شعار الموقع

سورة البقرة - 14

00:00
00:00
تحميل
39


[فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة كاليهود أتباع موسى عليه السلام الذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانهم واليهود من الهوادة وهي المودة أو التهود وهي التوبة؛ كقول موسى عليه السلام: {إنا هدنا إليك} [الأعراف:156] أي: تبنا، فكأنهم سموا بذلك في الأصل لتوبتهم ومودتهم في بعضهم لبعض، وقيل: لنسبتهم إلى يهودا أكبر أولاد يعقوب، وقال أبو عمرو بن العلاء: لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة فلما بعث عيسى صلى الله عليه وسلم وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له، فأصحابه وأهل دينه هم النصارى، وسموا بذلك لتناصرهم فيما بينهم، وقد يقال لهم أنصار أيضا، كما قال عيسى عليه السلام: {من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله} [آل عمران:52].
وقيل إنهم إنما سموا بذلك؛ من أجل أنهم نزلوا أرضا يقال لها: ناصرة، قاله قتادة وابن جريج، وروي عن ابن عباس أيضا، والله أعلم.
والنصارى جمع نصران، كنشاوى جمع نشوان، وسكارى جمع سكران، ويقال للمرأة: نصرانة، وقال الشاعر: نصرانة لم تحنث فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للنبيين]

يعني بالحنيفية ملة إبراهيم التوحيد يعني لا تميل عن التوحيد

[فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للنبيين ورسولا إلى بني آدم على الإطلاق، وجب عليهم تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانكفاف عما عنه زجر، وهؤلاء هم المؤمنون حقا، وسميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم، وشدة إيقانهم؛ ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية.
وأما الصابئون فقد اختلف فيهم، فقال سفيان الثوري، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، قال: الصابئون قوم بين المجوس واليهود والنصارى، ليس لهم دين].
هذا الإسناد فيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف.
 [وكذا رواه ابن أبي نجيح عنه، وروي عن عطاء وسعيد بن جبير نحو ذلك.
وقال أبو العالية، والربيع بن أنس، والسدي وأبو الشعثاء جابر بن زيد، والضحاك وإسحاق بن راهويه: الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرءون الزبور، ولهذا قال أبي حنيفة وإسحاق: لا بأس بذبائحهم ومناكحتهم، وقال هشيم عن مطرف: كنا عند الحكم بن عتبة، فحدثه رجل من أهل البصرة عن الحسن أنه كان يقول في الصابئين: إنهم كالمجوس، فقال الحكم: ألم أخبركم بذلك؟ وقال عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن عبد الكريم: سمعت الحسن ذكر الصابئين فقال: هم قوم يعبدون الملائكة.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحسن قال: أخبر زياد أن الصابئين يصلون إلى القبلة، ويصلون الخمس، قال: فَأَرَادَ أَنْ يَضَعَ عَنْهُمُ الْجِزْيَةَ، قَالَ: فَخُبِّرَ بَعْدُ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ

 وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ الصَّابِئِينَ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ، ويقرءون الزبور ويصلون للقبلة وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: الصَّابِئُونَ قَوْمٌ مِمَّا يَلِي الْعِرَاقَ وَهُمْ بِكُوثَى، وَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالنَّبِيِّينَ كُلِّهِمْ وَيَصُومُونَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَيُصَلُّونَ إِلَى الْيَمَنِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ صَلَوَاتٍ. وَسُئِلَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ عَنِ الصَّابِئِينَ فَقَالَ: الَّذِي يَعْرِفُ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَيْسَتْ لَهُ شَرِيعَةٌ يَعْمَلُ بِهَا وَلَمْ يُحْدِثْ كُفْرًا وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: الصَّابِئُونَ أَهْلُ دِينٍ مِنَ الْأَدْيَانِ، كَانُوا بِجَزِيرَةِ الْمَوْصِلِ، يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَيْسَ لَهُمْ عَمَلٌ وَلَا كِتَابٌ وَلَا نَبِيٌّ إِلَّا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِرَسُولٍ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ هَؤُلَاءِ الصَّابِئُونَ يُشَبِّهُونَهُمْ بِهِمْ، يَعْنِي فِي قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُمْ قَوْمٌ يُشْبِهُ دِينُهُمْ دِينَ النَّصَارَى إِلَّا أَنَّ قِبْلَتَهُمْ نَحْوَ مَهَبِّ الْجَنُوبِ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَلَى دِينِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وحكى القرطبي عن مجاهد والحسن وابن نَجِيحٍ، أَنَّهُمْ قَوْمٌ تَرَكَّبَ دِينُهُمْ بَيْنَ الْيَهُودِ والمجوس ولا تؤكل ذبائحهم وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ فِيمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ مُوَحِّدُونَ وَيَعْتَقِدُونَ تَأْثِيرَ النُّجُومِ، وَأَنَّهَا فَاعِلَةٌ وَلِهَذَا أَفْتَى أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ بِكُفْرِهِمْ لِلْقَادِرِ بِاللَّهِ حين سأله عنهم. واختار الرَّازِيُّ أَنَّ الصَّابِئِينَ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ جَعَلَهَا قِبْلَةً لِلْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ، أَوْ بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ فَوَّضَ تَدْبِيرَ أَمْرِ هَذَا الْعَالَمِ إِلَيْهَا، قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَنْسُوبُ إلى الكلدانيين الذين جاءهم إبراهيم عَلَيْهِ السَّلَامُ رَادًّا عَلَيْهِمْ وَمُبْطِلًا لِقَوْلِهِمْ. وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَمُتَابِعِيهِ وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّهُمْ قَوْمٌ لَيْسُوا عَلَى دِينِ الْيَهُودِ وَلَا النَّصَارَى وَلَا الْمَجُوسِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ، وإنما هم بَاقُونَ عَلَى فِطْرَتِهِمْ وَلَا دِينٌ مُقَرَّرٌ لَهُمْ يتبعونه ويقتفونه]

اختيار المؤلف رحمه الله ليسوا على دين لا من اليهود والنصارى ولا دين لهم مقرر اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله  ما نقل عن ابن عباس أنهم عباد الكواكب وأنهم الذين بعث إليهم إبراهيم الخليل عليه السلام وهذا اختلاف شديد في الصابئة ولهذا قال عليه الصلاة والسلام " فلما جن عليه الليل ورأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغًا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغةً قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون " يريهم ذلك إيهاما عليه الصلاة والسلام يبين لهم أن ما هم عليه باطل من عبادة الكواكب والنجوم

سؤال سبب تسمية كفار مكة للنبي ﷺ صابئ

لأنه خرج عن الدين الذي هم عليه الظاهر أنهم ليسوا على دين من أديان الأنبياء المهم ينبزونه بأنه خرج عن دينهم لأن الصابئ من خرج عن الدين الذي يتدين به جماعة أو قومه  

[وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَمُتَابِعِيهِ وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّهُمْ قَوْمٌ لَيْسُوا عَلَى دِينِ الْيَهُودِ وَلَا النَّصَارَى وَلَا الْمَجُوسِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ، وإنما هم بَاقُونَ عَلَى فِطْرَتِهِمْ وَلَا دِين مُقَرَّرٌ لَهُمْ يتبعونه ويقتفونه ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئ، أَيْ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ سَائِرِ أَدْيَانِ أَهْلِ الْأَرْضِ إِذْ ذَاكَ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الصَّابِئُونَ الَّذِينَ لَمْ تَبْلُغْهُمْ دَعْوَةُ نَبِيٍّ، وَاللَّهُ أعلم].
قال الله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون * ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين} [البقرة:63 - 64]  : [يقول تعالى مذكرا بني إسرائيل ما أخذ عليهم من العهود والمواثيق بالإيمان به وحده لا شريك له، واتباع رسله، وأخبر تعالى أنه لما أخذ عليهم الميثاق، رفع الجبل فوق رءوسهم ليقروا بما عوهدوا عليه، ويأخذوه بقوة وحزم وامتثال، كما قال تعالى: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون} [الأعراف:171] فالطور هو الجبل، كما فسره به في الأعراف].
نعم لأن الآيات تفسر بعضها بعضا، بنو إسرائيل عندهم عتو وعناد، حتى رفع الجبل فوق رءوسهم وأمروا بالسجود، فصار الواحد منهم يسجد على شق وينظر من الشق الآخر؛ لئلا يسقط عليه الجبل، فرحمهم الله فرفع عنهم.

[فالطور هو الجبل كما فسره به في الْأَعْرَافِ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ. فِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الطُّورُ مَا أَنْبَتَ مِنَ الْجِبَالِ، وَمَا لَمْ يُنْبِتْ فَلَيْسَ بِطُورٍ. وَفِي حَدِيثِ الْفُتُونِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ لَمَّا امْتَنَعُوا عن الطاعة رفع عليهم الجبل ليسمعوا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَسْجُدُوا أَمَرَ اللَّهُ الْجَبَلَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ وَقَدْ غَشِيَهُمْ فَسَقَطُوا سُجَّدًا فَسَجَدُوا عَلَى شِقٍّ وَنَظَرُوا بِالشِّقِّ الْآخَرِ فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا سَجْدَةٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ سَجْدَةٍ كَشَفَ بِهَا الْعَذَابَ عَنْهُمْ فَهُمْ يسجدون كذلك، وذلك قول الله تَعَالَى وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ. وَقَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ يَعْنِي التَّوْرَاةَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: بِقُوَّةٍ أي بطاعة، وقال مجاهد: بقوة بعمل ما فِيهِ

قوله تعالى (ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين} [البقرة:64].
  تعالى: ثم بعد هذا الميثاق المؤكد العظيم توليتم عنه وانثنيتم ونقضتموه {فلولا فضل الله عليكم ورحمته} [البقرة:64] أي: بتوبته عليكم وإرساله النبيين والمرسلين إليكم {لكنتم من الخاسرين} [البقرة:64] بنقضكم ذلك الميثاق في الدنيا والآخرة]

وهذا فيه تحذير لهذه الأمة أن تسلك مسلكهم فيصيبها ما أصابهم التحذير قص الله علينا ذلك للتحذير أن تفعل هذه الأمة مثل فعلهم فيصيبهم مثل ما أصابهم فالواجب على كل إنسان أن يمتثل أمر الله عز وجل وأن ينتهي عن نواهيه وأن يعمل بما جاء في كتاب ربه وسنة نبيه ﷺ حنى يكون من المتقين والناجين 
قال الله تعالى: {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين * فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين} [البقرة:65 - 66]

[يقول تعالى: (ولقد علمتم) [البقرة:65] يا معشر اليهود! ما حل من البأس بأهل القرية التي عصت أمر الله وخالفوا عهده وميثاقه فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت والقيام بأمره، إذ كان مشروعا لهم، فتحيلوا على اصطياد الحيتان في يوم السبت بما وضعوا لها من الشصوص والحبائل والبرك قبل يوم السبت، فلما جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة، نشبت بتلك الحبائل والحيل، فلم تخلص منها يومها ذلك، فلما كان الليل أخذوها بعد انقضاء السبت، فلما فعلوا ذلك، مسخهم الله إلى صورة القردة، وهي أشبه شيء بالأناسي في الشكل الظاهر وليست بإنسان حقيقة.
فكذلك أعمال هؤلاء وحيلهم لما كانت مشابهة للحق في الظاهر ومخالفة له في الباطن، كان جزاؤهم من جنس عملهم].
نسأل الله السلامة والعافية، هذه حيلة تحيلوا على أمر الله، حيث حرم الله عليهم السبت ابتلاء وامتحانا، وأباح لهم اصطياد الحوت في ستة أيام، من الأحد إلى الجمعة، وحرم صيد الحوت في يوم واحد ومن ابتلاء الله لهم أن الحوت لا تأتي إلا يوم السبت، فتحيلوا ونصبوا الشباك يوم الجمعة، فتصيد الحوت يوم السبت، فيتركونها، ويأخذونها يوم الأحد، وقالوا: ما صدنا يوم السبت، هذه حيلة من الحيل والحيل ما تنفع، ولهذا عاقبهم الله بهذه العقوبة الشديدة، حيث مسخهم قردة وخنازير، جوزوا من جنس العمل، عملهم في الظاهر سليم، وفي الباطن حيلة ما تنفع، وذلك مسخوا قردة لأنها تشبه الإنسان، أشبه شيء بالإنسان لكنها في الواقع والحقيقة ليست إنسان، نسأل الله السلامة والعافية.

وَهَذِهِ الْقِصَّةُ مَبْسُوطَةٌ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ حيث يقول تعالى: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ [الْأَعْرَافِ: 163] الْقِصَّةُ بِكَمَالِهَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ هُمْ أَهْلُ أَيْلَةَ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَسَنُورِدُ أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ هُنَاكَ مَبْسُوطَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثقة.

وقوله تعالى: فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ قَالَ مُسِخَتْ قُلُوبُهُمْ وَلَمْ يُمْسَخُوا قِرَدَةً. وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفارا ً] الْجُمُعَةِ:5 [رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْمُثَنَّى، عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ

هذا القول عن مجاهد ضعيف ليس بشيء لا يعول عليه الصواب أنهم مسخوا ظاهرا وباطنا كما هو ظاهر الآية " فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ " هذا قول قدري قلنا لهم قول تكوين كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فكانوا قردة هذا عجيب من مجاهد رحمه الله لا يعول عليه مخالف لظاهر الآية وظاهر النصوص مجاهد يقول ما فيه مسخ وإنما هو أمر معنوي الصواب أنه مسخ باطن وظاهر   

 رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْمُثَنَّى، عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ وعن محمد بن عمر الباهلي وعن أَبِي عَاصِمٍ عَنْ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهِ وَهَذَا سَنَدٌ جَيِّدٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَوْلٌ غَرِيبٌ خِلَافَ الظَّاهِرِ مِنَ السِّيَاقِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَفِي غَيْرِهِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَىقُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [الْمَائِدَةِ: 60]، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَجَعَلَ اللَّهُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ فَزَعَمَ أَنَّ شَبَابَ القوم صاروا قردة وأن المشيخة صَارُوا خَنَازِيرَ. وَقَالَ شَيْبَانُ النَّحْوِيُّ عَنْ قَتَادَةَ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَصَارَ الْقَوْمُ قردة تَعَاوَى، لَهَا أَذْنَابٌ بَعْدَ مَا كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: نُودُوا يَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَجَعَلَ الَّذِينَ نَهَوْهُمْ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُونَ يَا فُلَانُ أَلَمْ نَنْهَكُمْ؟ فيقولون برءوسهم: أَيْ بَلَى، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد بن ربيعة بالمصيصة حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، يَعْنِي الطَّائِفِيَّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ فَجُعِلُوا قِرَدَةً فُوَاقًا (يعني مدة قصيرة) ثُمَّ هَلَكُوا مَا كَانَ لِلْمَسْخِ نَسْلٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَمَسَخَهُمُ اللَّهُ قِرَدَةً بِمَعْصِيَتِهِمْ، يَقُولُ: إِذْ لَا يَحْيَوْنَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَالَ: وَلَمْ يَعِشْ مَسْخٌ قَطُّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ

وهذا هو الصواب أن الممسوخين لا ينسلون ليس لهم نسل ولا عقب يعيشون ثلاثة أيام في صحيح مسلم أن المسخ لا ينسل ولا يعقب وأما القردة والخنازير الموجودون الآن هذه أمة من الأمم القردة أمة والخنازير أمة حيوانات أما الذين مسخوا لا ينسلون لا يعقبون عاشوا ثلاثة أيام ثم ماتوا نسأل الله السلامة والعافية بني إسرائيل الذين مسخوا ليس لهم عقب ولا نسل " وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم "

[قَالَ: وَلَمْ يَعِشْ مَسْخٌ قَطُّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَنْسَلْ وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَسَائِرَ الْخَلْقِ فِي السِّتَّةِ الْأَيَّامِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كتابه، فمسخ هؤلاء القوم في صورة الْقِرَدَةِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ بِمَنْ يَشَاءُ كَمَا يَشَاءُ، ويحوله كما يشاء، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ قَالَ: يَعْنِي أَذِلَّةً صَاغِرِينَ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالرَّبِيعِ وَأَبِي مَالِكٍ نَحْوُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أبي الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا افْتَرَضَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْيَوْمَ الَّذِي افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فِي عِيدِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَخَالَفُوا إِلَى السَّبْتِ فَعَظَّمُوهُ وَتَرَكُوا مَا أُمِرُوا بِهِ، فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا لُزُومَ السَّبْتِ ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ فِيهِ، فَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ لَهُمْ فِي غَيْرِهِ، وَكَانُوا فِي قَرْيَةٍ بَيْنَ أَيْلَةَ وَالطُّورِ، يُقَالُ لَهَا: مَدْيَنُ، فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي السَّبْتِ الْحِيتَانَ صَيْدَهَا وَأَكْلَهَا، وَكَانُوا إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ، أَقْبَلَتْ إِلَيْهِمْ شُرَّعًا إِلَى سَاحِلِ بَحْرِهِمْ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ السَّبْتُ ذَهَبْنَ فَلَمْ يَرَوْا حُوتًا صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ أَتَيْنَ شُرَّعًا، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ السَّبْتُ ذَهَبْنَ، فَكَانُوا كَذَلِكَ، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ وَقَرِمُوا (قرموا يعني اشتاقوا إلى أكل الحيتان وأحبوها) إِلَى الْحِيتَانِ، عَمَدَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَأَخَذَ حُوتًا سِرًّا يوم السبت فحزمه بِخَيْطٍ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْمَاءِ وَأَوْتَدَ لَهُ وتدا في الساحل فأوثقه تم تَرَكَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ جَاءَ فَأَخَذَهُ أَيْ إِنِّي لَمْ آخُذْهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ فانطلق بِهِ فَأَكَلَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ الْآخَرِ عَادَ لِمِثْلِ ذَلِكَ، وَوَجَدَ النَّاسُ رِيحَ الْحِيتَانِ، فَقَالَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ: وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْنَا رِيحَ الْحِيتَانِ، ثُمَّ عَثَرُوا عَلَى صَنِيعِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، قَالَ: فَفَعَلُوا كَمَا فَعَلَ، وَصَنَعُوا سِرًّا زَمَانًا طَوِيلًا لَمْ يُعَجِّلِ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعُقُوبَةَ حتى صادوها علانية وباعوها في الأسواق، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَقِيَّةِ: وَيَحْكَمُ اتقوا الله، ونهوهم عما كانوا يَصْنَعُونَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ تَأْكُلِ الْحِيتَانَ، وَلَمْ تَنْهَ الْقَوْمَ عَمَّا صَنَعُوا، لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً؟ قالُوا: مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ [الأعراف: 164] لسخطنا أعمالهم وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، أَصْبَحَتْ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ فِي أَنْدِيَتِهِمْ وَمَسَاجِدِهِمْ وَفَقَدُوا الناس فلم يروهم، قال: فقال بعضهم لبعض: إن للناس شأنا، فَانْظُرُوا مَا هُوَ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ فِي دُورِهِمْ، فَوَجَدُوهَا مُغْلَقَةً عَلَيْهِمْ، قَدْ دَخَلُوهَا لَيْلًا فَغَلَّقُوهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ كَمَا يُغْلِقُ النَّاسُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَأَصْبَحُوا فِيهَا قِرَدَةً، وَإِنَّهُمْ لَيَعْرِفُونَ الرَّجُلَ بِعَيْنِهِ وإنه لقرد، والمرأة وَإِنَّهَا لَقِرْدَةٌ، وَالصَّبِيَّ بِعَيْنِهِ وَإِنَّهُ لَقِرْدٌ، قَالَ: قال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَلَوْلَا مَا ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ نجى الذين نهوا عن السوء لقلنا أهلك الله الْجَمِيعَ مِنْهُمْ، قَالَ: وَهِيَ الْقَرْيَةُ الَّتِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ [الْأَعْرَافِ: 163] ، وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما نَحْوًا من هذا.

وهذا فيه دليل على أن من نهى عن السوء وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فإنه ينجي " فلما نسوا ما ذكروا أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس " نص الله على أن من نهى عن السوء نجا ونص على هلاك من فعل المعصية وسكت عن الطائفة الثالثة فسكتوا الذين سكتوا ولم ينهوا سكت الله عنهم والذين نهوا أخبر الله أنهم نجوا والذين فعلوا المعصية هلكوا 

وقال السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ قال: هم أَهْلُ أَيْلَةَ، وَهِيَ الْقَرْيَةُ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ البحر، فَكَانَتِ الْحِيتَانُ إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْيَهُودِ أَنْ يَعْمَلُوا فِي السبت شيئا، فلم يَبْقَ فِي الْبَحْرِ حُوتٌ إِلَّا خَرَجَ حَتَّى يُخْرِجْنَ خَرَاطِيمَهُنَّ مِنَ الْمَاءِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الأحد لزمن سفل الْبَحْرِ فَلَمْ يُرَ مِنْهُنَّ شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ يوم السبت، فذلك قوله تعالى وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ فَاشْتَهَى بَعْضُهُمُ السَّمَكَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَحْفِرُ الْحَفِيرَةَ وَيَجْعَلُ لَهَا نَهْرًا إِلَى الْبَحْرِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ فُتِحَ النَّهْرُ فَأَقْبَلَ الْمَوْجُ بِالْحِيتَانِ يَضْرِبُهَا حَتَّى يُلْقِيَهَا فِي الْحَفِيرَةِ، فَيُرِيدُ الْحُوتُ أَنْ يَخْرُجَ فَلَا يُطِيقُ مِنْ أَجْلِ قِلَّةِ ماء النهر، فيمكث فيها، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ، جَاءَ فَأَخَذَهُ، فَجَعَلَ الرجل يشوي السمك، فيجد جاره روائحه، فَيَسْأَلُهُ فَيُخْبِرُهُ، فَيَصْنَعُ مِثْلَ مَا صَنَعَ جَارُهُ حَتَّى فَشَا فِيهِمْ أَكْلُ السَّمَكِ، فَقَالَ لَهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ: وَيَحْكَمُ، إِنَّمَا تَصْطَادُونَ يَوْمَ السَّبْتِ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ، فَقَالُوا: إِنَّمَا صِدْنَاهُ يَوْمَ الأحد حين أخذناه، قال الفقهاء: لا ولكنكم صدتموه يوم فتحتم له الْمَاءَ فَدَخَلَ، قَالَ: وَغَلَبُوا أَنْ يَنْتَهُوا. فَقَالَ بَعْضُ الَّذِينَ نَهَوْهُمْ لِبَعْضٍ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً يَقُولُ: لم تعظونهم وَقَدْ وَعَظْتُمُوهُمْ فَلَمْ يُطِيعُوكُمْ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا أَبَوْا، قَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لَا نُسَاكِنُكُمْ في قرية واحدة، فقسموا القرية بجدار وفتح الْمُسْلِمُونَ بَابًا وَالْمُعْتَدُونَ فِي السَّبْتِ بَابًا وَلَعَنَهُمْ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَخْرُجُونَ مِنْ بَابِهِمْ، وَالْكُفَّارُ مِنْ بَابِهِمْ، فَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ ذَاتَ يوم ولم يفتح الكفار بابهم فلما أبطئوا عَلَيْهِمْ، تَسَوَّرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمُ الْحَائِطَ، فَإِذَا هُمْ قِرَدَةٌ يَثِبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَفَتَحُوا عَنْهُمْ فَذَهَبُوا فِي الْأَرْضِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الْمَائِدَةِ: 78] : فَهُمُ الْقِرَدَةُ. (قُلْتُ) وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ، بَيَانُ خِلَافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ، مِنْ أَنَّ مَسْخَهُمْ إِنَّمَا كَانَ مَعْنَوِيًّا لَا صُورِيًّا، بل الصحيح أنه معنوي وصوري، والله أعلم]

وهذا القول قول مجاهد المسخ في المعنى لا في الصورة قول لا وجه له الصواب أنه مسخ حقيقي وأنهم نصبوا الشراك والحبائل أو حفروا حفيرة المهم أنهم تحيلوا على أمر الله وصادوا الحوت في يوم السبت ثم عاقبهم الله سبحانه وتعالى العقوبة الشديدة  

وقوله تعالى: {فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين} [البقرة:66]

قال بعضهم: الضمير في (فجعلناها) عائد على القردة، وقيل على الحيتان، وقيل على العقوبة، وقيل على القرية؛ حكاها ابن جرير، والصحيح أن الضمير عائد على القرية، أي: فجعل الله هذه القرية والمراد أهلها بسبب اعتدائهم في سبتهم (نكالا)، أي: عاقبناهم عقوبة فجعلناها عبرة، كما قال الله عن فرعون: {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى} [النازعات:25].
وقوله تعالى: {لما بين يديها وما خلفها} [البقرة:66] أي: من القرى، قال ابن عباس: يعني: جعلناها بما أحللنا بها من العقوبة عبرة لما حولها من القرى، كما قال تعالى: {ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون} [الأحقاف:27]، ومنه قوله تعالى: {أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} [الرعد:41] الآية، على أحد الأقوال فالمراد لما بين يديها وما خلفها في المكان كما قال محمد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: لما بين يديها من القرى، وما خلفها من القرى، وكذا قال سعيد بن جبير: لما بين يديها وما خلفها، قال: من بحضرتها من الناس يومئذ.
وروي عن إسماعيل بن أبي خالد وقتادة وعطية العوفي {فجعلناها نكالا لما بين يديها} [البقرة:66] قال: ما قبلها من الماضين في شأن السبت، وقال أبو العالية والربيع وعطية: وما خلفها لما بقي بعدهم من الناس من بني إسرائيل أن يعملوا مثل عملهم، وكان هؤلاء يقولون: المراد لما بين يديها وما خلفها في الزمان.
وهذا مستقيم بالنسبة إلى من يأتي بعدهم من الناس، أن تكون أهل تلك القرية عبرة لهم، وأما بالنسبة إلى من سلف قبلهم من الناس فكيف يصح هذا الكلام أن تفسر الآية به، وهو أن يكون عبرة لمن سبقهم؟ وهذا لعل أحدا من الناس لا يقوله بعد تصوره، فتعين أن المراد بما بين يديها وما خلفها في المكان، وهو ما حولها من القرى، كما قاله ابن عباس وسعيد بن جبير، والله أعلم.
وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية: {فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها} [البقرة:66] أي عقوبة لما خلا من ذنوبهم.
وقال ابن أبي حاتم: وروي عن عكرمة ومجاهد والسدي والفراء وابن عطية: لما بين يديها من ذنوب القوم، وما خلفها لمن يعمل بعدها مثل تلك الذنوب، وحكى الرازي ثلاثة أقوال: أحدها: أن المراد بما بين يديها وما خلفها، من تقدمها من القرى بما عندهم من العلم بخبرها بالكتب المتقدمة ومن بعدها.
والثاني: المراد بذلك من بحضرتها من القرى والأمم.
والثالث: أنه تعالى جعلها عقوبة لجميع ما ارتكبوه من قبل هذا الفعل وما بعده، وهو قول الحسن.
قلت: وأرجح الأقوال المراد بما بين يديها وما خلفها: من بحضرتها من القرى يبلغهم خبرها وما حل بها، كما قال تعالى:: {ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى} [الأحقاف:27] الآية.
وقال تعالى: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة} [الرعد:31] الآية.
وقال تعالى: {أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} [الأنبياء:44] فجعلهم عبرة ونكالا لمن في زمانهم، وموعظة لمن يأتي بعدهم بالخبر المتواتر عنهم ]  

هذا هو الأرجح أنه جعل هذه القرية عبرة ونكال للقرى التي أمامها والتي خلفها في زمانها وموعظة لمن يأتي بعدهم من الأمم فهي عبرة للحاضرين والذين يأتون بعد ذلك الحاضرون يرونهم القرى التي أمامهم والقرى التي خلفهم والذين يأتون بعد ذلك يقص الله خبرهم فيتعظون ولهذا قال الحسن وقتادة:(وموعظة للمتقين)
[وقوله تعالى{وموعظة للمتقين} [البقرة:66] قال محمد بن إسحاق: عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس: {وموعظة للمتقين} [البقرة:66] الذين من بعدهم إلى يوم القيامة.
وقال الحسن وقتادة {وموعظة للمتقين} [البقرة:66] بعدهم فيتقون نقمة الله ويحذرونها.
وقال السدي وعطية العوفي {وموعظة للمتقين} [البقرة:66] قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قلت: المراد بالموعظة هاهنا الزاجر، أي: جعلنا ما أحللنا بهؤلاء من البأس والنكال في مقابلة ما ارتكبوه من محارم الله، وما تحيلوا به من الحيل، فليحذر المتقون صنيعهم؛ لئلا يصيبهم ما أصابهم، كما قال الإمام أبو عبد الله بن بطة: حدثنا أحمد بن محمد بن مسلم، حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا محمد بن عمر، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) وهذا إسناد جيد، وأحمد بن محمد بن مسلم هذا، وثقة الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي، وباقي رجاله مشهورون على شرط الصحيح، والله أعلم].
لا شك أن هذه الآية فيها العظة والعبرة، وفيها التحذير من الحيل، وأن من تحيل يخشى عليه من العقوبة العاجلة، وبعض الناس يتحيلون على الربا، ومن التحيل على الربا: قلب الدين على المعسر، كأن يكون لإنسان له دين على شخص، فيحل الدين فإذا حل الدين قال له: أعطني ديني.
قال: ما عندي. قال: أبيعك شيء آخر، عندك لي الآن ثلاثين ألف أعطني  قال ما عندي شيء قال  أبيعك سيارة تساوي ثلاثين أبيعك بأربعين مؤجلة فيبيعها فإذا باع السيارة قال بعها الآن وأوفني الدين الأول، فيبيعه ويوفه الدين الأول، ويبقى عليه الدين الثاني مضاعف، هذه حيل، وهي من قلب الدين على المعسر، ما يستطيع يزيد الدين صراحة، فتحيل يبيعه سيارة بيعا صوريا ويبيعها في الحال، ويوفيه عن الدين الأول، ويبقى عليه الدين الثاني مع الزيادة، نسأل الله السلامة والعافية.

قوله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} [البقرة:67].
 : [يقول تعالى: واذكروا يا بني إسرائيل! نعمتي عليكم في خرق العادة لكم في شأن البقرة، وبيان القاتل من هو بسببها، وإحياء الله المقتول، ونصه على من قتله منهم.

ذكر بسط القصة: قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني، قال: كان رجل من بني إسرائيل عقيما لا يولد له، وكان له مال كثير، وكان ابن أخيه وارثه، فقتله ثم احتمله ليلا؛ فوضعه على باب رجل منهم، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا، وركب بعضهم إلى بعض فقال ذوو الرأي منهم والنهى].
والنهى: العقل {إن في ذلك لآيات لأولي النهى} [طه:54].
[ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا، وركب بعضهم إلى بعض فقال ذوو الرأي منهم والنهى فقال ذوو الرأي منهم والنهى: علام يقتل بعضكم بعضا، وهذا رسول الله فيكم؟ فأتوا موسى عليه السلام فأتوا موسى عليه الصلاة والسلام فذكروا ذلك له، فقال: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} [البقرة:67] قال: فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة، ولكنهم شددوا فشدد عليهم؛ حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها، فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها، فقال: والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا، فأخذوها بملء جلدها ذهبا؛ فذبحوها، فضربوه ببعضها فقام، فقالوا: من قتلك؟ قال: هذا لابن أخيه ثم مال ميتا، فلم يعط من ماله شيئا فلم يورث قاتل بعد].
فهذا السند سند جيد إلى عبيدة السلماني، لكنه أخذه من أخبار بني إسرائيل، قد أخذ عبيدة من أخبار بني إسرائيل والسند إليه جيد لا بأس لكنه موقوف من كلامه أخذه من أخبار إسرائيل  
[ورواه ابن جرير من حديث أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة بنحو من ذلك، والله أعلم.
ورواه عبد بن حميد في تفسيره: أنبأنا يزيد بن هارون به، ورواه آدم بن أبي إياس في تفسيره عن أبي جعفر هو الرازي عن هشام بن حسان به.
وقال آدم بن أبي إياس في تفسره: أنبأنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية، في قول الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} [البقرة:67] قال: كان رجل من بني إسرائيل، وكان غنيا، ولم يكن له ولد، وكان له قريب وكان وارثه؛ فقتله ليرثه، ثم ألقاه على مجمع الطريق، وأتى موسى عليه الصلاة والسلام فقال: إن قريبي قتل وأتى إلي أمر عظيم وإني لا أجد أحدا يبين لي من قتله غيرك يا نبي الله].
قوله: وإني على أمر عظيم، يعني: أتى علي أمر عظيم من خبر قتله، بمعنى: أصابني هم وأصابتني شدة.
[قال: فنادى موسى في الناس فقال: أنشد الله من كان عنده من هذا علم إلا يبينه لنا، فلم يكن عندهم علم، فأقبل القاتل على موسى عليه الصلاة والسلام فقال له: أنت نبي الله، فسل لنا ربك أن يبين لنا، فسأل ربه فأوحى الله: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} [البقرة:67] فعجبوا من ذلك فقالوا: {أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض} [البقرة:67 - 68] يعني: لا هرمة، {ولا بكر} [البقرة:68] يعني: ولا صغيرة، {عوان بين ذلك} [البقرة:68] أي: نصف بين البكر والهرمة، {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها} [البقرة:69] أي صاف لونها {تسر الناظرين} [البقرة:69] أي: تعجب الناظرين، {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون * قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول} [البقرة:70 - 71] أي: لم يذللها العمل، {تثير الأرض ولا تسقي الحرث} [البقرة:71] يعني: وليست بذلول تثير الأرض {ولا تسقي الحرث} [البقرة:71] يعني: ولا تعمل في الحرث، {مسلمة} [البقرة:71] يعني: مسلمة من العيوب، {لا شية فيها} [البقرة:71] يقول: لا بياض فيها، {قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون} [البقرة:71] قال: ولو أن القوم حين أمروا بذبح بقرة استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها لكانت إياها، ولكن شددوا على أنفسهم؛ فشدد الله عليهم، ولولا أن القوم استثنوا فقالوا: {وإنا إن شاء الله لمهتدون} [البقرة:70] لما هدوا إليها أبدا].
هذا من تعنتات بني إسرائيل، ومخالفتهم لأنبيائهم عليهم الصلاة والسلام، هذا التعنت لو أنهم أخذوا أي بقرة لأجزأت، لكنهم تعنتوا فقالوا: لا ندري البقرة، أصغيرة أو كبيرة؟ فلما أخبروا بأنها وسط، قالوا: لا ندري ما اللون؟ هل هذه البقرة صفراء، أم سوداء، أم حمراء؟ فلما أخبروا باللون، قالوا: لا ندري، هل تعمل أم لا تعمل؟ البقر تشابه علينا، ونريد وصفا واضحا، فبين الله لهم أنها لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث، أي: لا تعمل، مسلمة، ولا شية فيها، أي: ليس فيها لون آخر.
فكلما سألوا ضيق عليهم الأمر، وأعطوا أوصافا تضيق الدائرة، كل ما سألوا وصفا ضاق الطلب وصار المطلوب معين محدد وهكذا ولو أنهم أخذوا أي بقرة لأجزأت، ولكنهم تعنتوا وشددوا، فشدد الله عليهم.
من فوائد هذه القصة: تحذير هذه الأمة من التشدد والتعنت، قال عليه الصلاة والسلام: (ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم) فكثرة المسائل والتعنت سبب للهلاك، ولذلك قال الله: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} [البقرة:71]، أي: مع كل هذه الأوصاف والتعنتات ما كادوا يفعلوا، لولا أنهم استثنوا ووفقهم الله ما كادوا يفعلون. كثرة الاختلاف على الأنبياء والتعنتات والأسئلة التي يراد منها التعنت، وإيقاع المسئول في العنت والحرج، هذه كلها منهي عنه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم) ومن ذلك ما حصل لبني إسرائيل التعنتات والأسئلة المتعددة ولو أنهم أخذوا أي بقرة لأجزأتهم ولم يكلفهم الأمر كما جاء في بعض القصص أنهم ما وجدوها إلا عند واحد وأنه اشترط لهم أن يكون الثمن ملء جلدها ذهبا لكن لو لم يسألوا ولم يتعنتوا ولم يطلبوا هذه الأوصاف أخذوا أي بقرة والبقر كثير أي بقرة تجزئهم لكن شددوا فشدد الله عليهم تعنتوا وشددوا فشدد عليهم فينبغي للمسلم أن يحذر من التعنتات والتشددات وتشقيق المسائل، وكثرة الأسئلة التي لم تقع بعد، أو التي فيها إشكال، أو المراد منها إيقاع المسئول في العنت ليحذر المسلم من هذا وإنما يسأل أسئلة واقعة، أو أسئلة تمس الحاجة إليها، ويكون قصده الفائدة.
[ولولا أن القوم استثنوا فقالوا: {وإنا إن شاء الله لمهتدون} [البقرة:70] لما هدوا إليها أبدا فبلغنا أنهم لم يجدوا البقرة التي نعتت لهم إلا عند عجوز، وعندها يتامى وهي القيمة عليهم، فلما علمت أنه لا يزكو لهم غيرها؛ أضعفت عليهم الثمن، فأتوا موسى فأخبروه أنهم لم يجدوا هذا النعت إلا عند فلانة، وأنها سألت أضعاف ثمنها، فقال موسى: إن الله قد خفف عليكم فشددتم على أنفسكم، فأعطوها رضاها وحكمها، ففعلوا واشتروها فذبحوها، فأمرهم موسى عليه الصلاة والسلام أن يأخذوا عظما منها فيضربوا القتيل، ففعلوا، فرجع إليه روحه، فسمى لهم قاتله، ثم عاد ميتا كما كان، فأخذ قاتله وهو الذي كان أتى موسى عليه الصلاة والسلام فشكا إليه، فقتله الله على أسوأ عمله.
وقال محمد بن جرير: حدثني محمد بن سعد، حدثني أبي، حدثني عمي، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله في شأن البقرة، وذلك أن شيخا من بني إسرائيل على عهد موسى عليه الصلاة والسلام كان مكثرا من المال، وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم، وكان الشيخ لا ولد له، وكان بنو أخيه ورثته، فقالوا: ليت عمنا قد مات فورثنا ماله، وإنه لما تطاول عليهم ألا يموت عمهم أتاهم الشيطان فقال لهم: هل لكم إلى أن تقتلوا عمكم فترثوا ماله، وتغرموا أهل المدينة التي لستم بها ديته؟]  قوله: (وتغرموا أهل المدينة)، يعني: تغرمونهم يقتلونه ويضعونه على باب المدينة ويدعونه. قال لهم الشيطان تأخذون الدية وتغرمونهم الدية ترثون ماله وتغرمونهم الدية 
  تعالى: [وتغرموا أهل المدينة التي لستم بها ديته وذلك أنهما كانتا مدينتين كانوا في إحداهما، وكان القتيل إذا قتل وطرح بين المدينتين قيس ما بين القتيل والقريتين، فأيتهما كانت أقرب إليه غرمت الدية.
وأنهم لما سول لهم الشيطان ذلك، وتطاول عليهم أن لا يموت عمهم؛ عمدوا إليه فقتلوه، ثم عمدوا فطرحوه على باب المدينة التي ليسوا فيها، فلما أصبح أهل المدينة جاء بنو أخي الشيخ فقالوا: عمنا قتل على باب مدينتكم، فوالله لتغرمن لنا دية عمنا، قال أهل المدينة: نقسم بالله ما قتلنا، ولا علمنا قاتلا، ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا، وإنهم عمدوا إلى موسى عليه الصلاة والسلام، فلما أتوه قال بنو أخي الشيخ: عمنا وجدناه مقتولا على باب مدينتهم، وقال أهل المدينة: نقسم بالله ما قتلناه، ولا فتحنا باب المدينة من حين أغلقناه حتى أصبحنا.
وإن جبرائيل جاء بأمر السميع العليم إلى موسى عليه الصلاة والسلام، فقال: قل لهم: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} [البقرة:67] فتضربوه ببعضها.
وقال السدي: {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} [البقرة:67] قال: كان رجل من بني إسرائيل مكثرا من المال، فكانت له ابنة، وكان له ابن أخ محتاج، فخطب إليه ابن أخيه ابنته؛ فأبى أن يزوجه، فغضب الفتى وقال: والله لأقتلن عمي، ولآخذن ماله، ولأنكحن ابنته، ولآكلن ديته، فأتاه الفتى وقد قدم تجار في بعض أسباط بني إسرائيل، فقال يا عم! انطلق معي فخذ لي من تجارة هؤلاء القوم لعلي أن أصيب منها؛ فإنهم إذا رأوك معي أعطوني، فخرج العم مع الْفَتَى لَيْلًا فَلَمَّا بَلَغَ الشَّيْخُ ذَلِكَ السِّبْطَ قَتَلَهُ الْفَتَى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ كَأَنَّهُ يَطْلُبُ عَمَّهُ، كَأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ، فلم يجده، فانطلق نحوه، فإذا بِذَلِكَ السِّبْطِ مُجْتَمِعِينَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُمْ وَقَالَقَتَلْتُمْ عَمِّي، فَأَدُّوا إِلَيَّ دِيَتَهُ، فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ وَيُنَادِي وَاعَمَاهُ، فَرَفَعَهُمْ إِلَى مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ، فَقَالُوا لَهُ يَا رسول الله ادع لنا ربك حَتَّى يُبَيِّنَ لَنَا مَنْ صَاحِبُهُ فَيُؤْخَذُ صَاحِبُ القضية فو الله إن ديته علينا لهينة، ولكن نستحي أن نعير به فذلك حين يقول تَعَالَى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة: 72] فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا: نَسْأَلُكَ عَنِ الْقَتِيلِ وَعَمَّنْ قَتَلَهُ، وَتَقُولُ اذْبَحُوا بَقَرَةً أَتَهْزَأُ بِنَا قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَوِ اعْتَرَضُوا بَقَرَةً فَذَبَحُوهَا لَأَجْزَأَتْ عنهم، ولكن شَدَّدُوا وَتَعَنَّتُوا عَلَى مُوسَى، فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ وَالْفَارِضُ: الهرمة التي لا تولد، وَالْبِكْرُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ إِلَّا وَلَدًا وَاحِدًا، وَالْعَوَانُ النَّصَفُ الَّتِي بَيْنَ ذَلِكَ الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ وَوَلَدَ وَلَدُهَا فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ. قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها قَالَ: نَقِيٌّ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ قَالَ: تُعْجِبُ النَّاظِرِينَ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ. قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيها مِنْ بَيَاضٍ وَلَا سَوَادٍ وَلَا حُمْرَةٍ قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَطَلَبُوهَا فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا، وكان رجل من بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَبَرِّ النَّاسِ بِأَبِيهِ، وَإِنَّ رَجُلًا مَرَّ بِهِ مَعَهُ لُؤْلُؤٌ يَبِيعُهُ، وَكَانَ أَبُوهُ نَائِمًا تَحْتَ رَأْسِهِ الْمِفْتَاحُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: تَشْتَرِي مِنِّي هَذَا اللُّؤْلُؤَ بِسَبْعِينَ أَلْفًا؟ فَقَالَ لَهُ الْفَتَى: كَمَا أَنْتَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ أبي فآخذه منك بثمانين ألفا، قال الْآخَرُ: أَيْقِظْ أَبَاكَ وَهُوَ لَكَ بِسِتِّينَ أَلْفًا، فَجَعَلَ التَّاجِرُ يَحُطُّ لَهُ حَتَّى بَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَزَادَ الْآخَرُ عَلَى أَنْ يَنْتَظِرَ أَبَاهُ حتى يستيقظ حتى بلغ مائة أَلْفٍ، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ قَالَوَاللَّهِ لَا أَشْتَرِيهِ مِنْكَ بِشَيْءٍ أَبَدًا، وَأَبَى أَنْ يُوقِظَ أَبَاهُ، فَعَوَّضَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ اللُّؤْلُؤِ أَنْ جَعَلَ لَهُ تِلْكَ الْبَقَرَةَ، فَمَرَّتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَطْلُبُونَ الْبَقَرَةَ، وَأَبْصَرُوا الْبَقَرَةَ عِنْدَهُ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ إِيَّاهَا بَقَرَةً بِبَقَرَةٍ، فَأَبَى، فَأَعْطَوْهُ اثنتين فأبى، فزادوه حتى بلغوا عشرا، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ حَتَّى نَأْخُذَهَا مِنْكَ، فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالُوايَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّا وَجَدْنَاهَا عِنْدَ هَذَا وأبى أَنْ يُعْطِيَنَاهَا وَقَدْ أَعْطَيْنَاهُ ثَمَنًا، فَقَالَ لَهُ مُوسَىأَعْطِهِمْ بَقَرَتَكَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَحَقُّ بِمَالِي، فَقَالَصَدَقْتَ، وَقَالَ لِلْقَوْمِأرضوا صاحبكم فأعطوه وزنها ذهبا، فأبى فأضعفوه له حَتَّى أَعْطَوْهُ وَزْنَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ ذَهَبًا، فَبَاعَهُمْ إياها وأخذ ثمنها، فقال: اذبحوها فَذَبَحُوهَا، قَالَاضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا، فَضَرَبُوهُ بِالْبِضْعَةِ الَّتِي بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ، فَعَاشَ، فَسَأَلُوهُ: مَنْ قَتْلَكَ؟ فَقَالَ لَهُمْابْنُ أَخِي، قَالَأَقْتُلُهُ فَآخُذُ مَالَهُ وَأَنْكِحُ ابْنَتَهُ. فَأَخَذُوا الْغُلَامَ فَقَتَلُوهُ.

وَقَالَ سُنَيْدٌحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَحَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ- دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ-، قَالُواإِنَّ سِبْطًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا رَأَوْا كَثْرَةَ شُرُورِ النَّاسِ، بَنَوْا مَدِينَةً فَاعْتَزَلُوا شُرُورَ النَّاسِ، فَكَانُوا إِذَا أَمْسَوْا لَمْ يَتْرُكُوا أحدا منهم خارجا إلا أدخلوه، وإذا أصبحوا قَامَ رَئِيسُهُمْ فَنَظَرَ وَأَشْرَفَ، فَإِذَا لَمْ يَرَ شَيْئًا فَتَحَ الْمَدِينَةَ، فَكَانُوا مَعَ النَّاسِ حَتَّى يُمْسُوا، قَالَوَكَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ أَخِيهِ، فَطَالَ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ، فَقَتَلَهُ لِيَرِثَهُ، ثُمَّ حَمَلَهُ فَوَضَعَهُ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ كَمَنَ (يعني اختفى) فِي مَكَانٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، قَالَفَأَشْرَفَ رئيس الْمَدِينَةِ فَنَظَرَ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا فَفَتَحَ الْبَابَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَتِيلَ رَدَّ الْبَابَ، فَنَادَاهُ أَخُو الْمَقْتُولِ وَأَصْحَابُهُهَيْهَاتَ قَتَلْتُمُوهُ ثُمَّ تَرُدُّونَ الْبَابَ، وَكَانَ مُوسَى عليه الصلاة والسلام لَمَّا رَأَى الْقَتْلَ كَثِيرًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا رَأَى الْقَتِيلَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْقَوْمِ أَخَذَهُمْ فَكَادَ يَكُونُ بَيْنِ أَخِي الْمَقْتُولِ وَبَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قِتَالٌ حَتَّى لَبِسَ الْفَرِيقَانِ السِّلَاحَ ثُمَّ كَفَّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، فَأَتَوْا مُوسَى، فَذَكَرُوا لَهُ شَأْنَهُمْ، قَالُوايَا موسى إِنَّ هَؤُلَاءِ قَتَلُوا قَتِيلًا ثُمَّ رَدُّوا الْبَابَ، قال أَهْلُ الْمَدِينَةِيَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْتَ اعْتِزَالَنَا الشُّرُورَ، وَبَنَيْنَا مَدِينَةً كَمَا رَأَيْتَ نَعْتَزِلُ شُرُورَ النَّاسِ، وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنْ يَذْبَحُوا بَقَرَةً، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَىإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً وهذه السياقات عَنْ عُبَيْدَةَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالسُّدِّيِّ وَغَيْرِهِمْ، فِيهَا اخْتِلَافٌ مَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ كُتُبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهِيَ مِمَّا يَجُوزُ نَقْلُهَا، وَلَكِنْ لا تصدق ولا تكذب، فلهذا لا يعتمد عَلَيْهَا إِلَّا مَا وَافَقَ الْحَقَّ عِنْدَنَا، وَاللَّهُ أعلم.

وهذا كما ذكر المؤلف رحمه الله هذه كلها من أخبار بني إسرائيل وأخبار بني إسرائيل مقسمة على ثلاثة أقسام القسم الأول من أخبار بني إسرائيل ما جاء شرعنا بموافقته فهذا حق مقبول الثاني ما جاء شرعنا بنفيه وإبطاله فهذا مردود الثالث ما سكت عنه شرعنا لم يأت بموافقته ولا منافاته فهذا هو الذي يحدث عن بني إسرائيل يحتمل الصدق ويحتمل الكذب كما قال النبي ﷺ حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فهذا من هذا الباب وهذه الأخبار كما ذكر كلها من أخبار بني إسرائيل ولكن الآيات دلت على أن هناك قتيل من بني إسرائيل وأنهم اختلفوا فيمن قتله وأنه جاءوا على موسى فسألوه وأنه أمرهم أن يذبحوا بقرة فتعنتوا وسألوا هذه الأوصاف ثم أخذوها وذبحوها وأخذوا بضعة منها يعني قطعة وضربوا بها القتيل فأحياه الله فأخبرهم بمن قتله ثم عاد ميتا هذا دلت عليه الآيات أما كونهم أبناء إخوته أو أخوه أو ابن أخيه وكونه حصل كذا وكونهم قتلوه أو احتملوه ووضعوه على باب المدينة إلى آخر ما ذكر هذه كلها من أخبار بني إسرائيل لا تصدق ولا تكذب المؤلف رحمه الله أطال في هذا لو اقتصر على بعضها كان أحسن    

قال الله تعالى: {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون * قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون} [البقرة:68 - 71].
 : [أخبر تعالى عن تعنت بني إسرائيل وكثرة سؤالهم لرسولهم، ولهذا لما ضيقوا على أنفسهم ضيق الله عليهم، ولو أنهم ذبحوا أي بقرة كانت لوقعت الموقع عنهم، كما قال ابن عباس وعبيدة وغير واحد.
ولكنهم شددوا فشدد عليهم فقالوا: [{قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي} [البقرة:68] أي: ما هذه البقرة وأي شيء صفتها؟ قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا هشام بن علي، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لو أخذوا أدنى بقرة لاكتفوا بها، ولكنهم شددوا فشدد عليهم -إسناد صحيح- وقد رواه غير واحد عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا قال عبيدة والسدي ومجاهد وعكرمة وأبو العالية وغير واحد، وقال ابن جريج: قال لي عطاء: لو أخذوا أدنى بقرة لكفتهم، قال ابن جريج: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا شدد الله عليهم، وايم الله لو أنهم لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد).
قال: {إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر} [البقرة:68] أي: لا كبيرة هرمة، ولا صغيرة لم يلحقها الفحل، كما قاله أبو العالية والسدي ومجاهد وعكرمة وعطية العوفي وعطاء الخراساني ووهب بن منبه والضحاك والحسن وقتادة، وقاله ابن عباس رضي الله عنهما أيضا، وقال الضحاك عن ابن عباس: عوان بين ذلك يقول: نصف بين الكبيرة والصغيرة، وهي أقوى ما يكون من الدواب والبقر، وأحسن ما تكون، وروي عن عكرمة ومجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس وعطاء الخراساني والضحاك نحو ذلك.
وقال السدي: العوان: النصف التي بين ذلك التي قد ولدت وولد ولدها، وقال هشيم، عن جويبر، عن كثير بن زياد، عن الحسن في البقرة: كانت بقرة وحشية].
وهذا باطل، جويبر هذا ليس بشيء قال بقرة وحشية ليس بصحيح
[وقال ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما: من لبس نعلا صفراء لم يزل في سرور ما دام لابسها، وذلك قوله تعالى: {تسر الناظرين} [البقرة:69]، وكذا قال مجاهد ووهب بن منبه: كانت صفراء. وعن ابن عمر: كانت صفراء الظلف. وعن سعيد بن جبير: كانت صفراء القرن والظلف.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: حدثنا نصر بن علي، حدثنا نوح بن قيس، أنبأنا أبو رجاء، عن الحسن في قوله تعالى: {بقرة صفراء فاقع لونها} [البقرة:69] قال: سوداء شديدة السواد، وهذا غريب، والصحيح الأول، ولهذا أكد صفرتها بأنه {فاقع لونها} [البقرة:69]. وقال عطية العوفي: {فاقع لونها} [البقرة:69] تكاد تسود من صفرتها، وقال سعيد بن جبير: {فاقع لونها} [البقرة:69] قال: صافية اللون. وروي عن أبي العالية والربيع بن أنس والسدي والحسن وقتادة نحوه. وقال شريك عن معمر عن ابن عمر {فاقع لونها} [البقرة:69] قال: صاف. وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: {فاقع لونها} [البقرة:69] شديدة الصفرة تكاد من صفرتها تبيض، وقال السدي: {تسر الناظرين} [البقرة:69] أي: تعجب الناظرين، وكذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس، وقال وهب بن منبه: إذا نظرت إلى جلدها تخيلت أن شعاع الشمس يخرج من جلدها.
وفي التوراة أنها كانت حمراء، فلعل هذا خطأ في التعريب، أو كما قال الأول: إنها كانت شديدة الصفرة تضرب إلى حمرة وسواد، والله أعلم].
ظاهر من الآية أنها صفراء شديدة الصفرة تسر الناظرين، فيه أن الصفرة تسر، لكن كلام ابن جريج في أخذه من الآية فيه نظر، لا شك أن الصفرة تفرح. أما قول ابن جريج من لبس نعلا صفراء لم يزل في سرور فيه نظر أخذه من الآية استشهاده بالآية والصفرة لا شك تفرح.
[وقوله تعالى: {إن البقر تشابه علينا} [البقرة:70] أي: لكثرتها، فميز لنا هذه البقرة وصفها وحلها لنا، وإنا إن شاء الله إذا بينتها لنا لمهتدون إليها.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن يحيى الأودي الصوفي، حدثنا أبو سعيد أحمد بن داود الحداد، قال حدثنا سرور بن المغيرة الواسطي بن أخي منصور بن زاذان، عن عباد بن منصور، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن بني إسرائيل قالوا: وإنا إن شاء الله لمهتدون لما أعطوا، ولكن استثنوا).
ورواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من وجه آخر، عن سرور بن المغيرة، عن زاذان، عن عباد بن منصور، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن بني إسرائيل قالوا: وإنا إن شاء الله لمهتدون ما أعطوا أبدا، ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم) وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة رضي الله عنه كما تقدم مثله على السدي والله أعلم]. [{قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث} [البقرة:71] أي: إنها ليست مذللة بالحراثة، ولا معدة للسقي في السانية، بل هي مكرمة حسنة، صبيحة مسلمة صحيحة لا عيب فيها، {لا شية فيها} [البقرة:71] أي: ليس فيها لون غير لونها.
وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة {مسلمة} يقول: لا عيب فيها، وكذا قال أبو العالية والربيع وقال مجاهد: مسلمة من الشية، وقال عطاء الخراساني: مسلمة القوائم، والخلق لا شية فيها. قال مجاهد: لا بياض ولا سواد، وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة: ليس فيها بياض، وقال عطاء الخراساني:{لا شية فيها} قال: لونها واحد بهيم. وروي عن عطية العوفي ووهب بن منبه وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك. وقال السدي: لا شية فيها من بياض ولا سواد ولا حمرة، وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى، وقد زعم بعضهم أن المعنى في ذلك قوله تعالى: {إنها بقرة لا ذلول} ليست بمذللة بالعمل، ثم استأنف فقال: {تثير الأرض} أي: يعمل عليها بالحراثة؛ لكنها لا تسقي الحرث، وهذا ضعيف؛ لأنه فسر الذلول التي لم تذلل بالعمل؛ بأنها لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث، كذا قرره القرطبي وغيره]

 الصواب هذا قوله: {لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث} [البقرة:71] ليست مذللة بالعمل، وقوله: {تثير الأرض} تفسير لقوله: {ذلول} والذلول: هي التي تثير الأرض؛ ولكن ليست تعمل عاملة، وليست سانية، لأن البقر تستعمل في الحرث، وتستعمل في استخراج الماء، فليست سانية يستخرج على ظهرها الماء، وليست مذللة للعمل، وإنما مكرمة، لا شية فيها، ليس فيها لون آخر.
[{قالوا الآن جئت بالحق} [البقرة:71] قال قتادة: الآن بينت لنا، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: وقيل ذلك والله قد جاءهم الحق {فذبحوها وما كادوا يفعلون} [البقرة:71]]

يعني: جاءهم الحق قبل ذلك، وجاءهم الحق فيما سبق، وجاءهم الحق فيما طلبوه في السابق
[قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنما: كادوا ألا يفعلوا، ولم يكن ذلك الذي أرادوا؛ لأنهم أرادوا أن لا يذبحوها، يعني أنهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة والأجوبة والإيضاح، ما ذبحوها إلا بعد الجهد، وفي هذا ذم لهم، وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت؛ فلهذا ما كادوا يذبحونها]

قوله تعالى: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} [البقرة:71] ما كادوا يمتثلون.
[وقال محمد بن كعب ومحمد بن قيس: فذبحوها وما كادوا يفعلون لكثرة ثمنها، وفي هذا نظر؛ لأن كثرة الثمن لم يثبت إلا من نقل بني إسرائيل كما تقدم من حكاية أبي العالية والسدي، ورواه العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال عبيدة ومجاهد ووهب بن منبه وأبو العالية وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إنهم اشتروها بمال كثير، وفيه اختلاف، ثم قد قيل في ثمنها غير ذلك.
وقال عبد الرزاق: أنبأنا ابن عيينة، أخبرني محمد بن سوقة، عن عكرمة قال: ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير، وهذا إسناد جيد عن عكرمة، والظاهر أنه نقله عن أهل الكتاب أيضا.
وقال ابن جرير: وقال آخرون: لم يكادوا أن يفعلوا ذلك خوف الفضيحة، إن اطلع الله على قاتل القتيل الذي اختصموا فيه، ولم يسنده عن أحد، ثم اختار أن الصواب في ذلك أنهم لم يكادوا يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها وللفضيحة، وفي هذا نظر، بل الصواب والله أعلم ما تقدم من رواية الضحاك عن ابن عباس على ما وجهناه، وبالله التوفيق].
يعني ما كادوا يفعلون ذلك في لكثرة تعنتاتهم، ولا مانع أن تكون للأمور كلها؛ لغلاء الثمن وللتعنتات لكن الأصل للتعنت ولأجل ضعف إيمانهم، ومن أجل ما جبلوا عليه من الاعتراض على أنبيائهم ما كادوا يفعلون. وقد يكون ما حصل من غلاء ثمنها وخوف الفضيحة وخوف العار ومحتمل هذه الأمور كلها والأصل للتعنت

استدل بهذه الآية في حصر صفات هذه البقرة حتى تعينت أو تم تقييدها بعد الإطلاق على صحة السلم في الحيوان كما هو مذهب مالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وجمهور العلماء سلفا وخلفا بدليل ما ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ لا تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها وكما وصف النبي ﷺ الدية في قتل الخطأ وشبه العمد بصفات مذكورة للحديث وقال أبو حنيفة والثوري والكوفيون لا يصح السلم في الحيوان لأنه لا تنضبط أحواله وحكي مثله عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعبد الرحمن بن سمرة وغيرهم

الصواب في هذه المسألة أنه يجوز السلم في الحيوان، والسلم هو: تقديم الثمن وتأجيل المثمن، أو تعجيل الثمن وتأخير المثمن.
مثال ذلك: تسلم في سيارة تسلم إنسانا خمسين ألفا أو مائة ألف حاضر، في سيارة موصوفة بالذمة بعد سنة، صفتها كذا وكذا، وموديلها كذا وكذا، تصف وصفا كاملا، لا بأس كذلك الحيوان، تسلم كذا في الحيوان، أسلم في كذا حيوان إبل أو بقر أو غنم، صفته كذا وصفته كذا.
وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يسلمون في الثمار السنة والسنتين، فقال عليه الصلاة والسلام: (من أسلم في شيء، فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) فإذا كان المسلم فيه ثمر تمر أو حبوب فلا بد من تعريفه تقييده بالأوصاف، يصير الكيل معلوم والوزن معلوم والأجل معلوم، والثمر معروف، صفته كذا وكذا كذلك إذا أسلم في سيارة، إذا أسلم في حيوان فلا بأس، فالثمن يعجل والمثمن يؤجل ويضبط بالأوصاف.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد