بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وآله وصحبه أجمعين, اللَّهُمَّ اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
القارئ:
41 - وذكر ابن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن بن أبي الحسن البصري قال: " ست إذا أداها قوم كانت موضوعة عن العامة وإذا اجتمعت العامة عَلَى تركها كانوا آثمين: الجهاد في سبيل الله يعني سد الثغور، والضرب في العدو، وغسل الميت وتكفينه والصلاة عَلَيْه، والفتيا بين النَّاس، وحضور الخطبة يوم الجمعة، ليس لهم أن يتركوا الإمام ليس عنده من يخطب عليه، والصلاة في جماعة " قال الحسن: " وإذا جاءهم العدو في مصرهم فعليهم أن يقاتلوا يعني أجمعين " قال ابن المبارك: وبهَذَا كله أقول وقد جاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه ما يعضد قول الحسن.
42 - قال أبو الدرداء: " لولا أن الله عز وجل يدفع بمن يحضر المساجد عمن لا يحضرها وبالغزاة عمن لا يغزو لجاءهم العذاب قبلاً " قال أبو عمر: " قد ذكرنا قول من قال: شهود الجماعة فرض متعين ومن قَالَ: ذَلِكَ فرض عَلَى الكفاية، ومن قال: ذَلِكَ سنة مسنونة في كتاب التمهيد، فأغنى ذَلِكَ عن إعادته ها هنا ولم نقصد في كتابنا هَذَا إلى هَذَا المعنى فلذَلِكَ أضربنا عَلَى تقصيه واستيعاب القول فيه وبالله التوفيق.
شرح الشيخ:
- يعني أن الجمعة فيها ثلاثة أقوال:
قِيلَ: فرض عين وَهَذَا هُوَ الصواب.
وَقِيلَ: فرض عَلَى الكفاية.
وَقِيلَ: سنة, لكن الَّذِينَ قَالُوا: سنة, قَالُوا: يدان بها للوجوب, قَالُوا: سنة يذم تاركها.
القارئ:
والقول عندنا في شهود الجماعة أَنَّهُ سنة والذي عليه جمهور العلماء وجماعة الفقهاء أن شهود الجمعة فرض متعين عَلَى كل حر بالغ من الرجال في المصر أو خارج منه بموضع يسمع منه النداء، وسترى الحجة لذَلِكَ في كتابنا الاستذكار إن شاء الله ".
43 - وروى يونس بن عبد الأعلى، وابن المقرئ، وابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: " وجدنا علم النَّاس كله في أربع، أولها: أن تعرف ربك.
شرح الشيخ:
أن تعرف معبودك يعني من إلهك, وَهَذَا الَّذِي يسأل عنه في قبره الميت, من رب؟ يعني من إلهك الَّذِي تعبد؟ من معبودك؟ إِذَا أطلقت الربوبية دخلت فيه الإلوهية, من ربك الَّذِي تعبده؟ بأسمائه وصفاته وأفعاله, لَابُدَّ من معرفة المعبود هَذَا الواجب الأول, وهُوَ يسمى توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات, ثُمَّ بعد ذَلِكَ تعرف الأمر الَّذِي خلقك من أجله وهُوَ العبادة, وأن تؤدي حَقَّه, تكون عرفت معبودك ثُمَّ تؤدي حَقَّه بعد ذَلِكَ.
أول شيء: معرفة المعبود؛ بأسمائه وصفاته وأفعاله, وأَنَّهُ الخالق سبحانه وتعالى, المدبر, المحيي المميت, وأَنَّهُ المنعم المتفضل له الأسماء الحسنى والصفات العلا.
ثُمَّ بعد ذَلِكَ تعرف الْحَقّ؛ الَّذِي من أجله خلقك للعبادة.
ثُمَّ بعد ذَلِكَ تعرف الجزاء لمن أطاع الله والجزاء لمن عصا الله.
القارئ:
والثاني: أن تعرف ما صنع بك, والثالث: أن تعرف ما أراد منك.
شرح الشيخ:
(ما صنع بك) يعني أوجدك وخلقك من العدم.
الثالث: أن تعرف ما أراد منك العبادة, أراد منك أن تعبده.
القارئ:
والرابع: أن تعرف ما تخرج من دينك.
شرح الشيخ:
يعني يعرف الأشياء الَّتِي يخرج بها من الدين وهي ضد التوحيد وهو الشرك والكفر.
القارئ:
وقال بعضهم: ما يخرجك من دينك ".
تفريع أبواب فضل العلم وأهله.
44 - حدثنا أبو القاسم خلف بن القاسم بن سهل بن أسود، وأبو زيد عبد الرحمن بن يحيى بن محمد، وأبو القاسم أحمد بن فتح بن عبد الله قراءة مني عليهم أن حمزة بن محمد الكناني أملى عليهم بمصر قال: حدثنا محمد بن جعفر بن الإمام البغدادي ح وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، حدثنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد بن عثمان الفسوي حدثنا أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي قالا حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، حدثنا زائدة وهو ابن قدامة، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل يسلك طريقا يلتمس فيها علما إلا سهل الله له طريقا إلى الجنة، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به حسبه».
شرح الشيخ:
وفي الحديث الآخر: «من سلك طريقًا يلتمس به علمًا سهل الله له به طريقًا إِلَى الْجَنَّةَ, ومن بطأ به عمله لَمْ يسرع به نسبه» يعني من أخره العمل لَمْ ينفعه النسب, إن كان عمله سيء ما ينفعه نسبه؛ ولو كان من أولاد الأنبياء, من أخر العمل صار عمله سيء فَإِن نسبه لا يلحقه ولا يرفعه.
أولاد الأنبياء هَذَا نوح عليه الصلاة والسلام قَالَ لابنه: {يَابُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِين}[هود/42]. ولَمَّا قَالَ: رب إن ابني من أهلي, قَالَ الله: ليس من أهلك, ما نفعه قربه من أبيه وهُوَ نبي لَمَّا كان عمل سيء, وإبراهيم عجز عن هداية أبيه وما نفعه قربه, ومحمد عجز عن هداية عمه, وأنزل الله: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين}[القصص/56]. هَذَا الأمر بيد الله والله له الحكمة حكيم عليم.
القارئ:
45 - وقرأت عَلَى أبي الفضل أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن، أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا زائدة، عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما من قوم يجتمعون في بيت من بيوت الله يتعلمون القرآن ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وتنزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده، وما من رجل سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا إلا سهل الله له طريقًا إلى الجنة، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه».
46 - وحدثنا سعيد بن نصر، قَالَ: حدثنا قاسم بن أصبغ, قَالَ: حدثنا محمد بن وضاح, قَالَ: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ح وأخبرنا خلف بن قاسم، قَالَ: أخبرنا الحسن بن رشيق، قَالَ: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، قَالَ: حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قَالَ: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة».
47 - قال أبو بكر، وحدثنا أبو الأحوص، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس قال: «ما سلك رجل طريقًا يلتمس فيه علمًا إلا سهل الله له طريقًا إلى الجنة».
48 - وحدثنا عبد الله بن محمد, قَالَ: حدثنا الحسين بن محمد, قَالَ: حدثنا يعقوب بن سفيان, قَالَ: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن, قَالَ: حدثنا إسماعيل بن عياش قال: حدثني عبد الحميد بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن عن ابن الزبير عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد يغدو في طلب علم مخافة أن يموت جاهلاً أو في إحياء سنة مخافة أن تدرس إلا كان كالغازي الرابح في سبيل الله عز وجل ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه».
شرح الشيخ:
«مخافة أن تدرس» يعني تذهب وتضيع, يعمل بالسنة يخاف أن تضيع, ويتعلم مخافة أن يموت جاهلاً, بِهَذَا القيد, أعد.
القارئ:
«ما من عبد يغدو في طلب علم مخافة أن يموت جاهلاً أو في إحياء سنة مخافة أن تدرس إلا كان كالغازي الرابح في سبيل الله عز وجل ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه».
شرح الشيخ:
الشيخ: في تخريج؟
الطالب: لَمْ يذكر يا شيخ أحسن الله إليك.
الشيخ: إيش سنده؟
الطالب: وحدثنا عبد الله بن محمد, قَالَ: حدثنا الحسين بن محمد, قَالَ: حدثنا يعقوب بن سفيان, قَالَ: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن, قَالَ: حدثنا إسماعيل بن عياش قال: حدثني عبد الحميد بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن عن ابن الزبير عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: سند طويل هَذَا.
القارئ:
49 - وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال: أخبرنا سعيد بن السكن قال: حدثنا محمد بن يوسف، قَالَ: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قَالَ: حدثنا محمد بن العلاء، قَالَ: حدثنا أبو أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل ما بعثني الله عز وجل به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا فكانت منها بقعة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها بقعة أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وكانت منها طائفة لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ وذَلِكَ مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعمل به وعلم، ومثل من لم يرفع بذَلِكَ رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به».
شرح الشيخ:
وَهَذَا رواه البخاري في الصحيح من حديث أبي موسى, قَالَ: «مثل ما بعثني الله عز وجل به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا, فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبت العشب الكثير» قَالَ أهل العلم: هَذَا مثل العلماء والفقهاء والمحدثون؛ الَّذِينَ فجروا النصوص واستخرجوا الأحكام والفوائد, كالإمام البخاري والإمام أحمد والشافعي وغيرهم من الأئمة.
«وكان منها طائفة أمسكت الماء, فشرب النَّاس وسقوا» قَالُوا: هَذَا مثل المحدثين الَّذِينَ حفظوا الأحاديث وضبطوها وضبطوا الأسانيد ولكن ليس عندهم فقه فيها, فجاء من بعدهم واستفادوا من هَذِهِ الأحاديث.
«وكان منها طائفة أجادب لا تمسك الماء ولا تنبث العشب», لا هَذَا ولا هَذَا, ( ...13:14) من فقه في الدين الله القسم الأول والثاني فنفعهما.
«ومثل من لَمْ يرفع بذلك رأسًا وَلَمْ يقبل هدى الَّذِي أرسلت به» مثل الأرض الَّتِي لا تمسك ماءً ولا تنبت, هَذَا مثل من لَمْ يرفع بذلك رأسًا وَلَمْ يقبل هدى, ما قبلت الماء ولا أمسكت الماء.
القارئ:
50 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن بن يحيى, قَالَ: حدثنا الحسن بن محمد بن عثمان. قَالَ: حدثنا يعقوب بن سفيان, قَالَ: حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني, قَالَ: حدثنا المفضل بن فضالة عن أبي عروة عن زياد أبي عمار عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الملائكة تبسط أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع».
51 - قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر».
باب قوله صلى الله عليه وسلم: «ينقطع عمل ابن آدم بعده إلا من ثلاث».
شرح الشيخ:
وفق الله الجميع لطاعته وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد, سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك.