بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:...
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين.
القارئ:
قال الحافظ/ ابن عبد البر رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:
346 - وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال: قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن أبي مالك الأشجعي، عن سليم بن أسود المحاربي قال: «كان ابن مسعود رضي الله عنه يكره كتابة العلم».
347 – قال: وأخبرنا وكيع، عن طلحة بن يحيى، عن أبي بردة قال: "كتبت عن أبي كتابًا كبيرًا فقال: ائتني بكتبك، فأتيته بها فغسلها ".
شرح الشيخ:
لأن في أول الإسلام كان النبي ينهى عن الكتابة حتى لا يختلط بالقرآن, ثُمَّ بعد ذلك جاء الإذن, وكان هناك كتابة عن النبي r, رجلٌ من اليمن,, لما سمع الخطبة قال: «اكتبوا لأبي شاة» هذا أمر بالكتابة.
القارئ:
348 - قال: وحدثنا وكيع، عن الحكم بن عطية، عن ابن سيرين قال: «إنما ضلت بنو إسرائيل بكتب ورثوها عن آبائهم».
349 - قال: وحدثنا وكيع، عن إسماعيل، عن الشعبي، أن مروان، دعا زيد بن ثابت وقومًا يكتبون وهو لا يدري، فأعلموه فقال: "أتدرون لعل كل شيء حدثتكم به ليس كما حدثتكم".
350 - قال: وحدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال قال: "أتي عبد الله بصحيفة فيها حديث فدعا بماء فمحاها، ثم غسلها، ثم أمر بها فأخرجت، ثم قال: أذكر بالله رجلًا يعلمها عند أحد إلا أعلمني به، والله لو أعلم أنها بدير هند لبلغتها، بهذا هلك أهل الكتاب قبلكم حين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون".
351 – قال: حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال: حدثنا القاسم بن أصبغ قال: حدثنا ابن وضاح قال: حدثنا محمد بن سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، عن سنان البرجمي، عن الضحاك قال: «يأتي على الناس زمان يكثر فيه الأحاديث حتى يبقى المصحف بغباره لا يُنظر فيه».
352 – قال: أخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر، قال: حدثنا ابن أبي دُليم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا محمد بن نمير، قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما "أنه كان ينهى عن كتابة العلم وقال: إنما ضل من كان قبلكم بالكتب".
353 - وقرأت على سعيد بن نصر أن قاسمًا حدثه قال: قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا ابن نمير، فذكره بإسناده حرفًا بحرف.
354 – قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن محمد الجمحي، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا أبو يعقوب المروزي، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال: "كتبّ إلي أهل الكوفة مسائل ألقى فيها ابن عمر فلقيته فسألته من الكتاب ولو علم أن معي كتابًا لكانت الفيصل بيني وبينه".
355 - وحدثنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عبد الله بن يونس، قال: حدثنا بقي بن مخلد، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أيوب قال: سمعت سعيد بن جبير قال: "كنا نختلف في أشياء فكتبتها في كتاب، ثم أتيت بها ابن عمر أسأله عنها خفيا فلو علم بها كانت الفيصل بيني وبينه".
356 - وأخبرني عبد الرحمن، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا أبو هلال قال: حدثني حميد بن هلال، عن أبي بردة قال: "كان أبو موسى يحدثنا بأحاديث فقمنا لنكتبها، فقال: أتكتبون ما سمعتم مني؟ قلنا: نعم قال: فجيئوني به، فدعا بماء فغسله، وقال: احفظوا عنا كما حفظنا".
357 - وأخبرنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: أخبرنا الحسن بن بشر البجلي الكوفي، قال: حدثنا المعافى، عن الأوزاعي، عن أبي كثير قال: سمعت أبا هريرة يقول: «نحن لا نكتب ولا نُكتب».
358 - وأخبرنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا أبو عبيد، عن محمد بن عبيد الطنافسي، عن هارون بن عنترة، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه قال: أصبت أنا وعلقمة، صحيفة فانطلق معي إلى ابن مسعود بها وقد زالت الشمس أو كادت تزول، فجلسنا بالباب، ثم قال للجارية: انظري من بالباب، فقالت: علقمة والأسود، فقال: ائذني لهما، فدخلنا فقال: كأنكما قد أطلتما الجلوس؟ قلنا: أجل، قال: فما منعكما أن تستأذنا؟ قالا: خشينا أن تكون نائما قال: ما أحب أن تظنوا بي هذا إن هذه ساعة كنا نقيسها بصلاة الليل، فقلنا: هذه صحيفة فيها حديث حسن فقال: يا جارية هاتي الطست واسكبي فيه ماء قال: فجعل يمحوها بيده ويقول: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}[يوسف/3] ، فقلنا: انظر فيها فإن فيها حديثا عجبا، فجعل يمحوها ويقول: إن هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره.
شرح الشيخ:
نعم, النفس إن لم تشغلها بطاعة الله شغلتك بمعصية الله.
القارئ:
قال أبو عبيد: "نرى أن هذه الصحيفة أخذت من أهل الكتاب؛ فلهذا كره عبد الله النظر فيها".
359 – قال: أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا يوسف بن عدي، قال: حدثنا عثام بن علي، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: قال مسروق، لعلقمة: "اكتب لي النظائر قال: أما علمت أن الكتاب يكره؟ قال: بلى إنما أريد أن أحفظها ثم أحرقها".
360 – قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا عارم أبو النعمان، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين قال: "قلت لعبيدة: أكتب ما أسمع منك؟ قال: لا, قلت: وإن وجدت كتابا أقرأه عليك؟ قال: لا".
361 - وأخبرنا عبد الوارث، أنا قاسم، قال: أخبرنا أحمد بن زهير، حدثني أبي، قال: حدثنا وكيع، عن ابن عون، عن محمد قال: قلت لعبيدة فذكره حرفًا بحرف.
362 - وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير بن الأصبهاني، قال: حدثنا شريك، وجرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: "كنت أكتب عند عبيدة، فقال لي: لا تخلدن عني كتاباً.
363 - قال أحمد بن زهير: وحدثني أبي، قال: حدثنا جرير، عن أبي يزيد المرادي قال: "لما حضر عبيدة الموت دعا بكتبه فمحاها".
364 - قال أحمد، وحدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثنا أبو زبيد عبثر بن القاسم، عن النعمان بن قيس، عن عبيدة أنه دعا بكتبه عند الموت، فمحاها فقيل له في ذلك، فقال: "أخشى أن يليها قوم يضعونها غير موضعها".
365 – قال: حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن محمد القرشي، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا خلف بن هشام، قال: حدثنا أبو عوانة، عن سليمان بن أبي العتيك، عن أبي معشر، عن إبراهيم: "أنه كان يكره أن يكتب الأحاديث في الكراريس".
شرح الشيخ:
هذه الأحاديث فيها وجوه التثبت بالأخبار, هذه كلها طويلة والغالب فيها الضعف, لكن يشد بعضها بعضًا فدل على التثبت بالأخبار وأنه لا يجوز أن يُروى عن النبي r إلا ما ثبت عنه, والأمر بعدم الكتابة هذا كان أولًا وكان هناك مَنْ يكتب على عهد النبي r كعبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب, ولهذا قال أبو هريرة: ما كان هناك أحدٌ يحفظ حديث النبي r مني إلا ما كان من ابن عمر فَإِنَّهُ كان يكتب ولا أكتب.