بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أما بعد:...
القارئ:
قال المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:
366 – قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عبد الله بن يونس، قال: حدثنا بقي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا معاذ، أخبرنا ابن عون، عن القاسم: "أنه كان لا يكتب الحديث".
شرح الشيخ:
هذا في أول الأمر النبي نهى عن كتابة الحديث ثُمَّ أذن بعد ذلك, كي لا يختلط بالقرآن.
القارئ:
367 – قال: وأخبرنا عبد الرحمن قال: حدثنا عمر قال: حدثنا علي، حدثنا سليمان بن أحمد قال: سمعت أبا مسهر يقول: سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: "ما كتبت حديثًا قط".
368 - وحدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا أبو غسان، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن ابن شبرمة قال: سمعت الشعبي يقول: "ما كتبت سوداء في بيضاء قط ولا استعدت حديثا من إنسان مرتين".
شرح الشيخ:
لأنه مشهور بالحفظ رَحِمَهُ اللَّهُ ما يحتاج من أول مرة يسمع ما يقول: أعده عليّ مرة ثانية, ولا كتب سوداء في بيضاء, ما يكتب, قلبه حافظ, مشهور بالحفظ.
القارئ:
369 – قال: وأخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: حدثني أبي، وأحمد بن حنبل، والأخنسُ محمد بن عمران قالوا: حدثنا محمد بن فضيل، قال: حدثنا ابن شبرمة قال: سمعت الشعبي يقول: "ما كتبت سوداء في بياض قط، وما سمعت من رجل حديثًا فأردت أن يعيده عليّ", زاد الأخنسُ "ولقد نسيت من الحديث ما لو حفظه إنسان كان به عالمًا".
370 – قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن محمد، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني قال: قلت لجرير يعني ابن عبد الحميد، "أكان منصور يعني ابن المعتمر يكره كتاب الحديث؟ قال: نعم، منصور، ومغيرة، والأعمش كانوا يكرهون كتاب الحديث".
371 – قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن معاوية، قال: حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، قال: حدثنا صفوان بن صالح، قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت الأوزاعي يقول: "كان هذا العلم شيئًا شريفًا إذ كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه، فلما صار في الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله".
شرح الشيخ:
هكذا كان الصحابة, ثُمَّ بعد ذلك في أول المائة الثانية أمر عمر بن عبد العزيز بكتابة الحديث.
القارئ:
372 - وذكر الحسن بن علي الحلواني، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثنا الليث، عن يحيى بن سعيد قال: "أدركت الناس يهابون الحديث حتى كان الآن حديثًا قال: ولو كنا نكتب لكتبت من علم سعيد وروايته شيئًا كثيرًا".
373 - وذكر الحلواني قال: قال: حدثنا دحيم، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن عطاء بن مسلم، عن عمرو بن قيس، عن إبراهيم قال: "لا تكتبوا فتتكلوا".
شرح الشيخ:
يتكل على الكتابة وينسى الحفظ, ضيع الحفظ, بخلاف ما إذا لم يكتب فَإِنَّهُ يهتم بالحفظ ولكن الكتابة لابد منها في آخر الأمر, الآن دُونت الكتب الستة لو ما دُونت لضاع الحديث, الصحابة ذهبوا رضي الله عنهم, الله أعطاهم الحافظة والفهم والعلم وكذلك التابعون.
القارئ:
374 - قال الحلواني، وحدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا أبو شهاب، قال: حدثنا الحسن بن عمرو، عن الفضيل بن عمرو قال: "قلت لإبراهيم: إني أتيتك وقد جمعت المسائل فإذا رأيتك كأنما تختلس مني وأنت تكره الكتابة قال: لا عليك؛ فإنه قل ما طلب إنسان علمًا إلا آتاه الله منه ما يكفيه، وقل ما كتب رجل كتابا إلا اتكل عليه", قال أبو عمر.
شرح الشيخ:
قال أبو عمر ابن عبد البر, تعليق المؤلف عليه.
القارئ:
قال أبو عمر: "مَن كره كتاب العلم، إنما كرهه لوجهين، أحدهما: ألا يتخذ مع القرآن كتاب يضاهى به ثانيهما: ولئلا يتكل الكاتب على ما كتب فلا يحفظ فيقل الحفظ".
شرح الشيخ:
- يقول ما جاء عن السلف من النهي عن الكتابة هذا لأمرين:
الأمر الأول: لئلا يختلط بالقرآن ولئلا يضاهي القرآن, لا يبقى مكتوب إلا القرآن, وإذا كُتب معه غيره ضاهاه وماثله وصار مؤثرًا على الإنسان؛ يعني: لا يبقى إلا القرآن المكتوب والباقي لا حاجة له.
والأمر الثاني: أن الكاتب يتكل على ما كتب ولا يهتم بخلاف ما إذا لم يكتب فَإِنَّهُ يهتم.
القارئ:
375 - كما قال الخليل رحمه الله:
ليس بعلم ما حوى القمطر |
|
ما العلم إلا ما حواه الصدر |
شرح الشيخ:
العلم الصحيح ما حواه الصدر أما اللي بالكتاب ما تدري عنه.
القارئ:
376 - وأنشدني بعض شيوخي لمحمد بن بشير بإسناد لا أحفظه:
أما لو أعي كل ما أسمع |
|
وأحفظ من ذاك ما أجمع |
ولم أستفد غير ما قد جمعت |
|
لقيل هو العالم المقنع |
ولكن نفسي إلى كل فن |
|
من العلم تسمعه تنزع |
فلا أنا أحفظ ما قد جمعت |
|
ولا أنا من جمعه أشبع |
ومَن يك في علمه هكذا |
|
يكن دهره القهقري يرجع |
إذا لم تكن حافظًا واعيًا |
|
فجمعك للكتب لا ينفع |
أأحضر بالجهل في مجلس |
|
وعلمي في الكتب مستودع |
377 - وقال أبو العتاهية: "مَن مُنح الحفظ وعى، من ضيع الحفظ وهم".