بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين:
القارئ:
قَالَ الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى في كتاب [جامع بيان العلم وفضله] في تتمة باب ذكر الرخصة في كتاب العلم:
432 - أخبرنا خلف بن القاسم، قَالَ: أخبرنا أبو الميمون، قَالَ: حدثنا أبو زرعة قال: سمعت أبا نعيم، وذكر له حماد بن زيد، وابن علية، وأن حماد بن زيد حفظ عن أيوب، وابن علية كتب، فقال: «ضمنت لك أن كل من لا يرجع إلى الكتاب لا يؤمن عليه الزلل».
433 - وأخبرنا خلف بن القاسم، قَالَ: حدثنا أبو الميمون البجلي بدمشق، قَالَ: حدثنا أبو زرعة قال: سمعت أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، يقولان: «كل من لا يكتب العلم لا يؤمن عليه الغلط».
شرح الشيخ:
هَذَا من الأدلة عَلَى جواز الكتابة, المؤلف ابن عبد البر ذكر أدلة في المنع من الكتابة ثُمَّ ذكر أدلة عَلَى الجواز, والجمع بينهما أن المنع من الكتابة كان أولًا في أول الأمر, النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الكتابة لئلا يختلط بالقرآن ما ليس منه, قَالَ: «لا تكتبوا عني غير الْقُرْآن فمن كتب عني فليمحه» ثُمَّ بعد ذَلِكَ جاءت الرخصة, ثُمَّ بعد ذَلِكَ قَالَ: «اكتبوا لأبي شاة» وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يكتب, لكن الغالب كان عَلَى الحفظ في زمن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في زمن الصحابة.
القارئ:
434 - أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، وسعيد بن نصر، وأحمد بن قاسم قالوا: حدثنا قاسم بن أصبغ، قَالَ: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، إملاء، قَالَ: حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا حاتم الفاخر، وكان ثقة قال: سمعت سفيان الثوري يقول: «إني أحب أن أكتب الحديث على ثلاثة أوجه، حديث أكتبه أريد أن أتخذه دينًا، وحديث رجل أكتبه فأوقفه لا أطرحه ولا أدين به، وحديث رجل ضعيف أحب أن أعرفه ولا أعبأ به».
435 - وقال الأوزاعي: «تعلم ما لا يؤخذ به كما تتعلم ما يؤخذ به».
شرح الشيخ:
يعني تعلم الشيء الَّذِي لا يؤخذ به حَتَّى تحذره, ولذلك كان الإمام أحمد علم ابنه أحاديث موضوعة ليحذرها.
القارئ:
436 - أخبرنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أبو مسلم قال: قال سفيان، قال بعض الأمراء لابن شبرمة، ما هذه الأحاديث التي تحدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: «كتاب عندنا».
437 - وأخبرنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا محمد بن الحسن، عن مالك بن أنس قال: «أول من دون العلم ابن شهاب».
438 - وأخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: حدثنا معن بن عيسى، قال: حدثنا سعيد بن زياد مولى الزبيريين قال: سمعت ابن شهاب يحدث سعد بن إبراهيم قال: «أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفترًا دفترًا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترًا».
439 - وأخبرنا خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهري قال: «كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء، فرأينا أن لا نمنعه أحدا من المسلمين».
440 - قال: أخبرنا معمر قال: حدثت يحيى بن أبي كثير بأحاديث، فقال: «اكتب لي حديث كذا وحديث كذا»، فقلت: أما تكره أن تكتب العلم؟ فقال: «اكتب فإنك إن لم تكن كتبت فقد ضيعت» أو قال: «عجزت».
441 - قال: أخبرنا معمر، عن صالح بن كيسان قال: كنت أنا وابن شهاب، ونحن نطلب العلم، فاجتمعنا عَلَى أن نكتب السنن فكتبنا كل شيء سمعنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: اكتب بنا ما جاء عن أصحابه، فقلت: لا، ليس بسنة، وقال هو: بل هو سنة، وكتب ولم أكتب، فأنجح وضيعت.
442 - وأخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر قال: أخبرنا صالح بن كيسان قال: " اجتمعت أنا والزهري ونحن نطلب العلم، فقلنا: نكتب السنن فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: نكتب ما جاء عن أصحابه فإنه سنة، وقلت أنا: ليس بسنة فلا نكتبه، وكتب ولم أكتب فأنجح وضيعت ".
443 - وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري قال: «كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء، فرأيت أن لا نمنعه أحدًا من المسلمين».
444 - وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن أخو أبي حرة، عن أيوب بن أبي تميمة، عن الزهري قال: «استكتبني الملوك فأكتبتهم، فاستحييت الله إذ كتبتها الملوك ألا أكتبها لغيرهم».
445 - وذكر ابن المبارك رحمه الله، عن يونس بن يزيد قال: قلت للزهري، أخرج إلي كتبك: «فأخرج إلي كتبا فيها شعر».
446 - وذكر محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن خالد بن نزار قال: «أقام هشام بن عبد الملك كاتبين يكتبان عن الزهري، فأقاما سنة يكتبان عنه».
447 - وذكر المبرد، قال: قال الخليل بن أحمد، «ما سمعت شيئًا إلا كتبته، ولا كتبته إلا حفظته، ولا حفظته إلا نفعني».
باب: في معارضة الكتاب.
شرح الشيخ:
الحاصل: أن الكتابة كأَنَّهُ أولًا لئلا يختلط الْقُرْآن؛ فلما أمن بعد ذَلِكَ رخص, كتابة الحديث من النعم, دوّن الكتب الستة وغيرها.