بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:...
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.
القارئ:
قال المصنف رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى في تتمة باب: باب الحض على استدامة الطلب والصبر فيه على اللأواء والنصب.
608 - وروى ابن عائشة، وغيره أن عليا رضي الله عنه قال في خطبة خطبها: «واعلموا أن الناس أبناء ما يحسنون وقدر كل امرئ ما يحسن , فتكلموا في العلم تتبين أقداركم» ويقال: إن قول علي بن أبي طالب: قيمة كل امرئ ما يُحسن لم يسبقه إليه أحد، وقالوا: ليس كلمة أحض على طلب العلم منها قالوا: ولا كلمة أضر بالعلم وبالعلماء والمتعلمين من قول القائل: ما ترك الأول للآخر شيئاً.
609 - قال أبو عمر.
شرح الشيخ:
أبو عمر بن عبد البر.
القارئ:
قول علي رضي الله عنه: قيمة كل امرئ - أو قدر كل امرئ - ما يُحسن من الكلام العجيب الخطير وقد طار الناس به كل مطير ونظمه جماعة من الشعراء إعجابًا به وكلفًا بحُسنه فمن ذلك ما يُعزي إلى الخليل بن أحمد قوله:
لا يكون السري مثل الدني |
|
لا ولا ذو الذكاء مثل العيي |
لا يكون الألد ذو المقول المر |
|
هف عند القياس مثل الغبي |
قيمة المرء كل ما يحسن المرء |
|
قضاء من الإمام علي |
في أبيات قد ذكرتها في غير هذا الموضع.
610 - وقال غيره:
تلوم علي أن رحت للعلم طالبًا |
|
أجمع من عند الرواة فنونه |
فيا لائمي دعني أغالي بمهجتي |
|
فقيمة كل الناس ما يحسنونه |
611 - وقال أبو العباس الناشي:
تأمل بعينك هذا الأنام |
|
فكن بعض من صانه عقله |
فحلية كل فتى فضله |
|
وقيمة كل امرئ نبله |
فلا تتكل في طلاب العلا |
|
على نسب ثابت أصله |
فما من فتى زانه قوله |
|
بشيء يخالفه فعله |
612 - وروي عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يشبع المؤمن من خير يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة».
613 - حدثنا خلف بن أحمد , وعبد الرحمن بن يحيى , قال: حدثنا أحمد بن سعيد , حدثنا إسحاق بن إبراهيم , قال: حدثنا محمد بن علي, قال: حدثنا يحيى بن معين , قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي , قال: حدثنا حماد بن زيد , عن أيوب قال: «إنك لا تعرف خطأ معلمك حتى تجالس غيره».
614 - وقال قتادة: لو كان أحد يكتفي من العلم بشيء لاكتفى موسى عليه السلام ولكنه قال: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}[الكهف/ 66].
باب جامع في الحال التي يسأل بها العلم.
615 - حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال: حدثني أبي , قال: حدثنا عبد الله بن يونس، قال: حدثنا بقي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي الزعراء، عن أبي الأحوص، قال: قال عبد الله: «إن الرجل لا يولد عالمًا وإنما العلم بالتعلم».
616 - وبه عن أبي بكر قال: حدثنا أبو داود، عن سفيان، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، مثله.
617 - حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا جرير، عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء قال: «العلم بالتعلم».
618 - وذكر أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب، عن ابن شبيب، أنه قال: يقال: «لا يكون طبع بلا أدب ولا علم بلا طلب».
619 - ومن جزء لسابق البربري:
قد قيل قبلي في الزمان الأقدم |
|
أني وجدت العلم بالتعلم |
620 - وقال كثير:
وفي الحلم والإسلام للمرء وازع |
|
وفي ترك أهواء الفؤاد المتيم |
بصائر رشد للفتى مستبينة |
|
وأخلاق صدقٍ علمها بالتعلم |
621 - وروَينا عن علي رحمه الله أنه قال في كلام له: «العلم ضالة المؤمن فخذوه ولو من أيدي المشركين ولا يأنف أحدكم أن يأخذ الحكمة ممن سمعها منه».
622 - وعنه أيضًا أنه قال: «الحكمة ضالة المؤمن يطلبها ولو في أيدي الشُرط».
623 - وروى يزيد بن هارون، عن كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن بريدة قال: قال لي علي: «تزاوروا وتذاكروا هذا الحديث؛ فإنكم إن لم تفعلوا يُدرس علمكم».
شرح الشيخ:
يعني: يذهب ويندرس, أعد.
القارئ:
623 - وروى يزيد بن هارون، عن كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن بريدة قال: قال لي علي: «تزاوروا وتذاكروا هذا الحديث؛ فإنكم إن لم تفعلوا يُدرس علمكم».
شرح الشيخ:
يندرس ويذهب.
القارئ:
624 - وذكره أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن بريدة قال: قال لي علي: «تزاوروا وتذاكروا هذا الحديث؛ فإنكم إلا تفعلوا يُدرس علمكم».
625 – قال: حدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا ابن شعبان، قال: حدثنا إبراهيم بن عثمان، قال: حدثنا حمدان بن عمرو بن نافع، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج قال: «لم أستخرج الذي استخرجت من عطاء إلا برفقي به».
شرح الشيخ:
يعني: يرافقه حتى يعطيه الفوائد, ولاشك أن العلم يحتاج إلى مراجعة ومذاكرة, اللي يترك العلم؛ يتركه.
القارئ:
626 – قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا بقي قال: حدثنا أبو بكر، أنا وكيع، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: «تحدثوا فإن الحديث يهيج الحديث».
شرح الشيخ:
(يهيج) يعني: يحث عليه ويستخرجه.
القارئ:
627 - قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا فطر، عن شيخ قال: سمعت علقمة يقول: «تذاكروا الحديث فإن إحياءه ذكره»
628 - وقال ابن مسعود: «تذاكروا الحديث؛ فإنه يهيج بعضه بعضًا».
629 - وذكر ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء: «أنه كان يأتي صبيان الكتاب فيعرض عليهم حديثه كي لا ينساه».
شرح الشيخ:
يعني: كان يعرض الحديث كَأَنَّهُ يحدثهم, يحدثهم حتى لا ينسى.
القارئ:
630 - قال: وحدثنا وكيع، قال: حدثنا عيسى بن المسيب قال: سمعت إبراهيم يقول: «إذا سمعت حديثًا فحدث به حين تسمعه، ولو أن تحدث به من لا يشتهيه؛ فإنه يكون كالكتاب في صدرك».
631 - قال: وحدثنا ابن فضيل، عن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «إحياء الحديث مذاكرته» فقال له عبد الله بن شداد: «يرحمك الله كم من حديث أحييته في صدري».
632 - وسئل بعض الحكماء: "ما السبب الذي ينال به العلم؟ قال: بالحرص عليه يُتبع وبالحث له يُستمع، وبالفراغ له يُجتمع".
633 - وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب قال: سمعت سفيان بن عيينة، يحدث عن عبد الكريم الجزري، أنه سمع سعيد بن جبير يقول: «لقد كان ابن عباس يحدثني بالحديث لو يأذن لي أن أقوم أقبل رأسه لفعلت».
634 – قال: حدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، قال: حدثنا سعيد بن عثمان، وسعيد بن خمير قالا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم الجزري، سمع سعيد بن جبير، يذكر مثله سواء.
635 - وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا أبو الحسين عبد الباقي بن قانع القاضي ببغداد قال: حدثنا خالد بن النضر القرشي، قال: حدثنا عمرو بن علي قال: سمعت حفص بن غياث يقول: سمعت عبد الله بن إدريس يقول: "غضبت على الأعمش في شيء فما أتيته سنة قال: فقلت له: إن ذلك لبين قال: وسمعته يقول: ما اهتدى لمنزل سفيان الثوري فقلت له: إن ذلك عليك لبين".
636 - وقال الخليل بن أحمد: «كن على مدارسة ما في صدرك أحرص منك على مدارسة ما في كتبك».
شرح الشيخ:
يعني: الحفظ الذي تحفظه تعاهده حتى لا يضيع.
القارئ:
637 - وذكر الحلواني، قال: حدثنا قبيصة قال: حدثنا سفيان قال: قال إبراهيم: «إنه ليطول علي الليل حتى أصبح فألقاهم».
شرح الشيخ:
يعني: ألقى الحفاظ.
القارئ:
«فربما أدسه بيني وبين نفسي أو أحدث به أهلي» قال أبو أسامة: يعني بقوله أدسه يقول: أحفظه.
شرح الشيخ:
كل هذا فيه حث على المدارسة وعلى ضبط ما حفظه الإنسان, ومن ذلك القرآن الكريم فإن على حفاظه أن يتعاهدوه, النبي r أوصاهم, قال: «تعهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده إنه لأشد تفلتًا من الإبل في عُقلها», وقال: «مَثل حامل القرآن كمَثل الإبل المُعَقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن تركها ذهبت» أو كما قال r.
القارئ:
639 - قال: وحدثنا الأخنسي، قال: حدثنا ابن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «إن إحياء الحديث مذاكرته» قال: فقال له عبد الله بن شداد: يرحمك الله كم من حديث أحييته في صدري قد كان مات.
640 - وجدت في كتاب أبي رحمه الله بخطه قال: حدثنا مسلمة بن القاسم، قال: حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثنا حسين بن الحسن، عن عون بن عبد الله بن عتبة قال: "لقد أتينا أم الدرداء فتحدثنا عندها فقلنا: أمللناك يا أم الدرداء، فقالت: ما أمللتموني لقد طلبت العبادة في كل شيء فما وجدت شيئًا أشفى لنفسي من مذاكرة العلم أو قال: مذاكرة الفقه".
641 - وقال الرياشي: سمعت الأصمعي، وقد قيل له: "حفظت ونسي أصحابك؟ قال: درست وتركوا".
642 - وقال الفراء: «لا أرحم أحدًا كرحمتي لرجلين رجل يطلب العلم ولا فهم له ورجل يفهم ولا يطلبه، وإني لأعجب ممن في وسعه أن يطلب العلم ولا يتعلم».
643 - ورأيت في بعض كتب العجم "سئل جالينوس بم كنت أعلم قرنائك بالطب؟ قال: لأني أنفقت في زيت المصابيح لدرس الكتب مثل ما أنفقوا في شرب الخمر".