بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمدٍ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أما بعد:...
القارئ:
قال المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:
292 - وجدت في كتاب أبي رحمه الله بخطه حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن موسى بن عيسى الحضرمي، قال: حدثنا أبو الطاهر، قال: حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: سمعت معتمر بن سليمان يقول: كتب إلي أبي، وأنا بالكوفة: "يا بني اشتر الورق واكتب الحديث؛ فإن العلم يبقى والدنانير تذهب".
293 - قال أبي: قال أحمد بن سعيد: وأنشدني غير واحد في هذا المعنى لبعض المحدثين:
العلم زين وكنز لا نفاد له |
|
نعم القرين إذا ما عاقلًا صحبا |
قد يجمع المرء مالًا ثم يسلبه |
|
عما قليل فيلقى الذل والحربا |
وجامع العلم مغبوط به أبدًا |
|
فلا يحاذر فوتًا لا ولا هربًا |
يا جامع العلم نعم الزخر تجمعه |
|
لا تعدلن به دُرًا لا ولا ذهبًا |
294 - وأنشدنا أبو العيناء، وغيره للجاحظ، ويقال: إنه ليس له غير هذه الأبيات:
يطيب العيش أن تلقى لبيبًا |
|
غذاه العلم والرأي المصيب |
فيكشف عنك حيرة كل جهل |
|
ففضل العلم يعرفه الأريب |
سقام الحرص ليس له دواء |
|
وداء الجهل ليس له طبيب |
295 - وقال بعض العلماء: من شرف العلم وفضله أن كل من نسب إليه فرح بذلك، وإن لم يكن من أهله، وكل من دُفع عنه ونُسب إلى الجهل عز عليه ونال ذلك من نفسه وإن كان جاهلًا.
296 – قال :أخبرنا خلف بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن خالد, قال: أخبرنا مروان بن محمد، قال: حدثنا العباس بن الفرج الرياشي، قال: حدثنا العتبي، عن أبي يعقوب الخطابي، عن عمه، عن ابن شهاب قال: "العلم ذَكر يحبه ذكورة الرجال ويكرهه مؤنثوهم".
شرح الشيخ:
الشيخ: ما قال على تخريجه؟.
الطالب: قال: أثرٌ صحيح.
القارئ:
296 – قال :أخبرنا خلف بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن خالد, قال: أخبرنا مروان بن محمد، قال: حدثنا العباس بن الفرج الرياشي، قال: حدثنا العتبي، عن أبي يعقوب الخطابي، عن عمه، عن ابن شهاب قال: «العلم ذَكر يحبه ذكورة الرجال ويكرهه مؤنثوهم».
297 – قال: حدثني خلف بن أحمد، وعبد الرحمن بن يحيى قالا: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن علي بن مروان قال: سمعت أبا عبد الرحمن الضرير يقول: سمعت وكيعًا يقول: سمعت سفيان يقول: "ما من شيء أخوف عندي من الحديث وما من شيء أفضل منه لمن أراد به الله عز وجل".
298 – قال: وحدثاني قالا: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: سمعت سفيان الثوري يقول: "ما على الرجل لو جعل هذا الأمر بينه وبين نفسه؟ يعني الفقه والآثار".
299 - قال بعض الحكماء: من الدليل على فضيلة العلماء أن الناس تحب طاعتهم.
300 - وروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «أيها الناس عليكم بطلب العلم؛ إن لله رداء محبة، فمَن طلب بابًا من العلم رداه الله بردائه ذلك فإن أذنب ذنبًا استعتبه، وإن أذنب ذنبًا استعتبه، وإن أذنب ذنبًا استعتبه، لئلا يسلبه رداءه ذلك وإن تطاول به ذلك الذنب حتى يموت».
301 – قال: حدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم الحذاء البغدادي بمصر قال: حدثنا أبو خبيب العباس بن أحمد بن محمد البرتي، قال: حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن أخوين، كانا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحدهما يحضر حديث النبي صلى الله عليه وسلم ومجلسه وكان الآخر يُقبل على صنعته فقال: يا رسول الله، أخي لا يعينني بشيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلعلك تُرزق به».
302 – قال: أخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر، قال: حدثنا محمد بن أبي دليم ح, وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ قالا جميعًا: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا زهير، عن سفيان قال: «إن من كمال التقوى أن تبتغي إلى ما قد علمت علم ما لم تعلم» هكذا جعله من قول الثوري.
303 - ورواه سفيان بن عيينة، عن ابن عجلان، عن عون بن عبد الله قال: "من كمال التقوى أن تطلب إلى ما قد علمت علم ما لم تعلم، وزاد فيه واعلم أن التفريط فيما قد علمت ترك اتباع الزيادة فيه وإنما يحمد الرجل على ترك اتباع الزيادة فيما قد علم قلة الانتفاع بما علم".
304 - وقال إسماعيل بن جعفر بن سليمان الهاشمي: عجبت لمن لم يكتب العلم كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة؟.
305 - وقال جعفر بن محمد: الكمال كل الكمال التفقه في الدين والصبر على النائبة وتدبير المعيشة قال: وما موت أحد أحب إلى إبليس من موت فقيه.
306 - وقال بعض الحكماء: من الدليل على فضيلة العلماء أن الناس تحب طاعتهم.
307 - وكان يقال: العلم أشرف الأحساب والأدب والمروءة أرفع الأنساب.
308 - وقال بعض الحكماء: "أفضل العلم وأولى ما نافست عليه منه علم ما عرفت به الزيادة في دينك ومروءتك".
309 - وقال الأحنف: كاد العلماء أن يكونوا أربابًا وكل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل ما يصير.
310 - ويقال: مثل العلماء مثل الماء حيث ما سقطوا نفعوا.
311 - وقال أبو الأسود الدؤلي: "الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك".
312 - وقيل لبزرجمهر: "أيهما أفضل الأغنياء أو العلماء؟ قال: العلماء، قيل له: فما بال العلماء يأتون أبواب الأغنياء؟ قال: لمعرفة العلماء بفضل الغنى وجهل الأغنياء بفضل العلم".
313 - وقالت امرأة لإبراهيم النخعي: يا أبا عمران أنتم معشر العلماء أحد الناس وألوم الناس فقال لها: أما ما ذكرت من الحدة فإن العلم معنا، والجهل مع مخالفينا وهم يأبون إلا دفع علمنا بجهلهم فمَن ذا يطيق الصبر على هذا، وأما اللوم فأنتم تعلمون تعذر الدرهم الحلال وإنا لا نبتغي الدرهم إلا حلالًا فإذا صار إلينا لم نخرجه إلا في وجهه الذي لا بد منه.
314 - وقالوا: العلماء في الأرض كالنجوم في السماء، والعلماء أعلام الإسلام، والعالم كالسراج مَن مر به اقتبس منه ولولا العلم كان الناس كالبهائم.
315 – قال: أخبرنا أحمد بن القاسم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا نُعيم بن حماد، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: حدثنا زائدة، عن هشام، عن الحسن قال: كان الرجل إذا طلب العلم لم يلبث أن يُرى ذلك في تخشعه وبصره، ولسانه ويده وصلاته وزُهده وإن كان الرجل ليصيب الباب من أبواب العلم فيعمل به فيكون خيرًا له من الدنيا وما فيها لو كانت له فجعلها في الآخرة.
316 - وكان الحسن يقول: "والله ما طلب هذا العلم أحد إلا كان حظه منه ما أراد به" ذكره أبو فاطمة، عن هشام، عن الحسن.
317 - حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير, قال: أخبرني مصعب بن عبد الله قال: قال لنا أبي: "اطلبوا العلم فإن يكن لك مال أجداك جمالًا وإن لم يكن لك مال أكسبك مالًا".
318 - حدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا الحسن بن جعفر، قال: حدثنا يوسف بن يزيد، قال: حدثنا المعلى بن عبد العزيز القعقاعي، قال: حدثنا بقية، قال: حدثنا الحكم، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى عليّ يوم لا أزداد فيه علما يقربني من الله عز وجل فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم».
319 - ورواه يزيد بن هارون قال: قال: حدثنا بقية، قال: حدثنا الحكم بن عبد الله عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل يوم يمر عليّ لا أزداد فيه علما يقربني من الله فلا بلغني الله طلوع شمس ذلك اليوم».
320 - قال أبو عمر: أخذه بعض المتأخرين وهو علي بن محمد الكاتب البستي فقال:
دعوني وأمري واختياري فإنني |
|
بصير بما أبدي وأبرم من أمري |
إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يدا |
|
ولم أقتبس علما فما هو من عمري |
321 – قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن هشام، قال: حدثنا علي بن عمر، قال: حدثنا الحسن بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن أبي داود، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان، قال: حدثنا كثير بن يحيى، قال: حدثنا يحيى بن سليم، قال: حدثنا عمر بن محمد بن المنكدر، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من أفضل الفوائد حديث حسن يسمعه الرجل فيحدث به أخاه».
322 - وكتب رجل إلى أخٍ له: «إنك أوتيت علمًا فلا تطفئ نور علمك بظلمات الذنوب فتبقى في ظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم إلى الجنة».
323 - ومن حديث ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أهدى المرء لأخيه هدية أفضل من كلمة حكمة يزيده الله بها هدى أو يرده بها عن ردى».
324 – قال: أخبرنا أحمد بن قاسم، قال: حدثنا ابن أبي دليم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا هارون الحمال، قال: حدثنا سيار بن حاتم، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن عبد الجليل، عن أبي عبد السلام، عن كعب قال: "أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام: تعلم الخير وعلمه الناس؛ فإني منور لمعلم العلم ومتعلمه قبورهم حتى لا يستوحشوا في مكانهم".
شرح الشيخ:
وهم ورثة الأنبياء: «العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وَإِنَّمَا ورثوا العلم».
القارئ:
325 – قال: أخبرنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا علي بن عمر بن موسى القاضي، قال: حدثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زهير، قال: حدثنا محمد بن عمرو بن عون قال: حدثني أبي، قال: حدثنا شريك، عن ليث، عن يحيى بن أبي كثير، عن علي الأزدي قال: سألت ابن عباس عن الجهاد، فقال: "ألا أدلك على ما هو خير لك من الجهاد؟ تبني مسجدًا تعلم فيه القرآن وسنن النبي صلى الله عليه وسلم والفقه في الدَّين".
326 – قال: حدثنا أبو القاسم خلف بن القاسم، قال: حدثنا أبو صالح أحمد بن عبد الرحمن بمصر، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن البخاري، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن وضاح البخاري السمسار، قال: حدثنا حفص بن داود الربعي قال: حدثنا معاذ بن خالد قال: حدثنا بقية, قال: حدثنا صفوان بن رستم أبو كامل، قال: حدثنا عبد الرحمن بن ميسرة، عن أبي عبد الرحمن، عن تميم الداري قال: "تطاول الناس في البنيان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا معشر العرب الأرضُ الأرض إنه لا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمارة ولا إمارة إلا بطاعة، ألا فمن سوده قومه على فقه كان ذلك خيرًا له ومن سوده قومه على غير فقه كان ذلك هلاكًا له ولمن اتبعه".
327 – قال: أخبرنا عيسى بن سعيد المقرئ، إجازة، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم، قال: حدثنا العاقولي، قال: حدثنا المبرد قال: "كان يقال: تعلموا العلم فإنه سبب إلى الدين، ومنبهةٌ للرجل، ومؤنس في الوحشة، وصاحب في الغربة، ووصلة إلى المجالس، وجالبٌ للمال، وذريعة في طلب الحاجة".
328 - وقال ابن المقفع: "اطلبوا العلم فإن كنتم ملوكًا برزتم وإن كنتم سوقةً عشتم".
329 - وقال أيضًا: إذا أكرمك الناس لمال أو سلطان فلا يعجبك ذلك، فإن زوال الكرامة بزوالهما، ولكن ليعجبك إذا أكرموك لعلم أو دين.
330 - ويقال: "ثلاثة لابد لصاحبها أن يسود الفقه والأمانة والأدب".
331 - وقيل للقمان الحكيم: "أي الناس أفضل؟ قال: مؤمن عالم إن ابتغي عنده الخير وُجد".
332 - وقال الحجاج لخالد بن صفوان: من سيد أهل البصرة؟ فقال له: الحسن، فقال: وكيف ذلك وهو مولى؟ فقال: احتاج الناس إليه في دينهم واستغنى عنهم في دنياهم، وما رأيت أحدًا من أشراف أهل البصرة إلا يروم الوصول في حلقته ليستمع قوله ويكتب علمه, فقال الحجاج: هذا والله السؤدد.
333 - وروينا أن معاوية بن أبي سفيان حج في بعض حجاته، فابتنى بالأبطح مجلسًا، فجلس عليه ومعه زوجته ابنة قرظة بن عبد عمرو بن نوفل، فإذا هو بجماعة على رحالٍ لهم وإذا شاب قد رفع عقيرته يغني:
وأنا الأخضر من يعرفني |
|
أخضر الجلدة من بيت العرب |
من يساجلني يساجل ماجدًا |
|
يملأ الدلو إلى عقد الكرب |
فقال معاوية: من هذا؟ فقالوا: فلان ابن جعفر بن أبي طالب قال: خلوا له الطريق، فليذهب، ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يغني:
بينما يذكرنني أبصرنني |
|
عند قيد الميل يسعى بي الأغر |
قلن تعرفن الفتى؟ قلن نعم |
|
قد عرفناه وهل يخفى القمر |
قال: من هذا؟ قالوا: عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة قالوا: خلوا له الطريق، فليذهب، ثم إذا هو بجماعة حول رجل يسألونه، فبعضهم يقول: رميت قبل أن أحلق، وبعضهم يقول: حلقت قبل أن أرمي، يسألونه عن أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج، فقال: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن عمر، فالتفت إلى زوجته ابنة قرظة، فقال: هذا وأبيك الشرف وهذا والله شرف الدنيا والآخرة.
334 – قال: حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبو الفتح نصر بن المغيرة البخاري قال: قال سفيان بن عيينة في قوله عز وجل {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ}[الأحقاف/4] قال: «الرواية عن الأنبياء عليهم السلام».
وفق الله الجميع لطاعته, وصلى الله وسلم على نبينا محمد.