بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وآله وصحبه أجمعين, اللَّهُمَّ اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
القارئ:
قَالَ الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
باب قوله صلى الله عليه وسلم: «ينقطع عمل ابن آدم بعده إلا من ثلاث».
52 - حدثنا أبو الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث, قَالَ: أخبرنا أبو بكر محمد بن معاوية الأموي، قَالَ: حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، قَالَ: حدثنا أبو كريب قال: أخبرنا خالد بن مخالد، قَالَ: حدثنا محمد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: من صدقة جارية أو علم ينتفع به بعده أو ولد صالح يدعو له».
شرح الشيخ:
وَهَذَا الحديث رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
القارئ:
53 - وحدثنيه أحمد بن فتح, قَالَ: حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد بن يزيد الجوهري، قَالَ: حدثنا أحمد بن شعيب النسائي قال: حدثنا علي بن حجر، ح وأخبرنا محمد بن عبد الله بن الحكم، قَالَ: حدثنا محمد بن معاوية، قَالَ: حدثنا الفضل بن الحباب القاضي بالبصرة قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: حدثنا العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به بعده، أو ولد صالح يدعو له».
54 - وذكر أبو بكر بن مجاهد المقرئ قال: حدثنا محمد بن مسلم بن وارة قال: حدثني محمد بن يزيد بن سنان قال: حدثني يزيد، يعني أباه، عن زيد بن أبي أنيسة، عن فليح بن سليمان، عن زياد بن أسلم، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث تتبع المسلم بعد موته: صدقة أمضاها يجري له أجرها وولد صالح يدعو له، وعلم أفشاه فعمل به من بعده».
55 - وروى يزيد بن أبي خصيفة، وعمران بن أبي أنس، عن أبي سعيد مولى المهري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث تنال المؤمن بعد وفاته الولد الصالح يدعو له بعد وفاته، فيناله أجر دعائه والرجل يترك الصدقة في الموضع الصالح فتنفذ لوجهها، والرجل يعلم العلم الصالح فينتهى به عن المعاصي».
56 - وروي من حديث الزهري، عن أبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يلحق المسلم أو ينفع المسلم ثلاث: ولد صالح يدعو له، وعلم ينشره، وصدقة جارية».
57 - وقالت الحكماء: علم الرجل ولده المخلد.
شرح الشيخ:
يعني الباقي.
القارئ:
باب قوله صلى الله عليه: «الدال عَلَى الخير كفاعله».
58 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن, قَالَ: حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك، قَالَ: حدثنا أبو جعفر محمد بن عبيد الله المنادي، قَالَ: حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي, قَالَ: حدثنا الأعمش، عن سعد بن إياس، عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، احملني فإنه قد أبدع بي: قال: «ما أجد ما أحملكم عليه فأت فلانًا» فأتاه، فحمله فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدال عَلَى الخير له مثل أجر فاعله».
59 - وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قراءة عليه، عن قاسم بن أصبغ، قَالَ: حدثنا بكر بن حماد، قَالَ: حدثنا مسدد، قَالَ: حدثنا عبد الوارث وحفص بن غياث قال: حدثنا الأعمش، عن أبي عمرو الشيباني، عن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا رسول الله، أبدع بي فاحملني قال: «ليس عندي، ولكن ائت فلانًا» فأتاه، فحمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دل عَلَى خير فله مثل أجر فاعله».
60 - وحدثنا خلف بن قاسم، قَالَ: حدثنا ابن السكن، قَالَ: حدثنا الحسن بن علي بن زكريا، قَالَ: حدثنا خالد بن يزيد الساوي، قَالَ: حدثنا زياد بن ميمون الثقفي، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدال عَلَى الخير كفاعله».
61 - أخبرنا عبد الله بن محمد, قَالَ: حدثنا الحسن بن محمد بن عثمان,قَالَ: أخبرنا يعقوب بن سفيان, قَالَ: حدثنا أبو اليمان, قَالَ: حدثنا أبو بكر بن أبي مريم الغساني عن الأشياخ أن أبا الدرداء قال: «العالم والمتعلم شريكان والمتعلم والمستمع شريكان والدال على الخير وفاعله شريكان».
باب قوله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين».
62 - حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى, قَالَ: حدثنا محمد بن يحيى بن عمر بن حرب, قَالَ: حدثنا علي بن حرب الطائي, قَالَ: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار».
63 - وروى يزيد بن الأخنس ـ وكانت له صحبه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث ابن عمر هذا سواء».
64 - حدثنا سعيد بن نصر، قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ، حدثه قَالَ: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، قَالَ: حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي، قَالَ: حدثنا سفيان بن عيينة، قَالَ: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، هذا الحديث على غير ما حدثنا به الزهري قَالَ: سمعت قيس بن أبي حازم يقول: سمعت عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها».
65 - وأخبرنا عبد الوارث, قَالَ: أخبرنا قاسم، قَالَ: أخبرنا ابن وضاح، قَالَ: حدثنا حامد بن يحيى قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها».
شرح الشيخ:
وَهَذَا رواه الشيخان وهُوَ حديث صحيح, والحسد بمعنى الغبطة «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الْحَقّ» يعني أهلكه في الْحَقّ.
وفي اللفظ الآخر: «رجل أتاه الله مالًا فَهُوَ ينفقه آناء الليل وأناء النهاء, ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها» الحكمة: هي العلم النافع؛ المأخوذ من الكتاب والسنة.
وفي اللفظ الآخر: «ورجل آتاه الله الْقُرْآن فَهُوَ يقوم به آناء الليل وآناء النهار» وَهَذَا مستثنى من الحسد المذموم؛ لِأَنَّهُ يتمنى أن يكون مثله, يعني يتمنى أن يكون له مال فينفقه مثله؛ ولا يتمنى زواله عنه, ويتمنى أن يكون عنده علم يفعل مثل فعله, أَمَّا أن يتمنى أن يزول النعمة عنه هَذَا هُوَ الحسد المذموم الَّذِي يأكل الحسنات كما تأكل النَّار الحطب.
الحسد المذموم: هُوَ أن يتمنى زوال النعمة عن أخيه, هَذَا هُوَ الحسد المذموم.
لكن الغبطة: لا يتمنى زواله, لكن يتمنى أن يكون له مثله.
القارئ:
66 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد, قَالَ: حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن, قَالَ: حدثنا محمد بن يوسف, قَالَ: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري, قَالَ: حدثنا محمد بن المثنى، قَالَ: حدثنا يحيى بن سعيد , عن إسماعيل بن أبي خالد , قَالَ: حدثنا قيس بن أبي حازم , عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق , ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها».
67 - وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قَالَ: أخبرنا قاسم بن أصبغ، حدثهم قَالَ: حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، قَالَ: حدثنا سلمة بن شبيب، قَالَ: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة في قوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}[الأحزاب/34]. قال: «من القرآن والسنة» قال أبو عمر: وكذلك رواه محمد بن ثور، وابن مبارك، عن معمر، عن قتادة.
68 - وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}[الأحزاب/34]. قال: «يريد السنة يمن عليهن بذلك».
69 - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الملك، وعبيد بن محمد قال: حدثنا عبد الله بن مسرور, قال: حدثنا عيسى بن مسكين, قَالَ: حدثنا محمد بن سنجر قال: أنا أسباط, قَالَ: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن الحسن في قوله: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيم}[البقرة/129].قال: «الكتاب القرآن، والحكمة السنة».
70 - وأخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر, قَالَ: حدثنا ابن أبي دليم, قَالَ: حدثنا ابن وضاح, قَالَ: حدثنا محمد بن يحيى، قَالَ: حدثنا ابن وهب قال: قال لي مالك وذكر قول الله عز وجل في يحيى: { وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}[مريم/12].وقوله في عيسى: {قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ}[الزخرف/63].وقوله: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}[آل عمران/48]. وقوله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}[الأحزاب/34]. قال مالك: «الحكمة في هذا كله طاعة الله والاتباع لها، والفقه في دين الله والعمل به».
70 - وقال ابن وهب: وسمعت مالكًا مرة أخرى يقول: " الَّذِي يقع في قلبي أن الحكمة هي الفقه في دين الله، قال: ومما يبين ذلك أن الرجل تجده عاقلاً في أمر الدنيا ذا نظر فيها وبصر بها ولا علم له بدينه، وتجد آخر ضعيفًا في أمر الدنيا عالمًا بأمر دينه بصيرًا به يؤتيه الله إياه ويحرمه هذا، فالحكمة الفقه في دين الله " قال ابن وهب: وسمعته يقول: «الحكمة والعلم نور يهدي به الله من يشاء وليس بكثرة المسائل».
71 - أخبرنا خلف بن القاسم، قَالَ: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد المفيد البغدادي، قَالَ: حدثنا محمد بن زكريا التميمي، قَالَ: حدثنا يوسف بن سعيد، قَالَ: حدثنا عمرو بن حمزة، عن صالح المري، عن الحسن، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحكمة تزيد الشريف شرفًا وترفع المملوك حتى تجلسه مجالس الملوك».
شرح الشيخ:
هَذَا ضعيف فيه صالح المري ضعيف, لكن له شاهد من الأحاديث.
72 - قال أبو عمر: أخذه الشاعر فَقَالَ:
العلم ينهض بالخسيس إلى العلا |
|
والجهل يقعد بالفتى المنسوب |
باب قوله صلى الله عليه وسلم: «الناس معادن».
شرح الشيخ:
لاشك أن الله يرفع بالعلم {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير}[المجادلة/11]. وفي الحديث: «إن الله ليرفع بِهَذَا الْقُرْآن أقوامًا ويضع به آخرين».
والمراد بالعلم: الَّذِي يثمر العمل والامتثال, أَمَّا العلم الَّذِي لا يثمر العمل فَهَذَا لا ينفع, اليهود معهم علم وَلَمْ يعملوا به؛ فلم ينفعهم فكانوا غاوين, مغضوبٌ عليهم, والنصارى ضالون؛ لِأَنَّهُم يعبدون الله عَلَى جهل وضلال.
- فهما داءان:
- داء الغواية.
- وداء الضلال.
الَّذِي لا يعمل بعلمه هَذَا غاوي وله شبه باليهود كما قَالَ سفيان: من فسد من علمائنا فَهُوَ به شبه من اليهود, وَالَّذِي يعمل بدون علم هَذَا ضال, ضال من يعبد الرب عَلَى جهل وضلال, وَالَّذِي منّ الله عَلَيْه بالعلم والعمل هَذَا راشد, هناك راشدًا, وغاوي, وضال.
بركة وفق الله الجميع لطاعته, وصلى الله عَلَى محمد وآله وصحبه وسلم.