شعار الموقع

سورة البقرة - 21

00:00
00:00
تحميل
82


وهذا إنما قاله بعد ما أخبرهم أن الله كتب عليهم الحج، فقال رجل: (أكل عام يا رسول الله؟! فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا، ثم قال عليه الصلاة والسلام: لا، ولو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم) الحديث، ولهذا قال أنس بن مالك رضي الله عنه: نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع].
الأسئلة التي نهي عنها هي الأسئلة عن الأمور التي لم تقع، لم يقع ثم يسأل عنه فيحرم من أجل مسألته، أو يسأل عن أشياء فيها تعنت، تفصيلات ليست مطلوبة كان الناس في عافية منها، مثل سؤال هذا الرجل أكل عام يا رسول الله؟ هذا تفصيل مسكوت عنه.
ومثلما سأل بنو إسرائيل عن قصة البقرة، تعنتوا وشددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، سألوا عن البقرة: ما هي؟ ثم سألوا عن لونها، ثم قالوا: إن البقر تشابه علينا) وفي كل مرة تذكر لهم أوصاف ويشدد عليهم.
أما إذا سأل الإنسان عن شيء يحتاج إليه في دينه مثل كيفية الصلاة صفة الصلاة الزكاة الصوم في الحج ما سأل عن شيء لم يقع، ولا سأل عن تفاصيل غير مشروعة، ولا سأل تعنت إعنات المسئول من أجل إيقاعه في العنت والعجز، وإنما سأل للاسترشاد في شيء مشروع؛ هذا لا بأس به.
[وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: أخبرنا أبو كريب أخبرنا إسحاق بن سليمان عن أبي سنان عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: إن كان ليأتي علي السنة أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشيء فأتهيب منه، وإن كنا لنتمنى الأعراب].
الأعراب يأتون البدوي ما يستحي من الجفاء ولا يهاب الصحابة عندهم هيبة عظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم، أما الأعرابي فهو بعيد عنده جفاء ولا يبالي يسأل  فيأتي يسأل والصحابة يستفيدون، فكانوا يتمنون الأعراب يتمنون أن يأتي البدوي يسأل وهم يسمعون حتى يجيبه النبي صلى الله عليه وسلم له فيستفيدون ولما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المواقف: (سلوني سلوني) وهابوا، أرسل الله جبرائيل فجاء في صورة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، فسأل عن الإسلام، ثم سأل عن الإيمان، ثم سأل عن الإحسان، ثم سأل عن الساعة ثم سأل عن أماراتها، والصحابة يسمعون، فكان هذا الحديث حديثا عظيما في بيان الإسلام وبيان الإيمان وبيان الإحسان، قال فيه أتاكم جبريل يعلمكم دينكم وسماه دين بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن الدين مبني على ثلاث مراتب. وهو حديث عظيم سأل جبرائيل جاء في صورة سائل حتى يستفيد الصحابة وتستفيد الأمة كلها
[وقال البزار: أخبرنا محمد بن المثنى أخبرنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ ما سألوه إلا عن اثنتي عشرة مسألة كلها في القرآن{يسألونك عن الخمر والميسر} [البقرة:219]، و{يسألونك عن الشهر الحرام} [البقرة:217]، و{ويسألونك عن اليتامى} [البقرة:220]، يعني هذا وأشباهه].
وقوله تعالى: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل} [البقرة:108]]

تتبع هذا في القرآن على حسب ما ظهر له

[وقوله تعالى: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل} [البقرة:108] أي: بل تريدون، أو هي على بابها في الاستفهام، وهو إنكاري، وهو يعم المؤمنين والكافرين؛ فإنه عليه الصلاة والسلام رسول الله إلى الجميع، كما قال تعالى: {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم} [النساء:153] قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رافع بن حريملة ووهب بن زيد: (يا محمد! ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه، وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك، فأنزل الله من قولهم: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل} [البقرة:108].
{ومن يتبدل الكفر بالإيمان} أي: اختار الكفر على الإيمان، وليس المراد أنه ينتقل، بل المراد أنه يتبدل بما لا يعتاض عنه، ويختار الكفر بدل الإيمان، فيكون واقع المشركين هكذا اختار الكفر بدل الإيمان
[وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل) قال: (قال رجل: يا رسول الله! لو كانت كفارتنا ككفارات بني إسرائيل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لا نبغيها ثلاثا ما أعطاكم الله خيرا مما أعطى بني إسرائيل، كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها، فإن كفرها كانت له خزيا في الدنيا، وإن لم يكفرها كانت له خزيا في الآخرة، فما أعطاكم الله خير مما أعطى بني إسرائيل قال: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} [النساء:110]) وقال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن)، وقال: (من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه، وإن عملها كتبت سيئة واحدة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة واحدة، وإن عملها كتبت له عشر أمثالها، ولا يهلك على الله إلا هالك) فأنزل الله:{أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل} [البقرة:108] وقال مجاهد: (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل) أي: يريهم الله جهرة، قال: سألت قريش محمدا صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا قال: نعم، وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل، فأبوا ورجعوا.
وعن السدي وقتادة نحو هذا، والله أعلم.
والمراد أن الله ذم من سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء على وجه التعنت والاقتراح، كما سألت بنو إسرائيل موسى عليه الصلاة السلام تعنتا وتكذيبا وعنادا، قال الله تعالى: {ومن يتبدل الكفر بالإيمان} [البقرة:108] أي: ومن يشتر الكفر بالإيمان {فقد ضل سواء السبيل} [البقرة:108]، أي: فقد خرج عن الطريق المستقيم إلى الجهل والضلال، وهكذا حال الذين عدلوا عن تصديق الأنبياء واتباعهم والانقياد لهم إلى مخالفتهم وتكذيبهم والاقتراح عليهم بالأسئلة التي لا يحتاجون إليها على وجه التعنت والكفر، كما قال تعالى: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار * جهنم يصلونها وبئس القرار} [إبراهيم:28 - 29]، وقال أبو العالية: يتبدلوا الشدة بالرخاء].
(يشتري) يعنى: (يعتاض)، أي: يأخذ هذا عوضا عن هذا، كما يأخذ المشتري السلعة، ويأخذ البائع الثمن،

 [وقال تعالى: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير * وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير}[البقرة:109 / 110]
  تعالى: [يحذر الله تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم، ويأمر عباده المؤمنين بالصفح والعفو والاحتمال حتى يأتي أمر الله من النصر والفتح، ويأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ويحثهم على ذلك ويرغبهم فيه.
كما قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسدا إذ خصهم الله برسوله صلى الله عليه وسلم، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ما استطاعا فأنزل الله فيهما: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم) الآية.
وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري في قوله تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب) قال: هو كعب بن الأشرف وقال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرا وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أنزل الله: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم) إلى قوله: (فاعفوا واصفحوا)، وقال الضحاك عن ابن عباس: إن رسولا أميا يخبرهم بما في أيديهم من الكتب والرسل والآيات ثم يصدق بذلك كله مثل تصديقهم ولكنهم جحدوا ذلك كفرا وحسدا وبغيا.
ولذلك قال الله تعالى: {كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} [البقرة:109] يقول: من بعد ما أضاء لهم الحق لم يجهلوا منه شيئا، ولكن الحسد حملهم على الجحود فعيرهم ووبخهم ولامهم أشد الملامة، وشرع لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ما هم عليه من التصديق والإيمان والإقرار بما أنزل الله عليهم وما أنزل من قبلهم بكرامته وثوابه الجزيل ومعونته لهم.
وقال الربيع بن أنس: (من عند أنفسهم) أي من قبل أنفسهم، وقال أبو العالية: (من بعد ما تبين لهم الحق) أي من بعد ما تبين أن محمدا رسول الله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، فكفروا به حسدا وبغيا إذ كان من غيرهم، وكذا قال قتادة والربيع بن أنس والسدي.
وقوله: {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره} [البقرة:109] مثل قوله تعالى: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} [آل عمران:186].
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره): نسخ ذلك قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة:5]، وقوله: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} [التوبة:29] إلى قوله:{وهم صاغرون} [التوبة:29] فنسخ هذا عفوه عن المشركين، وكذا قال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي: إنها منسوخة بآية السيف، ويرشد إلى ذلك أيضا قوله تعالى: (حتى يأتي الله بأمره)].
في هذه الآية الكريمة بيان فضل الله تعالى وإحسانه إلى عباده المؤمنين حيث أخبرهم بعداوة أعدائهم من اليهود والنصارى وسائر المشركين، وأنهم لا يودون الخير للمسلمين، وإنما يودون أن يعودوا كفارا مثلهم فيشتركون معهم في النار نسأل الله العافية؛ {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا} والحامل لهم على ذلك الحسد {حسدا من عند أنفسهم} لا عن جهل بل عن بصيرة: {من بعد ما تبين لهم الحق}هذا هو حال الكفرة من اليهود والنصارى والمشركين فهم لا يودون الخير للمسلمين وإنما يودون أن يكونوا مثلهم، ولا يرضون عنهم حتى يساووهم في الكفر؛ ولهذا قال سبحانه في الآية الأخرى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} [البقرة:120] وقال سبحانه في هذه الآية: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم) أي: من قبل أنفسهم (من بعد ما تبين لهم الحق) فاليهود والنصارى أنزل الله عليهم الكتب، أنزل الله على موسى التوراة، اليهود قرءوها وعرفوها وأنزل على عيسى الإنجيل، فعرفوا نبي هذه الأمة، وعرفوا أن المسلمين على الحق ولكن حملهم البغي والحسد فصاروا يكيدون على الإسلام وأهله. فالله تعالى أعلم عباده بعداوتهم في الآية الأخرى يقول الله تعالى عنهم {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} [النساء:89] أي: تكونون مثلهم، والكفرة يودون لو قطعوا أسباب المدد والخير ويودون ألا ينزل خير للمسلمين، كما قال{ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} [البقرة:105] من شدة حسدهم وهذا يفيد الحذر، وأنه ينبغي للمسلم أن يحذر من أعداء الله، يحذر من كيدهم مخططاتهم ودسائسهم، ولا سيما في هذا العصر الذي أجلب فيه الكفرة على المسلمين الغزو الفكري، وفي هذا العصر وجدت الفضائيات والشاشات الغزو الفكري عصر المرأة هذا من الفتن والبلاء والمصائب ينشرون عقائدهم، الدعوة إلى أديانهم، والدعوة إلى أخلاقهم الخبيثة، والدعوة التفسخ، والدعوة إلى العري، والتشكيك في الإسلام وفي أهله وفي أصوله.
هذا من البلاء والمصائب فعظمت الفتنة والتبس الأمر على كثير من الناس، وترى كثيرا من الناس في هذا الزمن عنده شبهات وشهوات اجتمع الأمران شبهات بسبب الفتن التي تلقى في الصحف والمجلات وفي الإذاعات، وفي التلفاز وفي الدش والفضائيات، والشبكات، وكل هذه تنشر فيها الفساد والعري والتفسخ
والشهوات تأتي بسبب انفتاح الدنيا على الناس، ووجود المال بين أيدي الناس شبهات وشهوات ولا حول ولا قوة إلا بالله، والمعصوم من عصمه الله اللهم سلم سلم
[وقال ابن أبي حاتم: قال حدثنا أبي أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد رضي الله عنه أخبره قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى.
قال الله {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير} [البقرة:109].
هذه الآية فيها الأمر بالعفو والصفح حتى يتقوى المسلمون ويشرع الله لهم بالجهاد، فلما تقوى المسلمون شرع الله لهم الجهاد. في مكة كان المسلمون قلة، ثم لما هاجروا إلى المدينة وتقووا وصارت لهم دولة وبلد أذن الله لهم بالجهاد، في الأول (فاعفوا واصفحوا) {فاصفح عنهم وقل سلام} [الزخرف:89] {وأعرض عن المشركين} [الأنعام:106] {وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف:199] ثم لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقوي المسلمون أنزل الله: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} [الحج:39] جاءت الرخصة ثم أذن الله في لمن قاتل والكف لم يقاتل {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم} [البقرة:191] ثم بعد ذلك جاء الأمر بالجهاد عام بدءا وهجوما ودفاعا لقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد} [التوبة:5] هذا أمر بالقتال {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} [التوبة:5] وقوله تعالى: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة} [التوبة:36]
فالجهاد شرع على مراحل: في الأول كان النبي مأمورا بالصفح والإعراض عنهم، ثم جاءت الرخصة في الإذن، ثم أذن في القتال دفاعا فقط، ثم شرع الجهاد بدءا وهجوما ودفاعا.
[وقال ابن أبي حاتم: قال حدثنا أبي أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد رضي الله عنه أخبره قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى.
قال الله {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير} [البقرة:109].وكان رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتَأَوَّلُ مِنَ الْعَفْوِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، حَتَّى أَذِنَ الله فيهم بالقتل، فَقَتَلَ اللَّهُ بِهِ مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ وَهَذَا إِسْنَادُ صَحِيحٌ وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَكِنْ لَهُ أَصْلٌ في الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما
[وقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله} [البقرة:110] يحثهم تعالى على الاشتغال بما ينفعهم وتعود عليهم عاقبته يوم القيامة من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة حتى يمكن لهم الله النصر في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار} [غافر:52]؛ ولهذا قال تعالى: {إن الله بما تعملون بصير} يعني: أنه تعالى لا يغفل عن عمل عامل ولا يضيع لديه سواء كان خيرا أو شرا، فإنه سيجازي كل عامل بعمله.
وقال أبو جعفر بن جرير في قوله تعالى: (إن الله بما تعملون بصير):وهذا الخبر من الله للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين أنهم مهما فعلوا من خير أو شر، سرا أو علانية فهو به بصير، لا يخفى عليه منه شيء فيجزيهم بالإحسان خيرا وبالإساءة مثلها، وهذا الكلام وإن كان خرج مخرج الخبر فإن فيه وعدا ووعيدا، وأمرا وزجرا؛ وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم ليجدوا في طاعته إذ كان ذلك مذخورا لهم عنده حتى يثيبهم عليه كما قال{وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله} [البقرة:110] وليحذروا معصيته، قال: وأما قوله: (بصير) فإنه مبصر صرف إلى بصير كما صرف مبدع إلى بديع ومؤلم إلى أليم، والله أعلم].
يعني خبر بمعنى أمر للامتثال {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير} بصير يعني مبصر وإن كان خبرا فإنه بمعنى الأمر والنهي والمعنى: امتثلوا الأوامر واجتنبوا النواهي واعلموا أن الله بصير بأعمالكم وسوف يجازيكم عليها بأن من عمل خيرا فسيجده عند الله والله بصير بعمله، فالخبر هنا بمعنى الأمر والامتثال والنهي، فإن الله مجازيكم على أعمالكم {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير} هذا خبر بأن من عمل خيرا فسيجده عند الله والله بصير بعمله لكنه بمعنى الأمر والنهي والمعنى: امتثلوا الأوامر واجتنبوا النواهي فإن الله مجازيكم على أعمالكم لأنه بصير بأعمالكم خبير بها، لا تخفى عليه أعمالكم، ولا أقوالكم، ولا نياتكم وسوف يجازي كلا بعمله كما قال في الآية الأخرى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} [الزلزلة:7 - 8]، وقال: {وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} [البقرة:215]، وقال: {وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب} [البقرة:197].
[وقال ابن أبي حاتم أخبرنا أبو زرعة أخبرنا ابن بكير حدثني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يقرأ هذه الآية: (سميع بصير) يقول: (بكل شيء بصير)].
هذا في سنده ابن لهيعة وفيه ضعف، ولكن المعنى صحيح
قال تعالى: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين * بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون*وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}[البقرة:111 -113].
قال المؤلف رحمه الله: [يبين الله تعالى اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه؛ حيث ادعت كل طائفة من اليهود والنصارى أنه لن يدخل الجنة إلا من كان على ملتها، كما أخبر الله عنهم في سورة المائدة، أنهم قالوا: {نحن أبناء الله وأحباؤه} [المائدة:18] فأكذبهم الله تعالى بما أخبرهم أنه معذبهم بذنوبهم، ولو كانوا كما ادعوا لما كان الأمر كذلك، وكما تقدم من دعواهم أنه لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ثم ينتقلون إلى الجنة، ورد عليهم تعالى في ذلك، وهكذا قال لهم في هذه الدعوى التي ادعوها بلا دليل ولا حجة ولا بينة فقال: {تلك أمانيهم} [البقرة:111] وقال أبو العالية: أماني يمنوها على الله بغير حق، وكذا قال قتادة والربيع بن أنس].
والأماني إذا لم يكن عليها دليل تكون باطلة، أماني يتمنى شيئا وهو لا يعمل ما يفيده اليهود يتمنون من باب التمني قالوا: لن يدخل الجنة إلا اليهود، والنصارى قالوا: لن يدخل الجنة إلا النصارى، وهذا تمن ولهذا قال الله لهم: {قل هاتوا برهانكم} [البقرة:111] هاتوا الدليل، في الآية الأخرى قالوا {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} [البقرة:80] وهي الأيام التي عبدوا فيها العجل فأكذبهم الله، وفي الآية باطلة، لا بد من الدليل، إذا كنتم أبناء الله وأحباؤه اعملوا ما يقربكم إلى الله.
[ثم قال تعالى: (قل) أي: يا محمد! (هاتوا برهانكم) قال أبو العالية ومجاهد والسدي والربيع بن أنس: حجتكم، وقال قتادة: بينتكم على ذلك، (إن كنتم صادقين) أي: فيما تدعونه
ثم قال تعالى: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن} [البقرة:112] أي: من أخلص العمل لله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن} [آل عمران:20] الآية، وقال أبو العالية والربيع: (بلى من أسلم وجهه لله). يقول من أخلص لله، وقال سعيد بن جبير: (بلى من أسلم): أخلص، (وجهه): قال: دينه، (وهو محسن) أي متبع فيه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن للعمل المتقبل شرطين: أحدهما: أن يكون خالصا لله وحده والآخر: أن يكون صوابا موافقا للشريعة، فمتى كان خالصا ولم يكن صوابا لم يتقبل؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم من حديث عائشة عنه عليه الصلاة والسلام، فعمل الرهبان ومن شابههم وإن فرض أنهم مخلصون فيه لله فإنه لا يتقبل منهم حتى يكون ذلك متابعا للرسول صلى الله عليه وسلم المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، وفيهم وأمثالهم قال الله تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} [الفرقان:23]، وقال تعالى: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا} [النور:39]، وقال تعالى: {وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين آنية} [الغاشية:2 - 5].
وروي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه تأولها في الرهبان كما سيأتي.
وأما إن كان العمل موافقا للشريعة في الصورة الظاهرة ولكن لم يخلص عامله القصد لله تعالى؛ فهو أيضا مردود على فاعله، وهذا حال المنافقين والمرائين كما قال تعالى: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} [النساء:142]، وقال تعالى: {فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون * ويمنعون الماعون} [الماعون:4 - 7]؛ ولهذا قال تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} [الكهف:110]، وقال في هذه الآية الكريمة: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن} [البقرة:112] وقوله: {فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة:112]، ضمن لهم تعالى على ذلك تحصيل الأجور، وآمنهم مما يخافونه من المحذور (فلا خوف عليهم) فيما يستقبلونه (ولا هم يحزنون) على ما مضى مما يتركونه كما قال سعيد بن جبير: (فلا خوف عليهم) يعني: في الآخرة (ولا هم يحزنون) يعني: لا يحزنون للموت].
وهذان شرطان لا بد منهما في العمل: أن يكون موافقا للشرع، وأن يكون خالصا لله في هذه الآية{بلى من أسلم وجهه لله} هذا أخلصوا العمل لله، أسلم وجهه لله: أخلص العمل لله، وهو محسن إحسان العمل أن يكون موافقا للشرع فلابد لكل عمل يعمله الإنسان من هذين الشرطين أن يكون عمله خالص لله ويكون موافقا للشرع {بلى من أسلم وجهه لله (يعني أخلص لله) وهو محسن} (يعني صار عمله حسنا، والعمل الحسن هو: الموافق للشرع، قال سبحانه: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا} [الكهف:110] وقال سبحانه في الآية الأخرى: {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى} [لقمان:22] فلابد لصحة العمل من هذين الشرطين

النصارى الذين آمنوا بعيسى كانوا على الحق ثم كفر من كفر فهؤلاء اليهود المتأخرون كل منهم يكفر الآخر فذمهم الله على ذلك قال الله تعالى: {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب} يعلمون أن التوراة حق من عند الله، وأن من عمل بها في زمن موسى عليه الصلاة والسلام حتى جاء عيسى عليه الصلاة والسلام فهو على الحق، وكذلك النصارى يعلمون أن الله أنزل الإنجيل على عيسى، وأن من آمن بعيسى حتى جاء محمد عليه الصلاة والسلام فهو على الحق فاليهود الذين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ذمهم الله على هذه المقالة
[وقوله: {كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم} [البقرة:113]، بين بهذا جهل اليهود والنصارى فيما تقابلوا به من القول، وهذا من باب الإيماء والإشارة، وقد اختلف فيمن عنى بقوله تعالى: (الذين لا يعلمون) فقال الربيع بن أنس وقتادة (كذلك قال الذين لا يعلمون) قالا: وقالت النصارى مثل قول اليهود وقيلهم، وقال ابن جريج: قلت لـ عطاء من هؤلاء الذين لا يعلمون؟ قال: أمم كانت قبل اليهود والنصارى وقبل التوراة والإنجيل.
وقال السدي (كذلك قال الذين لا يعلمون) فهم العرب، قالوا: ليس محمد على شيء، واختار أبو جعفر بن جرير أنها عامة تصلح للجميع، وليس ثم دليل قاطع يعين واحدا من هذه الأقوال والحمل على الجميع أولى والله أعلم.
وقوله تعالى: {فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} [البقرة:113] أي: أنه تعالى يجمع بينهم يوم المعاد، ويفصل بينهم بقضائه العدل الذي لا يجور فيه ولا يظلم مثقال ذرة، وهذه الآية كقوله تعالى في سورة الحج: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد} [الحج:17]، وكما قال تعالى: {قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم} [سبأ:26]].
فالله سبحانه وتعالى سوف يجمعهم يوم القيامة ويحكم بينهم بحكمه العدل سبحانه وتعالى، ويجازيهم على أعمالهم، وحينئذ يزول الباطل والبهرج، ويظهر الحق وتظهر مخبآت الصدور، ويميز الله الخبيث من الطيب، ويعلم اليهود الذين ماتوا على الكفر أنهم على الباطل، وكذلك النصارى، وأنه ليس على الحق إلا من آمن بالله ورسله واتبع أنبياءه.
يقول الله عز وجل: [{ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم} [البقرة:114].
[اختلف المفسرون في المراد من الذين منعوا مساجد الله وسعوا في خرابها على قولين: أحدهما: ما رواه العوفي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه) قال: هم النصارى، كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: (وسعى في خرابها) قال: هو بختنصر وأصحابه خرب بيت المقدس وأعانه على ذلك النصارى.
وقال سعيد عن قتادة: قال: أولئك أعداء الله النصارى حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس، وقال السدي: كانوا ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس حتى خربه وأمر أن تطرح فيه الجيف، وإنما أعانه الروم على خرابه من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا وروى نحوه عن الحسن البصري.
القول الثاني: ما رواه ابن جرير قال: حدثني يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) قال: هؤلاء المشركون الذين حالوا بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية وبين أن يدخل مكة حتى نحر هديه بذي طوى وهادنهم وقال لهم: (ما كان أحد يصد عن هذا البيت وقد كان الرجل يلقى قاتل أبيه وأخيه فلا يصده) فقالوا: لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر وفينا باق.
وفي قوله: (وسعى في خرابها) قال: إذ قطعوا من يعمرها بذكره ويأتيها للحج والعمرة، وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن سلمة قال: قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قريشا منعوا النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام فأنزل الله{ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه}[البقرة:114] ثم اختار ابن جرير القول الأول واحتج بأن قريشا لم تسع في خراب الكعبة وأما الروم فسعوا في تخريب بيت المقدس.
قلت: والذي يظهر والله أعلم القول الثاني كما قاله ابن زيد.
وروي عن ابن عباس لأن النصارى إذ منعت اليهود الصلاة في البيت المقدس كان دينهم أقوم من دين اليهود]
قوله: (لأن النصارى إذا منعت اليهود) الأحسن أن يقال: (لأن النصارى إذ منعت) فـ (إذ) ظرف بمعنى حين، والتقدير: لأن النصارى حين منعوا اليهود

[وكانوا أقرب منهم، ولم يكن ذكر الله من اليهود مقبولا إذ ذاك؛ لأنهم لعنوا من قبل على لسان داود وعيسى ابن مريم؛ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.
وأيضا فإنه تعالى لما وجه الذم في حق اليهود والنصارى شرع في ذم المشركين الذين أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة ومنعوهم من الصلاة في المسجد الحرام، وأما اعتماده على أن قريشا لم تسع في خراب الكعبة فأي خراب أعظم مما فعلوا؟ أخرجوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واستحوذوا عليها بأصنامهم وأندادهم وشركهم كما قال تعالى: {وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون} [الأنفال:34] وقال تعالى: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون * إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} [التوبة:17 - 18] وقال تعالى: {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما} [الفتح:25] فقال تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله) فإذا كان من هو كذلك مطرودا منها مصدودا عنها فأي خراب لها أعظم من ذلك؟! وليس المراد من عمارتها زخرفتها وإقامة صورتها فقط إنما عمارتها بذكر الله فيها، وإقامة شرعه فيها، ورفعها عن الدنس والشرك].
حاصل ما ذكره المؤلف رحمه الله، أن في المسألة قولين لأهل العلم في قوله تعالى {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه} من الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وما المراد القول الأول: أن المراد بهم نصارى الروم حينما خربوا بيت المقدس وأعانوا بختنصر على تخريبه وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله، والمراد بالخراب: الخراب الحسي، خراب بيت المقدس.
والقول الثاني: أن المراد بهم كفار قريش المشركون الذين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه صدوا المؤمنين عن المسجد الحرام، وعن ذكر الله، ومنعوا المسلمين من العمرة، والمراد بالخراب: الخراب المعنوي وهذا هو الذي اختاره الحافظ ابن كثير. وهذا هو الأرجح؛ لأن الخراب الحقيقي هو الخراب المعنوي؛ لأن العمارة الحقيقية للمساجد إنما تكون بذكر الله وإقامة الصلاة فيها، وتعلم العلم وتعليمه وغير ذلك مما فيه قوام للمسلمين.
وكان المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أصحابه هو المنطلق الذي تنطلق منه الجيوش، وكانوا يتشاورون فيه، ويتعلمون العلم، ويذكرون فيه اسم الله.
أما العمارة الحسية، فهذه نعم لا بأس بها، ولو لم يجد الناس مسجدا لصلوا يصلون على الأرض، ويجعلون حاجزا أو سترة.
لكن الخراب المعنوي هذا مصيبة فهو الخراب الحقيقي الخراب الحقيقي هو تعطيلها عن ذكر الله، وعن الصلاة، والصد عن ذكر الله. فهما قولان ابن جرير اختار الخراب الحسي والمراد به النصارى في خراب بيت المقدس والقول الثاني المراد به الخراب المعنوي وهم كفار قريش حينما صدوا النبي ﷺ والمؤمنين عن المسجد الحرام وعن ذكر الله وعن الطواف بالبيت وقد علل الحافظ ابن كثير لهذا أولا: أن الخراب المعنوي هو أشد وهو الخراب الحقيقي أما الخراب الحسي سهل إذا خرب المسجد أو هدم يبنى مرة ثانية أما الخراب المعنوي هو المصيبة هو الخراب الحقيقي

وثانيا: سياق الآية يقتضي هذا وهو أن الله تعالى ذم اليهود والنصارى لقولهم: {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء} [البقرة:113] ثم جاء الذم لكفار قريش بعدها بقوله تعالى: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله} [البقرة:114] فيكون الترتيب السياق يقتضي هذا ذم اليهود وذم النصارى ثم ذم المشركين.
أما إذا كانت الآية بمعنى الخراب الحسي يكون معنى الآية تابعا لذم اليهود والنصارى، والقاعدة: أن التأسيس مقدم على التأكيد، يعني: تأسيس معنى جديد، فتكون الآية قد أضافت معنى جديدا غير المعنى السابق من الآيات أما على القول الأول الذي اختاره ابن جرير تكون الآية فيها ذم للنصارى كالآية التي قبلها وليس هناك معنى جديدا، أما على القول الثاني ففيه معنى جديد وهو ذم الكفار والمشركين على صدهم المؤمنين عن المسجد الحرام وصدهم عن سبيل الله

لا شك أن الخراب الحسي مثل هدم المساجد وعدم تنظيفها وإلقاء القاذورات فيها لا شك أن هذا أمر عظيم لكن أشد منه الخراب المعنوي
[وقوله تعالى: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين} [البقرة:114] هذا خبر معناه الطلب].
مثل ما قاله عليه الصلاة والسلام: (ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والأكلة والأكلتان، وإنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يقوم فيسأل الناس، ولا يفطن له فيتصدق عليه) المسكين: الذي يسأل الناس هذا مسكين هذا مسكين يشحذ فهذا يعطيه تمرة وهذا يعطيه لقمة، لكن حصل شيء لكن أشد منه مسكنة هو الذي لا يقوم فيسأل الناس وليس عليه علامة الفقر، لا يفطن له فيتصدق عليه، ويستحي لا يسأل الناس وهو مسكين هذا أشد كذلك الآية الخراب الحسي هدم المساجد وعدم تنظيفها وإلقاء القاذورات فيها هذا خراب لكن أشد منه الخراب المعنوي وتعطيلها عن ذكر الله وصد الناس عن سبيل الله  

  والمراد من لفظة: (المساجد) هو كل مسجد إلى يوم القيامة؛ لأن النص عام ورد بصيغة الجمع، وتخصيصها ببعض المساجد وبعض الأشخاص ضعيف.
منع المساجد من ذكر الله في كل زمان لا شك أنه داخل في معنى هذه الآية لكن سياق الآية في ذم كفار قريش والصد عن المسجد الحرام أعظم وصد المؤمنين عن الإيمان وصد النبي ﷺ والمؤمنين ومنعهم من دخول مكة ومن الطواف هذا هو الأصل والصد عن ذكر الله في كل زمان ومنع المساجد من ذكر الله في كل زمان لا شك أنه داخل 

 [وقوله تعالى: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين} [البقرة:114] هذا خبر معناه الطلب، أي: لا تمكنوا هؤلاء إذا قدرتم عليهم من دخولها إلا تحت الهدنة والجزية؛ ولهذا لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أمر من العام القادم في سنة تسع أن ينادى برحاب منى: (ألا لا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، ومن كان له أجل فأجله إلى مدته) وهذا كان تصديقا وعملا بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة:28]
وهذا خبر بمعنى الأمر، والمعنى: إذا قدرتم عليهم فلا تمكنوهم من دخولها إلا خائفين، لا تمكنوهم إلا بجزية

[وقال بعضهم: ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين على حال التهيب وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلا أن يستولوا عليها ويمنعوا المؤمنين منها، والمعنى: ما كان الحق والواجب إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وغيرهم.
وقيل: إن هذا بشارة من الله للمسلمين أنه سيظهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد، وأنه يذل المشركين لهم حتى لا يدخل المسجد الحرام أحد منهم إلا خائفا يخاف أن يؤخذ فيعاقب أو يقتل إن لم يسلم، وقد أنجز الله هذا الوعد كما تقدم من منع المشركين من دخول المسجد الحرام، وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يبقى بجزيرة العرب دينان، وأن يجلى اليهود والنصارى منها ولله الحمد والمنة وما ذاك إلا لتشريف أكناف المسجد الحرام وتطهير البقعة التي بعث الله فيها رسوله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا صلوات الله وسلامه عليه، وهذا هو الخزي لهم في الدنيا؛ لأن الجزاء من جنس العمل فكما صدوا المؤمنين عن المسجد الحرام صدوا عنه، وكما أجلوهم من مكة أجلوا عنها{ولهم في الآخرة عذاب عظيم} [البقرة:114] على ما انتهكوا من حرمة البيت، وامتهنوه من نصب الأصنام حوله، ودعاء غير الله عنده والطواف به عريا، وغير ذلك من أفاعيلهم التي يكرهها الله ورسوله، وأما من فسره ببيت المقدس فقال كعب الأحبار].
الصواب أن يقول: وأما من فسره ببيت المقدس، وهذا هو القول الأول الذي اختاره ابن جرير وقد فسره بتخريب بيت المقدس كما فعل بختنصر، وهذا القول ضعيف.
[وأما من فسر بيت المقدس فقال كعب الأحبار: إن النصارى لما ظهروا على بيت المقدس خربوه فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم أنزل عليه: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين} [البقرة:114] الآية فليس في الأرض نصراني يدخل بيت المقدس إلا خائفا.
وقال السدي: فليس في الأرض رومي يدخله اليوم إلا وهو خائف أن يضرب عنقه، أو قد أخيف بأداء الجزية فهو يؤديها، وقال قتادة: لا يدخلون المساجد إلا مسارقة.
قلت: وهذا لا ينفي أن يكون داخلا في معنى عموم الآية فإن النصارى لما ظلموا بيت المقدس بامتهان الصخرة التي كانت تصلي إليها اليهود عوقبوا شرعا وقدرا بالذلة فيه إلا في أحيان من الدهر أشحن بهم بيت المقدس.
وكذلك اليهود لما عصوا الله فيه أيضا أعظم من عصيان النصارى كانت عقوبتهم أعظم، والله أعلم.
وفسر هؤلاء الخزي في الدنيا: بخروج المهدي عند السدي وعكرمة ووائل بن داود، وفسره قتادة بأداء الجزية عن يد وهم صاغرون، والصحيح أن الخزي في الدنيا أعم من ذلك كله، وقد ورد الحديث بالاستعاذة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة كما قال الإمام أحمد: أخبرنا الهيثم بن خارجة، أخبرنا محمد بن أيوب بن ميسرة بن حلبس قال: سمعت أبي يحدث عن بسر بن أرطأة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: (اللهم! أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة) وهذا حديث حسن، وليس في شيء من الكتب الستة، وليس لصحابيه وهو بسر بن أرطأة حديث سواه، وسوى حديث: (لا تقطع الأيدي في الغزو)].
وبسر قال عنه أبو داود: ثقة، وقال ابن عمار ثقة، وقال محمد بن سعيد والعجلي والبزار وابن حبان وثقه
قال الله تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم} [البقرة:115].
[هذا -والله أعلم- فيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين أخرجوا من مكة وفارقوا مسجدهم ومصلاهم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه، فلما قدم المدينة وجه إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا ثم صرفه الله إلى الكعبة بعد؛ ولهذا يقول تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة:115] قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الناسخ والمنسوخ: أخبرنا حجاج بن محمد، أخبرنا ابن جريج وعثمان بن عطاء، عن عطاء، عن ابن عباس قال: أول ما نسخ لنا من القرآن فيما ذكر لنا -والله أعلم- شأن القبلة، قال الله تعالى: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ثم صرفه إلى بيته العتيق ونسخها فقال: {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة:150]
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم، وكان يدعو وينظر إلى السماء، فأنزل الله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} [البقرة:144] إلى قوله: (فولوا وجوهكم شطره) فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} [البقرة:142] فأنزل الله: {قل لله المشرق والمغرب} [البقرة:142] وقال: {فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة:115] وقال عكرمة عن ابن عباس: (فأينما تولوا فثم وجه الله) قال: قبلة الله أينما توجهت شرقا أو غربا].
هذه الآية الكريمة وهي قول الله تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة:115] فيها للعلماء أقوال ذكرها الحافظ هنا رحمه الله القول الأول: إنها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حينما فاته التوجه إلى الكعبة، فقد كان في مكة قبل الهجرة، كان عليه الصلاة والسلام يستقبل بيت المقدس والكعبة بين يديه، يستقبلهما جميعا، فلما هاجر إلى المدينة فاته ذلك فكأنه حصل في نفسه بعض الشيء فأنزل الله هذه الآية تسلية له ولأصحابه، {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} أينما تتوجهوا فالله تعالى هو الذي أمركم، وهذه طاعته.
والقول الثاني: أن هذه الآية نزلت قبل أن يوجه إلى الكعبة، حينما هاجر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام كان يتوجه إلى أي جهة كانت، فبين الله تعالى أن الجهات كلها له وهي ملك لله عز وجل، وأن أي جهة توجه إليها بإذن الله وبأمره فذاك طاعة الله؛ ولهذا أنزل الله: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة:115] وهذه الآية فيما إثبات صفة الوجه لله عز وجل على ما يليق بجلاله وعظمته فأنتم حينما تتوجهون إلى أي جهة بإذن الله وطاعته فذاك امتثال لأمر الله، ثم وجه عليه الصلاة والسلام بعد ذلك إلى الكعبة.
والقول الثالث: أن هذه الآية نزلت في صلاة النافلة، وأن المسلم إذا كان يصلي على راحلته في السفر فإنه يتوجه إلى أي جهة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته وهو مسافر إلى جهة سيره، إلى الشرق، أو إلى الغرب، أو إلى الشمال، أو إلى الجنوب؛ ولهذا قال سبحانه:{ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} ومعنى فثم وجه الله، أي: فثم جهة الله.
فإذا صليتم على الرواحل أو على المركوب فصلوا إلى أي جهة وأنتم مسافرون، فذاك وجه الله وقبلته.
القول الرابع: أن هذه الآية نزلت في قوم في الصحراء عميت عليهم القبلة فصلوا إلى أنحاء مختلفة، منهم من صلى إلى هذه الجهة اجتهادا، ومنهم من صلى إلى الجهة الأخرى، فلما أصبحوا وجدوا أنهم صلوا إلى غير القبلة فأنزل الله هذه الآية: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله}.
فالإنسان إذا كان في الصحراء يجتهد ويصلي على حسب اجتهاده، فإن تبين بعد ذلك أنه صلى إلى غير القبلة فصلاته صحيحة.
القول الخامس: أن هذه الآية نزلت في النجاشي رحمه الله؛ وذلك أنه لما أسلم كان يتجه إلى بيت المقدس، ثم نسخ الله التوجه إلى بيت المقدس وهو لم يعلم، واستمر على توجهه إلى بيت المقدس فأنزل الله هذه الآية: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة:115].
القول السادس: أن هذه الآية نزلت في الدعاء، وأن المسلم إذا دعا ربه ورفع يديه إلى أي جهة فثم وجه الله. {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله}
[وقال مجاهد: (فأينما تولوا فثم وجه الله): حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها: الكعبة.
وقال ابن أبي حاتم بعد رواية الأثر المتقدم عن ابن عباس في نسخ القبلة عن عطاء عنه، وروي عن أبي العالية والحسن وعطاء الخراساني وعكرمة وقتادة والسدي وزيد بن أسلم نحو ذلك.
وقال ابن جرير: وقال آخرون: بل أنزل الله هذه الآية قبل أن يفرض التوجه إلى الكعبة].
هذا القول الثاني.
[وإنما أنزلها ليعلم نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن لهم التوجه بوجوههم للصلاة حيث شاءوا من نواحي المشرق والمغرب؛ لأنهم لا يوجهون وجوههم وجها من ذلك وناحية إلا كان جل ثناؤه في ذلك الوجه وتلك الناحية].
لأن في ذلك طاعة الله وامتثال أمره، وقد كان الصحابة قبل أن يوجهوا إلى الكعبة يتوجهون إلى جهات متعددة، فإذا توجهوا إلى أي جهة وقد أذن الله له فذاك طاعة الله وامتثال أمره.
[لأنهم لا يوجهون وجوههم وجها من ذلك وناحية إلا كان جل ثناؤه في ذلك الوجه وتلك الناحية لأن له تعالى المشارق والمغارب، وأنه لا يخلو منه مكان].
في هذه الآية أن الله تعالى مالك الجهات كلها فهو مالك المشارق والمغارب.
قال بعض العلماء في هذه الآية: إنها من آيات الصفات التي فيها إثبات الوجه لله، ومن العلماء من قال: ليس فيها إثبات الصفة. وعلى كل حال فمن قال: إن هذه الآية فيها إثبات الوجه لله، ضم إلى ذلك أدلة أخرى، أما وحدها بمفردها فقد لا تدل؛ ولهذا قال بعضهم في معنى قوله تعالى: {فثم وجه الله} [البقرة:115] فثم جهة الله وقبلته، فليست هذه الآية من آيات الصفات.
ومن قال: إنها من آيات الصفات ضم إليها غيرها من الأدلة فأثبت الوجه لله عز وجل.
والوجه ثابت لله في نصوص أخرى صريحة {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} [الرحمن:27].
ولا يلزم من قول الذين قالوا: جهة الله أنها بمعنى: إثبات صفة الوجه؛ لأن الآية ليست صريحة في إثبات الوجه. والوجه ثابت لله تعالى في أدلة كثيرة صريحة.
[لأن له تعالى المشارق والمغارب، وأنه لا يخلو منه مكان كما قال تعالى: {ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا} [المجادلة:7] قالوا: ثم نسخ ذلك بالفرض الذي فرض عليهم التوجه إلى المسجد الحرام هكذا قال].
يعني هكذا قال ابن جرير.
[وفي قوله: وأنه تعالى لا يخلو منه مكان إن أراد علمه تعالى فصحيح فإن علمه تعالى محيط بجميع المعلومات، وأما ذاته تعالى فلا تكون محصورة في شيء من خلقه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا].
نعم كما قال الحافظ، كلمة ابن جرير موهمة وهو تعالى في كل مكان موهمة فإن أراد أن علمه في كل مكان فصحيح، أما ذاته سبحانه وتعالى فهو فوق العرش، فوق المخلوقات ولكن ينبغي أن يحمل على هذا؛ لأن ابن جرير من أهل السنة والجماعة، ولا يمكن أن يحمل كلامه على أن ذاته تعالى في كل مكان، فإن هذا قول الحلولية وهو كفر، وابن جرير رحمه الله من أئمة أهل السنة والجماعة فلا يمكن أن يحمل كلامه إلا على معتقدات أهل السنة والجماعة أعلى ما دلت عليه النصوص. قوله في كل مكان يعني علمه في كل مكان وذاته فوق العرش سبحانه وتعالى ينبغي أن يحمل على هذا
[قال ابن جرير وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذنا من الله أن يصلي المتطوع حيث توجه من شرق أو غرب].
هذا القول الثالث.
[حيث توجه من شرق أو غرب في مسيره في سفره، وفي حال المسايفة وشدة الخوف].
والمسايفة يعني: القتال بالسيف، فإذا كان المؤمنون في يجاهدون يقاتلون العدو فإنهم يصلون إلى الجهة التي فيها العدو، إذا كان العدو في جهة الشرق صلوا إلى جهة الشرق، وإذا كان العدو في جهة الشمال صلوا إلى جهة الشمال وبذلك يسقط استقبال القبلة، وكذلك في المسايفة: وهي القتال بالسيوف وقرب المسلمون من عدوهم، ففي هذه الحالة ما يمكن استقبال القبلة.
كما مر في البخاري في صلاة الخوف أنهم إذا اشتد الخوف صلوا رجالا وركبانا إلى قبلة وإلى غير القبلة وإذا اشتد الخوف يكفي ركعة واحدة ولهذا جاء عن ابن عباس صلاة الحضر أربع ركعات وصلاة السفر ركعتين وصلاة الخوف ركعة وذهب بعض العلماء إذا اشتد الخوف ولم يمكن في وقت المسايفة قال بعض العلماء يكفي ركعة واحدة في هذه الحالة للضرورة

[حدثنا أبو كريب، أخبرنا ابْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَيَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بِهِ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْآيَةِ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ من حديث نافع عن ابن عمر، وأنه كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَصَفَهَا، ثم قالفإن كان خوف أشد من ذَلِكَ، صَلُّوا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَرُكْبَانًا مُسْتَقْبَلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا قَالَ نَافِعٌوَلَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

[مَسْأَلَةٌوَلَمْ يُفَرِّقِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، بَيْنَ سَفَرِ الْمَسَافَةِ وَسَفَرِ الْعَدْوَ، فَالْجَمِيعُ عَنْهُ يَجُوزُ التَّطَوُّعُ فِيهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَجَمَاعَتِهِ، وَاخْتَارَ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ، التَّطَوُّعَ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْمِصْرِ(يعني في البلد) وَحَكَاهُ أَبُو يُوسُفَ(الصاحب الأول لأبي حنيفة والصاحب الثاني محمد بن الحسن الشيباني) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ، حَتَّى لِلْمَاشِي أَيْضًا]

المعروف السنة أن النبي ﷺ إنما كان يصلي على راحلته النافلة في السفر ولم يفعل هذا في الحضر في البلد كان يصلي على راحلته حيث توجهت به شرق أو غرب أو شمال أو جنوب لكن جاء في سنن أبي داود أنه يكبر تكبيرة الإحرام نحو القبلة في الحديث أنه يستقبل القبلة في تكبيرة الإحرام ثم ينصرف إلى جهته هذا مستحب أما في البلد فلم يثبت عنه لأن في البلد المسافة ليست بعيدة ولأنه يمكنه أن يقف ويصلي فالمعروف عنه ﷺ أنه كان يصلي على راحلته في السفر صلاة الضحى وصلاة الليل أما في البلد فلا 

 ] قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ آخرونبل نزلت الْآيَةُ فِي قَوْمٍ عُمِّيَتْ عَلَيْهِمُ الْقِبْلَةُ، فَلَمْ يَعْرِفُوا شَطْرَهَا فَصَلَّوْا عَلَى أَنْحَاءَ مُخْتَلِفَةٍ، فَقَالَ الله تعالىلي المشارق والمغارب فأني وليتم وجوهكم فهناك وجهي وهو قبلتكم فيعلمكم بذلك أن صلاتكم ماضية.

هذا إذا المسافر صلى إلى غير قبلة ولم تكن عنده وسائل واجتهد وصلى ولو إلى غير قبلة تبين له أنه إلى غير قبلة فصلاته صحيحة لكن الآن الحمد لله الوسائل متعددة فلا ينبغي للإنسان أن يفرط ولا أن يتساهل الوسائل متعددة والسيارات سريعة والمساجد في الطرقات والبوصلة موجودة في السيارة ويستطيع أن يسأل

المسافر ما عليه راتبة تسقط إلا راتبة الفجر    

[حدثنا محمد بن إسحاق الأهوازي، أخبرنا أبو أحمد الزبيري أخبرنا أَبُو الرَّبِيعِ السَّمَّانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَكُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي لَيْلَةٍ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْأَحْجَارَ فَيَعْمَلُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ، فَلَمَّا أَنْ أصبحنا إذا نحن قد صلينا إلى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَىوَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ الْآيَةَ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ السَّمَّانِ بِنَحْوِهِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ وَكِيعٍ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ السَّمَّانِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ السَّمَّانِ، وَاسْمُهُ أَشْعَثُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّهذا حديث حسن، وليس إِسْنَادُهُ بِذَاكَ وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الأشعث السَّمَّانِ، وَأَشْعَثُ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ.

قُلْتُ وَشَيْخُهُ عَاصِمٌ أَيْضًا ضَعِيفٌ. قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِوَقَالَ ابْنُ مَعِينٍضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِوَقَالَ ابْنُ حِبَّانَمَتْرُوكٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ روى من طريق آخر، عن جابر فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِ هذه الآية

أخبرنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل، أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَبِيبٍ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بن عبد اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَوَجَدْتُ فِي كِتَابِ أبي أخبرنا عبد الملك العرزمي عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً كُنْتُ فِيهَا فَأَصَابَتْنَا ظُلْمَةٌ، فَلَمْ نَعْرِفِ الْقِبْلَةَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَّاقَدْ عَرَفْنَا الْقِبْلَةَ هِيَ هَاهُنَا قبل الشمال فَصَلَّوْا وَخَطُّوا خُطُوطًا فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ أَصْبَحَتْ تِلْكَ الْخُطُوطُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَلَمَّا قَفَلْنَا مِنْ سَفَرِنَا سَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَتَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَىوَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ العرزمي عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ بِهِوَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّقُرِئَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وأنا أسمع حدثكم داود بن عمرو أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَكُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ فَأَصَابَنَا غَيْمٌ فَتَحَيَّرْنَا فَاخْتَلَفْنَا فِي القبلة فصلى كل رجل مِنَّا عَلَى حِدَةِ وَجَعَلَ أَحَدُنَا يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَنَعْلَمَ أَمْكِنَتَنَا فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِالْإِعَادَةِ، وَقَالَقَدْ أَجزأَتْ صَلَاتُكُمْ، ثُمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّكَذَا قَالَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء وهما ضعيفان. ورواه ابْنُ مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فَأَخَذَتْهُمْ ضَبَابَةٌ فَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى الْقِبْلَةِ فَصَلَّوْا لغير القبلة ثم استبان لهم بعد أن طلعت الشَّمْسِ أَنَّهُمْ صَلَّوْا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَلَمَّا جُاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حدثوه فأنزل الله تعالى في هَذِهِ الْآيَةَ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ وَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ فِيهَا ضَعْفٌ، وَلَعَلَّهُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا،

نعم صدق رحمه الله كلها فيها ضعف الأول فيه عاصم والثاني في عبيد الله العرزمي عن عطاء وهما ضعيفان لكن يشد بعضها بعضا طرق متعددة تدل على هذا الأصل و العلماء بينوا هذا أنه إذا صلى إلى غير قبلة بالاجتهاد ولم يجد حيلة وتبين له فصلاته صحيحة والأصل قول الله تعالى" فاتقوا الله ما استطعتم "

[وَأَمَّا إِعَادَةُ الصَّلَاةِ لِمَنْ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَهَذِهِ دَلَائِلُ عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ]

يعني هذه الآثار يشد بعضها بعضا تدل لعدم القضاء وهو الأرجح أنه لا يقضي إذا اجتهد صلى على اجتهاد أما إذا صلى على غير اجتهاد تفريط فإنه يعيد إذا أخطأ عن اجتهاد فصلاته صحيحة أما عن تفريط أو بدون اجتهاد يعيد 

[قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ آخَرُونَبَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي سَبَبِ النَّجَاشِيِّ كَمَا حَدَّثَنَا محمد بن بشار، أخبرنا مُعَاذ بْنُ هِشَام حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَإِنْ أَخًا لَكُمْ قَدْ مَاتَ، فَصَلُّوا عَلَيْهِ، قَالُوا نُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ؟ قَالَفنزلت وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ [آلِ عِمْرَانَ: 199قَالَ قَتَادَةُ: فَقَالُوا إنه كَانَ لَا يُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ وَهَذَا غَرِيبٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ قِيلَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ النَّاسِخَ إِلَى الْكَعْبَةِ، كَمَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ قَتَادَةَ، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِذَلِكَ مِنْ ذَهَبَ إِلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ، 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد