شعار الموقع

شرح كتاب كشف الشبهات_2

00:00
00:00
تحميل
101

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح الشيخ:

فإذا قال: أنا لا أشرك بالله شيئًا, نقول له: ما هُوَ الشرك؟ الشرك هُوَ صرف العبادة لغير الله , هذا هُوَ الشرك, الشرك صرف العبادة لغير الله، الشرك في الألوهية أن يصرف الإنسان نوع من أنواع العبادة لغير الله, والعبادة أنواع متعددة, وهي جميع الأوامر والنواهي كما سبق الَّتِي وردت في الكتاب والسنة.

فالأوامر سواء كان أمر إيجاب كأقيموا الصَّلَاة, أو أمر استحباب كالأمر بالسواك «لولا أن أشق عَلَى أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» هذه عبادة, فإذا فعلت الأمر سواء أمر إيجاب أو أمر استحباب هذه عبادة, مطلوب منك أن تفعل الأمر, وكذلك النهي سواء كان نهي تحريم تتركه تعبدًا لله كقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى}[الإسراء/32].

أو نهي تنزيه كالنهي عن الحديث بعد صلاة العشاء, فأنت تتعبد له بترك الحديث بعد صلاة العشاء, وتتعبد إِلَى الله بترك الزنا, هذه هي العبادة, العبادة فعل الأوامر وترك النواهي, العبادة اسم جامع لكل ما يحب الله ويرضاه, فالصلاة عبادة والزَّكَاة عبادة والصوم عبادة, والحج عبادة, والدعاء عبادة, والذبح عبادة, والنذر عبادة والطواف بالبيت عبادة, والجهاد في سبيل الله عبادة, والأمر بالمعروف عبادة والنهي عن المنكر عبادة, وصلة الرحم عبادة, كف نفسك عن المحرمات تعبدًا لله, تكف نفسك تترك الربا تترك الرشوة, تترك الزنا, تترك الغيبة تترك النميمة, تترك العدوان عَلَى النَّاس في دمائهم, والعدوان عَلَى النَّاس في أموالهم, والعدوان في أعراضهم هذه هي العبادة, فإذا صرف شيئًا واحدًا من هذه العبادة لغير الله هذا هُوَ الشرك, ومن صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله فإنه يكون مشرك بالله U, سواء صرفها لصنم كما يفعله المشركون, يصرف للات يدعوا اللات مثلًا كما كان المشركين يدعون اللات أو العزى أو هبل.

أو يدعوا النجم أو يدعوا القمر أو يدعوا ولي من الأولياء أو يدعوا صالح, أو يدعوا نبيًا أو ملكًا أو شجرًا أو حجرًا أو جنيًا هذا هُوَ الشرك, الشرك إذا صرف لغير الله سواء كان فيكون عبادة لغير الله.

إذا أشرك بالله عبد غير الله, سواء كان هذا الَّذِي صرف إليه العبادة صنمًا أو غير صنم, وبهذا يتبين إذا قال الشخص الَّذِي يدعوا أصحاب القبور أو يذبح لهم أو ينذر لهم أو يصلي لهم أو يركع لهم أو يسجد لهم, أنا لا أشرك بالله شيئًا نقول: فسر الشرك ما هُوَ الشرك؟ الشرك صرف العبادة لغير الله, وأنت إذا كنت تدعوا صاحب القبر فأنت أشركت بالله صرفت العبادة لغير الله, هذا هُوَ الشرك.

فإذا قال: أنا لا أعبد إِلَّا الله, نقول: ما هي عبادة الله؟ عبادة الله أن تخلص العبادة لله, يعني لا تدعوا إِلَّا الله كما قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن/18].

فإذا كنت تصرف العبادة بجميع أنواعها لله ولا تصرفها لغيره فأنت تعبد الله فأنت الموحد, أَمَّا إذا كان الإنسان يعبد الله ويعبد غيره فهذا هُوَ المشرك؛ لِأَنَّ المشركين الكفار في زمن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يعبدون الله ويعبدون غيره, يصلون ويصومون, كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية, كانوا يصومون, كانوا يحجون عَلَى ما توارثوا عليه من دين إبراهيم, وكانوا يصلون وكانوا يتصدقون, وكانوا يذكرون الله كثيرًا, لكن مع ذلك كانوا يشركون فلم تنفع هذه العبادة, لَابُدَّ من إخلاص العبادة لله.

قارئ المتن:

فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا (كبير الاعتقاد) هو الشرك الذي نزل فيه القرآن، وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عليه، فاعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين:

أحدهما: أن الأولين لا يشركون، ولا يدعون الملائكة، والأولياء، والأوثان مع الله إلا في الرخاء. وأما في الشدة فيخلصون الدين لله الدعاء، كما قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُون}[العنكبوت/65].

{وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا}[الإسراء/67].

وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون}[الأنعام/40].

وقوله تعالى {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ... إلى قوله: ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار}[الزمر/8].

وقوله تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[لقمان/32].

فمن فهم هذه المسألة التي وضحها الله في كتابه، وهي أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون الله، ويدعون غيره في الرخاء، وأما في الضراء والشدة فلا يدعون إلا الله وحده لا شريك له، وينسون ساداتهم تبين له الفرق بين شرك أهل زماننا، وشرك الأولين, ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهما راسخا، والله المستعان.

الأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناسا مقربين عند الله: إما أنبياء، وإما أولياء، وإما ملائكة. أو يدعون أشجارًا، أو أحجارًا مطيعة لله تعالى، ليست عاصية. وأهل زماننا يدعون مع الله أناسًا من أفسق الناس، والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنا، والسرقة، وترك الصلاة، وغير ذلك. والذي يعتقد في الصالح، والذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيه من يشاهد فسقه وفساده، ويشهد به.

شرح الشيخ:

المؤلف رحمه الله يبين أن الشرك الَّذِي يفعله الأولون من صرف الدعاء لغير الله لأصحاب القبور أو الذبح أو النذر أو الطواف هذا هُوَ الواقع من المشركين في هذا الزمان في زمان الشيخ رحمه الله يسمونه الاعتقاد, ويسمونه أَيْضًا كذلك صاحب القبر يسمونه السيد, والسيد معناه هُوَ المعبود, السيد هو المعبود يسمونه السيد، صاحب القبر يذبحون له وينذرون له, ويطوفون بقبره ويسمونه السيد, ويسمون عملهم الاعتقاد, هذا هُوَ الشرك العبرة بالحقائق والأسماء لا تغير من الواقع شيئًا.

سواء سمي سيدًا أو سمي صالحًا أو سمي الشرك اعتقاد فالعبرة بالحقيقة والواقع, فصرف الدعاء لغير الله وصرف النذر لغير الله, وصرف الذبح لغير الله, وصرف الطواف لغير الله, وصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله هذا هُوَ الشرك, سواء سمي محبة للصالحين أو سمي تشفعًا, أو سمي اعتقادًا أو سمي صاحبه سيدًا, الأسماء لا تغير من الحقائق.

العبرة بالحقائق فلو سمى النَّاس مثلاً الفوائد الربوية سموها ربح أو فائدة أو عمولة أو فائدة مركبة أو ربح هي ربا لا يغير من الواقع شيئًا هي ربا ولو سمى ما.

التسمية لا تغير من الواقع شيئًا, فالربا هُوَ الزيادة, الزيادة في بيع الدراهم بالدراهم أو عند التأجيل ولو سميتها عمولة ما يحلها ذلك, لو سميتها فائدة, ولو سميتها ربح مركب هُوَ ربا, وكذلك إذا سمي الخمر شراب الروح أو الشراب اللذيذ هُوَ خمر, ولا يغير من الأمر شيئًا, فكذلك هؤلاء الذين يدعون غير الله ويذبحون لهم وينذرون, ثُمَّ إذا سموه الاعتقاد أو سموا صاحبه السيد هذا هُوَ الشرك, هُوَ الشرك بعينه.

ثُمَّ بين المؤلف رحمه الله أن الفرق بين المشركين المتقدمين والمشركين المتأخرين, وأن شرك المتأخرين أغلظ من شرك المتقدمين, أشد وأغلظ من جهتين:

الجهة الأولى: أن المشركين الأوائل المشركين المتقدمين يدعون الله تعالى في الرخاء يخلصون لا يشركون يدعون الله في الشدة, يخلصون العبادة لله في الشدة والضراء, وفي وقت السعة يشركون.

فإذا ركبوا في البحر وتلاطمت بهم الأمواج أخلصوا العبادة لله قالوا: يا الله, يا الله, وإذا وصلوا إِلَى شاطئ البر بالسلامة قالوا يا فلان صاروا يدعون غير الله يا علي يا حسين يا فلان يا كذا, يا سيد يا كذا.

كما قال الله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُون}[العنكبوت/65].

قال سبحانه: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا}[الإسراء/67].

وقال: {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُور}[لقمان/32].

قال:{فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُون}[الزمر/49].

وقال سبحانه وتعالى في الآية الأخرى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُون}[الأنعام/47].

{قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُون}[الأنعام40-/41].

فهذه النصوص تدل عَلَى أن المشركين الأوائل في وقت يوحدون وفي وقت يشركون, الوقت الَّذِي يوحدون وقت الشدة, وقت المرض وقت الشدة وقت تلاطم الأمواج في البحر يوحدون, والوقت الَّذِي يشركون وقت الرخاء, وقت الرخاء والسعة.

وأما المشركون المتأخرون فإن شركهم دائم في الرخاء والشدة لا يبالون؛ بَلْ إنهم يزدادون شركًا في وقت الشدة, فإذا تلاطم ال أمواج قال: يا علي, يا علي, يا حسين, يا حسين, يا بدوي يا بدوي, فشركهم أشد وأغلظ, شرك المتأخرين أغلظ وأشد من شرك الأولين, الأولين يوحدون متى؟ في الشدة قال: {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ما يدعون إلا الله, يا الله, يا الله, حتى تزول الشدة, فإذا زالت الشدة أشركوا.

وأما المتأخرون فشركهم مستمر في الشدة والرخاء أيهما أغلظ أشد؟ المتأخرون.

الجهة الثانية: جهة غلظ شرك المتأخرين أن الأوائل إنما يعبدون المشركين المتقدمون .. المشركون المتقدمون إنما يعبدون إما يعبدون ملائكة, أو الأنبياء, أو الصالحين, أو أشجارًا وأحجارًا تسبح الله, ويقتصرون على هذا, بعضهم إما يعبد نبي أو يعبد ملك أو يعبد صالح من الصالحين أو شجر وأحجار تسبح الله.

وأما المتأخرون زادوا عليهم فصاروا يعبدون كفارًا وفساقًا, يعبدون كافر يعبد كافر يعبد فاسق, يرى فجوره وفسقه, يراه قبل موته يزني ويسرق ويفعل ويشرب الخمور ثم يعبده من دون الله, ولاشك أن دعاء الصالح أخف وإن كان كلاً منهما مشرك, لكن كونه يدعوا صالح أو يدعوا نبي أو يدعو ولي أخف من كونه يدعوا فاسقًا أو فاجرًا أو كافرًا, فتبين بهذا أن شرك المتأخرين أغلظ وأشد من شرك المتقدمين.

قارئ المتن:

إذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصح عقولا وأخف شركًا من هؤلاء.

شرح الشيخ:

نعم، ويتبين من هذا أن المشركين الأوائل أصح عقولًا وأخف شرك من المتأخرين, إذاً المتأخرين في عقولهم يعني ليست صحيحة كعقول المتقدمين, عقول المتقدمين أصح وأحسن, حيث أن عقولهم وإن كانوا مشركين أرشدتهم إِلَى أنهم لا يدعون الفساق, ولا الكفار, ويخلصون ويوحدون في وقت الشدة.

أَمَّا المتأخرون فإن عقولهم مرضت وزاد عليها المرض حَتَّى أشركوا في الرخاء وفي الشدة, وحَتَّى عبدوا كفارًا وفساقًا نعوذ بالله.

قارئ المتن:

فاعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا وهي من أعظم شبههم، فاصغ سمعك لجوابها.

وهي أنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ويكذبون الرسول الله صلى الله عليه وسلم وينكرون البعث، ويكذبون القرآن، ويجعلونه سحرًا. ونحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصلي، ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟!

فالجواب: أنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء، وكذبه في شيء أنه كافر لم يدخل في الإسلام. وكذلك إذا آمن ببعض القرآن، وجحد بعضه، كمن أقر بالتوحيد، وجحد وجوب الصلاة، أو أقر بالتوحيد، والصلاة، وجحد وجوب الزكاة، أو أقر بهذا كله وجحد وجوب الصوم، أو أقر بهذا كله، وجحد وجوب الحج. ولما لم ينقد أناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للحج أنزل الله تعالى في حقهم: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين}[آل عمران/97].

ومن أقر بهذا كله، وجحد البعث كفر بالإجماع، وحل دمه، وماله كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا (150) أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا}[النساء/150-151].

فإذا كان الله تعالى قد صرح في كتابه أن من آمن ببعض، وكفر ببعض فهو الكافر حقًا زالت هذه الشبهة. وهذه هي التي ذكرها بعض أهل الأحساء في كتابه الذي أرسل إلينا.

شرح الشيخ:

هذه الشبهة الَّتِي يوردها كثير وإِلَى الآن يوردونها وإِلَى ما شاء الله في كل زمان تورد هذه الشبهة, وهي أن الذين يدعون الأولياء ويذبحون لأصحاب القبور وينذرون لهم لهم شبهة, إذا قلت: هذا شرك أنتم مشركون تذبحون لغير الله, تذبحون لأصحاب القبور, تنذرون وتطعمون لأصحاب القبور, قالوا: كيف تجعلنا مثل المشركين عباد الأصنام؟ المشركين في زمن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا يشهدون ألا إله إِلَّا الله, ولا يشهدون أن محمد رسول الله, ولا يصلون ولا يصومون, ولا يؤمنون بالبعث, ويكذبون بالقرآن ويقولون: سحر, وكهانة, ونحن نشهد ألا إله إِلَّا الله ونشهد أن محمد رسول الله, ونؤمن بالعبث ونؤمن بالقرآن ونصوم ونصلي كيف تجعلونا مثلهم؟

والجواب يقول المؤلف رحمه الله, الجواب باختصار: أن من فعل ناقضًا من نواقض الإسلام فإنه يكفر ولا ينفعه ما يعمله من الإسلام, يبطل ما يعمله من الإسلام, هذه الخلاصة, الخلاصة أنه من فعل ناقضًا من نواقض الإسلام بطل إسلامه, بطل إيمانه وتوحيده.

المؤلف رحمه الله يقول: لا خلاف بين المسلمين أن من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض يكون كفر بالجميع, ولا خلاف بين المسلمين أن من صدق الرَّسُوْل في شيء وكذبه في شيء فَهُوَ كافر بالجميع.

فأنت تقول: أنا أصلي, وأنا أصوم, وأنا أؤمن بالبعث, وأشهد ألا إله إِلَّا الله, وأشهد أن محمد رسول الله, لكن نقضت ذلك بالشرك, كيف تصدق أنت تشهد ألا إله إِلَّا الله وتصدق الرَّسُوْل ولكنك لا تصدقه في أن دعاء غير الله شرك, ولا تصدقه في أن الذبح لغير الله شرك, ولا تصدقه في أن النذر لغير الله شرك, ولا تصدقه في أن الطواف بالقبر تقربًا إِلَى لصاحب القبر شرك, إذًا آمنت ببعض الكتاب وكفرت ببعض, والله تعالى نص في كتابه العظيم أن من آمن ببعض الكتاب وكفر بالبعض فَهُوَ كافر بالجميع {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} ما حكمهم؟ {أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا}[النساء/150-151]. 

فأنت آمنت ببعض وكفرت ببعض, ما هُوَ الَّذِي آمن به؟ كونه يصلي, كونه يصوم, وكونه يقر بالقرآن, كونه يقر بالبعث, هذا إيمان, ولكن كونه الآن ينكر أن دعاء غير الله شرك والذبح لغير الله شرك هذا كفر, فآمن ببعض الكتاب وكفر ببعض فلا ينفعه.

وكذلك اتفق العلماء عَلَى أن من شهد ألا إله إِلَّا الله ثُمَّ جحد وجوب الصَّلَاة فَهُوَ كافر ولا تنفعه شهادة أن لا إله إِلَّا الله, انتقضت, بطلت, وكذلك من شهد ألا إله إِلَّا الله وصلى وأقر بالصلاة ولكن جحد وجوب الزَّكَاة أَيْضًا يكفر, وكذلك من شهد ألا إله إِلَّا الله وأقر بالصلاة والزَّكَاة وجحد الصوم يكفر, وكذلك إذا جحد الحج يكفر, ولما لم ينقد أُناس للحج أنزل الله {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين}[آل عمران/97].

والقاعدة أن من فعل ناقضًا من نواقض الإسلام فإنه يبطل فيكون مرتد ويبطل إسلامه وإيمانه؛ لِأَنَّ الشرك يبطل التوحيد, ومثله في ذلك مثل من توضأ وأحسن الوضوء وتطهر وأحسن الطهارة ثُمَّ خرج منه بول أو غائط أو ريح تبقى الطهارة أم تزول؟ أين الطهارة؟ زالت, ما الَّذِي أزالها؟ هل ينفع هل يصلي وهو محدث, هل تصح الصَّلَاة ما تصح الصَّلَاة, فكذلك إذا قال: أشهد ألا إله إِلَّا الله وأشهد أن محمد رسول الله, وصلى وصام ثُمَّ كذب الرَّسُوْل عليه الصلاة والسلام في شيء مِمَّا جاء به, أو قال أنكر البعث, أو أنكر وجوب الصَّلَاة, أو أنكر وجوب الزَّكَاة, أو أنكر وجوب الحج, أو أنكر تحريم الربا, أو أنكر تحريم الزنا, أو قال: إن هناك مدبر مع الله في هذا الكون,، أو أنكر ملك من الملائكة أو رسول من الرسل, أو كتاب من الكتب, أو شك في البعث أو شك في القيامة, أو شك في الْجَنَّة أو شك في النَّار يبطل توحيده وإيمانه ولا ينفعه, لا ينفعه شهادة ألا إله إِلَّا الله ولا ينفعه الصَّلَاة ولا ينفعه الصوم, ولا ينفعه زكاته ولا حجه ما دام أَنَّهُ فعل ناقضًا من نواقض الإسلام, هذه قاعدة معروفة, والعلماء في كل مذهب يبوبون الفقهاء في كل باب في كل مذهب باب حكم المرتد, وهو الَّذِي يكفر بعد إسلامه ويذكرون أشياء كثيرة.

الحنابلة يبوبون في كتب الفقه يقول: باب حكم المرتد وهو الَّذِي يكفر بعد إسلامه, والشافعية: باب حكم المرتد, والمالكية والأحناف, حَتَّى إن الأحناف ذكروا ما يقرب من خمسمائة من نواقض الإسلام, حَتَّى إن الأحناف قالوا: من أنواع الردة لو قال: مسيجد أم مصيحف عَلَى وجه التصغير كفر, الأمر خطير, فقول هذا المشبه أنا كيف تجعلوني مثل عباد الأصنام وأنا أشهد ألا إله إِلَّا الله وأشهد أن محمد رسول الله وأصلي وأصوم؟ نقول: نعم انتقضت وضوؤك بطل هذا بالشرك الذي تفعله.

قارئ المتن:

ويقال أَيْضًا: إذا كنت تقر أن من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء، وجحد وجوب الصلاة أنه كافر حلال الدم والمال بالإجماع، وكذلك إذا أقر بكل شيء إلا البعث وكذلك لو جحد وجوب صوم رمضان، وصدق بذلك كله لا يجحد هذا، ولا تختلف المذاهب فيه، وقد نطق به القرآن كما قدمنا. فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أعظم من الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج. فكيف إذا جحد الإنسان شيئا من هذه الأمور كفر ولو عمل بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر؟! سبحان الله ما أعجب هذا الجهل!.

شرح الشيخ

يقول المؤلف رحمه الله: العلماء مجمعون عَلَى أن الإنسان إذا أنكر أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة وجوبه أو تحريمه فإنه يكفر, فمثلاً وجوب الصَّلَاة ووجوب الزَّكَاة وجوب الصوم هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة, ما في خلاف في وجوبه, فإذا أنكر وجوب الصَّلَاة هذا كفر بالإجماع, فرق بين الذي يترك الصَّلَاة وهو مقر بوجوبها وبين الَّذِي يجحد وجوبها, الَّذِي يجحد وجوبها كافر, ولو صلى, إذا جحد وجوب الصَّلَاة هذا كافر بالإجماع, وإذا جحد وجوب الزَّكَاة مرتد بالإجماع, إذا جحد وجوب الصوم مرتد بالإجماع.

إذا جحد وجوب الحج ارتد بالإجماع, لكن إذا فعل ولم يجحد هذا فيه كلام لأهل العلم, كذلك إذا أنكر أمرًا معلوم من الدين بالضرورة تحريمه, إذا أنكر تحريم الزنا كفر, وإذا أنكر تحريم الربا كفر, ارتد, إذا أنكر تحريم عقوق الوالدين كفر, إذا أنكر تحريم الخمر كفر, فسبحان الله يقول المؤلف: إذا أنكر واحد من هذه يكفر, وإذا أنكر التوحيد ما يكفر؟!

هذا أنكر التوحيد التوحيد أعظم فريضة, يعني الذي ينكر وجوب الصَّلَاة يكفر, والذي ينكر وجوب الزَّكَاة يكفر, والَّذِي ينكر التوحيد ما يكفر؟ سبحان الله ما أعجب هذا وما أغلظ قلوب هؤلاء نسأل الله السلامة والعافية.

قارئ المتن:

ويقال أَيْضًا: هؤلاء: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة، وقد أسلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم، ويؤذنون، ويصلون. فإن قال: إنهم يقولون أن مسيلمة نبي. فقل: هذا هو المطلوب إذا كان من رفع رجلاً إلى رتبة النبي صلى الله عليه وسلم كفر، وحل ماله ودمه، ولم تنفعه الشهادتان، ولا الصلاة، فكيف بمن رفع (شمسان).

شرح الشيخ:

شمسان اسم رجل.

قارئ المتن:

أو (يوسف)، أو صحابيًا، أو نبيًا في مرتبة جبار السماوات والأرض؟ سبحانه ما أعظم شانه، {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون}[الروم/59].

شرح الشيخ

 ونعم، وهذا أَيْضًا من الأدلة يقول: الصَّحَابَة اتفقوا عَلَى قتال بني حنيفة في نجد وهم يؤذنون ويصلون, ويشهدون ألا إله إِلَّا الله, ويشهدون أن محمد رسول الله, لماذا؟ لِأَنَّهُم قالوا: أن مسيلمة نبي, الصَّحَابَة اتفقوا عَلَى قتالهم وأنهم مرتدون, لماذا؟ وهم يصلون ويصومون ويشهدون أن لا إله إِلَّا الله ويشهدون أن محمد رسول الله, لماذا؟ لِأَنَّهُم فعلوا ناقض من نواقض الإسلام؛ لِأَنَّهُم قالوا إن مسيلمة نبي.

نقول: إذا كان الَّذِي يرفع رجل إِلَى رتبة الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم يكفر, فكيف بالذي يرفع رجل إِلَى رتبة الله؟ ويجعله مستحق للعبادة؟ الَّذِي يرفع شخص من مقام العبودية إِلَى مقام الألوهية ما يكفر, والَّذِي يرفع شخص من مقام العبودية إِلَى مقام النبوة يكفر؟!

فهؤلاء كفروا لماذا؟ لِأَنَّهُم قالوا: إن مسيلمة نبي, رفعوا مسيلمة وجعلوه في مرتبة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فكفر, فالذي يدعوا الصالحين ويذبح لهم وينذر لهم معناه رفعهم إِلَى مقام الألوهية, فيكون أعظم كفر, وأعظم, هذا من الأدلة عَلَى كفر من يدعوا أصحاب القبور أو يذبح لهم أو ينذر لهم.

المؤلف رحمه الله يأتي بعدد من الأدلة لبيان أن ما عليه هؤلاء عباد أصحاب القبور أَنَّهُ شرك.

قارئ المتن:

ويقال أَيْضًا: الذين حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار كلهم يدعون الإسلام، وهم من أصحاب علي رضي الله عنه وتعلموا العلم من الصحابة، ولكن اعتقدوا في علي رضي الله عنه مثل الاعتقاد في (يوسف)، و (شمسان) وأمثالهما.

شرح الشيخ:

يوسف وشمسان هؤلاء من أصحاب القبور الذين يعبدون في زمن الشيخ رحمه الله شخص اسمه شمسان وشخص اسمه يوسف عبدوا من دون الله, يذبحون لهم وينذرون لهم ويطوفون بقبورهم.

قارئ المتن:

ولكن اعتقدوا في علي رضي الله عنه مثل الاعتقاد في (يوسف)، و (شمسان) وأمثالهما, فكيف أجمع الصحابة على قتلهم، وكفرهم؟ أتظنون أن الصحابة يكفرون المسلمين؟! أم تظنون أن الاعتقاد في (تاج) وأمثاله لا يضر، والاعتقاد في علي بن أبي طالب رضي الله عنه يكفر؟!

شرح الشيخ:

يقول المؤلف رحمه الله: من الأدلة عَلَى كفر عباد القبور وردتهم ما فعله الصَّحَابَة في زمن علي رضي الله عنه من الشيعة الذين غلو فيه, واعتقدوا فيه الألوهية وأنه يتصرف وأنه يدبر, وأن له شيء من التصرف مثل ما يعتقد عباد القبور, وأنه ينفع ويضر عند الله, وكانوا مع الصَّحَابَة وكانوا يتعبدون, لكن حصل لهم الغلو, فغلوا في علي وظنوا جعلوا فيه نوعًا من الألوهية فنهاهم علي فلم ينتهوا, فخد أخدودًا حفر حفر في الأرض وأججها نارًا وألقاهم فيها, وقال: (لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا أججت ناري ودعوت قنبرًا ).

فأججهم بالنار أحرقهم بالنار, لماذا؟ لكفرهم, فيقول المؤلف رحمه الله: الصَّحَابَة الآن حرقوا الذين يعتقدون في علي مثل ما يعتقد عباد القبور في أصحاب القبور, اعتقدوا أن علي ينفع وأن علي يقربهم إِلَى الله ويشفع لهم, فكذلك أصحاب عباد القبور كالذين يعتقدون في يوسف وشمسان في عهد الشيخ, والَّذِين يعتقدون في البدوي أو في العيدروس أو ابن علوان أو قبر الحسين, أو الدسوقي أو فلان أو فلان, كله مددي ويقول: مدد يا فلان أخثني, يا سيدي البدوي, يا سيدي الدسوقي, يا ابن علوان, يا ابن عيدروس, المدد المدد, مدد يا بدوي, هذا الشرك, هذا شرك دعوا غير الله ويذبحون لهم وينذرون لهم ويطوفون بقبورهم تقربًا إليهم.

هذا الشرك بعينه, الصَّحَابَة حرقوا بالنار هؤلاء الذين اعتقدوا في علي مثل ما اعتقد عباد القبور في أصحاب القبور, فهذا من الأدلة عَلَى كفر ما يفعله عباد القبور من دعائهم من دون الله والذبح لهم والنذر لهم والطواف بقبورهم.

قارئ المتن:

ويقال أَيْضًا

شرح الشيخ:

كم الدليل هذا الدليل ايش الخامس الخامس نعم نعم

قارئ المتن:

ويقال أَيْضًا: بنو عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعون الإسلام، ويصلون الجمعة، والجماعة. فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم، وقتالهم، وأن بلادهم بلاد حرب، وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين.
شرح الشيخ:

بنو عبيد ابن القداح ويقال لهم: الفاطميون, الذين يتشيعون يعتقدون في علي وفاطمة وآل البيت, وأنهم ينفعون, يعتقدون أنهم لهم مكانة عند الله فيصرفون لهم شيء من العبادة, وهم ملكوا مصر والمغرب في القرن الثالث الهجري, وهم يصلون الجمعة والجماعة ويدعى لهم فوق المنابر ومع ذلك أجمع العلماء عَلَى كفرهم, وضلالهم وقاتلوهم حَتَّى استنقذوا ما بأيديهم من بلاد المسلمين, بسبب الاعتقاد هذا، لِأَنَّهُم يعتقدون ما يعتقده عباد القبور من النفع والضر في أهل البيت وفي الحسن والحسين وغيرهم, اعتقدوا أنهم ينفعون وأنهم يضرون فصرفوا لهم العبادة, دعوهم من دون الله, دعوا الحسن والحسين وعلي وفاطمة كما يفعل عباد القبور فأجمع العلماء عَلَى كفرهم وضلالهم وقتالهم وقاتلوهم حتى استنفذوا ... .

قارئ المتن:

ويقال أَيْضًا: إذا كان الأولون لم يكفروا إلا أنهم جمعوا بين الشرك وتكذيب الرسل، والقرآن، وإنكار البعث، وغير ذلك فما معنى الباب الذي ذكر العلماء في كل مذهب: (باب حكم المرتد) وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه. ثم ذكروا أنواعا كثيرة، كل نوع منها يكفر، ويحل دم الرجل وماله، حتى أنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها، مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب؟!

شرح الشيخ:

يقول: إذا كان كما يزعم هؤلاء لو كان ما يحصل للإنسان من الشرك إِلَّا إذا كذب بالعبث أو ترك الصَّلَاة أو ترك الصوم كما يزعم هؤلاء فما معنى الباب الَّذِي يذكره الفقهاء في كل أهل مذهب وهو: باب حكم المرتد وهو الَّذِي يكفر بعد إسلامه؟!

لِأَنَّ هؤلاء يقولون: نحن الآن نصلي, نحن نشهد ألا إله إِلَّا الله, ونشهد أن محمد رسول الله, ونصلي ونصوم ونؤمن بالبعث, فكيف تجعلونا مشركين؟

يعني يقولون: إن الإنسان لا يكون مشرك إِلَّا إذا أنكر البعث وأنكر وجوب الصَّلَاة ووجوب الزَّكَاة, يقول: إذًا ما معنى هذا الباب الَّذِي يذكره الفقهاء من أهل كل مذهب الشافعية الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة, كلهم يبوبون: باب حكم المرتد وهو الَّذِي يكفر بعد إسلامه؟!

ويذكرون أشياء دون هذا, يذكرون من أنواعها أَن يتكلم الإنسان بكلمة كأن يسب الله أو يسب الرَّسُوْل أو يسب الدين, كلمة فيكفر, وكذلك أَيْضًا قد يستهزئ, قد يقول كلمة يستهزئ كما في قصة الذين سخروا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء في غزوة تبوك, فأنزل الله فيهم: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُون (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِين}[التوبة/65-66].

وكما قلت لكم إن الأحناف ذكروا أشياء دون هذا, وقالوا: إذا قال الإنسان: مسيجد أو مصحيف عَلَى وجه التصغير التحقير فإنه يفكر, فكيف بمن يدعو أصحاب القبور ويذبح لهم وينذر لهم ويطوف بقبورهم تقربًا إليهم؟ هذا من الشرك من باب أولى.

قارئ المتن:

 ويقال أيضا: الذين قال الله فيهم: {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ}[التوبة/74].

أما سمعت الله كفرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجاهدون معه، ويصلون معه، ويزكون، ويحجون، ويوحدون؟ وكذلك الذين قال الله تعالى فيهم {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُون (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِين}[التوبة/65-66].

فهؤلاء الذين صرح الله أنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح.

فتأمل هذه الشبهة، وهي قولهم تكفرون من المسلمين وهم أناس يشهدون أن لا إله إلا الله، ويصلون ويصومون. ثم تأمل جوابها؛ فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق.

شرح الشيخ:

يقول: هذا من الأدلة أَيْضًا ما دَلَّ عليه الْقُرْآن الكريم من أن الإنسان يكفر بكلمة لقولها بلسانه, كما قال الله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ}[التوبة/74].

انظر كفروا بعد إسلامهم, إذًا كانوا مسلمين أولًا ثُمَّ كفروا بسبب كلمة {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ}[التوبة/74].

وهم كانوا مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, كانوا مع النَّبِيّ يصلون معه ويجاهدون معه, وكذلك الجماعة الذين في غزوة تبوك الذين تكلموا فيما بينهم وقالوا: ما رأينا مثل قراءنا هؤلاء, يعني الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء, أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء, يعني يأكلون كثيرًا ويكذبون وعندهم جبن عند لقاء الأعداء, فسمع عوف بن مالك المتكلم فقال: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فذهب إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجد الوحي قد سبقه, فجاء هذا الرجل الَّذِي تكلم يعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله نحن ما نقصد شيئًا نتحدث حديث الركب, نقطع به عنا الطريق, لا نقصد, والرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم لا يزيد أن يقول: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُون (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِين}[التوبة/65-66].

ثُمَّ الرجل يعتذر ويجتهد في الاعتذار والرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم لا يزيد سوى أن يتلوا هذه الآية, فإذا كان هؤلاء قال الله: {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[التوبة/66].

أثبت لهم الكفر بعد الإيمان, والآية الأخرى: {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ}[التوبة/74].

فإذا كان الإنسان يكفر بعد إسلامه بكلمة يقولها ويكفر بعد إيمانه بكلمة يقولها فكيف يقول هؤلاء كيف تكفرونا ونحن نشهد ألا إله إِلَّا الله ونحن نصلي ونصوم ونصدق ونؤمن بالبعث ونؤمن بالقرآن؟

نقول: نعم, أنتم جحدتم التوحيد, جحدتم توحيد الله, دعوتم غير الله, ذبحتم لغير الله, نذرتهم لغير الله, طفتم بغير بيت الله تقربًا لذلك الغير.

قارئ المتن:

ومن الدليل على ذلك أَيْضًا: ما حكى الله تعالى عن بني إسرائيل مع إسلامهم، وعلمهم، وصلاحهم أنهم قالوا لموسى{اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}[الأعراف/138].

وقول أناس من الصحابة ,اجعل لنا يا رسول الله ذات أنواط، فحلف النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا نظير قول بني إسرائيل: {اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا}.

شرح الشيخ:

أَيْضًا هذه من الأدلة, كم دليل الآن؟ من الأدلة أَيْضًا ما قص الله سبحانه وتعالى علينا عن بني إسرائيل, بنو إسرائيل الذين أهلك الله عدوهم فرعون بالغرق وهم ينظرون, نجاهم الله, خرج موسى وقومه لما أمر الله موسى وضرب البحر لما تبعه فرعون بجنوده, أمر الله موسى فضرب البحر بعصاه فصار يبسًا فدخل موسى ومن معه ثُمَّ تعبهم فرعون, فخرج موسى من الجهة الثانية وقومه خرجوا من البحر, وتكامل فرعون وقومه فأمر الله البحر فانطبق عليهم, فأهلكهم الله بالغرق.

خرجوا من بني إسرائيل مع موسى هؤلاء الخلاصة, هؤلاء هم الخلاصة, فمروا مع موسى معهم نبينهم, نبي كريم من أولي العزم, فمروا عَلَى قوم يعبدون صنمًا, عاكفين عَلَى صنمٍ لهم, قالوا: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَامُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} هؤلاء الخلاصة{اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون (138) إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون (139) قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِين}[الأعراف/138-140].

أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي واقد الليثي كانوا حديث عهد بشرك, أسلموا لما فتحت مكة في السنة الثامنة من الهجرة, أسلموا ثُمَّ ذهبوا مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في حنين, خرجوا لقتال المشركين في حنين, يعني ما مضى عليهم مدة, ولهذا قال أبو واقد الليثي: نحن حدثاء عهد بشرك يعتذر, يعني حديث عهدنا بالشرك ما مضى علينا مدة, فمروا بأُناس من المشركين لهم شجرة سدرة يتبركون بها ويعلقون بها أسلحتهم يسمونها ذات أنواط, فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا سدرة, اجعل لنا ذات انواط كما لهم, اجعل لنا شجرة نتبرك بها كما يتبرك هؤلاء, ماذا قال لهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؟

قال: «الله أكبر إِنَّهَا السنن, قلتم والَّذِي نفسي بيده كما قال بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة» هل الكلمة مثلها الآن أم تختلف؟ هي تختلف في اللفظ لكن المعنى واحد, العبرة بالحقائق.

قوم موسى قالوا: {اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} وأصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا حديثًا قالوا: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط, فحلف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بأن مقالتهم مثل مقالة بني إسرائيل, قال: «الله أكبر إِنَّهَا السنن, قلتم والَّذِي نفسي بيده كما قال بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة» لِأَنَّ العبرة بالحقائق والمعاني.

لكن هل وقعوا في الشرك أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؟ ما وقعوا في الشرك؛ لِأَنَّهُم طلبوا هذا عن جهل, فزجرهم النَّبِيّ ونهاهن فانتهوا, لكن لو فعلوا الشرك بعد زجر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لو فعلوا ذلك لأشركوا, لكن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم زجرهم ونهاهم فلم يفعلوا الشرك.

دَلَّ عَلَى أن الجاهل إذا طلب شيئًا أن يفعل شيئًا من الشرك بسب الجهل ثُمَّ نهي وزجر ولم يفعل لا يكون مشركًا.

قارئ المتن:

ولكن للمشركين شبهة يدلون بها عند هذه القصة، وهي أنهم يقولون: إن بني إسرائيل لم يكفروا بذلك، وكذلك الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم اجعل لنا ذات أنواط لم يكفروا.
فالجواب أن نقول: إن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك، وكذلك الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلوا. ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا. وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يطيعوه، واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا. وهذا هو المطلوب.

شرح الشيخ:

هذه الشبهة يقولون: إن بني إسرائيل ما كفروا وهم قالوا: {اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما كفروا ما أشركوا, والجواب كما سبق أنهم ما فعلوا الشرك, طلبوا أن يفعلوا بسبب الجهل, قوم موسى قالوا: {اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} بسبب الجهل, فلما زجرهم موسى عليه الصلاة والسلام انتهوا, ولم يفعلوا, لكن لو فعلوا الشرك لأشركوا, وكذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا حديثًا, طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم ذات أنواط فزجرهم ونهاهم ولم يفعلوا, لكن لو فعلوا لأشركوا, لكنهم لم يفعلوا.

قارئ المتن:

ولكن هذه القصة تفيد: أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها. فتفيد التعلم والتحرز.

شرح الشيخ:

يعني هذه القصة تفيد الحذر, والإنسان ينبغي له أن يحذر, وأن الإنسان قد يقع في الشرك ولو كان صالحًا, ولو كان عالم, بنو إسرائيل هم الخلاصة وهم مع نبيهم, وأصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مع نَبِيّنا صلى الله عليه وسلم, قد يقع الإنسان في نوع من الشرك وهو لا يشعر, ولو كان مسلمًا, ولو كان عابدًا, ولو كان عنده بَعْض العلم قد يقع, فالواجب الحذر, ينبغي للإنسان أن يحذر وأن يتعلم, ويتعلم الشرك وأنواعه ووسائله وذرائعه حَتَّى يحذرها, ثبت في صحيح البخاري من حديث حذيفة رضي الله عنه أَنَّهُ قال: «كان النَّاس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني»، يسأل عن الشر مخافة أن يدركه،

فهذا يوجب للمسلم الحذر, أن الإنسان يحذر من الشرك, وحقيقة الخوف من الشرك يعني يخاف الإنسان عَلَى نفسه, إذا كان الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام الَّذِي كسر الأصنام بيده, وقال الله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِين}[النحل/120].

وقال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين}[النحل/123].

ماذا يدعوا ربه؟ {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَام}[إبراهيم/35].

إبراهيم الخليل الَّذِي كسر الأصنام بيده وهو الَّذِي قال الله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِين}[النحل/120].

وقال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين}[النحل/123].

وأولاده أنبياء إسماعيل وإسحاق, قال: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَام (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيم}[إبراهيم/35-36].

ولهذا قال إبراهيم التيمي التابعي الجليل رحمه الله: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم, إذا كان هذا إبراهيم الخليل يقول: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَام}[إبراهيم/35].

قال: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟ هذا يوجب للمسلم الخوف من الوقوع في الشرك, وحقيقة الخوف توجب للإنسان التعلم, والتبصر, والبحث عن أسباب الشرك وذرائعه ووسائله, وأنواعه حتى يحذرها, ولا يقع فيها, مع الضراعة إلى الله واللجأ إليه وسؤاله سبحانه وتعالى أن يوفقه للتوحيد الخالص, وأن يجنبه الشرك وأسبابه ووسائله وذرائعه.

قارئ المتن:

ولكن هذه القصة تفيد: أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها. فتفيد التعلم والتحرز ومعرفة أن قول الجاهل: (التوحيد فهمناه) أن هذا من أكبر الجهل، ومكائد الشيطان.

شرح الشيخ:

يفيد أن الإنسان يتحرز, وقول بَعْض النَّاس: يستعجل ويقول: فهمنا التوحيد, فهمنا لتوحيد, نريد كتاب آخر, نريد كذا, أعطنا كتاب فقه, وهو لا زال في أول الطلب, لأن هذا غلط ينبغي للإنسان أن يكون له عناية بالتوحيد والعقيدة حَتَّى يكون عنده بصيرة.

قارئ المتن:

وتفيد أَيْضًا أن المسلم المجتهد الذي إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبه على ذلك، فتاب من ساعته أنه لا يكفر، كما فعل بنو إسرائيل، والذين سألوا النبي الله صلى الله عليه وسلم.

شرح الشيخ:

تفيد الإنسان المجتهد والعالم والشخص إذا طلب أن يفعل شيئًا من الشرك بسبب الجهل ثُمَّ نبه واستغفر وتاب من ساعاته أَنَّهُ لا يقع في الشرك, كما فعل بنو إسرائيل لما قال لهم موسى: {إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون (139) قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِين}[الأعراف/139-140].

فتابوا, وكذلك أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا حديثًا لما زجرهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تابوا من ساعتهم ولم يفعلوا الشرك, فإذا طلب الإنسان أن يفعل الشرك بسبب الجهل ثُمَّ نبه وزجر وتاب من ساعته فإنه لا يكون مشركًا والحمد لله.

قارئ المتن:

وتفيد أَيْضًا أنه لو لم يكفر فإنه يغلظ عليه الكلام تغليظا شديدًا، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شرح الشيخ:

يغلظ بمعنى يزجر ولو كان قالها عن جهل, يزجر حَتَّى يتبين له عظم الأمر وخطورة الأمر, ولهذا لما قال قوم موسى: {اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون}[الأعراف/138]. وصفهم بالجهل {إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون (139) قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِين}[الأعراف/139-140].

وكذلك أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما طلبوا الذين أسلموا حديثًا لما طلبوا أن يجعل لهم ذات أنواط, قال: «الله أكبر إِنَّهَا السنن قلتم والَّذِي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى{اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}»، هذا من باب التغليظ يغلظ عليهم حَتَّى يتبين له أن الأمر عظيم, وأن الأمر خطير, وأنه ليس أمرًا سهلاً ولا هينًا.

قارئ المتن:

وللمشركين شبهة أخرى: يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة رضي الله عنه قتل من قال: (لا إله إلا الله)، وقال: ,أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله، وكذلك قوله: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» وكذلك وأحاديث أخرى في الكف عمن قالها.
ومراد هؤلاء الجهلة أن من قالها لا يكفر، ولا يقتل ولو فعل ما فعل.

فيقال لهؤلاء المشركين الجهال: معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل اليهود، وسباهم، وهم يقولون: (لا إله إلا الله)، وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصلون، ويدعون الإسلام، وكذلك الذين حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار. وهؤلاء الجهلة مقرون أن من أنكر البعث كفر وقتل ولو قال لا إله إلا الله، وأن من جحد شيئا من أركان الإسلام كفر وقتل ولو قالها. فكيف لا تنفعه إذا جحد فرعًا من الفروع وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أصل دين الرسل، ورأسه؟!. ولكن أعداء الله ما فهموا معنى الأحاديث.

فأما حديث أسامة رضي الله عنه فإنه قتل رجلاً ادعى الإسلام بسبب أنه ظن أنه ما ادعى الإسلام إلا خوفًا على دمه وماله. والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك. وأنزل الله تعالى في ذلك: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ}[النساء/94].

أي فتثبتوا. فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه، والتثبت، فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل لقوله تعالى: {فَتَبَيَّنُواْ}، ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى, وكذلك الحديث الآخر وأمثاله معناه ما ذكرناه أن من أظهر التوحيد والإسلام وجب الكف عنه إلى أن يتبين منه ما يناقض ذلك.

والدليل على هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: «أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله» وقال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» هو الذي قال في الخوارج: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم, لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» مع كونهم من أكثر الناس عبادة، وتهليلاً وتسبيحًا، حتى أن الصحابة يحقرون أنفسهم عندهم، وهم تعلموا العلم من الصحابة. فلم تنفعهم (لا إله إلا الله)، ولا كثرة العبادة، ولا ادعاء الإسلام لما ظهر منهم مخالفة الشريعة.

شرح الشيخ:

هذه الشبهة خلاصتها أن المشركين يستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله, فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأمالهم إِلَّا بحقها».

وحديث أسامة لما رفع السيف عَلَى رجل من المشركين قال: لا إله إِلَّا الله, فقتله ظن أَنَّهُ قالها تعوذا من القتل, فغلظ عليه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقال: «قتلته بعدما قال لا إله إِلَّا الله» فيقولون: هذا دليل عَلَى أن من قال لا إله إِلَّا الله لا يكفر, وعَلَى ذلك فيكون عباد الأصنام الذين يقولون: لا إله إِلَّا الله الذين يعبدون أصحاب القبور بالذبح لهم والنذر لهم لا يكفرون, نقول: هذا فهم خاطئ.

وخلاصة الجواب الَّذِي ذكره المؤلف رحمه الله: أن الشخص الَّذِي يقول لا إله إِلَّا الله ثُمَّ يفعل ناقض من نواقض الإسلام تبطل لا تنفعه, ولهذا قاتل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم اليهود وهم يقولون: لا إله إِلَّا الله, وقاتل الصَّحَابَة بنو حنيفة وهم يقولون: لا إله إِلَّا الله, ولكن المشرك إذا كان لا يقولها في حال كفره ثُمَّ قال لا إله إِلَّا الله يكف عنه, إذا كان المشرك لا يقولها في حال كفره ثُمَّ قالها يكف عنه, ويحكم بإسلامه ثُمَّ ينظر بعد ذلك إن التزم بأحكام الإسلام فالحمد لله, وإن فعل الشرك أو فعل ناقض قتل بعد ذلك, فهذا الَّذِي رفع إليه أسامة السيف لا يقولها في حال كفره, وإنما قال: لا إله إِلَّا الله, إذًا حكم بإسلامه, ولذلك غلظ عليه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

وكذلك قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل النَّاس حَتَّى يشهدوا ألا إله إِلَّا الله فإذا فعلوا ذلك عصموا دماؤهم وأموالهم» أما من كان يقولها في كفره فلا تنفعه, فاليهود يقولون: لا إله إِلَّا الله, لكنهم كفروا بإنكارهم نبوة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

وكذلك أَيْضًا من قال: لا إله إِلَّا الله ثُمَّ أنكر البعث كفر ما تنفعه انتقضت عليه الآية أَيْضًا, أو جحد وجوب الصَّلَاة, أو جحد وجوب الصوم, أو جحد وجوب الحج, أو جحد تحريم الزنا, أو جحد تحريم الربا, فكذلك إذا جحد التوحيد من باب أولى.

هؤلاء جحدوا توحيد الله, صرفوا الذبح والنذر والدعاء والطواف لغير الله U فمن باب أولى أنهم يكفرون.

إذا كان الَّذِي يفعل ناقضًا من نواقض الإسلام لا يكفر, والَّذِي يجحد فريضة التوحيد الَّذِي يجحد توحيد الله لا يكفر؟! سبحان الله!.

قارئ المتن:

وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود، وقتال الصحابة رضي الله عنهم بني حنيفة، وكذلك أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغزو بني المصطلق لما أخبره رجل أنهم منعوا الزكاة حتى أنزل الله تعالى

شرح الشيخ: وكذلك

قارئ المتن:

وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود، وقتال الصحابة رضي الله عنهم بني حنيفة.

شرح الشيخ:

كل هذا يَدُلّ تدل عَلَى أن الإنسان إذا فعل ناقضًا من نواقض الإسلام يقاتل, فبنو حنيفة لما قالوا: إن مسيلمة نبي قوتلوا, وكذلك اليهود يقولون: لا إله إِلَّا الله, لكن قوتلوا لِأَنَّهُم أنكروا نبوة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

قارئ المتن:

وكذلك أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغزو بني المصطلق لما أخبره رجل منهم أنهم منعوا الزكاة حتى أنزل الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}[الحجرات/6]. وكان الرجل كاذبا عليهم.

شرح الشيخ:

نعم بني المصطلق لما منعوا الزَّكَاة أراد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يغزوهم وكان الَّذِي جاء بالخبر فاسقًا كاذبًا فأنزل الله{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}[الحجرات/6].  فلهذا لم يغزهم النبي صلى الله عليه وسلم.

قارئ المتن:

وكل هذا يدل على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي احتجوا بها ما ذكرناه.

شرح الشيخ

نعم، هذه الأحاديث والنصوص يضم بعضها إِلَى بَعْض, ويعمل بها كلها, أَمَّا أن يعمل الإنسان ببعض النصوص ويجحد بَعْض النصوص فهذا هُوَ الكفر, كما قال الله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون}[البقرة/85].

قارئ المتن:

ولهم شبهة أخرى، وهو ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم بإبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى فكلهم يعتذروا، حتى ينتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالوا: فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركًا.

والجواب أن نقول: سبحان من طبع على قلوب أعدائه فإن الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها، كما قال الله تعالى في قصة موسى {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}[القصص/15].

وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب أو غيره في أشياء التي يقدر عليها المخلوق. ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء، أو في غيبتهم في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله.

شرح الشيخ:

هذه أَيْضًا شبهة من شبههم, الشبهة هو أنهم يقولون: الاستغاثة بالميت جائزة, والدَّلِيل عَلَى ذلك أن النَّاس يوم القيامة حينما يقفون بين يدي الله للحساب وتدنوا الشمس من رؤوسهم ويزاد في حرارتها, ويحصل لهم كرب وشدة يستغيثون بالأنبياء, يستغيثون بآدم ثُمَّ يعتذر, ثُمَّ يستغيثون بنوح فيعتذر, ثُمَّ يستغيثون بإبراهيم فيعتذر, ثُمَّ بموسى فيعتذر, ثُمَّ بعيسى فيعتذر, قالوا: هذا دليل عَلَى جواز الاستغاثة,.

والجواب: أن الاستغاثة بالحي الحاضر القادر لا بأس بها, بخلاف الاستغاثة بالميت, الاستغاثة بالميت أو بالغائب أو بالحي غير القادر هذا لا يجوز هذا شرك, الاستغاثة بالميت أو الاستغاثة بغائب أو بحي غير قادر فهذا لا يجوز, أَمَّا إذا استغاث بحي حاضر قادر لا بأس, كأن غريق يستغيث بسباح, شخص يجيد السباحة قال له: أغثني, لا بأس, أو يستنجد الإنسان أصحابه يعينونه في الحرب وبالمدد هذا لا بأس به, كما قال الله تعالى في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}[القصص/15]. لأنه قادر.

فالاستغاثة بالحي الحاضر القادر فيما يقدر عليه لا بأس بها, أَمَّا الاستغاثة بالميت أو الاستغاثة بالغائب, أو الاستغاثة بالحي الحاضر فيما لا يقدر عليه إِلَّا الله فهذا من الشرك، نعم هذا جواب الشبهة نعم

قارئ المتن:

إذا ثبت ذلك، فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة، يريدون منهم أن يدعوا الله أن يحاسب النَّاس.

شرح الشيخ:

والأنبياء حاضرون الأنبياء أحياء حاضرون يوم القيامة, أحياء حاضرون قادرون, يقدرون أن يدعوا الله سبحانه وتعالى, ولكن الشفاعة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهي الشفاعة العظمى, ولهذا لما وصلت النوبة إِلَى نَبِيّنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: «أنا لها, أنا لها» عليه الصلاة والسلام ثُمَّ ذهب عليه الصلاة والسلام وسجد تحت العرش ويفتح الله عليه يسجد تحت العرش ويفتح الله عليه محامد بمحامد لا يحسنها في دار الدنيا, ثُمَّ يأتي الإذن من ربه U., فيقول الرب سبحانه: «يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع واشفع تشفع».

قارئ المتن:

إذا ثبت ذلك، فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة، يريدون منهم أن يدعوا الله أن يحاسب النَّاس حتى يستريح أهل الجنة من كرب الموقف، وهذا جائز في الدنيا والآخرة.

شرح الشيخ:

نعم وهذا جائز الاستغاثة بالحي الحاضر القادر, جائز في الدنيا والآخرة, الاستغاثة بالحي الحاضر القادر جائز في الدنيا والآخرة,، أَمَّا الاستغاثة بالميت هذا شرك, أو الاستغاثة بالغائب الَّذِي لا يسمع شرك, أو الاستغاثة بالحي الحاضر فيما لا يقدر عليه إِلَّا الله فهذا أَيْضًا شرك.

قارئ المتن:

وذلك أن تأتي عند رجل صالح حي يجالسك، ويسمع كلامك، فتقول له: ادع الله لي، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه ذلك في حياته. وأما بعد موته فحاشا، وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره بل أنكر السلف الصالح على من قصد دعاء الله عند قبره، فكيف بدعائه نفسه؟!

شرح الشيخ:

الصَّحَابَة كانوا يأتون للنبي صلى الله عليه وسلم ويطلبون منه في حياته يستسقون, ولهذا لما توفي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأجدب النَّاس في زمن عمر بن الخطاب استسقوا بالعباس, فقال عمر: اللَّهُمَّ إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقنا هذا في حياته, وإنا نتوسل إليك بعم نَبِيّنا قم يا عباس فادعوا الله, فالعباس يدعوا وهم يؤمنون؛ لِأَنَّهُ حي حاضر, ولو كانوا يتوسلون بذاته لكان ذات النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أوجه وأوجه, ذاته في قبره عليه الصلاة والسلام, فدل عَلَى أنهم إِنَّمَا يتوسلون بدعائه, وقد توفي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فلذلك عدلوا إِلَى العباس.

وذكر المؤلف رحمه الله كما سبق من الأجوبة أن الصَّحَابَة قاتلوا الخوارج وهم مع عبادتهم العظيمة وأنهم يصلون في الليل ويصومون في النهار ويتلون الْقُرْآن ومع ذلك لما اعتقدوا هذه العقيدة الخبيثة وهي تكفير المسلمين بالمعاصي قاتلهم الصَّحَابَة؛ لِأَنَّهُم استحلوا دماء المسلمين, كل هذا يَدُلّ عَلَى ما سبق بأن الإنسان إذا فعل ناقضًا من نواقض الإسلام, أو فعل معصية توجب القتال فإنه يقاتل.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد