[قلت: مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفا، وهي: (أ، ل، م، ص، ر، ك، هـ، ي، ع، ط، س، ح، ق، ن) يجمعها قولك: (نص حكيم قاطع له سر)، وهي نصف الحروف عددا، والمذكور منها أشرف من المتروك، وبيان ذلك من صناعة التصريف.
قال الزمخشري: وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أصناف أجناس الحروف، يعني: من المهموسة والمجهورة، ومن الرخوة والشديدة، ومن المطبقة والمفتوحة، ومن المستعلية والمنخفضة، ومن حروف القلقلة، وقد سردها مفصلة ثم قال: فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته].
وهذه كلها معاني معروفة عند أهل التجويد تقسيم الحروف إلى: مطبقة ومفتوحة، ومستعلية ومستفلة، ومجهورة ومهموسة، ومقلقلة، معروف هذا عند أهل التجويد حروف القلقلة مجموعة في قولك: (قطب جد)، فتقول: (حميد مجيد) كذا تقف عليها ولا تقل: (حميد مجيد) وتسكت بغير قلقلة، بل لابد تقلقلها، (لأولي الألباب) هذه قلقلة أما سواها (في ضلال) ما تقلقلها الحروف الخمسة تقلقل هذا من باب الاستحباب. المقصود أن هذه المعاني معروفة عند أهل التجويد الحروف المهموسة وحروف الإطباق والحروف المستعلية وحروف القلقلة
في نسخة (وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أنصاف أجناس الحروف) الشيخ عندك أنصاف الأقرب (أنصاف) يعني نصف الحروف أربعة عشر وأربعة عشر ثمانية وعشرون أنصاف يعني نصف حروف الهجاء محتمل تكون أصناف بمعنى الأصناف التي قسمها للتجويد التجويد قسمها مثل ما سبق الحروف المهموسة حروف الإطباق محتمل نعم
[وقد سردها مفصلة ثم قال: فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته وهذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها، وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله، ومن ههنا لخص بعضهم في هذا المقام كلاما فقال: لا شك أن هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثا ولا سدى، ومن قال من الجهلة: إن في القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلية فقد أخطأ خطأ كبيرا].
جاء في نسخة (لحظ) بدل (لخص) ولعلها أقرب، لأن لحظ هذا ملحظ.
قال: [ومن ههنا لحظ بعضهم في هذا المقام كلاما فقال: لا شك أن هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثا ولا سدى، ومن قال من الجهلة: إن في القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلية فقد أخطأ خطأ كبيرا فتعين أن لها معنى في نفس الأمر، فإن صح لنا فيها عن المعصوم شيء قلنا به، وإلا وقفنا حيث وقفنا وقلنا: {آمنا به كل من عند ربنا} [آل عمران:7]].
وهذا هو الصواب أن لها معنى، لكن الله أعلم به، إن صح به الخبر قلنا به، وإن لم يصح فلا، ولهذا لم يأت نص في تفسير هذه الحروف، فنقول: الله أعلم بمعناها. لها معنى لكن الله أعلم به
[ولم يجمع العلماء فيها على شيء معين، وإنما اختلفوا، فمن ظهر له بعض الأقوال بدليل فعليه اتباعه، وإلا فالوقف حتى يتبين، هذا مقام.
المقام الآخر: في الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف].
المقام الأول في بيان معناها، الصواب أن معناها لا يعلم، يوكل إلى الله عز وجل.
المقام الثاني: في بيان حكمة إيرادها في أوائل السور، هذه الحكمة في إيرادها في أوائل السور -كما سينقل المؤلف رحمه الله عن شيخ الإسلام ابن تيمية والمزي: أن الحكمة منها بيان إعجاز القرآن، وأن القرآن معجز، والقرآن نزل بلغة العرب بالحروف الهجائية الثمانية والعشرين، ومع ذلك عجزوا عن أن يعارضوه وأن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة، ولهذا يأتي بعد الحروف المقطعة الانتصار للقرآن في كل سورة تبدأ بهذه الحروف المقطعة يأتي الانتصار للقرآن وبيانه وبيان إعجازه :{الر كتاب أنزلناه إليك} [إبراهيم:1]، والتنويه به
على أن المعتزلة يقولون: الإنزال لا ينافي الخلق، مخلوقة وهي منزلة، يقولون مثل قوله تعالى: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد} [الحديد:25] فهو منزل وهو مخلوق، وإنزال المطر، العلماء بينوا الفرق بينها إنزال الحديد مطلق وإنزال المطر إنزال من السماء أما القرآن فهو منزل من عند الله: {ولكن حق القول مني} [السجدة:13]: {منزل من ربك} [الأنعام:114]، وقوله: {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم} [الزمر:1]. هذا الفرق بينها
فالمعتزلة يقولون: وإن جاء في القرآن أنه منزل لا ينافي أنه مخلوق، فهو مخلوق ومنزل، كما أن الحديد مخلوق ومنزل، والمطر مخلوق ومنزل والأنعام مخلوقة ومنزلة هذه شبهة للمعتزلة، لكن أجاب عنها أهل السنة ببيان الفرق بين إنزال القرآن وإنزال هذه الأشياء.
[المقام الآخر: في الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور ما هي مع قطع النظر عن معانيها في أنفسها].
يعني معناها لا نعلمه، لكن ما الحكمة في إيرادها؟ هذا مقام غير المقام الأول، المقام الأول مقام المعنى، مثل ما سبق أسلمها وأصحها الله أعلم بمعناها. ومنهم من قال أسماء للسور ومنهم من قال أسماء لله ومنهم من قال قسم ومنهم من قال لبيان المدد والآجال
[فقال بعضهم: إنما ذكرت ليعرف بها أوائل السور، حكاه ابن جرير، وهذا ضعيف؛ لأن الفصل حاصل بدونها فيما لم تذكر فيه، وفيما ذكرت فيه البسملة تلاوة وكتابة].
الفصل معروف في السورة، تنتهي وتبتدأ السورة بالبسملة، ما عدا سورة براءة.
[وقال آخرون: بل ابتدئ بها لتفتح لاستماعها أسماع المشركين؛ بالتواصي بالإعراض عن القرآن حتى إذا استمعوا له تلا عليهم المؤلف منه، حكاه ابن جرير أيضا، وهو ضعيف أيضا...}
الشيخ المؤلف يعني القرآن ألف من هذه الحروف
[{حكاه ابن جرير أيضا، وهو ضعيف أيضا لأنه لو كان كذلك لكان ذلك في جميع السور، لا يكون في بعضها، بل غالبها ليس كذلك، ولو كان كذلك أيضا لانبغى الابتداء بها في أوائل الكلام معهم، سواء كان افتتاح سورة أو غير ذلك، ثم إن هذه السورة والتي تليها أعني البقرة وآل عمران مدنيتان ليستا خطابا للمشركين، فانتقض ما ذكروه بهذه الوجوه.
وقال آخرون: بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين، وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا وقرره الزمخشري في كشافه ونصره أتم نصر، وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية، وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي وحكاه لي عن ابن تيمية]
وهذا هو الصواب أن الحكمة من إيرادها بيان إعجاز القرآن، وأن هذا القرآن مؤلف من هذه الحروف الهجائية؛ لأنه نزل بلغة العرب من ثمانية وعشرين ومع ذلك عجز البشر أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة من مثله، وهو من هذه الحروف الهجائية الثمانية والعشرين
[قال الزمخشري: ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن، وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت كما كررت قصص كثيرة، وكرر التحدي بالصريح في أماكن.
قال: وجاء منها على حرف واحد كقوله: (ص، ن، ق)، وحرفين مثل: (حم)، وثلاثة مثل: (الم)، وأربعة مثل: (المر)، و (المص)، وخمسة مثل: (كهيعص، وحم عسق)؛ لأن أساليب كلامهم على هذا من الكلمات ما هو على حرف وعلى حرفين وعلى ثلاثة وعلى أربعة وعلى خمسة لا أكثر من ذلك.
قلت]
(قلت) هذا من الحافظ تأييد لما نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية وعدد من العلماء، يعني يؤيد كونها إعجاز للقرآن أن كل سورة افتتحت بهذه الحروف يأتي الانتصار للقرآن. {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه} [البقرة:1 - 2]، {الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم * نزل عليك الكتاب } [آل عمران:1 - 3]، {المص * كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه}
[قلت: ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلابد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء، وهو الواقع في تسع وعشرين سورة، ولهذا يقول تعالى: {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه} [البقرة:1 - 2]، {الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم * نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه} [آل عمران:1 - 3]، {المص * كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه} [الأعراف:1 - 2]، {الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم} [إبراهيم:1]، {الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} [السجدة:1 - 2]، {حم * تنزيل من الرحمن الرحيم} [فصلت:1 - 2]، {حم * عسق * كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم} [الشورى:1 - 3]، وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر، والله أعلم].
وهذا التأييد للترجيح: {كهيعص * ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى ربه نداء خفيا} [مريم:1 - 3]
سؤال في سور ما فيها هذه
عند النظر قد يرجع إليها {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} [مريم:2] في هذا القرآن يمكن عند التأمل لكن ما يكون واضح النص على القرآن لكن ذكر {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} [مريم:2] في هذا القرآن.
طالب ما يكون فيها ذكر الكلام كلام زكريا مع ربه
وكذلك أيضا والله ذكر هذه القصة في هذا القرآن، وهي قصة واقعة ومعروفة، ويتكلم بها الإنسان بأسلوبه، ومع ذلك يأتي بها القرآن والبشر لا يستطيعون أن يأتوا بمثل كلام الله حينما قص علينا هذه القصة.
[وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد، وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم فقد ادعى ما ليس له، وطار في غير مطاره].
صدق رحمه الله، ما علاقة المدد بالحروف كل حرف يجعله يفيد كذا، الألف كذا، واللام ثلاثين والميم أربعين؟!
[وقد ورد في ذلك حديث ضعيف، وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته، وهو ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي: حدثني الكلبي عن أبي صالح ...)
والكلبي كذاب فهو باطل هذا الأثر
[{حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله بن رئاب قال: (مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه} [البقرة:1 - 2] فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود فقال: تعلمون والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل الله تعالى عليه {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه} [البقرة:1 - 2] فقال: أنت سمعته؟ قال: نعم. قال: فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد! ألم يذكر أنك تتلو فيما أنزل الله عليك: {الم * ذلك الكتاب} [البقرة:1 - 2]؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى. فقالوا: جاءك بهذا جبريل من عند الله؟ فقال: نعم.
قالوا: لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك.
فقام حيي بن أخطب وأقبل على من كان معه فقال لهم: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟! ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! هل مع هذا غيره؟ فقال: نعم.
قال: ما ذاك؟ قال: {المص} [الأعراف:1]، قال: هذا أثقل وأطول: الألف واحد، واللام ثلاثون والميم أربعون، والصاد تسعون، فهذه إحدى وثلاثون ومائة سنة ...}]
إحدى وستون إذا جمعتها تجيء إحدى وستون سنة هذه الحروف الأبجدية
" أبجد هوز حطي كلمن سعفص ..." المعروفة اللف واحد والباء اثنان والجيم كما هو معروف عندهم هذا مشى على الحروف الأبجدية اللام ثلاثون والميم كذا على حسب ما هو معروف
حيي اسمه حيي بن أخطب اليهودي معروف
[{هل مع هذا -يا محمد- غيره؟! قال: نعم.
قال: ما ذاك؟ قال: {الر} [الرعد:1]، قال: هذا أثقل وأطول: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والراء مائتان، فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة.}]
يجعلون الراء مائتين والذال أربعة ولهذا يقول في تاريخ "شهر ولادة در وللشرع در" يجعلون الدال أربعة والراء مائتين كل مائتين أربعة
ولهذا يقال في تاريخ وفاة الشافعي: (در)، فالدال أربعة، والراء مائتان، فتكون وفاته في عام مائتين وأربعة.
مالك، القاف مائة والعين سبعين أو كذا والطاء ثمان أو كذا و وللشافعي (در) الراء مائتين والدال أربعة مائتان وأربعة و(رام) لابن حنبل مائتان وواحد وأربعون يعني معروف هذه تضبط بها الوفيات الحروف الأبجدية فإذا حفظت الأبيات عرفت وفيات الأئمة فنعمان (قان) لـ أبي حنيفة و (طعق) لمالك وللشافعي (در) و (رام) لابن حنبل هذه وفيات الأئمة الأربعة فنعمان (قان) فالقاف بمائة، والألف بواحد، والنون أربعين أو خمسين، مائة واحد وأربعين أو مائة وواحد وخمسين.
و (طعق) لـ مالك مائة وست وسبعين.
وللشافعي (در) و (رام) لـ ابن حنبل، تضبط بها الوفيات. هذا مشى عليه الحروف الأبجدية
[فهل مع هذا -يا محمد- غيره؟ قال: نعم.
قال: ماذا؟ قال: {المر} [الرعد:1]، قال: هذه أثقل وأطول: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والراء مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومائتان.
ثم قال: لقد لبس علينا أمرك -يا محمد- حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا؟! ثم قال: قوموا عنه، ثم قال أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب ولمن معه من الأحبار: ما يدريكم لعله قد جمع هذا لمحمد كله]
يعني كل المدد التي سبقت
[{إحدى وسبعون، وإحدى وستون ومائة، وإحدى وثلاثون ومائتان، وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائة وأربع سنين.
فقالوا: لقد تشابه علينا أمره.
فيزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} [آل عمران:7]).
فهذا الحديث مداره على محمد بن السائب الكلبي، وهو ممن لا يحتج بما انفرد به].
لأنه كذاب، باطل.
[{ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحا أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها].
يعني مقتضى هذا كل الحروف الأربعة عشر تحسب على هذه الطريقة، كل حرف له مدة، تزيد المدد تكون مددا كثيرة. وما ذكر إلا بعض الحروف وصلت إلى سبع مائة بقيت حروف أخرى
[ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحا أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها وذلك يبلغ منه جملة كثيرة، وإن حسبت مع التكرر فأطم وأعظم، والله أعلم].
هذا كلام لا وجه له، أقول لا وجه له
على كل حال كل هذا القول رجم بالغيب ليس له مستند إلا هذا الحديث الباطل.
سؤال
من ذكر هذا؟ خرافي هذا من خرافاتهم {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو} [الأعراف:187]، ولما سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل؟ قال: أخبرني عن أماراتها). علامات الساعة الكبرى ما خرجت
من بطلان هذا القول إن أشراط الساعة الكبار ما خرجت عشر كبار
سؤال ما يزعمه اليهود والنصارى ويتحدث الآن في وسائل الإعلام بأن نزول المسيح عليه السلام قد يكون في عام 2000م
الجواب باطل -الله أعلم-؛ لأن نزول المسيح عليه السلام إنما يكون بعد الدجال وبعد خروج المهدي المهدي أول علامات الساعة الكبرى، رجل من آل البيت من سلالة فاطمة سلالة علي رضي الله عنه اسمه كاسمي وكنيته أبو عبد الله محمد المهدي يملك الأرض، ويبايع له في آخر الزمان في وقت ليس للناس فيه إمام، ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، في وقت تحصل للناس الفتن في الشام، وفي وقت تقع حروب طاحنة بين النصارى وبين المسلمين، يخرج له جيش من أهل المدينة، يقتل الثلث، ويهزم الثلث، وينتصر الثلث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف أسماءهم، وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم) ظاهره أنهم يقاتلون على الخيل.
ثم أيضا كذلك جاء في الحديث أنه يحصل هدنة بين المسلمين وبين النصارى، فيغدر النصارى ويأتون بجيش عظيم في ثمانين راية، تحت كل راية ثمانون ألفا، هذا العدد هذا ما حصل إلى الآن وهذا ثابت في صحيح مسلم، وبعضه في لصحيحين.
ثم أيضا تفتح القسطنطينية في زمن المهدي، ويعلق الناس سيوفهم بالزيتون، ثم بعد ذلك يصيح الشيطان أن الدجال قد خرج، بعد فتح القسطنطينية يخرج الدجال في زمن المهدي ثم هذه هي العلامة الثانية ثم العلامة الثالثة: ينزل عيسى ابن مريم، ويقتل الدجال، ثم العلامة الرابعة: يخرج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى، فيتحرز الناس في جبل الطور، يوحي الله إلى عيسى أن: حرز عبادي لجبل الطور ثم يهلكهم الله في ليلة واحدة، هذه أربع متوالية مرتبة أيضا: المهدي، ثم الدجال، ثم عيسى، ثم يأجوج ومأجوج، ثم تتابع بقية الأشراط، والله أعلم بترتيبها، لكن آخرها طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة، ثم كذلك هدم الكعبة -والعياذ بالله-، ونزع القرآن من الصدور والمصاحف، والدخان الذي يملأ الأرض، ثم آخرها نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا، وتأتي ريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، ثم تقوم الساعة على الكفرة. نسأل الله السلامة والعافية
سؤال
المهدي فيه أحاديث كثيرة بعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها موضوع، لكن فيه أحاديث ثابتة.
جعل الله تبارك وتعالى كتابه الكريم في منزلة عالية رفيعة، فقد فصله بحكمته وأنزله بعلمه، لا تشوبه شائبة ريب ولا شك، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه، وجعله مشتملا على الهداية العظيمة التي ينتفع بها المتقون من عباده.
قال تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} [البقرة:2].
[قال ابن جريج: قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: {ذلك الكتاب} [البقرة:2] أي: هذا الكتاب.
وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم وابن جريج: أن (ذلك) بمعنى (هذا).
والعرب تعارض بين اسمي الإشارة].
الصواب (تعاوض)، يعني: يتعاوض بعضها إلى بعض {ذلك الكتاب} [البقرة:2] بمعنى هذا الكتاب، (ذلك): اسم إشارة للبعيد، و(هذا) اسم إشارة للقريب، فسر هذا بهذا، {ذلك الكتاب} [البقرة:2] أي: هذا الكتاب. والعرب تعاوض بعضها إلى بعض يعني ينوب بعضها عن بعض، تعاوض بالواو
تقارض؟ أيضا له وجه يعني تنيب هذا عن هذا بمعنى تعاوض لكن مادام موجودة الآن تعاوض الراء أقرب نسختين نسخة تعاوض ونسخة تقارض إما تعاوض وإما تقارض تقول اقترض كذا يعني الحروف يقارب بعضها بعض بمعنى تعاوض ينوب بعضها عن بعض
يقول الشاعر: شربنا بماء البحر. يعني: شربنا من ماء البحر، الباء بمعنى (من). الحروف تنوب بعضها عن بعض هذا الكتاب يعني ذلك الكتاب
[فيستعملون كلا منهما مكان الآخر، وهذا معروف في كلامهم، وقد حكاه البخاري عن معمر بن المثنى أبي عبيدة].
عن معمر بن المثني هو أبو عبيدة لا (عن) هنا زائدة، فـ أبو عبيدة هو معمر بن المثنى، يعني معمر بن المثنى اسم لأبي عبيدة عن معمر بن المثنى أبي عبيدة يعني اسمه معمر بن المثنى وكنيته: أبو عبيدة، اللغوي المعروف المشهور، حكى عنه لأنه لغوي لأن هذه مسألة لغوية نقل عن لغوي إمام في اللغة معروف. حكاه من؟
[وقد حكاه البخاري عن معمر بن المثنى أبي عبيدة وقال الزمخشري: ذلك إشارة إلى {الم} [البقرة:1] كما قال تعالى: {لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك} [البقرة:68]، وقال تعالى: {ذلكم حكم الله يحكم بينكم} [الممتحنة:10] وقال: {ذلكم الله} [الأنعام:95]، وأمثال ذلك مما أشير به إلى ما تقدم ذكره، والله أعلم.
وقد ذهب بعض المفسرين فيما حكاه القرطبي وغيره أن (ذلك) إشارة للقرآن الذي وعد الرسول صلى الله عليه وسلم بإنزاله عليه، أو التوراة أو الإنجيل أو نحو ذلك من أقوال عشرة، وقد ضعف هذا المذهب كثيرون، والله أعلم.
والكتاب: القرآن، ومن قال: إن المراد بذلك الكتاب الإشارة للتوراة والإنجيل كما حكاه ابن جرير وغيره فقد أبعد النجعة، وأغرق في النزع، وتكلف ما لا علم له به].
النجعة -بالضم كما في القاموس- على غير القياس، القياس أن يقال: النجعة -بالفتح- مثل ضربة، وقتلة، وأكلة، يقال: ضرب ضربة، قتل قتلة، لكن هذا على خلاف القياس، هذا سماع النجعة
... إذا المعاوضة تكون أقرب على هذا لكن يراجع
[والريب: الشك، قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود رضي الله عنه وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا ريب فيه} [البقرة:2]: لا شك فيه.
وقال أبو الدرداء وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو مالك ونافع مولى ابن عمر وعطاء وأبو العالية والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان والسدي وقتادة وإسماعيل بن أبي خالد، وقال ابن أبي حاتم: لا أعلم في هذا خلافا].
يعني الريب بمعنى الشك {الكتاب لا ريب فيه} [البقرة:2] يعني: هذا القرآن العظيم لا شك ولا مرية فيه أنه منزل من عند الله على محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه حق.
[وقد يستعمل الريب في التهمة، قال جميل:
بثينة قالت يا جميل أربتني فقلت كلانا يا بثين مريب]
يعني متهم (أربتني): يعني اتهمتني قال: كلانا متهم.
[واستعمل أيضا في الحاجة، كما قال بعضهم:
قضينا من تهامة كل ريب وخيبر ثم أجممنا السيوفا].
يعني: كل حاجة.
[ومعنى الكلام هنا أن هذا الكتاب -وهو القرآن- لا شك فيه أنه نزل من عند الله، كما قال تعالى في السجدة: {الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} [السجدة:1 - 2].
وقال بعضهم: هذا خبر ومعناه النهي، أي: لا ترتابوا فيه.
ومن القراء من يقف على قوله تعالى: (لا ريب) ويبتدئ بقوله تعالى: {فيه هدى للمتقين} [البقرة:2]، والوقف على قوله تعالى: {لا ريب فيه} [البقرة:2] أولى للآية التي ذكرناها].
يعني آية (تنزيل) السجدة؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضا، لا ريب فيه أي لا شك فيه أنه منزل من عند الله وأنه حق ومن القراء من يقرأ يقف على الكتاب{ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب [البقرة:2]، إذا (فيه) تابعة للجملة التي بعدها، والأرجح {لا ريب فيه} أي: لا شك فيه، كما في آية السجدة؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضا.{ذلك الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين}
سؤال ...
معروف كذلك النفي الوارد في أسماء الله وصفاته يتضمن إثبات ضده من الكمال نفي الظلم {ولا يظلم ربك أحدا} [الكهف:49] يتضمن كمال العدل، لا يظلم أحدا لكمال عدله. {لا تأخذه سنة ولا نوم} [البقرة:255] لكمال حياته وقيوميته {لا تدركه الأبصار} [الأنعام:103] لكمال عظمته وأنه أكبر من كل شيء وهكذا كل نفي إنما يتضمن إثبات ضده من الكمال، أما النفي الصرف المحض هذا لا مدح فيه.
سؤال
لا. مستحبة ليست واجبة الواجب إخراج الحروف من مخارجها تقرأ قراءة فصيحة واضحة ما تسقط شيء من الحروف أما الالتزام بأحكام التجويد هذا من باب الاستحباب والكمال أما قول الجزري:
والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم
هذا ليس بصحيح على إطلاقه ليس حتما لازما قيل بالتجويد يعني إخراج الحروف من مخارجها المهم تقرأ قراءة واضحة ما تسقط شيء من الحروف هذا الواجب أما هذا من باب التحسين والجمال والكمال الالتزام بحروف القلقلة والمدود والغنة وأحكام الميم الساكنة وكل هذا من باب الاستحباب
[والوقف على قوله تعالى: {لا ريب فيه} [البقرة:2] أولى للآية التي ذكرناها ولأنه يصير قوله تعالى: {هدى} [البقرة:2] صفة للقرآن، وذلك أبلغ من كون (فيه هدى).
و (هدى): يحتمل من حيث العربية أن يكون مرفوعا على النعت ومنصوبا على الحال].
يعني كل هذا مرجحات من المرجحات أولا: {لا ريب فيه} أولا أن هذا جاء في آية أخرى
ثانيا: أن يكون (هدى) وصف للقرآن كله {لا ريب هدى للمتقين} [البقرة:2] يعني: هو هدى للمتقين.
وقوله: [(وهدى) يحتمل من حيث العربية أن يكون مرفوعا على النعت ومنصوبا على الحال]
النعت في قوله الكتاب نعت للكتاب أو على الحال.
[وخصت الهداية للمتقين كما قال تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد} [فصلت:44]، {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} [الإسراء:82] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اختصاص المؤمنين بالنفع بالقرآن؛ لأنه هو في نفسه هدى، ولكن لا يناله إلا الأبرار، كما قال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} [يونس:57].
وقد قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هدى للمتقين} [البقرة:2] يعني: نورا للمتقين.
وقال أبو روق عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {هدى للمتقين} [البقرة:2] قال: هم المؤمنون الذين يتقون الشرك بي ويعملون بطاعتي.
وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس: {للمتقين} [البقرة:2] قال: الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به.
وقال سفيان الثوري: عن رجل عن الحسن البصري: قوله تعالى: {للمتقين} [البقرة:2] قال: اتقوا محارم الله عليهم وأدوا ما افترض عليهم.
وقال أبو بكر بن عياش: سألني الأعمش عن المتقين فأجبته، فقال لي: سل عنها الكلبي، فسألته فقال: الذين يجتنبون كبائر الإثم، قال: فرجعت إلى الأعمش فقال: يرى أنه كذلك، ولم ينكره.
وقال قتادة: {للمتقين} [البقرة:2]: هم الذين نعتهم الله بقوله: {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة} [البقرة:3] الآية والتي بعدها، واختيار ابن جرير أن الآية تعم ذلك كله، وهو كما قال]
وكل هذه الأقوال حق، وأصل التقوى: توحيد الله، وإخلاص الدين له، وأداء الفرائض، والامتناع عن المحارم، وإذا ارتكب شيئا من المحرمات أو قصر في شيء من الواجبات نقصت التقوى وضعفت، فالمؤمن اتقي الشرك، واتقي الخلود في النار ولو كان عاصيا، ولكن إذا اتقى الشرك واتقى المعاصي، وأدى ما أوجب الله عليه كملت التقوى فدخل الجنة من أول وهلة.
أما إذا اتقى الشرك ولكنه لم يتق الكبائر ومات عليها من غير توبة فهو اتقى الخلود في النار، لكن قد يدخل النار تحت مشيئة الله وقد يعفى عنه.
الهداية المراد هداية التوفيق والتسديد، خاصة هداية القلوب، أما هداية البيان والإرشاد والدلالة هذه حاصلة لكل البشر كما يأتي المؤلف يذكره رحمه الله، هداية الدلالة والإرشاد هذه عامة لكل أحد حتى الكفار، وهذه لابد منها في قيام الحجة، لا تقوم الحجة حتى تحصل هذه الهداية لكل أحد، قال تعالى:{وأما ثمود فهديناهم} [فصلت:17] يعني: دللناهم، هداية دلالة وإرشاد {فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت:17] وهي المثبتة للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [الشورى:52].
أما هداية الإلهام والتوفيق والتسديد هذه لا يقدر عليها إلا الله، كون الإنسان يقبل الحق ويرضاه ويختاره هذا إلى الله وهذه قد نفاها الله عن نبيه في قوله: {إنك لا تهدي من أحببت} [القصص:56] يعني: لا توفق ولا تلهم، ولا تجعله يقبل الحق ويرضى به، هذه نزلت تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم لما مات أبو طالب على الشرك، وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هدايته، فأنزل الله: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} [القصص:56].
أما هداية الدلالة والإرشاد قد قال سبحانه: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [الشورى:52] يعني: ترشد وتدل.
وقد ذكر الحافظ ابن كثير أقوال السلف في معنى قوله تعالى: (هدى للمتقين) وهذا كله حق، السلف يفسرون الكلمات يفسرونها ببعض معناها، والمراد الجميع، فمن السلف من قال: هي كذا، هي بيان ومنهم من فسرها ببعضها، مثل الذي يقول: التقوى: الصلاة، التقوى: الزكاة، هذه من عادة السلف تفسير الشيء ببعض معناه، والمراد الجميع.
[وقال قتادة: {للمتقين} [البقرة:2]: هم الذين نعتهم الله بقوله: {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة} [البقرة:3] الآية والتي بعدها، واختيار ابن جرير أن الآية تعم ذلك كله، وهو كما قال.
وقد روى الترمذي وابن ماجه من رواية أبي عقيل عن عبد الله بن يزيد عن ربيعة بن يزيد وعطية بن قيس عن عطية السعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس فيه حذرا مما به بأس) ثم قال الترمذي: حسن غريب]
يعني يترك ما يشك فيه إلى ما لا يشك فيه يعني: يترك ما ليس به بأس، يترك التوسع في المباحات حذرا من الوقوع في المحرمات، ولهذا فالسابقون المقربون يفعلون الواجبات والمستحبات، ويتركون المحرمات والمكروهات وفضول المباحات خشية الوقوع في المكروهات لا يبلغ الإنسان أن يكون متقيا حتى يدع ما لا به بأس حذرا مما به بأس
قال حسن غريب
فيه عبد الله بن عقيل، في حفظه شيء ضعف، لكن المعنى صحيح يعني يترك التوسع في المباحات خشية الوقوع في المكروهات أو في المحرمات. يترك ما لا به بأس حذرا مما به بأس
ثم قال الترمذي حسن غريب
[وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن عمران عن إسحاق بن سليمان - يعني الرازي - عن المغيرة بن مسلم عن ميمون أبي حمزة قال: كنت جالسا عند أبي وائل، فدخل علينا رجل يقال له: أبو عفيف من أصحاب معاذ رضي الله عنه، فقال له شقيق بن سلمة: يا أبا عفيف! ألا تحدثنا عن معاذ بن جبل؟ قال: بلى، سمعته يقول: (يحبس الناس يوم القيامة في بقيع واحد، فينادي مناد: أين المتقون؟ فيقومون في كنف من الرحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر).
قلت: من المتقون؟ قال: قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان، وأخلصوا لله العبادة فيمرون إلى الجنة]
[ويطلق الهدى ويراد به ما يقر في القلب من الإيمان، وهذا لا يقدر على خلقه في قلوب العباد إلا الله عز وجل].
هداية التوفيق والتسديد هداية الإلهام كونه يقبل الحق ويرضى به، وهذا لا يقدر عليه إلا الله. الهداية نوعان
قال الله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت} [القصص:56]، وقال: {ليس عليك هداهم} [البقرة:272]، وقال: {من يضلل الله فلا هادي له} [الأعراف:186]، وقال: {من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} [الكهف:17].
كل هذه الآيات في التوفيق والتسديد والإلهام إلى غير ذلك من الآيات ويطلق ويراد به بيان الحق وتوضيحه والدلالة عليه والإرشاد إليه، قال الله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [الشورى:52].
[وقال: {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد} [الرعد:7]، وقال تعالى: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت:17] يعني دللناهم على طريق الحق وقال: {وهديناه النجدين} [البلد:10] على تفسير من قال: المراد بهما الخير والشر وهو الأرجح، والله أعلم.
وأصل التقوى: التوقي مما يكره؛ لأن أصلها (وقوى) من الوقاية، قال النابغة:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد]
والنصيف: الخمار على رأسها. سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد
يعني تسترها جعلت اليد وقاية لما سقط نصيفها جعلت يدها تسترها عن الرجال
[وقال الآخر: فألقت قناعا دونه الشمس واتقت بأحسن موصولين كف ومعصم].
الشاهد قوله: (واتقت)، وأن التقوى معناها الوقاية، يجعل الإنسان بينه وبين الشيء وقاية ساترا.
[وقد قيل: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب عن التقوى فقال له: أما سلكت طريقا ذا شوك؟! قال: بلى. قال: فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت. قال: كذلك التقوى].
هذا هو الطريق الحسي، وهذا الطريق المعنوي، فكما أن الإنسان في الطريق الحسي يتوقى الشوك، فكذلك هنا في المعنوي الصراط المستقيم- يتوقى الشرك والمعاصي.
[وقد أخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال:
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى]
يعني: لا تحقر المعاصي؛ تتجمع المعاصي حتى تهلك الإنسان، فكذلك الجبل أصله من الحصا تتجمع حصا صغار حتى يكون جبلا، كذلك المعاصي تتجمع حتى تهلك الإنسان.
[وأنشد أبو الدرداء يوما:
يريد المرء أن يؤتى مناه ويأبى الله إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي وتقوى الله أفضل ما استفادا
وفي سنن ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيرا من زوجة صالحة، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله)].
رواه ابن ماجه، وفي سنده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف والألهاني أشد منه
لكن معناه صحيح المعنى صحيح قال تعالى: {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله} [النساء:34]، وجاء ما يدل على هذا المعنى معناه أظن جاء في أحاديث أخرى.
[قوله تعالى: (الذين يؤمنون بالغيب) قال أبو جعفر الرازي عن العلاء بن المسيب بن رافع عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: الإيمان التصديق.
وقال علي بن أبي طلحة وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: {يؤمنون} [البقرة:3]: يصدقون.
وقال معمر عن الزهري: الإيمان: العمل.
وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس: {يؤمنون} [البقرة:3]: يخشون.
قال ابن جرير: والأولى أن يكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولا واعتقادا وعملا وقد تدخل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل]
الحق كما قال ابن جرير رحمه الله، أن الإيمان يشمل القول والعمل والاعتقاد.
وأصل الإيمان هو التصديق في القلب، ثم يتبعه العمل، وخلاصته الخشية لله عز وجل، فالإيمان أصله التصديق، ويدخل فيه العمل والاعتقاد ويدخل فيه قول القلب وهو التصديق، وعمل القلب، وهو النية والإخلاص، وعمل الجوارح، وأقوال اللسان، واعتقاد القلوب هذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، أن الإيمان قول باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالقلب وعمل الجوارح، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، كما قال ابن جرير رحمة الله عليه: الإيمان قول واعتقاد وعمل، ولهذا قال: الإيمان عمل ونية، يعني عمل القلب: وهو النية والإخلاص والصدق والمحبة والرغبة والرهبة، وعمل الجوارح المعروفة وأقوال اللسان وأقوال القلب كل هذا داخل في مسمى الإيمان، خلافا للمرجئة القائلين بأن الإيمان هو تصديق القلب، وأما الأعمال فيخرجونها من مسمى الإيمان، وهذا غلط، قال بهذا المرجئة المحضة، وهم الجهمية، وقال به مرجئة الفقهاء، وهم أبو حنيفة وأصحابه وأهل الكوفة، فأهل الكوفة قالوا: الإيمان التصديق، والعمل لا يدخل في مسمى الإيمان، لكنه مطلوب.
فيكون الواجب على الإنسان شيئان التصديق والعمل الإيمان والعمل وهما شيئان قال أهل السنة والجماعة قاطبة ما عدا مرجئة الفقهاء: الإيمان التصديق والعمل، كلاهما يسمى إيمان داخل في مسمى الإيمان، كلاهما واجب.
قال الأحناف: العمل واجب آخر، الإيمان شيء والعمل شيء آخر، وكلاهما واجبان. وأهل السنة يقولون كلاهما واجبان وكلاهما إيمان
وأما المرجئة المحضة يقولون لا العمل ليس مطلوبا الجهمية وغيرهم: إذا عرف الإنسان ربه بقلبه كفى.
وهذا من أبطل الباطل، حتى ما قالوا: الإيمان التصديق، وإنما قالوا: الإيمان المعرفة، وعلى هذا ألزمهم أهل السنة والجماعة بأن يدخل جميع الكفرة المعترفين بهذا يدخل إبليس عارف بربه، وفرعون عارف بربه، واليهود عارفون بربهم، وأبو طالب عارف بربه، وهؤلاء كفار بالإجماع، نسأل الله السلامة والعافية.
[قال: وقد تدخل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل، والإيمان كلمة جامعة للإيمان بالله وكتبه ورسله وتصديق الإقرار بالفعل.
قلت: أما الإيمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض، وقد يستعمل في القرآن والمراد به ذلك، كما قال تعالى: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} [التوبة:61]، وكما قال إخوة يوسف لأبيهم: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} [يوسف:17].
وكذلك إذا استعمل مقرونا مع الأعمال، كقوله تعالى: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [الشعراء:227]، فأما إذا استعمل مطلقا فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادا وقولا وعملا، هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة، بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وغير واحد إجماعا].
أبو عبيد هو القاسم بن سلام الفقيه صاحب كتاب (الأموال)، وأما أبو عبيدة -بالتاء- فهو معمر بن المثنى اللغوي المعروف.
[بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وغير واحد إجماعا: أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص].
وهذا هو الذي عليه عامة أهل السنة، وهو الصواب، وإن كان الإيمان أصله في اللغة التصديق، لكن الإيمان الشرعي لابد فيه من العمل أعمال القلوب والجوارح مع اعتقاد القلب وتصديقه وإقراره واعترافه، وهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
[وقد ورد فيه آثار كثيرة وأحاديث أفردنا الكلام فيها في أول شرح البخاري، ولله الحمد والمنة].
الحافظ ابن كثير رحمه الله له شرح على البخاري، ما أدري هل وجد منه شيء أم لا.
[ومنهم من فسره بالخشية، كقوله تعالى: {إن الذين يخشون ربهم بالغيب} [الأنبياء:49].
وقوله: {من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب} [ق:33].
والخشية: خلاصة الإيمان والعمل، كما قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر:28].
وقال بعضهم: يؤمنون بالغيب كما يؤمنون بالشهادة، وليسوا كما قال تعالى عن المنافقين: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون} [البقرة:14].
وقال: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} [المنافقون:1].
فعلى هذا يكون قوله: (بالغيب) حالا، أي: في حال كونهم غيبا عن الناس].
الخشية هي: خوف مع علم، الخشية أبلغ من الخوف، خشية مع علم ولهذا قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر:28]؛ لأن الخشية الكاملة تكون للعلماء، وإلا كل مؤمن يخاف الله عنده أصل الخشية، لكن الخشية الكاملة خشية العلماء، وفي مقدمة العلماء الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
[وأما الغيب المراد هاهنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه، وكلها صحيحة ترجع إلى أن الجميع مراد، قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: {يؤمنون بالغيب} [البقرة:3]، قال: يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وجنته وناره ولقائه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث، فهذا غيب كله، وكذا قال قتادة بن دعامة.
وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أما الغيب فما غاب عن العباد من أمر الجنة وأمر النار وما ذكر في القرآن.
وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة -أو عن سعيد بن جبير - عن ابن عباس: {بالغيب} [البقرة:3] قال: بما جاء منه.
يعني: من الله تعالى.
وقال سفيان الثوري عن عاصم عن زر قال: الغيب القرآن.
وقال عطاء بن أبي رباح: من آمن بالله فقد آمن بالغيب.
وقال إسماعيل بن أبي خالد: {يؤمنون بالغيب} [البقرة:3] قال: بغيب الإسلام].
وهذه الألفاظ كلها مرادة، الغيب: ما لم يشاهده الإنسان، والمؤمن يؤمن بما أخبر الله به في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من أمر الغيب، يؤمن بالله وبالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره، والبعث بعد الموت، والجنة والنار، والإيمان بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة مما يكون في آخر الزمان، وبما يكون في القيامة من الحشر والنشر والحساب والصراط والميزان والحوض، والجنة والنار كل هذا داخل في الإيمان بالغيب.
سؤال (بغيب الإسلام) ما المقصود
ظاهره يعني ما جاء في الإسلام من أمور الغيب مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، أو جاء في كتاب الله من أمور الغيب.
[وقال زيد بن أسلم: {الذين يؤمنون بالغيب} قال: بالقدر. فكل هذه متقاربة في معنى واحد]
وكلها حق كلها مطلوبة، لكن عادة السلف رحمهم الله يفسرون المعنى ببعض معناه، يفسر الشيء ببعض معناه والمراد الكل.
[فكل هذه متقاربة في معنى واحد؛ لأن جميع المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به.
وقال سعيد بن منصور: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه جلوسا، فذكرنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما سبقونا به، فقال عبد الله: إن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كان بينا لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيمانا أفضل من إيمانه بغيب، ثم قرأ: {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب} [البقرة:1 - 3] إلى قوله: {المفلحون} [البقرة:5]
وهكذا رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم في مستدركه من طرق عن الأعمش به، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وفي معنى هذا. الحديث الذي رواه أحمد: حدثنا أبو المغيرة أنبأنا الأوزاعي حدثنا أسيد بن عبد الرحمن عن خالد بن دريك عن ابن محيريز قال: قلت لـ أبي جمعة: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: نعم، أحدثك حديثا جيدا: (تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقال: يا رسول الله! هل أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: نعم، قوم من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني).
طريق أخرى: قال أبو بكر بن مردويه في تفسيره: حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا معاوية بن صالح عن صالح بن جبير قال: (قدم علينا أبو جمعة الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس يصلي فينا، ومعنا يومئذ رجاء بن حيوة، فلما انصرف خرجنا نشيعه، فلما أراد الانصراف قال: إن لكم جائزة وحقا، أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلنا: هات رحمك الله، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة، فقلنا: يا رسول الله هل من قوم أعظم منا أجرا آمنا بالله واتبعناك؟ قال: ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء، بل قوم بعدكم يأتيهم كتاب من بين لوحين يؤمنون به ويعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجرا مرتين)]
هذا إن صح يكون فضيلة خاصة، فهم أفضل من جهة الإيمان بالغيب، ويكون مثل حديث القابض على دينه كالقابض على الجمر، له أجر خمسين قالوا: يا رسول الله منا أو منهم؟ قال: منكم تجدون على الخير عونا ولا يجدون على الخير عونا). هذا يكون له أجر خمسين يعني من جهة صبره على الدين وتحمله مع كثرة المنكرات وعدم المعين يكون له أجر من هذه الجهة ولا يدل هذا على أنه أفضل من الصحابة، فالصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء، قال عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).
فالقاعدة: الفضيلة الخاصة لا تقضي على الفضائل العامة، فهذه فضيلة خاصة في هؤلاء، القابض على دينه كالقابض على الجمر وفضيلة لمن آمن بالغيب، لكنها لا تقضي على الفضائل العامة، فالصحابة أفضل الناس، فمزية الصحبة لا يلحق الصحابة من بعدهم أبدا مزية الصحبة والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبليغ الدين، والسبق إلى الإيمان، والهجرة، والجهاد، هذه أعمال عظيمة لا يلحقهم من بعدهم، ولهذا قال بعض السلف لما قيل له: أيهما أفضل معاوية بن أبي سفيان أو عمر بن عبد العزيز؟ معروف عمر بن عبد العزيز بورعه وعدله فقال: إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية من جهاده مع رسول الله خير من يعدل ورع عمر بن عبد العزيز وعدله.
يعني المقصود من هذا أن مزية الصحبة والسبق إلى الهجرة والجهاد لا يلحق الصحابة من بعدهم، وإن كان من بعدهم قد يكون له فضيلة خاصة ومزية خاصة؛ لكنها لا تقضي على الفضائل العامة، هذه قاعدة.
كذلك الفضائل التي تكون للأنبياء قال صلى الله عليه وسلم: (إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور)
يعني إن هذه منقبة لموسى، هل هو لم يصعق، أو أنه صعق وأفاق قبل النبي صلى الله عليه وسلم، تكون مزية، لكنها لا تدل على أنه أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم.
ومثل ما ورد في الحديث الصحيح: (أن الناس يحشرون يوم القيامة حفاة عراة، وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم) عليه الصلاة والسلام، فهذه مزية لكن لا تدل على أنه أفضل من نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه مزية خاصة، لكن المزايا العامة تكون للفاضل معروف.
[ثم رواه من حديث ضمرة بن ربيعة عن مرزوق بن نافع عن صالح بن جبير عن أبي جمعة بنحوه.
وهذا الحديث فيه دلالة على العمل بالوجادة التي اختلف فيها أهل الحديث].
الوجادة: يعني إذا وجد إنسان كتابا فيه مرويات محدث ثم رواها عنه، هل هو حجة أو ليس بحجة؟ لو قال يروي عني من أخذ هذا الحديث يصير هذا إجازة، لكن ما أجازه وجد كتابا فيه مرويات فلان ثم روى عنه، هل هو حجة أو ليس بحجة؟ فيه خلاف بين أهل العلم، هذا الحديث فيه العمل بالوجادة؛ المؤلف رحمه الله لما سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم -إن صح الحديث - من خير الناس إيمانا قال: (قوم يأتون بعدي يجدون كتابا بين لوحين فيؤمنون به).
(بين لوحين) هذه وجادة، يعني: يجدون القرآن والسنة ويؤمنون هذا حجة لمن قال بالعمل بالوجادة.
[وهذا الحديث فيه دلالة على العمل بالوجادة التي اختلف فيها أهل الحديث كما قررته في أول شرح البخاري؛ لأنه مدحهم على ذلك، وذكر أنهم أعظم أجرا من هذه الحيثية لا مطلقا،