعث بعد الموت، والحشر، والنشر، وتطاير الصحف، والحساب، والجزاء، ووزن الأعمال، والورود على الحوض، والمرور على الصراط، والجنة والنار، والاستقرار في الجنة أو النار.

لا بد من بذلك.

كل هذا داخل في (قول القلب) اعتقاد القلب (13:18).

(وقول اللسان) قول اللسان: (الإخبار عنه بذلك) الإخبار عن الله بذلك بأسمائه وصفاته وأفعاله، النطق بذلك.

(والدعاء إليه) والدعوة إلى الله.

(والذب) والذب عن الحق.

(وتبيين بطلان البِدَع المخالفة له، والقيام بذكر الله تعالى وتبليغ أمره) كل هذا داخل في (قول اللسان) فقراءة القرآن، والذِّكر، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل هذا داخل في (قول اللسان).

(وعمل القلب) عمل القلب كـ:

(المحبة) كمحبة الله ورسوله، ومحبة أنبيائه ورسله.

(والتوكُّل) على الله.

(والإنابة) إليه.

(والخوف) من الله.

(والرجاء).

(والإخلاص).

(والصبر على أوامره وعن نواهيه) الأوامر يُصبَر على فعلها، والنواهي يُصبَر عنها.

(وأقداره والرضا به وعنه) كلمة (له) زائدة ليست في مجاله، وهناك (والرضا به وله وعنه) كلمة (له) زائدة (والرضا به وعنه) كل هذا داخل في (عمل القلب) يرضى بالله وعن الله.

(والموالاة فيه) هذه من أعمال القلوب (المولاة في الله، والمعاداة في الله) من أصول الإيمان (والموالاة فيه، والمعاداة فيه).

(والإخبات إليه) يعني: العبادة والطمأنينة، والخضوع لله -عزَّ وجلَّ-، والطمأنينة به.

(ونحو ذلك من أعمال القلوب) كل هذا داخل في أعمال القلوب.

يقول المؤلف: (التي فرضها آكد من فرض أعمال الجوارح، ومستحبُّها أحبَّ إلى الله من مستحبِّ أعمال الجوارح) وهذا ليس على إطلاقه؛ بل قد يكون بعض أعمال الجوارح أفضل من بعض أعمال القلوب مثل: «الصلاة» ليس على إطلاقه، كقول المؤلف: (أعمال القلوب التي فرضها آكد من فرض أعمال الجوارح، ومستحبُّها أحبَّ إلى الله من مستحبِّ أعمال الجوارح) هذا في الجملة؛ لكن قد يكون بعض أعمال الجوارح أفضل كالصلاة من بعض أعمال القلوب.

 قال المؤلف: (وأمَّا أعمال الجوارح: فكالصلاة، والجهاد، ونقل الأقدام إلى الجمعة والجماعات، ومساعدة العاجز، والإحسان إلى الخلْق، ونحو ذلك) كل هذا من أعمال الجوارح، وأعمال الجوارح هي المرتبة الرابعة، وهي داخلة في مسمَّى «الإيمان»، (وأمَّا أعمال الجوارح: فكالصلاة، والجهاد، ونقل الأقدام إلى الجمعة والجماعات، ومساعدة العاجز، والإحسان إلى الخلْق، ونحو ذلك) كل هذا من أعمال الجوارح، كثيرة أعمال الجوارح: الصدقة، والإحسان، والبِر، والإيثار، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران، وكفّ الجوارح عن الغِيبة والنميمة وأذية الناس، كل هذا داخل في أعمال.

هذه هي مراتب  ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] مراتب العبادة:

  • قول القلب.
  • وقول اللسان.
  • وعمل القلب.
  • وعمل الجوارح.

وهذه كلها داخلٌ في مسمَّى «الإيمان»، مسمَّى الإيمان:

  • قول القلب.
  • وقول اللسان.
  • وعمل القلب.

وعمل الجوارح.

كما قال الإمام: «الإيمان قولٌ وعمل ونيَّة».

وقال بعضهم: «قولٌ وعملٌ ونيةٌ وسُنَّة»،

ومنهم مَن قال: «الإيمان قولٌ باللسان، وتصديقٌ بالجنان، وعملٌ بالأركان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان».

هذا هو قول أهل الحق الصحابة والتابعين ومَن بعدهم، والصلاة داخلة في مسمَّى الإيمان، والأعمال داخلة في مسمَّى الإيمان.

خلافًا للمرجئة الذين يقولون: «إنَّ الأعمال غير داخلة في مسمَّى الإيمان» مذهب المرجئة: أنَّ الأعمال (16:56) مسمَّيات، المرجئة يقولون: «الإيمان: قولُ اللسان، وقول القلب، وعمل القلب» وأمَّا أعمال الجوارح فليست داخلة في مسمَّى الإيمان.

وعمل القلب: اختلف المرجئة:

منهم: مَن أدخله.

ومنهم: مَن لم يدخله.

وكذلك قول اللسان: بعض المرجئة لم يدخل قول اللسان، قال: «تصديق القلب» فقط.

وأمَّا الصحابة والتابعون والأئمة وعلماء أهل السُّنَّة ومذهب الأئمة (مالك- والشافعي- وأحمد) وأهل السُّنَّة قاطبة والتابعون والأئمة: أنَّ الأعمال داخلة في مسمَّى الإيمان (أعمال القلوب وأعمال الجوارح)، فمسمَّى الإيمان: هذه الأمور الأربعة:

  • قول القلب هو: التصديق والاعتقاد.
  • وقول اللسان وهو: النطق.
  • وعمل القلب وهو: النية والإخلاص.
  • وعمل الجوارح: كالصلاة والصيام والزكاة والحج... كلها داخلة في مسمَّى الإيمان.

وقد اتَّفق الصحابة والتابعون ومَن بعدهم من علماء السُّنَّة على أنَّ: الأعمال من الإيمان، واتفقوا على أنَّ تارك جنس العمل مطلقًا كافر؛ فلا يجزئ التصديق بالقلب والنطق باللسان حتى يكون عمل الجوارح.

بل حكى الشافعي -رحمه الله- يجمع الصحابة والتابعين ومَن بعدهم ممن أدركهم: أنَّ الإيمان قولٌ وعملٌ ونية؛ فلا يجزئ أحدهم من الثلاثة عن الآخر، لا يجزئ القول عن العمل ولا يجزئ العمل على النية، فلا يجزئ أحدٌ من الثلاثة على الآخر.

والقول: يشمل قول اللسان وقول القلب.

والعمل قسمان:

عمل القلب.

وعمل الجوارح.

فلا يجزئ أحدهم من الثلاثة عن الآخر، أي: لا يجزئ جنسٌ واحدٍ عن الآخر، فإذا اختلَّ جنسٌ من هؤلاء يُصبح الرجل كافرًا.

وترْك الأعمال إذا تَرَكَ العمل: هذا فيه تفصيل:

منها ما ينافي أصل الإيمان: كالصلاة: إذا تركها (18:41).

ومنها ما ينافي كمال الإيمان الواجب: كترْك بِرِّ الوالدين وصلة الأرحام وغيره مما يُعتبر كبيرةً من كبائر الذنوب.

بعض الأعمال إذا تركها صار كفرًا كالصلاة، وبعضها إذا تركها صار كبيرةً كترْك بِر الوالدين وصلة الأرحام.

والمرجئة الذين لا يسمون الأعمال في مسمَّى الإيمان أربع طوائف، يقابلهم أهل السُّنَّة.

أهل السُّنَّة يقولون: «الإيمان: قول القلب، وقول اللسان، وعمل القلب، وعمل الجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية».

والمرجئة أربعة طوائف:

  1. الطائفة الأولى: مرجئة الجهمية (المرجئة (19:19) الغلاف):

 الذين يعتقدون أنَّ «الإيمان: معرفة الرب بالقلب، والكفر: جهل الرب بالقلب» وهذا مذهب الجهم بن صفوان ومذهب الجهمية، وأبو الحسين الصالحي من القدرية، وهذا أفسد وأخبث قول هو هذا القول، أفسد قول على وجه الأرض هو هذا التعريف.

«الإيمان: معرفة الرب بالقلب» يقول الجهم: إذا عرفتَ ربك بقلبك فأنت مؤمن، وعلى هذا ما في حد كافر عند الجهم، في أحد ما يعرف بقلبه؟!

يقول: «الإيمان: معرفة الرب بالقلب» إذا عرف ربه بقلبه اتصف بالإيمان، ولا يكون كافرًا إلَّا إذا جهل ربه بقلبه، وعلى هذا التعريف يكون فرعون؛ لأنه يعرف ربه بقلبه قال الله عن موسى أنه قال: «لقد علمت» والعلم معرفة القلب، لقد علمتَ معذِر هؤلاء، وإبليس يكون مؤمن على مذهب الجهم ها التعريف؛ لأنَّ إبليس يعرف ربه ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾[ص:79].

واليهود يكونون مؤمنين على مذهب الجهم؛ لأنهم يعرفون ربهم ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾[البقرة:146] ويعرفون صدق الرسول.

وأبو طالب عم الرسول الذي مات على الشِّرك يكون مؤمنًا على مذهب الجهم؛ لأنه يعلم صدق الرسول قال: «ولقد علمتم» في قصيدته:

ولقد علمتم بأنَّ دِين محمدٍ

 

من خير أديان البرية دينًا

 

ومع ذلك ثبَتَ في صحيح البخاري أنه مات على الكفر وأبى أن يقول «لا إله إلَّا الله».

بل قال العلماء: «إنَّ الجهم يكون كافرًا بتعريفه هو؛ لأنه جاهلٌ بربه» هو أجهل الناس بربه، يكون كافرًا بتعريفه هو (20:58) هذا أفسد وأخبث وأقبح قول في تعريف الإيمان.

وعلى مذهب الجهمية: الاعمال غير واجبة، ويكون كل مَن فعل جميع نواقض الإسلام لا يكفُر عند الجهم، لو سبَّ الله وسبَّ الرسول وسبَّ الصحابة، وقتَلَ الأنبياء، وهدَمَ المساجد، وفعَلَ جميع الكبائر لا يكفُر ألَّا إذا جهِلَ ربه بقلبه -نعوذ بالله-، قال: ذكَرَه ابن القيِّم -رحمه الله- في [النونية] وأطال في الرد عليه.

  1. ويليه القول الثاني، المذهب الثاني (مذهب الكرَّامية) أتباع محمد بن كِرام:

(21:33) يقول: «الإيمان: النطق باللسان إذا أقرَّ الإنسان وقال: «لا إله إلَّا الله» يكون مؤمنًا ولو كان مكذِّبًا بقبله» هذا يلي مذهب الجهم في الفساد، وعلى هذا مَن نطَقَ بلسانه عند الكرَّامية يكون مؤمنًا «الإيمان هو: النطق باللسان فقط» وعلى هذا يكون المنافقون مؤمنين.

ويقول: «إنه إذا نطَقَ بلسانه وكان مكذِّبًا بقلبه فإنه يكون مؤمنًا كامل الإيمان لأنه نطق باللسان؛ ولكنه يُخلَّدُ في النار لأنه كذَّب بقلبه».

يقول: إذا نطَقَ بلسانه فهو مؤمنٌ كامل الإيمان، وإذا كان مكذِّبًا مع ذلك خُلِّد في النار؛ فيلزم على قوله «التناقض» (22:16) يكون مؤمنٌ كامل الإيمان ويُخلَّد في النار، يكون مؤمن كامل الإيمان لأنه نطَقَ بلسانه، ومخلَّد في النار لأنه كذَّب بقلبه. فهذا يلي مذهب الجهم في الفساد.

  1. المذهب الثالث -من المذاهب المرجئة– مذهب الأشاعرة والماتوريدية:

الذين يرون ويقرُّون أنَّ «الإيمان هو: تصديق القلب فقط» إذا صدَّق بقلبه فهو مؤمن؛ وأمَّا إذا أقرَّ باللسان هذا ركنٌ زائد مطلوب لكن ليس من الإيمان، ركنٌ زائدٌ عن الإيمان، النطق باللسان لا يلزم في تعريف الإيمان؛ «الإيمان: تصديقٌ بالقلب فقط» وأمَّا الإقرار باللسان فهذا ركنٌ زائد عن الإيمان، مطلوب لكنه ليس من الإيمان، وهذا مذهبٌ باطل.

والقول بأنَّ: الإيمان هو: التصديق بالقلب فقط إذا لم يكن هناك عمل؛ فلا فرق بينه وبين المعرفة؛ ولهذا قال شيخ الإسلام/ ابن تيمية -رحمه الله-: «يعثُر التفريق بين تصديق القلب ومعرفة القلب».

الجهمي يقول: «الإيمان: معرفة الرب بالقلب».

والأشعري والماتوريدي يقول: «الإيمان: تصديق القلب».

إذا لم يكن هناك عملٌ للقلب والجوارح؛ فلا فرق بين التصديق والمعرفة.

المذهب الرابع: مذهب مرجئة الفقهاء (أبو حنيفة وأصحابه):

«أنَّ الإيمان شيئان: تصديق القلب، وإقرار اللسان فقط» وأمَّا أعمال الجوارح فهي مطلوبة لكن ليست من الإيمان، أعمال الجوارح (كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج) هو هذه يسمِّيها ليست من الإيمان لكن واجبة، يسميها: بِر، يسميها: هدى، يسميها: ثقة، يسميها: (23:53) ما يسمِّيها إيمان، وهذه ؟؟؟ يقول: «أسمِّيها: بِر وثقة وهدى وإيمان».

فهُمْ موافقون لأهل السُّنَّة في المعنى؛ لكن مخالفون لهم في اللفظ:

أهل السُّنَّة يقولون: «أعمال الجوارح من الإيمان».

ومرجئة الفقهاء يقولون: «أعمال الجوارح ليست من الإيمان لكنها مطلوبة، والواجبات واجبات، والمحرَّمات محرَّمات، ومَن فعَلَ الواجب أثابه الله، ومَن فعَلَ المحرَّم استحقَّ العقوبة؛ ولكن لا (24:22) إيمان» هذا الإمام/ أبي حنيفة وأصحابه، يسمُّون «مرجئة الفقهاء».

ويقول: «إنَّ الفرق بينه وبين مذهب الجمهور خلاف اللفظ» لأنهم يتَّفقون على أنَّ «الواجبات واجبات، والمحرَّمات محرَّمات» لكن يختلفون في التسمية:

فأهل السُّنَّة يسمُّونها: إيمان.

ومرجئة الفقهاء يسمُّونها: بر وتقوى.

ويقولون لك: «خلاف لفظي».

والصواب أنَّ: الخلاف ليس لفظيًّا؛ بل له آثار تترتَّب عليه، من الآثار:

أنَّ جمهور أهل السُّنَّة تأدَّبوا مع الكتاب والسُّنَّة، والنصوص أدخلت الأعمال في مسمَّى الإيمان كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾[الأنفال:4] كل هذه في مسمَّى الإيمان.

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾[الحجرات:15].

وقال -عليه الصلاة والسلام- كما ثبَتَ في الصحيح النبي -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «الإيمان بضعٌ وسبعون شُعبة: فأعلاها قول: لا إله إلَّا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شُعبةٌ من الإيمان» فجعَلَ الإيمان بضع وسبعون شعبة، والبضع: من ثلاثة إلى تسعة.

وقد تتبَّع الحافظ/ البيهقي -رحمه الله- شُعَب الإيمان من الكتاب والسُّنَّة وأوصلها إلى أعلى البضع (إلى تسعة وسبعون) وألَّف مؤلَّف عظيم سمَّاه [شُعَب الإيمان] كلها داخلة في مسمَّى الإيمان.

ومثَّل النبي -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشعبة بقوله: «لا إله إلَّا الله».

ومثَّل للشُّعبة العملية بـ «إماطة الأذى عن الطريق».

ومثَّل للشُّعبة القولية بـ «الحياء».

كلها داخلة في مسمَّى الإيمان؛ فكيف يقول المرجئة ليست داخلة في مسمَّى الإيمان؟!

وفي حديث عبد القيس لمَّا قال للنبي -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:  يا رسول الله (26:13)  «آمركم بالإيمان بالله وحده» أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أنَّ لا إله إلَّا الله وأنَّ محمدً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدُّوا (26:23) ما غنمتم» فكل هذه أدخلها في مسمَّى الإيمان.

«آمركم بالإيمان بالله وحده» ثم فسَّر قال: «أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أنَّ لا إله إلَّا الله وأنَّ محمدً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان» وأداء (26:38). كل هذه داخلة في مسمَّى الإيمان، هذا صريح في الرد على المرجئة.

إذًا... أهل السُّنَّة تأدَّبوا مع الكتاب والسُّنَّة فأدخلوا الأعمال في مسمَّى الإيمان.

وأمَّا مرجئة الفقهاء: فلم يتأدَّبوا، وافقوا الكتاب والسُّنَّة في المعنى، وأهل السُّنَّة وافقوا الكتاب والسُّنَّة في اللفظ والمعنى، ولا يوجد إنسان مخالف الكتاب والسُّنَّة لا في اللفظ ولا في المعنى؛ بل يجب عليه أن يتأدَّب مع النصوص.

وثانيًا: أنَّ مرجئة الفقهاء لمَّا اختلفوا مع أهل السُّنَّة وقالوا: «أنَّ الأعمال داخلة في مسمَّى الإيمان» فتحوا باب للفُسَّاق، فيأتي الفاسق السكِّير العربيد فيقول: أنا مؤمنٌ كامل الإيمان، إيماني كإيمان أبي بكر وعمر، وكإيمان جبريل وميكائيل.

أهل المرجئة يقولون: «إيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد» إيمان افسق الناس وأشقى الناس واحد هو «التصديق»، والتفاوُت (27:26) ليس في الإيمان؛ بل في الأعمال، فيأتي السكِّير العربيد الذي يعمل الكبائر ويقول: أنا مؤمن كامل الإيمان، إيماني كإيمان أبي بكر وعمر وكإيمان جبريل وميكائيل.

فقلت: اتَّقِ الله، أبو بكر له أعمال عظيمة وعمر له أعمال عظيمة.

قال: ما لنا دعوة في الأعمال؛ الأعمال ليست من الإيمان، أنا مصدِّق وأبو بكر مصدِّق فكلُّنا إيماننا واحد؛ أمَّا الأعمال (27:47).

مَن الذي فتَحَ الباب هذا لهم؟

مرجئة الفقهاء.

وكذلك من الآثار: أنهم فتحوا الباب للمرجئة المحضة (الغلاف، الجهمية) هم الذين فتحوا لهم الباب لمَّا قال مرجئة الفقهاء: «الأعمال ليست من الإيمان، وإن كانت مطلوبة» دخل المرجئة المحضة وقالوا: ليست مطلوبة، والصلاة والزكاة والصيام والحج ليس من الإيمان وليست مطلوبة، مَن الذي فتَحَ لهم الباب؟

مرجئة الفقهاء.

وكذلك من الآثار: (28:12) في الإيمان: كأن تقول: أنا مؤمنٌ إن شاء الله.

مرجئة الفقهاء يقولون: لا تقول: «إن شاء الله» لا (28:19)، أنت تشك في ؟؟؟ ما تعلم نفسك أنك مصدِّق؟

تعلم أنك صادق؛ ليش تقول: «إن شاء الله»؟ تشك في إيمانك؟

ولهذا يسمُّونهم «الشكَّاكة» يقول: أنت تعلم نفسك أنك نفسك كما أنك تعلم أنك تحب الرسول، تعلم أنك تبغض اليهود، تعلم أنك (28:36)؛ كيف تقول: «إن شاء الله» لشيء محَقَّق؟ إنما الشيء الذي (28:40) الذي يُشَكُّ فيه.

وأمَّا أهل السُّنَّة فيقولون هذا تفصيل:

إن قصدتَ الشك في أصل الإيمان: فهذا ممنوع.

وأمَّا إذا أردتَ أنَّ الأعمال له شُعَب متعددة وكثيرة وأنَّ (28:53)، ولا يجزم بأنه أدَّى ما عليه: ؟؟؟؟ أن يقول: «إن شاء الله» لأنَّ هذا راجع إلى الأعمال، والأعمال (28:59) ولا بأنه أدَّاها.

وكذلك إذا أراد التبرُّك بذِكْر اسم الله: فله أن يقول: «إن شاء الله».

وكذلك إذا أراد عدم علمه بالعقيدة.

هذه كلها آثار تترتَّب على خلاف مرجئة الفقهاء، وبهذا يتبيَّن أنَّ المرجئة أربعة أصناف:

  • الجهمية.
  • والكرَّامية.
  • والأشاعرة والماتوريدية.
  • ومرجئة الفقهاء: هم طائفة من أهل السُّنَّة؛ لكن خلافهم مع جمهور أهل السُّنَّة يترتَّب عليه هذه الآثار.

يقول المؤلف -رحمه الله-: (فقول العبد في صلاته: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5]: التزام أحكام هذه الأربعة وإقرارٌ بها) ما هي الأربعة؟

قول القلب.

وقول اللسان.

وعمل القلب.

وعمل الجوارح.

(التزام) بألَّا تعبد الله إلَّا بما شرَعَه على لسان رسوله -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مع الإخلاص لله.

والتزامٌ بالعبودية المتمثِّلة بـ (قول اللسان، وقول القلب، وعمل القلب، وأعمال الجوارح).

(وقوله: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة:5]: طلب الإعانة عليها والتوفيق لها) الإعانة على أي شيء؟

العبادة (طلب الإعانة عليها والتوفيق لها) لأنه لا يمكن أداء هذه العبادة إلَّا بالاستعانة بالله والتوكُّل عليه.

(وقوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾[الفاتحة:6]: متضمِّنٌ للأمريْن) معًا، الأمريْن في [مدارج السالكين] متضمِّنٌ للتعريف بالأمريْن (وقوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾[الفاتحة:6]: متضمِّنٌ) للتعريف بالأمريْن (على التفصيل) ما المراد بـ (الأمريْن)؟

العبادة والاستعانة (على التفصيل).

(وإلهام القيام بهما) يعني: فأنت تسأل ربك أن يلهمك القيام بالعبادة والاستعانة.

(وسلوك طريق السالكين إلى الله تعالى بها) (30:36) زيادة (بها).

ثم قال المؤلف -رحمه الله-: (والله الموفِّق بمنِّه وكرمه) يعني: الله الموفق لـ (سلوك طريق السالكين).

وهو الموفق لتأليف هذا الكتاب وجمْعه.

وهو الموفق للقيام بالعبودية لله رب العالمين.

ثم قال: (والحمد لله وحده) ختَمَ المؤلف الكتاب بالحمد لله اقتداءً بكتاب [العزيز] كما في آخر الصافات حين قال: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ(180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الصافات:180-182].

وآخر الزمر في قوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الزمر:75] يُشرَع ختْم الأعمال بالحمدلة.

(وصلَّى الله على مَن لا نبي بعده) وهو نبينا محمد -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو آخر الأنبياء.

(وصحبه) جمع صاحب، والصحابي أصح ما قِيل في تعريفه: هو مَن لقِيَ النبي -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مؤمنًا ومات على الإسلام.

قول: «مَن لقِيَ النبي مؤمنًا» يشمل العُميان، هذا أولَى من قول: «مَن رأى النبي -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-» لأنَّ ابن أم مكتوم لم يرَ النبي -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكنه لقيَه، مَن لقِيَ النبي -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مؤمنًا ومات على الإسلام.

ويشمل بداية صِغار الصحابة الذين رأوا النبي -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، (31:57) هؤلاء من الصحابة.

(ووارثيه وحزبه)، (ووارثيه) مَن؟ ورِثَ علْم النبي -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  ودِينه.

(وحزبه) حزب الرسول وأتباعه.

ثم قال: (تمَّ الكتاب بعوْن الله الملك الوهَّاب)

(الملك) أي: النافذ الأمر في مُلْكه.

وقِيل: (الملك) هو الذي المُلك (32:31) الشيء، والقدرة على التصرُّف في الشيء بلا ممانعة ولا مدافعة. هذا المُلك، لذلك هو النافذ، يعني: أمره نافذ في مُلكه.

وقِيل: هو المُلك: احتواء الشيء، والقدرة على التصرُّف في الشيء بلا مدافعةٍ ولا ممانعة.

(تمَّ الكتاب بعوْن الله الملك الوهَّاب)

(الوهَّاب) في اللغة هو: المعطي بلا عِوَضٍ ولا منٍّ.

وهو في أسماء الله تعالى: الذي يجود بالعطاء، أو المتفضِّل بالعطاء من غير طلبٍ للثواب من أحد.

ختَمَ المؤلف الكتاب بهاذيْن الاسميْن (الملِك الوهَّاب) مناسبة ختْم الكتاب بهاذيْن الاسميْن أنَّ:

(الملك) هو: المتصرِّف بالشيء.

و (الوهَّاب) المعطي بلا عِوَض.

ولكن عليك بالشكر والاعتراف بهذه النِّعَم وصرْفِها في محابِّه ومراضيه -سبحانه وتعالى- وطاعته وطاعة رسوله.

فالله تعالى هو المتصرِّف وهو المعطي بلا عِوَض؛ ولكن أوجب الله عليك الشكر والاعتراف بهذه النِّعم وصرفها في نحابِّه ومراضيه وطاعته وطاعة رسوله.

وبهذا نكون قد انتهينا بإذن الله من هذا الكتاب.

وفَّق الله الجميع لطاعته وثبَّت الله الجميع على هُداه وتقواه

ونسأل الله أن يرزقنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يثبِّتنا على دِينه القويم

إنه ولي ذلك والقادر عليه

وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على عبد الله ورسولنا نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد