شعار الموقع

شرح كتاب كشف الشبهات_1

00:00
00:00
تحميل
112

                                               بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك عَلَى رسول الله, وعَلَى آله وصحبه ومن والاه, غفر الله لنا   ولشيخنا وللحاضرين.

قارئ المتن:

قال الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم رحمك الله تعالى أن التوحيد هو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة, وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده، فأولهم نوح عليه السلام، أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر.

وآخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين، أرسله الله إلى أناس يتعبدون، ويحجون، ويتصدقون، ويذكرون الله كثيرًا، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله تعالى، يقولون: نريد منهم التقرب إلى الله تعالى، ونريد شفاعتهم عنده، مثل الملائكة وعيسى، ومريم، وأناس غيرهم من الصالحين. فبعث الله تعالى إليهم محمدا صلى الله عليه وسلم يجدد لهم دينهم دين أبيهم إبراهيم عليه السلام، و يخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله تعالى، لا يصلح منه شيء لغير الله لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، فضلا عن غيرهما.

شرح الشيخ:

 بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بعد:

فهذه الرسالة للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله, تسمى سماها " كشف الشبهات " وهي رسالة عظيمة عبارة عن سلسلة من شبهات المشركين كشفها الشيخ رحمه الله وردها وأزال هذه الشبه, رحمه الله رحمةً واسعة.

افتتحها بقوله: (اعلم رحمك الله تعالى أن التوحيد هو إفراد الله بالعبادة) فاعلم يعني اعلم يا طالب العلم يعني تقين واجزم, والعلم هُوَ حكم الذهن الجازم, والمعلومات أو الأشياء الَّتِي يعني تكون في الذاكرة أربعة أشياء: العلم, والشك, والظن, والوهم.

فالعلم هُوَ اليقين ما يتيقنه الإنسان ويجزم به, والشك ما يتردد فيه بين شيئين عَلَى حدٍ سواء, فإن كان أحد الأمرين راجحًا فالراجح يسمى ظن والمرجوح يسمى وهم.

فما يكون في ذاكرة الإنسان إما أن يكون علمًا, وإما أن يكون شكًا, وإما أن يكون ظنًا, وإما أن يكون وهمًا.

فالعلم هُوَ اليقين حكم الذهن الجازم.

والشك هُوَ أحد الأمرين اللذين لا يترجح أحدهما عَلَى الآخر متردد بين أمرين, والظن هُوَ أحد الأمرين أو هو الراجح من أحد الأمرين.

والوهم هُوَ المرجوح, المرجوح وهم والراجح ظن, وإذا كانا عَلَى حدٍ سواء فَهُوَ شك.

المؤلف رحمه الله يقول: (اعلم) لا تتوهم ولا تشك ولا تظن, اعلم تيقن، اعلم رحمك الله.

ثُمَّ دعا قال: (رحمك الله) هذا من نصحه رحمه الله, العلماء أنصح النَّاس للناس, أنصح النَّاس الأنبياء ثم يليهم أو بعدهم العلماء, فهم أنصح النَّاس للناس, ومن نصحه رحمه الله أَنَّهُ يعلمك ويدعوا لك بالرحمة.

(اعلم رحمك الله) يعني أسأل الله أن يرحمك (أن التوحيد هُوَ إفراد الله بالعبادة ) هذا هُوَ التوحيد, التوحيد هُوَ إفراد الله بالعبادة أن تفرد الله بالعبادة, والعبادة هي الأوامر والنواهي الَّتِي جاءت في الشريعة في الكتاب والسنة, فالأوامر يفعلها المسلم سواء كانت أمر إيجاب كقوله تعالى: {وَأَقِم الصَّلاَةَ}[العنكبوت/25].

أو أمر استحباب كأمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالسواك: «لولا أن أشق عَلَى أمتي لأمرتكم بالسواك» هذا أمر استحباب, والنواهي كذلك يترك النواهي, سواء كان النهي نهي تحريم, كقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى}[الإسراء/32]، أو نهي تنزيه كالنهي عن الحديث بعد صلاة العشاء, فالمسلم يتعبد لله بفعل الأوامر وترك النواهي, فالعبادة هي الأوامر والنواهي يتعبد بها المسلم, يفعل الإنسان المسلم، المسلم يفعل الأوامر تعبدًا لله, ويترك النواهي, يفعل الأوامر ويترك النواهي, فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة, فأنت تفرد العبادة لله, يعني تخص الله بها, تتقرب إِلَى الله بها, من صلاة وصيام وزكاة وحج وبر للوالدين وصلةٍ للرحم, وجهاد في سبيل الله وأمر بالمعروف ونهي عن منكر, وسواء كانت هذه العبادة تتعلق بالقلب كالاعتقادات, يجب عَلَى الإنسان أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم والآخر, والمحبة ومحبة الله وخوفه ورجاؤه والتوكل عليه, والرغبة إليه, والرهبة منه, وخشيته سبحانه وتعالى.

أو كانت من أقوال اللسان كالذكر التسبيح والتهليل والتكبير وتلاوة الْقُرْآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إِلَى الله, أو أعمال الجوارح كالصلاة والصيام والزَّكَاة والحج, أو أعمال القلوب أَيْضًا كالمحبة والخوف والرجاء, كل هذه عبادة, الَّتِي شرعها الله كلها عبادة, العبادة الَّتِي شرعها الله سواء كانت عبادة قلبية, أو عبادة تتعلق باللسان أو عبادة تتعلق بالجوارح, يجب إفرادها لله U.

(اعلم أن التوحيد هُوَ إفراد الله بالعبادة ) فالذي يخص الله بالعبادة ويفرده بها هذا هُوَ الموحد, فإذا صرف شيئًا منها لغير الله كالدعاء أو الذبح أو النذر أو الاستعاذة, كل هذه من أنواع العبادات, الدعاء والذبح والنذر والاستعاذة والاستغاثة, إذا صرف منها شيء لغير الله صار مشركًا, وإذا أفرد الله بها صار موحدًا.

الشيخ رحمه الله يقول: (اعلم أن التوحيد هُوَ إفراد الله بالعبادة ) ومن المعلوم أَنَّهُ لَابُدَّ أن يفرد الإنسان أَيْضًا ربه بالربوبية, والأسماء والصفات؛ لِأَنَّ أنواع التوحيد الثلاثة متلازمة, لكن توحيد الربوبية وهو إثبات حقيقة ذات الرب سبحانه وتعالى، والإيمان بأنه الرب الخالق الرازق المدبر المحيي المميت, وكذلك الإيمان بأسمائه وصفاته الَّتِي وردت في الكتاب والسنة, هذان نوعان من التوحيد فطريان أقر بهما المشركون, ولم يشركوا بالله شيئًا فيهما, وإنما الَّذِي وقع فيه الشرك إنما هو في توحيد العبادة, ولهذا قال الشيخ رحمه الله: (اعلم أن التوحيد هُوَ إفراد الله بالعبادة) وإن كان أَيْضًا إفراد الله بالخلق والرزق والإماتة والإحياء توحيد, وإفراد الله بالأسماء والصفات توحيد, إِلَّا أن هذين النوعين من التوحيد لم تقع الخصومة فيهما بين الرسل وبين أممهم.

 ولهذا قال: (اعلم أن التوحيد الَّذِي وقع فيه الشرك والخصومة بين الأنبياء والرسل هُوَ إفراد الله بالعبادة) وهو الَّذِي بعث الله به الأنبياء من أولهم إِلَى آخرهم, بعث الله الأنبياء يدعون إِلَى التوحيد وينهون عن الشرك, أولهم نوح عليه الصلاة والسلام أرسله الله يدعوا النَّاس إِلَى التوحيد، وينهاهم عن الشرك لما وقع الشرك في زمن نوح عليه الصلاة والسلام.

وقد مضى عشرة قرون قبل بعثة نوح عليه الصلاة والسلام والنَّاس عَلَى التوحيد, بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم عَلَى التوحيد ثُمَّ حدث الشرك في قوم نوح, فأرسل الله نوحًا يدعوا إِلَى التوحيد وينهاهم عن الشرك قال الله تعالى في كتابه العظيم: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ}[يونس/19]، كانوا أمة واحدة على التوحيد فاختلفوا فوقع الشرك فاختلفوا، وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُون}، وسبب وقوع الشرك أن هناك أناس صالحون, ماتوا في زمنٍ متقارب, فهؤلاء الصالحين هذه أسماؤهم, واحد اسمه ود, والثاني اسمع سواع, والثالث اسمه يعوق, والرابع اسمه يغوث, والخامس اسمه نسر, هؤلاء صالحون ثُمَّ ماتوا, فحزنوا عليهم وتأسفوا عليهم, فقال بعضهم لبعض: لو صورنا صورهم كان أنشط لنا للعبادة حَتَّى نتذكر عبادتهم, انظر إذًا التصوير للذكرى هو من أسباب الشرك, صوروهم للذكرى, ليتذكروا عبادتهم, فصوروهم, ثُمَّ لما ذهب هؤلاء وجاء أحفادهم من بعدهم دب إليهم الشيطان وأوحى إليهم، وقال: إِنَّمَا صور آباؤكم صورهم، لِأَنَّهُم يستسقون بهم المطر ويسألون الله بهم فعبدوهم.

 قال في حديث ابن عباس: أن هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: «كانت ود وسواع ويغوث ويعوق أسماء رجال صالحين, فماتوا فعكفوا على قبورهم ثُمَّ صوروا تماثيل لهم ثُمَّ عكفوا عَلَى قبروهم ثُمَّ طال عليهم الأمد فعبدوهم».

فإذًا هذه الأصنام الَّتِي كانت في زمن نوح لما وقع الشرك بعث الله نوحًا عليه الصلاة والسلام يدعو النَّاس إِلَى التوحيد، وينهاهم عن الشرك, ثُمَّ تتابع الأنبياء بعد نوح, هود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم حَتَّى بعث الله موسى وأنزل عليه التوراة، ثُمَّ تتابع أنبياء بني إسرائيل كلهم يعملون بالتوراة، حَتَّى جاء عيسى آخر بني إسرائيل، فأنزل الله عليه الإنجيل، وخفف بَعْض الأحكام، وحرم عليهم بَعْض المحرمات, كلهم يدعون إِلَى التوحيد, ثُمَّ بَعْث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالشريعة الخاتمة يدعوا إِلَى التوحيد، وهو الَّذِي كسر هذه الصور, كسرها نوح هذه الصور صور ود وسواع ويغوث، وكذلك كسرها محمد صلى الله عليه وسلم, كانت هذه الأصنام في مكة في جزيرة العرب قبل بعثة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فبعث الله نَبِيّنا محمد صلى الله عليه وسلم يدعوا إِلَى التوحيد، وكسر هذه الصور.

قيل: إن هذه الصور الَّتِي كانت موجودة في زمن نوح لما أغرق الله الكفار بقيت، ثُمَّ بعد ذلك سفتها الرياح بعد السنين حَتَّى وصلت إِلَى جزيرة العرب, ثُمَّ استخرجها المشركون قبيل بعثة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, وقيل: إِنَّهَا ليست هي، وإنما أسماء سميت بأسمائها.

فالمقصود أن هذه الصور هذه الأصنام بعث الله نوحًا يدعوا إِلَى التوحيد، ونهى عن الشرك, ويحذرهم من عبادة هذه الأصنام, وبعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالشريعة الخاتمة, يدعوا إِلَى التوحيد، وينهى النَّاس عن الشرك.

وهُوَ الَّذِي كسر صور هؤلاء الصالحين, هذه الأصنام كسرها نوح عليه الصلاة والسلام, نهى عنها وحذر منها وكسرها محمد صلى الله عليه وسلم, فكل الأنبياء بعثوا بالتوحيد، كما قال الله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُون}[هود/50].

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُون}[المؤمنون/23].

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [الأعراف: 65]

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف/73].

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف/85].

وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}[النحل/36].

وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُون}[الأنبياء/25].

إذًا التوحيد هُوَ إفراد الله بالعبادة, هؤلاء المشركون في زمن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هذه الأصنام هم يقولون: نريد منها التقرب, نريد أن تقربنا إِلَى الله, وأن تشفع لنا عند الله, نريد القرب أو الوجاهة, فكفرهم الله بذلك وسماهم مشركين؛ لِأَنَّ هذا هُوَ محض حق الله, التقرب بالدعاء والذبح والنذر هذا محض حق الله, فصرفه هؤلاء صرفوه إِلَى هذه الأصنام فصاروا مشركين, بعث الله نَبِيّنا محمد صلى الله عليه وسلم يبين لهم أن هذا التقرب هُوَ محض حق الله, وأن طلب القربة والشفاعة من هؤلاء هذا هُوَ الشرك, كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر/3].

يعني قائلين, التقدير قائلين: ما نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى, يعني هم يعتقدون أن الله هُوَ الخالق الرازق المدبر المحيي المميت النافع الضار, لكن يقولون: هذه الأصنام تنقل حوائجنا إِلَى الله، وتقربنا إِلَى الله.

وبعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم ينهى عن هذا الشرك ويبين أن هذا محض حق الله, بعث الله نَبِيّنا محمد في قومٍ يتعبدون يعبدون الله ويذكرون الله كثيرًا، ويتصدقون ويحجون إِلَّا أنهم يشركون مع الله غيره, فلا تنفعهم العبادة, ما ينفعهم عبادتهم غير لله, ولا حجهم ولا صومهم ما داموا يشركون بالله, والنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بعثه الله في أُناس متفرقين منهم من يعبد اللات والعزى, ومنهم من يعبد الأشجار, ومنهم من يعبد الأحجار, ومنهم من يعبد الملائكة, ومنهم من يعبد المسيح عليه السلام, ومنهم من يعبد مريم, ومنهم من يعبد الصالحين, فالنبي صلى الله عليه وسلم كفر هؤلاء جميعًا, وبين أنهم مشركون عَلَى اختلاف معبوداتهم, كلهم عَلَى الشرك؛ لِأَنَّهُم صرفوا حق الله U.

فكونهم يتقربون إليه بالدعاء بالذبح بالنذر بالاستعاذة بالاستغاثة بالطواف هذا هو محض حق الله, ولو كانوا يعتقدون أنهم لا ينفعون ولا يضرون, لو كانوا يعتقدون أنهم ينفعون أو يضرون لأشركوا شرك الربوبية صار أعظم, لكن هم ما أشركوا شرك الربوبية, إِنَّمَا يعتقدون أن النافع هُوَ الله والضار هُوَ الله, والمحيي هُوَ الله والمميت هُوَ الله, والخالق والرازق والمدبر والَّذِي بيده الضر والنفع وهو الَّذِي يملك الدنيا والآخرة يعتقدون أَنَّهُ الله, لكن يقولون: هؤلاء نتقرب إليهم بالدعاء والذبح والنذر حَتَّى يشفعوا لنا عند الله ويقربونا إِلَى الله {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر/3]، {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ}[يونس/18].

فبين لهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن هذا محض حق الله, وأن صرفهم الدعاء والذبح والنذر هذا هُوَ الشرك بعينه؛ لِأَنَّ هذا هُوَ حق الله, ولو كانوا يتعقدون أنهم لا يخلقون ولا يرزقون ولا يميتون ولا يحييون ولا يرزقون ولا ينبتون ولا يحييون ولا ينفعون ولا يضرون, لو كانوا يعتقدون هذا؛ لِأَنَّ هذا هُوَ توحيد الربوبية, ولا يكفي توحيد الربوبية في الدخول في الإسلام, كما أنهم مقرون بأسماء الله وصفاته, ولا يكفي أَيْضًا إقرارهم بالأسماء والصفات؛ بَلْ لَابُدَّ مع ذلك من توحيد الله في العبادة.

والعبادة معناه العبادات الَّتِي شرعها الله من الأوامر والنواهي, ما جاء في الكتاب والسنة من العبادات هذه يجب إفرادها لله U, وتخصيص الله بالتعلق, والقصد, والتقرب, وهؤلاء لم يخصوا الله بالتقرب؛ بَلْ يعبدون الله ويعبدون غيره, يذبحون لله ويذبحون للأصنام, ينذرون لله وينذرون للأصنام, يطوفون ببيت الله ويطوفون بالقبور, وهكذا.

فهم يعبدون الله ويعبدون غيره، ولا ينفعهم عبادة الله مع الشرك, إذًا الشرك يحبط الأعمال, لَابُدَّ أن يخص الله سبحانه وتعالى بالعبادة, وهذا هو معنى لا إله إِلَّا الله, فإن معناها لا معبود حق إِلَّا الله, لَابُدَّ من أمرين في التوحيد:

الأمر الأول: النفي.

الأمر الثاني: الإثبات.

النفي يعني تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله, والإثبات تثبت جميع أنواع العبادة لله U، لَابُدَّ من أمرين، وهما موجودان في كلمة التوحيد, كفر وإيمان, كلمة التوحيد فيها كفر وإيمان, فيها كفر بالطاغوت وإيمان بالله, كفر بالطاغوت معناها نفي العبادة عن غير الله, والبراءة من كل معبود سوى الله, هذا في قولك: لا إله, لا إله هذا كفر بالطاغوت, تنفي جميع أنواع العبادة لغير الله, (إِلَّا الله ) هذا هُوَ الإيمان بالله, قال الله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم}[البقرة/265].

قارئ المتن:

 وإلا فهؤلاء المشركون يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له، وأنه لا يرزق إلا هو، ولا يحيي ولا يميت إلا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو، وأن جميع السماوات السبع، ومن فيهن، والأرضين السبع ومن فيهن كلهم عبيده، وتحت تصرفه وقهره.

شرح الشيخ:

فهذا هُوَ توحيد الربوبية يعني هؤلاء المشركون الذين يدعون غير الله، ويذبحون لغير الله، وينذرون لغير الله، ويطوفون بغير بيت الله يعتقدون أن الله هُوَ الخالق، وهو الرازق، وهو المدبر, وهو الَّذِي يملك السموات والأرض ومن فيهن, وهو المدبر, وأن كل من في السموات والأرض سواء, فهم عبيده وتحت تصرفه وقهره يعتقدون هذا, لكن ما يكفي هذا في التوحيد, هذا توحيد الربوبية, ما يكفي حَتَّى يضمون إِلَى ذلك إفراد الله بالعبادة.

توحيد العبادة: هُوَ أن توحد الله بأفعالك أنت أَيُّهَا العبد, أفعالك ما هي أفعالك؟ صلاة, صيام, زكاة، حج, ذبح, نذر, دعاء, طواف بالبيت, استعاذة, استغاثة, توكل, أَمَّا توحيد الربوبية توحد الله بأفعاله هُوَ, أفعال الله الخلق الرزق الإماتة الإحياء, فهم وحدوا الله بأفعاله هُوَ, لكن لم يوحدوا الله بأفعالهم هم, وَلَابُدَّ للمسلم أن يوحد الله بأفعال الرب, وأن يوحد الله بأفعاله هُوَ, فتوحيد الله بأفعال الرب هذا هُوَ توحيد الربوبية أقر به المشركون.

وتوحيد الله بأفعال العباد هذا هُوَ الَّذِي امتنع منه المشركون, فلهذا وقعوا في الشرك, فكون المشركين يوحدون الله بأفعال الرب، بمعنى أنهم يعتقدون أن الله هُوَ الخالق والرازق والمدبر والمحيي والمميت، لا يكفي في الإسلام حَتَّى يضمون إِلَى ذلك توحيد الله بأفعال العباد، من اعتقاد أن صرف العبادة لله، وهي الدعاء, والذبح, والنذر, والصَّلَاة, والركوع, والسجود, والرغبة, والرهبة, والتوكل, إِلَى غير ذلك من أنواع العبادات, كلها لَابُدَّ من صرفها لله U, فإن صرف منها شيء لغير الله وقع في الشرك, مثل ما يفعل عباد القبور يطوف بقبر الميت هذا يتقرب إليه, هذا شرك؛ لِأَنَّ الطواف عبادة لا تكون إِلَّا لله في بيت الله, كذلك يفعل بَعْض أصحاب القبور يدعو الميت يقول: اشفي مريضي, يا فلان يا سيدي البدوي, يا رسول الله, يا ابن علوان, يا عيدروس, يا نفيسة, يا دسوقي, يا فلان أعطني, أغثني, فرج كربتي, لا تخيب رجائي, هذا شرك, أو يذبح له, يتقرب إليه يذبح له جمل أو بقر أو دجاج أو غنم أو ينذر له إن شفي مريضه أن يذبح له أو يتصدق بدراهم أو جنيهات عَلَى روحه هذا الشرك, هذا شرك لَابُدَّ أن يفرد الله بهذه العبادات كلها, فمن صرف منها شيئًا لغير الله يكون مشرك, ولو كان مقر بتوحيد الربوبية, ولو كان يعتقد أن الله هُوَ الخالق الرازق المدبر المحيي المميت, هذا توحيد لكن ما يكفي, ولو كان مقر بأسماء الله وصفاته, هذا توحيد, ولكن ما يكفي حَتَّى توحد الله بالتوحيد بأنواعه الثلاثة, توحد الله في الربوبية, وتوحد الله في أسمائه وصفاته, وتوحد الله في ألوهيته وعبادته.

قارئ المتن:  

فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون بهذا فاقرأ عليه قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُون}[يونس/31].

وقوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}[المؤمنون/84-89]، وغير ذلك من الآيات.

 

 

 

شرح الشيخ:

هذا دليل عَلَى أن المشركين يقرون بتوحيد الربوبية, ومع ذلك لم يدخلوا في الإسلام, يقول الله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ}ماذا يقولون؟ {فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُون}[يونس/31].

إذًا هم معترفون بأن الله هُوَ الَّذِي يرزق وهو الَّذِي يحيي ويميت ويدبر الأمر{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون} ماذا جوابهم؟ {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ}.

{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} إذًا هم معترفون مقرون لكن ما يكفي هذا, لَابُدَّ أن يوحدوا الله في العبادة كما وحدوه في الربوبية, هم وحدوا الله في الربوبية, ووحدوا الله في الأسماء والصفات, نوعين, وحدوا الله في نوعين من أنواع التوحيد, وحدوا الله في الربوبية فاعتقدوا أن الله هُوَ الخالق الرازق المالك المحيي المميت, ووحدوا الله في أسمائه وصفاته, فأثبتوا الأسماء والصفات، لكن لم يوحدوا الله في عبادته, أشركوا مع الله في عبادته فصاروا مشركين, لَابُدَّ من توحيد الله في ربوبيته، وفي أسمائه، وفي صفاته، وفي ألوهيته وعبادته.

قارئ المتن:

فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا، وأنه ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفت أن التوحيد - الذي جحدوه - هو توحيد العبادة، الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد، كما كانوا يدعون الله سبحانه وتعالى ليلاً ونهارًا، ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم، وقربهم من الله تعالى؛ ليشفعوا له أو يدعو رجلاً صالحًا مثل اللات أو نبيًا مثل عيسى، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن/18]، وكما قال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ}[الرعد/14].

وتحققت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم ليكون الدعاء كله لله، والذبح كله لله، والنذر كله لله، والاستغاثة كلها بالله، وجميع أنواع العبادات كلها لله، وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة، والأنبياء، والأولياء يريدون شفاعتهم، والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم عرفت حينئذ التوحيد - الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون -.

وهذا التوحيد هو معنى قولك: لا إله إلا الله, فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور، سواء كان ملكًا، أو نبيًا، أو وليًا، أو شجرة، أو قبرًا، أو جنيًا، لم يريدوا أن (الإله) هو الخالق الرازق المدبر، فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك، وإنما يعنون بـ (الإله) ما يعني المشركون في زماننا بلفظ السيد، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى كلمة التوحيد، وهي (لا إله إلا الله) والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها، والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة هو إفراد الله تعالى بالتعلق به، والكفر بما يعبد من دون الله، والبراءة منه؛ فإنه لما قال لهم: «قولوا: لا إله إلا الله» قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب}[ص/5].

فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك، فالعجب ممن يدعي الإسلام، وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني، والحاذق منهم يظن أن معناها: لا يخلق، ولا يرزق، ولا يدبر الأمر إلا الله، فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله.

شرح الشيخ:

المؤلف رحمه الله بين بأن المشركين الذين بعث فيهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقرون بتوحيد الربوبية, يعتقدون أن الله هُوَ الخالق الرازق المدبر المحيي المميت, وأنهم يحجون ويتصدقون ويصومون, ويذكرون الله كثيرًا, ولكنهم مع ذلك يصرفون بَعْض أنواع العبادة لغير الله, يصرفونها للأصنام, منهم من يصرفها إِلَى للأصنام كاللات والعزى, ومنهم من يصرفها للأنبياء, منهم من يدعوا نبيًا كعيسى, ومن من يدعوا أمه, ومنهم من يدعوا الملائكة, ومنهم من يدعو صالحًا من الصالحين.

فكفرهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وقاتلهم واستحل دمائهم وأموالهم, وهم يقرون بأن الله هُوَ الخالق الرازق المدبر المحيي المميت.

إذًا التوحيد هُوَ إفراد الله بالعبادة, بالعبادة الَّتِي يتعبد بها المسلم لله, أفعالك أنت أَيُّهَا المسلم, لَابُدَّ أن تفرد الله بها بالعبادة, تفرد الله بالدعاء فلا تدعوا إِلَّا الله, تفرد الله بالذبح, فلا تذبح إِلَّا لله, تفرد الله بالنذر، فلا تنذر إِلَّا لله, تفرد الله بالطواف فلا تطوف إِلَّا ببيت الله تقربًا إِلَى الله, تفرد بالله بالركوع بالسجود بالصيام بالصلاة, بغير ذلك من أنواع العبادات, لَابُدَّ من هذا, فالمشركون ما أفردوا الله بالعبادة؛ بَلْ يعبدون الله ويعبدون معه غيره, هذا هُوَ الشرك, هذا هُوَ الشرك، ولذلك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قاتلهم, قاتلهم وهم يقرون بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات, قاتلهم واستحل دماءهم وأموالهم وجاهدهم, يجاهد من كان يقر بتوحيد الربوبية ويشرك مع الله غيره يجاهد ويقاتل؛ لِأَنَّهُ لم يوحد الله, ولم يخلص له العبادة.

والمشركون يعلمون هذا, المشركون يعلمون هذا يعلمون معنى هذه الكلمة, ولذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي جهل لما قال للمشركين: «قولوا كلمة إذا قلتموها ملكتم بها العرب ودانت لكم بها العجم, قالوا: ما هي هذه الكلمة لنعطينك وعشرة أمثالها؟ قال أبو جهل ما هي هذه الكلمة فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: هي لا إله إِلَّا الله».

فرفضوا وامتنعوا، ونكص عَلَى عقبيه وهو ينفض يديه ويقول: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب}[ص/5].

يعرف أن معنى لا إله إِلَّا الله ألا يعني لا تعبد إِلَّا الله, وهم لا يريدون هذا يريدون أن يعبدوا الأصنام, فلذلك المشركون يعلمون معنى هذه الكلمة, لكن في آخر الزمان, في الأزمنة المتأخرة صار بَعْض النَّاس ممن ينتسب على للإسلام ما يعرف معنى لا إله إِلَّا الله, يظن أن المراد التلفظ بها بالفور بلسانه فقط. هذا

لَابُدَّ أن تقوله بلسانك وتعرف معناها وتعمل بمقتضاها, ما معنى لا إله إِلَّا الله؟ الإله هُوَ المعبود, لا إله إِلَّا الله لا معبود بحق إِلَّا الله, لا إله لا نافية للجنس, من أخوات إن تنسب الاسم وترفع الخبر (إله ) اسمها بمعنى المعبود, والخبر محذوف تقديره حقٌ.

لا إله حقٌ إِلَّا الله, لا معبود حقٌ إِلَّا الله, لَابُدَّ أن تعرف معنى هذه الكلمة, ما الَّذِي تفيد هذه الكلمة؟ تفيد هذه الكلمة أنك لا تعبد إِلَّا الله, لا تصرف أي نوع من أنواع العبادة إِلَّا لله, لا إله لا معبود بحق إِلَّا الله, فإذا دعوت غير الله جعلت إله غير الله, إذا ذبحت لغير الله جعلت إلهًا مع الله, إذا نذرت لغير الله لصاحب القبر دعوت جعلت إله مع الله, إذا طفت بغير بيت الله تقربًا لذلك الغير جعلته إلهًا مع الله, لَابُدَّ أن تفرد الله بالعبادة.

يقول المؤلف رحمه الله: كثير من النَّاس في هذا الزمن ما يعرف معنى لا إله إِلَّا الله, تجده يظن أَنَّهَا حروف يقولها بلسانه, تجده يقول: لا إله إِلَّا الله وهو يشرك, حَتَّى وجد بَعْض النَّاس يطوف بالبيت, وهو يقول بعضهم يقول: يا علي يا حسين يا فلان يا علان, وهو يطوف بالبيت والعياذ بالله.

ما يعرف معنى التوحيد ولا يعرف معنى لا إله إِلَّا الله, لا إله إِلَّا الله معناها إفراد الله بالعبادة, معناه أن تفرد الله بالعبادة, فكثير منهم من المشركين لا يعرفون معناها, والحاذق منهم الحاذق الجيد الفطن يفسرها بتوحيد الربوبية, يفسر الإله بمعنى الخالق, يقول: لا إله إِلَّا الله لا خالق إلا الله, هذا جيد الجيد يظن أن معناها إثبات توحيد الربوبية, لا إله لا خالق إِلَّا الله.

وبعض المتأخرين بعض أهل البدع فسر الإله بالقادر عَلَى الاختراع, لا قادر إِلَّا الله, لا مخترع لا خالق إِلَّا الله, وهذا باطل, لا إله معناه لا معبود إِلَّا الله, والمشركون في زمن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الذين يعبدون الأصنام والأوثان يعلمون معنى لا إله إِلَّا الله, ولذلك يمتنعون من قولها, ومن أسلم منهم وحد الله وأخلص له العبادة وترك جميع المعبودات, فكيف رجل ينتسب إِلَى الإسلام ولا يعرف معنى لا إله إِلَّا الله والمشركون يعلمون معنى لا إله إِلَّا الله, ولهذا قال الشيخ رحمه الله: لا خير في رجلٍ جهال الكفار أعرف منه بمعنى لا إله إِلَّا الله.

جهال الكفار يعلمون معنى لا إله إِلَّا الله، وهذا الرجل ينتسب إِلَى الإسلام، ولا يعرف معنى لا إله إِلَّا الله, جهال المشركون يعلمون أن لا إله إِلَّا الله أَنَّهُ لا يعبد إِلَّا الله, يعلمون معناها، ولذلك يمتنعون منها, يرفض المشرك أن يقولها حَتَّى يسلم.

لكن المشركون الذين يعبدون الأصنام يقول لا إله إِلَّا الله ألف مرة، ثُمَّ يطوف بالقبر, يقول لا إله إِلَّا الله ثُمَّ يطوف بالقبر, يقولها بلسانه ثُمَّ ينقضها بأفعاله, يقول لا إله إِلَّا الله ثُمَّ يا عبد القادر الجيلاني, يا دسوقي, مدد يا دسوقي, مدد يا بدوي, يا ابن علوان أعطني أغثني, يا رسول الله فرج كربتي, وهو يقول: لا إله إِلَّا الله, يقولها بلسان وينقضها بأفعاله؛ لِأَنَّهُ ما يعرف معناها.

يقول لا إله إِلَّا الله، ثُمَّ ينذر لصاحب القبر, يقول لا إله إِلَّا الله ثُمَّ يطوف بقبره, يقول لا إله إِلَّا الله ثُمَّ يذبح له, حَتَّى كثير من الحجاج يأتون وهم مشركون, بَعْض الحجاج يكون في الحج يقول: كلنا نذبح للبدوي وكلنا نذبح كذا ما في أحد منا يأتي إِلَّا ويذبح, يعني المقصد الغالب عَلَى المشركين, فإذا قلت له: كيف؟ قال: لَابُدَّ  علي ذبيحة لأهل الله, هذا يقول بَعْض المصريين الذين يعبدون البدوي, يقول: علي ذبيحة لأهل الله, كيف عليك ذبيحة لأهل الله؟ قال: هؤلاء صالحين لَابُدَّ أن أذبح لهم, علي ذبيحة لأهل الله, ولو في الشهر مرة يقول لَابُدَّ, بعضهم ولو في السنة مرة, هذا الشرك بعينه, والشياطين تغريهم وتشجعهم بالشرك, حَتَّى قال بعضهم يقول: إني أردت أن أترك الذبح للسيد البدوي, فلما نمت في الليل جاءني فحل كبير فاتح فمه يريد أن يأكلني, فلما أصبحت جئت وذبحت للسيد البدوي, هكذا الشياطين والعياذ بالله تتسلط عليهم {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُون}[النحل/100].

فالمقصود أن التوحيد عزيز, من الَّذِي يوحد الله؟ الَّذِي يوحد الله هُوَ الَّذِي يخلص جميع أنواع العبادة لله, لا صلاة إِلَّا لله,، لا ركوع إِلَّا لله, لا سجود إِلَّا لله, لا ذبح إِلَّا لله, لا نذر إِلَّا لله, لا دعاء إِلَّا لله, لا طواف إِلَّا ببيت الله تقربًا إِلى الله, وهكذا جميع أنواع العبادة, هذا هُوَ التوحيد.

قارئ المتن:

إذا عرفت ما ذكرت لك معرفة قلب، وعرفت الشرك بالله الذي قال الله فيه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}[النساء/48].

وعرفت دين الله الذي أرسل به الرسل من أولهم إلى آخرهم، الذي لا يقبل الله من أحد دينًا سواه، وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا أفادك فائدتين:

الأولى: الفرح بفضل الله ورحمته، كما قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون}[يونس/58].

وأفادك أَيْضًا: الخوف العظيم، فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه، وقد يقولها - وهو جاهل - فلا يعذر بالجهل، وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله – كما كان يظن المشركون -، خصوصا إن ألهمك الله تعالى ما قص عن قوم موسى عليه السلام مع صلاحهم وعلمهم أنهم أتوه قائلين: {اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}[الأعراف/138]. فحينئذ يعظم خوفك، وحرصك على ما يخلصك من هذا وأمثاله.

شرح الشيخ:

المؤلف رحمه الله يقول: إذا عرفت هذا, عرفت التوحيد وعرفت الشرك وعرفت أن التوحيد هُوَ دين الله, ودين الرسل جميعًا من أولهم إِلَى آخرهم, وهو إفراد الله بالعبادة, وعرفت أن الشرك إذا وقع فيه الإنسان في الشرك الأكبر فإن الله لا يغفره, وإذا لقي الله به فإنه يخلد في النَّار يوم القيامة, ويكون آيس من رحمة الله ولا حيلة في نجاته, حَتَّى ولو أراد أن يفتدي بملء الأرض ذهبًا ما قبل منه, إذا مات عَلَى الشرك وهو يدعو غير الله, ويذبح لغير الله وينذر لغير الله, من لقي الله بالشرك فإنه لا يغفر له, وهو آيس من رحمة الله وهو مخلد في النَّار والعياذ بالله, وأعماله كلها حاطبة.

إذا فعل الإنسان الشرك بطلت الصَّلَاة والصوم والزَّكَاة والحج كلها تكون هباءً منثورًا {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا}[الفرقان/23].

والْجَنَّة عليه حرام, قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار}[المائدة/72].

إذا عرفت أن هذا الشرك عظيم, أمره عظيم، وأن من يموت عَلَى الشرك هذه حاله, أعماله حابطة، ولا يغفر هذا الشرك, وهو مخلد في النَّار، وهو آيس من رحمة الله, ولا يستطيع أحد أن يخلصه من عذاب الله, ولا يقبل فيه أي فدية, ما في حيلة, لا حيلة فيه.

لا حيلة فيه، ولا يمكن أن يشفع فيه {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِين}[المدثر/48]، وعرفت أن التوحيد هُوَ دين الرسل من أولهم إِلَى آخرهم, عرفت أن التوحيد هُوَ إفراد الله بالعبادة, وهو دين الرسل من أولهم إِلَى آخرهم, وعرفت الشرك وأن أمره عظيم, ثُمَّ  علمت أن الله من عليك بهذا التوحيد, وأن الله خلصك من هذا الشرك وأنت موحد لله, لا تدعوا إِلَّا الله ولا تذبح إِلَّا لله, ولا تنذر إِلَّا لله ولا تصلي إِلَّا لله, أفادك فائدتين:

الفائدة الأولى: الفرح بفضل الله ورحمته, تفرح أن الله وفقك للتوحيد, وأن الله وفقك لدين الإسلام، ولم يجعلك مثل هؤلاء المشركين الذين يذبحون، وينذرون ويستغيثون بغير الله, ولم يجعلك من المنافقين، ولا من اليهود، ولا من النصارى, ولا من الوثنيين؛ بَلْ جعلك مسلمًا موحدًا, تفرح بفضل الله, الفرح بفضل الله وبرحمته، كما قال سبحانه: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون}[يونس/58].

هذا الفرح بفضل الله ورحمته، تفرح أن الله وفقك للإسلام, أن الله وفقك للتوحيد, أن الله علمك الْقُرْآن, أن الله وفقك للعمل الصالح, تفرح بهذا, هذا الفرح المحمود, إذًا الفرح فرحان:

فرح محمود الفرح بفضل الله ورحمته وتوفيقه.

 والفرح الثاني: فرح مذموم وهو فرح الأشر والبطر, كما قال الله تعالى عن قارون أَنَّهُ قال له قومه: {لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِين}[القصص/76].

وقال عن أهل النَّار: {ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُون (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِين}[غافر/75-76]، هذا فرح الأشر والبطر.

والفائدة الثانية: الخوف العظيم عَلَى نفسك أن تقع في الشرك، وأن تزل بك القدم، كما زل غيرك, يفيدك أن تحذر، تحذر من الوقوع في الشرك, قد  تقع في الشرك وأنت ما تعلم, إذًا تحذر, احذر وابحث عن الشرك ووسائله وذرائعه المفضية إليه, وتعلمها حَتَّى لا تقع فيها, قال حذيفة رضي الله عنه، كما في صحيح البخاري: «كان النَّاس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني» بأن تحذر يفيد الإنسان الحذر والخوف؛ لِأَنَّ الإنسان قد تزل به القدم, قد يتكلم بكلمة فيخرج من دين الإسلام, قد يسب الله, أو يسب الرَّسُوْل، أو يسب الدين, أحد الإخوان بَعْض الإخوان يسألوني يقولون: عندنا في بلدنا يسبون الله ويسبون الدين, إذا غضب الواحد سب الله وسب الدين, وهذه عادة لهم والعياذ بالله, هل هذا يعذر بالجهل؟ وهذه ردة عن الإسلام بإجماع المسلمين نعوذ بالله, ولا في جهل هنا, في أحد يجهل ربه, يقول: إذا غضب سب الله, وإذا أغضبه أحد سب الله وسب الدين وسب الإسلام نعوذ بالله, يقول: هذه عادة في بلدنا نعوذ بالله.

هؤلاء لو كان عندكم من يحكم الشريعة تقطع رقابهم, الحاكم يقتل ولا يستتاب, من سب الله أو سب الرَّسُوْل أو سب الدين لا يستتاب عَلَى الصحيح, ولو استتاب في الدنيا ما تقبل توبته, لكن في الآخرة بينه وبين الله، الله تعالى يقبل توبة الصادقين, لكن في الدنيا لَابُدَّ من قطع رقبته عَلَى الصحيح؛ حَتَّى لا يتجرأ النَّاس عَلَى هذا الكفر الغليظ، كفر غليظ هذا.

من سب الله أو سب الرَّسُوْل أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله, يقول: عندنا في بلدنا يسبون الله ويسبون الرَّسُوْل إذا غضبوا, إذا أغضبه أحد سب الله, نعوذ بالله هذا كفر وردة, فأنت تحذر هذه الفائدة, احذر أن تزل بك القدم، فتقع في الشرك مثل هؤلاء الذين يسبون الله ويسبون الرَّسُوْل, تزل بك القدم فتتكلم بكلمة تخرجها من لسانك وقد لا تعذر بها كهؤلاء, ومثل الذين خرجوا مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك, كفروا بكلمة كلمة، قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء, يعنون الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء, فنزلت الآية: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُون (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[التوبة/65-66].

أثبت لهم الكفر بعد الإيمان، ولم يقبل عذرهم {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، إذًا احذر.

الفائدة الثانية: أن تخاف عَلَى نفسك، وتحذر من الشرك, تحذر أن تزل بك القدم, تقع في الشرك شرك بالقول أو شرك بالفعل, أو شرك بالاعتقاد, أو شرك بالشك, إذا شك الإنسان في الله أو في ربوبيته, أو في أسمائه أو في صفاته, أو في الملائكة, أو في الْجَنَّة أو في النَّار, أو اعتقد أن مع الله مدبر مع الله, أو اعتقد أن أحد يستحق العبادة غير الله, أشرك والعياذ بالله, وقع في الشرك؛ لِأَنَّ الأمر خطير, فأنت عليك أن تنتبه لهذين الأمرين:

الأمر الأول: أن تفرح بفضل الله وتوفيقه لك، حيث وفقك للدين الإسلام والتوحيد.

الأمر الثاني: الحذر والخوف الشديد أن تزل بك القدم, تحذر من الشرك، لا تقع في الشرك, سواء كان شركًا قوليًا أو فعليًا أو اعتقاديًا أو شك, نسأل الله السلامة والعافية.

قارئ المتن:

واعلم أنه الله سبحانه من حكمته لم يبعث نبيا بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء، كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون}[الأنعام/112].

وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج، كما قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ}[غافر/83]، إذا عرفت ذلك، وعرفت أن الطريق إلى الله لابد له من أعداء قاعدين عليه، أهل فصاحة وعلم وحجج، فالواجب عليك أن تتعلم من دين الله ما يصير لك سلاحا تقاتل به هؤلاء الشياطين الذين قال إمامهم، ومقدمهم لربك عز وجل: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيم  (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِين}[الأعراف/16-17].

شرح الشيخ:

يقول المؤلف رحمه الله: هذا التوحيد الَّذِي بعث الله به الرسل ما بعث الله نبيًا إِلَّا جعل له أعداء, أعداء شياطين يضلون النَّاس، ويقفون في طريق الرسل وهم المشركون, كل نبي كل رسول من الرسل وقف هؤلاء الشياطين في طريقهم مثل نوح وقف الشياطين, وهؤلاء الكفار كلهم يضلون النَّاس, ويمنعون النَّاس, ويصدون النَّاس عن التوحيد، وعن دين الإسلام, وكذلك هود بعثه الله بالتوحيد، فوقف المشركون في طريق الإسلام, وكذلك صالح وشعيب وإبراهيم ولوط وموسى وعيسى، ونَبِيّنا محمد صلى الله عليه وسلم, وقف المشركون وعادوه وحاربوه وقاتلوه, وطاردوه, كل هؤلاء إذًا طريق الإسلام ليس طريقًا مفروش بالورود لا, في أعداء قاعدون له بالمرصاد يصدون النَّاس عن دين الله, ومقدمهم إبليس, إبليس الَّذِي طلب الإنذار من الله, قال:

{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 79 - 83].

حلف أَنَّهُ يبذل جهده في إغوائهم, وفي الآية الأخرى قال: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيم (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِين}[الأعراف/16-17].

هذا مقدمهم وهم عَلَى طريقه وخلفه يمشون وراءه عَلَى إثره, إذًا طريق الإسلام أو طريق الحق ليس طريقًا مفروشًا بالورود؛ بَلْ فيه متاعب ومصاعب, وَلَابُدَّ من الإنسان من الصبر, وَلَابُدَّ من جهاد الأعداء, جهادهم بالحجة والبيان, كما أن الكفار يجاهدون ويقاتلون بالسيف والسنان, فكذلك الأعداء الذين يضلوا النَّاس يجاهدون بالحجة والبيان, وقد يكون لهؤلاء الأعداء عندهم حجج وعلوم, عندهم حجج وشبه, يشبهون عَلَى النَّاس, ولهم مؤلفات كما هُوَ الواقع, وكما أخبرنا ربنا قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون}[غافر/83].

إذًا عندهم بَعْض العلوم, علوم لكنها علوم ضلال, ولما بعث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم معاذًا إِلَى اليمن, قال له: «إنك تأتي قومًا أهل كتاب» يعني استعد لمناظرتهم ليسوا جهال, أهل كتاب عندهم حجج, وشبه.

«إنك تأتي قومًا أهل كتاب فليكن أول ما تدعوا إليه شهادة ألا إله إِلَّا الله» إذًا المشركون عندهم شبه, ولا يزال المشركون في كل زمان يقفون في طريق الدعوة في طريق الإسلام, ويشبهون عَلَى النَّاس, فتجد الآن في هناك مؤلفات كثيرة للقبوريين, مؤلفات كثيرة مؤلفات يصدون بها النَّاس عن دين الله, ويقول: إن الدعاء دعاء الصالحين ليس شركًا؛ هذه محبة للصالحين,  انظر إِلَى فشوف الشبه هذا تشفع, نحن الآن نعلم أنهم لا يخلقون ولا يرزقون, وسيأتي المؤلف رحمه الله ببعض الشبه.

هؤلاء لهم وجاهة عند الله, نحن نسألهم من الوجاهة الَّتِي أعطاهم الله {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِير}[الشورى/22]. نحن نعلم أنهم لا يضرون ولا ينفعون ولا يخلقون ولا يرزقون ولا يميتون ولا يحيون, هذا كله بيد الله, لكن لهم وجاهة عند الله نريد منهم أن يتقربوا أن يوصلوا ينقلوا حوائجنا إِلَى الله, ويشفعون لنا عند الله, هذه هي شبهة المشركين.

فهؤلاء يشبهون عَلَى النَّاس لهم مؤلفات الآن, وأَيْضًا يلقون محاضرات وندوات, يؤلفون الكتب الآن, عندهم شبه يحسنون بها الشرك ويزينون الشرك ويقولون: إن دعاء الصالحين والذبح لهم والنذر لهم ليس بشرك, هذا تشفع ومحبة للصالحين وهذا إعطاء للصالحين حقهم, ومن يدعوا إِلَى التوحيد يقولون: هذا يبغض الصالحين, هذا ينقص الصالحين حقهم هذا لا يحب الرَّسُوْل إذا نهيتهم عن الشرك وقلت لا تعبدوا الرَّسُوْل لا تصرفوا له العبادة, لا تدعوا الرَّسُوْل من دون الله قالوا: هذا لا يحب الرَّسُوْل, هذا يبغض الرَّسُوْل, هذا لا يحب الصالحين, هذا ينقصهم حقهم وهكذا, هذه من الشبه.

المؤلف رحمه الله يقول: اعلم أن لهم شبه، وعندهم شبه يشبهون بها عَلَى النَّاس، وأدلة يلبسون بها ويستدلون بها عَلَى غير وجهها, فلتكن عَلَى حذر من هؤلاء المشركين.

قارئ المتن:

ولكن إذا أقبلت على الله تعالى، وأصغيت إلى حججه، وبيناته فلا تخف، ولا تحزن {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}[النساء/76].

شرح الشيخ:

 نعم هذه بشرى يقول: إذا أقبلت عَلَى الله بصدق وإخلاص والتجأت إِلَى الله, وتوكلت عليه، واعتمدت عليه في أن يوفقك ويهدي قلبك، وينصرك عَلَى هؤلاء المشركين، فلا تخف ولا تحزن, فأنت موعود بالنصر, استقم عَلَى طاعة الله, وعَلَى توحيد الله وإخلاص الدين له, وابذل جهدك، والله تعالى يوفقك لا تخف, لا تخف فإن المؤمن موعود بالنصر, المؤمنون وعدهم الله بالنصر{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَاد}[غافر/51]، {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُون}[النحل/128].

أنت موعود بالنصر {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين}[القصص/83]. العاقبة لعباد الله، فأبشر بالخير ولا تخف ما دمت أنك قد بذلت جهدك، وأخلصت عملك لله، وعلم الله من نيتك الصدق، فلا تخف، فإن كيد الشيطان ضعيف{إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}[النساء/76].

 والعامي من الموحدين يغلب ألفًا من المشركين, العامي الواحد يغلب ألف من المشركين, {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}[النساء/76].

قارئ المتن:

والعامي من الموحدين يغلب ألفًا من علماء هؤلاء المشركين، كما قال تعالى: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون}[الصافات/173]، فجند الله تعالى هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان.

شرح الشيخ:

نعم هذه بشارة من الله تعالى: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون}[الصافات/173]، وقال سبحانه: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين}[القصص/83]، {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَاد}[غافر/51].

فجند الله هم الغالبون بالسيف والسنان في جهاد الكفار, وهم الغالبون بالحجة والبيان في الرد عَلَى المشركين والمشبهين وأهل البدع, فهم منصورون, وإن جندنا لهم الغالبون، وإنهم لهم المنصورون، يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا}، يقول الله تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِين (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُون (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون}[الصافات/172-173].

هذا وعد من الله, ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون، فأبشر بالخير ما دمت أنك بذلت وسعك في معرفة الحق والدعوة إليه, فأنت موعود بالنصر فلا تحزن؛ لِأَنَّ هؤلاء المشركين كل شبههم باطلة واضحة لكل أحد, حَتَّى إن العامي يغلبهم ويغلب ألفًا منهم, العامي الموحد يعرف الدَّلِيل يعرف الأدلة العامة، كما سيبين المؤلف رحمه الله في الرد عَلَى شبه المشركين، وأن هناك أدلة مجملة يعرفها كل أحد, وأدلة تفصيلية يعرفها العلماء.

قارئ المتن:

وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق، وليس معه سلاح, وقد من الله تعالى علينا بكتابه الذي جعله {تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين}[النحل/89].

شرح الشيخ:

 نعم الخوف عَلَى المؤمن الَّذِي يدخل معركة بدون سلاح، هذا هُوَ الَّذِي يخاف عليه, كما أن الَّذِي يقاتل الكفار بدون سلاح هذا يخاف عليه, لكن إذا كان عنده سلاح، ويدافع عن نفسه، ويقاتل ليس عليه خوف, كذلك المتعلم إذا لم يكن عنده حجة، ما عنده سلاح, السلاح كلام الله، وكلام رسوله حجة, إذا لم يكن عنده دليل من كتاب، ولا سنة رسوله غلبه أهل البدع, أَمَّا إذا دخل المعركة مع هؤلاء بالسلاح معه الأدلة من الكتاب والسنة، فَهُوَ منصور وهو الغالب.

قارئ المتن:

فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها، ويبين بطلانها، كما قال تعالى: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}[الفرقان/33].

قال بعض المفسرين: ''هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة.

شرح الشيخ:

الله أكبر هذه الآية {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}[الفرقان/33].

هذه الآية يقول المفسرون عامة إِلَى يوم القيامة, لا يأتي مبطل بشبهة إِلَّا وفي الْقُرْآن ما يكشفها ويزيلها.

قارئ المتن:

وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله تعالى في كتابه جوابا لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا, فنقول: جواب أهل الباطل من طريقين: مجمل، ومفصل.

أما المجمل فَهُوَ: الأمر العظيم، والفائدة الكبيرة لمن عقلها، وذلك قوله تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَاب}[آل عمران/7].

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ويتركون المحكم فأولئك الذين سمى الله في كتابه فاحذروهم».

مثال ذلك: إذا قال لك بعض المشركين: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون}[يونس/62].

وأن الشفاعة حق، وأن الأنبياء لهم جاه عند الله، أو ذكر كلاما للنبي صلى الله عليه وسلم يستدل به على شيء من باطله، وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره، فجاوبه بقولك: إن الله تعالى ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم، ويتبعون المتشابه، وما ذكرته لك من أن الله تعالى ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية، وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة، والأنبياء، والأولياء مع قولهم {هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ}[يونس/18]، هذا أمر محكم بين لا يقدر أحد أن يغير معناه، وما ذكرت لي أيها المشرك من القرآن، أو كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا أعرف معناه، ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله تعالى، وهذا جواب جيد سديد، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله تعالى، فلا تستهن به؛ فإنه كما قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيم}[فصلت/35].

شرح الشيخ:

هذا جواب عظيم هذا الجواب المجمل, الجواب المجمل للمشركين هُوَ أنك إذا قال لك المشرك: الشفاعة حق, هل أتنكر الشفاعة؟ الرَّسُوْل هُوَ الشافع المشفع في المحشر, أنا أطلب من الرَّسُوْل أطلب منه الشفاعة, أعطاه الله الشفاعة, هل تنكر الشفاعة؟ أن أطلب من الصالحين, الصالحين لهم حق لهم جاه عند الله, {لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ}[الزمر/34]، {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون}[يونس/62].

أتنكر هذا؟ هؤلاء الصالحين لهم جاه, أنا أطلبهم للجاه الَّذِي أعطاهم الله, أطلب من الرَّسُوْل الشفاعة, الرَّسُوْل هُوَ الشافع المشفع في المحشر, ماذا تقول؟

الجواب المجمل أن نقول: الله سبحانه وتعالى بين في كتابه أن المشركين يقرون بتوحيد الربوبية, وأن شركهم في توحيد الألوهية, وأنهم إِنَّمَا وقعوا في الشرك، وقاتلهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم وأموالهم؛ لِأَنَّهُم يدعون غير الله ويذبحون لغير الله, وينذرون لغير الله, ويطلبون الشفاعة من غير الله, فلذلك كفرهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم وأموالهم، وهذا أمر محقق, لا إشكال فيه, أمر محقق لا إشكال فيه واضح لا إشكال فيه, أَمَّا الَّذِي ذكرته لي فهذا مشتبه, هذا أمر مشتبه ولا أعلم معناه,، والله أخبرنا أن أهل الزيغ الذين في قلوبهم زيغ يأخذون بالمتشابه ويتركون المحكم, لمَ لا تترك المتشابه الَّذِي ذكرت لك، وتأخذ بالاشتباه أنت في قلبك زيغ, قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ}[آل عمران/7]. لماذا تأخذ بهذا وتقول: الرَّسُوْل له شفاعة أنا أطلب منه، وتترك النصوص الواضحة؟

{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُون}[الزخرف/87].

{قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُون}[المؤمنون/84-85]، ثم بين الله أن الشرك{أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}[الإسراء/57].

{وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوب}[المائدة/116].

{وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران/80]، أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب، هذه نصوص واضحة في أن المشركين يقرون بتوحيد الربوبية، وأن شركهم إِنَّمَا هُوَ في توحيد الألوهية, هذه نصوص محكمة واضحة لا لبس فيها, فأنت تترك هذه النصوص المحكمة، وتأتي بالمتشابه؟ بأمر مشتبه، إذًا في قلبك زيغ, والله تعالى أخبرنا أن الَّذِي في قلبه زيغ يتبع المتشابه ويترك المحكم.

وقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الَّذِي رواه الإمام مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سم الله فاحذروهم» فأنت من أهل الزيغ, هذا جواب إجمالي, جواب يقول المؤلف رحمه الله لا تستهن به, فإنه كما قال الله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيم}[فصلت/35].

ما يوفق إِلَى هذا الجواب إِلَّا أصحاب الحظوظ العظيمة, فاحفظ هذا الجواب, احفظه ولا تستهن به, وهذا صالح لكل أحد, للعامي والعالم والكبير والصغير, سلاح تقاتل به هؤلاء المشركين, خذ هذا السلاح واحفظه وتأمله, وتدبره, سيأتي السلاح الثاني المفصل لأهل العلم.

قارئ المتن:

وأما الجواب المفصل فإن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل يصدون بها الناس عنه، منها قولهم: نحن لا نشرك بالله شيئًا، بل نشهد أنه لا يخلق، ولا يرزق، ولا ينفع، ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعًا، ولا ضرًا، فضلاً عن عبد القادر، أو غيره. ولكن أنا مذنب.

والصالحون لهم جاه عند الله، وأطلب من الله بهم. فجاوبه بما تقدم، وهو أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون بما ذكرت لي أيها المبطل، ومقرون أن أوثانهم لا تدبر شيئا، وإنما أرادوا ممن قصدوا الجاه والشفاعة، واقرا عليه ما ذكر الله في كتابه، ووضحه.

شرح الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنا محمد وعَلَى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بعد: ...

سبق الجواب الإجمالي وهذا الجواب المفصل, والجواب المفصل عبارة عن سلسلة من الشبهات أسئلة متعددة يجيب المؤلف عليها واحدًا بعد الآخر.

الشبهة الأولى: هُوَ أن المشرك يقول: أنا أشهد أن لا إله إِلَّا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, ولا أشرك بالله شيئًا, وأقر بأن الله هُوَ الخالق الرازق المدبر المحيي المميت, وأقر أن الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا, فضلاً عن أصحاب القبور وغيرهم, لكني أنا مذنب، وأطلب من الله بهم بجاههم أطلب الوجاهة فقط, فكيف تجعلون مثل المشركين؟ المشركين ما يشهدون أن لا إله إِلَّا الله, ولا يشهدوا أن محمدًا رسول الله, أنا أشهد ألا إله إِلَّا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله, وأعتقد أن الرَّسُوْل لا يضر ولا ينفع وأن الَّذِي يضر وينفع هُوَ الله, لكن أنا مذنب، وأنا أريد الجاه من الصالحين, أريد الشفاعة والجاه.

فجوابه نقول: هذه المقالة هي مقالة المشركين الذين يعبدون الأصنام والأوثان, الذين كفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 يقولون: هم مقرون بما أقررت به, هم يقولون: نعتقد أن الله هُوَ الخالق الرازق المدبر المحيي المميت, وأنه لا ينفع ولا يضر إِلَّا الله, لكن نريد منهم القربة والشفاعة, واقرأ عليه قول الله تعالى: ما نعبدهم يعني قائلين {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ} يعني قائلين{ما نعبدهم إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر/3]، بس

وإِلَّا لا أعتقد أنهم لا يخلقون ولا يرزقون{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ}[يونس/18].

 إذًا هذه الشبهة هي شبهة المشركين, والجواب هُوَ الجواب, فنقول: إن المشركين يعتقدون ما تعتقد، ويطلبون القربة والشفاعة, فكفرهم الله وسماهم مشركين، وقاتلهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، واستحل دمائهم وأموالهم بهذه المقالة، أو بهذا الطلب الَّذِي تطلبه أنت, تطلب القربة والجاه والشفاعة، وهم يطلقون القربة والجاه والشفاعة.

قارئ المتن:

فإن قال إن هؤلاء: الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام، كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام؟! أم كيف تجعلون الأنبياء أصناما؟! فجوابه بما تقدَّم.

شرح الشيخ:

هذا الجواب الثاني إذا قال مثلًا: هذه الآيات نزلت فيمن يعبدون الأصنام والأوثان, يعبدون اللات والعزى, ونحن الآن نطلب من الأنبياء والصالحين, كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام والأوثان؟ كيف تجعلون الأنبياء مثلهم؟

فالجواب: أن الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عباداتهم متنوعة, منهم من يعبد الأصنام والأوثان, ومنهم من يعبد المسيح، ومنهم من يعبد الملائكة, ومنهم من يعبد الشمس, ومنهم من يعبد القمر, ومنهم من يعبد الكواكب, وكلهم كفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستحل دماءهم وأموالهم وسماهم مشركين.

لم يفرق بينهم؛ لِأَنَّ العبادة حق الله لا تصرف لا لصالح ولا لصنم ولا لملك ولا لغيره, حق الله مختص به وهو العبادة, والدعاء عبادة والذبح عبادة والنذر عبادة, والصلاة عبادة لا تصرف إِلَّا لله.

قارئ المتن:

فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله، وأنهم ما أرادوا ممن ما قصدوا إلا الشفاعة، ولكن أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكر، فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام، ومنهم من يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}[الإسراء/57].

ويدعون عيسى بن مريم، وأمه، وقد قال الله تعالى: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُون (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم}[المائدة/75-76].

واذكر له قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُون (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُون}[سبأ/40-41].

وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوب}[المائدة/116].

فقل له: أعرفت أن الله كفر من قصد الأصنام، وكفر أيضًا من قصد الصالحين، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شرح الشيخ:

نعم هذه الشبهة إذا أراد أن يفرق بين المشركين المتأخرين، وبين المشركين في زمن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بأن المشركين الأوائل يعبدون الأصنام والأوثان, وبأنه هُوَ يدعو الصالحين والأنبياء، فقل له: إن المشركين الأوائل معبوداتهم أنواع, منهم من يعبد الأصنام والأوثان, ومنهم من يعبد الصالحين, ومنهم من يدعو الصالحين, ومنهم من يدعو المسيح عليه السلام وأمه, ومنهم من يدعو الملائكة, ومنهم من يدعو الكواكب وغيرها.

فكلهم فعبادتهم متنوعة, بَعْض المشركين يعبدون مثل ما تعبد أنت يدعون يريدون من الصالحين, فكفرهم الله تعالى ولم يفرق بينهم, وكفرهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

قال في الأصنام: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى}[النجم/21].

وقال في الصالحين: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}[الإسراء/57].

وقال في المسيح: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُون}[المائدة/75].

{وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ}[المائدة/116].

وقال في الملائكة: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُون (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُون}[سبأ/40-41].

 إذًا فمن دعا غير الله فَهُوَ مشرك سواء دعا نبينًا أو وليًا أو صالحًا أو ملكًا أو شجرًا أو حجرًا الحكم واحد, من صرف حق الله لغيره فَهُوَ مشرك, إذًا نقول: لا فرق بينك وبين المشركين, ما في فرق, المشركين تقول: أنهم يبعدون الأصنام, نقول: بعضهم يعبد الأصنام، وبعضهم يدعوا الصالحين, وبعضهم يدعوا الملائكة, وبعضهم يدعوا المسيح, وبعضهم يدعوا أمه, ومع ذلك كلهم كفرهم الله, وكفرهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، واستحل دماءهم وأموالهم.

قارئ المتن:

فإن قال الكفار يريدون منهم، وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر، لا أريد إلا منه، والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم.

فالجواب: أن هذا قول الكفار سواء بسواء.

شرح الشيخ:

 نعم إذا قال: أنا أعتقد أن الله هُوَ النافع والضار، وأعتقد أن الصالحين ليس لهم من الأمر شيء, إِلَّا أني أريد الجاه والقربة والشافعة فقط, نقول له: هذه مقالة المشركين سواء بسواء, كما قال الله: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ}[يونس/18]، {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر/3].

مقالتك هي مقالة المشركين, هؤلاء المشركون يريدون الجاه والقربة لا يريدون النفع ولا الضر, يعتقدون أنهم لا ينفعون ولا يضرون, لكن يقولون: هؤلاء يقربونا إِلَى الله وينقلون حوائجنا إِلَى الله ويشفعون لنا عند الله, فمقالتك المشركين كمقالتهم سواء بسواء.

قارئ المتن:

فالجواب: أن هذا قول الكفار سواء بسواء، واقرأ عليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر/3].

شرح الشيخ:

قولهم: ما نعبده مع التقدير قائلين, قائلين: ما نعبدهم.

قارئ المتن:

وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ}[يونس/18]، واعلم أن هذه الشبه الثلاث هي أكبر ما عندهم.

شرح الشيخ،

نعم، هذه الشبه الثلاث المتوالية الَّتِي ذكرها المؤلف رحمه الله في الجواب التفصيلي هذه أكبر شبههم, فإذا سقطت هذه الشبه سقط ما عداها, إذا بطلت هذه الشبه بطل ما عداها.

نعم، وهو أنه يقول الخلاصة: أَنَّهُ يقول: في فرق بيننا وبين المشركين, المشركون يعبدون الأصنام والأوثان, ولا يعترفون بنبوة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, ولا يشهدون أن لا إله إِلَّا الله, أنا أشهد أن لا إله إِلَّا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله, وأصلي وأصوم، كيف تجعلني مثل المشركين؟ المشركين يعادون الرَّسُوْل، وأنا ما أعاديه, المشركون لا يشهدون أن لا إله إِلَّا الله, وأنا أشهد أن لا إله إِلَّا الله, المشركون لا يشهدون أن محمدًا رسول الله, وأنا أشهد أن محمدًا رسول الله, المشركون لا يصلون، وأنا أصلي كيف تجعلني مثلهم؟

نقول: نعم, ما تنفعك صلاتك ولا صيامك ولا شهادتك إذا كنت تدعوا غير الله, تبطل الصَّلَاة والشهادة {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا}[الفرقان/23].

{وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون}[الأنعام/88].

{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين}[الزمر/65].

الشرك يحبط العمل هذا شرك, تطلب الجاه منهم تدعوهم من دون الله,، تذبح لهم, تطلب الجاه هذا هُوَ الشرك, وإذا فعلت في الشرك لا فرق بينك وبين الوثني صرت وثنيًا الآن, والصلاة والصيام ما تنفع مع الشرك, الصَّلَاة والصيام والإقرار بالوحدانية ما ينفع يطبل, يبطله الشرك, مثل الإنسان إذا توضأ وأحسن الوضوء، وتطهر وأحسن الطهارة، ثُمَّ خرج منه بول أو غائط أو ريح, هل تبقى الوضوء والطهارة أم لا تبقى؟ لا تبقى, شخص تطهر وأحسن الطهارة, وتوضأ وأحسن الوضوء، ثُمَّ خرج منه بول أو غائط أو ريح تبقى الطهارة أم لا تبقى؟ أين راحت؟ بطلت.

كذلك الشخص الذي يقول: أشهد أن لا إله إِلَّا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ويصلي ويصوم، ثُمَّ سب الله, أو سب الدين, أو سب الرَّسُوْل, أو ذبح لغير الله, أو دعا غير الله, بطل التوحيد, انتهى التوحيد, زال التوحيد وحل محله الشرك.

قارئ المتن:

واعلم أن هذه الشبه الثلاث هي أكبر ما عندهم، فإذا عرفت أن الله وضحها لنا في كتابه، وفهمتها فهمًا جيدا فما بعدها أيسر منها.

فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله، وهذا الالتجاء إِلَى الصالحين، ودعاؤهم ليس بعبادة, فقل له: أنت تقر أن الله فرض عليك إخلاص العبادة لله وهو حقه عليك. فإذا قال: نعم, فقل له: بين لي هذا الذي فرض الله عليك، وهو إخلاص العبادة لله وحده، وهو حقه عليك؛ فإن كان لا يعرف العبادة، ولا أنواعها فبينها له بقولك: قال الله تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين}[الأعراف/55].

فإذا أعلمته بهذا فقل له: هل علمت هذا عبادة لله تعالى؟ فلابد أن يقول: نعم، والدعاء مخ العبادة, فقل له: إذا أقررت أنها عبادة، ودعوت الله ليلاً ونهارًا، خوفًا وطمعًا، ثم دعوت في تلك الحاجة نبيًا، أو غيره، هل أشركت في عبادة الله غيره؟ فلابد أن يقول: نعم.

فقل له إذا علمت بقول الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر}[الكوثر/2]، وأطعت الله ونحرت له، هل هذا عبادة؟ فلابد أن يقول: نعم، فقل له: إذا نحرت لمخلوق: نبي أو جني أو غيرهما، هل أشركت في هذه العبادة غير الله؟ فلابد أن يقر ويقول: نعم.

شرح الشيخ:

هذه الشبهة يقول: أنا أشهد ألا إله إِلَّا الله، وأوحد الله ولا أشرك بالله, لكن دعاء الصالحين ليس بشرك, دعاؤهم ليس بشرك, هذه محبة كما يقول المبتدعة, محبة وتشفع بالصالحين, هذا ليس بشرك أنا أدعوهم أطلب حوائجي هذا ليس بشرك, ماذا الجواب؟

الجواب تقول له: ألست بمسلم؟ ألا تعتقد أن حق الله هُوَ إخلاص العبادة له؟ فيقول: بلى, الله تعالى ما هُوَ حقه؟ أن تخلص له العبادة, فيقول: نعم صحيح الله حقه الإخلاص, لكن هذا ما هُوَ بعبادة.

نقول له: ما هي العبادة؟ فسر لنا العبادة، فسرها لي؟ فإذا لم يعرفها تعلمه بالعبادة, هُوَ أن الدعاء عبادة والنذر عبادة وبر الوالدين عبادة وصلة الرحم عبادة, والله تعالى قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون}[الذاريات/56].

الدَّلِيل عَلَى أن الدعاء عبادة: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين}[الأعراف/55].

إذًا أمر الله بالدعاء, إذًا الدعاء عبادة، فإذا دعوت الله ليلاً ونهارًا، ثُمَّ دعوت مرة واحدة دعوت الرَّسُوْل, قلت: يا رسول الله اشفع لي, أو يا عبد القادر ألا تكون أشركت؟ صرفت الدعاء لغير الله أو لا؟ فيقول: نعم, إذًا نقول: هذا الشرك بعينه.

أنت تقول: أنا ما أشرك بالله, الالتجاء إِلَى الصالحين ودعاء الصالحين ما هُوَ بشرك, نص القرآن{ادْعُواْ رَبَّكُمْ} أمر, ادعوا ربكم, إذًا العبادة هي امتثال الأمر, فإذا دعوت الله ليلاً ونهارًا، ثُمَّ دعوت نبيًا أو ملكًا أو جنيًا أو شجرًا معناه أشركت بالله، صرفت العبادة لغير الله.

وتقول له: قال الله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر}[الكوثر/2]، الصَّلَاة عبادة، والذبح عبادة أليس كذلك؟ لِأَنَّ الله أمر بالصلاة والذبح, صل لربك واذبح لربك انحر لربك, إذا ذبحت لله ثُمَّ ذبحت لنبي, تقربت إليه بالذبح لنبي أو جني أو شجر أو حجر ألا تكون صرفت العبادة لغير الله؟ فيقول: بلى, فبطل قوله أن هذا الالتجاء إِلَى الصالحين ودعاؤهم ليس بشرك.

قارئ المتن:

وقل له أَيْضًا: المشركون الذين نزل فيهم القرآن هل كانوا يعبدون الملائكة، والصالحين، واللات، وغير ذلك؟ فلابد أن يقول: نعم. فقل له: وهل كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء، والذبح، والالتجاء، ونحو ذلك؟ وإلا فهم مقرون أنهم عبيده، وتحت قهره، وأن الله هو الذي يدبر الأمر، ولكن دعوهم، والتجئوا إليهم للجاه والشفاعة، وهذا ظاهر جدًا.

شرح الشيخ:

وقل للمشركين الذين نزل فيهم الْقُرْآن أليس منهم من يعبد الأولياء والصالحين؟ فيقول: بلى, أليس منهم من يعبد المسيح؟ فيقول: بلى, أليس منهم من يعبد أمه؟ فيقول: بلى, أليس منهم يعبد الملائكة؟ فيقول: بلى؛ لِأَنَّ هذا في الْقُرْآن, الآيات {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ}[المائدة/116].

 {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُون}[المائدة/75].

وقال في الصالحين: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}[الإسراء/57]، هذا في الصالحين، وقال في الملائكة: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُون}[سبأ/40].

إذًا لماذا كانوا يعبدون الصالحين؟ لماذا يعبدون المسيح؟ هل يعتقدون أَنَّهُ يخلق أو يرزق أو يميت ويحيي؟ لا, يدعونه يطلبون القربة والجاه والشفاعة, يدعون المسيح يدعون الملائكة, يدعون الصالحين يطلبون القرب والجاه والشفاعة فكفرهم الله، وسماهم مشركين.

هذه سلسلة من الشبه سلسلة يأخذ بعضها بحجج بَعْض سلسلة من الشبه يعني يأتي بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ثُمَّ يكشفها بالحق, سماها " كشف الشبهات " كشف يكشف هذه الشبه ويزيلها.

قارئ المتن:

فإن قال أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها؟ فقل لا أنكرها، ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع، وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله، كما قال تعالى: {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}[الزمر/44].

ولا تكون إلا من بعد إذن الله، كما قال عز وجل: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}[البقرة/255].

ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما، قال عز وجل: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء/28].

 وهو لا يرضى إلا التوحيد، كما قال عز وجل: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ}[آل عمران/85].

فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن الله تعالى إلا لأهل التوحيد تبين لك أن الشفاعة كلها لله، فأطلبها منه سبحانه فأقول: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه في، وأمثال هذا.

شرح الشيخ:

 نعم، وهذه الشبهة يقول المشرك: هل تنكر شفاعة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؟ أليس الرَّسُوْل هُوَ الشافع المشفع في المحشر؟ تنكر؟ أنا أطلب الشافعة من الرَّسُوْل, والرَّسُوْل أعطاه الله الشفاعة.

فنقول له: لا ننكر أن الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم هُوَ الشافع المشفع في المحشر, ونسأل الله أن لا يحرمنا شفاعته, فنحن لا ننكر هذا نعتقد أن الرَّسُوْل هُوَ الشافع المشفع في المحشر, لكن الشفاعة ما تطلب من الرَّسُوْل تطلب من الله, كما قال الله تعالى: {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}[الزمر/44]، المالك لها هو الله،

والرَّسُوْل عليه الصلاة والسلام يشفعه الله ولا يشفعه إِلَّا بشرطين:

الشرط الأول: أن يأذن الله له.

الشرط الثاني: أن يحد الله له حدًا, يشفع فيه بالعلامة, كما قال تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}[البقرة/255]. هذا الإذن.

وقال سبحانه: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء/28].

فالرسول لا يشفع حَتَّى يأتي الإذن, ثُمَّ الإذن إِنَّمَا يكون فيمن يرضى الله قوله وعمله وهم الموحدون, {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء/28].

وثبت في الحديث الصحيح عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال يوم القيامة: «إني آتي يوم القيامة فأسجد تحت العرش» ما يبدأ بالشفاعة, ما أحد يقدر يشفع عند الله إِلَّا بعد الإذن, بخلاف الملوك في الدنيا والرؤساء والأمراء يأتي الواحد ويشفع بدون استئذان, أَمَّا الله فلا يستطيع أحد أن يشفع بدون إذن, ولو كان أعظم النَّاس وجاهة, نَبِيّنا صلى الله عليه وسلم أعظم النَّاس وجاهة عند الله، لكن ما يبدأ بالشفاعة, ماذا يبدأ؟ بالسجود, قال: يأتي عليه الصلاة والسلام، فيسجد تحت العرش, ويفتح الله عليه محامد لا يحسنها في دار الدنيا يحمد الله، فيتركه الله ما شاء، ثُمَّ يأتي الإذن من الرب سبحانه، فيقول: «يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفع» هذا الإذن «يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع واشفع تشفع» فيشفع فيقول: يا رب أمتي, يا رب اسألك أن تقضي بين عبادك, هذه الشفاعة العظمى, ويشفع في العصاة أربع مرات, يحد الله له حدًا بالعلامة, في العصاة الموحدين.

إذًا الشفاعة لَابُدَّ لها من شرطين:

  1. إذن الله للشافع.
  2. والرضى عن المشفوع له.

إذًا الله هُوَ الَّذِي يملك الشفاعة{قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}[الزمر/44].

فأنا لا أنكر أن الرَّسُوْل هُوَ الشافع والمشفع, لكن أنكر كونك تطلبها من الرَّسُوْل, اطلبها من الله, قل: يا الله شفع في نبيك, اللَّهُمَّ لا تحرمني شفاعة نبيك, ما تقول يا رسول الله اشفع لي, قل: يا الله شفع في نبيك, يا الله لا تحرمني شفاعة نبيك, وبهذا تبطل هذه الشبهة.

قارئ المتن: 

فإن قال: النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله، فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة، ونهاك عن هذا، فقال تعالى: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن/18]، فإذا كنت تدعوا الله أن يشفع نبيه فيك، فأطعه في قوله: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن/18].

شرح الشيخ:

إذا قال: الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم الله أعطاه الشفاعة, وأنا أطلبه مِمَّا أعطاه الله, فكيف تمنعني أطلبه مِمَّا أعطاه الله؟ نقول: الله أعطاه الشفاعة، ونهاك أن تطلبها منه؛ بَلْ أمرك أن تدعوه, الله أعطاه الشفاعة، لكن نهاك أن تدعوا الرَّسُوْل, فإذا كنت تعتقد أن الله أعطاه الشفاعة، فأطع الله في قوله: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن/18].

قال: لا تدعوا مع الله أحدًا, وإذا قلت: يا رسول الله اشفع لي دعوت مع الله ولا ما دعوت؟ لا تدعوا مع الله أحدًا, كلمة أحدًا يقول علماء الأصول: نكرة في سياق النهي، فتعم, هل الرسول داخل في أحد أم غير داخل؟ هل هو من الأحد ولا... ؟ من الأحد، فلا تدعوا مع الله أحدًا.

إذا كنت تريد تطلب من الله، فأطعه في قوله: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن/18].

أطعه، لا تدعوا مع الله أحدًا سواء شفاعة أو غيرها, فأنت تطلبها من الله تقول: اللهم شفع في نبيك, اللهم لا تحرمني شفاعة نبيك, لا تقول: يا رسول الله اشفع لي, لا تطلبها من الرسول, الذي يملكها هو الله{قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}[الزمر/44].

قارئ المتن:

وأَيْضًا فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم، فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون والأفراط يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة، فأطلبها منهم؟ فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكرها الله في كتابه، وان قلت: لا، بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله.

شرح الشيخ:

نعم، وهذا جوابهم الثاني نقول له: الشفاعة أعطيها غير الرَّسُوْل عليه الصلاة والسلام, ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الأنبياء يوم القيامة يشفعون, وثبت أن الملائكة يشفعون, وثبت أن الأفراط يشفعون, وثبت أن الشهداء يشفعون, وثبت أن الصالحين يشفعون, أعطاهم الله الشفاعة, إذًا تقول: أنا أطلبها منهم, أطلبها منهم وأدعوهم, إذا قلت: أنا أطلبها منهم وأدعوهم رجعت إِلَى عبادة الصالحين, وإن قلت: لا أدعوهم بطل قولك: إن الله أعطاهم وأطلبها مِمَّا أعطاهم.

يكون أحد أمرين:

  1. إن قلت: أنا أدعوا الرَّسُوْل أطلبه مِمَّا أعطاه الله إذًا يلزمك أنك تطلب من الصالحين وتطلب من الشهداء وتطلب من الأفراط, تسألهم مما أعطاهم الله، فترجع إِلَى عبادة الأصنام والأوثان.
  2. وإن قلت: لا, بطل قولك: أنا أطلبه مِمَّا أعطاه الله.

انظر الشبه شبه المشركين ملتوية تأتي من هنا ويلتوي ويأتي من هنا, وتأتي من هنا يأتي من هنا.

قارئ المتن:

فإن قال: أنا لا أشرك بالله شيئًا، حاشا وكلا، ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك فقل له: إذا كنت تقر أن الله حرم الشرك أعظم من تحريم الزنا، وتقر أن الله لا يغفره، فما هذا الأمر الذي حرمه الله، وذكر أنه لا يغفره، فإنه لا يدري، فقل له: كيف تبرئ نفسك من الشرك، وأنت لا تعرفه؟ أم كيف يحرم الله عليك هذا، ويذكر أنه لا يغفره، ولا تسأل عنه، ولا تعرفه؟ أتظن أن الله تعالى يحرمه، ولا يبينه لنا؟! فإن قال: الشرك عبادة الأصنام، ونحن لا نعبد الأصنام، فقل له: فما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق، وترزق، وتدبر أمر من دعاها؟ فهذا يكذبه القرآن.

وإن قال: هو من قصد خشبة، أو حجرًا، أو بنية على قبر أو غيره، يدعون ذلك، ويذبحون له، ويقولون: إنه يقربنا إلى الله زلفى، ويدفع الله عنا ببركته، أو يعطينا ببركته، فقل: صدقت، وهذا هو فعلكم عند الأحجار، والأبنية التي على القبور وغيرها، فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام، فهو المطلوب.

شرح الشيخ:

هذه الشبهة إذا قال: أنا لا أشرك بالله شيئًا, حاشا وكلا, أنا لا أشرك بالله, والالتجاء إِلَى الصالحين ليس بشرك, نقول له: ما هُوَ الشرك إذًا؟ إذا كان الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك ما هُوَ الشرك؟ ما هُوَ الشرك الَّذِي حرمه الله، وأخبرنا أَنَّهُ لا يغفره، وأن صاحبه مخلد في النَّار؟ ما هُوَ؟ فلا يعرف.

فتبينه له, فإذا قال: الشرك عبادة الأصنام, عبادة الصالحين, نقول له: ما هي عبادة الصالحين؟ هل معناها عبادة الصالحين أن اعتقاد أنهم يخلقون ويرزقون ويميتون ويحيون؟ هذا يكذبه الْقُرْآن, فإذا قال: هُوَ دعاؤهم من دون الله فهذا أقر بالواقع, نقول: هذا الواقع أنكم تدعونهم من دون الله, الشرك الَّذِي وقع فيه المشركون ليس هُوَ اعتقادهم أنهم يخلقون أو يرزقون, وإنما دعاؤهم من دون الله وذبحهم ونذرهم، كما بين الله تعالى في الْقُرْآن الكريم, فهذا رجع إلى اعترف بأن ما هم عليه هُوَ الَّذِي عليه المشركون.

قارئ المتن:

ويقال له أيضا قولك: الشرك عبادة الأصنام، هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا، وأن الاعتماد على الصالحين، ودعاءهم لا يدخل في ذلك؟ فهذا يرده ما ذكر الله تعالى في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة، أو عيسى، أو الصالحين، فلابد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة الله أحدا من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن، وهذا هو المطلوب.

شرح الشيخ:

إذا قال: الشرك هُوَ عبادة الأصنام، فتقول له: هل الشرك خاص بعبادة الأصنام؟ هذا يكذبه الْقُرْآن, الشرك ليس خاصًا بعبادة الأصنام, الشرك عبادة الأصنام، وعبادة الملائكة، وعبادة الأنبياء، وعبادة الصالحين, وعبادة النجوم وعبادة القمر, وعبادة الشمس كل هذا من الشرك، كما دَلَّ عليه الْقُرْآن {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون}[فصلت/37].

وبهذا يتبين أن ما يفعله عباد القبور من الشرك الآن, وهو الَّذِي عليه المشركون في زمن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, سواء بسواء.

قارئ المتن:

وسر المسألة أنه إذا قال: أنا لا أشرك بالله ... .

شرح الشيخ:

طيب قف عَلَى هذا.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد