قال ابن أبي الزناد: وكان هشام يقول: إنهم كانوا من أهل الورع والخشية من الله، ثم يقول هشام: لو جاءتنا مثلها اليوم لوجدت نوكى أهل حمق وتكلف بغير علم، فهذا إسناد جيد إلى عائشة رضي الله عنها].
النوكى: الحمقى، جمع أحمق، لكن ليس فيه أنها فعلت السحر، وأنها تقربت للشياطين إنما فيه أنها بذرت وحقلت وطحنت وخبزت في الحال، فيحتمل أن هذا من كذب المرأة أو من كذب العجوز، وليس فيه أنها فعلت السحر، وأنها تقربت للشياطين فيه أنها بالت في التنور وقوله: [فلو جاءتنا أفتيناها بالضمان]، لا أدري ما المقصود به؛ وقولها: [فأرببت] أي: دنوت منه، وأربت: أقمت في المكان.
[وقد استدل بهذا الأمر من ذهب إلى أن الساحر له تمكن في قلب الأعيان؛ لأن هذه المرأة بذرت واستغلت في الحال، وقال آخرون: بل ليس له قدرة إلا على التخييل، كما قال تعالى {سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم} [الأعراف:116]].
الصواب أن السحر له حقيقة وله خيال، له يقتل ويمرض ويفرق بين المرء وزوجه، ومنه ما هو خيال لكن لا يقلب الأعيان، كما سيأتي أن بعض أهل البدع يقول: إن الساحر يقلب الإنسان حمارا والحمار إنسانا، هذا ليس بصحيح والحجر ذهبا والذهب حجرا، لكن يقولون: إنه إذا تكلم بالكلمة السحرية قلبها الله. الصواب أن له حقيقة، يعني يمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه، أما مسألة قلب الأعيان فإنه لا يقدر على قلب الأعيان وإنما يخيل قد يخيل للإنسان من ذلك أنه يكره المرأة إلى زوجها يجعل المرأة ترى زوجها في صورة قبيحة حتى تفارقه، ويكره المرأة إلى زوجها، يجمع ويفرق، العطف والصرف.
[وقال تعالى: {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} [طه:66]، استدل به على أن بابل المذكورة في القرآن هي بابل العراق لا بابل ديناوند كما قاله السدي وغيره]
جاء في معجم البلدان: قيل بابل العراق، وقيل: بابل دنباوند. وقال أيضا في دنباوند: جبل من نواحي الري. وبلاد الري هي في جهة إيران وأفغانستان اليوم.
[ثم الدليل على أنها بابل العراق ما قال ابن أبي حاتم: أخبرنا علي بن الحسين أخبرنا أحمد بن صالح حدثني ابن وهب حدثني ابن لهيعة ويحيى بن أزهر عن عمار بن سعد المرادي عن أبي صالح الغفاري أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مر ببابل وهو يسير، فجاء المؤذن يؤذنه بصلاة العصر، فلما برز منها أمر المؤذن فأقام الصلاة، فلما فرغ قال: (إن حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أصلي بأرض المقبرة، ونهاني أن أصلي ببابل؛ فإنها ملعونة)].
هذا الحديث ضعيف فيه ابن لهيعة. السند له ضعيف
[وقال أبو داود: أخبرنا سليمان بن داود أخبرنا ابن وهب حدثني ابن لهيعة ويحيى بن أزهر عن عمار بن سعد المرادي عن أبي صالح الغفاري أن عليا مر ببابل؛ وهو يسير فجاءه المؤذن يؤذنه بصلاة العصر، فلما برز منها أمر المؤذن فأقام الصلاة، فلما فرغ قال: (إن حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أصلي في المقبرة، ونهاني أن أصلي بأرض بابل فإنها ملعونة)، حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أزهر وابن لهيعة عن حجاج بن شداد عن أبي صالح الغفاري عن علي بمعنى حديث سليمان بن داود قال: فلما خرج منها برز، وهذا الحديث حسن عند الإمام أبي داود؛ لأنه رواه وسكت عليه، ففيه من الفقه كراهية الصلاة بأرض بابل كما تكره بديار ثمود الذي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلى منازلهم إلا أن يكونوا باكين].
المراد بالكراهة كراهة تحريم فلا يصلى فيها؛ لأنه يحرم الصلاة في أرض العذاب مثل الصلاة في الأرض المغصوبة، وهل تصح الصلاة لو صلى مع الإثم أو لا تصح؟ خلاف بين أهل العلم، والصلاة في الأرض المغصوبة لا تجوز حرام، لكن اختلف العلماء في صحة الصلاة، الحنابلة يرون أنها لا تصح، والقول الثاني أنها تصح مع الإثم، وهو الأقرب، ومثلها الصلاة في الثوب المغصوب أو في ثوب الحرير. وكذلك الصلاة في أرض العذاب إن قيل إنه نهي عنه لذاته لذات المكان، لشيء يتعلق بالصلاة، هذا لا يتعلق بالصلاة يتعلق بالأرض ذاتها؛ أرض العذاب. حكمه حكم الأرض المغصوبة فلو صلى صحت مع الإثم على أحد القولين والقول الثاني عند الحنابلة أنها لا تصح
والحديث عند أبي داود حسن مع أنه فيه ابن لهيعة، لأن ابن وهب رواه عنه وعن آخر، وهو: يحيى بن أزهر، وأبو داود روى الحديث وفتش عنه، فهو حسن عنده.
ولهذا قال الفقهاء: لا تجوز الصلاة في أرض بابل؛ لأنها مكان عذاب، لكن هل يثبت من هذه الآثار أن بابل هي مكان عذاب للملكين؟ الآثار ما تثبت لكن إذا ثبت الحديث يكفي، وإذا صح الحديث قد يقوي أن بابل أرض عذاب، لكن هل هي أرض عذاب للملكين أو غيرهما؟ هذا يحتاج إلى تأمل. على هذا يكون أرض بال أرض عذاب وأنه لا يصلى فيها أخذا من هذا الآثار من حديث أبي داود هذا هو الظاهر كما قال المؤلف البخاري رحمه الله يذكر الآثار تقوي الترجمة تقوي اختياره هذا والحافظ حسنه
[قال أصحاب الهيئة: وبعد ما بين بابل -وهي من إقليم العراق- عن البحر المحيط الغربي -ويقال له: أوقيانوس- سبعون درجة، ويسمون هذا طولا، وأما عرضهما -وهو بعد ما بينها وبين وسط الأرض من ناحية الجنوب وهو المسامت (يعني المحاذي) لخط الاستواء- اثنان وثلاثون درجة، والله أعلم].
[وقوله تعالى: {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} [البقرة:102]، قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن قيس بن عباد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فإذا أتاهما الآتي يريد السحر نهياه أشد النهي، وقالا له: إنما نحن فتنة فلا تكفر.
وذلك أنهما علما الخير والشر والكفر والإيمان، فعرفا أن السحر من الكفر، قال: فإذا أبى عليهما أمراه يأتي مكان كذا وكذا، فإذا أتاه عاين الشيطان فعلمه، فإذا تعلمه خرج منه النور فنظر إليه ساطعا في السماء، فيقول: يا حسرتاه يا ويله ماذا صنع؟ وعن الحسن البصري أنه قال في تفسير هذه الآية: نعم أنزل الملكان بالسحر ليعلما الناس البلاء الذي أراد الله أن يبتلي به الناس، فأخذ الله عليهما الميثاق أن لا يعلما أحدا حتى يقولا: إنما نحن فتنة فلا تكفر. رواه ابن أبي حاتم.
وقال قتادة: كان أخذ عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يقولا: إنما نحن فتنة أي: بلاء ابتلينا به فلا تكفر.
وقال السدي: إذا أتاهما إنسان يريد السحر وعظاه، وقالا له: لا تكفر إنما نحن فتنة، فإذا أبى قالا له: ائت هذا الرماد فبل عليه، فإذا بال عليه خرج منه نور فسطع حتى يدخل السماء، وذلك الإيمان، وأقبل شيء أسود كهيئة الدخان حتى يدخل في مسامعه وكل شيء، وذلك غضب الله، فإذا أخبرهما بذلك علماه السحر، فذلك قول الله تعالى: {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} [البقرة:102]، الآية].
احتج جمهور العلماء على كفر الساحر بقوله تعالى: {إنما نحن فتنة فلا تكفر} [البقرة:102]، أي: فلا تكفر بتعلم السحر، دل على أن تعلم السحر وتعليمه كفر، والمراد السحر الذي يتصل صاحبه بالشياطين، فإنه لا بد أن يفعل الكفر؛ لأن هناك عقدا بين الشيطان وبين الساحر، بين الإنسي وبين الجني مقتضى هذا العقد يكفر الإنسي -والعياذ بالله- وهو الساحر بأن يتقرب إليهما بشيء من العبادة التي هي من خصائص الله، أو يطلب منه أن يمزق المصحف، أو يبول عليه، أو يلطخه بالنجاسة، أو يتكلم بكلمة الكفر، نسأل الله السلامة والعافية، ثم إذا كفر الساحر علمه السحر، استجاب الشيطان لمطالبه، يأتيه بالأخبار المغيبة عن البلد، إذا أمره أن يلطم شخصا لطمه، أو يقتله قتله، وما أشبه ذلك، وهذا من الابتلاء، والله تعالى أنزل الملكين وأمرهما أن لا يعلما أحدا حتى يقولا له: إنما نحن فتنة فلا تكفر، هذا من باب الابتلاء والامتحان الله له الحكمة البالغة، يبتلي المؤمنين بالكفار والكفار بالمؤمنين، والأخيار بالأشرار والأشرار بالأخيار، له الحكمة البالغة فيما أراده سبحانه وتعالى من الابتلاء والامتحان ليعلم علم ظهور من يطيعه ممن يعصيه.
ومن الحكم ظهور قدرة الله سبحانه وتعالى على وقوع المتضادات، فالساحر الكافر يقابله المؤمن المطيع، والكافر يقابله المؤمن، والعاصي يقابله المطيع، والليل يقابله النهار، والحر يقابله البرد، وهكذا والعدو يقابله الصديق، والحرارة تقابلها البرودة، والرطوبة تقابلها اليبوسة، والملاسة تقابلها الخشونة، وغير ذلك من المتقابلات، وذات إبليس التي هي مصدر كل شر وبلاء يقابلها ذوات الأنبياء والملائكة والصالحين، فله الحكمة البالغة سبحانه وتعالى، {إن ربك عليم حكيم} [يوسف:6]. والله تعالى أعذر وأنذر، وبعث الرسل إلى الناس لتوحيد الله يحذرونهم أسباب سخط الله، وركب الله فيهم العقول ولكن الشياطين اجتالتهم وصرفتهم عن دينهم مع أن الله آتاهم الأسماع والأبصار والأفئدة. وله سبحانه وتعالى الحكمة البالغة في ابتلائه وامتحانه، وفي تقديره الإيمان والكفر والطاعة والمعصية والخير والشر، فهو سبحانه وتعالى كما قال {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [الأنبياء:23]، لكمال حكمته كمال علمه وقدرته سبحانه وتعالى.
[وقال سعيد عن حجاج عن ابن جريج في هذه الآية: لا يجترئ على السحر إلا كافر].
هناك نوع آخر من السحر لا يتصل صاحبه بالشرك، وهو سحر الأدوية والتدخينات، وسقي الأشياء تضر هذا لا يتصل صاحبه بالشياطين، لكنه يضر الناس في أبدانهم وأموالهم، يسلبون أموال الناس فيدعون المعرفة وهم يسلبون أموال الناس بالباطل، مما يفعله بعض الناس الآن يكون لا علم عنده، ولا يتصل بالشياطين، لكن يريد أن يأكل أموال الناس بالباطل، يفتح محلا، ويقول: إنه يعالج الناس، وكل من أتاه يقول عندي لك علاج، أصباغ من الأصباغ هذا يدهن به وهذا يشربه وهذا يستنشقه، وهكذا ويأكل أموال الناس بالباطل وقد يضر بأجسام الناس، هذا إذا استحل أكل أموال الناس بالباطل، واستحل إيذاءهم وضررهم كفر، وإن لم يستحله يكون قد ارتكب محرما وكبيرة، وإذا رفع إلى ولي الأمر إلى المحكمة فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا يعزره ولي الأمر بما يراه رادعا، قد يصل التعزير إلى القتل حسب نظر الحاكم الشرعي، هذا إذا كان صاحبه لا يتصل بالشياطين، أما السحر الذي يتصل صاحبه بالشياطين فهذا حده القتل، وحد الساحر ضربه بالسيف. الصواب أنه يقتل كفرا قال بعض العلماء: إنه يقتل حدا، والصواب أنه يقتل كفرا، لهذه الآية: {إنما نحن فتنة فلا تكفر} [البقرة:102]، يعني: فلا تكفر بتعلم السحر، ويدل على ذلك غير هذه الآية كذلك.
[وأما الفتنة فهي المحنة والاختبار، ومنه قول الشاعر
وقد فتن الناس في دينهم وخلى ابن عفان شرا طويلا].
يعني لما توفي حصل شر بموته وقتله رضي الله عنه. أمير المؤمنين عثمان بن عفان
[وكذلك قوله تعالى إخبارا عن موسى عليه السلام حيث قال: {إن هي إلا فتنتك} [الأعراف:155] أي: ابتلاؤك واختبارك وامتحانك {تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء} [الأعراف:155]، وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تكفير من تعلم السحر].
وهم الأئمة الثلاثة مالك وأبو حنيفة وأحمد، استدلوا بهذه الآية على كفر الساحر أما الشافعي -رحمه الله- فإنه فصل وقال: إذا تعلم السحر قلنا له: صف لنا سحرك، فإن وصف ما يوجب الكفر كفر، وإن وصف ما لا يوجب الكفر فإن استحله كفر، وإن لم يستحله فقد ارتكب محرما وكبيرة، وهذا التفصيل من الشافعي رحمه الله لأنه أدخل السحر اللغوي في مسمى السحر، والجمهور لم يدخلوا السحر في المسمى اللغوي، فلا حاجة إلى التفصيل؛ لأن الجمهور يقولون: الساحر كافر مطلقا، وأما سحر الأدوية والتدخينات فلا يسمى سحرا شرعا، ولكنه سحر لغوي من جهة اللغة، مثل النميمة تسمى سحرا لغة، وكذا القول البليغ، ومنه سمي السحر سحرا؛ وهو آخر الليل لأنه يقع خفيا آخر الليل.
وأما الشافعي فإنه لما أدخل السحر اللغوي في مسمى السحر فلذلك احتاج إلى التفصيل. قال ننظر إن كان سحره سحر من جهة اللغة ما فيه اتصال بالشياطين هذا لا يكفر إلا إذا استحله، أما إذا كان سحره يتصل بالشياطين فإنه يكفر، وعلى هذا فليس هناك خلاف بين الجمهور وبين الشافعي رحمه الله.
[وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تكفير من تعلم السحر، واستشهد له بالحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن المثنى أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن عبد الله قال: (من أتى كاهنا أو ساحرا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)، وهذا إسناد صحيح، وله شواهد أخر].
قال الحافظ: هذا إسناد صحيح، فيه عنعنة الأعمش، ولكن تدليسه قليل ولهذا الأئمة ما يعتبرون تدليسه، ولأن مثل هذا لا يقال بالرأي، له حكم الرفع وتؤيده الأحاديث الصحيحة، منها حديث حفصة الذي رواه الإمام مسلم: (من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما)، وفي رواية عند الإمام أحمد: (فصدقه)، فلهذا قال الحافظ: هذا إسناد صحيح. لأن مثل هذا لا يقال بالرأي ولأن له شواهد من الأحاديث المرفوعة
[وقوله تعالى: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} [البقرة:102]، أي: فيتعلم الناس من هاروت وماروت من علم السحر وما يتصرفون به من الأفاعيل المذمومة ما إنهم ليفرقون به بين الزوجين مع ما بينهما من الخلطة والائتلاف، وهذا من صنيع الشياطين، كما رواه مسلم في صحيحه من حديث الأعمش عن أبي سفيان طلحة بن نافع].
أبو سفيان هو طلحة بن نافع.
[عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان ليضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس)].
يضع الشيطان عرشه على الماء تشبها بالله؛ لأن الله تعالى عرشه على الماء، فالشيطان من خبثه يضع عرشه على البحر تشبها بالله ثم يبعث سراياه، قبحه الله وأخزاه.
[إن الشيطان ليضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة، ويجيء أحدهم فيقول: ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا، فيقول إبليس: لا والله ما صنعت شيئا ويجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله قال فيقربه ويدنيه ويلتزمه ويقول نعم أنت]
قوله: [(نعم أنت)]، يحتمل أنها حرف جواب ويحتمل أنها (نعم أنت) فتكون فعلا، والمخصوص بالمدح محذوف تقديره: نعم الرجل أنت، أو نعم الشخص أنت، والجن يسمون رجالا {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} [الجن:6] لأن فاعل نعم لابد أن يكون معرفة المخصوص بالمدح نعم الرجل أنت إذا كانت نعم فعلا
قال تعالى:{وكان عرشه على الماء}[هود:7] بعد السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض والله تعالى فوق مخلوقاته مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته (إن الله كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء).
[وسبب التفريق بين الزوجين بالسحر ما يخيل إلى الرجل أو المرأة من الآخر من سوء منظر أو خلق أو نحو ذلك، أو عقد، أو بغضة، أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة].
الساحر حينما يفرق بين المرء وزوجه يخيل إلى الرجل يجعل امرأته في صورة قبيحة كريهة مشوهة فينفر منها وهي كذلك أيضا يصور زوجها أمامها يخيله إليها كأنه في صورة قبيحة فتنفر منه فتحصل الفرقة هذا التفريق والجمع بضد ذلك، يحسنها في عينه حتى تكون من أجمل الناس، ولو كانت دميمة الخلقة والعكس كذلك الصرف والعطف. التفريق هو الصرف، والجمع هو العطف قال تعالى: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} [البقرة:102].
[والمرء عبارة عن الرجل وتأنيثه امرأة، ويثنى كل منهما ولا يجمعان، والله اعلم].
يقال: امرأة وامرأتان، والمرء والمرءان، ولا يجمعان.
[وقوله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} [البقرة:102]، قال سفيان الثوري: إلا بقضاء الله. وقال محمد بن إسحاق: إلا بتخلية الله بينه وبين ما أراد].
المراد بالإذن في قوله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} [البقرة:102] الإذن الكوني القدري، والإذن يكون كونيا ويكون شرعيا، فالشرعي مثاله قول الله تعالى في سورة الحشر: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله} [الحشر:5]، أي: فبإذن الله الشرعي، حينما حاصر المسلمون بني النضير، قطع بعضهم النخيل إغاظة للعدو، ورأى بعضهم أن يتركه؛ لأنه مال سيئول إلى المسلمين سيبقى لهم، فالله تعالى صوب الفريقين فمن قطع نخيل بني النضير بقصد الإغاظة فهو على صواب، ومن أبقاه لأنه مال يئول إلى المسلمين فهو على صواب، صوب الله الفريقين قال {ما قطعتم من لينة} أي: نخلة {أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله} [الحشر:5] فبإذن الله الشرعي.
[وقال الحسن البصري: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} [البقرة:102]، قال: نعم، من شاء الله سلطهم عليه ومن لم يشأ الله لم يسلط، ولا يستطيعون ضر أحد إلا بإذن الله كما قال الله تعالى].
[وفي رواية عن الحسن أنه قال: لا يضر هذا السحر إلا من دخل فيه].
هذا ليس بجيد، فإن السحر لا يضر إلا إذا أذن الله كونا وقدرا، قد يدخل فيه ولا يضره.
[قوله تعالى: {ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم}[البقرة:102]أي: يضرهم في دينهم وليس له نفع يوازي ضرره{ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق}[البقرة:102]أي ولقد علم اليهود الذين استبدلوا السحر بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لمن فعل فعلهم ذلك أنه ما له في الآخرة من خلاق]
قوله: [(استبدلوا بالسحر)] بالباء؛ لأن الباء تدخل على المتروك، مثل قوله: {ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} [النساء:2]، فالمتروك هو الذي تدخل عليه الباء. والأصل هو أن يقول: (استبدلوا السحر بمتابعة الرسول)؛ لأن متابعة الرسول هي المتروك والسحر هو المأخوذ، فتركوا متابعة الرسول وأخذوا بدله السحر، فاستبدلوا السحر بمتابعة الرسول.
[قال ابن عباس ومجاهد والسدي: من نصيب، وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: ما له في الآخرة من جهة عند الله، وقال عبد الرزاق قال الحسن: ليس له دين، وقال سعيد عن قتادة: {ما له في الآخرة من خلاق} قال: ولقد علم أهل الكتاب فيما عهد الله إليهم أن الساحر لا خلاق له في الآخرة].
الخلاق والنصيب والدين والحظ بمعنى واحد، وأما الجهة فليست واضحة.
قوله الله تعالى: {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون * ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون} [البقرة:102 - 103].
[يقول تعالى: ولبئس البديل ما استبدلوا به من السحر عوضا عن الإيمان ومتابعة الرسول لو كان لهم علم بما وعظوا به، {ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير}، أي: ولو أنهم آمنوا بالله ورسله واتقوا المحارم لكان مثوبة الله على ذلك خيرا لهم مما استخاروا لأنفسهم ورضوا به، كما قال تعالى: {وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون} [القصص:80]، وقد استدل بقوله: {ولو أنهم آمنوا واتقوا} [البقرة:103] من ذهب إلى تكفير الساحر].
قوله تعالى: {ولو أنهم آمنوا واتقوا} [البقرة:103]، يدل على أن السحر كفر وليس بإيمان. دل على أن الساحر لم يؤمن
[وقد استدل بقوله: {ولو أنهم آمنوا واتقوا} [البقرة:103] من ذهب إلى تكفير الساحر كما هو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل وطائفة من السلف وقيل: بل لا يكفر، ولكن حده ضرب عنقه؛ لما رواه الشافعي وأحمد بن حنبل قالا: أخبرنا سفيان هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة بن عبدة يقول كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن: اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر وقد أخرجه البخاري في صحيحه أيضا وهكذا صح أن حفصة أم المؤمنين سحرتها جارية لها فأمرت بها فقتلت قال الإمام أحمد بن حنبل صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الساحر
وهذا لا يدل على أنه قتله ليس بكفر، بل قتله كفر على الصحيح، قال بعضهم: إنه لا يكفر به، ولكن حده القتل كقتل القاتل ورجم الزاني، ويكون مؤمنا، والصواب أنه كافر، وأن قتله كفرا لا حدا.
قال بعضهم: إنه لا يقتل وإنما يسجن حتى يموت، وذهب إلى هذا الإمام أبو حنيفة، والصواب أنه يقتل ثم الذين قالوا يقتل اختلفوا هل يقتل كفرا أم يقتل حدا، والصواب أنه يقتل كفرا وهذا هو قول الجمهور، أنه يقتل لا يحبس وقتله كفر وعلى هذا فلا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم لأن الساحر الذي يتصل بالشياطين لابد أن يفعل الكفر أما سحر الأدوية والتدخينات فهذا إذا قتل ولم يستحله يكون قتله حدا.
[وروى الترمذي من حديث إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب الأزدي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حد الساحر ضربه بالسيف)، ثم قال: لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه].
(ضربه)، وفي لفظ (ضربة بالسيف).
[ثم قال لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وإسماعيل بن مسلم يضعف في الحديث والصحيح عن الحسن عن جندب موقوفا، قلت: قد رواه الطبراني من وجه آخر عن الحسن عن جندب مرفوعا، والله أعلم]
الترمذي ضعف إسماعيل هذا فيكون موقوفا، لكن رواية الطبراني تدل على أنه مرفوع، والموقوف يؤيده المرفوع، روي مرفوعا وموقوفا، ظاهر كلام الحافظ أن رواية الطبراني لا بأس بسندها.
[قلت: قد رواه الطبراني من وجه آخر عن الحسن عن جندب مرفوعا، والله أعلم وقد روي من طرق متعددة أن الوليد بن عقبة كان عنده ساحر يلعب بين يديه، فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيرد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله! يحيي الموتى! ورآه رجل من صالحي المهاجرين، فلما كان الغد جاء مشتملا على سيفه وذهب يلعب لعبه ذلك، فاخترط الرجل سيفه فضرب عنق الساحر، وقال: إن كان صادقا فليحي نفسه، وتلا قوله تعالى:{أفتأتون السحر وأنتم تبصرون} [الأنبياء:3]، فغضب الوليد إذ لم يستأذنه في ذلك، فسجنه ثم أطلقه، والله أعلم.
وقال الإمام أبو بكر الخلال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي أخبرنا يحيى بن سعيد حدثنا أبو إسحاق عن حارثة قال: كان عند بعض الأمراء رجل يلعب، فجاء جندب مشتملا على سيفه فقتله، قال: أراه كان ساحرا].
معنى (أراه) بالفتح: أعلم أنه ساحر، أما (أراه) بضم الهمزة فمعناها (أظنه)، فـلا يقتله بالظن إنما تحقق أنه ساحر، ما قتله إلا بعد ما تحقق أنه ساحر لا بالظن.
[وحمل الشافعي رحمه الله قصة عمر وحفصة على سحر يكون شركا، والله أعلم].
هذا هو الصواب هذا يكون شرك لأن الشافعي يرى أن السحر الذي ليس فيه شرك ما يقتل وإنما يعزر إلا إذا استحله، وعلى هذا ما فيه خلاف بين الجمهور على السحر الذي يكون شرك والسحر لابد يكون فيه شرك ما يخلو لكن الشافعي رحمه الله أدخل في المسمى السحر اللغوي
[(فصل): حكى أبو عبد الله الرازي في تفسيره عن المعتزلة أنهم أنكروا وجود السحر، قال: وربما كفروا من اعتقد وجوده].
في كتابه: (مفاتيح الغيب)، كتاب الرازي في التفسير ذكر فيه كل شيء قال بعض العلماء: فيه كل شيء إلا التفسير، كان فيه الطب والهندسة والكيمياء وكثير من العلوم، حشاه الكتاب وسماه مفاتيح الغيب الحافظ ينقل عنه
لأنهم يرون أن السحر لو حصلت منه الخوارق لالتبس النبي بالساحر حتى تسلم النبوة بزعمهم حتى ما يكون أحد يشابه النبي فلو كان هناك ساحر له خوارق لاشتبه بالنبي وهذا من جهلهم الرازي أشعري لكن متأخري الشعرية صاروا جهمية ينفون عن الله النقيضين يقولون لا داخل العالم ولا خارجه.
كفره الشيخ ابن تيمية لكن ذكر أنه تاب وترحم عليه في بيان تلبيس الجهمية وله وصية في آخر حياته وله كتاب (السر المكتوم في عبادة النجوم) من متأخري الأشاعرة فهو أشعري في الصفات وانتقل إلى كونه جهمي وله تحسين الشرك وينقل عنه الحافظ أنه أوجب تعلم السحر وهو كفر قال يجب تعلم السحر لأن العلم بذاته شريف قول الله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر:9]، والسحر علم، فيجب تعلم السحر حتى لا يكون هناك علم مفقود. هل يجب تعلم الكفر الله تعالى يقول " إنما نحن فتنة فلا تكفر" وهو يقول يجب تعلمه لكنه تاب في آخر حياته وترحم عليه وله وصية معروفة.
[قال: وأما أهل السنة فقد جوزوا أن يقدر الساحر أن يطير في الهواء، ويقلب الإنسان حمارا والحمار إنسانا، إلا أنهم قالوا: إن الله يخلق الأشياء عندما يقول الساحر تلك الرقى والكلمات المعينة].
وهذا باطل أما كونه يطير في الهواء ويغوص في البحار، أما أن يقلب الإنسان حمارا والحمار إنسانا فليس بصحيح، ونسبة هذا القول إلى أهل السنة باطل. وإنما يكره يجعل الإنسان حمارا في صورة كريهة فينفر منه قد يخيل إليه أن الإنسان حمارا والحمار إنسان، ولكنه لا يقلب الإنسان حمارا حقيقيا، الواقع أنه إنسان ولكن قد يجعله حمارا من باب الخيال مثل ما فعل السحرة سحرة فرعون، قال الله: {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} [طه:66]، أتوا بالعصي والحبال، وجعلوا فيها الزئبق تتلوى بالشمس وخيلوا على الناس فصارت كأنها حيات فكذلك الساحر يخيل الإنسان في صورة غير الصورة التي يرى فيها، ولكنه لا يقلب الإنسان حمارا، أو الحمار إنسانا، هذا باطل ولا الحجر ذهبا أو الذهب حجرا. حتى الأشاعرة وهو أشعري كونهم يقولون بهذا فيه نظر
[فأما أن يكون المؤثر في ذلك هو الفلك والنجوم فلا، خلافا للفلاسفة والمنجمين والصابئة، ثم استدل على وقوع السحر وأنه بخلق الله تعالى بقوله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} [البقرة:102]، ومن الأخبار بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر، وأن السحر عمل فيه].
يعني أثر فيه لكن أثر في جسمه وفي أمور الدنيا، ولم يؤثر في عقله ولا في تبليغه صلى الله عليه وسلم، وقد كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله.
[وبقصة تلك المرأة مع عائشة رضي الله عنها، وما ذكرت تلك المرأة من إتيانها بابل وتعلمها السحر، قال: وبما يذكر في هذا الباب من الحكايات الكثيرة، ثم قال بعد هذا: (المسألة الخامسة) في أن العلم بالسحر ليس بقبيح ولا محظور، اتفق المحققون على ذلك].
انظر الكلام الباطل العلم بالسحر ليس بقبيح ولا محظور، اتفق المحققون كيف والله تعالى قبح السحر وأخبر أنه كفر، وحذر منه النبي صلى الله عليه وسلم. ثم يقول ليس بقبيح ولا محظور نسأل الله السلامة والعافية وأوجب تعلمه
السحر له حقيقة وله خيال يؤثر فيه بالقتل والمرض والشلل نعم ممكن لكن يؤثر يقلبه حمارا والحمار إنسانا، لا هذا باطل {ومن شر النفاثات في العقد} [الفلق:4]. ولكنه لا يغير الحقائق
[اتفق المحققون على ذلك لأن العلم النافع لذاته شريف]
هذا باطل نسبة هذا للمحققين باطل المحققون ما يقولون بهذا
[لأن العلم النافع لذاته شريف لعموم قوله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر:9]].
العلم النافع هو العلم الشريف أم الله علم السحر علم قبيح ليس بشريف وهل يدخل علم السحر في هذا الآن يعلمون العلم النافع، لا الذين يعلمون العلم السيئ الضار.
[ولأن السحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة].
وهذا باطل أيضا، عكس قول المعتزلة يقولون: لا يوجد سحر ولا خوارق ولا شيء أنكروا لئلا يشتبه الساحر بالنبي، وهؤلاء يقولون يجب تعلم السحر
[ولأن السحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة والعلم بكون المعجز معجزا واجب، وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب؛ فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبا، وما يكون واجبا فكيف يكون حراما وقبيحا؟! هذا لفظه بحروفه في هذه المسألة، وهذا الكلام فيه نظر من وجوه].
هذا رد الحافظ عليه
[أحدها قوله: (العلم بالسحر ليس بقبيح) إن عنى به ليس بقبيح عقلا فمخالفوه من المعتزلة يمنعون هذا].
يعني باطل إن أراد ليس بقبيح عقلا فهو باطل، وإن أراد أنه ليس بقبيح شرعا فهو باطل فهو قبيح عقلا وشرعا، حتى أصحابه ما يوافقونه على أنه ليس بقبيح عقلا.
[وإن عنى أنه ليس بقبيح شرعا؛ ففي هذه الآية الكريمة تبشيع لتعلم السحر، وفي الصحيح: (من أتى عرافا أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد)، وفي السنن: (من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر)، وقوله: (ولا محظور اتفق المحققون على ذلك) كيف لا يكون محظورا مع ما ذكرناه من الآية والحديث؟! واتفاق المحققين يقتضي أن يكون قد نص على هذه المسألة أئمة العلماء أو أكثرهم، وأين نصوصهم على ذلك؟! ثم إدخاله علم السحر في عموم قوله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر:9] فيه نظر؛ لأن هذه الآية إنما دلت على مدح العالمين العلم الشرعي، ولم قلت: إن هذا منه؟ ثم ترقيه إلى وجوب تعلمه؛ لأنه لا يحصل العلم بالمعجز إلا به ضعيف، بل فاسد؛ لأن أعظم معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام هي القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ثم إن العلم بأنه معجز لا يتوقف على علم السحر أصلا، ثم من المعلوم بالضرورة أن الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وعامتهم كانوا يعلمون المعجز، ويفرقون بينه وبين غيره، ولم يكونوا يعلمون السحر ولا تعلموه ولا علموه، والله أعلم].
رحمه الله أحسن وأجاد وأفاد رحمه الله في الرد على الرازي.
[ثم قد ذكر أبو عبد الله الرازي أن أنواع السحر ثمانية: (الأول): سحر الكلدانيين والكشدانيين الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة، وهي السيارة، وكانوا يعتقدون أنها مدبرة العالم].
الصحيح: (المتحيزة) لا المتحيرة؛ لأن المتحيرة معناها: الواقفة الساكنة، والكواكب السيارة ماشية، والمعنى أنها متحيزة في جهة عن الكواكب الأخرى التي ليست سيارة
[(الأول): سحر الكلدانيين والكشدانيين الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيزة، وهي السيارة، وكانوا يعتقدون أنها مدبرة العالم وأنها تأتي بالخير والشر، وهم الذين بعث الله إليهم إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم مبطلا لمقالتهم ورادا لمذهبهم، وقد استقصى في كتاب (السر المكتوم في مخاطبة الشمس والنجوم) المنسوب إليه، كما ذكرها القاضي ابن خلكان وغيره].
كتاب (السر المكتوم في مخاطبة الشمس والقمر والنجوم) للرازي نسبه إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا كفرا، ولكنه تاب وقد ترحم عليه شيخ الإسلام وله وصية في آخر حياته، موجودة الآن.
[ويقال: إنه تاب منه، وقيل: بل صنفه على وجه إظهار الفضيلة لا على سبيل الاعتقاد، وهذا هو المظنون به]
أي: فضيلة السحر إذا قال للسحر فضيلة صار كفر على وجه إظهار الفضيلة يكون للعلم الشرعي يؤلف في هذا العلم حتى يتضح الحق ضده الباطل إنما يتضح الحق إذا عرفت الباطل من باب: عرفت الشر لا للشر لعل هذا مقصوده والفضيلة لا تكون إلا للإيمان، وأن من من الله عليه بالإيمان تظهر فضيلته على من خاطب النجوم.
[وقيل: بل صنفه على وجه إظهار الفضيلة لا على سبيل الاعتقاد، وهذا هو المظنون به إلا أنه ذكر فيه طريقهم في مخاطبة كل من هذه الكواكب السبعة، وكيفية ما يفعلون وما يلبسونه وما يتمسكون به.
قال: (والنوع الثاني): سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية، ثم استدل على أن الوهم له تأثير بأن الإنسان يمكنه أن يمشي على الجسر الموضوع على وجه الأرض ولا يمكنه المشي عليه إذا كان ممدودا على نهر أو نحوه].
إذا وجد جذع على الأرض فإن الإنسان يمشي عليه ولا يتوهم؛ لأنه إذا سقط سقط على الأرض، أما إذا كان جسر موضوع على نهر فيتوهم أنه سيسقط، فيسقط بسبب الوهم، وهذا هو سحر الوهم.
[قال: وكما أجمعت الأطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الأشياء الحمر].
المرعوف الذي عنده رعاف ما ينظر إلى الشيء الأحمر لئلا يتوهم فيخرج الدم وهذا الأطباء ينهون المرعوف عنه معروف
[والمصروع إلى الأشياء القوية اللمعان أو الدوران وما ذاك إلا لأن النفوس خلقت مطيعة للأوهام قال وقد اتفق العقلاء على أن الإصابة بالعين حق، وله أن يستدل على ذلك بما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين) قال: فإذا عرفت هذا فنقول: النفس التي تفعل هذه الأفاعيل قد تكون قوية جدا فتستغني في هذه الأفاعيل عن الاستعانة بالآلات والأدوات، وقد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الاستعانة بهذه الآلات، وتحقيقه أن النفس إذا كانت متعلية على البدن شديدة الانجذاب إلى عالم السموات صارت كأنها روح من الأرواح السماوية فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم، وإذا كانت ضعيفة شديدة التعلق بهذه الذات البدنية؛ فحينئذ لا يكون لها تأثير البتة إلا في هذا البدن، ثم أرشد إلى مداواة هذا الداء بتقليل الغذاء والانقطاع عن الناس والرياء مراءاة الناس.
قلت: وهذا الذي يشير إليه هو التصرف بالحال، وهو على قسمين: تارة تكون حالا صحيحة شرعية، يتصرف بها فيما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويترك ما نهى الله تعالى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم. فهذه الأحوال مواهب من الله تعالى وكرامات للصالحين من هذه الأمة].
هذه أحوال عباد الله الصالحين يعينه الله بسبب تقواه، فيعمل أعمالا يعجز عنها المئات من الناس وهو شخص واحد؛ بسبب توفيق الله وإعانته له بسبب تقواه وامتثاله أمر الله، وقد يكون أحوال شيطانية، تعينه الشياطين بسبب تركه لما أمر الله به، واجتراحه ما حرم الله عليه تعينه الشياطين
[فهذه الأحوال مواهب من الله تعالى وكرامات للصالحين من هذه الأمة ولا يسمى هذا سحرا في الشرع، وتارة تكون الحال فاسدة لا يمتثل صاحبها ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يتصرف بها في ذلك، فهذه حال الأشقياء المخالفين للشريعة، ولا يدل إعطاء الله إياهم هذه الأحوال على محبته لهم كما أن الدجال له من الخوارق للعادات ما دلت عليه الأحاديث الكثيرة مع أنه مذموم شرعا لعنه الله]
وهو كافر، ومع ذلك أعطاه الله الخوارق، يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويمر بالخربة فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ويقطع الرجل نصفين ثم يقول له: قم، فيستوي قائما، هذه مع أنه كافر أعطاه الله الخوارق لحكمة بالغة.
[وكذلك من شابهه من مخالفي الشريعة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وبسط هذا يطول جدا، وليس هذا موضعه]
[قال: والنوع الثالث من السحر: الاستعانة بالأرواح الأرضية، وهم الجن، خلافا للفلاسفة والمعتزلة، وهم على قسمين: مؤمنون، وكفار وهم الشياطين، قال: واتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية؛ لما بينها من المناسبة والقرب].
اتصالها بالجن أقرب من اتصالها بالملائكة.
[ثم إن أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا أن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن والتجريد، وهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل التسخير].
الدخن التدخينات أشياء يعملها الساحر، رقى استعانة بأسماء الجن والشياطين يجمعهم ويحضرهم من الكتب كتاب (شمس المعارف) إذا قرأها حضر الجن يناديهم بأسمائهم ويحضرون وإذا لم يستطع تفريقهم قتلوه. بعض الناس يأخذ الكتاب ويقرؤه، وينادي الجن بأسمائهم فيحضرون ويسمع لهم صوت وجلبة ويأتي كل واحد يأتي وهم يعملون ويشتغلون هذا معه مسحاة وهذا معه عتلة وهذا معه كذا يسمع أصواتهم فإذا حضروا عنده قالوا ما تريد فإذا لم يفرقهم قتلوه، ينبغي للإنسان أن يحذر من قراءته لأنه يشرك بالله لأنه يدعو غير الله ثم يحضر الجن والعياذ بالله هذه التعاويذ وعزائم يسمونها تسخير فالجن يسخرون له ويخدمونه بسبب هذه الرقى والتعاويذ، ولكنه قبل ذلك يشرك بالله.
[قال: النوع الرابع من السحر: التخيلات والأخذ بالعيون والشعبذة، ومبناه على أن البصر قد يخطئ ويشتغل بالشيء المعين دون غيره، ألا ترى ذا الشعبذة الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه، حتى إذا استفرغهم الشغل بذلك الشيء بالتحديق ونحوه عمل شيئا آخر عملا بسرعة شديدة، وحينئذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه؛ فيتعجبون منه جدا ولو أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمله].
هذا هو سحر التخييل يسميه بعض العامة (قمرة)، يعني يخيل للناس ومن هذا سحر سحرة فرعون، لما جعلوا في العصي والحبال زئبقا، وخيلوا على الناس صارت تتلوى كأنها حيات ومنها الألعاب البهلوانية يفعلها بعض الناس، يجر السيارة بشعر لحيته، يضرب بطنه ويخرج الدم، ويدخل من فم البعير ويخرج من دبره، يخيل للناس وإلا هو كذاب يدخل من فم البعير يأتي حوله، يخيل للناس أنه يضرب بطنه وهو ما يضرب بطنه، من باب التخييل وهذا حتى الذي يقولون يقطع شخصا نصفين في الصندوق وكذا كل هذا كذب تبين أنهم يصورون الصورة التي تعرض هذا في وقت آخر، ثم يعرضونها وهو يضرب الصندوق ويجعل واحد هنا وواحد هنا كأنه ضربه نصفين، هذا من باب الخيال سحر التخييل
والسحر نوعان: سحر تخييل، وسحر حقيقة، أبو حنيفة يقول رحمه الله: السحر ما فيه إلا خيال والصواب أن له حقيقة وله خيالا، الحقيقة يؤثر في البدن يقتل أو يمرض أو يفرق بين المرء وزوجه، قال الله تعالى{ومن شر النفاثات في العقد}ونوع آخر خيال تخييل في العيون فقط{سحروا أعين الناس} [الأعراف:116] يخيل للناس فيتراءى للعيون غير الحقائق، والساحر الذي يتصل بالشياطين كافر.
[ولو أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمله، ولم تتحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه لفطن الناظرون لكل ما يفعله.
قال: وكلما كانت الأحوال تفيد حسن البصر نوعا من أنواع الخلل أشد كان العمل أحسن، مثل أن يجلس المشعبذ في موضع مضيء جدا أو مظلم، فلا تقف القوة الناظرة على أحوالها والحالة هذه.
قلت: وقد قال بعض المفسرين: إن سحر السحرة بين يدي فرعون إنما كان من باب الشعبذة، ولهذا قال تعالى: {فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم} [الأعراف:116]، وقال تعالى:{يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} [طه:66] قالوا: ولم تكن تسعى في نفس الأمر، والله أعلم].
الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى أطال النفس وبسط في شرحه لهذه الآية.
[(النوع الخامس من السحر): الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب آلات مركبة على النسب الهندسية، كفارس على فرس في يده بوق كلما مضت ساعة من النهار ضرب بالبوق من غير أن يمسه أحد، ومنها الصور التي تصورها الروم والهند حتى لا يفرق الناظر بينها وبين الإنسان، حتى يصورونها ضاحكة وباكية. إلى أن قال: فهذه الوجوه من لطيف أمور التخاييل. قال: وكان سحر سحرة فرعون من هذا القبيل].
هذا الذي ذكره الرازي في القرن السادس الهجري أصبح الآن شيئا مألوفا، وأسبابه معروفة.
[قلت: يعني ما قاله بعض المفسرين: إنهم عمدوا إلى تلك الحبال والعصي فحشوها زئبقا فصارت تتلوى بسبب ما فيها من ذلك الزئبق، فيخيل إلى الرائي أنها تسعى باختيارها].
وهي تتلوى بسبب الزئبق مع الشمس تخييل، لهذا قال الله تعالى: {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} قالوا إن هذا من سحر التخييل، ولهذا بعضهم أنكر حقيقة السحر، وقال: السحر كله تخييل، واستدل بهذه الآية، والصواب أن السحر منه ما هو تخييل ومنه ما هو حقيقة، قال الله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد}ولولا أن للسحر حقيقة لما أمر الله بالتعوذ من شر النفاثات في العقد.
فالسحر له حقيقة له تأثير في البدن بالمرض والقتل ويفرق بين المرء وزوجه، يخيل الرجل لزوجته بصورة قبيحة ويصورها لزوجها بصورة قبيحة ذميمة حتى يكرهها ويفارقها، هذا من السحر، كما قال سبحانه وتعالى: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} [البقرة:102]، وبالعكس قد يحسنها في وجهه أو يحسنه في وجهها، وهذا هو الصرف والعطف، فالصرف: يصرف المرأة عن زوجها، أو يصرف الرجل عن زوجته، بمعنى يكره أحدهما في الآخر
فالسحر منه ما هو حقيقة ومنه ما هو خيال نوعان خلافا لـ أبي حنيفة رحمه الله الذي قال: إن السحر لا يكون إلا خيالا، وخلافا للمعتزلة الذين أنكروا وجود السحر، كل هذا باطل، والصواب أن السحر واقع وموجود. منه ما هو حقيقة ومنه ما هو خيال نوعان
[قال الرازي: ومن هذا الباب تركيب صندوق الساعات، ويندرج في هذا الباب علم جر الأثقال بالآلات الخفيفة].
هذا واقع، ويسمونه الآن الألعاب البهلوانية، ومن هذا النوع: أن يظهر إنسان أنه يجر السيارة بشعرة من لحيته، أو يخيل لبعض الناس أنه يضرب بطنه بالسكين ويخرج منه دم، أو يخرج من فمه سكاكين أو مناديل، كل هذا من السحر.
[قال: وهذا في الحقيقة لا ينبغي أن يعد من السحر؛ لأن لها أسبابا معلومة يقينية من اطلع عليها قدر عليها].
ما نراه الآن هو أشياء خفية يعملونها قد تكون من باب الخيال، أو من باب خفة اليد، تكون غريبة عند من لم يعلمها، ومن تعود عليها صارت عنده مألوفة.
[لأن لها أسبابا معلومة يقينية من اطلع عليها قدر عليها قلت: ومن هذا القبيل حيل النصارى على عامتهم بما يرونهم إياه من الأنوار، كقضية قمامة الكنيسة التي لهم ببلد المقدس، وما يحتالون به من إدخال النار خفية إلى الكنيسة، وإشعال ذلك القنديل بصنعة لطيفة تروج على الطغام منهم].
[تروج على الطغام]، أي: العامة، هذا يوهمون أن هذا من أنوار المسيح أو من أنوار مريم، وهي أشياء يعلمها خاصتهم، يدخلون النار من طريق لا يعلمها عامة الناس، فيتعجب الناس ويقولون: من أين جاءت النار؟! من أين جاء القنديل؟! فيوهمون الناس أن هذا من أنوار مريم أو من أنوار المسيح فيغرون الناس بعبادة المسيح.
وكذلك الأشياء التي هي من خفة اليد، لا تكون من السحر، ولكنها أشياء خفية لا يعلمها عامة الناس، وهم يعلمون كيفيتها، تروج عليهم، إذا كان المقصود منها ترويج الباطل ونشره، فلا شك في أنها حرام، كما تفعل النصارى في الترويج على عامتهم محرم؛ يغرون الناس بعبادة المسيح وعبادة مريم.
وكذلك ما يسمى الآن بالسيرك، وما يفعل في بعض الاحتفالات، كأن تمر سيارة على بطن شخص، فهذا ينظر فيه، والأقرب أنه من باب الخيال. قد يكون لهم تعامل مع الجن؟ يختلف، قد يكون لا يحصل إلا بالشياطين قد يكون من الأشياء الخفية وقد يكون من باب التخييل، ينظر إلى أحوالهم.
[وأما الخواص فهم معترفون بذلك، ولكن يتأولون أنهم يجمعون شمل أصحابهم على دينهم].
النصارى يجمعون العوام على دينهم، حتى يوهمونهم أن هذا من أنوار المسيح ومن أنوار مريم، ويدخلون والنار يأتون بها من طريق آخر، ولا يعلم بهذا العوام عامة الناس، وهذا من باطلهم ومن ترويج دين النصارى نعوذ بالله من هذا.
[فيرون ذلك سائغا لهم، وفيهم شبه بالجهلة الأغبياء من متعبدي الكرامية الذين يرون جواز وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب، فيدخلون في عداد من قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)].
وهو من الأحاديث المتواترة، حتى بالغ بعضهم فقال (من كذب علي متعمدا كفر ) وهؤلاء الجهلة من متعبدي الكرامية يتأولون أنهم يكذبون لترغيب الناس في الدين، إذا رأوا الناس انصرفوا عن صلاة الفريضة مثلا وضعوا أحاديث إذا رأوا الناس انصرفوا عن صيام رمضان وضعوا أحاديث يتأولون أنهم يحثون الناس على الدين، هذا يشبه ما يفعله النصارى الذي يتأولون جمع شمل النصارى، ويلبسون عليهم حتى يجمعوهم على دينهم.
[فيدخلون في عداد من قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) وقوله: (حدثوا عني ولا تكذبوا علي؛ فإنه من يكذب علي يلج النار)، ثم ذكر ههنا حكاية عن بعض الرهبان، وهو أنه سمع صوت طائر حزين الصوت ضعيف الحركة، فإذا سمعته الطيور ترق له، فتذهب فتلقي في وكره من ثمر الزيتون ليتبلغ به، فعمد هذا الراهب إلى صنعة طائر على شكله، وتوصل إلى أن جعله أجوف فإذا دخلته الريح يسمع منه صوت كصوت الطائر وانقطع في صومعة ابتناها وزعم أنها على قبر بعض صالحيهم، وعلق ذلك الطائر في مكان منها، فإذا كان زمان الزيتون فتح بابا من ناحيته فيدخل الريح إلى داخل هذه الصورة فيسمع صوتها كل طائر في شكله أيضا فتأتي الطيور فتحمل من الزيتون شيئا كثيرا، فلا ترى النصارى إلا ذلك الزيتون في هذه الصومعة، ولا يدرون ما سببه]
هذه حيلة من الراهب ليفتن النصارى يوهمهم أن هذه من الكرامات، وأنه على حق.
[فلا ترى النصارى إلا ذلك الزيتون في هذه الصومعة، ولا يدرون ما سببه ففتنهم بذلك، وأوهم أن هذا من كرامات صاحب هذا القبر، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة].
[قال الرازي: النوع السادس من السحر: الاستعانة بخواص الأدوية، يعني في هذا الأطعمة والدهانات، قال: واعلم أنه لا سبيل إلى إنكار الخواص، فإن تأثير المغناطيس مشاهد، (قلت): يدخل في هذا القبيل كثير ممن يدعي الفقر ويتحيل على جهلة الناس بهذه الخواص مدعيا أنها أحوال له].
يقصد بمن يدعي الفقر: الصوفية، ويسمون الفقراء، ويسمى الصوفي فقيرا، ويسمى السالك، ما يفعله بعض الصوفية من الحيل على الناس، ثم يدعي أن هذه حال له، وأن هذا حال يدعي بعضهم أن صاحب الحال تسلم له حاله ولا يعارض، ولو عمل منكرا، هذا من دعاوى الصوفية الباطلة.
[(قلت): يدخل في هذا القبيل كثير ممن يدعي الفقر ويتحيل على جهلة الناس بهذه الخواص مدعيا أنها أحوال له من مخالطة النيران ومسك الحيات، إلى غير ذلك من المحالات].
وهذا من حيلهم، يدهن جسمه بدهان ضد النار، ثم يدخل النار أمام العامة ولا يصيبه شيء، فيقول هذا من الكرامات من حيلهم وكذلك يمسك الحيات يخدر الحيات ثم يأخذها ويمسكها ويخرج أسنانها ويعمل بها ما يشاء، فهذا من حيلهم فيظن بعض العامة أن هذا من الكرامات، هذا من الحيل، وقد يكون عملها بالشعوذة بينه وبين الجن عهد. قد يكون هذا وقد يكون متحيل متلبس بالجن صارت لا تصيبه وهذا يفعله بعض الناس الله الآن وهذا لا شك ليس إنسان طبيعي ينبغي أن يكون عنده شعوذة واتصال بالجن وهو الأقرب وقد يكون له حيلة في أخذ الحية حيلة خاصة بحيث أنها لا تصيبه
[قال: النوع السابع من السحر: التعليق للقلب، وهو أن يدعي الساحر أنه عرف الاسم الأعظم، وأن الجن يطيعونه وينقادون له في أكثر الأمور، فإذا اتفق أن يكون السامع لذلك ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد أنه حق، وتعلق قلبه بذلك، وحصل في نفسه نوع من الرعب والمخافة، فإذا حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة، فحينئذ يتمكن الساحر أن يفعل ما يشاء. قلت: هذا النمط يقال له: التنبلة، وإنما يروج على ضعفاء العقول من بني آدم، وفي علم الفراسة ما يرشد إلى معرفة كامل العقل من ناقصه، فإذا كان النبيل حاذقا في علم الفراسة عرف من ينقاد له من الناس من غيره].